فصل: تفسير الآية رقم (233):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (233):

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} يعني: المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن يرضعن، خبر بمعنى الأمر، وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب، لأنه لا يجب عليهن الإرضاع إذا كان يوجد من ترضع الولد لقوله تعالى في سورة الطلاق: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [- الطلاق] فإن رغبت الأم في الإرضاع فهي أولى من غيرها {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} أي سنتين، وذكر الكمال للتأكيد كقوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} [196- البقرة] وقيل إنما قال كاملين لأن العرب قد تسمي بعض الحول حولا وبعض الشهر شهرا كما قال الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [197- البقرة]، وإنما هو شهران وبعض الثالث وقال: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [203- البقرة]، وإنما يتعجل في يوم وبعض يوم، ويقال أقام فلان بموضع كذا حولين وإنما أقام به حولا وبعض آخر، فبين الله تعالى أنهما حولان كاملان، أربعة وعشرون شهرا، واختلف أهل العلم في هذا الحد، فمنهم من قال هو حد لبعض المولودين، فروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها إذا وضعت لستة أشهر فإنها ترضعه حولين كاملين، وإن وضعته لسبعة أشهر فإنها ترضعه ثلاثة وعشرين شهرا، وإن وضعت لتسعة اشهر فإنها ترضعه أحدا وعشرين شهرا، وإن وضعت لعشرة أشهر فإنها ترضعه عشرين شهرا، كل ذلك تمام ثلاثين شهرا لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [15- الأحقاف].
وقال قوم: هو حد لكل مولود بأي وقت ولد لا ينقص رضاعه عن حولين إلا باتفاق الأبوين فأيهما أراد الفطام قبل تمام الحولين ليس له ذلك إلا أن يجتمعا عليه لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} وهذا قول ابن جريج والثوري ورواية الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: المراد من الآية: بيان أن الرضاع الذي تثبت به الحرمة ما يكون في الحولين، فلا يحرم ما يكون بعد الحولين، قال قتادة: فرض الله على الوالدات إرضاع حولين كاملين ثم أنزل التخفيف فقال: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} أي هذا منتهى الرضاعة وليس فيها دون ذلك حد محدود وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} يعني الأب {رِزْقُهُن} طعامهن {وَكِسْوَتُهُن} لباسهن {بِالْمَعْرُوفِ} أي على قدر الميسرة {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} أي طاقتها {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قرأ ابن كثير وأهل البصرة برفع الراء نسقا على قوله: {لا تُكَلَّفُ} وأصله تضارر فأدغمت الراء في الراء، وقرأ الآخرون تضار بنصب الراء، وقالوا: لما أدغمت الراء في الراء حركت إلى أخف الحركات وهو النصب ومعنى الآية {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} فينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي لا تلقيه المرأة إلى أبيه بعدما ألفها، تضاره بذلك، وقيل معناه {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} فتكره على إرضاعه إذا كرهت إرضاعه، وقبل الصبي من غيرها، لأن ذلك ليس بواجب عليها {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فيحتمل أن تعطى الأم أكثر مما يجب لها إذا لم يرتضع من غيرها.
فعلى هذين القولين أصل الكلمة لا تضارر بفتح الراء الأولى على الفعل المجهول، والوالدة والمولود له مفعولان، ويحتمل أن يكون الفعل لهما وتكون تضار بمعنى تضارر بكسر الراء الأولى على تسمية الفاعل والمعنى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} فتأبى أن ترضع ولدها ليشق على أبيه {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ} أي لا يضار الأب أم الصبي، فينزعه منها ويمنعها من إرضاعه، وعلى هذه الأقوال يرجع الإضرار إلى الوالدين يضار كل واحد منهما صاحبه بسبب الولد، ويجوز أن يكون الضرار راجعا إلى الصبي، أي لا يضار كل واحد منهما الصبي، فلا ترضعه الأم حتى يموت أو لا ينفق الأب أو ينتزعه من الأم حتى يضر بالصبي، فعلى هذا تكون الباء زائدة ومعناه {لا تضار والدة بولدها} ولا أب بولده وكل هذه الأقاويل مروية عن المفسرين.
قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} اختلفوا في هذا الوارث، فقال قوم: هو وارث الصبي، معناه: وعلى وارث الصبي الذي لو مات الصبي وله مال ورثه مثل الذي كان على أبيه في حال حياته، ثم اختلفوا في أي وارث هو من ورثته فقال بعضهم: هو عصبة الصبي من الرجال مثل: الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وبه قال إبراهيم والحسن ومجاهد وعطاء وهو مذهب سفيان قالوا: إذا لم يكن للصبي ما ينفق عليه أجبرت عصبته الذين يرثونه على أن يسترضعوه، وقيل: هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء: وهو قول قتادة وابن أبي ليلى ومذهب أحمد وإسحاق وقالوا: يجبر على نفقته كل وارث على قدر ميراثه عصبة كانوا أو غيرهم.
وقال بعضهم هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود، فمن ليس بمحرم مثل ابن العم والمولى فغير مراد بالآية، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وذهب جماعة إلى أن المراد بالوارث هو الصبي نفسه، الذي هو وارث أبيه المتوفى تكون أجرة رضاعه ونفقته في ماله، فإن لم يكن له مال فعلى الأم، ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان، وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله، وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر عليه مثل ما كان على الأب من أجرة الرضاع والنفقة والكسوة.
وقيل: ليس المراد منه النفقة، بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة، وبه قال الشعبي والزهري {فَإِنْ أَرَادَا} يعني الوالدين {فِصَالا} فطاما قبل الحولين {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} أي اتفاق الوالدين {وَتَشَاوُر} أي يشاورون أهل العلم به حتى يخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد، والمشاورة استخراج الرأي {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي لا حرج عليهما في الفطام قبل الحولين {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} أي لأولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم يرضعنهم أو تعذر لعلة بهن، أي: انقطاع لبن أو أردن النكاح {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم} إلى أمهاتهم {مَا آتَيْتُمْ} ما سميتم لهن من أجرة الرضاع بقدر ما أرضعن، وقيل إذا سلمتم أجور المراضع إليهن بالمعروف، قرأ ابن كثير {مَا آتَيْتُمْ} وفي الروم {وما آتيتم من ربا} [39- الروم] بقصر الألف ومعناه ما فعلتم يقال: أتيت جميلا إذا فعلته، فعلى هذه القراءة يكون التسليم بمعنى الطاعة والانقياد لا بمعنى تسليم الأجرة يعني إذا سلمتم لأمره وانقدتم لحكمه، وقيل إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق دون الضرار {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

.تفسير الآية رقم (234):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} أي يموتون وتتوفى آجالهم، وتوفى واستوفى بمعنى واحد، ومعنى التوفي أخذ الشيء وافيا {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} يتركون أزواجا {يَتَرَبَّصْن} ينتظرن {بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} أي يعتددن بترك الزينة والطيب والنقلة على فراق أزواجهن هذه المدة إلا أن يكن حوامل فعدتهن بوضع الحمل، وكانت عدة الوفاة في الابتداء حولا كاملا لقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} [240- البقرة] ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرا.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: كانت هذه العدة يعني أربعة أشهر وعشرا واجبة عند أهل زوجها فأنزل الله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} فجعل لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله عز وجل: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن} [240- البقرة] فالعدة كما هي واجبة عليها.
وقال: عطاء قال: ابن عباس رضي الله عنهما: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاء خرجت، قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها ويجب عليها الإحداد في عدة الوفاة، وهي أن تمتنع من الزينة والطيب فلا يجوز لها تدهين رأسها بأي دهن سواء كان فيه طيب أو لم يكن، ولها تدهين جسدها بدهن لا طيب فيه، فإن كان فيه طيب فلا يجوز، ولا يجوز لها أن تكتحل بكحل فيه طيب أو فيه زينة كالكحل الأسود ولا بأس بالكحل الفارسي الذي لا زينة فيه فإن اضطرت إلى كحل فيه زينة فرخص فيه كثير من أهل العلم منهم سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وعطاء والنخعي وبه قال مالك وأصحاب الرأي، وقال الشافعي رحمه الله: تكتحل به ليلا وتمسحه بالنهار.
قالت أم سلمة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت علي صبرا فقال: «إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار».
ولا يجوز لها الخضاب ولا لبس الوشي والديباج والحلي ويجوز لها لبس البيض من الثياب ولبس الصوف والوبر، ولا تلبس الثوب المصبوغ للزينة كالأحمر والأخضر الناضر والأصفر، ويجوز ما صبغ لغير زينة كالسواد والكحلي وقال سفيان: لا تلبس المصبوغ بحال.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمر بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت به جارية ثم مست به بطنها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا».
وقالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فدعت بطيب فمست به ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة اشهر وعشرا» قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا»، ثم قال: «إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا أي بيتا صغيرا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتي بدابة، حمار أو شاة أو طيرا فتفتض به، أي تمسح فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره، وقال مالك: تفتض أي تمسح جلدها.
وقال سعيد بن المسيب: الحكمة في هذه المدة أن فيها ينفخ الروح في الولد، ويقال إن الولد يرتكض أي يتحرك في البطن لنصف مدة الحمل أربعة أشهر وعشرا قريبا من نصف مدة الحمل، وإنما قال عشرا بلفظ المؤنث لأنه أراد الليالي لأن العرب إذا أبهمت العدد بين الليالي والأيام غلبت عليها الليالي فيقولون صمنا عشرا والصوم لا يكون إلا بالنهار.
وقال المبرد: إنما أنث العشر لأنه أراد المدد أي عشر مدد كل مدة يوم وليلة، وإذا كان المتوفى عنها زوجها حاملا فعدتها بوضع الحمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم أنها تنتظر آخر الأجلين من وضع الحمل أو أربعة أشهر وعشرا، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى أراد بالقصرى سورة الطلاق {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [4- الطلاق] نزلت بعد قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} في سورة البقرة فحمله على النسخ، وعامة الفقهاء خصوا الآية بحديث سبيعة وهو ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت.
قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي انقضت عدتهن {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} خطاب للأولياء {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} أي من اختيار الأزواج دون العقد فإن العقد إلى الولي، وقيل فيما فعلن من التزين للرجال زينة لا ينكرها الشرع {بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} والإحداد واجب على المرأة في عدة الوفاة، أما المعتدة عن الطلاق نُظِر فإن كانت رجعية فلا إحداد عليها في العدة لأن لها أن تضع ما يشوق قلب الزوج إليها ليراجعها، وفي البائنة بالخلع والطلقات الثلاثة قولان: أحدهما: عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها، وهو قول سعيد بن المسيب، وبه قال أبو حنيفة، والثاني: لا إحداد عليها وهو قول عطاء، وبه قال مالك.

.تفسير الآية رقم (235):

{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} أي النساء المعتدات وأصل التعريض هو التلويح بالشيء، والتعريض في الكلام ما يفهم به السامع مراده من غير تصريح والتعريض بالخطبة مباح في العدة وهو أن يقول: رب راغب فيك، من يجد مثلك، إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإني من غرضي أن أتزوج وإن جمع الله بيني وبينك بالحلال أعجبني ولئن تزوجتك لأحسنن إليك، ونحو ذلك من الكلام من غير أن يقول أنكحيني والمرأة تجيبه بمثله إن رغبت فيه، وقال إبراهيم: لا بأس أن يهدي لها ويقوم بشغلها في العدة إذا كانت من شأنه.
روي أن سكينة بنت حنظلة بانت من زوجها فدخل عليها أبو جعفر محمد بن علي الباقر في عدتها وقال: يا بنت حنظلة أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام فقالت سكينة أتخطبني وأنا في العدة وأنت يؤخذ العلم عنك؟ فقال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده.
والتعريض بالخطبة جائز في عدة الوفاة، أما المعتدة عن فرقة الحياة نظر: إن كانت ممن لا يحل لمن بانت منه نكاحها كالمطلقة ثلاثا والمبانة باللعان والرضاع: يجوز خطبتها تعريضا وإن كانت ممن للزوج نكاحها كالمختلعة والمفسوخ نكاحها يجوز لزوجها خطبتها تعريضا وتصريحا.
وهل يجوز للغير تعريضا؟ فيه قولان: أحدهما يجوز كالمطلقة ثلاثا، والثاني لا يجوز لأن المعاودة لصاحب العدة كالرجعية لا يجوز للغير تعريضها بالخطبة.
وقوله تعالى: {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} الخطبة التماس النكاح وهي مصدر خطب الرجل المرأة يخطب خطبة، وقال الأخفش: الخطبة الذكر، والخطبة التشهد فيكون معناه: فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن، {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} أضمرتم {فِي أَنْفُسِكُمْ} نكاحهن يقال: أكننت الشيء وكننته لغتان، وقال ثعلب: أكننت الشيء أي أخفيته في نفسي وكننته سترته، وقال السدي: هو أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} بقلوبكم {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} اختلفوا في السر المنهي عنه فقال قوم: هو الزنا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزّنية وهو يتعرض بالنكاح ويقول لها: دعيني فإذا أوفيت عدتك أظهرت نكاحك، هذا قول الحسن وقتادة وإبراهيم وعطاء ورواية عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال زيد بن أسلم: أي لا ينكحها سرا فيمسكها فإذا حلت أظهر ذلك.
وقال مجاهد: هو قول الرجل لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك، وقال الشعبي والسدي لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره، وقال عكرمة: لا ينكحها ولا يخطبها في العدة.
قال الشافعي: السر هو الجماع، وقال الكلبي: أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع فيقول آتيك الأربعة والخمسة وأشباه ذلك، ويذكر السر ويراد به الجماع قال امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة القوم أنني ** كبرت وألا يحسن السر أمثالي

إنما قيل للزنا والجماع سر لأنه يكون في خفاء بين الرجل والمرأة.
قوله تعالى: {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} ما ذكرنا من التعريض بالخطبة.
قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} أي لا تحققوا العزم على عقدة النكاح في العدة حتى يبلغ الكتاب أجله أي: حتى تنقضي العدة وسماها الله كتابا لأنها فرض من الله كقوله تعالى: {كتب عليكم} أي فرض عليكم {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أي فخافوا الله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} لا يعجل بالعقوبة.