فصل: تفسير الآيات (22- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (22- 26):

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ (26)}
{ذَلِكَ} أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم، {بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا} يعني فرعون وقومه {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} قال قتادة: هذا غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث موسى- عليه السلام- أعاد القتل عليهم، فمعناه أعيدوا عليهم القتل {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته، {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم، {إِلا فِي ضَلالٍ} أي: يذهب كيدهم باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملئه، {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفًا من الهلاك {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي: وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ} يغير، {دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه، {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} قرأ يعقوب وأهل الكوفة {أو أن يظهر} وقرأ الآخرون {وأن يظهر} وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص {يظهر} بضم الياء وكسر الهاء على التعدية، {الْفَسَادَ} نصب لقوله: {أن يبدل دينكم} حتى يكون الفعلان على نسق واحد، وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم، {الفساد} رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)}
{وَقَالَ مُوسَى} لما توعده فرعون بالقتل، {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}.
واختلفوا في هذا المؤمن: قال مقاتل والسدي: كان قبطيًا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فقال: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} [القصص- 20]، وقال قوم: كان إسرائيليًا، ومجاز الآية: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسمه حزئيل عند ابن عباس، وأكثر العلماء. وقال ابن إسحاق: كان اسمه جبران. وقيل: كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيبًا {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} لأن يقول ربي الله، {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: بما يدل على صدقه، {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} لا يضركم ذلك، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} فكذبتموه، {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} قال أبو عبيد: المراد بالبعض الكل، أي: إن قتلتموه وهو صادق أصابكم ما يتوعدكم به من العذاب. قال الليث: {بعض} صلة، يريد: يصبكم الذي يعدكم. وقال أهل المعاني: هذا على الظاهر في الحجاج كأنه قال: أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم، فذكر البعض ليوجب الكل، {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي} إلى دينه، {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {كَذَّابٌ} على الله.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، حدثني عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}.

.تفسير الآيات (29- 32):

{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)}
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ} غالبين في أرض مصر، {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} من يمنعنا من عذاب الله، {إِنْ جَاءَنَا} والمعنى لكم الملك اليوم فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب، وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم، {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة، {إِلا مَا أَرَى} لنفسي. وقال الضحاك: ما أعلمكم إلا ما أعلم، {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى.
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} أي: لا يهلكهم قبل إتخاذ الحجة عليهم.
{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضًا، فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وينادى أصحاب الأعراف، وينادى بالسعادة والشقاوة، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا، وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
وقرأ ابن عباس والضحاك: {يوم التناد} بتشديد الدال أي: يوم التنافر، وذلك أنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها.
قال الضحاك: وكذلك إذا سمعوا زفير النار ندوا هربًا فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: {والملك على أرجائها} [الحاقة- 17] وقوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا}. [الرحمن- 33].

.تفسير الآيات (33- 35):

{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)}
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} منصرفين عن موقف الحساب إلى النار. وقال مجاهد: فارين غير معجزين {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} يعصمكم من عذابه، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ} يعني يوسف بن يعقوب {من قبل} أي: من قبل موسى، {بِالْبَيِّنَاتِ} يعني قوله: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} [يوسف- 39] {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} قال ابن عباس: من عبادة الله وحده لا شريك له، {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مات {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا} أي: أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك، {مُرْتَابٌ} شاك.
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} قال الزجاج: هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني هم الذين يجادلون في آيات الله أي: في إبطالها بالتكذيب {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجة {أَتَاهُم} من الله {كَبُرَ مَقْتًا} أي: كبر ذلك الجدال مقتًا، {عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} قرأ أبو عمرو وابن عامر {قلب} بالتنوين، وقرأ الآخرون بالإضافة، دليله قراءة عبد الله بن مسعود {على قلب كل متكبر جبار}.

.تفسير الآيات (36- 41):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)}
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لوزيره: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} والصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار، {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ}. {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} يعني: طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء، {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} قراءة العامة برفع العين نسقًا على قوله: {أبلغ الأسباب} وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج، على جواب {لعل} بالفاء، {وَإِنِّي لأظُنُّهُ} يعني موسى، {كَاذِبًا} فيما يقول إن له ربًا غيري، {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} قرأ أهل الكوفة ويعقوب: {وصد} بضم الصاد نسقًا على قوله: {زين لفرعون} قال ابن عباس: صده الله عن سبيل الهدى. وقرأ الآخرون بالفتح أي: صد فرعون الناس عن السبيل. {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ} يعني: وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك. {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} طريق الهدى.
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} متعة تنتفعون بها مدة ثم تنقطع، {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} التي لا تزول.
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال مقاتل: لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير. {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} يعني: ما لكم، كما تقول: ما لي أراك حزينًا؟ أي: ما لك؟ يقول: أخبروني عنكم؟ كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله، {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}؟ إلى الشرك الذي يوجب النار، ثم فسر فقال:

.تفسير الآيات (42- 46):

{تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}
{تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} في انتقامه ممن كفر، الغفار لذنوب أهل التوحيد.
{لا جَرَمَ} حقًا، {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أي: إلى الوثن، {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} قال السدي: لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، يعني ليست له استجابة دعوة. وقيل: ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية، ولا تدعو إلى عبادتها، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها. {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} مرجعنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحق، {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} المشركين، {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم، {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} يعلم المحق من المبطل، ثم خرج المؤمن من بينهم، فطلبوه فلم يقدروا عليه.
وذلك قوله عز وجل: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} ما أرادوا به من الشر قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيًا، {وَحَاقَ} نزل، {بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} الغرق في الدنيا، والنار في الآخرة.
وذلك قوله عز وجل: {النَّارُ} هي رفع على البدل من السوء، {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} صباحًا ومساءً، قال ابن مسعود: أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين، تغدو وتروح إلى النار، ويقال: يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة.
وقال قتادة، ومقاتل، والسدي، والكلبي: تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيًا ما دامت الدنيا.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة».
ثم أخبر الله عن مستقرهم يوم القيامة فقال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا} قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر: {الساعة} {أدخلوا} بحذف الألف والوصل، وبضمها في الابتداء، وضم الخاء من الدخول، أي: يقال لهم: ادخلوا يا {آل فرعون أشد العذاب}، وقرأ الآخرون {أدخلوا} بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال، أي: يقال للملائكة: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. قال ابن عباس: يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ أغرقوا.

.تفسير الآيات (47- 50):

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (50)}
{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} أي: اذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون، يعني أهل النار في النار، {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في الدنيا، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} والتبع يكون واحدًا وجمعًا في قول أهل البصرة، وواحده تابع، وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له، وجمعه أتباع.
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ} حين اشتد عليهم العذاب، {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ}.
{قَالُوا} يعني خزنة جهنم لهم، {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا} أنتم إذًا ربكم، إنا لا ندعو لكم، لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب. قال الله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} أي: يبطل ويضل ولا ينفعهم.