فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (17):

{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} قرأ حمزة ويعقوب: {أخفيْ لهم} ساكنة الياء، أي: أنا أخفي لهم ومن حجته قراءة ابن مسعود {نخفي} بالنون. وقرأ الآخرون بفتحها. {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} مما تقر به أعينهم، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا إسحاق بن نصر، أخبرنا أبو أسامة عن الأعمش، أخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا بَلْهَ ما اطلعتم عليه»، ثم قرأ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مما لا تفسير له. وعن بعضهم قال: أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.

.تفسير الآيات (18- 20):

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نزلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)}
قوله عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لسانًا، وأحدّ منك سنانًا، وأشجع منك جنانًا، وأملا منك حشوًا في الكتيبة. فقال له علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} ولم يقل: لا يستويان، لأنه لم يرد مؤمنًا واحدًا وفاسقًا واحدًا، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين. {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} التي يأوي إليها المؤمنون، {نزلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}.

.تفسير الآيات (21- 23):

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)}
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ} أي: سوى العذاب الأكبر، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال أبي بن كعب، والضحاك، والحسن، وإبراهيم: {العذاب الأدنى} مصائب الدنيا وأسقامها، وهو رواية الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال عكرمة عنه: الحدود. وقال مقاتل: الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. وقال ابن مسعود: هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي، {دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ} يعني: عذاب الآخرة، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى الإيمان، يعني: من بقي منهم بعد بدر وبعد القحط. قوله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} يعني: المشركين، {مُنْتَقِمُونَ} {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} يعني: فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة المعراج، قاله ابن عباس وغيره.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا غندر، عن شعبة، عن قتادة رحمه الله قال: وقال لي خليفة، أخبرنا يزيد بن زريع، أخبرنا سعيد عن قتادة، عن أبي العالية قال: أخبرنا ابن عم نبيكم- يعني ابن عباس- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدًا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعًا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إيّاه فلا تكن في مرية من لقائه».
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، أخبرنا عبد الله المحاملي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز، أخبرنا محمد بن يونس، أخبرنا عمر بن حبيب القاضي، أخبرنا سليمان التيمي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره».
وروينا في المعراج أنه رآه في السماء السادسة ومراجعته في أمر الصلاة.
قال السدي: {فلا تكن في مرية من لقائه}، أي: من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول.
{وَجَعَلْنَاهُ} يعني: الكتاب وهو التوراة، وقال قتادة: موسى، {هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}.

.تفسير الآيات (24- 27):

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27)}
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} يعني: من بني إسرائيل، {أَئِمَّةً} قادة في الخير يقتدي بهم، يعني: الأنبياء الذين كانوا فيهم. وقال قتادة: أتباع الأنبياء، {يَهْدُونَ} يدعون، {بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} قرأ حمزة والكسائي، بكسر اللام وتخفيف الميم، أي: لصبرهم، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم، أي: حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ} يقضي، {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} {أَوَلَمْ يَهْدِ} لم يتبين، {لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} آيات الله وعظائه فيتعظون بها. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ} أي: اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، قال ابن عباس: هي أرض باليمن. وقال مجاهد: هي أرض بابين، {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ} من العشب والتبن {وَأَنْفُسُهُمْ} من الحبوب والأقوات، {أَفَلا يُبْصِرُونَ}.

.تفسير الآيات (28- 30):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)}
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قيل: أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد، قال قتادة: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للكفار: إن لنا يومًا نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم، فقالوا استهزاًء: متى هذا الفتح؟ أي: القضاء والحكم، وقال الكلبي: يعني فتح مكة. وقال السدي: يوم بدر لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لهم: إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم، فيقولون متى هذا الفتح. {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ} يوم القيامة، {لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} ومن حمل الفتح على فتح مكة أو القتل يوم بدر قال: معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا، {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} لا يمهلون ليتوبوا ويعتذروا. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال ابن عباس: نسختها آية السيف، {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} قيل: انتظر موعدي لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان. وقيل: انتظر عذابنا فيهم فإنهم منتظرون ذلك.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة {آلم تَنزيلُ} و{هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا سفيان، عن ليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ: تبارك وآلم تنزيل.

.سورة الأحزاب:

مدنية.

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} نزلت في أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور وعمرو بن سفيان السُّلَمي، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا، اللات والعزى ومناة، وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك، فشقَّ على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لنا في قتلهم، فقال: إني قد أعطيتهم الأمان، فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} أي: دُمْ على التقوى، كالرجل يقول لغيره وهو قائم: قم هاهنا، أي: اثبت قائمًا.
وقيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة. وقال الضحاك: معناه اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم.
{وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} من أهل مكة، يعني: أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور، {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل المدينة، عبد الله بن أُبيّ، وعبد الله بن سعد، وطعمة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} بخلقه، قبل أن يخلقهم، {حَكِيمًا} فيما دبره لهم.

.تفسير الآيات (3- 4):

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قرأ أبو عمرو: {يعملون خبيرًا} و{يعملون بصيرًا} بالياء فيهما، وقرأ غيره بالتاء. {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ثق بالله، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} حافظًا لك، وقيل: كفيلا برزقك. قوله عز وجل: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} نزلت في أبي معمر، جميل بن معمر الفهري، وكان رجلا لبيبًا حافظًا لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم، فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه بيده، والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال انهزموا، قال: فما لك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.
وقال الزهري ومقاتل هذا مَثَلٌ ضربه الله عز وجل للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره، يقول: فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة للمظاهر أمَّه حتى تكون أُمَّان، ولا يكون له ولد واحد ابن رجلين.
{وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} قرأ أهل الشام والكوفة: {اللاتي} هاهنا وفي سورة الطلاق بياء بعد الهمزة، وقرأ قالون عن نافع ويعقوب بغير ياء بعد الهمزة، وقرأ الآخرون بتليين الهمزة، وكلها لغات معروفة، {تظاهرون} قرأ عاصم بالألف وضم التاء وكسر الهاء مخففًا، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والهاء مخففا وقرأ ابن عامر بفتحها وتشديد الظاء، وقرأ الآخرون بفتحها وتشديد الظاء والهاء من غير ألف بينهما.
وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. يقول الله تعالى: ما جعل نساءكم اللائي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم، ولكنه منكر وزور، وفيه كفارة نذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة.
{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ} يعني: من تبنيتموه {أَبْنَاءَكُمْ} فيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالإبن المولود له، يدعوه الناس إليه، ويرث ميراثه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، وتبناه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية ونسخ التبني {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم وادعاء نسب لا حقيقة له، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} أي: قوله الحق، {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي: يرشد إلى سبيل الحق.

.تفسير الآية رقم (5):

{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}
{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} الذين ولدوهم، {هُوَ أَقْسَطُ} أعدل، {عِنْدِ اللَّهِ} أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا معلي بن أسد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار، أخبرنا موسى بن عقبة، حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن.
{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} أي: فهم إخوانكم {فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} إن كانوا محررين وليسوا بِبَنِيكُم، أي: سمُّوهم بأسماء إخوانكم في الدين. وقيل: {مواليكم} أي: أولياءكم في الدين، {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه، {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي.
وقال قتادة: {فيما أخطأتم به} أن تدعوه لغير أبيه، وهو يظن أنه كذلك. ومحل {ما} في قوله تعالى: {ما تعمدت} خفض ردًا على {ما} التي في قوله: {فيما أخطأتم به} مجازه: ولكن فيما تعمدت قلوبكم.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا غندر، أخبرنا شعبة عن عاصم، قال: سمعت أبا عثمان قال: سمعت سعدًا، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام».