فصل: تفسير الآيات (46- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (46- 48):

{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)}
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما نزلت: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم} جميعًا {والساعة أدهى وأمر} أعظم داهيةً وأشدُّ مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر.
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} المشركين {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} قيل: {في ضلال} بعد عن الحق. قال الضحاك: {وسعر} أي: نار تسعر عليهم: وقيل: {ضلال} ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، {وسعر}: نار مسعرة، قال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. وقال قتادة: في عناء وعذاب.
ثم بين عذابهم فقال: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} يجرون {فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}.

.تفسير الآية رقم (49):

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)}
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أي: ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ، قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له.
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي، أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي، أخبرنا أبو معشر يعقوب بن عبدالجليل بن يعقوب، حدثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب، أخبرنا أحمد بن نصر النيسابوري، أخبرنا عبدالله بن الوليد العدني، أخبرنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية: {إن المجرمين في ضلال وسعر} إلى قوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي الخدشاهي، أخبرنا عبدالله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي، أخبرنا يونس بن عبدالأعلى الصدفي، أخبرنا عبدالله بن وهب، أخبرني أبو هانيء الخولاني عن أبي عبدالرحمن الحبلى عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء».
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر الله، قال: وسمعت عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز».
أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيبابي، أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، أخبرنا يعلى بن عبيد، وعبيدالله بن موسى وأبو نعيم عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» زاد عبيدالله: «خيره وشره». ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال: عن ربعي عن عليّ ولم يقل: عن رجل، وهذا أصح.

.تفسير الآيات (50- 53):

{وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)}
{وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} {وَاحِدَة}. يرجع إلى المعنى دون اللفظ أي: وما أمرنا إلا مرة واحدة وقيل: معناه: وما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة: كن فيكون لا مراجعة فيها كلمح بالبصر. قال عطاء عن ابن عباس: يريد أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر وقال الكلبي عنه: وما أمرنا لمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة.
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} متعظ يعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر.
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} يعني فعله الأشياع من خير وشر {فِي الزُّبُرِ} في كتاب الحفظة، وقيل: في اللوح المحفوظ.
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الخلق وأعمالهم وآجالهم {مُسْتَطَرٌ} مكتوب، يقال: سطرت واستطرت وكتبت واكتتبت.

.تفسير الآيات (54- 55):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَنَهَرٍ} أي أنهار، ووحَّده لأجل رؤوس الآي، وأراد أنهار الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل. وقال الضحاك: يعني في ضياء وسعة ومنه النهار. وقرأ الأعرج {ونُهُر}، بضمتين جمع نهار يعني: نهارًا لا ليل لهم.
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} ملك قادر لا يعجزه شيء. قال جعفر الصادق: مدح الله المكان بالصدق فلا يُقْعِد، فيه إلا أهل الصدق.

.سورة الرحمن:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}
{الرَّحْمَنُ} قيل: نزلت حين قالوا: وما الرحمن؟. وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعمله بشر.
{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} قال الكلبي: علم القرآن محمدا. وقيل: {علم القرآن} يسره للذكر.
{خَلَقَ الإنْسَانَ} يعني آدم عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة. {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} أسماء كل شيء، وقيل:علمه اللغات كلها، وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية.
وقال الآخرون: {الإنسان} اسم جنس، وأراد به جميع الناس {علمه البيان} النطق والكتابة والفهم والإفهام، حتى عرف ما يقول وما يقال له. هذا قول أبي العالية وابن زيد والحسن.
وقال السدي: علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.
وقال ابن كيسان: {خلق الإنسان} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {علمه البيان} يعني بيان ما كان وما يكون لأنه كان يبين عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين.

.تفسير الآيات (5- 11):

{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ (11)}
{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}، قال مجاهد: كحسبان الرحى. وقال غيره:أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها، قاله ابن عباس وقتادة. وقال ابن زيد وابن كيسان: يعني بهما تحسب الأوقات والآجال لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئًا. وقال الضحاك: يجريان بقدر، والحسبان يكون مصدر حسبت حسابًا وحسبانًا، مثل الغفران والكفران، والرجحان والنقصان، وقد يكون جمع الحساب كالشبهان والركبان.
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، النجم ما ليس له ساق من النبات، والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء، وسجودهما سجود ظلهما كما قال: {يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله} [النحل- 48] قال مجاهد: النجم هو الكوكب وسجوده طلوعه.
{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا}، فوق الأرض، {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}، قال مجاهد: أراد بالميزان العدل. المعنى: أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى: {أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}، أي لا تجاوزوا العدل. وقال الحسن وقتادة والضحاك: أراد به الذي يوزن به ليوصل به إلى الإنصاف والانتصاف، وأصل الوزن التقدير {ألا تطغوا} يعني لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان.
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}، بالعدل، وقال أبو الدرداء وعطاء: معناه أقيموا لسان الميزان بالعدل. قال ابن عيينة: الإقامة باليد والقسط بالقلب، {وَلا تُخْسِرُوا}، ولا تنقصوا {الْمِيزَانَ}، ولا تطففوا في الكيل والوزن.
{وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ}، للخلق الذين بثهم فيها.
{فِيهَا فَاكِهَةٌ}، يعني: أنواع الفواكه، قال ابن كيسان: يعني ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ}، الأوعية التي يكون فيها الثمر لأن ثمر النخل يكون في غلاف ما لم ينشق، واحدها كِمٌ، وكل ما ستر شيئًا فهو كم وكمة، ومنه كم القميص، ويقال للقلنسوة كُمَّةٌ، قال الضحاك: {ذات الأكمام} أي ذات الغلف. وقال الحسن: أكمامها: لفيفها. وقال ابن زيد: هو الطلع قبل أن ينشق.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ}، أراد بالحب جميع الحبوب التي تحرث في الأرض قال مجاهد: هو ورق الزرع. قال ابن كيسان: {العصف} ورق كل شيء يخرج منه الحب، يبدو أولا ورقًا وهو العصف ثم يكون سوقًا، ثم يحدث الله فيه أكماما ثم يحدث في الأكمام الحب. وقال ابن عباس في رواية الوالبي: هو التبن. وهو قول الضحاك وقتادة. وقال عطية عنه:هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويبس، نظيره: {كعصف مأكول} [الفيل- 5].
{وَالرَّيْحَانُ}، هو الرزق في قول الأكثرين، قال ابن عباس: كل ريحان في القرآن فهو رزق. وقال الحسن وابن زيد هو ريحانكم الذي يشم، قال الضحاك: {العصف}:هو التبن. و{الريحان} ثمرته.
وقراءة العامة: {والحب ذو العصف والريحان}، كلها مرفوعات بالرد على الفاكهة. وقرأ ابن عامر {والحب ذو العصف والريحان} بنصب الباء والنون وذا بالألف على معنى: خلق الإنسان وخلق هذه الأشياء. وقرأ حمزة والكسائي {والريحان} بالجر عطفًا على العصف فذكر قوت الناس والأنعام، ثم خاطب الجن والإنس فقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، أيها الثقلان، يريد من هذه الأشياء المذكورة. وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريرًا للنعمة وتأكيدًا في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع، يعدد على الخلق آلاءه ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانًا فكسوتك أفتنكر هذا؟ ألم تك خاملا؟ فعززتك أفتنكر هذا؟ ومثل هذا التكرار شائع في كلام العرب حسن تقريرًا.
وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى: {ألقيا في جهنم} [ق- 24].
وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: «ما لي أراكم سكوتًا لَلْجِنّ، كانوا أحسن منكم ردًا، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة {فبأي آلاء ربكما تكذبان} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد».

.تفسير الآيات (14- 21):

{خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)}
{خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
{وَخَلَقَ الْجَانَّ} وهو أبو الجن. وقال الضحاك: هو إبليس، {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} وهو الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه. قال مجاهد: وهو ما اختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت، من قولهم: مرج أمر القوم، إذا اختلط.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} مشرق الصيف ومشرق الشتاء. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} مغرب الصيف ومغرب الشتاء. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} العذب والمالح أرسلهما وخلاهما {يَلْتَقِيَانِ}.
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} حاجز من قدرة الله تعالى، {لا يَبْغِيَانِ} لا يختلطان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه. وقال قتادة: لا يطغيان على الناس بالغرق. وقال الحسن: {مرج البحرين} بحر الروم وبحر الهند، وأنتم الحاجز بينهما. وعن قتادة أيضًا: بحر فارس وبحر الروم بينهما برزخ يعني الجزائر. قال مجاهد والضحاك: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

.تفسير الآيات (22- 28):

{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ (24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)}
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا} قرأ أهل المدينة والبصرة: {يخرج} بضم الياء وفتح الراء، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الراء، {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وإنما يخرج من المالح دون العذب وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل، كما قال عز وجل: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام- 130]. وكانت الرسل من الإنس دون الجن. وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر. قال ابن جريج: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فحيثما وقعت قطرة كانت لؤلؤة، واللؤلؤة: ما عظم من الدر، والمرجان: صغارها. وقال مقاتل ومجاهد على الضد من هذا. وقيل: {المرجان} الخرز الأحمر. وقال عطاء الخراساني: هو اليسر. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{وَلَهُ الْجَوَارِي} السفن الكبار، {الْمُنْشَآتُ} قرأ حمزة وأبو بكر: {المنشِئات} بكسر الشين، أي: المنشئات للسير يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير. وقرأ الآخرون بفتح الشين أي المرفوعات، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض. وقيل: هي ما رفع قلعه من السفن وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات. وقيل المخلوقات المسخرات، {فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ} كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل، شبه السفن في البحر، بالجبال في البر {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} أي على الأرض من حيوان فإنه هالك {فَانٍ}.
{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ}، ذو العظمة والكبرياء {وَالإكْرَامِ}، أي مكرم أنبيائه وأوليائه بلطفه مع جلاله وعظمته. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.