فصل: سورة الذاريات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.سورة الذاريات:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 7):

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)}
{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)}.
{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} يعني: الرياح التي تذرو التراب ذروًا، يقال: ذَرَت الريحُ الترابَ وأَذْرَت.
{فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} يعني: السحاب تحمل ثقلا من الماء.
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} هي السفن تجري في الماء جريًا سهلا.
{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أُمروا به، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته.
ثم ذكر المقسَمَ عليه فقال: {إِنَّما تُوعَدُونَ} من الثواب والعقاب، {لَصَادِقٌ}.
{وَإِنَّ الدِّينَ} الحساب والجزاء {لَوَاقِعٌ} لكائن. ثم ابتدأ قسمًا آخر فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذات الخلق الحسن المستوي، يقال للنسَّاج إذا نسج الثوب فأجاد: ما أحسن حبكه! قال سعيد بن جبير: ذات الزينة. قال الحسن: حبكت بالنجوم. قال مجاهد: هي المتقنة البنيان. وقال مقاتل والكلبي والضحاك: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك الرمل والشعر الجعد، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس، وهي جمع حباك وحبيكة، وجواب القسم قوله:

.تفسير الآيات (8- 14):

{إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}
{إِنَّكُمْ} أي: يا أهل مكة، {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم، تقولون في القرآن: سحر وكهانة وأساطير الأولين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم: ساحر وشاعر ومجنون. وقيل: {لفي قول مختلف} أي: مصدق ومكذب.
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه، يعني: من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وقيل {عن} بمعنى: من أجل، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف. وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون: إنه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإيمان، وهذا معنى قول مجاهد.
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} لعن الكذابون، يقال: تخرص على فلان الباطل، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عِقَاب مكة، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد: هم الكهنة.
{الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ} غفلة وعمى وجهالة، {سَاهُونَ} لاهُون غافلون عن أمر الآخرة، والسهو: الغفلة عن الشيء، وهو ذهاب القلب عنه.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء، يعني: يوم القيامة تكذيبًا واستهزاء.
قال الله عز وجل: {يَوْمَ هُمْ} أي يكون هذا الجزاء في يوم هم، {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي: يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل: {على} بمعنى الباء أي بالنار، وتقول لهم خزنة النار: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}.
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} عذابكم، {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا تكذيبًا به.

.تفسير الآيات (15- 18):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)}
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ} أعطاهم، {رَبُّهُمْ} من الخير والكرامة، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} قبل دخولهم الجنة، {مُحْسِنِينَ} في الدنيا.
{كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} والهجوع النوم بالليل دون النهار، و{ما} صلة، والمعنى: كانوا يهجعون قليلا من الليل، أي يصلون أكثر الليل.
وقيل: معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس، يعني: كانوا قلَّ ليلة تمر بهم إلا صَلَّوا فيها شيئًا، إما من أولها أو من أوسطها. قال أنس بن مالك: كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء. وقال محمد بن علي: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. قال مجاهد: كانوا لا ينامون كل الليل.
ووقف بعضهم على قوله: {قليلا} أي: كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ: {من الليل ما يهجعون}، وجعله جحدًا أي: لا ينامون بالليل البتة، بل يقومون للصلاة والعبادة، وهو قول الضحاك ومقاتل. {وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال الحسن: لا ينامون من الليل إلا أقله، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار. وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل: وبالأسحار يصلون، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول: أنا الملك أنا الملك، من الذي يدعوني فأستجيب له؟ من الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له؟».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: «اللهم لك الحمد أنت قَيِّمُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك». قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: «ولا حول ولا قوة إلا بالله».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا صدقة، أخبرنا الوليد عن الأوزاعي، حدثني عمير بن هانىء، حدثني جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته».

.تفسير الآية رقم (19):

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}
قوله عز وجل: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي ليس له في الغنائم سهم، ولا يجري عليه من الفيء شيء، هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب، قالا المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم، ومعناه في اللغة: الذي منع الخير والعطاء.
وقال قتادة والزهري: {المحروم} المتعفف الذي لا يسأل.
وقال زيد بن أسلم: هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته. وهو قول محمد بن كعب القرظي، قال: المحروم صاحب الجائحة ثم قرأ: {إنا لمغرمون بل نحن محرومون} [الواقعة- 66- 67].

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}
{وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ} عبر، {لِلْمُوقِنِينَ} إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار وأنواع النبات. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} آيات، إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظمًا إلى أن نفخ فيها الروح.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع.
وقال ابن الزبير: يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من سبيلين.
{أَفَلا تُبْصِرُونَ} قال مقاتل أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث.
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق، {وَمَا تُوعَدُونَ} قال عطاء: من الثواب والعقاب. وقال مجاهد: من الخير والشر. وقال الضحاك: وما توعدون من الجنة والنار، ثم أقسم بنفسه فقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} أي: ما ذكرت من أمر الرزق لحق، {مِثْلَ} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {مثل} برفع اللام بدلا من {الحق}، وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل، {مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فتقولون: لا إله إلا الله. وقيل: شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي، كما تقول: إنه لحق كما أنت هاهنا، وإنه لحق كما أنك تتكلم، والمعنى: إنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة. قال بعض الحكماء: يعني: كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره.

.تفسير الآيات (24- 29):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)}
قوله عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}، ذكرنا عددهم في سورة هود {الْمُكْرَمِينَ}، قيل: سماهم مكرمين لأنهم كانوا ملائكة كرامًا عند الله، وقد قال الله تعالى في وصفهم: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء- 26] وقيل: لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة، وضيف الكرام مكرمون.
وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قراهم، والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: خدمته إياهم بنفسه.
وروي عن ابن عباس: سَمَّاهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين. وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}، أي: غرباء لا نعرفكم، قال ابن عباس: قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم. وقيل: إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
{فَرَاغَ}، فعدل ومال، {إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}، مشوي.
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ}، ليأكلوا فلم يأكلوا، {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ}، أي: صيحة، قيل: لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى أخذ في شتمي، أي أخذت تُوَلْوِلُ كما قال: {قالت يا ويلتي} [هود- 72]، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}، قال ابن عباس: لطمت وجهها. وقال الآخرون: جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبًا، كعادة النساء إذا أنكرن شيئًا، وأصل الصك: ضرب الشيء بالشيء العريض.
{وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}، مجازه: أتلد عجوز عقيم؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك.

.تفسير الآيات (30- 37):

{قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ (37)}
{قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ}، أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلامًا، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.
{قَالَ} يعني إبراهيم {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}. {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}، يعني: قوم لوط.
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً}، معلّمة، {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}، قال ابن عباس: للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا}، أي: في قرى قوم لوط، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وذلك قوله: {فأسر بأهلك بقطع من الليل} [هود- 81].
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ}، أي غير أهل بيت، {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، يعني لوطًا وابنتيه، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعًا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم.
{وَتَرَكْنَا فِيهَا}، أي في مدينة قوم لوط، {آيَةً}، عبرة، {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ}، أي: علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.

.تفسير الآيات (38- 45):

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)}
{وَفِي مُوسَى}، أي: وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة. وقيل: هو معطوف على قوله: {وفي الأرض آيات للموقنين}، {وفي موسى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، بحجة ظاهرة.
{فَتَوَلَّى}، فأعرض وأدبر عن الإيمان، {بِرُكْنِهِ}، أي بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم، كالركن الذي يقوى به البنيان، نظيره: {أو آوي إلى ركن شديد} [هود- 80]، {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، قال أبو عبيدة: {أو} بمعنى الواو.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ}، أغرقناهم فيه، {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي: آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسول.
{وَفِي عَادٍ}، أي: وفي إهلاك عاد أيضًا آية، {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}، وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرًا ولا تحمل مطرًا.
{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ}، من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم، {إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}، كالشيء الهالك البالي، وهو نبات الأرض إذا يبس وَدِيسَ. قال مجاهد: كالتبن اليابس. قال قتادة: كرميم الشجر. قال أبو العالية: كالتراب المدقوق. وقيل: أصله من العظم البالي.
{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}، يعني وقت فناء آجالهم، وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم: تمتعوا ثلاثة أيام.
{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}، يعني بعد مضي الأيام الثلاثة، وهي الموت في قول ابن عباس، قال مقاتل: يعني العذاب، و{الصاعقة}: كل عذاب مهلك، وقرأ الكسائي: {الصعقة}، وهي الصوت الذي يكون من الصاعقة، {وَهُمْ يَنْظُرُونَ}، يرون ذلك عيانًا.
{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ}، فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض. قال قتادة: لم ينهضوا من تلك الصرعة، {وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ}، ممتنعين مِنَّا. قال قتادة: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله.