فصل: تفسير الآيات (28- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (28- 32):

{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)}
{كَذَلِكَ} قال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني، {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} يعني بني إسرائيل.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ} وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحًا، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح فتبكي السماء على فقده، ولا لهم على الأرض عمر صالح فتبكي الأرض عليه.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عبد الله الفنجوي، حدثنا أبو علي المقري، حدثنا أبو يعلي الموصلي، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة الرَّبذي، أخبرني يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل فيه عمله، فإذا مات فقداه وبكيا عليه» وتلا {فما بكت عليهم السماء والأرض}.
قال عطاء: بكاء السماء حمرة أطرافها.
قال السدي: لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها.
{وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها.
{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ} قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل.
{مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ} يعني مؤمني بني إسرائيل، {عَلَى عِلْمٍ} بهم، {عَلَى الْعَالَمِينَ} على عالمي زمانهم.

.تفسير الآيات (33- 37):

{وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)}
{وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ} قال قتادة: نعمة بينة من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، والنعم التي أنعمها عليهم. وقال ابن زيد: ابتلاهم بالرخاء والشدة، وقرأ: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء- 35].
{إِنَّ هَؤُلاءِ} يعني مشركي مكة {لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى} أي لا موتة إلا هذه التي نموتها في الدنيا، ثم لا بعث بعدها. وهو قوله: {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} بمبعوثين بعد موتتنا.
{فَأْتُوا بِآبَائِنَا} الذين ماتوا {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أنا نبعث أحياء بعد الموت، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} أي ليسوا خيرًا منهم، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع. قال قتادة: هو تبع الحميري، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة، وبنى سمرقند وكان من ملوك اليمن، سمي تبعًا لكثرة أتباعه، وكل واحد منهم يسمى: تبعا لأنه يتبع صاحبه، وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير، فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره.
وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا: كان تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب بن مليك جاء بكر حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنًا له فقتل غيلة، فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل، فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام، إذ جاءه حبران اسمهما: كعب وأسد من أحبار بني قريظة، عالمان وكانا ابني عم، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له: أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة. فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد، مولده مكة، وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه، وفي عدوهم. قال تبع: من يقاتله وهو نبي؟ قالا يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا، فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا: إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة، قال: أي بيت؟ قالوا: بيت بمكة، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار، فقالوا: ما نعلم لله في الأرض بيتا غير هذا البيت، فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا هلك، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح، وكسا البيت الوصائل، وهو أول من كسا البيت، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف، فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه، قالوا: لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فقال تبع: أنصفتم، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن.
وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال: كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة.
وذكر لنا أن كعبًا كان يقول: ذم الله قومه ولم يذمه.
وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تبعًا فإنه كان رجلا صالحًا.
وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن سهل بن سعد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تسبوا تبعًا فإنه كان قد أسلم».
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري تبع نبيًا كان أو غير نبي». {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم الكافرة. {أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.

.تفسير الآيات (38- 44):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأثِيمِ (44)}
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} قيل: يعني للحق وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} يوم يفصل الرحمن بين العباد، {مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون.
{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} لا ينفع قريب قريبه ولا يدفع عنه شيئًا، {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} لا يمنعون من عذاب الله.
{إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} يريد المؤمنين فإنه يشفع بعضهم لبعض، {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه من أعدائه، {الرَّحِيمُ} بالمؤمنين.
{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ} أي ذي الإثم وهو أبو جهل.

.تفسير الآيات (45- 51):

{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)}
{كَالْمُهْلِ} هو دردي الزيت الأسود، {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} قرأ ابن كثير وحفص {يغلي} بالياء، جعلوا الفعل للمهل، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الشجرة، {في البطون} أي بطون الكفار، {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} كالماء الحار إذا اشتد غليانه.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو بكر العبدوسي، أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد، حدثنا سليمان بن يوسف، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرَّتْ على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره».
قوله تعالى: {خُذُوهُ} أي يقال للزبانية: خذوه، يعني الأثيم، {فَاعْتِلُوهُ} قرأ أهل الكوفة، وأبو جعفر، وأبو عمرو: بكسر التاء، وقرأ الباقون بضمها، وهما لغتان، أي ادفعوه وسوقوه، يقال: عتله يعتله عتلا إذا ساقه بالعنف والدفع والجذب، {إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسطه.
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} قال مقاتل، إن خازن النار يضربه على رأسه فينقب رأسه عن دماغه، ثم يصب فيه ماء حميمًا قد انتهى حره.
ثم يقال له: {ذُقْ} هذا العذاب، {إِنَّكَ} قرأ الكسائي {أنك} بفتح الألف، أي لأنك كنت تقول: أنا العزيز، وقرأ الآخرون بكسرها على الابتداء، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} عند قومك بزعمك، وذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقول له هذا خزنة النار، على طريق الاستحقار والتوبيخ.
{إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون فيه ولا تؤمنون به. ثم ذكر مستقر المتقين، فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} قرأ أهل المدينة والشام: {في مقام} بضم الميم على المصدر، أي في إقامة، وقرأ الآخرون بفتح الميم، أي في مجلس أمين، أمنوا فيه من الغير، أي من الموت ومن الخروج منه.

.تفسير الآيات (52- 59):

{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ} أي كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم، {بِحُورٍ عِينٍ} أي قرناهم بهن، ليس من عقد التزويج، لأنه لا يقال: زوجته بامرأة، قال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجًا لهن كما يزوج البعل بالبعل، أي جعلناهم اثنين اثنين، والحور: هن النساء النقيات البياض. قال مجاهد: يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن. وقال أبو عبيدة: الحور: هن شديدات بياض الأعين الشديدات سوادها، واحدها أحور، والمرأة حوراء، والعين جمع العيناء، وهي عظيمة العينين.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ} اشتهوها، {آمِنِينَ} من نفادها ومن مضرتها. وقال قتادة: آمنين من الموت والأوصاب والشياطين.
{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى} أي سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا، وبعدها وضع: إلا موضع سوى وبعد، وهذا كقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [النساء- 22]، أي سوى ما قد سلف، وبعد ما قد سلف، وقيل: إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا من موت في الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف إلى أسباب الجنة، يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة، فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها. {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}.
{فَضْلا مِنْ رَبِّكَ} أي فعل ذلك بهم فضلا منه، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} سهلنا القرآن، كناية عن غير مذكور، {بِلِسَانِكَ} أي على لسانك، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون.
{فَارْتَقِبْ} فانتظر النصر من ربك. وقيل: فانتظر لهم العذاب. {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}.
منتظرون قهرك بزعمهم.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن فنجويه، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو عيسى موسى بن علي الختلي، حدثنا أبو هاشم الرفاعي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم، عن يحيى بن كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك».

.سورة الجاثية:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 7):

{حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}
{حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}.
{حم تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ}، قرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب: {آياتٍ} {وتصريف الرياح آيات} بكسر التاء فيهما ردا على قوله: {لآيات} وهو في موضع النصب، وقرأ الآخرون برفعهما على الاستئناف، على أن العرب تقول: إن لي عليك مالا وعلى أخيك مال، ينصبون الثاني ويرفعونه، {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أنه لا إله غيره.
{وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} يعني الغيث الذي هو سبب أرزاق العباد، {فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} يريد هذا الذي قصصنا عليك من آيات الله نقصها عليك بالحق، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ} بعد كتاب الله، {وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب: {تؤمنون} بالتاء، على معنى قل لهم يا محمد: فبأي حديث تؤمنون، وقرأ الآخرون بالياء.
{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} كذاب صاحب إثم، يعني: النضر بن الحارث.