فصل: تفسير الآيات (27- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (27- 29):

{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} بعد، قال ابن زيد ومقاتل: يعني خيبر، قال قتادة: كنا نحدث أنها مكة. وقال الحسن: فارس والروم. وقال عكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} متعة الطلاق، {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئا من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ وكانوا يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقال عمر لأعلمنّ لكم شأنه، قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال: لا قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: نعم إن شئت، فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فنزلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء- 83]، فكنت أنا استنبطت ذاك الأمر، وأنزل الله آية التخيير، وكانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية، وسودة بنت زمعة، وغير القرشيان: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، رضوان الله عليهن فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعتها على ذلك.
قال قتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا زهير بن حرب، أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا زكريا بن إسحاق، أخبرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسا ببابه ولم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا، فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصه يجأ عنقها، كلاهما يقول: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ} حتى بلغ: {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليكِ أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله استشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا، قال الزهري فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: فلما مضت تسع وعشرون أعدُّهن دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بدأ بي فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت ألا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين أعدهن؟ فقال: «إن الشهر تسع وعشرون».
واختلف العلماء في هذا الخيار أنه هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أم لا؟ فذهب الحسن، وقتادة، وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيّرهن على أنّهن إذا اخترن الدنيا فارقهن، لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة: «لا تعجلي حتى تستشيري أبويك»، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور.
وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهن كان طلاقًا.
واختلف أهل العلم في حكم التخيير: فقال عمر، وابن مسعود، وابن عباس: إذا خيّر الرّجلُ امرأته فاختارت زوجَها لا يقع شيء، وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي، وأصحاب الرأي، إلا عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها، وعند الآخرين رجعية.
وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فثلاث، وهو قول الحسن وبه قال مالك.
وروي عن علي أيضًا أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة.
وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عمر بن حفص، أخبرنا أبي، أخبرنا الأعمش، أخبرنا مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله فلم يعدّ ذلك علينا شيئًا.

.تفسير الآية رقم (30):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
قوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} بمعصية ظاهرة، قيل: هي كقوله عز وجل: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر- 65] لا أن منهن من أتت بفاحشة. وقال ابن عباس: المراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق. {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} قرأ ابن كثير وابن عامر: {نضعف} بالنون وكسر العين وتشديدها، {العَذاب} نصب، وقرأ الآخرون بالياء وفتح العين {العذاب} رفع ويشددها أبو جعفر وأهل البصرة، وشدد أبو عمرو هذه وحدها لقوله: {ضعفين}، وقرأ الآخرون: {يضاعَف} بالألف وفتح العين، {العذاب} رفع، وهما لغتان مثل بعَّدَ وباعد، قال أبو عمرو وأبو عبيدة: ضعفت الشيء إذا جعلته مثليه وضاعفته إذا جعلته أمثاله. {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} قال مقاتل: كان عذابها على الله هينًا وتضعيف عقوبتهن على المعصية لشرفهنّ كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن؛ وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32)}
{وَمَنْ يَقْنُتْ} يطع، {مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} قرأ يعقوب: {من تأت منكن}، {وتقنت} بالتاء فيهما، وقرأ العامة بالياء لأن مَنْ أداةٌ تقوم مقام الإسم يعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي: مثلي أجر غيرها، قال مقاتل: مكان كل حسنة عشرين حسنة. وقرأ حمزة والكسائي: {يعمل}، {يؤتها} بالياء فيهما نسقًا على قوله: {ومن يأت}، {ويقنت} وقرأ الآخرون بالتاء، {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} حسنًا يعني الجنة. {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} قال ابن عباس: يريد ليس قَدْرُكنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصالحات، أنتن أكرم عليَّ، وثوابُكنّ أعظمُ لديَّ، ولم يقل: كواحدة، لأن الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، قال الله تعالى: {لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة – 285]، وقال: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة- 47].
{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الله فأطعتُنَّه، {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} لا تَلِنَّ بالقول للرجال ولا ترققن الكلام، {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: فجور وشهوة، وقيل نفاق، والمعنى: لا تقلن قولا يجد منافق أو فاجر به سبيلا إلى الطمع فيكنّ. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع.
{وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} لوجه الدين والإسلام بتصريح وبيان من غير خضوع.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ أهل المدينة وعاصم: {وقَرن} بفتح القاف، وقرأ الآخرون بكسرها، فمن فتح القاف فمعناه، اقررن أي: الزمن بيوتَكُن من قولهم: قررت بالمكان أقرُّ قرارًا، يقال: قررت أقر وقررت أقر، وهما لغتان، فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كقولهم: في ظللت ظلت، قال الله تعالى: {فظلتم تفكهون} [الواقعة- 65]، {وظلت عليه عاكفا} [طه- 97].
ومن كسر القاف فقد قيل: هو من قررت أقر، معناه اقررن- بكسر الراء- فحذفت الأولى ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا وقيل:- وهو الأصح- أنه أمر من الوقار، كقولهم من الوعد: عدن، ومن الوصل: صلن، أي: كُنَّ أهل وقار وسكون، من قولهم وقر فلان يقر وقورًا إذا سكن واطمأن.
{وَلا تَبَرَّجْنَ} قال مجاهد وقتادة: التبرج هو التكسر والتغنج، وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر. وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال، {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} اختلفوا في الجاهلية الأولى. قال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو العالية: هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام، كانت المرأة تلبس قميصًا من الدر غير مخيط من الجانبين فيُرى خلقها فيه.
وقال الكلبي: كان ذلك في زمن نمرود الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال. وروى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِبَاحًا وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صِباحًا وفي الرجال دمامة، وأن إبليس أتى رجلا من أهل السهل وأجَّر نفسه منه، فكان يخدمه واتخذ شيئًا مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه، واتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصِباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم، فذلك قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
وقال قتادة: هي ما قبل الإسلام.
وقيل: الجاهلية الأولى: ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى: قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان.
وقيل: قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى، كقوله تعالى: {وأنه أهلك عادا الأولى} [النجم- 50]، ولم يكن لها أخرى.
قوله عز وجل: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} أراد بالرجس: الإثم الذي نهى الله النساء عنه، قاله مقاتل. وقال ابن عباس: يعني: عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى، وقال قتادة: يعني: السوء. وقال مجاهد: الرجس الشك.
وأراد بأهل البيت: نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، وتلا قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}، وهو قول عكرمة ومقاتل.
وذهب أبو سعيد الخدري، وجماعة من التابعين، منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهما: إلى أنهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعدي، أخبرنا أبو همام الوليد بن شجاع، أخبرنا يحيى بن زكريا بن زائدة، أخبرنا أبي عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة الحجبية، عن عائشة أم المؤمنين قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء عليّ فأدخله فيه ثم جاء حسن فأدخله فيه، ثم جاء حسين فأدخله فيه، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الحميدي، أخبرنا عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم، أخبرنا عثمان بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة قالت: في بيتي أنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فقال: «هؤلاء أهل بيتي»، قالت: فقلت يا رسول الله أَمَا أنا من أهل البيت؟ قال: «بلى إن شاء الله».
قال زيد بن أرقم: أهل بيته مَنْ حَرُمَ الصدقة عليه بعده، آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.