فصل: تفسير الآية رقم (35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (35):

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)}
قال مقاتل وابن كيسان: لا يكون لأحد من بعدي. قال عطاء بن أبي رباح: يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في آخر عمري، وتعطيه غيري كما استلبته في ما مضى من عمري.
{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} قيل: سأل ذلك ليكون آية لنبوته، ودلالة على رسالته، ومعجزة.
وقيل: سأل ذلك ليكون علمًا على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه، وزاد فيه.
وقال مقاتل بن حيان: كان لسليمان ملكًا ولكنه أراد بقول: {لا ينبغي لأحد من بعدي} تسخير الرياح والطير والشياطين، بدليل ما بعده.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد، حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان {رب هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرددته خاسئا».

.تفسير الآيات (36- 39):

{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)}
قوله عز وجل: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} لينة ليست بعاصفة، {حَيْثُ أَصَابَ} حيث أراد تقول العرب: أصاب الصواب فأخطأ الجواب، تريد أراد الصواب.
{وَالشَّيَاطِين} أي: وسخرنا له الشياطين، {كُلَّ بَنَّاءٍ} يبنون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، {وَغَوَّاصٍ} يستخرجون له اللآلئ من البحر، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر.
{وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ} مشدودين في القيود، أي: وسخرنا له آخرين، يعني: مردة الشياطين، سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد.
{هَذَا عَطَاؤُنَا} أي قلنا له هذا عطاؤنا {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} المن: هو الإحسان إلى من لا يستثنيه، معناه: أعط من شئت وأمسك عمن شئت، بغيرِ حساب لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت.
قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة، إلا سليمان فإنه أعطى أجر، وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة.
وقال مقاتل: هذا في أمر الشياطين، يعني: خل من شئت منهم، وأمسك من شئت في وثاقك، لا تبعة عليك فيما تتعاطاه.

.تفسير الآيات (40- 44):

{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}
{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} بمشقة وضر.
قرأ أبو جعفر: {بنصب} بضم النون والصاد، وقرأ يعقوب بفتحهما، وقرأ الآخرون بضم النون وسكون الصاد، ومعنى الكل واحد.
قال قتادة ومقاتل: بنصب في الجسد، وعذاب في المال وقد ذكرنا قصة أيوب ومدة بلائه في سورة الأنبياء عليهم السلام.
فلما انقضت مدة بلائه قيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} اضرب برجلك الأرض ففعل فنبعت عين ماء، {هَذَا مُغْتَسَلٌ} فأمره الله أن يغتسل منها، ففعل فذهب كل داء كان بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فركض الأرض برجله الأخرى، فنبعت عين أخرى، ماء عذب بارد، فشرب منه، فذهب كل داء كان بباطنه، فقوله: {هذا مغتسل بارد} يعني: الذي اغتسل منه، {وَشَرَابٌ} أراد الذي شرب منه.
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} وهو ملء الكف من الشجر أو الحشيش، {فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} في يمينك، وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ ضغثًا يشتمل على مائة عود صغار، ويضربها به ضربة واحدة، {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.

.تفسير الآيات (45- 49):

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)}
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} قرأ ابن كثير {عبدنا} على التوحيد، وقرأ الآخرون {عبادنا} بالجمع، {إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي} قال ابن عباس: أولي القوة في طاعة الله تعالى: {وَالأبْصَار} في المعرفة بالله، أي: البصائر في الدين، قال قتادة ومجاهد: أعطوا قوة في العبادة، وبصرًا في الدين.
{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ} اصطفيناهم {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} قرأ أهل المدينة: {بخالصة} مضافًا، وقرأ الآخرون بالتنوين، فمن أضاف فمعناه: أخلصناهم بذكر الدار الآخرة، وأن يعملوا لها، والذكرى: بمعنى الذكر. قال مالك بن دينار: نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها، وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها.
وقال قتادة: كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل.
وقال السدي: أخلصوا بخوف الآخرة.
وقيل: معناه أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة.
قال ابن زيد: ومن قرأ بالتنوين فمعناه: بخلة خالصة، وهي ذكرى الدار، فيكون {ذكرى} الدار بدلا عن الخالصة.
وقيل: {أخلصناهم}: جعلناهم مخلصين، بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة.
{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأخْيَارِ هَذَا ذِكْرُ} أي: هذا الذي يتلى عليكم ذكر، أي: شرف، وذكر جميل تذكرون به {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ}.

.تفسير الآيات (50- 57):

{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)}
{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ} أي أبوابها مفتحة لهم.
{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} مستويات الأسنان، بنات ثلاثة وثلاثين سنة، واحدها ترب. وعن مجاهد قال: متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ} قرأ ابن كثير: {يوعدون} بالياء هاهنا، وفي ق أي: ما يوعد المتقون، وافق أبو عمرو هاهنا، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، أي: قل للمؤمنين: هذا ما توعدون، {لِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي في يوم الحساب.
{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} فناء وانقطاع.
{هَذَا} أي الأمر هذا {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} للكافرين {لَشَرَّ مَآبٍ} مرجع.
{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها {فَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
{هَذَا} أي هذا العذاب، {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} قال الفراء: أي هذا حميم وغساق فليذوقوه، والحميم: الماء الحار الذي انتهى حره. {وغساق}: قرأ حمزة، والكسائي وحفص: {وغساق} حيث كان بالتشديد، وخففها الآخرون، فمن شدد جعله اسمًا على فَعَّال، نحو: الخباز والطباخ، ومن خفف جعله اسمًا على فعال نحو العذاب.
واختلفوا في معنى الغساق، قال ابن عباس: هو الزمهرير يحرقهم ببرده، كما تحرقهم النار بحرها.
وقال مقاتل ومجاهد: هو الذي انتهى برده.
وقيل: هو المنتن بلغة الترك.
وقال قتادة: هو ما يغسق أي: ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار، ولحومهم، وفروج الزناة، من قوله: غسقت عينه إذا انصبت، والغسقان الانصباب.

.تفسير الآيات (58- 60):

{وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)}
{وَآخَرُ} قرأ أهل البصرة: {وأُخر} بضم الألف على جمع أخرى، مثل: الكبرى والكبر، واختاره أبو عبيدة لأنه نعته بالجمع، فقال: أزواج، وقرأ الآخرون بفتح الهمزة مشبعة على الواحد، {مِنْ شَكْلِهِ} مثله أي: مثل الحميم والغساق، {أَزْوَاجٌ} أي: أصناف أخر من العذاب.
{هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} قال ابن عباس: {هذا} هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا يعني: الأتباع، فوج: جماعة مقتحم معكم النار، أي: داخلوها كما أنتم دخلتموها: والفوج: القطيع من الناس وجمعه أفواج، والاقتحام الدخول في الشيء رميًا بنفسه فيه، قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار، خوفًا من تلك المقامع، فقالت القادة: {لا مَرْحَبًا بِهِمْ} يعني: بالأتباع، {إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ} أي: داخلوها كما صلينا.
{قَالُوا} فقال الأتباع للقادة: {بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ} والمرحب، والرحب: السعة، تقول العرب: مرحبًا وأهلا وسهلا أي: أتيت رحبًا وسعة، وتقول: لا مرحبًا بك، أي: لا رحبت عليك الأرض. {أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} يقول الأتباع للقادة: أنتم بدأتم بالكفر قبلنا، وشرعتم وسننتموه لنا. وقيل: أنتم قدمتم هذا العذاب لنا، بدعائكم إيانا إلى الكفر، {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} أي: فبئس دار القرار جهنم.

.تفسير الآيات (61- 65):

{قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ (62) أَأَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)}
{قَالُوا} يعني: الأتباع {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} أي: شرعه وَسَنَّه لنا، {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} أي: ضعف عليه العذاب في النار. قال ابن مسعود: يعني حيات وأفاعي.
{وَقَالُوا} يعني صناديد قريش وهم في النار، {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ} في الدنيا، {مِنَ الأشْرَارِ} يعنون فقراء المؤمنين: عمارًا، وخبابًا، وصهيبًا، وبلالا وسلمان رضي الله عنهم. ثم ذكروا أنهم كانوا يسخرون من هؤلاء، فقالوا: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} قرأ أهل البصرة، وحمزة، والكسائي: {من الأشرار اتخذناهم} وصل، ويكسرون الألف عند الابتداء، وقرأ الآخرون بقطع الألف وفتحها على الاستفهام.
قال أهل المعاني: القراءة الأولى أولى؛ لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريًا فلا يستقيم الاستفهام، وتكون {أم} على هذه القراءة بمعنى {بل} ومن فتح الألف قال: هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل {أم} في قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ} قال الفراء: هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب {أم زاغت} أي، مالت {عنهم الأبصار} ومجاز الآية: ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخريًا لم يدخلوا معنا النار؟ أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا، فلم نرهم حين دخلوها.
وقيل: أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا؟
وقال ابن كيسان: أم كانوا خيرا منًا ولكن نحن لا نعلم، فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئًا. {إِنَّ ذَلِكَ} الذي ذكرت {لَحَقّ} ثم بين فقال: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} أي: تخاصم أهل النار في النار لحق.
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة، {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} مخوف {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.

.تفسير الآيات (66- 70):

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}.
{قُلْ} يا محمد، {هُوَ} يعني: القرآن، {نَبَأٌ عَظِيمٌ} قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقيل: يعني: القيامة كقوله: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} [النبأ:- 2].
{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} يعني: الملائكة، {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} يعني: في شأن آدم عليه السلام، حين قال الله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30].
{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} قال الفراء: إن شئت جعلت {أنما} في موضع رفع، أي: ما يوحي إليّ إلا الإنذار، وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا أني نذير مبين.
وقرأ أبو جعفر: {إنما} بكسر الألف، لأن الوحي قول.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال مر بنا خالد بن اللجلاج، فدعاه مكحول فقال: يا إبراهيم حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش، قال: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي رب، مرتين، قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماء والأرض قال: ثم تلا هذه الآية {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} [الأنعام:75] ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات، قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد خلف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، قال: ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام، وبذل السلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام، قال: قل اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموهن، فوالذي نفس محمد بيده إنهن لحق».