فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (31):

{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)}
قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون، وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلا كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة. {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل وما لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل: خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} أخبروني {بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أني لا أخلق خلقا إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقرارا بالعجز:

.تفسير الآيات (32- 33):

{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)}
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} تنزيها لك {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} معناه فإنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ} بخلقك {الْحَكِيم} في أمرك والحكيم له معنيان: أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كي لا يتطرق إليه الفساد وأصل الحكمة في اللغة: المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج فلما ظهر عجزهم {قَال} الله تعالى: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شيء باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ} الله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} يا ملائكتي {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [30- البقرة] {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} قال الحسن وقتادة: يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قولكم لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا، قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه فقال: لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال: إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه أرأيتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} يعني ما تبديه الملائكة من الطاعة {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} يعني إبليس من المعصية.

.تفسير الآيات (34- 37):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} قرأ أبو جعفر {للملائكة اسجدوا} بضم التاء على جوار ألف اسجدوا وكذلك قرأ {قل رب احكم بالحق} [112- الأنبياء] بضم الباء وضعفه النحاة جدا ونسبوه إلى الغلط فيه واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [30- الحجر] وقوله: {اسجدوا} فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل: {وخروا له سجدا} [100- يوسف] ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.
وقيل: معنى قوله: {اسْجُدُوا لآدَمَ} أي إلى آدم فكان آدم قبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله عز وجل.
{فَسَجَدُوا} يعني: الملائكة {إِلا إِبْلِيسَ} وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس.
واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن: كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى: {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [50- الكهف] فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله: {كان من الجن} أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة. وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة، وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جنا لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} [158- الصافات] وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.
قوله: {أَبَى} أي امتنع فلم يسجد {وَاسْتَكْبَر} أي تكبر عن السجود {لآدم}، {وَكَان} أي: صار {مِنَ الْكَافِرِينَ} وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة.
أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار».
قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وذلك أن آدم لم يكن في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألما، ولو وجد لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نومه رآها جالسة عند رأسه كأحسن ما في خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا} واسعا كثيرا {حَيْثُ شِئْتُمَا} كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} يعني للأكل، وقال بعض العلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقال آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومقاتل: هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج: شجرة التين، وقال قتادة: شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور {فَتَكُونَا} فتصيرا {مِنَ الظَّالِمِينَ} أي الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.
{فَأَزَلَّهُمَا} استزل {الشَّيْطَان} آدم وحواء أي دعاهما إلى الزلة: وقرأ حمزة: فأزالهما، أي نحاهما {الشيطان} فيعال من شطن، أي: بعد، سمي به لبعده عن الخير وعن الرحمة، {عَنْهَا} عن الجنة {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} النعيم، وذلك أن إبليس أراد أن يدخل ليوسوس {إلى} آدم وحواء فمنعته الخزنة فأتى الحية وكانت صديقة لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة فسألها إبليس أن تدخله فمها فأدخلته ومرت به على الخزنة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة، وقال الحسن: إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منها وقد كان آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال: لو أن خلدا، فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه الشيطان من قبل الخلد فلما دخل الجنة وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما، وهو أول من ناح فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة. فوقع ذلك في أنفسهما فاغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد؟ فأبى أن يقبل منه، وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحدا يحلف بالله كاذبا، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها.
وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل.
قال إبراهيم بن أدهم: أورثتنا تلك الأكلة حزنا طويلا. قال ابن عباس وقتادة: قال الله عز وجل لآدم: ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدا فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغدا فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فيها وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء. قال سعيد بن جبير: عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك فلما أكلا {تهافتت} عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأخرجا من الجنة، فذلك قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا} أي انزلوا إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية، فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وحواء بجدة وإبليس بالأيلة والحية بأصفهان {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أراد العداوة التي بين ذرية آدم والحية وبين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس؛ قال الله تعالى: {إن الشيطان لكما عدو مبين} [22- الأعراف].
أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن محمد الصفار حدثنا منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عكرمة: لا أعلمه إلا رفع الحديث، أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال: من تركهن خشية أو مخافة ثائر فليس منا وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث: ما سالمناهن منذ حاربناهن وروي أنه نهى عن ذوات البيوت، =روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان».
قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ} موضع قرار {وَمَتَاع} بلغة ومستمتع {إِلَى حِينٍ} إلى انقضاء آجالكم.
{فَتَلَقَّى} تلقى والتلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم {آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} قراءة العامة: آدم برفع الميم وكلمات بخفض التاء. قرأ ابن كثير: آدم بالنصب، كلمات برفع التاء يعني جاءت الكلمات آدم من ربه، وكانت سبب توبته. واختلفوا في تلك الكلمات قال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن: هي قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا} الآية.
وقال مجاهد ومحمد بن كعب القرظي: هي قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت {التواب الرحيم}. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين وقال عبيد بن عمير: هي أن آدم قال يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال الله تعالى: لا بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال يا رب فكما قدرته قبل أن تخلقني فاغفر لي.
وقيل: هي ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء، قال ابن عباس بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، وروى المسعودي عن يونس بن خباب وعلقمة بن مرثد قالوا: لو أن دموع جميع أهل الأرض جمعت {لكانت} دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة قال شهر بن حوشب: بلغني أن آدم لما {هبط} إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى.
قوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ} فتجاوز عنه {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} يقبل توبة عباده {الرَّحِيم} بخلقه.

.تفسير الآيات (38- 43):

{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
وقوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} يعني هؤلاء الأربعة. وقيل: الهبوط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والهبوط {الآخر} من السماء الدنيا إلى الأرض {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} أي فإن يأتكم يا ذرية آدم {مِنِّي هُدًى} أي رشد وبيان شريعة، وقيل كتاب ورسول {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} قرأ يعقوب: فلا خوف بالفتح في كل القرآن والآخرون بالضم والتنوين فلا خوف عليهم فيما يستقبلون هم {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا. وقيل: لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا} يعني جحدوا {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} بالقرآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} يوم القيامة {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} يا أولاد يعقوب. ومعنى إسرائيل: عبد الله، وإيل هو الله تعالى، وقيل صفوة الله، وقرأ أبو جعفر: إسرائيل بغير همز {اذْكُرُوا} احفظوا، والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل: أراد به الشكر، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكرا وفي الكفران نسيانا، قال الحسن: ذكر النعمة شكرها {نِعْمَتِيَ} أي: نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [34- إبراهيم] {الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي على أجدادكم وأسلافكم. قال قتادة: هي النعم التي خصت بها بنو إسرائيل: من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه، وإنزال المن والسلوى وإنزال التوراة، في نعم كثيرة لا تحصى، وقال غيره: هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} أي بامتثال أمري {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بالقبول والثواب.
قال قتادة ومجاهد: أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم حفظ اثني عشر نقيبا} إلى أن قال: {لأكفرن عنكم سيئاتكم} [12- المائدة] فهذا قوله: {أوف بعهدكم}. وقال الحسن هو قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة} [63- البقرة] فهو شريعة التوراة، وقال مقاتل هو قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله} [83- البقرة] وقال الكلبي: عهد الله إلى بني إسرائيل على لسان موسى: إني باعث من بني إسماعيل نبيا أميا فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين: وهو قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} [187- آل عمران] يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} فخافوني في نقض العهد. وأثبت يعقوب الياءآت المحذوفة في الخط مثل فارهبوني، فاتقوني، واخشوني، والآخرون يحذفونها على الخط.
{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} يعني القرآن {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أي موافقا لما معكم يعني: التوراة، في التوحيد والنبوة والأخبار ونعت النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه من علماء اليهود ورؤسائهم {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي بالقرآن يريد من أهل الكتاب، لأن قريشا كفرت قبل اليهود بمكة، معناه: ولا تكونوا أول من كفر بالقرآن فيتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤا بآثامكم وآثامهم {وَلا تَشْتَرُوا} أي: ولا تستبدلوا {بِآيَاتِي} ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم {ثَمَنًا قَلِيلا} أي عرضا يسيرا من الدنيا وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل عام شيئا معلوما من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا إن هم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} فاخشوني.
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} أي لا تخلطوا، يقال: لبس الثوب يلبس لبسا، ولبس عليه الأمر يلبس لبسا أي خلط. يقول: لا تخلطوا الحق الذي، أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
والأكثرون على أنه أراد: لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية.
وقال مقاتل: إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضا ليصدقوا في ذلك فقال: ولا تلبسوا الحق الذي تقرون به بالباطل يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم وتكتموا الحق أي لا تكتموه، يعني: نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه نبي مرسل.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أدوا زكاة أموالكم المفروضة. والزكاة مأخوذة من زكا الزرع إذا نما وكثر. وقيل: من تزكى أي تطهر، وكلا المعنيين موجود في الزكاة، لأن فيها تطهيرا وتنمية للمال {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي صلوا مع المصلين: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر بلفظ الركوع لأنه ركن من أركان الصلاة، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع، فكأنه قال: صلوا صلاة ذات ركوع، قيل: إعادته بعد قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} لهذا، أي صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، فالأول مطلق في حق الكل، وهذا في حق أقوام مخصوصين. وقيل: هذا حث على إقامة الصلاة جماعة كأنه قال لهم: صلوا مع المصلين الذين سبقوكم بالإيمان.