فصل: تفسير الآيات (174- 182):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (174- 182):

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}
{فَتَوَلّ} أعرض {عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} قال ابن عباس: يعني الموت. وقال مجاهد: يوم بدر. وقال السدي: حتى نأمرك بالقتال. وقيل: إلى أن يأتيهم عذاب الله، قال مقاتل بن حيان: نسختها آية القتال.
{وَأَبْصِرْهُمْ} إذا نزل بهم العذاب {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ذلك فقالوا: متى هذا العذاب؟
قال الله عز وجل: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نزلَ} يعني: العذاب {بِسَاحَتِهِمْ} قال مقاتل: بحضرتهم. وقيل: بفنائهم. قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم، {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، أخبرنا مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر، أتاها ليلا وكان إذا جاء قومًا بليل لم يغز حتى يصبح، قال: فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد، والله، محمد والخميس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».
ثم كرر ما ذكرنا تأكيدًا لوعيد العذاب فقال: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ} العذاب إذا نزل بهم، {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}. ثم نزه نفسه فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّة} الغلبة والقوة، {عَمَّا يَصِفُونَ} من اتخاذ الصاحبة والأولاد.
{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} الذين بلغوا عن الله التوحيد والشرائع.
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم السلام.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا إبراهيم بن سهلويه، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا وكيع، عن ثابت بن أبي صفية، عن أصبغ بن نبانة، عن علي قال: «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه من مجلسه: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}».

.سورة ص:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)}
{ص} قيل: هو قسم، وقيل: اسم السورة كما ذكرنا في سائر حروف التهجي في أوائل السور.
وقال محمد بن كعب القرظي: {ص} مفتاح اسم الصمد، وصادق الوعد.
وقال الضحاك: معناه صدق الله.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} أي ذي البيان، قاله ابن عباس ومقاتل. وقال الضحاك: ذي الشرف، دليله قوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف- 44]، وهو قسم.
واختلفوا في جواب القسم، قيل: جوابه قد تقدم، وهو قوله: {ص} أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمدًا قد صدق.
وقال الفراء: {ص} معناها: وجب وحق، وهو جواب قوله: {والقرآن} كما تقول: نزل والله.
وقيل: جواب القسم محذوف تقديره: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار، ودل على هذا المحذوف قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
قال قتادة: موضع القسم قوله: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} كما قال: {والقرآن المجيد بل عجبوا} [ق- 2].
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: بل الذين كفروا، {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} والقرآن ذي الذكر.
وقال الأخفش: جوابه قوله تعالى: {إن كل إلا كذب الرسل} [ص- 14]، كقوله: {تالله إن كنا} [الشعراء- 97] وقوله: {والسماء والطارق... إن كل نفس} [الطارق- 1: 3].
وقيل: جوابه قوله: {إن هذا لرزقنا} [ص- 54].
وقال الكسائي: قوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} [ص- 64]، وهذا ضعيف لأنه تخلل بين هذا القسم وبين هذا الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة.
وقال القتيبي: بل لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية: إن الله أقسم بـ ص والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة حمية جاهلية وتكبر عن الحق وشقاق وخلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد: {في عزة} معازِّين.

.تفسير الآية رقم (3):

{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)}
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} يعني: من الأمم الخالية، {فَنَادَوْا} استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة، {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} قوة ولا فرار والمناص مصدر ناص ينوص، وهو الفوت، والتأخر، يقال: ناص ينوص إذا تأخر، وباص يبوص إذا تقدم، {ولات} بمعنى ليس بلغة أهل اليمن.
وقال النحويون: هي لا زيدت فيها التاء، كقولهم: رب وربت وثم وثمت، وأصلها هاء وصلت بلا فقالوا: لاه كما قالوا: ثمة، فجعلوها في الوصل تاء، والوقف عليها بالتاء عند الزجاج، وعند الكسائي بالهاء: ولاة. ذهب جماعة إلى أن التاء زيدت في {حين} والوقف على ولا ثم يبتدئ: تحين، وهو اختيار أبي عبيدة، وقال: كذلك وجدت في مصحف عثمان، وهذا كقول أبي وجزة السعدي:
العاطفون تحين ما من عاطف ** والمطمعون زمان ما من مطعم

وفي حديث ابن عمر، وسأله رجل عن عثمان، فذكر مناقبه ثم قال: اذهب بها تلان إلى أصحابك، يريد: الآن.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب، قال بعضهم لبعض: مناص، أي: اهربوا وخذوا حذركم، فلما أنزل الله بهم العذاب ببدر قالوا: مناص، فأنزل الله تعالى: {ولات حين مناص} أي ليس حين هذا القول.

.تفسير الآيات (4- 5):

{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)}
{وَعَجِبُوا} يعني: الكفار الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: {بل الذين كفروا} {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يعني: رسولا من أنفسهم ينذرهم {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.
{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم، فشق ذلك على قريش، وفرح به المؤمنون، فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش، وهم الصناديد والأشراف، وكانوا خمسة وعشرين رجلا أكبرهم سنًا الوليد بن المغيرة، قال لهم: امشوا إلى أبي طالب، فأتوا أبا طالب، وقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنا قد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقال: يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء، فلا تمل كل الميل على قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وماذا يسألوني؟ قالوا: ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟ فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطيكها وعشرًا أمثالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله، فنفروا من ذلك وقاموا، وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ كيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟ {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أي: عجيب، والعجب والعجاب واحد، كقولهم: رجل كريم وكرام، وكبير وكبار، وطويل وطوال، وعريض وعراض.

.تفسير الآيات (6- 9):

{وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)}
{وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} أي: انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب، يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على آلهتكم، أي: اثبتوا على عبادة آلهتكم {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} أي لأمر يراد بنا، وذلك أن عمر لما أسلم وحصل للمسلمين قوة بمكانه قالوا: إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشيء يراد بنا.
وقيل: يراد بأهل الأرض، وقيل: يراد بمحمد أن يملك علينا.
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا} أي بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد، {فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما، والكلبي، ومقاتل: يعنون النصرانية، لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون، بل يقولون ثالث ثلاثة.
وقال مجاهد وقتادة: يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه.
{إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ} كذب وافتعال.
{أَأُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} القرآن {مِنْ بَيْنِنَا} وليس بأكبرنا ولا أشرفنا، يقوله أهل مكة. قال الله عز وجل: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} أي وحيي وما أنزلت، {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول.
{أَمْ عِنْدَهُمْ} أعندهم، {خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} أي: نعمة ربك يعني: مفاتيح النبوة يعطونها من شاؤوا، نظيره: {أهم يقسمون رحمة ربك} [الزخرف- 32] أي نبوة ربك، {الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} العزيز في ملكه، الوهاب وهب النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (10- 12):

{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ (12)}
{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: ليس لهم ذلك، {فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ} أي: إن ادعوا شيئًا من ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء، وليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون، قال مجاهد وقتادة: أراد بالأسباب: أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء، وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سببه، وهذا أمر توبيخ وتعجيز.
{جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ} أي: هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند هنالك، و{ما} صلة، {مَهْزُومٌ} مغلوب، {مِنَ الأحْزَابِ} أي: من جملة الأجناد، يعني: قريشًا.
قال قتادة: أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فقال: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر- 45] فجاء تأويلها يوم بدر، و{هنالك} إشارة إلى بدر ومصارعهم، {من الأحزاب} أي: من جملة الأحزاب، أي: هم من القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب، فقهروا وأهلكوا. ثم قال معزيًا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ} قال ابن عباس، ومحمد بن كعب: ذو البناء المحكم، وقيل: أراد ذو الملك الشديد الثابت.
وقال القتيبي: تقول العرب: هم في عز ثابت الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد.
وقال الأسود بن يعفر: ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد فأصل هذا أن بيوتهم كانت تثبت بالأوتاد.
وقال الضحاك: ذو القوة والبطش. وقال عطية: ذو الجنود والجموع الكثيرة، يعني: أنهم كانوا يقوون أمره، ويشدون ملكه، كما يقوي الوتد الشيء، وسميت الأجناد أوتادًا لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم، وهو رواية عطية عن ابن عباس.
وقال الكلبي ومقاتل: {الأوتاد} جمع الوتد، وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها، وكان إذا غضب على أحد مده مستلقيًا بين أربعة أوتاد، وشد كل يد ورجل منه إلى سارية، ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت.
وقال مجاهد، ومقاتل بن حيان: كان يمد الرجل مستلقيًا على الأرض، يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد.
وقال السدي: كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات.
وقال قتادة وعطاء: كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)}
{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ} الذين تحزبوا على الأنبياء، فأعلم أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب.
{إِنْ كُلُّ} ما كل، {إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} وجب عليهم ونزل بهم عذابي. {وَمَا يَنْظُرُ} ينتظر {هَؤُلاءِ} يعني: كفار مكة، {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة الصور، {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} قرأ حمزة، والكسائي: {فواق} بضم الفاء، وقرأ الآخرون بفتحها وهما لغتان، فالفتح لغة قريش، والضم لغة تميم.
قال ابن عباس وقتادة: من رجوع، أي: ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع.
وقال مجاهد: نظرة. وقال الضحاك: مثنوية، أي صرف ورد.
والمعنى: أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف.
وفرق بعضهم بين الفتح والضم، فقال الفراء، وأبو عبيدة: الفتح بمعنى الراحة والإفاقة، كالجواب من الإجابة، ذهبا بها إلى إفاقة المريض من علته، والفواق بالضم ما بين الحلبتين، وهو أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن، فما بين الحلبتين فواق، أي أن العذاب لا يمهلهم بذلك القدر.
وقيل: هما أيضًا مستعارتان من الرجوع، لأن اللبن يعود إلى الضرع بين الحلبتين، وإفاقة المريض: رجوعه إلى الصحة.