فصل: تفسير الآيات (9- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (9- 11):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وهذا موضع القسم، أي فازت وسعدت نفسٌ زكاها الله، أي أصلحها وطهرها من الذنوب ووفقها للطاعة. {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي خابت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها.
وقال الحسن: معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل، {وقد خاب من دساها} أهلكها وأضلها وحملها على المعصية، فجعل الفعل للنفس.
و{دساها} أصله: دسسها من التدسيس، وهو إخفاء الشيء، فأبدلت السين الثانية ياء.
والمعنى هاهنا: أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية.
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي، حدثنا أحمد بن حرب، حدثنا أبو معاوية عن عاصم، عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث، عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهمِّ وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها». قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} بطغيانها وعدوانها، أي الطغيان حملهم على التكذيب.

.تفسير الآيات (12- 15):

{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} أي قام، والإنبعاث: هو الإسراع في الطاعة للباعث، أي: كذبوا بالعذاب، وكذبوا صالحًا لما انبعث أشقاها وهو: قُدَار، بن سالف، وكان أشقر أزرق العينين قصيرًا قام لعقر الناقة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{إذ انبعث أشقاها}، انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في أهله مثل أبي زَمَعَة». {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} صالح عليه السلام، {نَاقَةُ اللَّهِ} أي احذروا عقر ناقة الله. وقال الزجاج: منصوب على معنى: ذروا ناقة الله، {وَسُقْيَاهَا} شربها، أي: ذروا ناقة الله وذروا شربها من الماء، فلا تعرضوا للماء يوم شربها. {فَكَذَّبُوه} يعني صالحًا، {فَعَقَرُوهَا} يعني الناقة.
{فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} قال عطاء ومقاتل: فدمر عليهم ربهم فأهلكهم. قال المُؤرِّج: الدمدمة إهلاك باستئصال. {بِذَنْبِهِمْ} بتكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة، {فَسَوَّاهَا} فسوَّى الدمدمة عليهم جميعًا، وعمهم بها فلم يَفْلِتَ منهم أحد. وقال الفرَّاء: سوَّى الأمة وأنزل العذاب بصغيرها وكبيرها، يعني سوَّى بينهم. {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قرأ أهل المدينة والشام: {فلا} بالفاء وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو، وهكذا في مصاحفهم {عقباها} عاقبتها.
قال الحسن: معناه: لا يخاف الله من أحد تبعةً في إهلاكهم. وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقال الضحاك، والسدي، والكلبي: هو راجع إلى العاقر، وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها.

.سورة الليل:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} أي يغشى النهار بظلمة فيذهب بضوئه. {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} بان وظهر من بين الظلمة. {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى} يعني: ومن خلق، قيل هي {ما} المصدرية أي: وخلق الذكر والأنثى، قال مقاتل والكلبي: يعني آدم وحواء. وفي قراءة ابن مسعود، وأبي الدرداء: والذكر والأنثى. جواب القسم قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} إن أعمالكم لمختلفة، فساعٍ في فكاك نفسه، وساعٍ في عطبها.
روى أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ، الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقُها أو مُوِبقُها». {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} ماله في سبيل الله، {وَاتَّقَى} ربه. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك: وصدق بلا إله إلا الله، وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال مجاهد: بالجنة دليله: قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى} يعني الجنة.
وقيل: {صدق بالحسنى}: أي بالخلف، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه. وهي رواية عكرمة عن ابن عباس.
وقال قتادة ومقاتل والكلبي: بموعود الله عز وجل الذي وعده أن يثيبه.

.تفسير الآيات (7- 10):

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}
{فَسَنُيَسِّرُه} فسنهيئه في الدنيا، {لِلْيُسْرَى} أي للخَلَّة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله عز وجل. {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بالنفقة في الخير، {وَاسْتَغْنَى} عن ثواب الله فلم يرغب فيه {وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله، فيستوجب به النار. قال مقاتل: نعسر عليه أن يأتي خيرًا.
وروينا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من الجنة أو النار» فقال رجل: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: «لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة»، ثم تلا {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}.
قيل: نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق، فأعتقه فأنزل الله تعالى: {والليل إذا يغشى} إلى قوله: {إن سعيكم لشتى} يعني: سعي أبي بكر وأمية.
وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء، قال: كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره، وكان صبيانه يتناولون منه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بعنيها بنخلة في الجنة» فأبى، فخرج فلقيه أبو الدحداح، فقال له: هل لك أن تبيعها بحَشِ البستان، يعني حائطا له، فقال له: هي لك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة؟ قال: «نعم» قال: هي لك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري فقال: «خذها». فأنزل الله تعالى: {والليل إذا يغشى} إلى قوله: {إن سعيكم لشتى} سعي أبي الدحداح والأنصاري صاحب النخلة.
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} يعني أبا الدحداح، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الثواب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} يعني الجنة، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} يعني الأنصاري، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} يعني الثواب، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} يعني النار.

.تفسير الآيات (11- 17):

{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى (17)}
{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الذي بخل به، {إِذَا تَرَدَّى} قال مجاهد: إذا مات. وقال قتادة وأبو صالح: هوى في جهنم. {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يعني البيان. قال الزجَّاج: علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وهو قول قتادة، قال: على الله بيان حلاله وحرامه.
قال الفراء: يعني من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} [النحل- 9] يقول: من أراد الله فهو على السبيل القاصد.
وقيل معناه: إن علينا للهدى والإضلال كقوله: {بيدك الخير} [آل عمران- 26] فاقتصر على الهدى لدلالة الكلام عليه كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل- 81] فاقتصر على ذكر الحر ولم يذكر البرد لأنه يدل عليه. {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى} فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق. {فَأَنْذَرْتُكُم} يا أهل مكة، {نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى} أي: تتلظى، يعني تتوقد وتتوهج. {الَّذِي كَذَّبَ} الرسول، {وَتَوَلَّى} عن الإيمان. {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى} يريد بالأشقى الشقي، وبالأتقى التقي.

.تفسير الآية رقم (18):

{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)}
{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ} يعطي مالهُ {يَتَزَكَّى} يطلب أن يكون عند الله زاكيًا لا رياء ولا سمعة، يعني أبا بكر الصديق، في قول الجميع.
قال ابن الزبير: كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم، فقال أبوه: أيْ بنيَّ لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك؟ قال: مَنْعَ ظهري أريد، فنزل: {وسيجنبها الأتقى} إلى آخر السورة.
وذكر محمد بن إسحاق قال: كان بلال لبعض بني جمح وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة، وكان صادق الإسلام طاهر القلب، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد.
وقال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: مرّ به أبو بكر يومًا وهم يصنعون به ذلك، وكانت دار أبي بكر في بني جمح، فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، قال أبو بكر: أفعل! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعطيك؟ قال: قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ستَّ رقاب، بلال سابعهم، عامر بن فهيرة شهد بدرًا وأحدًا، وقتل يوم بئر معونة شهيدًا، وأم عميس، وزِنيِّرة فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت: كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى، وما تنفعان فرد الله إليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبدًا. فقال أبو بكر: خلا يا أم فلان، فقالت: خلا أنت أفسدتهما فأعتقهما، قال أبو بكر رضي الله عنه فبكم؟ قالت: بكذا وكذا، قال: قد أخذتهما وهما حرتان، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها.
وقال سعيد بن المسيب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال: أتبيعه؟ قال: نعم أبيعه بنسطاس عبدٍ لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركًا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له، فأبى فأبغضه أبو بكر، فلما قال له أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه وباعه منه، فقال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليدٍ كانت لبلال عنده فأنزل الله:

.تفسير الآيات (19- 21):

{وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}
{وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} أي يجازيه ويكافئه عليها. {إِلا} لكن {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى} يعني: لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيدٍ له عنده، ولكنه يفعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب رضاه. {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} بما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل.

.سورة الضحى:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله عز وجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وقيل: إن المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب.
وقال المفسرون سألت اليهود، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح؟ فقال: سأخبركم غدًا، ولم يقل: إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي.
وقال زيد بن أسلم: كان سبب احتباس جبريل عليه السلام عنه كون جَرْوٍ في بيته، فلما نزل عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه، فقال: إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب أو صورة.
واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه، فقال ابن جريج: اثنا عشر يومًا. وقال ابن عباس: خمسة عشر يومًا. وقال مقاتل: أربعون يومًا.
قالوا: فقال المشركون: إن محمدًا ودّعه ربه وقلاه، فأنزل الله تعالى هذه السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك»، فقال جبريل: «إني كنت أشدَّ شوقًا إليك، وكلني عبدٌ مأمور»، فأنزل: {وما نتنزل إلا بأمر ربك} [مريم- 64].
قوله عز وجل: {وَالضُّحَى} أقسم بالضحى وأراد به النهار كله، بدليل أنه قابله بالليل فقال والليل إذا سجى، نظيره: قوله: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى} [الأعراف- 98] أي نهارًا.
وقال قتادة ومقاتل: يعني وقت الضحى، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس، واعتدال النهار في الحر والبرد والصيف والشتاء. {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قال الحسن: أقبل بظلامه، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقال الوالبي عنه: إذا ذهب، قال عطاء والضحاك: غطى كل شيء بالظلمة. وقال مجاهد: استوى. وقال قتادة وابن زيد: سكن واستقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك. يقال: ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنًا. قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} هذا جواب القسم، أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك.