فصل: تفسير الآيات (11- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (11- 12):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}
{مَّن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجرٌ كَرِيمٌ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ} يعني على الصراط {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يعني عن أيمانهم. قال بعضهم: أراد جميع جوانبهم، فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة.
وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه».
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويَقِدُ مرة.
وقال الضحاك ومقاتل: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} كتبهم، يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم. وتقول لهم الملائكة: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)}
{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا} قرأ الأعمش وحمزة: {أَنِظرونا} بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا. وقيل انتظرونا. وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء، تقول العرب: انْظُرْني وأَنْظِرْني، يعني انتظرني. {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} نستضيء من نوركم، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورًا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضا نورًا خديعةً لهم، وهو قوله عز وجل: {وهو خادعهم} [النساء- 141] فبيناهم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحًا وظلمة فأطفأت نور المنافقين، فذلك قوله: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} [التحريم- 8] مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين. وقال الكلبي: بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين، ولا يعطون النور، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين، انظرونا نقتبس من نوركم.
{قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} قال ابن عباس: يقول لهم المؤمنون وقال قتادة: تقول لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم من حيث جئتم {فَالْتَمِسُوا نُورًا} فاطلبوا هناك لأنفسكم نورًا فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين، وهو قوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} أي سور، والباء صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين وهو حائط بين الجنة والنار {لَه} أي لذلك السور {بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة {وَظَاهِرُه} أي خارج ذلك السور {مِنْ قِبَلِهِ} أي من قبل ذلك الظاهر {الْعَذَابُ} وهو النار.

.تفسير الآية رقم (14):

{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِي حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)}
{يُنَادُونَهُم} روي عن عبد الله بن عمر قال: إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن {فضرب بينهم بسور له باب} هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم.
وقال شريح: كان كعب يقول: في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس: إنه الباب الذي قال الله عز وجل: {فضرب بينهم بسور له باب} الآية. {ينادونهم} يعني: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز بينهم بالسور وبقوا في الظلمة: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} في الدنيا نصلي ونصوم؟ {قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة {وَتَرَبَّصْتُم} بالإيمان والتوبة. قال مقاتل: وتربصتم الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منهُ {وَارْتَبْتُمْ} شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به {وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِي} الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} يعني الموت {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} يعني الشيطان، قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار.

.تفسير الآيات (15- 16):

{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}
{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} قرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب: {تؤخذ} بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء {فِدْيَةٌ} بدل وعوض بأن تُفْدوا أنفسكم من العذاب {وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني المشركين {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ} صاحبكم وأولى بكم، لما أسلفتم من الذنوب {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قوله عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [يوسف- 3] فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء اللهُ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} [الزمر – 23] فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية. فعلى هذا التأويل، قوله: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} يعني في العلانية وباللسان.
وقال آخرون نزلت في المؤمنين قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين.
وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال: {ألم يأن} ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تخشع: تَرِقَّ وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله {وَمَا نزلَ} قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي وقرأ الآخرون بتشديدها {مِنَ الْحَقِّ} وهو القرآن {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} وهم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ} الزمان بينهم وبين أنبيائهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله والمعنى أن الله عز وجل ينهي المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر.
روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرَّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤا القرآن فقال لهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

.تفسير الآيات (17- 19):

{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)}
{اعلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا قَد بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي: المؤمنين والمؤمنات، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} بالصدقة والنفقة في سبيل الله عز وجل: {يُضَاعَفُ لَهُمُ} ذلك القرض {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثواب حسن وهو الجنة. {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} والصدِّيق: الكثيرالصدق، قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية.
قال الضحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمة، سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته. {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} اختلفوا في نظم هذه الآية، منهم من قال: هي متصلة بما قبلها، والواو واو النسق، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين. قال الضحاك: هم الذين سميناهم. قال مجاهد: كل مؤمن صديق شهيد، وتلا هذه الآية.
وقال قوم: تم الكلام عند قوله: {هم الصديقون} ثم ابتدأ فقال: والشهداء عند ربهم، والواو واو الاستئناف، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة. ثم اختلفوا فيهم فقال قوم: هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة، يروى ذلك عن ابن عباس هو قول مقاتل بن حيان. وقال مقاتل بن سليمان: هم الذين استشهدوا في سبيل الله.
{لَهُمْ أَجْرُهُمْ} بما عملوا من العمل الصالح {وَنُورُهُم} على الصراط {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.

.تفسير الآية رقم (20):

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)}
قوله عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: أن الحياة الدنيا، وما صلة، أي: إن الحياة في هذه الدار {لَعِب} باطل لا حاصل له {وَلَهْوٌ} فرح ثم ينقضي {وَزِينَة} منظر تتزينون به {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} يَفْخر به بعضكم على بعض {وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ} أي: مباهاة بكثرة الأموال والأولاد، ثم ضرب لها مثلا فقال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ} أي: الزراع {نَبَاتُه} ما نبت من ذلك الغيث {ثُمَّ يَهِيجُ} ييبس {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} بعد خضرته ونضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} قال مقاتل: لأعداء الله {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} لأوليائه وأهل طاعته.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن يشتغل فيها بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه.

.تفسير الآيات (21- 24):

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}
{سَابِقُوا} سارعوا {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} لو وُصل بعضها ببعض {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فبين أن أحدًا لا يدخل الجنة إلا بفضل الله. قوله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ} يعني: قحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار {وَلا فِي أَنْفُسِكُم} يعني: الأمراض وفقد الأولاد {إِلا فِي كِتَابٍ} يعني: اللوح المحفوظ {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} من قبل أن نخلق الأرض والأنفس. قال ابن عباس: من قبل أن نبرأ المصيبة. وقال أبو العالية: يعني النَّسَمَة {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي إثبات ذلك على كثرته هيِّن على الله عز وجل. {لِكَيْ لا تَأْسَوْا} تحزنوا {عَلَى مَا فَاتَكُمْ} من الدنيا {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} قرأ أبو عمرو بقصر الألف، لقوله: {فاتكم} فجعل الفعل لهُ وقرأ الآخرون {آتَاكُمْ} بمد الألف، أي: أعطاكم. قال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} متكبر بما أوتي من الدنيا {فخور} يفخر به على الناس.
قال جعفر بن محمد الصادق: يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت، ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت. {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} قيل: هو في محل الخفض على نعت المختال. وقيل: هو رفع بالابتداء وخبره فيما بعده. {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَل} أي: يعرض عن الإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} قرأ أهل المدينة والشام: {فإن الله الغني} بإسقاط {هو} وكذلك هو في مصاحفهم.

.تفسير الآية رقم (25):

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}
قوله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بالآيات والحجج {وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} يعني: العدل. وقال مقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به أي: ووضعنا الميزان كما قال: {والسماء رفعها ووضع الميزان} [الرحمن- 7] {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} ليتعاملوا بينهم بالعدل.
{وَأَنزلْنَا الْحَدِيد} روي عن ابن عمر يرفعه: إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح وقال أهل المعاني معنى قوله: {أنزلنا الحديد} أنشأنا وأحدثنا أي: أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه.
وقال قطرب هذا من النزل كما يقال: أنزل الأمير على فلان نزلا حسنًا فمعنى الآية: أنه جعل ذلك نزلا لهم. ومثله قوله: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر- 6]. {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} قوة شديدة يعني: السلاح للحرب. قال مجاهد: فيه جنة وسلاح يعني آلة الدفع وآلة الضرب {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة {وَلِيَعْلَمَ اللَّه} أي: أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلَم الله وليرى الله {مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: دينه {وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} أي: قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة، وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} قوي في أمره، عزيز في ملكه.