فصل: تفسير الآيات (9- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (9- 12):

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} والشُّكور مصدر كالعُقود والدُّخول والخروج. قال مجاهد وسعيد بن جبير: إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم، فأثنى عليهم. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا} تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته، نسب العبوس إلى اليوم، كما يقال: يوم صائم وليل قائم. وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة {قَمْطَرِيرًا} قال قتادة، ومجاهد، ومقاتل: القمطرير: الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس. قال الكلبي: العبوس الذي لا انبساط فيه، والقمطرير الشديد، قال الأخفش: القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، يقال: يوم قمطرير وقماطر، إذا كان شديدًا كريهًا، واقْمَطَّر اليوم فهو مُقْمَطِر. {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} الذي يخافون {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} حسنا في وجوههم، {وَسُرُورًا} في قلوبهم. {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} على طاعة الله واجتناب معصيته، وقال الضحاك: على الفقر. وقال عطاء: على الجوع. {جَنَّةً وَحَرِيرًا} قال الحسن: أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير.

.تفسير الآيات (13- 18):

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (18)}
{مُتَّكِئِينَ} نصب على الحال {فِيهَا} في الجنة {عَلَى الأرَائِكِ} السرُر في الحِجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} أي صيفًا ولا شتاء. قال مقاتل: يعني شمسًا يؤذيهم حرها ولا زمهريرا يؤذيهم برده، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير: البرد الشديد. {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} أي قريبة منهم ظلال أشجارها، ونصب {دانية} بالعطف على قوله: {متكئين} وقيل: على موضع قوله: {لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا} ويرون {دانيةً} وقيل: على المدح {وَذُلِّلَتْ} سُخرت وقُربت {قُطُوفُهَا} ثمارها {تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآَنِيةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ويتناولونها كيف شاءوا على أي حال كانوا. {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} قال المفسرون: أراد بياض الفضة في صفاء القوارير، فهي من فضة في صفاء الزجاج، يرى ما في داخلها من خارجها.
قال الكلبي إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة، فجعل منها قوارير يشربون فيها {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} قدروا الكأس على قدر ريِّهم لا يزيد ولا ينقص، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون. {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا} يشوق ويطرب، والزنجبيل: مما كانت العرب تستطيبه جدا، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل: لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس: كل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له في الدنيا مثل. وقيل: هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة: يشربها المقربون صرفا، ويمزج لسائر أهل الجنة. {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} قال قتادة: سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاءوا وقال مجاهد: حديدةٌ شديدة الجْرَية. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجَّاج: سميت سلسبيلا لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق، ومعنى قوله: {تسمى} أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم.

.تفسير الآيات (19- 21):

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)}
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} قال عطاء: يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط، كان أحسن منه منظوما. وقال أهل المعاني: إنما شُبِّهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، فلو كانوا صفًا لشبهوا بالمنظوم. {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثَمَّ يعني في الجنة {رَأَيْتَ نَعِيمًا} لا يوصف {وَمُلْكًا كَبِيرًا} وهو أن أدناهم منزلة ينظر إلى ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقال مقاتل والكلبي: هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه. وقيل: ملكًا لا زوال له. {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ} قرأ أهل المدينة وحمزة: {عاليْهِم} ساكنة الياء مكسورة الهاء، فيكون في موضع رفع بالابتداء، وخبره: ثياب سندس، وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة، أي فوقهم، وهو نصب على الظرف {ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} قرأ نافع وحفص {خضر واستبرق} مرفوعا عطفا على الثياب، وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين، وقرأ ابن كثير وأبو بكر {خضر} بالجر و{إستبرقٌ} بالرفع، وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس وإستبرق بالرفع على أنه معطوف على وثياب إستبرقٍ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله: {واسأل القرية} أي أهل القرية، ومثله قوله: خز أي ثوب خز، وأما جر إستبرق فعلى أنه معطوف على سندس وهو جر بإضافة الثياب إليه، وهما جنسان أضيفت الثياب إليهما كما تقول: ثوب خز وكتان فتضيفه إلى الجنسين.
{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} قيل: طاهرًا من الأقذار والأقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا.
وقال أبو قلابة وإبراهيم: إنه لا يصير بولا نجسًا ولكنه يصير رشحًا في أبدانهم، ريحه كريح المسك، وذلك أنهم يؤتون بالطعام، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور، فيشربون فيطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحًا يخرج من جلودهم ريحًا أطيب من المسك الإذفر، وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم.
وقال مقاتل: هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.

.تفسير الآيات (22- 24):

{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزيلا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)}
{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} أي ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم، {وَكَانَ سَعْيُكُمْ} عملكم في الدنيا بطاعة الله مشكورا، قال عطاء: شكرتكم عليه فأثيبكم أفضل الثواب. قوله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزيلا} قال ابن عباس: متفرقًا آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ} يعني من مشركي مكة {آثِمًا أَوْ كَفُورًا} يعني وكفورًا، والألف صلة.
قال قتادة: أراد بالآثم الكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها، وقال: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأن عنقه.
وقال مقاتل: أراد بالآثم عتبة بن ربيعة وبالكفور الوليد بن المغيرة، قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر، قال عتبة: فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر، وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى، فارجع عن هذا الأمر، فأنزل الله هذه الآية.

.تفسير الآيات (25- 28):

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا (26) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا (28)}
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} يعني صلاة المغرب والعشاء {وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا} يعني التطوع بعد المكتوبة. {إِنَّ هَؤُلاءِ} يعني كفار مكة {يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} أي الدار العاجلة وهي الدنيا. {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ} يعني أمامهم {يَوْمًا ثَقِيلا} شديدًا وهو يوم القيامة. أي يتركونه فلا يؤمنون به ولا يعملون له. {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا} قوينا وأحكمنا {أَسْرَهُم} قال مجاهد وقتادة ومقاتل {أسرهم} أي: خلقهم، يقال: رجل حسن الأسر، أي: الخلق.
وقال الحسن: يعني أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.
وروي عن مجاهد في تفسير الأسر قال: الشرج، يعني: موضع مَصْرَفَيْ البول والغائط، إذا خرج الأذى تقَّبضا. {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا} أي: إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.

.تفسير الآيات (29- 31):

{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)}
{إِنَّ هَذِهِ} يعني هذه السورة {تَذْكِرَة} تذكير وعظة {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} وسيلة بالطاعة. {وَمَا تَشَاءُونَ} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو: {يشاءون} بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء، {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عز وجل، لأن الأمر إليه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ} أي المشركين {أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

.سورة المرسلات:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)}
{وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس. وقيل: عرفًا أي كثيرًا تقول العرب: الناس إلى فلان عرف واحد، إذا توجهوا إليه فأكثروا، هذا معنى قول مجاهد وقتادة. وقال مقاتل: يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود. {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} يعني الرياح الشديدة الهبوب. {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} يعني الرياح اللينة. وقال الحسن: هي الرياح التي يرسلها الله بشرًا بين يدي رحمته. وقيل: هي الرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر. وقال مقاتل: هم الملائكة ينشرون الكتب. {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل. وقال قتادة والحسن: هي آي القرآن تفرق بين الحلال والحرام. وروي عن مجاهد قال: هي الرياح تفرق السحاب وتبدِّده.

.تفسير الآيات (5- 10):

{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)}
{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء، نظيرها: {يلقي الروح من أمره} [غافر- 15]. {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} أي للإعذار والإنذار، وقرأ الحسن {عُذُرًا} بضم الذال واختلف فيه عن أبي بكر عن عاصم، وقراءة العامة بسكونها، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص {عذرًا أو نذرًا} ساكنة الذال فيهما، وقرأ الباقون بضمها، ومن سكَّن قال: لأنهما في موضع مصدرين بمعنى الإنذار والإعذار، وليسا بجمع فينقلا وقال ابن كثير ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب برواية رويس بن حسان: {عذْرًا} سكون الذال و{نُذُرًا} بضم الذال، وقرأ روح بالضم في العذر والنذر جميعًا، وهي قراءة الحسن، والوجه فيهما أن العذر والنذر بضمتين كالأذُن والعُنِق هو الأصل ويجوز التخفيف فيهما كما يجوز التخفيف في العنق والأذن، يقال: عذْر ونذْر، وعذُر ونذُر، كما يقال: عُنْق وعُنُق، وأُذْن وأُذُن، والعذر والنذر مصدران بمعنى الإعذار والإنذار كالنكير والعذير والنذير، ويجوز أن يكونا جمعين لعذير ونذير، ويجوز أن يكون العذر جمع عاذر، كشارف وشُرُف، والمعنى في التحريك والتسكين واحد على ما بينا إلى هاهنا أقسام ذكرها على قوله: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ} {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ} من أمر الساعة والبعث {لَوَاقِع} لكائن ثم ذكر متى يقع. فقال: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} محي نورها. {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} شقت. {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} قلعت من أماكنها.

.تفسير الآيات (11- 25):

{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا (25)}
{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} قرأ أهل البصرة {وقتت} بالواو، وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف، وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف، وهما لغتان. والعرب تعاقبت بين الواو والهمزة كقولهم: وكَّدت وأكدت، ورَّخت وأرخت، ومعناهما: جمعت لميقات يوم معلوم، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم. {لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} أي أخرت، وضرب الأجل لجمعهم فعجَّب العباد من ذلك اليوم، ثم بيَّن فقال: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم يفصل الرحمن عز وجل بين الخلائق. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَومُ الفَصْلِ وَيْلٌ يَومَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ} يعني الأمم الماضية بالعذاب، في الدنيا حين كذبوا رسلهم. {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب يعني كفار مكة بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم. {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} يعني النطفة. {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} يعني الرحم. {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} وهو وقت الولادة. {فَقَدَرْنَا} قرأ أهل المدينة والكسائي: {فقدَّرنا} بالتشديد من التقدير، وقرأ الآخرون بالتخفيف من القدرة، لقوله: {فنعم القادرون} وقيل: معناهما واحد، وقوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} أي المقدّرون. {وَيْلٌ يَومَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا} وعاءً، ومعنى الكَفْت: الضم والجمع، يقال: كفت الشيء: إذا ضمه وجمعه وقال الفَّراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتًا في بطنها، أي: تحوزهم.