فصل: تفسير الآيات (229- 230):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (229- 230):

{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} روي عن عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها يقصد مضارتها فنزلت هذه الآية {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقيبه مرتان، فإذا طلق ثلاثا فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر.
قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} قيل: أراد بالإمساك الرجعة بعد الثانية، والصحيح أن المراد منه: الإمساك بعد الرجعة، يعني إذا راجعها بعد الرجعة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف، والمعروف كل ما يعرف في الشرع، من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أن يتركها بعد الطلاق حتى تنقضي عدتها وقيل الطلقة الثالثة.
قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاثة: الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فحسب، وجملة الحكم فيه أن الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها يجوز له مراجعتها بغير رضاها ما دامت في العدة، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها، أو طلقها قبل الدخول بها أو خالعها فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها، وإذن وليها فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له، ما لم تنكح زوجا غيره، وأما العبد إذا كانت تحته امرأة، فطلقها طلقتين، فإنها لا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر.
واختلف أهل العلم فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقا، فذهب أكثرهم إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج، فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات، والعبد لا يملك على زوجته الحرة إلا طلقتين، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، يعني يعتبر في عدد الطلاق حال الرجل وفي قدر العدة حال المرأة، وهو قول عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وذهب قوم إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ولا يملك الحر على زوجته الأمة إلا طلقتين وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} أعطيتموهن {شَيْئًا} المهور وغيرها ثم استثنى الخلع فقال: {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى ويقال: حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها فكان بينهما كلام فأتت أباها فشكت إليه زوجها وقالت له: إنه يسيء إلي ويضربني فقال: ارجعي إلى زوجك فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها قال: فرجعت إليه الثانية وبها أثر الضرب فقال لها: ارجعي إلى زوجك، فلما رأت أن أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه زوجها وأرته آثارا بها من ضربه وقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال: «ما لك ولأهلك؟» فقال: والذي بعثك بالحق نبيا ما على وجه الأرض أحب إلي منها غيرك، فقال لها: ما تقولين؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألها فقالت: صدق يا رسول الله ولكن قد خشيت أن يهلكني فأخرجني منه، وقالت: يا رسول الله ما كنت لأحدثك حديثا ينزل الله عليك خلافه، هو من أكرم الناس محبة لزوجته، ولكني أبغضه فلا أنا ولا هو، قال ثابت: قد أعطيتها حديقة فلتردها علي وأخلي سبيلها فقال لها: «تردين عليه حديقته وتملكين أمرك»؟ قالت: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها» ففعل.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا زاهر بن جميل أخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ثابت ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة».
قوله تعالى: {إِلا أَنْ يَخَافَا} أي يعلما {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه} قرأ أبو جعفر وحمزة ويعقوب {إِلا أَنْ يَخَافَا} بضم الياء أي يعلم ذلك منهما، يعني: يعلم القاضي والولي ذلك من الزوجين، بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فجعل الخوف لغير الزوجين، ولم يقل فإن خافا، وقرأ الآخرون {يَخَافَا} بفتح الياء أي يعلم الزوجان من أنفسهما {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه} تخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، فنهى الله الرجل أن يأخذ من امرأته شيئا مما آتاها، إلا أن يكون النشوز من قبلها، فقالت: لا أطيع لك أمرا ولا أطالك مضجعا ونحو ذلك.
قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أي فيما افتدت به المرأة نفسها منه، قال الفراء: أراد بقوله: {عَلَيْهِمَا} الزوج دون المرأة، فذكرهما جميعا لاقترانهما كقوله تعالى: {نسيا حوتهما} [61- الكهف]، وإنما الناسي فتى موسى دون موسى وقيل: أراد أنه لا جناح عليهما جميعا، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية، ولا فيما افتدت به وأعطت به المال، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير الحق، ولا على الزوج فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الخلع جائز على أكثر مما أعطاها وقال الزهري: لا يجوز بأكثر مما أعطاها من المهر.
وقال سعيد بن المسيب: لا يأخذ منها جميع ما أعطاها بل يترك منه شيئا، ويجوز الخلع على غير حال النشوز غير أنه يكره لما فيه من قطع الوصلة بلا سبب.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري أنا عبد الله بن محمد بن شيبة أنا أحمد بن جعفر المستملي أنا أبو محمد يحيى بن إسحاق بن شاكر بن أحمد بن خباب أنا عيسى بن يونس أنا عبد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق» أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه أنا ابن أبي أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنا أبي أنا أسامة عن حماد بن زيد عن أبي أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة».
وقال طاووس: الخلع يختص بحالة خوف النشوز لظاهر الآية، والآية حرجت على وفق العادة أن الخلع لا يكون إلا في حال خوف النشوز غالبا، وإذا طلق الرجل امرأته بلفظ الطلاق على مال فقلبت وقعت البينونة وانتقص به العدد.
واختلف أهل العلم في الخلع فذهب أكثرهم إلى أنه تطليقة بائنة ينتقص به عدد الطلاق، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والنخعي، وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وهو أظهر قولي الشافعي، وذهب قوم إلى أنه فسخ لا ينتقص به عدد الطلاق وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عكرمة وطاووس وإليه ذهب أحمد وإسحاق، واحتجوا بأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين ثم ذكر بعده الخلع، ثم ذكر بعده الطلقة الثالثة فقال، {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا، ومن قال بالأول جعل الطلقة الثالثة: {أو تسريح بإحسان}.
قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي هذه أوامر الله ونواهيه، وحدود الله، ما منع الشرع من المجاوزة عنه {فَلا تَعْتَدُوهَا} فلا تجاوزوها {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الطلقة الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} أي من بعد الطلقة الثالثة {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي: غير المطلق فيجامعها، والنكاح يتناول الوطء والعقد جميعا، نزلت في تميمة وقيل في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي فطلقها ثلاثا.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة» قالت نعم قال: «لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته».
وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي قد مسني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بقولك الأول فلن نصدقك في الآخر. فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر رضي الله عنه فقالت: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجع إلى زوجي الأول فإن زوجي الآخر قد مسني وطلقني فقال لها أبو بكر: قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه، أتت عمر رضي الله عنه وقالت له: مثل ذلك فقال لها عمر رضي الله عنه: لئن رجعت إليه لأرجمنك. قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} يعني فإن طلقها الزوج الثاني بعدما جامعها {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} يعني على المرأة وعلى الزوج الأول {أَنْ يَتَرَاجَعَا} يعني بنكاح جديد {إِنْ ظَنَّا} أي علما وقيل رجوا، لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله عز وجل: {أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي يكون بينهما الصلاح وحسن الصحبة، وقال مجاهد: معناه إن علما أن نكاحهما على غير الدُّلْسَة، وأراد بالدلسة التحليل، وهو مذهب سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا آخر ليحللها للزوج الأول: فإن النكاح فاسد، وذهب جماعة إلى أنه إن لم يشرط في النكاح مع الثاني أنه يفارقها فالنكاح صحيح ويحصل به التحليل ولها صداق مثلها، غير أنه يكره إذا كان في عزمها ذلك.
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنا الحسن بن الفرج أخبرنا عمرو بن خالد الحراني عن عبيد الله بن عبد الكريم هو الجزري عن أبي واصل عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لعن المحلل والمحلل له» وقال نافع أتى رجل ابن عمر فقال له: إن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فانطلق أخ له من غير مؤامرة فتزوجها ليحلها للأول فقال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لعن الله المحلل والمحلل له» {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يعني يعلمون ما أمرهم الله تعالى به.

.تفسير الآية رقم (231):

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}
قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الآية، نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها، يقصد بذلك مضارتها.
قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي أشرفن على أن يبن بانقضاء العدة، ولم يرد حقيقة انقضاء العدة، لأن العدة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها، فالبلوغ هاهنا بلوغ مقاربة، وفي قوله تعالى بعد هذا {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} حقيقة انقضاء العدة، والبلوغ يتناول المعنيين، يقال: بلغ المدينة إذا قرب منها وإذا دخلها {فَأَمْسِكُوهُن} أي راجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} قيل المراجعة بالمعروف أن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء.
{أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} أي لا تقصدوا بالرجعة المضارة بتطويل الحبس {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي أضر بنفسه بمخالفة أمر الله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} قال الكلبي يعني قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وكل من خالف أمر الشرع فهو متخذ آيات الله هزوا، وقال أبو الدرداء هو أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول: كنت لاعبا، ويعتق ويقول: مثل ذلك وينكح ويقول مثل ذلك.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمرو الجوهري أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن أبي حبيب بن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة». {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بالإيمان {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ} يعني: القرآن {وَالْحِكْمَة} يعني: السنة، وقيل: مواعظ القرآن {يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (232):

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)}
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني، كانت تحت أبي البداح عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أحمد بن أبي عمرو حدثني أبي حدثني أبراهيم عن يونس عن الحسن قال حدثني معقل بن يسار قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها؟ لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجتها إياه.
قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي انقضت عدتهن {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي لا تمنعوهن عن النكاح، والعضل: المنع، وأصله الضيق والشدة، يقال: عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج، والداء العضال الذي لا يطاق، وفي الآية دليل على أن المرأة لا تلي عقد النكاح إذ لو كانت تملك ذلك لم يكن هناك عضل ولا لنهي الولي عن العضل معنى، وقيل الآية خطاب مع الأزواج لمنعهم من الإضرار لأن ابتداء الآية خطاب معهم، والأول أصح.
{إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} بعقد حلال ومهر جائز {ذَلِك} أي ذلك الذي ذكر من النهي {يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وإنما قال ذلك موحدا، والخطاب للأولياء لأن الأصل في مخاطبة الجمع: ذلكم، ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف وليس بكاف خطاب فقالوا ذلك، فإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة منصوبة في الاثنين والجمع والمؤنث والمذكر قيل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلذلك وحد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين فقال: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ} أي خير لكم {وَأَطْهَر} لقلوبكم من الريبة وذلك أنه إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حب لم يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحل الله لهما، ولم يؤمن من الأولياء أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أي يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلمون أنتم.