فصل: تفسير الآيات (38- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (38- 40):

{لأصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ (40)}
قوله عز وجل: {لأصْحَابِ الْيَمِينِ} يريد أنشأناهن لأصحاب اليمين. {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ} من المؤمنين الذين كانوا قبل هذه الأمة. {وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} من مؤمني هذه الأمة هذا قول عطاء ومقاتل.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد العدل، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا عيسى بن المساور، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عيسى بن موسى عن عروة بن رويم قال: لما أنزل الله على رسوله {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} بكى عمر رضي الله عنهُ وقال: يا نبي الله آمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقناه ومن ينجو منا قليل؟ فأنزل الله عز وجل: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: «قد أنزل الله عز وجل فيما قلت» فقال عمر رضي الله عنه: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آدم إلينا ثلة ومنى إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله».
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «عُرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجلُ والنبي ومعه الرجلان، والنبي معه الرهطُ والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق فرجوت أن يكونوا أمتي فقيل: هذا موسى في قومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب»، فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون» فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ فقال: نعم فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال عليه السلام: «قد سبقك بها عكاشة».
ورواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرضتْ عليَّ الأنبياء الليلة بأتباعها حتى أتى علي موسى عليه السلام في كبكبة بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني فقلت: أي رب هؤلاء؟ قيل: هذا أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل، قلت: رب فأين أمتي؟ قيل: انظر عن يمينك، فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال، قيل: هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت: رب رضيت، رب رضيت، قيل انظر عن يسارك، فإذا الأفق قد سدَّ بوجوه الرجال، قيل: هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت: رب رضيت: فقيل: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة لا حساب لهم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب، وإن عجزتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون كثيرًا».
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر».
وذهب جماعة إلى أن الثُّلتين جميعا من هذه الأمة وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك، قالوا: {ثلة من الأولين} من سابقي هذه الأمة {وثلة من الآخرين} من آخر هذه الأمة في آخر الزمان.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد الدينوري حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما جميعا من أمتي».

.تفسير الآيات (41- 47):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)}
قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ} ريح حارة {وَحَمِيمٍ} ماء حار {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} دخان شديد السواد، تقول العرب: أسود يحموم إذا كان شديد السواد، وقال الضحاك: النار سوداء وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود. وقال ابن كيسان: اليحموم اسم من أسماء النار. {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} قال قتادة: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر. وقال سعيد بن المسيب: ولا كريم ولا حسن نظيره {من كل زوج كريم} [الشعراء- 7]. وقال مقاتل: طيب. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني في الدنيا {مُتْرَفِينَ} منعمين. {وَكَانُوا يصِرُّونَ} يقيمون {عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} على الذنب الكبير وهو الشرك. وقال الشعبي: {الحنث العظيم} اليمين الغموس. ومعنى هذا: أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك. {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} قرأ أبو جعفر، ونافع والكسائي ويعقوب: {أئذا} مستفهمًا {إنَّا} بتركه، وقرأ الآخرون بالاستفهام فيهما.

.تفسير الآيات (48 – 60):

{أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نزلهمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)}
{أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة: {شُرب} بضم الشين. وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان، فالفتح على المصدر، والضم اسم بمعنى المصدر كالضَّعف والضُّعف و{الهيم} الإبل العطاش، قال عكرمة وقتادة: الهيام: داء يصيب الإبل لا تروى معه، ولا تزال تشرب حتى تهلك. يقال: جمل أهيم، وناقة هيماء، والإبل هيم. وقال الضحاك وابن عيينة: {الهيم} الأرض السهلة ذات الرمل.
{هَذَا نزلهمْ} يعني ما ذكر من الزقوم والحميم، أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم، {يَوْمَ الدِّينِ} يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} قال مقاتل: خلقناكم ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك {فَلَوْلا} فهلا {تُصَدِّقُونَ} بالبعث. {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} تصبون في الأرحام من النطف. {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} يعني أأنتم تخلقونه ما تمنون بشرًا {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا} قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان {بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} قال مقاتل: فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبيًا وشابًا. وقال الضحاك: تقديره: إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء، فعلى هذا يكون معنى {قدَّرنا}: قضينا.
{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم فذلك قوله عز وجل: {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ}.

.تفسير الآيات (61- 66):

{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)}
فذلك قوله عز وجل: {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} يعني: نأتي بخلق مثلكم بدلا منكمُ، {وَنُنْشِئَكُم} نخلقكم {فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} من الصور، قال مجاهد: في أي خلق شئنا.
وقال الحسن: أي نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير، كما فعلنا بمن كان قبلكم يعني: إن أردنا أن نفعل ذلك ما فاتنا ذلك. وقال سعيد بن المسيب: {فيما لا تعلمون} يعني: في حواصل طير سود، تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف، وبرهوت واد باليمن. {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى} الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئًا. {فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} أني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم. {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} يعني: تثيرون من الأرض وتلقون فيها من البذر. {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} المنبتون. {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} قال عطاء: تبنًا لا قمح فيه وقيل: هشيمًا لا ينتفع به في مطعم وغذاء {فَظَلْتُم} وأصله: فظللتم حذفت إحدى اللامين تخفيفا. {تَفَكَّهُونَ} تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل. وقيل تندمون على نفقاتكم وهو قول يمان نظيره: {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} [الكهف- 42] وقال الحسن: تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة. وقال عكرمة: تتلاومون. وقال ابن كيسان: تحزنون. قال الكسائي: هو تلهف على ما فات، وهو من الأضداد، تقول العرب: تفكهت أي: تنعمت وتفكهت أي: حزنت. {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} قرأ أبو بكر عن عاصم {أئنا} بهمزتين وقرأ الآخرون على الخبر، ومجاز الآية: فظلتم تفكهون وتقولون إنا لمغرمون. وقال مجاهد وعكرمة لمولَع بنا. وقال ابن عباس وقتادة: معذبون، والغرام العذاب. وقال الضحاك وابن كيسان: غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرمًا علينا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، وهو قوله:

.تفسير الآيات (67- 73):

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)}
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} محدودون ممنوعون، أي: حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع. {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} السحاب، واحدتها: مُزْنَة {أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ اجَاجًا} قال ابن عباس: شديد الملوحة، قال الحسن: مُرًّا. {فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} تقدحون وتستخرجون من زَنْدكم. {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} يعني نار الدنيا تذكرة للنار الكبرى إذا رآها الرائي ذكر جهنم قاله عكرمة ومجاهد ومقاتل. وقال عطاء: موعظة يتعظ بها المؤمن.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيهُ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم» قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا».
{وَمَتَاعًا} بُلْغة ومنفعة {لِلْمُقْوِينَ} المسافرين والمقوي: النازل في الأرض والقِيُّ والقوا هو: القفر الخالية البعيدة من العمران، يقال: أقوت الدار إذا خلت من سكانها. والمعنى: أنه ينتفع بها أهل البوادي والأسفار، فإن منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم وذلك أنهم يوقدونها ليلا لتهرب منهم السباع ويهتدي بها الضُّلال وغير ذلك من المنافع، هذا قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد وعكرمة: {للمقوين} يعني للمستمتعين بها من الناس أجمعين، المسافرين والحاضرين، يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد، وينتفعون بها في الطبخ والخبز.
قال الحسن: بُلْغة للمسافرين، يتبلغون بها إلى أسفارهم، يحملونها في الخرق والجواليق.
وقال ابن زيد: للجائعين تقول العرب: أقويت منذ كذا وكذا أي: ما أكلت شيئا.
قال قطرب: المقوي من الأضداد، يقال للفقير: مقوٍ لخلوه من المال، ويقال للغني: مقوٍ، لقوَّته على ما يريد، يقال: أقوى الرجل إذا قويت دوابه وكثر مالهُ، وصار إلى حالة القوة. والمعنى أن فيها متاعًا للأغنياء والفقراء جميعًا لا غنى لأحد عنها.

.تفسير الآيات (74- 78):

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)}
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}. قوله عز وجلّ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}، قال أكثر المفسرين: معناه: أقسمُ ولا صلة، وكان عيسى بن عمر يقرأ: فَلأقْسِمُ على التحقيق. وقيل: قوله: {فلا} رد لما قاله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة، معناه: ليس الأمر كما يقولون، ثم استأنف القسم، فقال: {أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} قرأ حمزة والكسائي: {بموقع} على التوحيد. وقرأ الآخرون بمواقع على الجمع. قال ابن عباس: أراد نجوم القرآن، فإنه كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقًا نجومًا. وقال جماعة من المفسرين: أراد مغارب النجوم ومساقطها. وقال عطاء بن أبي رباح: أراد منازلها. وقال الحسن: أراد انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ}، يعني هذا الكتاب وهو موضع القسم. {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} عزيز مكرم لأنه كلام الله. قال بعض أهل المعاني: الكريم الذين من شأنه أن يعطي الخير الكثير. {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} مصون عند الله في اللوح المحفوظ، محفوظ من الشياطين.

.تفسير الآية رقم (79):

{لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (79)}
{لا يَمَسُّهُ} أي ذلك الكتاب المكنون، {إِلا الْمُطَهَّرُونَ} وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة، يروى هذا عن أنس، وهو قول سعيد بن جبير، وأبي العالية، وقتادة وابن زيد: أنهم الملائكة، وروى حسان عن الكلبي قال: هم السفرة الكرام البررة.
وروى محمد بن الفضيل عنه لا يقرؤه إلا الموحِّدون. قال عكرمة: وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن.
قال الفَّراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به.
وقال قوم: معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات، وظاهر الآية نفيٌ ومعناها نهي، قالوا: لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسُّهُ، وهو قول عطاء وطاووس، وسالم، والقاسم، وأكثر أهل العلم، وبه قال مالك والشافعي. وقال الحكم، وحماد، وأبو حنيفة: يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه. والأول قول أكثر الفقهاء.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر.
والمراد بالقرآن: المصحف، سماه قرآنا على قرب الجوار والاتساع. كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو». وأراد به المصحف.