فصل: تفسير الآية رقم (43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (43):

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}
{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} وذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضا من الثلج وتسود وجوه الكافرين والمنافقين {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يغشاهم ذل الندامة والحسرة {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} قال إبراهيم التيمي: يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون {وَهُمْ سَالِمُونَ} أصحاء فلا يأتونه قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا عن الذين يتخلفون عن الجماعات.

.تفسير الآيات (44- 50):

{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)}
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي فدعني والمكذبين بالقرآن وخل بيني وبينهم. قال الزجاج: معناه لا تشغل قلبك بهم كِلْهُم إليَّ فإني أكفيكهم قال ومثله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} معناه في اللغة: لا تشغل قلبك به وكله إليَّ فإني أجازيه. ومثله قول الرجل: ذرني وإياه، ليس أنه منعه منه ولكن تأويله كِلْه، فإني أكفيك أمره.
قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} سنأخذهم بالعذاب {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}، فعذبوا يوم بدر. {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ أَمْ تَسأَلُهُمْ أَجرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الغَيبُ فَهُمْ يَكتُبُونَ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} اصبر على أذاهم لقضاء ربك {وَلا تَكُنْ} في الضجر والعجلة {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وهو يونس بن متى {إِذْ نَادَى} ربه في بطن الحوت {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مملوء غمًا.
{لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ} أدركته {نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} حين رحمه وتاب عليه {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} لطرح بالفضاء من بطن الحوت {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يذم ويلام بالذنب يذنبه.
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} اصطفاه {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

.تفسير الآيات (51- 52):

{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظر إليه قومٌ من قريش وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه.
وقيل: كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر.
وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثًا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنمًا أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة وعدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك، فعصم الله نبيه وأنزل: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} أي ويكاد ودخلت اللام في {ليزلقونك} لمكان {إن} وقرأ أهل المدينة: {لَيزْلقونك} بفتح الياء، والآخرون بضمها وهما لغتان، يقال: زلقَه يَزلُقه زلقًا وأَزْلَقهُ يزلُقه إزلاقًا.
قال ابن عباس: معناه: ينفذونك، ويقال: زلق السهم: إذا أنفذ.
قال السدي: يصيبونك بعيونهم. قال النضير بن شميل: يعينونك. وقيل: يزيلونك.
وقال الكلبي: يصرعونك. وقيل: يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة.
قال ابن قتيبة: ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرًا شديدًا بالعداوة والبغضاء، يكاد يسقطك.
وقال الزجاج: يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك. وهذا مستعمل في كلام العرب يقول القائل: نَظر إليَّ نظرًا يكاد يصرعني، ونظرا يكاد يأكلني. يدل على صحة هذا المعنى: أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله: {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن. فقال الله تعالى: {وَمَا هُوَ} يعني القرآن {إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} قال ابن عباس: موعظة للمؤمنين. قال الحسن: دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية.
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العين حق» ونهى عن الوشم.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر بن محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا محمود بن آدم المروزي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر، عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: «نعم فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين».

.سورة الحاقة:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 5):

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)}.
{الْحَاقَّةُ} يعني القيامةُ سميت حاقة لأنها حقت فلا كاذبة لها. وقيل لأن فيها حواق الأمور وحقائقها ولأن فيها يحق الجزاء على الأعمال، أي يجب يقال: حق عليه الشيء إذا وجب يحق حقوقا قال الله تعالى: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر- 71] قال الكسائي: {الحاقة} يوم الحق. {مَا الْحَاقَّةُ} هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها كما يقال: زيد ما زيد على التعظيم لشأنه. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} أي أنك لا تعلمها إذ لم تعاينها ولم تر ما فيها من الأهوال. {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} قال ابن عباس وقتادة: بالقيامة سميت قارعة لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة. وقيل: كذبت بالعذاب الذي أوعدهم نبيهم حتى نزل بهم فقرع قلوبهم. {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} أي بطغيانهم وكفرهم. قيل: هي مصدر، وقيل: نعت أي بفعلهم الطاغية وهذا معنى قول مجاهد، كما قال: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس- 11] وقال قتادة: بالصيحة الطاغية، وهي التي جاوزت مقادير الصياح فأهلكتهم. وقيل: طغَت على الخُزَّان فلم يكن لهم عليها سبيل ولم يعرفوا كم خرج منها كما طغى الماء على قوم نوح.

.تفسير الآيات (6- 11):

{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)}
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} عتت على خُزَّانها فلم تطعهم ولم يكن لهم عليها سبيل، وجاوزت المقدار فلم يعرفوا كم خرج منها. {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} أرسلها عليهم. وقال مقاتل: سلطها عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} قال وهب: هي الأيام التي تسميها العرب أيام العجوز، ذات برد ورياح شديدة. قيل: سميت عجوزًا لأنها في عجز الشتاء. وقيل: سميت بذلك لأن عجوزًا من قوم عاد دخلت سربًا فتبعتها الريح، فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب {حُسُومًا} قال مجاهد وقتادة: متتابعة ليس لها فترة، فعلى هذا فهو من حسم الكَيّ وهو أن يتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ، ثم قيل لكل شيء توبع: حاسم وجمعه حسوم، مثل شاهد وشهود، وقال الكلبي ومقاتل: حسومًا دائمة. وقال النضر بن شميل: حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم، والحسم: القطع والمنع ومنه حسم الداء. قال الزجاج: الذي توجبه الآية فعلى معنى تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم. وقال عطية: حسومًا كأنها حسمت الخير عن أهلها {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا} أي في تلك الليالي والأيام {صَرْعَى} هلكى جمع صريع {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ساقطة، وقيل: خالية الأجواف. {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} أي من نفس باقية، يعني: لم يبق منهم أحد. {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} قرأ أهل البصرة والكسائي بكسر القاف وفتح الباء، أي ومن معه من جنوده وأتباعه، وقرأ الآخرون بفتح القاف وسكون الباء، أي ومن قبله من الأمم الكافرة {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} أي: قرى قوم لوط، يريد: أهل المؤتفكات. وقيل يريد الأمم الذين ائتفكوا بخطيئتهم، أي أهلكوا بذنوبهم {بِالْخَاطِئَةِ} أي بالخطيئة والمعصية وهي الشرك. {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} يعني لوطًا وموسى {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} نامية. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: شديدة. وقيل: زائدة على عذاب الأمم. {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} أي عتا وجاوز حده حتى علا على كل شيء وارتفع فوقه، يعني زمن نوح عليه السلام {حَمَلْنَاكُمْ} أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم {فِي الْجَارِيَةِ} في السفينة التي تجري في الماء.

.تفسير الآيات (12- 17):

{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)}
{لِنَجْعَلَهَا} أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا مِنْ إِغْراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه {لَكُمْ تَذْكِرَةً} عبرة وموعظة {وَتَعِيَهَا} قرأ القواس عن ابن كثير وسليم عن حمزة باختلاس العين، وقرأ الآخرون بكسرها أي تحفظها {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أي: حافظة لما جاء من عند الله. قال قتادة: أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفَّراء: لتحفظها كل أذن فتكون عبرة وموعظة لمن يأتي بعد. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} وهي النفخة الأولى. {وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ} رفعت من أماكنها {فَدُكَّتَا} كسرتا {دَكَّةً} كسرة {وَاحِدَةً} فصارتا هباءً منثورًا. {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} قامت القيامة. {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} ضعيفة. قال الفراء: وَهْيُها: تشُّقُقها. {وَالْمَلَكُ} يعني الملائكة {عَلَى أَرْجَائِهَا} نواحيها وأقطارها ما لم ينشق منها واحدها: {رجا} مقصورًا وتثنيته رَجَوَان. قال الضحاك: تكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} أي فوق رءوسهم يعني الحملة {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {ثَمَانِيَةٌ} أي ثمانية أملاك.
جاء في الحديث: «إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء».
وجاء في الحديث: «لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر».
أخبرنا أبو بكر بن الهيثم الترابي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي، أخبرنا محمد بن يحيى الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا عبد الرزاق، حدثنا يحيى بن العلاء، عن عمه شعيب بن خالد، حدثنا سماك بن حرب، عن عبد الله بن عميرة، عن العباس بن عبد المطلب قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذا؟ قلنا: السحاب. قال: والمزن؟ قلنا: والمزن، قال: والعنان؟ فسكتنا فقال: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكذلك غلظ كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ثم بين ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك، ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء».
ويروى هذا عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس.
وروي عن ابن عباس أنه قال: {فوقهم يومئذ ثمانية} أي: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله.

.تفسير الآيات (18- 23):

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)}
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} على الله {لا تَخْفَى} قرأ حمزة والكسائي: {لا يخفى} بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء {مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} أي فِعْلة خافية. قال الكلبي: لا يخفى على الله منكم شيء. قال أبو موسى: يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعندها تطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وذلك قوله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} تعالوا اقرءوا كتابيه الهاء في {كتابيه} هاء الوقف. {إِنِّي ظَنَنْتُ} علمت وأيقنت {أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} أي: أني أحاسب في الآخرة. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ} حالة من العيش {رَاضِيَة} مرضية كقوله: {ماء دافق} [الطارق- 6] يريد: يرضاها بأن لقي الثواب وأمن العقاب. {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} رفيعة. {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ثمارها قريبة لمن يتناولها في كل أحواله ينالها قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا يقطعون كيف شاءوا. ويقال لهم:

.تفسير الآيات (24- 32):

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)}
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ} قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة {فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} الماضية يريد أيام الدنيا. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} قال ابن السائب: تُلْوَى يده اليسرى من صدره خلف ظهره ثم يعطى كتابه. وقيل: تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه؛ {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَم أَدرِ مَا حِسَابِيَه} يتمنى أنه لم يؤت كتابه لما يرى فيه من قبائح أعماله. {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية الفارغة من كل ما بعدها والقاطعة للحياة، فلم أحيَ بعدها. و{القاضية} موت لا حياة بعده يتمنى أنه لم يبعث للحساب. قال قتادة: يتمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت. {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} لم يدفع عني من عذاب الله شيئًا. {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ضلت عني حجتي، عن أكثر المفسرين. وقال ابن زيد: زال عني ملكي وقوتي. قال مقاتل: يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك، يقول الله لخزنة جهنم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} اجمعوا يده إلى عنقه. {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي: أدخِلوه الجحيم. {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} فأدخلوه فيها. قال ابن عباس: سبعون ذراعا بذراع المَلكَ، فتدخل في دبره وتخرج من منخره. وقيل: تدخل في فيه وتخرج من دبره. وقال نوف البكالي: سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعًا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعا. قال الحسن: الله أعلم أي ذراع هو.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رضاضة مثل هذه- وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها».
وعن كعب قال: لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقه منها.