فصل: تفسير الآيات (44- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (44- 47):

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} فما له من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه ويمنعه من عذاب الله، {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} يوم القيامة، {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} يسألون الرجعة في الدنيا. {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي: على النار، {خَاشِعِينَ} خاضعين متواضعين، {مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} خفي النظر لما عليهم من الذل يسارقون النظر إلى النار خوفًا منها وذلة في أنفسهم. وقيل: {من} بمعنى الباء أي: بطرف خفي ضعيف من الذل. وقيل: إنما قال: {من طرف خفي} لأنه لا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها. وقيل: معناه ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميًا، والنظر بالقلب خفي. {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قيل: خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار، وأهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة. {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}.
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} طريق إلى الصواب وإلى الوصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى، قد انسد عليهم طريق الخير.
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} أجيبوا داعي الله يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ} تلجأون إليه {يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} من منكر يغير ما بكم.

.تفسير الآيات (48- 51):

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}
{فَإِنْ أَعْرَضُوا} عن الإجابة، {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ} ما عليك، {إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة. {فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} قحط، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ} أي: لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم.
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} له التصرف فيهما بما يريد، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} فلا يكون له ولد ذكر، قيل: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث، {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} فلا يكون له أنثى.
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} فلا يلد ولا يولد له. قيل: هذا في الأنبياء عليهم السلام {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} يعني: لوطا لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان، {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني: إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى، {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما، وهذا على وجه التمثيل، والآية عامة في حق كافة الناس. {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه، إن كنت نبيًا، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال: لم ينظر موسى إلى الله عز وجل، فأنزل الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا} يوحي إليه في المنام أو بالإلهام، {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يسمعه كلامه ولا يراه، كما كلمه موسى عليه الصلاة والسلام، {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} إما جبريل أو غيره من الملائكة، {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} أي: يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء.
قرأ نافع: {أو يرسل} برفع اللام على الابتداء، {فيوحي} ساكنة الياء، وقرأ الآخرون بنصب اللام والياء عطفًا على محل الوحي لأن معناه: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل رسولا. {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}.

.تفسير الآيات (52- 53):

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53)}
{وَكَذَلِكَ} أي: كما أوحينا إلى سائر رسلنا، {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} قال ابن عباس: نبوة. وقال الحسن: رحمة. وقال السدي ومقاتل: وحيًا. وقال الكلبي: كتابًا. وقال الربيع: جبريل. وقال مالك بن دينار: يعني القرآن. {مَا كُنْتَ تَدْرِي} قبل الوحي، {مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ} يعني شرائع الإيمان ومعالمه، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: {الإيمان} في هذا الموضع: الصلاة، ودليله: قوله عز وجل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة 143].
وأهل الأصول على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، ولم يتبين له شرائع دينه.
{وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} قال ابن عباس: يعني الإيمان. وقال السدي: يعني القرآن. {نَهْدِي بِهِ} نرشد به، {مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} أي لتدعو، {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يعني الإسلام.
{صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} أي: أمور الخلائق كلها في الآخرة.

.سورة الزخرف:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}
{حم} {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} أقسم بالكتاب الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة.
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قوله: {جعلناه} أي: صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. وقيل: بيناه. وقيل: سميناه. وقيل: وصفناه، يقال: جعل فلان زيدًا أعلم الناس، أي وصفه، هذا كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} [الزخرف- 19] وقوله: {جعلوا القرآن عضين} [الحجر- 91]، وقال: {أجعلتم سقاية الحاج} [التوبة- 19]، كلها بمعنى الوصف والتسمية.
{وَإِنَّهُ} يعني القرآن، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} في اللوح المحفوظ. قال قتادة: {أم الكتاب}: أصل الكتاب، وأم كل شيء: أصله. قال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق، فالكتاب عنده، ثم قرأ {وإنه في أم الكتاب لدينا}، فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج- 21]. {لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} قال قتادة: يخبر عن منزلته وشرفه، أي: إن كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل.

.تفسير الآيات (5- 9):

{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)}
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} يقال: ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه، والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك بأن توليه صفحة وجهك وعنقك، والمراد بالذكر القرآن. ومعناه: أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار، أي: لا نفعل ذلك، وهذا قول قتادة وجماعة.
قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله.
وقيل: معناه: أفنضرب عنكم بتذكيرنا إياكم صافحين معرضين.
قال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيًا فلا تدعون ولا توعظون. وقال الكلبي: أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. وقال مجاهد والسدي: أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم. {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: {إن كنتم} بكسر الهمزة، على معنى: إذ كنتم، كقوله: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران- 139]، وقرأ الآخرون بالفتح، على معنى: لأن كنتم قومًا مسرفين مشركين.
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ} أي وما كان يأتيهم، {مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كاستهزاء قومك بك، يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم.
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أي أقوى من قومك، يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل، {وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ} أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي سألت قومك، {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أقروا بأن الله خالقها، وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم. إلى هاهنا تم الإخبار عنهم.

.تفسير الآيات (10- 14):

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}
ثم ابتدأ دالا على نفسه بصنعه فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم في أسفاركم.
{وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أي بقدر حاجتكم إليه لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم. {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ} أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك، {تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء.
{وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ} أي الأصناف {كُلَّهَا} {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} في البر والبحر.
{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ذكر الكناية لأنه ردها إلى {ما}. {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} بتسخير المراكب في البر والبحر، {وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} ذلل لنا هذا، {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين، وقيل: ضابطين.
{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} لمنصرفون في المعاد.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، أخبرني علي بن ربيعة أنه شهد عليًا رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم حمد ثلاثًا وكبر ثلاثًا، ثم قال: لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال: ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت، وقال مثل ما قلت، ثم ضحك، فقلنا: ما يضحكك يا نبي الله؟ قال: «العبد»، أو قال: «عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو».

.تفسير الآيات (15- 18):

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}
قوله عز وجل: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أي نصيبًا وبعضًا وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ومعنى الجعل- هاهنا- الحكم بالشيء والقول، كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس، أي وصفته وحكمت به، {إِنَّ الإنْسَانَ} يعني الكافر، {لَكَفُورٌ} جحود لنعم الله، {مُبِينٌ} ظاهر الكفران.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} هذا استفهام توبيخ وإنكار، يقول: اتخذ ربكم لنفسه البنات، {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ}؟ كقوله: {فأصفاكم ربكم بالبنين} [الإسراء- 40].
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا} بما جعل لله شبهًا، وذلك أن ولد كل شيء يشبهه، يعني إذا بشر أحدهم بالبنات كما ذكر في سورة النحل: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} [النحل- 58] من الحزن والغيظ.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {ينشأ} بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين، أي يربى، وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين، أي ينبت ويكبر، {فِي الْحِلْيَةِ} في الزينة يعني النساء، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن، قال قتادة في هذه الآية: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.
وفي محل {من} ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء، والنصب على الإضمار، مجازه: أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه بنات الله، والخفض ردا على قوله: {مما يخلق}، وقوله: {بما ضرب}.