فصل: تفسير الآية رقم (105):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (105):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه».
وفي رواية: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب لكم».
قال أبو عبيد: خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به، وقد صُولحوا عليه، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الآية في اليهود والنصارى، يعني: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم.
وعن ابن مسعود قال في هذه الآية: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قُبلَ منكم فإن رُدّ عليكم فعليكم أنفسكم، ثم قال: إن القرآن قد نزل منه آي: قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي: قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان، ومنه آي: يقع تأويلهن يوم القيامة، ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا عيسى بن نصر أنا عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمرو بن جارية اللخمي أنا أبو أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله عز وجل: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لابد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» قال ابن المبارك: وزادني غيره قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: «أجر خمسين منكم».
وقيل: نزلت في أهل الأهواء، قال أبو جعفر الرازي: دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره، فقال صفوان ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
قوله عز وجل: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} الضال والمهتدي، {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

.تفسير الآيات (106- 107):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} سبب نزول هذه الآية ما روي أن تميم بن أوس الداري وعدي بن بدّاء قد خرجا من المدينة للتجارة إلى أرض الشام، وهما نصرانيان، ومعهما بُدَيْل مولى عمرو بن العاص، وكان مسلما فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي، وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل ففتشا متاعه وأخذا منه إناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة فغيباه، ثم قضيا حاجتهما، فانصرفا إلى المدينة، فدفعا المتاع إلى أهل البيت، ففتشوا وأصابوا الصحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاءوا تميما وعديا فقالوا: هل باع صاحبنا شيئا من متاعه؛ قالا لا قالوا: فهل اتجر تجارة؟ قالا لا قالوا: هل طال مرضه فأنفق على نفسه قالا لا فقالوا: إنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما كان معه وإنا قد فقدنا منها إناء من فضة مموها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة، قالا ما ندري إنما أوصى لنا بشيء فأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه وما لنا علم بالإناء، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الإنكار، وحلفا فأنزل الله عز وجل هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} أي: ليشهد اثنان، لفضه خبر ومعناه أمر.
وقيل: معناه: أن الشهادة فيما بينكم على الوصية عند الموت اثنان، واختلفوا في هذين الاثنينُ فقال قوم: هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي.
وقال آخرون: هما الوصيان، لأن الآية نزلت فيهما ولأنه قال: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ} ولا يلزم الشاهد يمين، وجعل الوصي اثنين تأكيدا، فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور، كقولك: شهدت وصية فلان، بمعنى حضرت، قال الله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور- 2] يريد الحضور {ذَوَا عَدْلٍ} أي: أمانة وعقل {مِنْكُمْ} أي: من أهل دينكم يا معشر المؤمنين {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير دينكم وملتكم في قول أكثر المفسرين، قاله ابن عباس وأبو موسى الأشعري، وهو قول سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعبيدة.
ثم اختلف هؤلاء في حكم الآية فقال النخعي وجماعة: هي منسوخة وكانت شهادة أهل الذمة مقبولة في الابتداء ثم نسخت.
وذهب قوم إلى أنها ثابتة، وقالوا: إذا لم نجد مسلمين فنشهد كافرين.
وقال شريح: من كان بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته فأشهد كافرين على أي دين كانا من دين أهل الكتاب أو عبدة الأوثان، فشهادتهم جائزة، ولا تجوز شهادة كافر على مسلم إلا على وصية في سفر.
وعن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد مسلما يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة بتركته وأتيا الأشعري، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأحلفهما، وأمضى شهادتهما.
وقال آخرون: قوله: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: من حي الموصي أو آخران من غير حيّكم وعشيرتكم، وهو قول الحسن والزهري وعكرمة، وقالوا: لا تجوز شهادة كافر في شيء من الأحكام، {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ} أي سرتم وسافرتم، {فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} فأوصيتم إليهما ودفعتم إليهما مالكم فاتهمهما بعض الورثة وادعوا عليهما خيانة فالحكم فيه أن {تَحْبِسُونَهُمَا} أي: تستوقفونهما، {مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} أي: بعد الصلاة، و{مِنْ} صلة يريد بعد صلاة العصر، هذا قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير وقتادة وعامة المفسرين، لأن جميع أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت، ويجتنبون فيه الحلف الكاذب، وقال الحسن: أراد من بعد صلاة العصر، وقال السدي: من بعد صلاة أهل دينهما وملتهما لأنهما لا يباليان بصلاة العصر، {فَيُقْسِمَانِ} يحلفان، {بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: شككتم ووقعت لكم الريبة في قول الشاهدين وصدقهما، أي: في قول اللذين ليسا من أهل ملتكم، فإن كانا مسلمين فلا يمين عليهما، {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} أي: لا نحلف بالله كاذبين على عوض نأخذه أو مال نذهب به أو حق نجحده، {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كان المشهود له ذا قرابة منا، {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أضاف الشهادة إلى الله لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها، وقرأ يعقوب {شهادة} بتنوين، {الله} ممدود، وجعل الاستفهام عوضا عن حرف القسم، ويروى عن أبي جعفر {شهادة} بتنوين، {الله} بقطع الألف وكسر الهاء من غير استفهام على ابتداء اليمين، أي: والله: {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} أي إن كتمناها كنا من الآثمين.
فلما نزلت هذه الآية صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما فحلفا على ذلك، وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما.
ثم ظهر الإناء واختلفوا في كيفية ظهوره فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه وجد بمكة، فقالوا: إنا اشتريناه من تميم وعدي، وقال آخرون: لما طالت المدة أظهروه فبلغ ذلك بني سهم فأتوهما في ذلك، فقالا إنا كنا قد اشتريناه منه فقالوا لهما: ألم تزعما أن صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه؟ قالا لم يكن عندنا بينة وكرهنا أن نقر لكم به فكتمناه لذلك، فرفعهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {فَإِنْ عُثِرَ}.
{فَإِنْ عُثِرَ} أي: اطلع على خيانتهما، وأصل العثور: الوقوع على الشيء، {عَلَى أَنَّهُمَا} يعني: الوصيين {اسْتَحَقَّا} استوجبا، {إِثْمًا} بخيانتهما وبأيمانهما الكاذبة، {فَآخَرَانِ} من أولياء الميت، {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يعني: مقام الوصيين، {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ} بضم التاء على المجهول، هذا قراءة العامة، يعني: الذين استحق، {عَلَيْهِمُ} أي فيهم ولأجلهم الإثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم وعلى بمعنى في، كما قال الله: {على ملك سليمان} [البقرة، 102] أي: في ملك سليمان، وقرأ حفص {استحق} بفتح التاء والحاء، وهي قراءة علي والحسن، أي: حق ووجب عليهم الإثم، يقال: حق واستحق بمعنى واحد، {الأوْلَيَانِ} نعت للآخران، أي: فآخران الأوليان، وإنما جاز ذلك و{الأوْلَيَانِ} معرفة والآخران نكرة لأنه لما وصف الآخران، فقال: {مِنَ الَّذِينَ} صار كالمعرفة و{الأوْلَيَانِ} تثنية الأولى، والأولى هو الأقرب، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم ويعقوب {الأولين} بالجمع فيكون بدلا من الذين، والمراد منهم أيضا أولياء الميت.
ومعنى الآية: إذا ظهرت خيانة الحالفين يقوم اثنان آخران من أقارب الميت، {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} يعني: يميننا أحق من يمينهما، نظيره قوله تعالى في اللعان: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} [النور- 6]. والمراد بها الأيمان، فهو كقول القائل: أشهد بالله، أي: أقسم بالله، {وَمَا اعْتَدَيْنَا} في أيماننا، وقولنا أن شهادتنا أحق من شهادتهما، {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان، فحلفا بالله بعد العصر فدفعا الإناء إليهما وإلى أولياء الميت، وكان تميم الداري بعدما أسلم يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء، فأتوب إلى الله وأستغفره، وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا أنهما ابتاعاه.
والوصي إذا أخذ شيئا من مال الميت وقال: إنه أوصى لي به حلف الوارث، إذا أنكر ذلك، وكذلك لو ادعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ثم ادعى أنه اشتراها من المدعي، حلف المدعي أنه لم يبعها منه.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن تميم الداري قال: كنا بعنا الإناء بألف درهم فقسمتها أنا وعدي، فلما أسلمت تأثمت فأتيت موالي الميت فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف عمرو والمطلب فنزعت الخمسمائة من عدي، ورددت أنا الخمسمائة.
فذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}.

.تفسير الآيات (108- 109):

{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (109)}
{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين أجدر وأحرى أن يأتي الوصيان بالشهادة على وجهها وسائر الناس أمثالهم، أي أقرب إلى الإتيان بالشهادة على ما كانت، {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: أقرب إلى أن يخافوا رد اليمن بعد يمينهم على المدعي فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة، {وَاسْمَعُوا} الموعظة، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
قوله عز وجل: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ} وهو يوم القيامة، {فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي: ما الذي أجابتكم أمتكم؟ وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي؟ {قَالُوا} أي: فيقولون {لا عِلْمَ لَنَا} قال ابن عباس معناه: لا علم لنا إلا العلم الذي أنت أعلم به منا، وقيل: لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا، وقال ابن جريج: لا علم لنا بعاقبة أمرهم وبما أحدثوا من بعد، دليله أنه قال: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} أي: أنت الذي تعلم ما غاب ونحن لا نعلم إلا ما نشاهد.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا وهيب أنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك».
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي: إن للقيامة أهوالا وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها، فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب، ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم.