فصل: تفسير الآية رقم (15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (15):

{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)}
قوله عز وجل: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} وذلك أن هودًا عليه السلام هددهم بالعذاب، فقالوا: من أشد منا قوة؟ نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا، وكانوا ذوي أجسام طوال، قال الله تعالى ردًا عليهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.

.تفسير الآيات (16- 19):

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)}
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} عاصفة شديدة الصوت، من الصرة وهي الصيحة. وقيل: هي الباردة من الصر وهو البرد، {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نحسات} بسكون الحاء، وقرأ الآخرون بكسرها أي: نكدات مشؤومات ذات نحوس. وقال الضحاك: أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، ودامت الرياح عليهم من غير مطر، {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} أي: عذاب الهون والذل، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى} أشد إهانة {وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} دعوناهم، قاله مجاهد، وقال ابن عباس: بينا لهم سبيل الهدى. وقيل: دللناهم على الخير والشر، كقوله: {هديناه السبيل} [الإنسان- 3]، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فاختاروا الكفر على الإيمان، {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ} أي: هلكة العذاب، {الْهُونِ} أي: ذي الهون، أي: الهوان، وهو الذي يهينهم ويخزيهم، {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ} قرأ نافع ويعقوب: {نحشر} بالنون، {أعداء} نصب، وقرأ الآخرون بالياء ورفعها وفتح الشين {أعداء} رفع أي: يجمع إلى النار، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يساقون ويدفعون إلى النار، وقال قتادة والسدي: يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا.

.تفسير الآيات (20-22):

{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)}
{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} جاؤوا النار، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} أي: بشراتهم، {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال السدي وجماعة: المراد بالجلود الفروج. وقال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم.
{وَقَالُوا} يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار، {لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} تم الكلام هاهنا. وقال الله تعالى: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وليس هذا من جواب الجلود، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} أي: تستخفون عند أكثر أهل العلم. وقال مجاهد: تتقون. وقال قتادة: تظنون. {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}. قيل: الثقفي، عبد ياليل، وختناه القرشيان: ربيعة، وصفوان بن أمية.

.تفسير الآيات (23- 27):

{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)}
قوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أهلككم، أي: ظنكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون، أرداكم. قال ابن عباس: طرحكم في النار، {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. ثم أخبر عن حالهم فقال: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} مسكن لهم، {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} يسترضوا ويطلبوا العتبى، {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} المرضين، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل، يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إياي، واستعتبته: طلبت منه أن يعتب، أي: يرضى.
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} أي: بعثنا ووكلنا، وقال مقاتل: هيأنا. وقال الزجاج: سببنا لهم. {قرناء} نظراء من الشياطين حتى أضلوهم، {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة، {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث، {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ} مع أمم. {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من مشركي قريش، {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} قال ابن عباس: يعني الغطوا فيه، وكان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمدًا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو. قال مجاهد: والغوا فيه بالمكاء والصفير. وقال الضحاك: أكثروا الكلام فيختلط عليه ما يقول. وقال السدي: صيحوا في وجهه. {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} محمدًا على قراءته.
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي} يعني بأسوأ الذي، أي: بأقبح الذي، {كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا وهو الشرك بالله.

.تفسير الآيات (28- 30):

{ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ (29) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)}
{ذَلِكَ} الذي ذكرت من العذاب الشديد، {جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ} ثم بين ذلك الجزاء فقال: {النَّارُ} أي: هو النار، {لَهُمْ فِيهَا} أي: في النار، {دَارُ الْخُلْدِ} دار الإقامة لا انتقال منها، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: في النار يقولون. {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ} يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنا المعصية، {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} في النار، {لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ} ليكونا في الدرك الأسفل من النار. قال ابن عباس: ليكونا أشد عذابًا منا.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئًا. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: أخلصوا العمل لله. وقال علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض. وقال ابن عباس: استقاموا على أداء الفرائض.
وقال الحسن: استقاموا على أمر الله تعالى، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته.
وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله.
وقال مقاتل: استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا. وقال قتادة: كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.
قوله عز وجل: {تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} قال ابن عباس: عند الموت. وقال قتادة ومقاتل: إذا قاموا من قبورهم. قال وكيع بن الجراح: البشرى تكون في ثلاث مواطن: عند الموت وفي القبر وعند البعث. {أَلا تَخَافُوا} من الموت. وقال مجاهد: لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة. {وَلا تَحْزَنُوا} على ما خلفتم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله. وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم، {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

.تفسير الآيات (31- 33):

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)}
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} تقول لهم الملائكة الذين تنزل عليهم بالبشارة: نحن أولياؤكم أنصاركم وأحباؤكم، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} أي: في الدنيا والآخرة. وقال السدي: تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا، ونحن أولياؤكم في الآخرة يقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} من الكرامات واللذات، {وَلَكُمْ فِيهَا} في الجنة، {مَا تَدْعُونَ} تتمنون. {نزلا} رزقًا، {مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.
قوله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} إلى طاعته، {وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال ابن سيرين والسدي وابن عباس: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الحسن: هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين.
وقالت عائشة: أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين.
وقال عكرمة: هو المؤذن أبو إمامة الباهلي، {وعمل صالحًا}: صلى ركعتين بين الأذان والإقامة.
وقال قيس بن أبي حازم: هو الصلاة بين الأذان والإقامة.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة، حدثنا عبد الله بن زيد المقري، حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة»، ثلاث مرات، ثم قال في الثالثة: «لمن شاء».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان: لا أعلمه إلا وقد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة».

.تفسير الآية رقم (34):

{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)}
قوله عز وجل: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} قال الفراء: لا هاهنا صلة، معناه: ولا تستوي الحسنة والسيئة، يعني الصبر والغضب، والحلم والجهل، والعفو والإساءة. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال ابن عباس: أمر بالصبر عند الغضب، وبالحلم عند الجهل، وبالعفو عند الإساءة. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} يعني: إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك، وصار الذي بينك وبينه عداوة، {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} كالصديق والقريب. قال مقاتل بن حيان: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وذلك أنه لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم فصار وليًا بالإسلام، حميمًا بالقرابة.

.تفسير الآيات (35- 40):

{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}
{وَمَا يُلَقَّاهَا} ما يلقى هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة، {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} على كظم الغيظ واحتمال المكروه، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الخير والثواب، وقال قتادة: الحظ العظيم: الجنة، أي: ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة.
{وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لاستعاذتك وأقوالك، {الْعَلِيمُ} بأفعالك وأحوالك.
قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} إنما قال: {خلقهن} بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير، ولم يجرها على طريق التغليب للمذكر على المؤنث، {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} عن السجود، {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يعني الملائكة {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} لا يملون ولا يفترون.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} دلائل قدرته، {أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً} يابسة غبراء لا نبات فيها، {فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} يميلون عن الحق في أدلتنا، قال مجاهد: يلحدون في آياتنا بالمكاء والتصدية واللغو واللغط. قال قتادة: يكذبون في آياتنا. قال السدي: يعاندون ويشاقون.
قال مقاتل: نزلت في أبي جهل.
{لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ} وهو أبو جهل، {خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قيل: هو حمزة، وقيل: عثمان. وقيل: عمار بن ياسر. {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أمر تهديد ووعيد، {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} عالم فيجازيكم به.