فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (45):

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}
{اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ} نصب {استكبارا} على البدل من النفور، {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} يعني: العمل القبيح، أضيف المكر إلى صفته، قال الكلبي: هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ حمزة: {مكر السيئ} ساكنة الهمزة تخفيفا، وهي قراءة الأعمش، {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} أي: لا يحل ولا يحيط المكر السيئ، {إِلا بِأَهْلِهِ} فقتلوا يوم بدر، وقال ابن عباس: عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى: وبال مكرهم راجع إليهم، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} ينتظرون، {إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ} إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} يعني: ليفوت عنه، {مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} من الجرائم، {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} يعني: على ظهر الأرض، كناية عن غير مذكور، {مِنْ دَابَّةٍ} كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح، {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أهل طاعته وأهل معصيته.

.سورة يس:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)}
{يس} و{ن} قرأ بإخفاء النون فيهما: ابن عامر والكسائي وأبو بكر. قالون: يخفي النون من {يس} ويظهر من {ن}، والباقون يظهرون فيهما.
واختلفوا في تأويل {يس} حسب اختلافهم في حروف التهجي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو قسم، ويروى عنه أن معناه: يا إنسان بلغة طيء، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو قول الحسن، وسعيد بن جبير، وجماعة.
وقال أبو العالية: يا رجل. وقال أبو بكر الوراق: يا سيد البشر.
{وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، أقسم بالقرآن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وهو رد على الكفار حيث قالوا: {لست مرسلا} [الرعد- 43]. {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وهو خبر بعد خبر، أي: أنه من المرسلين وأنه على صراط مستقيم. وقيل: معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على صراط مستقيم.

.تفسير الآيات (5- 8):

{تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)}
{تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص: {تنزيل} بنصب اللام كأنه قال: نزل تنزيلا وقرأ الآخرون بالرفع، أي: هو تنزيل العزيز الرحيم. {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}، قيل: {ما} للنفي أي: لم ينذر آباؤهم، لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: {ما} بمعنى الذي، أي: لتنذر قومًا بالذي أنذر آباؤهم، {فَهُمْ غَافِلُونَ} عن الإيمان والرشد. {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ}، وجب العذاب {عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}، هذا كقوله: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر- 71]. {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا}، نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدًا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده، فلما عاد إلى أصحابه فأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر، فأعمى الله تعالى بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء كهيئة الفحل يخطر بذنبه، لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا} قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، أراد: منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلا لذلك. قال الفراء: معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء- 29] معناه: لا تمسكها عن النفقة.
{فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ}، {هي} كناية عن الأيدي- وإن لم يجر لها ذكر- لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، معناه: إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان، {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} والمقمح: الذي رفع رأسه وغض بصره، يقال: بعير قامح إذا روى من الماء، فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره. وقال الأزهري: أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤسهم، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها.

.تفسير الآيات (9- 12):

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}، قرأ حمزة والكسائي وحفص: {سدا} بفتح السين، وقرأ الآخرون بضمها، {فَأَغْشَيْنَاهُم} فأعميناهم، من التغشية وهي التغطية، {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} سبيل الهدى.
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}، يعني: إنما ينفع إنذارك من اتبع الذكر، يعني القرآن، فعمل بما فيه، {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} حسن وهو الجنة. {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى}، عند البعث، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من الأعمال من خير وشر، {وَآثَارَهُم} أي: ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا».
وقال قوم: قوله: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} أي: خطاهم إلى المسجد. روي عن أبي سعيد الخدري قال: شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري، حدثنا مروان الفزاري، حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: «أرادت بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة، فقال: يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا». وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشًى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام». قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ} حفظناه وعددناه وبيناه، {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)}
قوله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} يعني: اذكر لهم شبها مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية، {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} يعني: رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
قال العلماء بأخبار الأنبياء: بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار، صاحب يس فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؟ فقالا رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية؟ قالا نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فقال الشيخ: إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين، قالا فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت- بإذن الله- صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى، وكان- لهم ملك قال وهب: اسمه انطيخس- وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، قالوا: فانتهى الخبر إليه فدعاهما، فقال: من أنتما؟ قالا رسولا عيسى، قال: وفيم جئتما؟ قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر، فقال: لكما إله دون آلهتنا؟ قالا نعم، من أوجدك وآلهتك. قال: قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق.
قال وهب: بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها، وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، قالوا: فلما كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على إثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلد متنكرا، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قالا ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين، فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت إلهك حتى يصنع صنعًا مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك. فقال الملك: ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرًا، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكم الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن هاهنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه، وكان غائبا فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرًّا، فقام الميت، وقال: إني قدمت منذ سبعة أيام مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شابًّا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك أخبره بالحال، ودعاه فآمن الملك وآمن قوم، وكفر آخرون.
وقيل: إن ابنة للملك كانت قد توفيت ودفنت، فقال شمعون للملك: اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت، وقالت: أسلموا فإنهما صادقان، قالت: ولا أظنكم تسلمون، ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا ترابًا على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت.
وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب: بل كفر الملك، وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله عز وجل:

.تفسير الآية رقم (14):

{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)}
{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} قال وهب: اسمهما يوحنا وبولس، {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} يعني: فقوينا، {بِثَالِثٍ} برسول ثالث، وهو شمعون، وقرأ أبو بكر عن عاصم: {فعززنا} بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك: شددنا وشددنا بالتخفيف والتثقيل، وقيل: أي: فغلبنا من قولهم: من عز بز. وقال كعب: الرسولان: صادق وصدوق، والثالث شلوم، وإنما أضاف الله الإرسال إليه لأن عيسى عليه السلام إنما بعثهم بأمره تعالى، {فَقَالُوا} جميعا لأهل أنطاكية، {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}.

.تفسير الآيات (15- 20):

{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ} ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون. {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} {وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم، وذلك أن المطر حبس عنهم، فقالوا: أصابنا هذا بشؤمكم، {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم، وقال قتادة: بالحجارة {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} يعني: شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني: أصابكم الشؤم من قبلكم. وقال ابن عباس والضحاك: حظكم من الخير والشر {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} يعني: وعظتم بالله، وهذا استفهام محذوف الجواب مجازه: إن ذكرتم ووعظتم بالله تطيرتم بنا. وقرأ أبو جعفر: {أن} بفتح الهمزة الملينة {ذكرتم} بالتخفيف {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} مشركون مجاوزون الحد. قوله عز وجل: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وهو حبيب النجار، وقال السدي: كان قصارًا وقال وهب: كان رجلا يعمل الحرير، وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين فيطعم نصفا لعياله ويتصدق بنصف، فلما بلغه أن قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}.