فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} في الدين والولاية، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} إذا اختلفا واقتتلا قرأ يعقوب {بين إخوتكم} بالتاء على الجمع، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلم كُرْبَةً فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل- وهو القدوة- في قتال أهل البغي، عن أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ فقال: لا من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل، ونصبوا إمامًا فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة، وأصروا على بغيهم، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته، ثم الحكم في قتالهم أن لا يُتَّبع مُدْبِرُهُم ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف على جريحهم، نادى منادي عليّ رضي الله عنه يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح. وأُتي عليٌ رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له: لا أقتلك صبرًا إني أخاف الله رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه.
قال ابن شهاب: كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأُتلف فيها أموال كثيرة، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم، وجرى الحكم عليهم، فما علمتُه اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه.
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماما فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق.
روي أن عليًّا رضي الله عنه سمع رجلا يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا لله تعالى، فقال عليٌّ: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.

.تفسير الآية رقم (11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}
وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ} الآية، قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسًا يجلس فيه قام قائمًا كما هو، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس، ويقول: تفسحوا تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسح، فقال الرجل: قد أصبت مجلسًا فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضبًا، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل، فقال: من هذا؟ قال: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة، وذكر أُمًّا له كان يعير بها في الجاهلية، فنكَّسَ الرجل رأسه واستحيا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم، كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة، لما رأوا من رثاثة حالهم، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} أي رجال من رجال. والقوم: اسم يجمع الرجال والنساء، وقد يختص بجمع الرجال، {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}.
روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر.
وعن عكرمة عن ابن عباس: أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب، قال لها النساء: يهودية بنت يهوديين. {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يعب بعضكم بعضًا، ولا يطعن بعضكم على بعض، {وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ} التنابز: التفاعل من النبز، وهو اللقب، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به.
قال عكرمة: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق يا منافق يا كافر.
وقال الحسن: كان اليهودي والنصراني يسلم، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني، فنهوا عن ذلك.
قال عطاء: هو أن تقول لأخيك: يا كلب يا حمار يا خنزير.
وروي عن ابن عباس قال: التنابز بالألقاب: أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف عن عمله.
{بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوق بَعْدَ الإيمَانِ}. أي بئس الاسم أن يقول: يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب، وقيل معناه: إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} من ذلك، {فَأُولَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ}.

.تفسير الآية رقم (12):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} قيل: نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما، ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب، فضمَّ سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام فلم يهيئ لهما شيئًا، فلما قدما قالا له: ما صنعت شيئًا؟ قال: لا غلبتني عيناي، قالا له: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطلب لنا منه طعامًا، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله طعامًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق إلى أسامة بن زيد، وقل له: إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك، وكان أسامة خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رحله، فأتاه فقال: ما عندي شيء، فرجع سلمان إليهما وأخبرهما، فقالا كان عند أسامة طعامٌ ولكن بخل، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئًا، فلما رجع قالا لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها، ثم انطلقا يتجسسان، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: «مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما»، قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحمًا، قال: بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن}، وأراد: أن يُظَنَّ بأهل الخير سوءًا {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} قال سفيان الثوري: الظن ظنان: أحدهما إثم، وهو أن تظن وتتكلم به، والآخر ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم.
{وَلا تَجَسَّسُوا} التجسس: هو البحث عن عيوب الناس، نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا».
أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أخبرنا عبد الله بن ناحية، حدثنا يحيى بن أكثم، أخبرنا الفضل بن موسى الشيباني، عن الحسين بن واقد، عن أوفى ابن دلهم، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورات المسلمين، يتتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله».
قال: ونظر ابن عمر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك.
وقال زيد بن وهب: قيل لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرًا، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، فإن يظهر لنا شيء نأخذه به {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} يقول: لا يتناول بعضكم بعضًا بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِكْرُكَ أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته».
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو الطاهر الحارثي، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يُرحّل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتبتموه» فقالوا: إنما حَدَّثْنَا بما فيه، قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه».
قوله عز وجل: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} قال مجاهد: لما قيل لهم {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا} قالوا: لا قيل: {فَكَرِهْتُمُوهُ} أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبًا.
قال الزجاج: تأويله: إن ذِكْرَكَ من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك، وهو ميت لا يحس بذلك.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا الفريابي، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، حدثني صفوان بن عمرو، حدثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
قال ميمون بن سِياه: بينا أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول: كُلْ، قلت: يا عبد الله ولم آكل؟ قال: بما اغتبت عبد فلان، فقلت: والله ما ذكرت فيه خيرًا ولا شرًا، قال: لكنك استمعت ورضيت به، فكان ميمون لا يغتاب أحدًا ولا يدع أحدًا يغتاب عنده أحدًا.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}
{يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية. قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس، وقوله للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، يعيره بأمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فلانة؟ فقال ثابت: أنا يا رسول الله، فقال: انظر في وجوه القوم فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت؟ قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى، فنزلت في ثابت هذه الآية، وفي الذي لم يتفسح: {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا} [المجادلة- 11].
وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنًا، وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئًا يعيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبرَ به رب السماء، فأتى جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب. {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} جمع شعب بفتح الشين، وهي رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، سموا شعوبًا لتشعبهم واجتماعهم، كشعب أغصان الشجر، والشعب من الأضداد يقال: شَعَبَ، أي: جمع، وشعب أي: فرق. {وَقَبَائِلَ} وهي دون الشعوب، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر، ودون القبائل العمائر، واحدتها عمارة، بفتح العين، وهم كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر البطون، واحدتها بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ، وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي، ثم الفصائل، والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة، وليس بعد العشيرة حي يوصف به.
وقيل: الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل.
وقال أبو روق: الشعوب الذين لا يعتزون إلى أحد، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى، والقبائل: العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم.
{لِتَعَارَفُوا} ليعرف بعضكم بعضًا في قرب النسب وبعده، لا ليتفاخروا. ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} قال قتادة في هذه الآية: إن أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسب المال، والكرم التقوى». وقال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم، أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا الضحاك بن مخلد، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه، فلما خرج لم يجد مَنَاخًا، فنزل على أيدي الرجال، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها بآبائها، الناس رجلان بَرٌّ تقي كريم على الله، وفاجر شقيٌّ هين على الله ثم تلا {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى}، ثم قال: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد هو ابن سلام حدثنا عبدة عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عمرو الناقد، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».