فصل: سورة فاطر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.سورة فاطر:

مكية.

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} خالقها ومبدعها على غير مثال سبق، {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ} ذوي أجنحة {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} قال قتادة ومقاتل: بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة أجنحة، وبعضهم له أربعة أجنحة، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله، {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}.
وقال ابن مسعود في قوله عز وجل: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم- 18]، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. وقال ابن شهاب في قوله: {يزيد في الخلق ما يشاء} قال: حسن الصوت.
وعن قتادة قال: هو الملاحَة في العينين. وقيل: هو العقل والتمييز. {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

.تفسير الآيات (2- 5):

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} قيل: من مطر ورزق، {فَلا مُمْسِكَ لَهَا} لا يستطيع أحد على حبسها، {وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} فيما أمسك {الْحَكِيمُ} فيما أرسل.
أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا عبيد الله بن أسباط، أخبرنا أبي، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد». {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} قرأ حمزة والكسائي {غير} بجر الراء، وقرأ الآخرون برفعها على معنى هل خالق غير الله، لأن من زيادة، وهذا استفهام على طريق التقرير كأنه قال: لا خالق غير الله، {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: من السماء المطر ومن الأرض النبات، {لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يعني وعد يوم القيامة، {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وهو الشيطان.

.تفسير الآيات (6- 8):

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} أي: عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أي: أشياعه وأولياءه {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي: ليكونوا في السعير، ثم بين حال موافقيه ومخالفيه فقال: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} قال ابن عباس: نزلت في أبي جهل ومشركي مكة.
وقال سعيد بن جبير: نزلت في أصحاب الأهواء والبدع. وقال قتادة: منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم، فأما أهل الكبائر فليسوا منهم، لأنهم لا يستحلون الكبائر.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ} شبه وموه عليه وحسن {لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} أي: قبيح عمله، {فَرَآهُ حَسَنًا} زين له الشيطان ذلك بالوسواس.
وفي الآية حذف مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرأى الباطل حقا كمن هداه الله فرأى الحق حقًا والباطل باطلا؟ {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
وقيل: جوابه تحت قوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فيكون معناه: أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة، أي: تتحسر عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر، ومعنى الآية: لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا.
وقرأ أبو جعفر: {فلا تذهب} بضم التاء وكسر الهاء {نفسك} نصب، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} من القبور. قوله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} قال الفراء: معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا. وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، أي: فليطلب العزة من عند الله بطاعته، كما يقال: من كان يريد المال فالمال لفلان، أي: فليطلبه من عنده، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا به التعزير كما قال الله: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزًا كلا} [مريم- 81]، وقال: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} [النساء – 139].
{إِلَيْهِ} أي: إلى الله، {يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وهو قوله لا إله إلا الله، وقيل: هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد ابن زنجويه، أخبرنا الحجاج بن نصر، أخبرنا المسعودي عن عبد الله بن المحارق، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل: ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بها وجه رب العالمين، ومصداقه من كتاب الله عز وجل قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ذكره ابن مسعود. وقيل: {الكلم الطيب}: ذكر الله. وعن قتادة: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي: يقبل الله الكلم الطيب.
قوله عز وجل: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي: يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعكرمة، وأكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال حسنًا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحًا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وجاء في الحديث: «لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلا بنية». وقال قوم: الهاء في قوله: {يرفعه} راجعة إلى العمل الصالح أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرًا عن التوحيد، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل.
وقيل: الرفع من صفة الله عز وجل معناه: العمل الصالح يرفعه الله عز وجل.
وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال، دليله قوله عز وجل: {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف – 110]، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} قال الكلبي: أي: الذين يعملون السيئات. وقال مقاتل: يعني الشرك. وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، كما قال الله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} [الأنفال- 30].
وقال مجاهد: وشهر بن حوشب: هم أصحاب الرياء. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} يبطل ويهلك في الآخرة.

.تفسير الآيات (11- 12):

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)}
قوله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي: آدم، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني: نسله، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} ذكرانًا وإناثًا، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} لا يطول عمره، {وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} يعني: من عمر آخر، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي: نصف درهم آخر، {إِلا فِي كِتَابٍ} وقيل: قوله: {ولا ينقص من عمره} منصرف إلى الأول، قال سعيد بن جبير: مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حين ينقطع عمره. وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة: والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر، فقيل له إن الله عز وجل يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف- 34] فقال: هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص، وقرأ هذه الآية {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: كتابة الآجال والأعمال على الله هين. قوله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} يعني: العذب والمالح، ثم ذكرهما فقال: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} طيب، {سَائِغٌ شَرَابُهُ} أي: جائز في الحلق هنيء، {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة. وقال الضحاك: هو المر. {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} يعني: الحيتان من العذب والمالح جميعا، {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً} أي: من المالح دون العذب {تَلْبَسُونَهَا} يعني اللؤلؤ. وقيل: نسب اللؤلؤ إليهما، لأنه يكون في البحر الأجاج عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من بين ذلك، {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة، {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} بالتجارة، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه.

.تفسير الآيات (13- 18):

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني: الأصنام، {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وهو لفافة النواة، وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة. {إِنْ تَدْعُوهُمْ} يعني: إن تدعو الأصنام، {لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ما أجابوكم، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياها، يقولون: ما كنتم إيانا تعبدون. {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} يعني: نفسه أي: لا ينبئك أحد مثلي خبير عالم بالأشياء. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} إلى فضل الله والفقير المحتاج، {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الغني عن خلقه المحمود في إحسانه إليهم. {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} شديد. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نفس مثقلة بذنوبها غيرها، {إِلَى حِمْلِهَا} أي: حمل ما عليه من الذنوب، {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي: ولو كان المدعو ذا قرابة له ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه. قال ابن عباس: يلقى الأب والأم ابنه فيقول: يا بني احمل عني بعض ذنوبي. فيقول: لا أستطيع حسبي ما علي.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} يخافون، {رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} ولم يروه. وقال الأخفش: تأويله أي: إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى} صلح وعمل خيرا، {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} لها ثوابه، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

.تفسير الآيات (19- 26):

{وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)}
{وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ} يعني: الجاهل والعالم. وقيل: الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى، أي: المؤمن والمشرك. {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ} يعني: الكفر والإيمان. {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} يعني: الجنة والنار، قال ابن عباس: {الحرور}: الريح الحارة بالليل، و{السموم} بالنهار. وقيل: {الحرور} يكون بالنهار مع الشمس. {وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ} يعني: المؤمنين والكفار. وقيل: العلماء والجهال.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} حتى يتعظ ويجيب، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} يعني: الكفار، شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا. {إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ} ما أنت إلا منذر تخوفهم بالنار. {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ} ما من أمة فيما مضى {إِلا خَلا} سلف {فِيهَا نَذِيرٌ} نبي منذر. {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} الواضح كرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد. {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}.