فصل: تفسير الآيات (26- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (26- 32):

{أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)}
وهو قوله: {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} جبالا {شَامِخَاتٍ} عاليات، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} عذبًا. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} قال مقاتل: وهذا كله أعجب من البعث،. ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}.
{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} في الدنيا. {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} يعني دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق. وقيل: يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث شعب، أما النور فيقف على رءوس المؤمنين، والدخان يقف على رءوس المنافقين، واللهب الصافي يقف على رءوس الكافرين. ثم وصف ذلك الظل فقال عز وجل: {لا ظَلِيلٍ} لا يظل من الحر {وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} قال الكلبي: لا يرد لهب جهنم عنكم، والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب. {إِنَّهَا} يعني جهنم {تَرْمِي بِشَرَرٍ} وهو ما تطاير من النار، واحدها شررة {كَالْقَصْرِ} وهو البناء العظيم، قال ابن مسعود: يعني الحصون.
وقال عبد الرحمن بن عياش سألت ابن عباس عن قوله تعالى: {إنها ترمي بشرر كالقصر} قال: هي الخشب العظام المقطعة، وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء، فكنا نسميها القصر.
وقال سعيد بن جبير، والضحاك: هي أصول النخل والشجر العظام، واحدتها قصرة، مثل تمرة وتمر، وجمرة وجمر.
وقرأ علي وابن عباس {كالقصر} بفتح الصاد، أي أعناق النخل، والقصرة العنق، وجمعها قصر وقصرات.

.تفسير الآيات (33- 42):

{كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)}
{كَأَنَّه} رد الكناية إلى اللفظ {جِمَالَة} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {جمالة} على جمع الجمل، مثل حجر وحجارة، وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف، أراد: الأشياء العظام المجموعة، وقرأ الآخرون: {جمالات} بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير: هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض، حتى تكون كأوساط الرجال، {صُفْرٌ} جمع الأصفر، يعني لون النار، وقيل: الصفر معناه: السود، لأنه جاء في الحديث أن شرر نار جهنم أسود كالقير، والعرب تسمى سود الإبل صفرًا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة كما يقال لبيض الظباء: أدم، لأن بياضها يعلوه كدرة. {وَيْلٌ يَومَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} وفي القيامة مواقف، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون. {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} رفع عطف على قوله: {يؤذن} قال الجنيد: أي لا عذر لمن أعرض عن مُنْعِمِه وكفر بأياديه ونعمه. {وَيْلٌ يَومَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} بين أهل الجنة والنار {جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ} يعني مكذبي هذه الأمة والأولين الذين كذبوا أنبياءهم. {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} قال مقاتل: إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم. {وَيْلٌ يَومَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ} جمع ظل أي في ظلال الشجر {وَعُيُون} الماء.
{وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}.

.تفسير الآيات (43- 50):

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
ويقال لهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا بطاعتي.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين}.
ثم قال لكفار مكة: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا} في الدنيا {إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} مشركون بالله عز وجل مستحقون للعذاب. {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} صلُّوا {لا يَرْكَعُونَ} لا يصلُّون، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا به.

.سورة النبأ:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 5):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ (5)}
{عَمَّ} أصلَه: عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف {ما} كقوله: {فيم} و{بم}؟ {يَتَسَاءَلُونَ} أي: عن أي شيء يتساءلون، هؤلاء المشركون؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ قال الزَّجاج: اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم، كما تقول: أي شيء زيد؟ إذا عظمت أمره وشأنه. ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله: قوله: {قل هو نبأ عظيم} [ص- 67] وقال قتادة: هو البعث. {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} فمصدّق ومكذّب {كَلا سَيَعْلَمُونَ} {كلا} نفي لقولهم، {سيعلمون} عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور. {ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} وعيد لهم على أثر وعيد. وقال الضحاك: {كلا سيعلمون} يعني الكافرين، {ثم كلا سيعلمون} يعني: المؤمنين، ثم ذكر صنعائه ليعلموا توحيده فقال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا}.

.تفسير الآيات (6 – 14):

{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)}
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا} فراشًا.
{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} للأرض حتى لا تميد. {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} أصنافًا ذكورًا وإناثًا. {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج: السبات أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل: معناه جعلنا نومكم قطعًا لأعمالكم، لأن أصل السبت: القطع. {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته. {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} المعاش: العيش، وكل ما يعاش فيه فهو معاش، أي جعلنا النهار سببًا للمعاش والتصرف في المصالح. قال ابن عباس يريد: تبتغون فيه من فضل الله، وما قسم لكم من رزقه. {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} يريد سبع سماوات. {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا} يعني الشمس {وَهَّاجًا} مضيئًا منيرًا. قال الزجاج: الوهاج: الوقاد. قال مقاتل: جعل فيه نورًا وحرارةً، والوهج يجمع النور والحرارة. {وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} قال مجاهد، وقتادة، ومقاتل، والكلبي: يعني الرياح التي تعصر السحاب، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
قال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير، فعلى هذا التأويل تكون {من} بمعنى الباء أي بالمعصرات، وذلك أن الريح تستدر المطر.
وقال أبو العالية، والربيع، والضحاك: المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس.
قال الفراء: المعصرات السحائب التي تتحلب بالمطر ولا تمطر، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض.
وقال ابن كيسان: هي المغيثات من قوله: {فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}.
وقال الحسن، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، ومقاتل بن حيان: {من المعصرات} أي من السماوات.
{مَاءً ثَجَّاجًا} أي صبابًا، وقال مجاهد: مدرارًا. وقال قتادة: متتابعًا يتلو بعضه بعضًا. وقال ابن زيد: كثيرًا.

.تفسير الآيات (15- 19):

{لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)}
{لِنُخْرِجَ بِهِ} أي بذلك الماء {حَبًّا} وهو ما يأكله الناس {ونباتًا} ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام. {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} ملتفة بالشجر، واحدها لَفٌ وليف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفَّا، وجمعها لُفٌ، بضم اللام، وجمع الجمع ألفاف. {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} يوم القضاء بين الخلق {كَانَ مِيقَاتًا} لما وعد الله من الثواب والعقاب. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} زمرًا زمرًا من كل مكان للحساب. {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ} قرأ أهل الكوفة: {فُتِحَتِ} بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي شُقَّت لنزول الملائكة {فَكَانَتْ أَبْوَابًا} أي ذات أبواب. وقيل: تنحلّ، وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَسُيِّرَتِ الْجِبَال فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)}
{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} عن وجه الأرض {فَكَانَتْ سَرَابًا} أي هباءً منبثًا لعين الناظر كالسراب. {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} طريقًا وممرًا فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار.
وقيل: {كانت مرصادا} أي: معدة لهم، يقال: أرصدت له الشيء إذا أعددته له.
وقيل: هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته. والمرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو. وقوله: {إن جهنم كانت مرصادا} أي ترصد الكفار.
وروى مقسم عن ابن عباس: أن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابها تامة جاز إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن أجابها تامة جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة، فإن أجابها تامة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تامًا جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن أجابها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال: انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة. {لِلطَّاغِين} للكافرين {مَآبًا} مرجعا يرجعون إليه. {لابِثِينَ} قرأ حمزة ويعقوب: {لَبِثْينَ} بغير ألف، وقرأ العامة {لابثين} بالألف وهما لغتان. {فِيهَا أَحْقَابًا} جمع حُقب، والحُقب الواحد: ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهرًا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال مجاهد: الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبًا كل حقب سبعون خريفًا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة.
قال الحسن: إن الله لم يجعل لأهل النار مدة، بل قال: {لابثين فيها أحقابا} فوالله ما هو إلا إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود.
وروى السدي عن مُرَّة عن عبد الله قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا.
وقال مقاتل بن حيان: الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة. قال: وهذه الآية منسوخة نسختها {فلن نزيدكم إلا عذابا} يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل.

.تفسير الآيات (24- 29):

{لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا (24) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)}
{لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا} روي عن ابن عباس: أن البرد النوم، ومثله قال الكسائي وقال أبو عبيدة، تقول العرب: منع البرد، البردَ أي أذهب البرد النوم. وقال الحسن وعطاء: {لا يذوقون فيها بردًا} أي: روحًا وراحة. وقال مقاتل: {لا يذوقون فيها بردًا} ينفعهم من حر، {ولا شرابًا} ينفعهم من عطش. {إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} قال ابن عباس: الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده. وقيل: صديد أهل النار، وقد ذكرناه في سورة ص: {جَزَاءً وِفَاقًا} أي جزيناهم جزاء وافق أعمالهم. قال مقاتل: وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا} لا يخافون أن يحاسبوا، والمعنى: أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون. {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي بما جاءت به الأنبياء {كِذَّابًا} تكذيبًا، قال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة، يقولون في مصدر التفعيل فِعَّال وقال: قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك أم القِصَّار؟. {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} أي وكل شيء من الأعمال بيَّناه في اللوح المحفوظ، كقوله: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [يس- 12].

.تفسير الآيات (30- 37):

{فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)}
{فَذُوقُوا} أي يقال لهم: فذوقوا، {فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} قوله عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} فوزًا ونجاةً من النار، وقال الضحاك: متنزها. {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} يريد أشجار الجنة وثمارها. {وَكَوَاعِب} جواري نواهد قد تكعبت ثُدِيُّهُن، واحدتها كاعب، {أَتْرَابًا} مستويات في السن. {وَكَأْسًا دِهَاقًا} قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد: مترعة مملوءة. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: متتابعة. قال عكرمة: صافية. {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} باطلا من الكلام {وَلا كِذَّابًا} تكذيبًا، لا يكذب بعضهم بعضًا. وقرأ الكسائي {كذابا} بالتخفيف مصدر كاذب كالمكاذبة، وقيل: هو الكذب. وقيل: هو بمعنى التكذيب كالمشدد. {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء {حسابًا} أي: كافيًا وافيًا، يقال: أحسبت فلانًا، أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة: {عطاء حسابا} أي كثيرًا وقيل: هو جزاء بقدر أعمالهم. {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ} قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو: {ربُّ} رفع على الاستئناف و{الرحمن} خبره. وقرأ الآخرون بالجر اتباعًا لقوله: {من ربك} وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب: {الرحمنِ} جرًا اتباعًا لقوله: {رب السماوات} وقرأ الآخرون بالرفع، فحمزة والكسائي يقرآن {ربِّ} بالخفض لقربه من قوله: {جزاءً من ربك} ويقرآن {الرحمنُ} بالرفع لبعده منه على الاستئناف، وقوله: {لا يَمْلِكُونَ} في موضع رفع، خبره.
ومعنى {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} قال مقاتل: لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه. وقال الكلبي: لا يملكون شفاعة إلا بإذنه.