فصل: تفسير الآيات (71- 81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (71- 81):

{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)}
قوله عز وجل: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} يعني: آدم عليه السلام.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أتممت خلقه، {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ}. ألف استفهام دخلت على ألف الوصل {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} المتكبرين. استفهام توبيخ وإنكار، يقول: أستكبرت بنفسك حتى أبيت السجود؟ أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم؟.
{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من الجنة، وقيل: من السموات. وقال الحسن وأبو العالية: أي من الخلقة التي أنت فيها. قال الحسين بن الفضل: هذا تأويل صحيح لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقة، فغير الله خلقته، فاسود وقبح بعد حسنه، {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}، وهو النفخة الأولى.

.تفسير الآيات (82- 88):

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} قرأ عاصم وحمزة ويعقوب: {فالحق} برفع القاف على الابتداء، وخبره محذوف تقديره: الحق مني، ونصب الثانية أي: وأنا أقول الحق، قاله مجاهد، وقرأ الآخرون بنصبهما، واختلفوا في وجههما، قيل: نصب الأولى على الإغراء كأنه قال: الزم الحق، والثاني بإيقاع القول عليه أي: أقول الحق. وقيل: الأول قسم، أي: فبالحق وهو الله عز وجل، فانتصب بنزع الخافض، وهو حرف الصفة، وانتصاب الثاني بإيقاع القول عليه. وقيل: الثاني تكرار القسم، أقسم الله بنفسه.
{لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على تبليغ الرسالة {مِنْ أَجْرٍ} جعل، {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} المتقولين القرآن من تلقاء نفسي، وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلف له.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال: يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه: {قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}.
قوله: {إِنْ هُوَ} ما هو، يعني: القرآن {إِلا ذِكْرٌ} موعظة، {لِلْعَالَمِينَ} للخلق أجمعين.
{وَلَتَعْلَمُنَّ} أنتم يا كفار مكة، {نَبَأَه} خبر صدقه، {بَعْدَ حِينٍ} قال ابن عباس وقتادة: بعد الموت. وقال عكرمة: يعني يوم القيامة. وقال الكلبي: من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا ومن مات علمه بعد موته. قال الحسن: ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.

.سورة الزمر:

مكية إلا قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}
{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}.
{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ} أي: هذا تنزيل الكتاب من الله. وقيل: تنزيل الكتاب مبتدأ وخبره: {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي: تنزيل الكتاب من الله لا من غيره.
{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} قال مقاتل: لم ننزله باطلا لغير شيء، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} الطاعة.
{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} قال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل: الدين الخالص من الشرك هو لله.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} أي: من دون الله، {أَوْلِيَاء} يعني: الأصنام، {مَا نَعْبُدُهُمْ} أي قالوا: ما نعبدهم، {إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وكذلك قرأ ابن مسعود، وابن عباس.
قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يوم القيامة {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا وكفرا.

.تفسير الآيات (4- 6):

{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}
{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى} لاختار، {مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يعني: الملائكة، كما قال: {لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا} [الأنبياء- 17] ثم نزه نفسه فقال: {سُبْحَانَهُ} تنزيها له عن ذلك، وعما لا يليق بطهارته، {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل} قال قتادة: يغشي هذا هذا، كما قال: {يغشي الليل النهار} [الأعراف- 54] وقيل: يدخل أحدهما على الآخر كما قال: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} [الحج- 61].
وقال الحسن، والكلبي: ينقص من الليل فيزيد في النهار، وينقص من النهار فيزيد في الليل، فما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل، ومنتهى النقصان تسع ساعات، ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة، وأصل التكوير اللف والجمع، ومنه: كور العمامة. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني: آدم، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء، {وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ} معنى الإنزال هاهنا: الإحداث والإنشاء، كقوله تعالى: {أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم} [الأعراف- 26].
وقيل: إنه أنزل الماء الذي هو سبب نبات القطن الذي يكون منه اللباس، وسبب النبات الذي تبقى به الأنعام.
وقيل: {وأنزل لكم من الأنعام} جعلها لكم نزلا ورزقًا. {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أصناف، تفسيرها في سورة الأنعام {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} نطفة ثم علقة ثم مضغة، كما قال الله تعالى: {وقد خلقكم أطوارا} [نوح- 14] {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} قال ابن عباس: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة {ذَلِكُمُ اللَّهُ} الذي خلق هذه الأشياء، {رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} عن طريق الحق بعد هذا البيان.

.تفسير الآيات (7- 8):

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}
{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} قال ابن عباس والسدي: لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، وهم الذين قال الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر- 42] فيكون عامًا في اللفظ خاصًا في المعنى، كقوله تعالى: {عينًا يشرب بها عباد الله} [الإنسان- 6] يريد بعض العباد، وأجراه قوم على العموم، وقالوا: لا يرضى لأحد من عباده الكفر.
ومعنى الآية: لا يرضى لعباده أن يكفروا به. يروى ذلك عن قتادة، وهو قول السلف، قالوا: كفر الكافر غير مرضي لله عز وجل، وإن كان بإرادته. {وَإِنْ تَشْكُرُوا} تؤمنوا بربكم وتطيعوه، {يَرْضَهُ لَكُمْ} فيثيبكم عليه. قرأ أبو عمرو: {يرضه لكم} ساكنة الهاء، ويختلسها أهل المدينة وعاصم وحمزة، والباقون بالإشباع {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
{وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} راجعًا إليه مستغيثًا به، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} أعطاه نعمة منه، {نَسِي} ترك {مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} أي: نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه، {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا} يعني: الأوثان، {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} ليزل عن دين الله.
{قُل} لهذا الكافر: {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا} في الدنيا إلى أجلك، {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} قيل: نزلت في عتبة بن ربيعة، وقال مقاتل: نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي. وقيل: عام في كل كافر.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ (9)}
{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ} قرأ ابن كثير ونافع وحمزة: {أمن} بتخفيف الميم، وقرأ الآخرون بتشديدها، فمن شدد فله وجهان:
أحدهما: أن تكون الميم في {أم} صلة، فيكون معنى الكلام استفهامًا وجوابه محذوفًا مجازه: أمن هو قانت كمن هو غير قانت؟ كقوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} [الزمر- 22] يعني كمن لم يشرح صدره.
والوجه الآخر: أنه عطف على الاستفهام، مجازه: الذي جعل لله أندادًا خير أمن هو قانت؟ ومن قرأ بالتخفيف فهو ألف استفهام دخلت على من، معناه: أهذا كالذي جعل لله أندادًا؟
وقيل: الألف في {أمن} بمعنى حرف النداء، تقديره: يا من هو قانت، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بالياء، فتقول: أبني فلان ويا بني فلان، فيكون معنى الآية: قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار، يا من هو قانت {آنَاءَ اللَّيْلِ} إنك من أهل الجنة، قاله ابن عباس.
وفي رواية عطاء: نزلت في أبي بكر الصديق.
وقال الضحاك: نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وعن ابن عمر أنها نزلت في عثمان.
وعن الكلبي أنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان.
والقانت: المقيم على الطاعة. قال ابن عمر: القنوت: قراءة القرآن وطول القيام، و{آناء الليل}: ساعاته، {سَاجِدًا وَقَائِمًا} يعني: في الصلاة، {يَحْذَرُ الآخِرَةَ} يخاف الآخرة، {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} يعني: كمن لا يفعل شيئًا من ذلك، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} قيل: {الذين يعلمون} عمار، و{الذين لا يعلمون}: أبو حذيفة المخزومي، {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}.

.تفسير الآية رقم (10):

{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} بطاعته واجتناب معصيته، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} أي: آمنوا وأحسنوا العمل، {حَسَنَة} يعني: الجنة، قاله مقاتل. وقال السدي: في هذه الدنيا حسنة يعني: الصحة والعافية، {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} قال ابن عباس: يعني ارتحلوا من مكة. وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي.
وقيل: نزلت في مهاجري الحبشة.
وقال سعيد بن جبير: من أمر بالمعاصي فليهرب. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى.
وقيل: نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا.
قال علي رضي الله عنه: كل مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنًا إلا الصابرون، فإنه يحثى لهم حثيًا. ويروى: «يؤتي بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبًا بغير حساب». قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل.