فصل: تفسير الآيات (18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (18- 19):

{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني: المعاصي {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} ووقع في النزع، {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} وهي حالة السَّوق حين تُساق روحه، لا يُقبل من كافر إيمانٌ ولا من عاص توبة، قال الله تعالى: {فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر- 85]، ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق. {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا} أي: هيأنا وأعددنا، {لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوَبه على تلك المرأة وعلى خبائها، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارّها لتفتدي منه بما ورثته من الميت، أو تموت هي فيرثها، فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوَبه فهي أحق بنفسها، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل بن حيان: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها، ثم تركها ولم ينفق عليها، يضارّها لتفتدي منه، فأتت كبيشةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي ووَرِثَ نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلّي سبيلي، فقال: «اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمرُ الله»، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
قرأ حمزة والكسائي: كُرها بضم الكاف، هاهنا وفي التوبة وقرأ الباقون بالفتح، قال الكسائي: هما لغتان. قال الفراء: الكَره بالفتح ما أُكره عليه، وبالضم ما كان من قِبَل نفسه من المشقة.
{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي: لا تمنعوهنّ من الأزواج لتضجر فتفتدي ببعض مالها، قيل: هذا خطاب لأولياء الميت، والصحيح أنه خطاب للأزواج.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارّها لتفتدي وتردّ إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك، ثم قال: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فحينئذ يحل لكم إضرارهنّ ليفتدين منكم.
واختلفوا في الفاحشة، قال ابن مسعود وقتادة: هي النشوز، وقال بعضهم وهو قول الحسن: هي الزنا، يعني: المرأة إذا نشزت، أو زنت حلَّ للزوج أن يسألها الخلع، وقال عطاء: كان الرجل إذا أصابت امرأتُه فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ الله تعالى ذلك بالحدود.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر {مبيَّنة} و{مبيَّنات} بفتح الياء، ووافق أهل المدينة والبصرة في {مبينات} والباقون بكسرها.
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال الحسن: رجع إلى أول الكلام، يعني {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والمعاشرة بالمعروف: هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة، وقيل: هو أن يتصنَّع لها كما تتصنَّع له، {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قيل: هو ولد صالح، أو يَعْطِفَه الله عليها.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)}
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} أراد بالزوج الزوجة ولم يكن من قبلها نشوز ولا فاحشة، {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} وهو المال الكثير، صداقا، {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ} من القنطار، {شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ} استفهام بمعنى التوبيخ، {بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} انتصابهما من وجهين أحدهما بنزع الخافض، والثاني بالإضمار تقديره: تصيبون في أخذه بهتانًا وإثمًا ثم قال: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ}.

.تفسير الآيات (21- 22):

{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا (22)}
{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} على طريق الاستعظام، {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} أراد به المجامعة، ولكن الله حييٌ يُكني، وأصل الإفضاء: الوصول إلى الشيء من غير واسطة.
{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة: هو قول الوَلي عند العقد: زوجتُكَها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقال الشعبي وعكرمة: هو ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله تعالى».
قوله عز وجل: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} كان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم، قال الأشعث بن سوار: تُوفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني اتخذتك ولدًا وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره، فأتته فأخبرته، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ}، قيل: بعد ما سلف، وقيل: معناه لكن ما سلف، أي: ما مضى في الجاهلية فهو معفو عنه، {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} أي: إنه فاحشة، و{كان} فيه صلة، والفاحشة أقبح المعاصي، {وَمَقْتًا} أي: يُورث مقت الله، والمقت: أشدّ البُغض، {وَسَاءَ سَبِيلا} وبئس ذلك طريقًا وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه {مقيت} وكان منهم الأشعث بن قيس وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية.
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي، أخبرنا أبو سهل محمد بن عمرو السجزي، أنا الإمام أبو سليمان الخطابي، أنا أحمد بن هشام الحضرمي، أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، عن حفص بن غياث، عن أشعث بن سوار، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: مرّ بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه.

.تفسير الآية رقم (23):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}
قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، بين الله تعالى في هذه الآية المحرمات بسبب الوُصْلة، وجملة المحرمات في كتاب الله تعالى أربع عشرة: سبعٌ بالنسب، وسبعٌ بالسبب.
فأما السبع بالسبب فمنها اثنتان بالرضاع وأربع بالصهرية والسابعة المحصنات، وهن ذوات الأزواج.
وأما السبع بالنسب فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} وهي جمع أُمّ فيدخل فيهن الجدات وإن علونَ من قِبَل الأم ومن قِبَل الأب، {وَبَنَاتُكُم} جمع: البنت، فيدخل فيهن بنات الأولاد وإن سَفُلْنَ، {وَأَخَوَاتُكُمْ} جمع الأخت سواء كانت من قِبَل الأب والأم أو من قِبَل أحدهما، {وَعَمَّاتُكُم} جمع العمة، ويدخل فيهن جميع أخوات آبائك وأجدادك وإن علون، {وَخَالاتُكُم} جمع خالة، ويدخل فيهن جميع أخوات أمهاتك وجداتك، {وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ} ويدخل فيهنّ بنات أولاد الأخ والأخت وإن سَفُلْنَ، وجملته: أنه يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصلِ من كل أصل بعده، والأصول هي الأمهات والجدات، والفصول البنات وبنات الأولاد، وفصول أول أصوله هي الأخوات وبنات الإخوة والأخوات، وأول فصل من كل أصل بعده هن العمات والخالات وإن علون.
وأما المحرمات بالرضاع فقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}.
وجملته: أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرَّضاعة ما يحرم من الوِلادة».
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، قال: أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حيًا- لعمها من الرضاعة- أيدخل علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة».
وإنما تثبت حرمة الرضاع بشرطين، أحدهما: أن يكون قبل استكمال المولود حولين، لقوله تعالى: {والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة- 233] وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرمُ من الرضاعِ إلا ما فتقَ الأمعاء». وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا رضاعَ إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم»، وإنما يكون هذا في حال الصغر.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: مدة الرضاع ثلاثون شهرًا، لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف- 15]، وهو عند الأكثرين لأقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع وأقل مدة الحمل ستة أشهر.
والشرط الثاني أن يوجد خمس رضعات متفرقات، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وبه قال عبد الله بن الزبير وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرِّم، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وإليه ذهب سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وأصحاب الرأي.
واحتج من ذهب إلى أن القليل لا يحرم بما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، أنا أبو العباس الأصم، أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُحرم المصة من الرضاع والمصتان» هكذا روى بعضُهم هذا الحديث، ورواه عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل الله في القرأن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.
وأما المحرمات بالصهرية فقوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وجملته: أَن كل من عقد النكاح على امرأة تحرم على الناكح أمهات المنكوحة وجداتها وإن علون من الرضاعة والنسب بنفس العقد.
{وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} والربائب جمع: ربيبة: وهي بنت المرأة، سُميت رَبيبة لتربيته إيّاها، وقوله: {فِي حُجُورِكُمْ} أي: في تربيتكم، يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته، {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} أي: جامعتموهن.
ويحرم عليه أيضا بناتُ المنكوحة وبنات أولادها، وإن سَفُلْنَ من الرضاع والنسب بعد الدخول بالمنكوحة، حتى لو فارق المنكوحة قبل الدخول بها أو ماتَتْ جاز له أن ينكح بنتها، ولا يجوز له أن ينكح أُمَّها لأن الله تعالى أطلق تحريم الأمهات وقال في تحريم الربائب.
{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} يعني: في نكاح بناتهن إذا فارقتُمُوهن أو متْنَ، وقال علي رضي الله عنه: أم المرأة لا تحرم إلا بالدخول بالبنت كالربيبة.
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} يعني: أزواج أبنائكم، واحدتُها: حَلِيلة، والذكر حَلِيل، سميا بذلك لأن كُلّ واحد منهما حلال لصاحبه، وقيل: سميا بذلك لأن كل واحد منهما يَحلُّ حيث يحلُّ صاحبه من الحلول وهو النزول، وقيل: إن كلَّ واحد منهما يحلّ إزارَ صاحبه من الحلَ وهو ضدّ العَقْل.
وجملته: أنه يحرم على الرجل حلائل أبنائه وأبناء أولاده وإن سَفُلُوا من الرضاع والنسب بنفس العقد، وإنما قال: {من أصلابكم} ليعلم أن حليلة المتبنَّي لا تحرم على الرجل الذي تبناه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة زيد بن حارثة، وكان زيد تبنَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
والرابع من المحرمات بالصهرية: حليلةُ الأب والجدّ وإن علا فيحرم على الولد ووَلَدِ الولد بنفس العقد سواء كان الأب من الرضاع أو من النسب، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وقد سبق ذكره.
وكل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين، والوطء بشبهة النكاح، حتى لو وطئ امرأة بالشبهة أو جارية بملك اليمين فتحرم على الواطئ أمُّ الموطوءة وابنتها وتحرم الموطوءة على أب الواطئ وعلى ابنه.
ولو زنى بامرأة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهبت جماعة إلى أنه لا تحرم على الزاني أمُّ المزني بها وابنتها، وتحرم الزانيةُ على أب الزاني وابنه، وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب وعُروة والزهري، وإليه ذهب مالك والشافعي رحمهم الله تعالى.
وذهب قومٌ إلى التحريم، يُروَى ذلك عن عِمرانَ بن حصين وأبي هريرة رضي الله عنهما، وبه قال جابر بن زيد والحسن وهو قول أصحاب الرأي.
ولو لمس امرأة بشهوة أو قبَّلَها، فهل يُجعل ذلك كالدخول في إثبات حرمة المصاهرة؟ وكذلك لو لمس امرأة بشهوة فهل يجعل كالوطء في تحريم الربيبة؟ فيه قولان، أصحهما وهو قول أكثر أهل العلم: أنه تثبت به الحرمة، والثاني: لا تثبت كما لا تثبت بالنظر بالشهوة.
قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ} لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في النكاح سواء كانت الأخوّة بينهما بالنسب أو بالرضاع، فإذا نكح امرأة ثم طلقها بائنًا جاز له نكاح أختها، وكذلك لو ملك أختين بملك اليمين لم يجز له أن يجمع بينهما في الوطء، فإذا وطئ إحداهما لم يحل له وطء الأخرى حتى يُحرّم الأولى على نفسه.
وكذلك لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها، لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها».
قوله تعالى: {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} يعني: لكن ما مضى فهو معفوٌ عنه، لأنهم كانوا يفعلونه قبل الإسلام، وقال عطاء والسدي: إلا ما كان من يعقوب عليه السلام فإنه جمع بين ليَّا أم يهوذا وراحيل أم يوسف، وكانتا أختين. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.