فصل: تفسير الآيات (33- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (33- 39):

{إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ (37) فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39)}
{إِنَّه كَانَ لا يُؤمِنُ بِاللهَّ العَظِيم وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لا يطعم المسكين في الدنيا ولا يأمر أهله بذلك. {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} قريب ينفعه ويشفع له. {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} وهو صديد أهل النار، مأخوذ من الغسل، كأنه غسالة جروحهم وقروحهم. قال الضحاك والربيع: هو شجر يأكله أهل النار. {لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ} أي: الكافرون. {فَلا أُقْسِمُ} {لا} رد لكلام المشركين، كأنه قال: ليس كما يقول المشركون أقسم {بِمَا تُبْصِرُونَ} أي بما ترون وبما لا ترون. قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المخلوقات والموجودات. وقال: أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل: {ما تبصرون} ما على وجه الأرض، و{ما لا تبصرون} ما في بطنها. وقيل: {ما تبصرون} من الأجسام و{ما لا تبصرون} من الأرواح. وقيل: {ما تبصرون} الإنس و{ما لا تبصرون} الملائكة والجن. وقيل النعم الظاهرة والباطنة. وقيل: {ما تبصرون} ما أظهر الله للملائكة واللوح والقلم: و{ما لا تبصرون} ما استأثر بعلمه فلم يطلع عليه أحدا.

.تفسير الآيات (40- 45):

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)}
{إِنَّهُ} يعني القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ َ} أي تلاوة رسول كريم، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم. {وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَّا تُؤمِنُون وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ}1 قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب: {يؤمنون} و{يذكرون} بالياء فيهما، وقرأ الآخرون بالتاء، وأراد بالقليل نفي إيمانهم أصلا كقولك لمن لا يزورك: قلما تأتينا. وأنت تريد: لا تأتينا أصلا. {تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ} تخرَّص واختلق {عَلَيْنَا} محمد {بَعْضَ الأقَاوِيلِ} وأتى بشيء من عند نفسه. {لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قيل {مِنْ} صلة مجازه: لأخذناه وانتقمنا منه باليمين أي بالحق، كقوله: {كنتم تأتوننا عن اليمين} [الصافات- 28] أي: من قبل الحق. وقال ابن عباس: لأخذناه بالقوة والقدرة. قال الشماخ في عرابة ملك اليمن:
إذا ما رايةٌ رُفِعَت لمَجْدٍ ** تلقَّاها عُرَابَةُ باليَمِين

أي بالقوة، عبر عن القوة باليمين لأن قوة كل شيء في ميامنه.
وقيل: معناه لأخذنا بيده اليمنى، وهو مثل معناه: لأذللناه وأهنَّاه كالسلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من يريد يقول لبعض أعوانه: خذ بيده فأقمه.

.تفسير الآيات (46- 52):

{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} قال ابن عباس: أي نياط القلب وهو قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد: الحبل الذي في الظهر. وقيل هو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه. {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} مانعين يحجزوننا عن عقوبته، والمعنى: أن محمدًا لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه بأنه لو تكلفه لعاقبناه ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه، وإنما قال: {حاجزين} بالجمع وهو فعْل واحدٍ ردًا على معناه كقوله: {لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة- 285]. {وَإِنَّهُ} يعني القرآن {لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} أي لعظة لمن اتقى عقاب الله. {وَإِنَّا لَنَعلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} يوم القيامة يندمون على ترك الإيمان به.
{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
{فَسَبِّح بِاسمِ رَبِّكَ العَظِيم}.

.سورة المعارج:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)}
{سَأَلَ سَائِلٌ} قرأ أهل المدينة والشام: {سال} بغير همز وقرأ الآخرون بالهمز، فمن همز فهو من السؤال، ومن قرأ بغير همز قيل: هو لغة في السؤال، يقال: سال يسال مثل خاف يخاف يعني سال يسال خفف الهمزة وجعلها ألفًا.
وقيل: هو من السيل، والسايل واد من أودية جهنم، يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والأول أصح.
واختلفوا في الباء في قوله: {بعذاب} قيل: هي بمعنى عن كقوله: {فاسأل به خبيرًا} [الفرقان- 59] أي عنه خبيرا.
ومعنى الآية: سأل سائل عن عذاب {وَاقِعٍ} نازل كائن على من ينزل ولمن ذلك العذاب فقال الله مبينًا مجيبًا لذلك السائل: {لِلْكَافِرينَ} وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال بعضهم لبعض: مَنْ أهل هذا العذاب؟ ولمن هو؟ سلوا عنه محمدًا فسألوه فأنزل الله: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين} أي: هو للكافرين، هذا قول الحسن وقتادة. وقيل: الباء صلة ومعنى الآية: دعا داع وسأل سائل عذابًا واقعًا للكافرين، أي: على الكافرين، اللام بمعنى على وهو النضر بن الحارث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب، فقال: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} الآية [الأنفال- 32] فنزل به ما سأل يوم بدر فقتل صبرًا، وهذا قول ابن عباس ومجاهد: {لَيْسَ لَهُ} أي للعذاب {دَافِعٌ} مانع.

.تفسير الآيات (3- 4):

{مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}
{مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} قال ابن عباس: أي ذي السماوات، سماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها. وقال سعيد بن جبير: ذي الدرجات. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم ومعارج: الملائكة. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ} قرأ الكسائي {يعرج} بالياء، وهي قراءة ابن مسعود، وقرأ الآخرون {تعرج} بالتاء {وَالرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام {إِلَيْهِ} أي إلى الله عز وجل: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} من سني الدنيا لو صعد غير الملك وذلك أنها تصعد منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة.
روى ليث عن مجاهد أن مقدار هذا خمسون ألف سنة.
وقال محمد بن إسحاق: لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش لساروا خمسين ألف سنة من سني الدنيا.
وقال عكرمة وقتادة: هو يوم القيامة. وقال الحسن أيضا: هو يوم القيامة. وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا، ليس يعني به مقدار طوله هذا دون غيره لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود، ولو كان له آخر لكان منقطعًا.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة: فما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا».
وقيل: معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله لم يفرغ منه خمسين ألف سنة. وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل. قال عطاء: ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا.
وروى محمد بن الفضل عن الكلبي قال: يقول لو ولّيت حساب ذلك اليوم الملائكةَ والجنَّ والإنسَ وطوقُتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه إلا بعد خمسين ألف سنة، وأنا أفرغ منها في ساعة واحدة من النهار.
وقال يمان: هو يوم القيامة فيه خمسون موطنًا، كل موطن ألف سنة. وفيه تقديم وتأخير كأنه قال: ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه.

.تفسير الآيات (5- 9):

{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)}
{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا} يا محمد على تكذيبهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال. {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} يعني العذاب {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} لأن ما هو آت قريب. {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} كعكر الزيت. وقال الحسن: كالفضة إذا أذيبت. {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} كالصوف المصبوغ. ولا يقال: عهن إلا للمصبوغ. وقال مقاتل: كالصوف المنفوش. وقال الحسن: كالصوف الأحمر وهو أضعف الصوف وأول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عهنًا منفوشًا، ثم تصير هباءً منثورًا.

.تفسير الآيات (10- 16):

{وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلا إِنَّهَا لَظَى (15) نزاعَةً لِلشَّوَى (16)}
{وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} قرأ البزي عن ابن كثير {لا يسأل} بضم الياء أي: لا يُسأل حميم عن حميم، أي لا يقال له: أين حميمك؟ وقرأ الآخرون بفتح الياء، أي: لا يسأل قريب قريبًا لشغله بشأن نفسه. {يُبَصَّرُونَهُمْ} يرونهم، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس، فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسأله، ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه.
قال ابن عباس: يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعده.
وقيل: {يبصرونهم} يُعَرَّفونهم، أي: يُعَرَّفُ الحميم حميمه حتى يعرفهُ ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.
وقال السدي: يعرفونهم أما المؤمن فببياض وجهه وأما الكافر فبسواد وجهه {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} يتمنى المشرك {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} {وَصَاحِبَتِهِ} زوجته {وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته التي فصل منهم. وقال مجاهد: قبيلته. وقال غيره: أقرباؤه الأقربون {الَّتِي تُؤْوِيهِ} أي التي تضمه ويأوي إليها. {وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} ذلك الفداء من عذاب ربك. {كَلا} لا ينجيه من عذاب الله شيء ثم ابتدأ فقال: {إِنَّهَا لَظَى} وهي اسم من أسماء جهنم. وقيل: هي الدركة الثانية سميت بذلك لأنها تتلظى أي: تتلهب. {نزاعَةً لِلشَّوَى} قرأ حفص عن عاصم {نزاعة} نصب على الحال والقطع، وقرأ الآخرون بالرفع أي هي نزاعة للشوى، وهي الأطراف اليدان والرجلان وسائر الأطراف. قال مجاهد: لجلود الرأس. وروى إبراهيم بن مهاجر عنه: تنزع اللحم دون العظام.
قال مقاتل: تنزع النار الأطراف فلا تترك لحمًا ولا جلدًا.
وقال الضحاك: تنزع الجلد واللحم عن العظم.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: العصب والعقب.
وقال الكلبي: لأمِّ الرأس تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان، ثم تعود لأكله فذلك دأبها.
وقال قتادة: لمكارم خلقه وأطرافه. قال أبو العالية: لمحاسن وجهه.
وقال ابن جرير الشوى جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا يقال: رمى فأشوى إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل.

.تفسير الآيات (17- 21):

{تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)}
{تَدْعُوا} أي: النار إلى نفسها {مَنْ أَدْبَرَ} على الإيمان {وَتَوَلَّى} عن الحق فتقول إليَّ يا مشرك إليَّ يا منافق إليَّ إليَّ. قال ابن عباس: تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب. حُكي عن الخليل: أنه قال: تدعو أي تعذب. وقال: قال أعرابي لآخر: دعاك الله أي عذبك الله. {وَجَمَعَ} أي: جمع المال {فَأَوْعَى} أمسكه في الوعاء ولم يُؤدِ حق الله منه. {إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} روى السدي عن أبي صالح عن ابن عباس قال الهلوع الحريص على ما لا يحل له. وقال سعيد بن جبير: شحيحًا. وقال عكرمة: ضجورًا. وقال الضحاك والحسن: بخيلا. وقال قتادة: جزوعًا. وقال مقاتل: ضيق القلب. والهلع: شدة الحرص وقلة الصبر. وقال عطية عن ابن عباس: تفسيره ما بعده وهو قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} أي: إذا أصابه الفقر لم يصبر، وإذا أصاب المال لم ينفق. قال ابن كيسان: خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره، ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره. ثم استثنى فقال:

.تفسير الآيات (22- 33):

{إِلا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)}
{إِلا الْمُصَلِّينَ} استثنى الجمع من الوحدان لأن الإنسان في معنى الجمع كقوله: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا}. {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} يقيمونها في أوقاتها يعني الفرائض.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر عن قول الله تعالى: {الذين هم على صلاتهم دائمون} أهم الذين يصلون أبدًا؟ قال: لا ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا من خلفه. {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} قرأ حفص عن عاصم ويعقوب: {بشهاداتهم} على الجمع، وقرأ الآخرون بشهاداتهم على التوحيد {قَائِمُونَ} أي يقومون فيها بالحق أو لا يكتمونها ولا يغيرونها.