فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (41):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} قال ابن عباس: لم يفرض الله تعالى فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدًا يُنتهى إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله وأمرهم به في كل الأحوال، فقال: {فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} [النساء- 103]. وقال: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} أي: بالليل والنهار، في البر والبحر وفي الصحة والسقم، وفي السر والعلانية. وقال مجاهد: الذكر الكثير أن لا تنساه أبدًا.

.تفسير الآيات (42- 44):

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}
{وَسَبِّحُوهُ} أي: صلوا له، {بُكْرَةً} يعني: صلاة الصبح، {وَأَصِيلا} يعني: صلاة العصر. وقال الكلبي: {وأصيلا} صلاة الظهر والعصر والعشاءين.
وقال مجاهد: يعني: قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعبر بالتسبيح عن أخواته.
وقيل: المراد من قوله: {ذكرًا كثيرًا} هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث. {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} فالصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار للمؤمنين.
قال السدي قالت بنو إسرائيل لموسى: أيصلي ربنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى، فأوحى الله إليه: أن قل لهم: إني أصلي، وأن صلاتي رحمتي، وقد وسعت رحمتي كل شيء.
وقيل: الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده. وقيل: الثناء عليه.
قال أنس: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قال أبو بكر: ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه، فأنزل الله هذه الآية.
قوله: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان يعني: أنه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى النور، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} {تَحِيَّتُهُمْ} أي: تحية المؤمنين، {يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} أي: يرون الله، {سَلامٌ} أي: يسلم الله عليهم، ويسلمهم من جميع الآفات.
وروي عن البراء بن عازب قال: {تحيتهم يوم يلقونه}، يعني: يلقون ملك الموت، لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه.
وعن ابن مسعود قال: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام.
وقيل: تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} يعني: الجنة.

.تفسير الآيات (45- 49):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا (47) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (49)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} أي: شاهدا للرسل بالتبليغ، ومبشرا لمن آمن بالجنة، ونذيرا لمن كذب بآياتنا بالنار. {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} إلى توحيده وطاعته، {بِإِذْنِهِ} بأمره، {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} سماه سراجًا لأنه يهتدي به كالسراج يستضاء به في الظلمة. {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا}. {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} ذكرنا تفسيره في أول السورة، {وَدَعْ أَذَاهُمْ} قال ابن عباس وقتادة: اصبر على أذاهم. وقال الزجاج: لا تجازهم عليه. وهذا منسوخ بآية القتال.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} حافظًا. قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُم الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح، حتى لو قال لامرأة أجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، وقال: كل امرأة أنكحها فهي طالق، فنكح، لا يقع الطلاق. وهو قول علي، وابن عباس، وجابر، ومعاذ، وعائشة، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة، وشريح وسعيد بن جبير، والقاسم وطاووس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، وسليمان بن يسار، ومجاهد، والشعبي، وقتادة، وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي.
وروي عن ابن مسعود: أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي، وأصحاب الرأي.
وقال ربيعة، ومالك، والأوزاعي: إن عين امرأة يقع، وإن عم فلا يقع.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، يقول الله تعالى: {وإذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن}، ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد الديموري، أخبرنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أيوب بن سويد، أخبرنا ابن أبي ذئب عن عطاء، عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل النكاح».
قوله عز وجل: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن، {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} تحصونها بالأقراء والأشهر، {فَمَتِّعُوهُنَّ} أي: أعطوهن ما يستمتعن به. قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقًا فلها المتعة، فإن كان قد فرض لها صداقًا فلها نصف الصداق ولا متعة لها.
وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله: {فنصف ما فرضتم} [البقرة – 237].
وقيل: هذا أمر ندب، فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر.
وذهب بعضهم إلى إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية.
{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار.

.تفسير الآية رقم (50):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهن،
{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم، {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} يعني: نساء قريش، {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} يعني: نساء بني زهرة، {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها.
وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي. أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه.
واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر؟
فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك، لقوله: {وامرأة مؤمنة}، وأول بعضهم الهجرة في قوله: {اللاتي هاجرن معك} على الإسلام، أي: أسلمن معك. فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} كالزيادة على الأربع، ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه.
واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج، وهو قول سعيد بن المسيب، والزهري، ومجاهد، وعطاء، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي.
وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك، وهو قول إبراهيم النخعي، وأهل الكوفة.
ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم: فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد بلفظ الهبة، لقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين}.
وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عز وجل: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح.
واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن؟.
فقال عبد الله بن عباس، ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وقوله: {إن وهبت نفسها} على طريق الشرط والجزاء. وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها فقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الهلالية، يقال لها: أم المساكين.
وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث.
وقال علي بن الحسين، والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر من بني أسد.
وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم. قوله عز وجل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي: أوجبنا على المؤمنين، {فِي أَزْوَاجِهِمْ} من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر، {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي: ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين، {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} وهذا يرجع إلى أول الآية أي: أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

.تفسير الآية رقم (51):

{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)}
{تُرْجِي} أي: تؤخر، {مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي} أي: تضم، {إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}.
اختلف المفسرون في معنى الآية: فأشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن، وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبًا عليه، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن.
قال أبو رزين، وابن زيد نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة، فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا حتى نزلت آية التخيير، فأمره الله عز وجل أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدًا، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن، ويرجي من يشاء، فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم، أو قسم لبعضهن دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة، فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء، وكان ذلك من خصائص فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط.
واختلفوا في أنه هل أخرج أحدًا منهم عن القسم؟ فقال بعضهم: لم يخرج أحدًا، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- مع ما جعله الله له من ذلك- يسوي بينهن في القسم إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة.
وقيل: أخرج بعضهن.
روى جرير عن منصور عن أبي رزين قال: لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقهن، فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن وآوى إليه بعضهن، وكان ممن آوى إليه عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان قسم بينهن سواء، وأرجى منهن خمسا: أم حبيبة، وميمونة، وسودة، وصفية وجويرية، فكان يقسم لهن ما شاء.
وقال مجاهد: {ترجي من تشاء منهن} يعني: تعزل من تشاء منهن بغير طلاق، وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد.
وقال ابن عباس: تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء.
وقال الحسن: تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من نساء أمتك.
وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن سلام، أخبرنا ابن فضيل، أخبرنا هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قلت: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
قوله عز وجل: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} أي: طلبت وأردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسم، {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} لا إثم عليك، فأباح الله له ترك القسم لهن حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها، ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلا له على سائر الرجال، {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ} أي: التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل، {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ} أعطيتهن، {كُلُّهُنَّ} من تقرير وإرجاء وعزل وإيواء، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} من أمر النساء والميل إلى بعضهن، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}.