فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (29):

{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)}
{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أي مع عبادي في جنتي. وقيل: في جملة عبادي الصالحين المطيعين المصطفين، نظيره: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
{وَادْخُلِي جَنَّتِي} وقال بعض أهل الإشارة: يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله بتركها، والرجوع إلى الله هو سلوك سبيل الآخرة.
وقال سعيد بن جبير: مات ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم نر على صورة خلقه فدخل نعشه، ثم لم نر خارجًا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، ولم ندر من قرأها: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}.

.سورة البلد:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)}
{لا أُقْسِمُ} يعني، أقسمُ {بِهَذَا الْبَلَدِ} يعني مكة {وَأَنْتَ حِلٌّ} أي حلال، {بِهَذَا الْبَلَدِ} تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم. أحل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، حتى قاتل وَقَتل وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومِقْيَس بن صُبَابة وغيرهما، فأحل دماء قوم وحرم دماء قوم فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
والمعنى: أن الله تعالى لما أقسم بمكة دلَّ ذلك على عظيم قدرها مع حرمتها، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله عز وجل بأن يحلها له.
قال شرحبيل بن سعد: ومعنى قوله: {وأنت حل بهذا البلد} قال: يحرمون أن يقتلوا بها صيدًا ويستحلون إخراجك وقتلك؟

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا (6)}
{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} يعني آدم عليه السلام وذريته. {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} روى الوالِبِيُّ عن ابن عباس: في نَصَب. قال الحسن: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وقال قتادة: في مشقة فلا تلقاه إلا يكابد أمر الدنيا والآخرة.
وقال سعيد بن جبير: في شدة. وقال عطاء عن ابن عباس: في شدة خلق حمله وولادته ورضاعه، وفطامه وفصاله ومعاشه وحياته وموته.
وقال عمرو بن دينار: عند نبات أسنانه. قال يمان: لم يخلق الله خلقًا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق. وأصل الكَبَد: الشدة.
وقال مجاهد، وعكرمة، وعطية، والضحاك: يعني منتصبًا معتدل القامة، وكل شيء خلق فإنه يمشي مكبًا، وهي رواية مقسم عن ابن عباس، وأصل والكبد: الاستواء والاستقامة.
وقال ابن كيسان: منتصبًا رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله له في خروجه انقلب رأسه إلى رجلي أمه.
وقال مقاتل: {في كبد} أي في قوة.
نزلت في أبي الأشدين واسمه أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديدا قويا يضع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول: من أزالني عنه فله كذا وكذا، فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعًا ويبقى موضع قدميه. {أَيَحْسَب} يعني أبا الأشدين من قوته، {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} أي: يظن من شدته أن لن يقدر عليه الله تعالى. وقيل: هو الوليد بن المغيرة. {يَقُولُ أَهْلَكْتُ} يعني أنفقت، {مَالا لُبَدًا} أي كثيرًا بعضه على بعض، من التلبيد، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، قرأ أبو جعفر لُبَّدا بتشديد الباء على جمع لابد، مثل راكع وركع، وقرأ الآخرون بالتخفيف على جمع لِبْدة، وقيل على الواحد مثل قُثَم وحُطَم.

.تفسير الآيات (7- 11):

{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}
{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} قال سعيد بن جبير وقتادة: أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وأين أنفقه؟
وقال الكلبي: إنه كان كاذبا في قوله أنفقت كذا وكذا، ولم يكن أنفق جميع ما قال، يقول أيظن أن الله عز وجل لم يَرَ ذلك منه فيعلم مقدار نفقته، ثم ذكرَّه نعمه ليعتبر، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} قال قتادة: نِعَمُ الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر، وجاء في الحديث: أن الله عز وجل يقول: ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين، فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق. {وَهَدَيْنَاهُ 1 النَّجْدَيْنِ} قال أكثر المفسرين: طريق الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، كقوله: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا} وقال محمد بن كعب عن ابن عباس: {وهديناه النجدين} قال: الثديين، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك، والنجد: طريق في ارتفاع. {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} يقول: فهلا أنفق ماله فيما يجوز به من فك الرقاب وإطعام السَّغْبَان، فيكون خيرًا له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد وجماعة.
وقيل: {فلا اقتحم العقبة} أي لم يقتحمها ولا جاوزها. والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد، وذكْرُ العقبة هاهنا مَثَلٌ ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام، وهذا معنى قول قتادة.
وقيل: إنه شبَّه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها. وروي عن ابن عمر: أن هذه العقبة جبل في جهنم.
وقال الحسن وقتادة: عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله تعالى.
وقال مجاهد، والضحاك، والكلبي: هي صراط يضرب على جهنم كحدِّ السيف، مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودًا وهبوطًا، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس في النار منكوس، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم من يمر كالفارس، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم الزالُّون، ومنهم من يكردس في النار.
قال ابن زيد: يقول فهلا سلك الطريق التي فيها النجاة.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)}
ثم بَيَّن ما هي فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ما اقتحام العقبة. قال سفيان بن عيينة: كل شيء قال: {وما أدراك} فإنه أخبر به، وما قال: {وما يدريك} فإنه لم يخبر به. {فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: {فكَّ} بفتح الكاف، {رَقَبةً} نصب، {أو أطْعَمَ} بفتح الهمزة والميم على الماضي. وقرأ الآخرون {فكُّ} برفع الكاف، {رقبة} جرًا، {أو إطعام} بكسر الهمزة، فألف بعد العين، ورفع الميم منونة على المصدر.
وأراد بفك الرقبة إعتاقها وإطلاقها، ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر بن محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني ابن الهادِ، عن عمر بن علي بن حسين، عن سعيد بن مرجانة قال: سمعته يحدث عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى يعتق فرجه بفرجه».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا محمد بن كثير العبدي، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السُّلمي، عن طلحة بن مصَرِّف اليامي، عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علِّمني عملا يدخلني الجنة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتِق النسمَة وفكَّ الرقبة»، قال: قلت: أَوَلَيْسَا واحدًا؟ قال: «لا عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها، وفكُّ الرقبة: أن تعين في ثمنها، والمِنْحَة الوَكُوفُ وأنفق على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفَّ لسلانك إلا من خير».
وقال عكرمة قوله: {فكُّ رقبةٍ}، يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة {أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة}، مجاعة، يقال: سَغَب يَسْغُب سَغْبًا إذا جاع.

.تفسير الآيات (15- 20):

{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}
{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} أي ذا قرابة، يريد يتيمًا بينك وبينه قرابة. {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} قد لصق بالتراب من فقره وضره. وقال مجاهد عن ابن عباس: هو المطروح في التراب لا يقيه شيء. والمتربة مصدر تَرِبَ يَتْرَبُ تَرَبًا وَمَتْرَبَةُ إذا افتقر. {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} بين أن هذا القُرَب إنما تنفع مع الإيمان. وقيل: {ثم} بمعنى الواو، {وَتَوَاصَوْا} أوصى بعضهم بعضًا، {بِالصَّبْر} على فرائض الله وأوامره، {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} برحمة الناس. {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْئَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} مطبقة عليهم أبوابها، لا يدخل فيها رَوْح ولا يخرج منها غم. قرأ أبو عمرو، وحمزة، وحفص: بالهمزة هاهنا، وفي الهُمَزَة، وقرأ الآخرون بلا همز، وهما لغتان، يقال: آصدت الباب وأوصدته، إذا أغلقته وأطبقته، وقيل: معنى الهمز المطبقة وغير الهمز المغلقة.

.سورة الشمس:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)}
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} قال مجاهد والكلبي: ضوءها، والضحى: حين تطلع الشمس، فيصفو ضوءها، قال قتادة: هو النهار كله. وقال مقاتل: حرُّها، كقوله في طه {ولا تضحى}، يعني لا يؤذيك الحر. {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} تبعها، وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور. وقال الزجَّاج: وذلك حين استدار، يعني كمل ضوءه تابعًا للشمس في الإنارة وذلك في الليالي البيض. {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} يعني إذا جلَّى الظلمة، كناية عن غير مذكور لكونه معروفًا. {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} يعني يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق. {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} قال الكلبي.: ومن بناها، وخلقها كقوله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء- 3] أي من طاب.
قال عطاء: والذي بناها. وقال الفَّراء والزجَّاج: {ما} بمعنى المصدر، أي وبنائها كقوله: {بما غفر لي ربي} [يس- 27]. {وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا} بسطها.

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)}
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} عدَّل خلقها وسوَّى أعضاءها. قال عطاء: يريد جميع ما خلق من الجن والإنس. {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} قال ابن عباس في رواية على بن أبي طلحة: بيَّن لها الخير والشر. وقال في رواية عطية: علَّمها الطاعة والمعصية، وروى الكلبي عن أبي صالح عنه: عرفها ما تأتي من الخير وما تتقي من الشر.
وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها. قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجَّاج هذا، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان، وهذا يبين أن الله عز وجل خلق في المؤمن التقوى وفي الكافر الفجور.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله، حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عروة بن ثابت الأنصاري، حدثنا يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن الأسود الديلي قال: قال لي عمران بن حصين: أَرَأَيْتَ ما يعمل الناس ويتكادحون فيه أشيءٌ قُضِيَ عليهم ومضى فيهم من قَدَرٍ سبق؟ أو فيما يُسْتَقْبَلُونَ به مما آتاهم به نبيهم وأُكِّدَت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قد قُضِيَ عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلمًا؟ قال: ففزعت منه فزعًا شديدًا، وقلت: إنه ليس شيء إلا وهو خَلْقُه ومِلْك، يدِه لا يُسْأَل عما يفعل وهم يُسْأَلون، فقال لي: سدَّدك الله، إنما سألتك لأختبر عقلك إن رجلا من جهينة أو مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويتكادحون فيه أشيءٌ قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق؟ أو فيما يُسْتَقْبَلُونَ به مما أتاهم نبيهم وأُكِّدت به عليهم الحجة؟ فقال: «لا بل شيء قد قضي عليهم ومضى فيهم»، قال قلت: ففيم العمل إذًا؟ قال: «من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها}».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء سُراقة بن مالك بن جُعْشُم فقال: يا رسول الله بيّن لنا ديننا كأنا خُلقنا الآن، أرأيتَ عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل للأبد، قال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن فيمَ العمل، اليومَ، فيما جفَّتْ به الأقلام وجرت به المقادير؟ أو فيما يستقبل؟ قال: «لا بل فيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير»، قال: ففيمَ العمل؟ فقال زهير: فقال كلمة خفيت عليَّ، فسألت عنها نسبتي بعد، فذكر أنه سمعها، فقال: «اعملوا فإن كُلا ميسرٌ لما خُلِقَ له».