فصل: تابع باب الميم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم القواعد ***


تابع باب الميم

المَفْعُولُ المُطْلَق‏:‏

-1 تعريفُه‏:‏

هوَ اسمٌ يُؤَكِّد عامِلَه، أو يُبَيِّنُ نَوْعَه أو عَدَدَه، وليسَ خَبرًا ولا حَالًا ‏(‏بخلاف نحو قولك ‏"‏فضلُك فضلان‏"‏ و ‏"‏علْمك علمٌ نافع‏"‏ فإنه وإن بين العدد في الأول والنوع في الثاني، فهو خبر عن ‏"‏فضلك‏"‏ في الأول، وخبر عن ‏"‏علمك‏"‏ في الثاني، وبخلاف نحو ‏"‏ولَّى مُدْبرًا‏"‏ فإنه كان توكيدًا لعامله فهو حال من الضمير المستتر في ‏"‏ولَّى‏"‏‏)‏، نحو ‏"‏اسْعَ للمَعْرُوفِ سَعْيًا‏"‏ و ‏"‏سرْ سَيْرَ الفُضَلاءِ‏"‏ و ‏"‏افْعَل الخيرَ كلَّ يومٍ مرَّةً أو مَرَّتين‏"‏‏.‏

-2 كَوْنُه مَصْدَرًا، وغير مصدر‏:‏

أَكْثَرُ مَا يكونُ المَفْعُولُ المُطْلَقُ مَصْدرًا، ولَيسَ قَوْلك‏:‏ ‏"‏اغْتَسَل غُسلًا‏"‏ و ‏"‏أعْطَى عَطاءً‏"‏ مصدرين فإنهما من أسماءِ المصادر، لأنها لم تَجْرِ على أفْعالِها لِنَقْصِ حُروفِها عنها، وقد يكونُ غير مصدر، وسيأتي تفصيلُ ذلك‏.‏

-3 عامِلُه‏:‏

عامِلُ المَفْعُولِ المُطْلَق إمَّا مصدرٌ مِثلُه لَفْظًا ومعنىً نحو‏:‏ ‏{‏فإنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏63‏"‏ من سورة الإِسراء ‏"‏17‏"‏‏)‏‏.‏

أَوْ مَا اشْتُقَّ مِنه من فِعْلٍ نحو‏:‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏164‏"‏ من سورة النساء ‏"‏4‏"‏‏)‏ أوْ وَصْفٍ ‏(‏المراد من الوصف‏:‏ اسم الفاعِل، أو اسم المفعول أو المُبَالغة، دون اسمِ التفضيل والصفة المشبهة‏)‏، نحو ‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفًَّا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏1‏"‏ من سورة الصافات ‏"‏37‏"‏‏)‏ ونحو ‏"‏اللحمُ مَأكُولٌ أكلًا‏"‏ لاسمِ المَفْعُول، ونحو‏:‏ ‏"‏زَيْدٌ ضَرَّابٌ ضَرْبًا‏"‏ لمبالغةِ اسمِ الفاعل‏.‏

-4 ما يَنُوبُ عن المَصْدَر‏:‏

قدْ يَنُوبُ عنِ المَصْدَر في الانْتِصابِ على المَفْعُولِ المُطلقِ ‏(‏وهو منصوب بالفعل المذكور، وهو مَذهبُ المازني والسِّيرافي والمبرِّد واختاره ابنُ مَالك لاطِّراده، أما مذهبُ سيبويه والجمهور فينصب بفعلٍ مقدَّر مِنْ لَفْظه ولا يَطَّرد هذا في نحو ‏"‏حَلَفْتُ يمينًا‏"‏ إذْ لا فِعلَ له‏)‏، ما دلَّ على المَصْدَرَ، وذلك أربعة عشرَ شيئًا‏:‏ أحد عشرَ للنَّوع، وثَلاثَةٌ للمُؤَكَّد‏.‏

أمّا الأحد عَشَر للنَّوع فهي‏:‏

‏(‏1‏)‏ كُلِّيَّتُه، نحو‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏128‏"‏ من سورة النساء ‏"‏4‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ بَعْضِيَّته، نحو ‏"‏أكْرَمْتُهُ بعضَ الإِكْرامِ‏"‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ نَوْعُهُ، نحو ‏"‏رَجَعَ القَهْقَرَى‏"‏ و ‏"‏قعَد القُرْفُصَاءَ‏"‏‏.‏

‏(‏4‏)‏ صِفَتُهُ نحو ‏"‏سِرْتُ أَحْسنَ السَّيرِ‏"‏‏.‏

‏(‏5‏)‏ هيئَتُهُ، نحو ‏"‏يَمُوْتُ الجَاحِدُ مِيتةَ سُوءٍ‏"‏‏.‏

‏(‏6‏)‏ المُشَار إليه، نحو ‏"‏عَلَّمنِي هذا العِلم أُسْتاذِي‏"‏‏.‏

‏(‏7‏)‏ وَقْتُه، كقولِ الأعشى‏:‏

ألمْ تَغْتَمِضْ عَيناك لَيْلَةَ أَرْمَدَا *** وَعَادَ كما عَادَ السَّليم مُسَهَّدا

‏(‏البيت للأعشى مَيْمون بن قيس من قصيدة في مَدْح النبي ‏(‏ص‏)‏ و ‏"‏السَّليم‏"‏‏:‏ المَلْدُوغ، والشَّاهِد فيه ‏"‏لَيْلَة أَرْمَدا‏"‏ حيث نَصَب ‏"‏ليلة‏"‏ بالنيابة عن المَصدر والتَّقدير‏:‏ اغتماضًا مثلَ اغْتِمَاض لَيْلَة أَرْمَد، وليسَ انْتِصَابُها على الظرف‏)‏

أي اغْتِماضَ لَيْلَةِ أَرْمد‏.‏

‏(‏8‏)‏ ‏"‏مَا‏"‏ الاسْتِفهامِيّة، نحو ‏"‏مَا تَضْرب الفَاجِر‏؟‏‏"‏ ‏(‏أي‏:‏ أيَّ ضرب تضربه‏)‏‏.‏

‏(‏9‏)‏ ‏"‏ما‏"‏ الشَّرْطية، نحو ‏"‏ما شئتَ فاجْلِسْ‏"‏ ‏(‏أي‏:‏ أيّ جُلُوس شئْته فاجْلِس‏)‏‏.‏

‏(‏10‏)‏ آلَتهُ، نحو ‏"‏ضَرَبْتُه سَوطًا‏"‏ وهو يَطَّرد في آلةِ الفِعْل دُونَ غَيرِها، فلا يَجُوز ضَرَبْتُه خَشَبةً‏.‏

‏(‏11‏)‏ العَدَد، نحو‏:‏ ‏{‏فَاجْلِدُوهمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏4‏"‏ من سورة النور ‏"‏24‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏

المَفْعُولُ المُطْلَق‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أمَّا الثَّلاثة للمُؤكَّد فهي‏:‏

‏(‏1‏)‏ مُرادِفُه، نحو ‏"‏فَرِحتُ جَذِلًا‏"‏ و ‏"‏ومَقْتُه حُبًّا‏"‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ مُلاَقِيهِ في الاشْتِقَاقِ، نحو‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًَا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏17‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏ ‏{‏وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتَيْلًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏8‏"‏ من سورة المزمل ‏"‏73‏"‏‏)‏‏.‏ والأصل‏:‏ ‏"‏إنْبَاتًا‏"‏ و ‏"‏تبَتُّلًا‏"‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ اسم المَصْدر، نحو‏:‏ ‏"‏تَوَضّأ وُضُوءًا‏"‏ و ‏"‏أعْطى عَطَاءًا‏"‏‏.‏

-5 حُكمُ المَصْدر مِنْ حَيْثُ إفْرَادُه أَوْ جَمْعُه‏:‏

المَصْدر المُؤكِّد لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، فَلا يُقالُ ‏"‏أَكَلْتُ أكْلَيْن‏"‏ ولا أُكُولًا مُرَادًا التَّأكِيد لأنَّ المَقْصُودَ به الجنسُ مِنْ حَيْثُ هو‏.‏

وأمَّا المصدر العَددي فيُثَنَّى ويجمَع باتفاق، نحو ‏"‏ضَرَبْتُه ضربةً، وضَرْبَتَينِ، وضَرَباتٍ‏"‏‏.‏

وأمَّا المَصْدر النَّوعِي فالمَشْهور جَوازُ تَثْنِيتهِ وجَمْعِه ‏(‏وظاهر مذهب سيبويه المنع‏)‏، ودليلُ ذلكَ قولُه تَعالى‏:‏ ‏{‏وَتَظنُّونَ باللَّهِ الظُّنُونا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏10‏"‏ من سورة الأحزاب ‏"‏33‏"‏‏)‏‏.‏

-6 ذِكْرُ العامل، وحَذْفُه‏:‏

الأصلُ في عَامِلِ المَصْدر أنْ يُذْكَر وقَدْ يُحذَفُ جَوازًا لِقَرِينةٍ لَفْظِيَّةٍ أَوْ مَعنويَّةٍ، فاللفظيَّة‏:‏ كأنْ يُقال‏:‏ مَا جَلستَ، فتقول‏:‏ ‏"‏بَلَى، جُلُوسًَا طَويلًا‏"‏ أو بَلَى ‏"‏جَلْسَتَيْنَ‏"‏، والمَعْنَوية‏:‏ نحو ‏"‏حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا‏"‏‏.‏ أي حَجَجْتَ، وسَعَيْتَ وقدْ يَجِبُ حَذْفُ العَامِل عند إقَامَةِ المَصْدَرِ مُقام فِعْله، وهُوَ نَوْعَان‏:‏

‏"‏أ‏"‏ ما لا فِعْلَ لهُ مِنْ لَفْظِهِ نحو‏:‏

‏"‏وَيْلَ أَبي لهب‏"‏ و ‏"‏ويْح عَبدِ المطلب‏"‏ و ‏"‏بلْهَ الأكفِّ‏"‏ فيُقدَّر‏:‏ أهلكه اللَّهُ، لِكَلِمة ‏"‏وَيْلٌ‏"‏ ورَحِمه اللَّهُ لـ ‏"‏ويح‏"‏، واتْرُك ذِكرَ الأَكُف، لـ ‏"‏بَلْه الأكَفِّ‏"‏‏.‏

ومِثْلُها‏:‏ ما أُضِيفَ إلى كافِ الخِطَاب، وذلكَ‏:‏ وَيْلَكَ، ووَيْحَكَ، وَوَيْسَكَ ‏(‏وَيسٌ‏:‏ كويح كلمة رحمه‏)‏، ووَيْبَك ‏(‏ويبك‏:‏ كويْلَكَ، تقول‏:‏ وَيْبَكَ وَوَيْبٌ لك‏)‏، وإنَّما أُضِيفَ لِيكونَ المُضَافُ فيها بمَنْزِلَتِهِ في اللامِ إذا قلتَ‏:‏ سَقْيًا لك، لِتُبَيِّن من تعني، وهذه الكلمات لا يُتَكلَّم بها مُفْرَدةً إلاَّ أن يكون على ويْلَك ‏(‏أو ويل وهما في المعنى واحد كما تقدم‏)‏، ويقال‏:‏ ويْلَكَ وعَوْلَكَ ‏(‏عولك‏:‏ مثل ويب وويل كما في القاموس‏)‏؛ ولا يجوز عولك وحدها، بل لا بُدَّ من أن تتبع ويلك‏.‏

‏"‏ب‏"‏ ما لَه فِعْلٌ مِن لفظه، ويُحذَف عامِله في سِتَّةِ مَواضع‏.‏

‏(‏1‏)‏ ما يُنْصَبُ مِنَ المَصَادِرِ على إضْمَارِ الفِعل غَيْرِ المُسْتَعْمَل إظْهَارُه‏:‏

وذلك قولك‏:‏ ‏"‏سَقْيًا ورَعْيًا‏"‏ ونحو قولك ‏"‏خَيْبةً، ودَفْرًا، وجَدْعًا، وعَقْرًا، وبُؤْسًا، وأُفَّةً، وتُفَّةً، وبُعْدًا، وسُحْقًا‏"‏ ومن ذلك قولك ‏"‏تَعْسًا، وتَبًّا، وجُوعًا وجُوسًا‏"‏ ‏(‏الجُوس‏:‏ الجوع، يقال‏:‏ جوعًا له وجوسًا‏)‏ ونحو قول ابنِ مَيَّادَة‏:‏

تَفَاقَد قَومي إذ يَبِيعون مُهْجَتي *** بِجَارِية بَهْرًا لَهُم بَعْدها بَهْرَا

‏(‏نسبُه المبرد إلى ابن المفرِّغ، تَفَاقَد قومي‏:‏ فَقَد بعضُهم بَعْضًا، إذا لم يعينوني على جارية علقت بها، فكأنهم باعوا مهجتي‏)‏ أي تَبًّا‏.‏

وقال عمر بن أبي ربيعة‏:‏

ثم قَالُوا تُحبُّها قلتُ بَهْرًا *** عَدَدَ النَّجْمِ والحَصَى والتراب

‏(‏أراد بالنجم اسم الجنس، ويروى‏:‏ عدد الرمل والحصى والتراب وبَهْرًا‏:‏ في الأساس يقولون‏:‏ بهرًا له، دعاء بأن يغلب‏)‏

كأنه قال جَهْدًا، أي جَهْدي ذلك‏.‏

وإنمال يَنْتَصِبُ هذا وَمَا أشْبَهَهُ إذا ذُكر مَذْكُورٌ فَدَعَوتَ له أَوْ عَلَيه على إضمار الفِعل كأنَّك قلتَ‏:‏ سَقَاك اللَّهُ سَقْيًا، ورَعَاكَ اللَّهُ رَعْيًا، وخَيَّبَكَ اللَّهُ خَيْبَةً، فَكُلُّ هذا وأشْبَاهه على هذا يَنْتَصِب‏.‏ وقَدْ رفَع بَعْضُ الشُّعراء بَعْضَ هذا فجَعَلُوه مُبْتَدًا، وجَعَلوا مَا بَعْدَه خَبَرًا، مِن ذَلِكَ قول الشَّاعِر‏:‏

عَذِيرُك مِن مَوْلىً إذا نِمْتَ لم يَنَمْ *** يَقُولُ الخَنَا أو تَعْتَرِيك زَنَابِرُهُ

فلم يَجْعلِ الكَلامَ على اعْذُرْني، ولكنَّه قال‏:‏ إنما عُذْرُكَ إيَّايَ مِنْ مَوْلىً هذا أمْرُه‏.‏

‏(‏2‏)‏ مَا يَنْتَصِبُ على إضْمَارِ الفِعْلِ المَتْرُوكِ إظْهَارُه مِن المَصَادِرِ غيرِ الدُّعاء‏:‏

ومن ذلكَ قولُك‏:‏ حَمْدًا، وشُكرًا لا كُفْرًا وعَجَبًا، وافْعَلُ ذَلك وَكَرَامَةً، وَمَسَرَّةً، ونُعْمَةَ عَيْنٍ، وحُبًّا، وَنَعَامَ عَيْن‏.‏ ولا أفْعَلُ ذلك لاَ كَيْدًا ولاَ هَمًّا، ولأفْعَلَنَّ ذلكَ وَرَغْمًا وهَوَانًا، فإنَّما يَنْتَصبُ هذا على إضْمَارِ الفِعْل، كأَنَّكَ قلت‏:‏ أحْمَدُ الله حَمْدًا، وأشكرُ اللَّهَ، وكأنك قلت‏:‏ أعْجَبُ عَجَبًا، وأُكْرِمُك كرامةً، وأسُرُّكَ مَسَرَّةً، ولا أكاد كَيْدًا، ولا أهُم هَمًّا، وأُرْغِمُكَ رَغْمًا‏.‏

وإنَّما اخْتُزِلَ الفِعلُ هَهُنا لأنَّهم جَعَلوا هذا بَدَلًا من اللفظ بالفعل، كما فَعلُوا ذلكَ في باب الدُّعاء، كأنَّ قولك‏:‏ حَمْدًا في مَوضِع أحْمدُ اللَّهَ، وقدْ جاءَ بعضُ هذا رَفْعًا يُبْتَدَأُ به ثُمَّ يُبْنَى عليه - أي الخَبَر - يقول سيبويه‏:‏ وسَمِعْنَا بَعْضُ العرب المَوْثُوق به يُقال له‏:‏ كَيفَ أَصْبَحْتَ‏؟‏ فيقول‏:‏ حَمدُ اللَّهِ وثَنَاءٌ عليه، كأن يقول‏:‏ أمْرِي وشَأْنِي حَمدُ الله وثَنَاءٌ عَلَيه‏.‏

وهَذَا مثلُ بيتٍ سَمِعناهُ مِن بعضِ العَرَب المَوْثُوقِ به يَرْوِيه - وهو للمُنْذِر ابنِ دِرْهم الكلبي‏:‏

فَقَالتْ حَنَانٌ مَا أتى به هَهنا *** أذُو نَسَبٍ أَمْ أنْتَ بالحَيِّ عَارِفُ

قالت‏:‏ أمْرُنا حَنَانٌ، ومثله قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏قَالُوا مَعْذِرَةٌ إلى رَبِّكم‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏164‏"‏ من سورة الأعراف ‏"‏7‏"‏‏)‏ كأنهم قالوا‏:‏ مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرةٌ إلى رَبِّكم‏.‏

‏(‏3‏)‏ المصدر المُنْتَصب في الاسْتِفْهَام‏:‏

فَذَلِكَ نحو قَوْلِكَ‏:‏ ‏"‏أَقِيامًا يا فُلانُ والنَّاسُ قُعُودٌ‏"‏ ونحو ‏"‏أجُلُوسًا والناسُ يَعْدُون‏"‏ لا يُريدُ أنْ يُخْبِر أنَّه يجْلِسُ ولا أَنَّه قد جَلَس وانْقَضَى جُلُوسُه ولكنَّه في تِلك الحال - أي حالِ قُعُودِ الناس وعَدْوِهم - في قِيَامٍ وفي جُلُوسٍ، ومن ذلك قول الرَّاجز - وهو العجاج -‏:‏

أطَرَبًا وأنْتَ قِنَّسْرِيُّ

وإنما أرَادَ‏:‏ أتطربُ وأنْتَ شَيخٌ كبير السن‏.‏

ومن ذلك قول بعض العرب - وهو عَامِرُ بن الطفيل - ‏"‏أغُدَّةً كَغُدَّةِ ‏(‏هذه الغدَّة خَرجتْ على رُكْبَته لما أصيب في حَادِثة انظرها في أمثال الميداني، وسَلُول‏:‏ أحطُّ بيتٍ في العرب، يضرب في خَصْلتين إحْداهما شَرٌّ من الأُخرى‏)‏ البَعِير، ومَوْتًا في بَيْتِ سُلُولِيَّة‏"‏ كأنَّه إنما أرَاد‏:‏

أَأُغَدُّ غُدَّةً كَغُدَّةِ البَعير، وقال جرير‏:‏

أعَبْدًا حَلَّ في شُعَبَى غَريبًا *** ألُؤمًا لا أبَا لَك واغْتِرَابا

يقول‏:‏ أتَلْؤُمُ لُؤْمًا، وأتَغْتَربُ اغترابًا، وحَذَفَ الفِعْلَين لأنَّ المَصْدَر بَدَلُ الفِعل‏.‏

وأمّا عَبْدًا فإنْ شئت نَصَبْتَهُ على النِّدَاء، وإنْ شِئْتَ على قوله‏:‏ أتَفْتَخر عَبْدًا، ثم حَذَفَ الفِعْلَ، وقدْ يأتي هذا الباب بغير استفهام نحو ‏"‏قاعِدًا عَلِمَ اللَّهُ وقد سَارَ الركب‏"‏ حذف الاستفهام بما يَرى مِنَ الحَالِ‏.‏

‏(‏4‏)‏ مَصَادِرُ لاَ تَتَصَرَّف تَنصِب بإضْمار الفِعل المَتْرُوك إظْهَارُه‏:‏

وذلكَ قَوْلُك‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، ومَعَاذَ الله، ورَيْحَانَه، وعَمْرَكَ اللَّهَ، وقِعْدَكَ اللَّهَ إلاَّ فَعَلتَ ‏(‏=في حروفها‏)‏‏.‏

‏(‏5‏)‏ المَصْدَر المنصوبُ الواقعُ فِعْلهُ خبرًا إمَّا لمُبْتَدأ أو لغيره‏:‏

وذلك قولك ‏"‏مَا أنْتَ إلاَّ سَيْرًا‏"‏ أي تَسِير سَيْرًا، و ‏"‏ما أَنْتَ إلاَّ سَيْرَ البَريد سَيْرَ البرِيد‏"‏ فكأنَّه قال في هذا كُلِّه‏:‏ ما أنْتَ إلاَّ تَفْعَلُ فِعلًا، وما أنت إلاّ تَفْعلُ الفِعْلَ، ولكنهم حَذَفُوا الفِعْلَ في الإخبار والاسْتِفْهام، وأَنَابُوا المَصْدَرَ، ويُشتَرَطُ فيه التَّكرارُ أو الحَصْر‏.‏

وتقول‏:‏ ‏"‏زَيْدٌ سُيْرًا سَيْرًا‏"‏ و ‏"‏أنَّ زَيْدًا سَيْرًا سَيْرًا‏"‏ و ‏"‏ليْتَ زَيْدًا سَيْرًا سيْرًا‏"‏ ومِثْلُها لَعَلَّ ولكِنَّ وكَأَنَّ وكذلكَ إنْ قُلْتَ ‏"‏أنْتَ الدَّهرَ سَيْرًا سَيْرًا‏"‏ و ‏"‏كانَ عبدُ اللَّهِ الدَّهرَ سَيْرًا سيرًا‏"‏ و ‏"‏أنتَ مُذُ اليوم سَيْرًا سَيْرًا‏"‏‏.‏

وإنَّما تكرر السَّير في هذا الباب ليُفيدَ أنَّ السير مُتَّصلٌ بَعْضُه بِبَعْض في أيِّ الأحوالِ كان ومن ذلك قولك‏:‏ ‏"‏ما أنْتَ إلاَّ شُرْبَ الإِبِلِ‏"‏ و ‏"‏ما أنْتَ إلاّ ضَرْبَ النَّاسِ‏"‏ وأما شُرْبَ الإِبِلِ فلا يُنَوَّنُ - لأنَّه لم يُشْبَّه بِشُرب الإِبل‏.‏

ونظيرُ ما انتَصَبَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ‏:‏ ‏{‏فإمَّا مَنًَّا بَعْدُ وإِمَّا فِدَاءً‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏4‏"‏ من سورة محمد ‏"‏47‏"‏‏)‏ أي فإمَّا تَمنُّون مَنًّا، وإمّا تُفَادُونَ فِدَاءً‏.‏ ومثلُه قولُ جرير‏:‏

أَلَمْ تَعْلمِي مُسَرَّحِيَ القَوَافي *** فلا عِيًّا بِهِنَّ ولا اجْتِلاَبَا

يَنْفي أنه أعْيَا بِهِنَّ عِيًّا أو اجْتُلبَهُنَّ اجْتِلابَا‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وإنْ شئت رَفَعْتَ هذا كلَّه فَجَعَلْتَ الآخِرَ هو الأوَّلَ فجَاز على سَعَةٍ من الكَلام ومن ذلكَ قولُ الخَنساء‏:‏

تَرتَعُ مَا رَتَعَتْ حتَّى إذا ادَّكَرَتْ *** فإنَّما هيَ إقْبَالٌ وإدْبَارُ

فَجَعَلها - أي الناقة - الإِقْبالَ والإِدْبَارَ، وهذا نحو نهارُك صَائِمٌ وليلُكَ قَائِمٌ‏.‏

‏(‏6‏)‏ نَصْبُ المَصْدر المُشَبَّه به على إضْمار الفِعلِ المَتْرُوكِ إظْهَارُه‏:‏

وذَلكَ قَوْلُكَ‏:‏ ‏"‏مَرَرْتُ به فإذا له صَوْتٌ صَوْتَ حمار‏"‏ - أي كَصَوتِ - و ‏"‏مرَرْتُ به فإذا له صُرَاخٌ صُراخَ الثَّكْلَى‏"‏‏.‏

وقال النابغة الذبياني‏:‏

مَقْذُوفةٍ بِدَخِيسِ النَّحضِ بَازِلُها *** لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بالمَسَدِ

‏(‏النَّحْض‏:‏ اللحم، والدَّخِيس‏:‏ ما تداخَلَ من اللحم وتَرَاكب، والبَازِل‏:‏ السِّن تَخْرج في التاسعة من عمر الناقة، الصَّريف‏:‏ صوت أنياب الناقة إذا حَكَّت بعضها ببعض نَشَاطًَا، القَعْو‏:‏ ما تَدُور عليه البكرة من خَشَب، والمسد‏:‏ الحبل‏)‏

وقال النَّابِغَةُ الجَعْدِي‏:‏

لَهَا بعدَ إسْنَادِ الكلِيم وهَدئِه *** ورَنَّةِ مَنْ يَبْكي إذا كانَ باكيا

‏(‏إسْناد الكليم‏:‏ إقْعادُ المَجْروح مُعتمدًا على ظَهْره‏.‏ ورَنَّةُ‏:‏ الصوت بالبكاء‏)‏

هَدِيرٌ هَدِيرَ الثَّوْر يَنْفُضُ رَأْسَهُ *** يَذُبُّ بِرَوْقَيْه الكِلابَ الضَّوارِيَا

‏(‏الرَّوق‏:‏ القِرن، الضواري‏:‏ الكلاب التي اعتادت على الصيد‏)‏

فإنَّما انْتَصب هذا لأنَّكَ مَرَرْتَ به في حال تَصْوِيتٍ، ولم تُرِدْ أن تجعلَ الآخِرَ - أي الصوتَ المَنْصُوبَ - صِفَةً للأَوَّل ولا بَدَلًا منه - أي فترفَعُه - ولكنَّك لما قُلْتَ‏:‏ له صَوْتٌ عُلِمَ أنَّه قد كانَ ثمَّ عَمَل فَصَارَ قَوْلُكَ‏:‏ له صوتٌ بمنزلةِ قولِك‏:‏ فإذا هو يُصوِّت - صَوتَ حمار -‏.‏ ومثل ذلك ‏"‏مَرَرْتُ به فإذَا لَهُ دَفْعٌ دَفْعَكَ الضَّفِيف‏"‏ ومثل ذلك أيضًا ‏"‏مَرَرْتُ به فإذا لهُ دَقٌّ دَقَّكَ بالمِنحَاز ‏(‏المِنْحَاز‏:‏ آلة الدق‏)‏ حَبَّ الفُلْفُلِ‏"‏ ومثلُ ذلك قول أبي كبير الهذلي‏:‏

مَا إنْ يَمسُّ الأرضَ إلاّ مَنْكِبٌ *** منه وَحَرْفُ السَّاق طَيَّ المِحْمَلِ

‏(‏الشاهد فيه‏:‏ طيَّ المِحمل، والمِحْمل‏:‏ عَلاَّقة السيف وإنما نصبَ طيَّ بإضْمار فعل دلَّ عليه أي إنه طُوِي طَيَّ المِحْمَل‏)‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏

المَفْعُولُ المُطْلَق‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

-7 أسماءُ لم تُؤخذْ من الفِعل تَجْري مَجْرى مَصَادِرَ أُخِذَتْ مِن الفِعل‏:‏

وذَلِكَ قَوْلُكَ‏:‏ ‏"‏أتَمِيمِيًَّا مَرَّة وقَيْسيًَّا أُخْرى‏"‏ كأنَّكَ قُلتَ‏:‏ ‏"‏أتتحوَّل تميميًا مَرَّةً وقَيْسيًَّا أُخْرى‏"‏ فأَنْتَ في هذا الحَالِ تَعْمَلُ في تثبيت هذا لَه، وهو عندك في تلك الحال في تَلَوُّوٍ وتَنَقُّل، وليس يَسأَلُه مُسْتَرْشِدًا عن أمْرٍ هو جاهِلٌ به ولكنه على الاستِفْهام الإِنكاري أو التوبيخي‏.‏

يقول سيبويه‏:‏ وحدثنا بعض العَرَب أن رجلًا من بني أسَدٍ قال يوم جبله - واسْتَقبَلَهُ بَعِيرٌ أعْورُ فتطير منه - فقال‏:‏ يا بني أسد ‏"‏أَعْوَرَ وذَا نَابٍ‏؟‏‏"‏ كأنه قال‏:‏ أتَسْتَقْبِلُونَ أَعْوَر وذا ناب، ومثل ذلك قولُ هِنْدِ بنِ عُتْبَةَ‏:‏

أفي السَّلْمِ أعْيارًَا جَفَاءً وغِلْظَةً *** وفي الحرب أشْباهَ الإِمَاءِ العَوارِك

أي تَنَقَّلُون وتَلَوَّنُون مَرَّةً كذا، وَمَرَّةً كذا، وقال الشاعر‏:‏

أفِي الوَلاَئم أوْلاَدًا لِوَاحِدَة *** وفي العِيَادَة أولادًا لِعَلاَّتِ

‏(‏وورد في اللسان بغير نسبة، وروايته، وفي المآتم، وأولاد العلات‏:‏ أولاد الرجل من نسوة شتى‏)‏

نَصَبَ أوْلاَدًا بإضْمَارِ فعلٍ، كأنَّه قَال‏:‏ أَتَثْبُتُون مُؤْتَلِفين في الوَلاَئِم، ونَصَبَ أولادًا الثانية بإضْمَار فعل، كأنه قال‏:‏ أتَمْضُون متفرقين‏.‏

-8 ما وَقَع من المَصَادِرِ تَوْكيدًا للجُمْلة‏:‏

وذلك مِثل قَوْلِكَ‏:‏ ‏"‏هذا زَيْدٌ حقًا‏"‏ لأنك لما قلتَ‏:‏ هذا زيدٌ إنَّما خَبَّرت بِمَا هو عِنْدَكَ حَقٌّ، فأكَّدْتَ هَذا زَيْدٌ بِقَولِكَ‏:‏ ‏"‏حَقًّا‏"‏ وحَقًّا مصدر منصوبٌ مؤكِّدٌ للجملة‏.‏

ويقول سيبويه في كتابه‏:‏

‏"‏هذا بابُ مَا يَنْتَصِب من المصادر توكِيدًا لما قَبْله‏"‏ وذلكَ قولُك‏:‏ ‏"‏هذا عبدُ اللَّهِ حَقًّا‏"‏ و ‏"‏هذَا زيدٌ الحقَّ لا الباطلَ‏"‏ و ‏"‏هذَا زيدٌ غيرَ مَا تَقُول‏"‏‏.‏

ويقولُ سيبويه‏:‏ وزَعَم الخليل رحمه الله - أي قال إن قوله‏:‏ ‏"‏هذا القَوْلُ لا قَوْلَك‏"‏ إنَّما نَصْبُه كنَصْبِ ‏"‏غيرَ مَا تقول‏"‏ لأنَّ ‏"‏لاَ قَوْلَك‏"‏ في ذلك المَعْنى ألاَ تَرى أنَّكَ تَقُول‏:‏ ‏"‏هذا القَولُ لا مَا تَقُول‏"‏ فهذا في موضع نصب‏.‏

ومن ذلك في الاستفهام ‏"‏أجِدَّكَ لا تفعلَ كذل وكذا‏؟‏‏"‏ كأنه قال‏:‏ ‏"‏أحَقًا لا تَفْعل كذا وكذا‏؟‏‏"‏، وأصْلُه من الجِدّ، كأنَّهُ قال‏:‏ أجِدًّا، ولكنه لا يَتَصَرَّفُ، ولا يُفارِقُه الإِضَافَةُ كما كان ذلك في ‏"‏لَبَّيك‏"‏ و ‏"‏معَاذَ الله‏"‏ ‏(‏=أجدّكما‏)‏‏.‏

-9 مصادرُ مِن النَّكِرة يُبْتَدأ بها كما يُبْتَدأ بما فِيه الألفُ واللامُ‏:‏

وذلِكَ قَوْلكَ‏:‏ سَلاَمٌ عَليك، وخَيْرٌ بَيْنَ يَدَيك، ووَيلٌ لك، وَوَيْحٌ لك، ووَيْسٌ لك، ووَيْلَةٌ لك، وَعَوْلَةٌ لك، وخَيْرٌ لك، وشَرٌّ له، ‏{‏ألاَ لَعْنَةُ اللَّهِ على الظَّالِمين‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏18‏"‏ من سورة هود ‏"‏11‏"‏‏)‏ فهذه المَصَادِر كُلُّها مُبْتَدَأَةٌ مَبْنيٌّ عليها مَا بَعْدَها، والمَعْنى فيهن أنَّك ابْتَدَأتَ شَيْئًا قد ثَبَتَ عِندك، وفيها ذلك المعنى - أي مَعْنى الدعاء - كما أنَّ ‏"‏رَحْمةُ اللَّهِ عليه‏"‏ فيه مَعْنى ‏"‏رَحِمَهُ اللَّهُ‏"‏ - وهو الدُّعاء -‏.‏

كما أنَّهم لم يَجْعَلوا ‏"‏سَقْيًا ورَعْيًا‏"‏ بِمَنْزِلَةِ هذه المَصَادِر المَرْفُوعَة، ومثل الرَّفع ‏{‏طُوبَى لهم وحُسْنُ مآب‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏29‏"‏ من سورة الرعد ‏"‏13‏"‏‏)‏‏.‏

وأمَّا قَوْلُه تعالَى جَدُّه‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ يَومئِذٍ للمُكَّذِّبِين‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏1‏"‏ من سورة المطففين ‏"‏83‏"‏‏)‏‏.‏ فإنَّه لا يَنْبغي أنْ تَقُول إنَّه دُعَاءٌ هَهُنا، لأنَّ الكلامَ بذلك قبيحٌ فكأنه - والله أعلم - قيل لهم‏:‏ ويْلٌ للمطففين، ووَيْلٌ يومئذٍ للمكذبين، أي هؤلاء ممَّن وَجَبَ هذا القَوْلُ لَهُم، لأنَّ هذا الكلام إنَّما يُقال لِصَاحبِ الشَّر والهَلَكَةِ، فقيل‏:‏ هؤلاءِ مِمَّن دَخَلَ في الشَّرِّ والهَلَكَةِ ووَجَبَ لهُم هذا‏.‏ ومن هذا الباب ‏"‏فِدَاءٌ لكَ أبي وأمي‏"‏‏.‏

وبَعْضُ العرب يقول‏:‏ ‏"‏وَيْلًا لَهُ‏"‏ و ‏"‏عوْلَةً لك‏"‏ ويُجْريها مُجْرى خَيْبةً، والرَّفْع أكثر في كَلامِهم‏.‏

-10 المَصَادِر المُحَلاَّة بأل والتي يُخْتَار فيها الابتداء‏:‏

وذلك قولُك‏:‏ الحمدُ للَّهِ، والعَجَبُ لك، والوَيْلُ لك، والتُّرابُ لك، والخَيْبةُ لك‏.‏

وإنَّما استَحبّوا الرفْعَ فيه لأَنَّه صارَ مَعْرِفَةً فَقوِي في الابْتداء‏.‏ وأَحسَنُه إذا اجْتَمع نكِرةٌ ومعرفةٌ أنْ يَبْتَدِئ بالأعرف‏.‏

ولِيْسَ كلُّ مَصْدرٍ يَصْلُح للابتداء، كما أنَّه ليس كلُّ مَصْدرٍ يَدخُل فيه الألفُ واللاَّمُ مِنْ هذا الباب، لو قلت‏:‏ السَّقْيُ لَكَ والرَّعْيُ لَكَ، لم يَجُز - أي إلاّ سَقْيًا ورَعْيًا - ومن العرب من يَنْصِب بالألف واللام من ذلك قولك‏:‏ الحمدَ لله فينصِبُها عَامَّةُ بني تَميم ونَاسٌ من العَرَب كثير‏.‏

يقول سيبويه‏:‏ وسَمِعنا العربَ المَوْثوق بهم يَقُولون‏:‏ ‏"‏التَّرابَ لك‏"‏ و ‏"‏العَجَبَ لك‏"‏ وتَفسير كتفسيره حيث كان نكرة‏.‏

المَفْعُولُ مَعه‏:‏

-1 تعريفُه‏:‏

هو‏:‏ اسْمٌ فَضْلَةٌ مَسْبُوقٌ بوَاوٍ بمَعْنى ‏"‏مَعَ‏"‏ تَالِيةٍ لِجُمْلَةٍ ذاتِ فِعْل، أو اسْمٍ فيه معنى الفِعلِ وحُرُوفِه، مَذْكُور لِبَيانِ ما فُعِل الفِعلُ لِمُقَارَنَتِه نحو ‏"‏دَعِ الظَّالِمَ والأَيَّامَ‏"‏ و ‏"‏أنَا سَائِرٌ وسَاحِلَ البَحْر‏"‏‏.‏

وتَقُول‏:‏ ‏"‏امْرًا و نَفْسَه‏"‏ والمعنى‏:‏ دعْ امْرًَا ونَفْسَه‏:‏ مفعول معه، ونحو ‏"‏لو تُرِكَتِ النًاقَةُ وفَصيلَها لَرَضَعَها‏"‏‏.‏ وإنَّما أرَدتَ‏:‏ ولو تُرِكَتِ النَّاقَةُ مَعَ فَصِيلِها، فالفَصيل مفْعُولٌ معه‏.‏

ووَاوُ المَعِيَّةِ - عند سيبويه - تعملُ في الاسمِ ولا تعطف على الضمير قبلها ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏ما زلْتُ وَزَيدًا حتى فَعَل‏"‏ وقال كعبُ بنُ جُعَيل‏:‏

وكانَ وإيَّاها كحرَّانَ لم يُفِق *** عن المَاءِ إذْ لاقَاهُ حتى تَقَدَّدَا

ولا يجوزُ تَقدُّمُه على عامِلِهِ، فلا تقول‏"‏وضِفَّةَ النَّهْر سِرْتُ‏"‏‏.‏

-2 الرَفْعُ بعد أنتَ وكيفَ وَمَا الاستفهامية‏:‏

تقول‏:‏ ‏"‏أنْتَ وشَأْنُك‏"‏ و ‏"‏كيفَ أنْتَ وَزَيدٌ‏"‏ و ‏"‏ما أَنْتَ وخَالِدٌ‏"‏ يَعْمَلْنَ فيما كان مَعْناه مَع - بالرَفعِ، ويُحْمل على المُبْتَدَأ، ألا تَرَى أنَّك تقول‏:‏ ‏"‏مَا أَنْتَ وَمَا زَيْدٌ‏"‏فَيَحْسُن، ولو قُلْتَ‏:‏ ‏"‏مَا صَنَعْتَ ومَا زَيْدًا‏"‏ لمْ يَحُسُن ولم يستقم، وزعموا أنَّ

ناسًَا يَقُولون‏:‏ ‏"‏كَيفَ أَنْتَ وزَيْدًا‏"‏ و ‏"‏ما أَنْتَ وَزَيدًا‏"‏ وهو قَلِيل في كَلامِ العَرب، ولم يَحْمِلُوا على ما ولاَ كَيْفَ، ولكِنَّهم حَمَلُوه على الفِعل‏.‏ وعلى النَّصْب أنْشَد بَعْضُهم - وهو أسَامةُ بنُ الحارث الهُذَلي‏:‏

فما أنا والسَّيرَ في مَتْلَفٍ *** يُبَرِّحُ بالذَّكَرِ الضَّابِط

على تأويل‏:‏ ما كنت، لم يَحْملُوا الكلامَ على ما ولا كيف، ولكنهم حَملُوه على الفعل، ومثله قولك‏:‏ ‏"‏كيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ‏"‏ التقدير عند مَنْ نَصَب‏:‏ كيف تكونُ وقَصْعَةً مِنْ ثَريد‏.‏ ‏"‏وكيف أنْتَ وزَيدًا‏"‏ قَدَّرُوه‏:‏ ما كنتَ وزيدًا‏.‏ وزَعَمُوا أنَّ الرَّاعِيَ كان يُنْشِد هذا البَيْت نصبًا‏:‏

أزْمَانَ قَومِيَ والجَمَاعَةَ كالذي *** مَنَعَ الرَّحَالَةَ أنْ تَمِيلَ مَمِيلا

‏(‏وصَفَ مَا كان من اسْتَواء الزمانِ واسْتِقَامَةِ الأُمور قبل فتنة عثمان، فإنِّ قومَه التَزمُوا الجماعةَ، وتمسَّكوا بها تمسُّك من لَزِمَ الرحالة ومَنَعها أنْ تَمِيل فتسقط‏.‏‏)‏ وقَدَّرُوه‏:‏ أزْمانَ كان قَوْمي والجماعةَ، وزَعَمَ أبُو الخَطَّاب أنَّه سَمِع بَعضَ العَرب المَوْثُوقِ بهم يُنْشِد هذا البيت نَصْبًا‏:‏

أتُوعِدُني بِقَوْمِكَ يا ابنَ حَجْل *** أُشَابَاتٍ يُخَالُون العِبَادَا

‏(‏الأُشَابات‏:‏ الأخلاط من الناس، يقولون‏:‏ نحو عباد الله، لا يكادون يضيفون الأشابات إلى الناس‏)‏

بِما جَمَعْتَ مِنْ حَضَنٍ وَعَمْرِوٍ *** وما حَضَنٌ وعمروٌ والجِيادَا

والتَّقْديرُ عندهم‏:‏ ومُلاَبَسَتِها الجِيادَا‏.‏

ومنه قولُ مِسكين الدَّارِمي‏:‏

فَمَا لَكَ والتَّلَدُّدُ حَوْلَ نجدٍ *** وقد غُصَّتْ تِهَامَةُ بالرِجَالِ

‏(‏التَّلَدُّدُ‏:‏ من تَلَدَّد‏:‏ تَلَفَّتَ يمينًا وشِمالًا وتحيَّر متُبَلِّدًا‏)‏

-3 حَالاَت الاسمِ الواقعِ بعد ‏"‏الواو‏"‏‏:‏

للاسْمِ الوَاقِعِ بعدَ الوَاوِ خمْسُ حالات‏:‏

رُجْحَانُ العَطْف، ورُجْحَانُ المَفْعُول معه، وامْتِناع العَطْف، وامْتِناعُ النَّصب على المَعِيِّة، وامْتِناع الاثْنَيْن، وهاكَ تَفصِيلَها‏:‏

‏(‏الأولى‏)‏ أنْ يَكونَ العطفُ مُمكِنًا بدُونِ ضَعْفٍ لا من جِهَةِ المَعْنى، ولا مِنْ جِهةِ اللفظ وحِينَئِذٍ فالعَطْفُ أَرْجَحُ من النَّصبِ لأَصَالَتهِ نحو ‏"‏أقبلَ الأُسْتَاذُ والتِّلْمِيذُ‏"‏ و ‏"‏جئْتُ أنا وأَخي‏"‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏35‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏الثانية‏)‏ أنْ يَكُونَ في العَطْفِ ضَعْفٌ إمَّا مِنْ جِهَةِ المعنى نحو قوله‏:‏

فكُونُوا أَنْتُمُ وبَنِي أبيكُمْ *** مَكَانَ الكُليتينِ من الطِّحَالِ

‏(‏وجْه الضعف في العطف اقتضاءُ كون بني الأب مأمُورين، والمقصود أمر المخاطبين بأن يكونوا معهم متوائمين متحابين‏)‏

أو مِنْ جِهَةِ اللفظ نحو ‏"‏اذهَبْ وصَدِيقَكَ إليه‏"‏ لضعف العطفِ على ضمير الرفعِ بلا فَصْلٍ فالنَّصبُ راجحٌ فيهما‏.‏

‏(‏الثالثة‏)‏ أن يَمْتَنِع العَطْف، ويَتَعَيَّنَ النَّصْب، إمّا لِمَانِعٍ لَفْظِي نحو‏:‏ ‏"‏مَما شَأْنُك وعَلِيًَّا‏"‏ لَعَدَمِ صِحَّةِ العَطْفِ على الضَّميرِ المَجرُور‏.‏ بدُون إِعَادة الجار‏.‏

وإمَّا لِمَانِعٍ مَعْنَوِيٍّ نحو ‏"‏حَضَر أحْمَدُ وطُلُوعَ الشَّمس‏"‏ لعدمِ مُشَارَكَةِ الطُّلوعِ لأَحْمدَ في الحُضُورِ‏.‏

‏(‏الرابعة‏)‏ أنْ يَمْتَنِع النَّصْبُ على المَعِيَّةِ وَيَتَعَيَّن العَطْفُ، وذَلِكَ في نحو ‏"‏أنْتَ وشَأْنُك‏"‏ و ‏"‏كلُّ امْرِئٍ وضَيْعَتُه‏"‏ ممّا لم يَسْبِقِ الوَاوَ فيه جُملةٌ، ونحو ‏"‏تَخَاصَمَ عَليٌّ وإبْراهيمُ‏"‏ ممّا لم يَقَعْ إلاّ من مُتَعدِّد، ونحو ‏"‏جاء محمَّدٌ وإبراهيمُ قَبْلَهُ‏"‏ مِمَّا اشْتَمَلَ على مَا يُنَافِي المَعِيَّة‏.‏

‏(‏الخامسة‏)‏ أنْ يَمْتَنِعَ العطفُ والنَّصْبُ على المعيَّة نحو قولِ‏:‏

إذا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَومًا *** وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيونا

وقَولِه‏:‏

عَلَفْتُها تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا *** حَتَى شَتَتْ هَمَّالَةً عَينَاهَا

فامْتِناعُ العَطفِ هنا لانتِفَاءِ مُشَاركةِ العُيُونِ للحَواجِبِ في التَّزْجيج، لأنَّ التَّزْجِيج للحَواجِبِ فَقَط، وانْتِفَاءُ مُشارَكَةِ الماءِ للتِّبْنِ في العَلَف، وأمَّا امتناعُ النَّصْبِ على المَعِيَّة، فلانتِفاءِ فَائِدَة الإِخْبار بمُصَاحَبَتِها في الأَوَّل، وانْتِفَاءِ المَعِيَّةِ في الثاني، وحينئذٍ فإمَّا أنْ يُضَمَّنَ العاملُ فيهما معنى فِعْلٍ آخرَ، فَيُضَمَّنُ ‏"‏زَجَّجْنَ‏"‏ معنَى‏:‏ زيَّنَّ، و ‏"‏علَّفْتُها‏"‏ معنى‏:‏ أنَلْتُها، وإمّا أنْ يُقَدَّر فِعلٌ يُنَاسِبُهما نحو‏:‏ كَحَلْنَ، وسَقَيتها‏.‏

المَقْصُورُ وإعْرَابُه‏:‏

‏(‏=الإعراب 4‏)‏‏.‏

مَكَانَكَ‏:‏

اسمُ فِعلِ أمْرٍ بمعنى اثْبُتْ، وهي كَلِمةٌ وُضِعَتْ على الوَعِيد كقَولِه تعالى‏:‏ ‏{‏مَكَانَكُم أنتُم وشُرَكَاؤُكُم‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏28‏"‏ من سورة يونس ‏"‏10‏"‏‏)‏

‏(‏=اسم الفعل 3‏)‏‏.‏

المُلْحَق بالمُثنَّى‏:‏

‏(‏=المُثنَّى 7‏)‏‏.‏

المُلحَق بجمعِ المؤنّثِ السّالم‏:‏

‏(‏=الجمعُ بألف وتاء 6 و 7‏)‏‏.‏

المُلحَق بجمعِ المُذكَّرِ السَّالم‏:‏

‏(‏=جمع المذكّر السّالم 8‏)‏‏.‏

مِمّا‏:‏

تكونُ مُرَكَّبَةً مِن ‏"‏مِنْ‏"‏ الجَارَّة، و ‏"‏ما‏"‏ الزَّائدةِ نحو‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئاتِهم أُغْرِقُوا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏25‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏ وقد تكونُ ‏"‏ما‏"‏ المتَّصلةُ بـ ‏"‏مِنْ‏"‏ مَصْدريةً نحو ‏"‏سُرِرْتُ مِمَّا كَتَبْتَ‏"‏ أي من كِتَابَتِكَ، أو منَ الذي كَتَبْتَه فَتكونُ ‏"‏ما‏"‏ مَوْصُولةً وقد تَأْتي ‏"‏مِمَّا‏"‏ كلمةً وَاحِدَةً ومَعْنَاهَا ‏"‏رُبَّما‏"‏ ومنه قولُ أبي حيَّة النُّميري‏:‏

وإنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً *** على رَأْسِهِ تُلْقِي اللسانَ منَ الفَمِ

وهذا ما قاله سيبويه والمبرِّدُ‏.‏

المَمْنُوع مِن الصرف‏:‏

-1 تعريفُه‏:‏

‏"‏الصَّرْفُ‏"‏‏:‏ هو التَّنْوينُ الدَّالُّ على أمْكَنِيَّةِ الاسمِ في باب الاسْميَّة‏.‏

و ‏"‏المَمْنُوعُ من الصَّرفِ‏"‏ هو الاسمُ المُعْرَبُ الفَاقِدُ لهذا التنوين لِمُشَابَهَتِهِ الفِعل‏.‏

-2 الممنوعُ من الصَّرفِ نَوْعَان‏:‏

ما يُمْنَع من الصَّرْفِ لِعلةٍ واحدةٍ، وما يُمْنَعُ من الصرفِ لعِلَّتين‏.‏

‏(‏أ‏)‏ الممنوع من الصرفِ لعلةٍ واحدةٍ‏:‏

أنواع ثلاثة‏:‏ ألفُ التأنيث المقصورة، وألف التأنيث المَمْمدودة، وصيغة منتهى الجموع وإليك التفصيل‏:‏

ألِف التَّأْنيث المَقْصُورة‏:‏

مِنْهَا ما يُمْنعُ من الصَّرْفِ في المَعْرِفَةِ والنكرة‏.‏

ومنها‏:‏ ما لا يَنْصرف إلاَّ بالمَعْرِفةِ‏.‏

أمَّا الأوَّلُ فنحو‏:‏ حُبْلَى وحُبَارَى، وجَمَزَى ‏(‏جمزَى‏:‏ نوع من العَدْوِ‏)‏ ودِفْلَى، وشَرْوَى ‏(‏الشروى‏:‏ المثل‏)‏ وغَضْبَى، وبُهْمَى، وجميعُ هذه الأمثلةِ ألِفُهَا للتأنيث، وكلها نكِرةٌ، ومثل ‏"‏رَضْوَى‏"‏ ‏(‏رضوى‏:‏ اسم جبل‏)‏ معرفة وذلِكَ أنَّهم أرَادُوا أنْ يُفَرِّقُوا بينَ الألِفِ التي هي للتَّأْنيث، كما قَدَّمْنَا من الأَمثلة، وبينَ الأَلِف التي هي للإِلْحَاق، وهي التي تُلْحِقُ مَا كَانَ مِنْ بَنَاتِ الثَّلاثةِ بِبَنَاتِ الأَرْبَعة‏.‏

فنحو ذِفْرَى ‏(‏الذِّفْرى‏:‏ العَظم الشاخص خلف الأذن‏)‏ اخْتَلَفَ فيها العَربُ، فأكْثَرُهم صَرَفَها لأنَّهُم جَعَلوا ألِفَها للإِلْحَاقِ، فيقُولون‏:‏ هَذِي ذِفْرىً أسِيلَةٌ فيصرفها وبعضُهم يقول‏:‏ هذِه ذِفْرَى أَسِيلَةٌ فيمُنعُها من الصرف‏.‏

وأمَّا مثلُ مِعْزىً فألِفُها للإِلْحاق، فليس فيها إلاَّ لُغَةٌ واحِدةٌ، تُنَوَّنُ في النَّكرة، وتُمْنَعُ في المَعْرِفَة‏.‏

ألف التأنيث المَمْدُودَة‏:‏

تُمْنَع من الصرف في النَّكِرةِ والمَعْرِفة، وذلك نحو‏:‏ حَمْرَاء، وصَفْرَاء، وخَضْرَاء، وصَحْرَاء، وطَرْفَاءَ ‏(‏الطرفاء‏:‏ نوع من الشجر‏)‏، ونُفَسَاءَ وعُشَرَاءَ ‏(‏العُشراء‏:‏ من النُّوق التي مَضَى لحملها عشرة أشْهُر‏)‏، وقُوَبَاءَ ‏(‏القُوبَاء‏:‏ داء معروف‏)‏ وفُقَهَاء، وسَابِيَاءَ ‏(‏السَّابِيَاء‏:‏ المَشيمة التي تخرج مع الولد‏)‏، وحَاوِيَاءَ ‏(‏حَاوِيَاء‏:‏ ما تحوَّى من الأمعاء‏)‏، وكِبْرِيَاءَ ومثلُه أيضًا‏:‏ عاشُوراء‏.‏ ومنه أيضًا‏:‏ أصْدِقَاءُ وأصْفِياء، ومنه‏:‏ زِمِكَّاءُ ‏(‏الزِمِكَّاء‏:‏ أصل ذنب الطائر‏)‏، وبَرُوكاءُ، وبَرَاكَاءُ، ودَبُوقاءُ، وخُنْفُساءُ وعُنْطُبَاءُ وَعَقْرَباءُ، وزكرياءُ‏.‏

قد جاءت في هذه الأبنية كلِّها للتأنيث أمَّا نحو عِلْبَاءٍ وحِرْبَاءٍ فَإنَّما جَاءَتْ فيهما الزائدتان الألفُ والهمزة لِتُلْحِقَا عِلْبَاءً وحِرْبَاءً بِسِرْدَاجِ وسِرْبَال، ولذلك صُرِفَا، ومن العَربِ من يقولُ‏:‏ هَذَا قُوْباءٌ، وذلك لأنَّهم ألْحَقُوه ببناء فُسْطَاط‏.‏

الجمع الموازن لـ ‏"‏مفاعِلَ، أو فَوَاعِلَ أو مَفَاعِيلَ‏"‏ مما يُمْنَعُ من الصرفِ لعلةٍ واحدةٍ هذه الأوزان‏:‏

فالأَوَّل كـ ‏"‏دَرَاهِمَ‏"‏ و ‏"‏مسَاجِدَ‏"‏ و ‏"‏شوَامِخَ‏"‏ بكَسْرِ ما بَعْد الألفِ لفظًا و ‏"‏دوَابَّ‏"‏ و ‏"‏مدَارِي‏"‏ بكَسْرِ ما بَعدَ الأَلِف تَقْدِيرًا إذْ أَصْلُهُما ‏"‏دَوَابِبْ ومَدَارِي‏"‏‏.‏

والثاني كـ ‏"‏مَصَابيحَ ودَنَانِيرَ وتَواريخ‏"‏، فيمَا ثَالِثُه أَلِفٌ، بَعْدَها ثَلاثَةُ أحْرُفٍ أوْسَطُها سَاكِنٌ‏.‏

وإذا كان ‏"‏مَفَاعِلُ‏"‏ مَنْقُوصًا فقَد تُبْدَلُ كَسْرَتُه فَتحةً فتَنْقَلِبُ يَاؤهُ ألفًا، فلا يُنَوَّنُ بِحالٍ اتِّفاقًا، ويُقدَّرُ إعْرَابُه في الأَلِف كـ ‏"‏عَذَارَى‏"‏ جمع عَذْرَاء، و ‏"‏مدَارَى‏"‏ جمع مِدْرى ‏(‏المِدْرَى‏:‏ المشط والقِرن‏)‏‏.‏

والغالِبُ أنْ تَبْقَى كَسْرَتُه، فإذا خَلا مِن ‏"‏ألْ والإِضافة‏"‏ أُجْرِي في حَالَتَي الرفْعِ والجَرِّ مُجْرَى‏:‏ ‏"‏قاضٍ وسَارٍ‏"‏ من المَنْقُوص المُنْصَرِف في حَذْفِ يائه، وثبوت تَنْوِينِه، مثل ‏"‏جَوارٍ وغَوَاشٍ‏"‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏41‏"‏ من سورة الأعراف ‏"‏7‏"‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَالفَجْرِ وليَالٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏1 و 2‏"‏ من سورة الفجر ‏"‏89‏"‏‏)‏‏.‏

أمّا في النصب فَيَجْرِي مُجْرَى‏:‏ ‏"‏دَرَاهِم‏"‏ في ظهورِ الفتحة على الياءِ في آخِرِه من غير تَنْوين نحو‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ جَوارِيَ‏"‏ قال اللَّهُ تَعالى‏:‏ ‏{‏سِيرُوا فِيها لَيَالِيَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏18‏"‏ من سورة سبأ ‏"‏34‏"‏‏)‏‏.‏

وَمَا كَانَ على وَزْنِ ‏"‏مَفَاعِلَ أو مَفَاعِيلَ‏"‏ مُفْردًا كـ‏:‏ ‏"‏سَرَاوِيل‏"‏ و ‏"‏شرَاحِيلَ‏"‏ ومثله‏:‏ ‏"‏كُشَاجِمُ‏"‏ ‏(‏من كلِّ مُرْتَجَلٍ للعلمية بوزن ‏"‏مفاعل أو مفاعيل‏"‏‏.‏‏)‏ فَمَمْنُوع من الصرف أيضًا‏.‏

‏(‏ب‏)‏ الممنوعُ من الصرف لعِلَّتين‏:‏

المَمْنُوع من الصرفِ لِعِلَّتَيْن نَوْعَان‏:‏

‏(‏أحدهما‏)‏ مَا يَمْتنِع صَرْفُه نكرةً ومَعْرِفةً وهو مَا وُضِعَ ‏"‏صِفَةً‏"‏‏.‏

‏(‏الثاني‏)‏ ما يُمْنع من الصرفِ معرفةً، ويُصرَفُ نَكِرَةً وهُوَ ما وضعَ ‏"‏عَلَمًا‏"‏‏.‏

فالأول‏:‏ الصِّفَةُ وما يَصْحَبُها من عِلَل‏:‏

تَصْحَبُ الصِّفَةَ إحْدَى ثلاثِ عِلَل‏:‏ ‏"‏زِيَادَةُ أَلِفٍ ونُونٍ في آخِره‏"‏ و ‏"‏موَازِنُ لأفْعَلَ‏"‏ أو ‏"‏مَعْدُولٌ‏"‏ وهَاكَ تَفْصِيلَها‏:‏

‏(‏1‏)‏ الصفة وزِيَادة الألف والنون‏:‏ يُشترط في هذه الصِّفة المزيدةِ بألِفٍ ونون‏:‏ ألاَّ يَقْبَلَ مُؤَنَّثُها التاءَ الدَّالَّةَ على التأنيث إمّا لأنَّ مُؤَنَّثَهُ علَى وَزْنِ ‏"‏فَعْلَى‏"‏ كـ‏:‏ ‏"‏سَكْرَان وغَضْبَانَ وَعَطْشَانَ وعجلان‏"‏ وأشْبَاهِها‏.‏ فإنَّ مُؤنَّثَاتِهَا ‏"‏سَكْرى وغَضْبَى وعَطْشى‏"‏ أو لِكَونِه لا مُؤَنَّثَ له أصلًا كـ ‏"‏لَحْيَان‏"‏ لكبير اللِّحْيَة، أمَّا مَا أَتَى على ‏"‏فَعْلاَن‏"‏ الذي مُؤنَّثُه ‏"‏فَعْلاَنَة‏"‏ كـ‏:‏ ‏"‏نَدْمَان‏"‏ ‏(‏النَّدمان‏:‏ هو النديم لا النادم، هذا وقد أحصى ابنُ مالك نظمًا ما جاء على فَعْلان ومؤنثه فعلاَنَة في اثني عشر اسمًا، وزاد آخرٌ اسمين، انظر ذلك في شرح الأشموني وحاشيته في باب ‏"‏ما لا ينصرف‏"‏‏)‏ ومُؤنثه ‏"‏نَدْمَانة‏"‏ فلا يُمْنَعُ من الصَّرْف‏.‏

‏(‏2‏)‏ وَصْفُ أفْعل إذا كانَ نَكِرَةً أو مَعْرِفةً لم يَنْصَرِفْ في مَعْرفةٍ ولا نَكِرَةٍ، وذلك لأنَّها أشْبَهتِ الأفعال‏:‏ مثل‏:‏ أَذْهَب وأعْلمُ‏.‏

وإنما لم يَنْصرفْ إذا كانَ صِفةً وهو نَكِرَةٌ فذلِكَ لأنَّ الصِّفَاتِ أقْربُ إلى الأَفْعَال، فاسْتَثْقَلُوا التَّنْوين فيه كما اسْتَثْقَلوه في الأَفْعال، وذلك نحو‏:‏ أخْضَرَ، وأحْمَرَ، وأسْوَدَ وأَبْيَضَ، وآدَرَ‏.‏ فإذا صغَّرْتَه قلت‏:‏ أخَيْضِرُ وأُحَيْمِرُ، وأُسَيْوِدُ، فهو على حاله قبل أن تُصَغِّرَهُ من قِبَلِ أن الزيادة التي أشْبَهَ بها الفِعلَ ثَابِتَةٌ مع بِناءِ الكلمة، وأشْبَهَ هذا مع الفعل‏:‏ ما أمُيْلِحَ زَيدًا‏.‏

‏(‏3‏)‏ أفْعَل إذا كانَ اسْمًا‏:‏

فما كانَ مِن الأسْماء أفْعل، فنحو‏:‏ أفْكَلٍ ‏(‏الأفْكَل‏:‏ الرِّعْدة‏)‏ وأزْمَلٍ ‏(‏الأزمَل‏:‏ كل صوت مختلِط‏)‏ وأيْدَعٍ ‏(‏الأيْدَع‏:‏ الزعفران‏)‏، وأرْبعٍ، لا تنصرف في المعرفة، لأن المعارف أثقلُ، وانْصَرَفَتْ في النَّكرةِ لِبُعْدِها من الأَفْعال، وتَرَكُوا صَرْفَها في المَعْرِفة حيث أشْبَهَتْ الفِعلَ، لِثِقَلِ المَعْرِفَةِ عندهم‏.‏

وأمَّا أوَّلُ فهوَ على أفْعل، يدلُّك على أنَّه غيرُ مَصْرُوف قَولُهم‏:‏ هو أوَّلُ مِنُه، ومَرَرْتُ بأوَّلَ مِنك ويُشْتَرطُ في الصِّفَةِ على وَزْن ‏"‏أفعل‏"‏ ألاَّ يَقْبَل التاءَ، إمَّا لأن مُؤَنَّثَه فَعْلاء كـ أحمر وحَمْراء‏.‏ أو ‏"‏فَعْلى‏"‏ كـ ‏"‏أفْضَل وفُضْلى‏"‏ أو لِكَوْنِهِ لا مُؤَنَّثَ له مثل ‏"‏آدَرَ‏"‏ للمُنْتَفِخِ الخُصْية‏.‏

أما إن كانَ وَزْنُ أَفعلَ مما يقبل التاء فلا يمنع من الصرف كرجُلٍ أرْمَل وامْرأةٍ أرْمَلَة‏.‏

وألفاظ ‏"‏أبْطَح وأجْرَع وأَبرق وأَدْهَم وأسْوَد وأرْقَم‏"‏ ‏(‏الأَبطَح‏:‏ المُنْبَطح من الوادي، الأَجْرع‏:‏ المكان المستوي، والأَبْرق‏:‏ المكان الذي فيه لَونَان، والأدهم‏:‏ القَيْد، والأَسْود‏:‏ الحية السوداء، والأَرْقم‏:‏ الحية التي فيها نُقَط سُود وبيض‏)‏ لا تُصرَف في معرفة ولا نكرة لم تختلف في ذلك العرب كما يقول سيبويه لأنَّها في الأَصلِ وُضِعتْ صِفَاتٍ، والاسْمِيَّةُ طارِئةٌ عليها‏.‏

أَمَّا أَلْفَاظُ ‏"‏أجْدَل‏"‏ اسمٌ للصَّقْر و ‏"‏أخْيَل‏"‏ لطائر ذي خِيلان ‏(‏خِيلان‏:‏ بكسر الخاء المعجمة جمع خال‏:‏ وهو النُّقط المخالفة لبقية البدن، والعرب تتشاءم بأخيل فتقول‏:‏ ‏"‏هو أشأم من أخْيل‏"‏، ويجمع على ‏"‏أخايل‏"‏‏)‏‏.‏ و ‏"‏أفْعى‏"‏ فهي مصروفةٌ في لغة الأَكثر، لأنها أسماءُ في الأصل والحال‏.‏

‏(‏3‏)‏ الصِّفَة والعَدْل‏:‏

‏(‏العدل‏:‏ هو تحويل اللفظ من هيئة إلى أخرى لغير قلب أو تخفيف أو إلحاق‏)‏

الوَصْفُ ذُو العَدْلِ نَوْعَان‏:‏

‏(‏أحدهما‏)‏ مُوازِن ‏"‏فُعال‏"‏ و ‏"‏مفْعَل‏"‏ من الواحد إلى العَشَرة، وهي مَعْدُولة عنْ ألفاظ العَدَد والأصول مكررةً، فأصل ‏"‏جاءَ القومُ أُحاد‏"‏ أي جاؤوا واحِدًَا واحِدًَا، فعَدَل عن ‏"‏واحِدٍ واحِدٍ‏"‏ إلى ‏"‏أُحَادَ‏"‏ اخْتِصارًا وتَخفيفًا، وكذا الباقي‏.‏

ولا تُسْتَعْمَلُ هذه الأَلْفَاظُ نُعوتًا نحو‏:‏ ‏{‏أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُبَاعَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏1‏"‏ من سورة فاطر ‏"‏35‏"‏‏)‏‏.‏

أَوْ أخبارًا نحو ‏"‏صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنى‏"‏ والتَّكرارُ هنا لقَصْدِ التَّوكيد، لا لإِفادَةِ التَّكرِير، إذْ لو اقْتَصَرَ على وَاحِدٍ وَفَّى بالمقصود‏.‏

‏(‏النوع الثاني‏)‏ لَفْظ ‏"‏أُخَرَ‏"‏ في نحو ‏"‏مَرَرْتُ بِنِسْوَةٍ أُخَرَ‏"‏ فهي جمعُ ‏"‏أُخْرَى‏"‏ أنْثَى آخَر، بمَعْنى مُغَايِر، وقِياسُ ‏"‏آخَر‏"‏ من بابِ اسْمِ التَّفْضِيل أنْ يكونَ مُفْردًا مُذكَّرًا مُطلقًا، في حال تجرّده من أل والإضافة ‏(‏انظر اسم التفضيل‏)‏، فكان القياسُ أن يقالَ‏:‏ ‏"‏مَرَرْتُ بامرأةٍ آخَر‏"‏ و ‏"‏برَجُلَين آخَر‏"‏ و ‏"‏برِجالٍ آخَر‏"‏ و ‏"‏بنِسَاءٍ آخَر‏"‏‏.‏ ولكنَّهم قالوا‏:‏ ‏"‏أُخْرى‏"‏ و ‏"‏أخَر‏"‏ و ‏"‏أخَرُون‏"‏ و ‏"‏أخَران‏"‏ ففي التَّنْزيل‏:‏ ‏{‏فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى‏}‏ ‏"‏الآية ‏"‏282‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏ ‏{‏فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏184‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏، ‏{‏وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏102‏"‏ من سورة التوبة ‏"‏9‏"‏‏)‏ ‏{‏فآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُما‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏107‏"‏ من سورة المائدة ‏"‏5‏"‏‏)‏ فكلُّ من هذه الأمثلة صِفةٌ ومَعْدُولةٌ عن آخِر‏.‏

وإنما خَصَّ النُّحَاةُ ‏"‏أُخَر‏"‏ بالذكر، لأنَّ ‏"‏آخَرُون‏"‏ و ‏"‏أخَران‏"‏ يُعْرَبان بالحُروف وأمّا ‏"‏آخَر‏"‏ فلا عَدْلَ فيه وامْتَنَع من الصَرْفِ للوصفِ والوَزْنِ وأمّا ‏"‏أُخْرى‏"‏ ففيها ألفُ التَّأنيث فَبِهَا مُنِعَتْ مِنَ الصَّرْفِ‏.‏

فإنْ كانتْ ‏"‏أخْرى‏"‏ بمعنى آخِرة، وهي المُقَابِلةُ للأُولَى نحو‏:‏ ‏{‏قَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْراهُمْ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏38‏"‏ من سورة الأعراف ‏"‏7‏"‏‏)‏ جُمعتْ على ‏"‏أُخَر‏"‏ مَصْروفًا، لأنَّه غيرُ مَعْدُول، ولأنَّ مُذَكَّرها ‏"‏آخِرُ‏"‏ بكسر الخاء مُقابِل أوَّل بدَليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏47‏"‏ من سورة النجم ‏"‏53‏"‏‏)‏ أي الآخرة بدَليل ‏{‏ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئ النَّشْأَةَ الآخِرَة‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏20‏"‏ من سورة العنكبوت ‏"‏29‏"‏‏)‏ فليست ‏"‏أُخْرى‏"‏ بمعنى آخرة من بابِ اسمِ التَّفضيل‏.‏

-4 ما سُمِّي به مِن الوصف‏:‏

وإذا سُمِّي بشيءٍ مِنْ هذه الأنواع الثلاثة‏:‏ الوَصْفُ المزيدُ بألفٍ ونون، والوَصْفُ الموازِنُ للفعل، والوصفُ المَعْدُول، بَقِي على مَنْعِ الصَّرف، لأنَّ الصفَة لما ذَهَبَتْ بالتَّسْمِيَةِ خَلَفَتْها العَلَمِيَّةُ‏.‏

-5 العَلَمُ وَمَا يَصْحَبُه من علل‏:‏

النوعُ الثاني لا يَنْصِفُ معرفةً وينصرفُ نَكِرَةً وهو سبعةٌ‏:‏

‏(‏1‏)‏ العَلَمُ المُرَكَّبُ تَرْكِيْبَ المَزج‏.‏

‏(‏2‏)‏ العَلَمُ ذُو الزِيَادَتَين، الألف والنون‏.‏

‏(‏3‏)‏ العَلَمُ المُؤَنَّث‏.‏

‏(‏4‏)‏ العَلَمُ الأعْجمي‏.‏

‏(‏5‏)‏ العَلَمُ المُوازِنُ للفعل‏.‏

‏(‏6‏)‏ العَلَمُ المختُومُ بألِف الإِلحاق‏.‏

‏(‏7‏)‏ المعرفةُ المعدولةُ‏.‏ ودونك تفصيلها‏:‏

‏(‏1‏)‏ العَلَمُ المركَّبُ تركيبَ مَزجٍ كـ‏:‏ ‏"‏أَزْدَشيرَ‏"‏ و ‏"‏قاضِيخَان‏"‏ و ‏"‏بعْلَبَكَّ‏"‏ و ‏"‏حضْرَ مَوْتَ‏"‏ ونحو ‏"‏عَيْضَمُوز‏"‏، و ‏"‏عنْتَريس‏"‏، و ‏"‏رامَ هُرْمُزَ‏"‏، و ‏"‏مارَ سِرجَسْ‏"‏‏.‏ الأصلُ فيه أنْ يُعرَبَ إعرابَ ما لاَ يَنصَرِفُ‏.‏

يقول جرير‏:‏

لَقِيتُم بالجزيرة خيل قَيْسٍ *** فقلتم مَارَ سَرْجِسَ لا قِتَالا

وقدْ يُضَافُ أوَّلُ جُزْأَيْهِ إلى ثَانِيهما تَشْبِيهًا بـ ‏"‏عبدِ الله‏"‏ فيُعربُ الأوَّل بحَسَبِ العَوامِلِ، ويجرّ الثاني بالإِضافة وقدْ يُبْنَى الجُزْآن على الفَتْح تَشْبيِهًا بـ‏:‏ ‏"‏خمسةَ عَشَر‏"‏‏.‏

وإنْ كانَ آخرُ الجزء الأَوَّلِ مُعْتَلًا كـ ‏"‏مَعْدِي كَرِب‏"‏ و ‏"‏قالِي قَلا‏"‏ وجب سُكُونه مطلقًا، وتُقَدَّرُ فيه الحَرَكاتُ الثلاثُ، ولا تظهَرُ فيه الفَتْحَةُ‏.‏

‏(‏2‏)‏ العَلَمُ ذُو الزيادَتَيْن‏:‏ العَلَمُ ذُو الزِّيادَتَين‏:‏ هو العَلَم المختومُ ‏"‏بألِفٍ ونُون‏"‏ مَزِيْدَتَيْنِ نحو ‏"‏حَسَّانَ‏"‏ و ‏"‏غطَفَانَ‏"‏ و ‏"‏أصْبَهَانَ‏"‏ و ‏"‏عرْيَانَ‏"‏، و ‏"‏سرْحَانَ‏"‏، و ‏"‏أنْسانَ‏"‏، و ‏"‏ضيْعَانَ‏"‏، و ‏"‏رمَضَان‏"‏ فهذه الألفاظُ وأشْباهُهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّرفِ اتِّفَاقًا لأنَّ الأَلفَ والنونَ فيها زِدَتَا مَعًا ‏(‏وإنما الزيادة من غير الزيادة بالجمع، أو بمصدر، أو مؤنث، فمثل سِرْحان فجمعه‏:‏ سراح، والضيعان مؤنثه ضَبُع، وكذلك رمضان‏:‏ من الرمضاء وهكذا وأما نحو ديوان فمصروف لأنه من دَوَّنْتُ فالنون أصلية‏)‏‏.‏

فإنْ كانتا أصْلِيَّتَيْن صُرِفَ العَلَمُ كما إذا سَمَّيْتَ ‏"‏طَحَّان‏"‏ أو ‏"‏سَمَّان‏"‏ من الطَّحنِ والسَّمْنِ وما احتَمَلَتْ النونُ فيه الزيادةُ والأَصَالَةُ ففيه وَجْهان الصَّرفُ وعَدَمُهُ كـ ‏"‏حَسَّان‏"‏ فإنْ أخَذْتَه من ‏"‏الحِسّ‏"‏ كانَتْ النُّونُ زَائِدَةً، فَمُنِعَ منَ الصَّرْفِ، وإنْ أَخَذْتَهُ من ‏"‏الحُسْن‏"‏ كانت النونُ أَصْلِيةً فصُرِفَ‏.‏

و ‏"‏أبَان‏"‏ عَلَمًا الأكثرُ أنه مَمْنُوعٌ من الصَّرفِ‏.‏

ونحو ‏"‏أُصَيْلال‏"‏ مسمىً به، مَمْنُوع من الصرف، وأصلُه ‏"‏أُصَيْلانَ‏"‏ تَصْغِير أَصِيل على غَير قِياس‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏

المَمْنُوع مِن الصرف‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ العَلَم المؤنث‏:‏

يَتَحَتَّمُ - في العَلم المؤنَّثِ - مَنْعُه من الصرفِ‏:‏

‏(‏1‏)‏ إذا كانَ بالتَّاءِ مُطلَقًا‏:‏ كـ ‏"‏فَاطِمة‏"‏ و ‏"‏طلحة‏"‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ أو زَائِدًا على الثلاث بغير تاء التأنيث كـ ‏"‏زَيْنَب‏"‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ أو ثُلاثِيًّا مُحَرَّكَ الوَسَطِ كـ‏:‏ ‏"‏سَقَر‏"‏ و ‏"‏لظَى‏"‏‏.‏

‏(‏4‏)‏ أو ثلاثيًا أعْجَميًّا ساكِنَ الوسَط‏:‏ كـ ‏"‏حِمْص‏"‏ و ‏"‏مصْر‏"‏ إذا قُصِدَ به بَلدٌ بعينه ‏(‏أما قراءة من قرأ‏:‏ ادخلوا مصرًا، فالمراد مصرًا من الأمصار‏)‏‏.‏ و ‏"‏ماه وجُور‏"‏ علمَ بَلدَتَين‏.‏

‏(‏5‏)‏ أو ثُلاَثِيًّا مَنْقُولًا مِنَ المُذكَّر إلى المُؤَنَّث كـ ‏"‏بَكْر‏"‏ اسمِ امْرأة‏.‏

‏(‏6‏)‏ أو مُذكَّرًا سَميتهُ بِمُؤَنَّثٍ على أربعةِ أحْرف فَصَاعِدًا لم يَنصرف فمن ذلك عَنَاقُ وعُقَابُ وعقرب إذا سميت به مُذَكَّرًا‏.‏

‏(‏7‏)‏ ويجوزُ في نحو ‏"‏هنْد ودَعد‏"‏ من الثُّلاثي السّاكنِ الوَسَط إذا لم يَكُنْ‏:‏ أَعْجَمِيًّا، ولا مُذَكَّر الأَصلِ‏:‏ الصَّرْفُ ومَنْعُهُ، وهو أوْلى لتَحَقُّق السَّبَبين العلميّة والتأنيث، وقد جاء بالصرف وعدمه قول الشاعر‏:‏

لم تتلفّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا *** دَعْدٌ ولم تُغْذَ دَعْدُ في العُلَبِ

‏(‏8‏)‏ أسماءُ القَبائِلِ والأحْياء ومَا يُضاف إلى الأب أو الأم‏.‏

أمَّا ما يُضَافُ إلى الآباءِ والأمّهاتِ فنحو قَولك‏:‏ هذِه بَنُو تَميمٍ، وهذه بَنُو سَلُولٍ، ونحو ذلك فإذا قلت‏:‏ هذه تَميمٌ، وهذه أسدٌ، وهذه سَلَولٌ‏.‏ فإنما تُرِيد ذلك المعنى، كل هذا على الصرف، فإن جَعَلتَ تَمِيمًا وأَسَدًا اسْمَ قَبِيلةٍ في المَوْضعَين جميعًا لم تَصْرِفْه، والدَّليل على ذلك قول الشاعر‏:‏

نَبَا الخَزُّ عن رَوْحٍ وأنْكَرَ جِلْدَهُ *** وَعَجَّتْ عَجِيجًا من جُذامَ المَطَارِفُ

‏(‏رَوَّح‏:‏ هو رَوْح بن زِنْباع سيد جذام، وكان أحد ولاة فلسطين، يَهجوه الشاعر‏:‏ بأنه إن تمكن عند السلطان ولبسم الخز فليس أهلًا، فإن الخز ينكره جلدهُ، كما تَضِج المطارف حين يلبسها روح‏)‏

وقال الأخطل‏:‏

فإن تَبْخلْ سَدُوسُ بدرهَمَيْها *** فإنَّ الريحَ طَيِّبةٌ قَبُولُ

‏(‏سأل الأخطل الغضبان بن القبعثرى في حمالة، فخيره بين ألْفين ودرهمين، فاختار الدرهمين ليحذو حذوه الشيبانيون فكلهم أعطاه إلا بني سدوس فعاتَبهم وقال‏:‏ أن تَبخلوا بدرهمين فإنَّ الريح طيبة أي قد طاب لي ركوبُ البحر والانصراف عنكم مستغنيًا‏)‏

فإذا قلتَ‏:‏ هَذه سَدُوسُ بعدمِ الصرفِ فأكْثَرُهُم يَجْعلُه اسْمًا للقَبِيلَةِ، وإذا قلتَ‏:‏ هَذه تَمِيمٌ بالصرفِ فأكْثرُهُم يجعلُه اسْمًا للأبِ‏.‏

‏(‏4‏)‏ العَلَمُ الأعجمي‏:‏

يُمْنَعُ ‏"‏العَلَمُ الأَعجمي‏"‏ ‏(‏الأعجمي‏:‏ تعرفُ عجمة الاسم بوجوه‏:‏ أحدُها‏:‏ نقلُ الأئمة‏.‏ الثاني‏:‏ خُروجُه عن أوزان الأسماء العربية كـ ‏"‏إبراهيم‏"‏‏.‏ الثالث‏:‏ أن يَعْرَى عن حُروف الذَّلاَقَة وهو خماسي أو رُباعي، وحروف الذلاقة يجمعها قولك ‏"‏مربقل‏"‏‏.‏ الرابع‏:‏ أو يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كـ‏:‏ ‏"‏الجيم والقاف‏"‏ بغير فاصل نحو ‏"‏قج‏"‏ بمعنى اهرب و ‏"‏الصاد والجيم‏"‏ نحو ‏"‏الصَّوْلَجَان‏"‏ و ‏"‏الكاف والجيم‏"‏ نحو ‏"‏السّكرُجة‏"‏‏)‏ منَ الصَّرفِ إنْ كانتْ علميتُهُ في اللغة الأعجميَّة، وزادَ على ثَلاثَةٍ كـ ‏"‏إبراهِيمَ وإسماعيلَ وإسْحَاقَ، ويَعْقُوبَ، وهُرْمُزَ، وفَيْرُوزَ وقَارونَ، وفِرْعَوْنَ، وبَطْلِيمُوسَ‏"‏ وما أشبَهها من كُلِّ اسمٍ غيرِ عربيٍّ، حتى إذا صَغَّرتَ اسْمًا من هذه الأسماءِ فَهُو على عُجْمَتِهِ، فإن كان ثلاثيًا صُرِفَ، نحو ‏"‏نُوحٍ ولُوطٍ‏"‏ ‏(‏أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة إلا ستة ‏"‏محمد وشعيب وصالح وهود ونوح ولوط‏"‏ وأسماء الملائكة كذلك إلا أربعة ‏"‏رضوان ومالك ومنكر ونكير‏"‏‏)‏ بخلافِ الأعجمي المؤنَّث كما مرَّ، وإذا سُمِّي بنحو ‏"‏لِجَامٍ، وفِرِنْدٍ‏"‏ صُرِفَ وإنْ كانَ أعْجَميَّ الأَصْلِ لِحُدُوثِ عَلَمِيَّته‏.‏

‏(‏5‏)‏ العَلَمُ المُوازِنُ للفعل‏:‏

المُعْتَبَرُ في العَلَمِ المُوَازِنُ للفعل أنواعٌ‏:‏

‏(‏أحدُها‏)‏ الوَزْنُ الذي يخُصُّ الفعل كـ‏:‏ ‏"‏أَفْكَلٍ، وأَزْمَلٍ، وأيْدَعٍ‏"‏ ‏(‏الأفْكَل‏:‏ الرَّعْدة‏.‏ والأزْمل‏:‏ الصَّوت، والأَيْدَع‏:‏ صِبعٌ أحْمر‏)‏ ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏خَضَّم‏"‏ ‏(‏يقول ياقوت في معجم البلدان‏:‏ ولم يَجئ على هذا البناء إلاَّ، ‏"‏خَضَّمُ وعَثَّرُ‏"‏ اسمُ ماء و ‏"‏بضَّمُ وشَمّرُ‏"‏ اسمُ فَرَسٍ و ‏"‏شلَّم‏"‏ موضع بالشام و ‏"‏بذَّر‏"‏ اسم ماء و ‏"‏خوَّد‏"‏ اسم موضع و ‏"‏خمَّر‏"‏ اسم موضع من أراضي المدينة‏)‏ عَلَم لمكان و ‏"‏شمَّر‏"‏ عَلَمٌ لِفرسٍ و ‏"‏دئِل‏"‏ ‏(‏ودُئِل أيضًا‏:‏ اسم لدُوَيِّبة، وما كان على صيغةِ الماضي المبني للمجهول فهو نادر‏)‏ اسمٌ لِقَبيلة، وكـ ‏"‏انْطَلَقَ واستَخْرَجَ وتَقَاتَلَ‏"‏ ‏(‏هذه أمثلة لما لا يُوجَد في غير الفعل‏:‏ صيغة الماضي المفتتح بهمزة وَصْلٍ أو تاء المُطَاوَعَة وحكم همزة الوصل في الفعل المُسمَّى به‏:‏ القطع، بخلاف همزة الوصل المنقولة‏.‏ من اسم، فإنها تبقى على وصلها كـ ‏"‏اقْتِدار‏"‏‏)‏ إذا سَمَّيْتَ بها‏.‏

‏(‏الثاني‏)‏ الوَزْنُ الذي الفِعْلُ يه أوْلَى لكونِه غَالِبًا فيه كـ ‏"‏إثْمِد‏"‏ بكسر الهمزةِ والميم، حجر الكُحْل، و ‏"‏أصْبَع‏"‏ واحِدَةِ الأصَابِعِ و ‏"‏أبْلمُ‏"‏ خُوصُ المُقْل ‏(‏المقل‏:‏ صمغ، والمقل المكي‏:‏ ثمر شجر الدُّوم‏)‏، إذا كانت أَعْلاَمًا فـ ‏"‏إثمدْ‏"‏ على وَزْنِ ‏"‏اِجْلسْ‏"‏ فعلِ الأَمْرِ مِن جَلَسَ و ‏"‏أصْبَع‏"‏ على وزن ‏"‏اذْهَبْ‏"‏ و ‏"‏أبْلمُ‏"‏ على وزن ‏"‏اكتُبْ‏"‏ فهذه المَوازِن في الفعل أكثر‏.‏

‏(‏الثالث‏)‏ الوَزْنُ الذي به الفعلُ أوْلى لكونِه مَبْدُوءًا بِزِيادَةٍ تَدُلُّ على معنىً في الفِعل، ولا تَدُلُّ على مَعْنىً في الاسم نحو ‏"‏أَفْكَل‏"‏ وهي الرِّعْدَة، و ‏"‏أكْلُب‏"‏ جمعَ كَلْب، فالهمزةُ فيهما لا تَدُلُّ على مَعنىً، وهي في مُوَازِنِهما من الفعل دَالَّةٌ على المُتكَلِّم في نحو ‏"‏أَذْهَبُ‏"‏ و ‏"‏أكْتُبُ‏"‏ فالمفتتح بالهمزة من الأفعال أصلٌ للمفتتح بها من الأسْماءِ‏.‏

ثمَّ لا بُدَّ من كَوْنِ الوزن ‏"‏لازمًا باقيًا، غير مخالفٍ لطريقةِ الفعل ‏(‏فخرج باللزوم نحو ‏"‏امرئ‏"‏ علمًا فإنَّه في النصب نظير اذهب وفي الجرِّ نظيرُ اضرِب، وفي الرفع نظير اكتب، فلم يبقَ على حَالةٍ واحدة ففارق الفعلَ بكونِ حركةِ عينه تتبع حركة لامِه والفعل لا إتباع فيه، وخرج بكونه ‏"‏باقيًا‏"‏ نحو ‏"‏رُدَّ وقيل وبيع‏"‏ بالبناء للمفعول، فإنها لم تبق على حالتها الأصلية، فإن أصلها ‏"‏فُعِل‏"‏ بضم الفاء وكسر العين ثم دخلها الإدغام والإعلال، فالإِدغام في ‏"‏رُدَّ‏"‏ والإِعلال بالنقل والقلب في ‏"‏قيل‏"‏ وبالنقل فقط في ‏"‏بيع‏"‏ وصارت صيغة ‏"‏رُدَّ‏"‏ بمنزلة صيغة ‏"‏قُفْل‏"‏ و ‏"‏قيل وبيع‏"‏ بمنزلة صيغة ‏"‏ديك‏"‏ فوجب صرفها لذلك وخرج بكونه غير مخالف لطريقة الفعل نحو ‏"‏ألبب‏"‏ علمًا جمع لب، وهو جمع قليل، وهذا ينصرف أيضًا، لأنه قد بابن الفعل بالفك، وصرفه مذهب الأخفش، وعند سيبويه يمنع من الصرف لوجود الموازنة كـ ‏"‏اكتُب‏"‏ ولأن الفكّ رجوع إلى الأصل متروك‏)‏‏.‏ ولا يؤَثّر وَزْنٌ هو بالاسم أوْلى كـ‏:‏ ‏"‏فاعل‏"‏ نحو ‏"‏كاهِل‏"‏ عَلمًا فإنه وإن وُجِد في الفِعل كـ ‏"‏ضَارِبْ‏"‏ أمْرًا من الضرب، إلاّ أنّه في الاسم أوْلى لكونِه فيه أكثر، ولا يُؤَثِّر وَزْنٌ هو فِيهما على السَّواءِ، نحو ‏"‏فَعَل‏"‏ مثل‏:‏ ‏"‏شَجَر‏"‏ و ‏"‏ضرَب‏"‏ و ‏"‏فعْلَلَ‏"‏ مثل ‏"‏جَعْفَر ودَحْرَج‏"‏‏.‏

قال سيبويه ما ملخصه‏:‏

وما يُشْبه الفعلَ المضارعَ فمثلُ اليَرْمَعِ ‏(‏اليَرْمع‏:‏ حجارة لينة رقاق بيض تلمع‏)‏ واليَعْمَلِ، ومثل أكْلُب، وذلك أنَّ يَرْمَعًا مثلُ يَذهبُ، وأكْلبُ مثل أدْخُل، ألاَ تَرَى أنَّ العربَ لم تصرِف‏:‏ أعْصُرَ ولغةٌ لبعضِ العَرب‏:‏ يَعْصُر، لا يَصْرِفونه أيْضًا‏.‏ وكلُّ هذا يُمنع من الصَّرف إذا كان عَلَمًا، ويصرفُ إذا كان نكرة‏.‏

ومما لا يَنْصرفُ لأنَّهُ يشبه الفعل‏:‏ تَنْضُبٍ، فإن التاء زائدة، لأنه ليس في الكلام شيء على أربعةِ أحرفٍ ليس أوَّلُه زائدًا من هذا البناء‏.‏

وكذلك‏:‏ التُدْرَأ، إنما هو من دَرَأْتُ، وكذلك التُّتْفَلُ‏.‏

وكذلك رجل يُسمى‏:‏ تأْلَبَ لأنَّه وزنُ تفعل‏.‏

وإذا سميتَ رجلًا بإثْمِد لم تَصْرفه، لأنَّه يُشبِه إضْربْ، وإذا سميتَ رجُلًا بإصْبَع لم تَصْرفه، لأنَّه يُشبِه إصْنَع، وإنْ سَمَّيتَه بأُبْلُم لم تَصْرِفْه لأنه يُشْبِه اقْتُلْ‏.‏

وإنَّما صارتْ هذه الأسماءُ ممنوعةً من الصَّرفِ لأن العَرَبَ كأنَّهم ليسَ أصلُ الأسماءِ عندهم على أنْ تكونَ في أولِها‏:‏ الزوائِدُ وتكون على البناء‏.‏ ألا تَرَى أنَّ تَفْعلُ ويَفْعَل في الأسماء قليل، وكان هذا البناءُ إنما هو في الأصل للفِعْل‏.‏

-6 العَلَمُ المَختومُ بألِفِ الإِلحاق‏:‏

كل ما كانَ كـ ‏"‏عَلْقى‏"‏ و ‏"‏أرْطى‏"‏ ‏(‏العلقي‏:‏ نبت، والأرطى‏:‏ شجر‏)‏ علمين يُمنع من الصَّرف، والمانعُ لهما من الصرف العلميةُ وشبهُ ألف الإِلحاق بألِفِ التأنيث، وأنهما مُلْحَقان بـ ‏"‏جَعْفر‏"‏‏.‏

-7 المعرفةُ المَعْدولة‏:‏

المعرفة المَعْدُولَةُ خمسةُ أنواع‏:‏

‏(‏أحدُها‏)‏ ‏"‏فُعَل‏"‏ في التوكيد وهي ‏"‏جُمَع وكُتَع وبُصَع وبُتَع‏"‏ ‏(‏‏"‏كُتَعْ‏"‏ من تَكَتُّعِ الجلد‏:‏ إذا اجتمع، و ‏"‏بصَع‏"‏ من البصع‏:‏ وهو العرق المجتمع، و ‏"‏بتَع‏"‏ من البتع‏:‏ وهو طول العنق وهذه الأسماء ممنوعة من الصرف للتعريف والعدل‏)‏‏.‏

فإنها على الصحيح مَعَارفُ بنيّةِ الإِضافةِ إلى ضميرِ المؤكّد، فشابهت بذلك العلم، وهي - أي‏:‏ فُعَل مَعْدُولَةٌ عن فَعْلاوات، فإن مُفْرَدَاتها ‏"‏جَمْعَاءَ وكَتْعاءَ وبَصْعَاءَ وتَبْعَاءَ‏"‏ وقياسُ ‏"‏فَعْلاَءَ‏"‏ إذا كان اسْمًا أنْ يُجْمَعَ على ‏"‏فَعْلاوات‏"‏ كَصَحْرَاء وصَحْراوات‏.‏

‏(‏الثاني‏)‏ ‏"‏سَحَر‏"‏ إذا أريدَ به سَحَرُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، واستُعمل ظَرْفًا مجرَّدًا من أل والإِضافَة كـ ‏"‏جئت يومَ الجمعةِ سَحَرَ‏"‏ فإنَّه معرفةٌ مَعْدُولةٌ عن السَّحَر‏.‏ ومثلُه‏:‏ غُدْوَةُ وبُكْرَةُ إذا جَعَلْتَ كُلَّ وَاحِدِةٍ منهما اسْمًا للحين‏.‏

‏(‏الثالث‏)‏ ‏"‏فُعَل‏"‏ عَلَمًا لمذكر إذا سُمع ممنوعًا للصرف، وليس فيه عِلَّةٌ ظاهرةٌ غيرُ العلمية كـ‏:‏ ‏"‏زُفَر وعُمَر‏"‏ ‏(‏وَرَدَ في اللغة خِمسةَ عَشَر علمًا على وزن فُعَلَ غيرُ منونة وهي‏:‏ ‏"‏عُمر وزُفَر وزُحَل ومُضَر وبُعَل وهُبَل وجُشَم وقُثَم وجُمَع وقُزَح ودُلَف وبُلَغ وحُجَى وعُصَم وهُذَل‏"‏ فعمر معدول عن عامر وزفر عن زافر وكذا الباقي‏)‏ فإنهم قَدَّروه مَعْدولًا عن فَاعل غَالبًا، لأنَّ العَلَمِيَّةَ لا تَسْتَقِلُّ بمنعِ الصَّرف، مع أنَّ صيغة فُعَل كثُرَ فيها العَدْل كـ ‏"‏غُدَرط و ‏"‏فسَق‏"‏ مَعْدولان عن غادِرٍ وفَاسِق، وكـ ‏"‏جُمَعَ وكُتَع‏"‏ معدولان عَنْ جَمْعاوات وكَتْعاوات‏.‏

أمَّا ما ورد غير علم من ‏"‏فُعَلِ‏"‏ جمعًا كـ ‏"‏غُرَف‏"‏ و ‏"‏قرَب‏"‏ أو اسم جِنس كـ ‏"‏صُرَد‏"‏ أو صِفة كـ‏:‏ ‏"‏حُطَم‏"‏ أو مَصْدرًا كـ ‏"‏هُدَى‏"‏ فهي مصروفة اتِّفَاقًا‏.‏

‏(‏الرابع‏)‏ ‏"‏فَعَالِ‏"‏ عَلَمًا لمؤنَّث كـ ‏"‏حَذامِ‏"‏ و ‏"‏قطَامِ‏"‏ في لغة تَمِيم للعَلَمِيَّةِ والعَدْل عن ‏"‏فَاعِلة‏"‏ فإن خُتِم بالراءِ كـ ‏"‏سَقَارِ‏"‏ اسمًا لماء، و ‏"‏وبَارِ‏"‏ اسْمًا لِقَبيلة، بَنَوه على الكسر‏.‏

وأهْلُ الحِجَاز يَبْنُون البابَ كلَّه على الكَسْرِ تشبيهًا له بـ ‏"‏نَزالِ‏"‏ في التَّعريف والعَدْل والتَّأنيث والوَزْن كقولِ لُجَيم بن صَعب في امْرَأَتِه حَذامِ‏:‏

إذا قَالَتْ حَذَامِ فصدِّقُوها *** فإنَّ القَولَ ما قَالتْ حَذَامِ

‏(‏الخامس‏)‏ أمسِ مُرَادًا به اليومً الذِي قَبْل يَوْمِك، ولم يُضَف، ولم يَقْتَرِنْ بالألفِ واللاَّمِ، ولم يَقَع ظَرفًا، فإنَّ بَعضَ بني تميم يَمنَع صرفَه في أحوَالِ الإِعْرابِ الثَّلاثة، لأَنَّه مَعْدُولٌ عن ‏"‏الأَمسِ‏"‏، فيقولون ‏"‏مضَى أمسُ‏"‏ بالرفع من غير تَنْوين، و ‏"‏شاهَدْت أمْسَ‏"‏ و ‏"‏ما رَأَيْتُ خالدًا مذ أَمْسَ‏"‏ بالفتح فيهما ومنه قولُ الشاعر‏:‏

لقد رأيتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا *** عَجَائزًا مثلَ السَّعَالِي خَمْسا

وجمهور بني تميم يَخُصُّ حالةَ الرفع بالمَنْع من الصرف، كقولِ الشاعر‏:‏

اعتَصِم بالرَّجاءِ إنْ عَنَّ يأسُ *** وتَنَاسَ الذي تَضمَّنَ أمسُ

ويبنيه على الكسر في حالَتي النَّصب والجر‏.‏

والحِجَازِيُّون يَبْنُونه على الكسرِ مُطْلَقًا في الرّفعِ والنصبِ والجر، مُتَضَمِّنًَا مَعْنى اللاَّم المعرِّفة، قال أسقُفُّ نَجْران‏:‏

اليومَ أعْلمُ ما يجيءُ بهِ *** وَمَضَى بفَصْلِ قَضَائِه أمس

‏"‏فأمسِ‏"‏ فاعلُ مضَى، وهو مكسور، وإنْ أرَدْتَ بـ ‏"‏أمسِ‏"‏ يومًا من الأيامٍ الماضية مُبْهمًا، أو عَرَّفْته بالإِضافَة أو بألْ، فهو مُعْرَبٌ إجْماعًا، وإنْ استَعْمَلْتَ ‏"‏أمسِ‏"‏ المُجرَّد - المُرادُ به مُعيَّن - ظَرْفًا، فهو مبنيٌّ إجماعًا‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏

المَمْنُوع مِن الصرف‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

-8 صَرفُ المَمْنوع من الصرف‏:‏

قد يَعرِضُ الصَّرْفُ لِلمَمْنُوع مِن الصرفِ لأَحدِ أَرْبعةِ أَسْباب‏:‏

‏(‏1‏)‏ أنْ يَكونَ أَحَدَ سَبَبيْهِ العَلَميَّةُ ثم يُنَكَّر فَتَزُولُ منه العَلَمِيَّة، تقولُ ‏"‏رُبَّ‏"‏ فَاطِمَةٍ، وعِمْرَانٍ، وعُمَرٍ، وَيَزِيدٍ، وإبْرَاهِيمٍ، ومَعْدي كَرِبٍ، وأَرْطىً، لَقِيتُهم‏"‏ بالجر والتنوين‏.‏

‏(‏2‏)‏ التَّصْغير المُزِيل لأحدِ السَّببين كـ‏:‏ ‏"‏ حُمَيْد وعُمَيْر‏"‏ في تَصْغِيْرَيْ ‏"‏أَحْمَد وعُمَر‏"‏

فإنَّ الوَزْنَ والعَدْلَ زَالاَ بالتَّصْغِير، فَيُصْرفانِ لزوالِ أَحَدِ السببين، وعَكْسُ ذلك نحو ‏"‏تِحْلِئ‏"‏ عَلَمًا، وهو القِشرُ الذي على وَجْهِ الأَدِيم ممّا يَلي مَنْبِتَ الشَّعَر، فإنَّه يَنْصرفُ مُكَبَّرًا، ويمنعُ من الصَّرفِ مُصَغَّرًا لاسْتِكْمَالِ العِلَّتَيْن بالتصغير، وهما العلمية والوَزْن، فإنَّه يُقالُ في تصغيره ‏"‏تُحَيْلِئ‏"‏ فهو على زِنَة ‏"‏تُدَحْرِج‏"‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ إرَادَةُ التناسب كقراءة نافع والكِسَائي ‏{‏سَلاسِلًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏4‏"‏ من سورة الدهر ‏"‏76‏"‏‏)‏ لِمُنَاسَبَةِ ‏{‏أَغْلاَلًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏4‏"‏ من سورة الدهر ‏"‏76‏"‏‏)‏ و‏{‏قَواريرًا‏}‏ لمناسَبةِ رؤوس الآي، وقِرَاءة الأعْمَش ‏{‏ولا يَغوثًا ويَعوقًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏23‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏ لِتُنَاسِبَ ‏{‏وَدًَّا ولا سُواعًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏23‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏4‏)‏ الضَّرورة إمّا بالكَسْرَة كقولِ النّابغة‏:‏

إذا مَا غَزَا بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهم *** عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدي بِعَصَائبِ

والأصلُ‏:‏ بِعَصَائِبَ بفَتح الباءِ نيابَةً عن الكَسْرة لأنَّه من مُنتهى الجُموع، وكُسِرَ للضرورة أو بالتنوين كقول امرئ القيس‏:‏

ويَومِ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ ‏"‏عُنَيْزِةٍ‏"‏ *** فَقَالَتْ لكَ الوَيْلات إنَّكَ مُرْجِلي

الأصل‏:‏ عنيزةَ، وللضَّرورة كَسَر ونوَّن‏.‏

-9 المنقوصُ الذي نظيره من الصحيح ممنوع من الصرف‏:‏

كُلُّ مَنْقُوصٍ كَانَ نَظِيره من الصَّحِيحِ الآخِرِ مَمْنُوعًا من الصرف، سَوَاءٌ أكَانَتْ إحْدَى عِلَّتَيْه العَلَمِيَّةَ أمْ الوَصْفِيَّةَ، يُعَامَل مُعَامَلة ‏"‏جَوارٍ‏"‏ في أنَّه يُنَوَّن في الرَّفْعِ والجَرِّ تَنْوِينَ العِوَض ويُنْصَب بَفَتْحةٍ من غَير تَنوين، فالأول نحو ‏"‏قاضٍ‏"‏ علَمِ امْرأة، فإنَّ نظيره من الصحيح ‏"‏كامل‏"‏ عَلَم امْرَأة، وهو ممنوع للعلمية والتَّأنيث، فَقَاضٍ كذلِكَ‏.‏

والثاني‏:‏ نحو ‏"‏أُعَيْمٍ‏"‏ وصفًا تصغير أَعْمى، فإنَّه غَيْرُ مُنْصِرِف للوَصْفِ والوَزْنِ، إذْ هُو عَلى وَزْنِ‏:‏ ‏"‏أُدَحْرِج‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏هَذا أُعَيْمٍ‏"‏ و ‏"‏رأَيْتُ أُعَيْمَى‏"‏ والتَّنْوينُ فيه عِوَض عن الياءِ المحذوفةِ‏.‏

-10 إعْرابُ المَمْنُوع مِنَ الصرف‏:‏

كلُّ مَا مَرَّ من أَنْواعِ المَمْنوع من الصَّرفِ يُرفَع بالضَّمةِ مِنْ غيرِ تنوينٍ ويُنْصَب بالفَتْحَةِ من غَير تَنْوينٍ، ويُجَرُّ بالفَتْحَةِ أيضًَا نِيَابَةً عن الكَسْرة مِنْ غير تَنْوين، إلاَّ إنْ أُضِيفَ نحو‏:‏ ‏{‏في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏4‏"‏ من سورة التين ‏"‏95‏"‏‏)‏ أو دَخَلَتْهُ ‏"‏أل‏"‏ مَعْرفةً كانَتْ نحو‏:‏ ‏{‏وَأَنْتُم عَاكِفُونَ في المَسَاجِدِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏187‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏‏.‏ أو مَوْصُولة كألْ في ‏"‏وهُنَّ الشَّافِياتُ الحَوائِمِ‏"‏ أو زائدةً كقولِ ابن مَيَّادَة يَمْدَحُ الوَلِيدَ بنَ يَزيد‏:‏

رَأَيْتَ الوَليدَ بن ‏"‏اليَزيدِ‏"‏ مُباركًا *** شَدِيدًا بأعْبَاءِ الخِلافَةِ كاهِلُه

بخفض اليزيد لِدُخول ‏"‏ال‏"‏ الزّائِدَة عَلَيه - فإنه يُعربُ بالضمَّة رَفْعًا وبالفَتْحة نَصْبًا وبالكسرة جَرًّا‏.‏

مَنْ الاسْتفهاميَّة‏:‏

نحو‏:‏ ‏{‏مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏52‏"‏ من سورة يس ‏"‏36‏"‏‏)‏‏.‏ وإذا قيل‏:‏ ‏"‏مَنْ يَفْعَلُ هذا إلاَّ زَيدٌ‏"‏ فهي ‏"‏مَنْ‏"‏ الاستفهاميّة أشرِبَتْ معنى النَّفي، ومنه‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏135‏"‏ من سورة آل عمران ‏"‏3‏"‏‏)‏‏.‏ وإذا دَخَلَ عليها حرفُ الجر لم يغيِّرها، تقُول ‏"‏بِمَنْ تَمُرُّ‏؟‏‏"‏‏.‏

وإذا قِيلَ‏:‏ رَأيتُ زَيْدًا، فَتَقُول مُسْتَفْهِمًا‏:‏ مِنْ زيدًا‏؟‏ وإذا قِيل مَرَرْتُ بزيدٍ، تقول‏:‏ مِنْ زيدٍ‏؟‏ وإذا قيل‏:‏ هذا عبدُ الله تقولُ‏:‏ مَنْ عبدُ الله‏؟‏ وهذا قولُ أهلِ الحجاز حَمَلُوه على الحكاية، يقُول سيبويه‏:‏ وسمِعْتُ عَرِبيًّا مَرَّةً يقول لرجلٍ سَأَله‏:‏ أَلَيْسَ قُرَشِيًّا فقال‏:‏ لَيْسَ بِقُرَشِيًّا، وأمَّا بَنُو تِمِيم فَيَرْفَعُونَه على كلِّ حال، يقول سيبويه‏:‏ وهو أَقَيْس القَوْلين‏.‏

مَنْ وتَثْنِيتها وَجَمْعُها إذا كُنْتَ مُستَفْهِمًا عن نَكِرةٍ‏:‏

تُثَنَّى ‏"‏مَنْ‏"‏ الاسْتِفْهَامية، وذلك إذا كُنْتَ مُسْتَفْهِمًا عَنْ نَكِرة، تقول‏:‏ ‏"‏رَأَيْت رَجُلَين‏"‏ فتقول‏:‏ مَنَيْنِ‏؟‏ كما تقول‏:‏ أيَّيْن‏؟‏ وأَتَانِي رَجُلان، فتقول‏:‏ مَنَانِ‏؟‏، وأتَاني رجَالٌ فَتَقُول‏:‏ مَنُون‏؟‏ وإذا قُلتَ‏:‏ رأيت رِجَالًا، فتقول‏:‏ مَنِينَ‏؟‏ كما تقول‏:‏ أيِّينَ‏.‏ وإذا قال‏:‏ رأيت امْرأةً، قلت‏:‏ مَنَهْ‏؟‏ كما تَقُول‏:‏ أيَّة‏.‏ وإن قال‏:‏ رَأيْتُ امْرَأَتَيْن، قلت‏:‏ مَنَيْنَ‏؟‏ كما قلت‏:‏ أيَّتَيْن، فإن قال‏:‏ رَأيْتُ نِساءً، قلت‏:‏ مَنَاتْ‏؟‏ كما قلتَ‏:‏ أَيَّاتٍ‏.‏ إلاّ أنَّ الواحِدَ يُخَالِفَ أيًّا في مَوْضِع الجَرِّ والرَّفْع، وذلك قولك ‏"‏أتاني رجُلٌ‏"‏ فتقول‏:‏ مَنُو‏؟‏ وتقول‏:‏ مَرَرْتُ برجلٍ، فتقول‏:‏ مَنِي‏؟‏‏.‏

مَنْ‏:‏

من أدوات الجزاء، ولا تكون إلا للعاقل نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يَتَّقِ الله يَجْعَلْ له مَخْرجًا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏2‏"‏ من سورة الطلاق ‏"‏65‏"‏‏)‏ فإنْ أرَدْتَ بها غيرَ العاقِلِ لم يصح وقد يدخلُ عليها حرفُ الجرِّ فلا يُغيرها عِن الجزَاء نحو‏:‏ ‏"‏بِمَنْ تؤخذْ أوخَذْ به‏"‏‏.‏

وقد تكون ‏"‏مَن‏"‏ الجزائية بمَعْنى الذي إذا قَصَدْتَ بها ذلك، حينئذٍ يرتفع ما بعدها نحو ‏"‏من يأتيني آتِيهِ‏"‏ كما يقول سيبويه وعلى ذلك قول الفرزدق‏:‏

ومن يميلُ أَمَالَ السيفُ ذِروته *** حيث التقى من حِفَافَيْ رأسة الشَّعرُ

‏(‏الذروة‏:‏ أراد به الرأس، وحِفَافا كل شيءٍ جَانِباه‏)‏

مَنْ المَوْصُولة‏:‏

وهي في الأصْل لِلعَاقل نحو‏:‏ ‏{‏وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏43‏"‏ من سورة الرعد ‏"‏13‏"‏‏)‏‏.‏

وقد تكونُ لغيرِ العاقل في ثلاث مَسَائل‏:‏

‏(‏إحْداها‏)‏ أنْ يُنَزَّلَ غيرُ العاقِلِ مَنْزِلَةَ العَاقِلِ نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏5‏"‏ من سورة الأحقاف ‏"‏46‏"‏‏)‏ وقولِ امْرِئِ القيس‏:‏

ألاَ عِمْ صَباحًا أيُّها الطَّلَلُ البَالِي *** وهَل يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخالي

فأوقَعَ ‏"‏مَنْ‏"‏ على الطَّلَل وهو غيرُ عاقِل، فدُعاءُ الأصنامِ في الآية، ونِداءُ الطَّلَل سَوَّغ اسْتعمال ‏"‏مَنْ‏"‏ إذْ لا يُدْعَى ولا يُنَادَى إلاَّ العَاقِل‏.‏

‏(‏الثانية‏)‏ أن يَجْتَمِعَ مع العَاقِل فِيما وَقَعَتْ عليه ‏"‏مَنْ‏"‏ نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَ يَخْلُقُ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏17‏"‏ من سورة النحل ‏"‏16‏"‏‏)‏ لِشُمُولِه الآدَمِيِّينَ والمَلائِكةِ والأَصْنام، ونحو قولِه تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمواتِ ومَنْ في الأَرْضِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏18‏"‏ من سورة الحج ‏"‏22‏"‏‏)‏

‏(‏الثالثة‏)‏ أنْ يَقترِنَ بالعاقِلِ في عُمُومٍ فُصِلَ بـ ‏"‏مَنْ‏"‏ الموصولةِ، نحو‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ يَمْشِي على بَطْنِهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمشِي على رجْلَيْنِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على أربع‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏45‏"‏ من سورة النور ‏"‏24‏"‏‏)‏ فَأوقعَ ‏"‏مَنْ‏"‏ على غيرِ العاقل لمَّا اخْتَلَطَ بالعَاقل‏.‏ وقدْ يُرادُ بـ ‏"‏مَنْ‏"‏ المَوصُولة المُفْردُ والمُثَنَّى والجَمْعُ والمُذَكَّر والمُؤَنَّث، فَمِن ذلك في الجَمْع قولُه عزَّ وجَلَّ‏:‏ ‏{‏ومِنْهم مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏45‏"‏ من سورة النور ‏"‏24‏"‏‏)‏ وقال الفرَزْدق في الاثنين‏:‏

تعشَّ فإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونني *** نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

وفي المؤنث قَرَأ بعضُهم‏:‏ ‏{‏وَمَنْ تَقْنُت مِنْكُنّ للَّهِ وَرَسُولِه‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏31‏"‏ من سورة الأحزاب ‏"‏33‏"‏‏)‏‏.‏

أما المفرد المذكر فكثير‏.‏

مَنْ النَّكِرةُ المَوْصُوفة‏:‏

وتَدْخُلُ عليها ‏"‏رُبَّ‏"‏ دَلِيلًا على أنَّها نَكِرَةٌ وذَلِكَ في قَوْلِ الشَّاعِر‏:‏

رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظًا قَلْبَهُ *** قَدْ تَمَنَّى ليَ مَوْتًا لَمْ يُطَعْ

واسْتَشْهد سيبويه على ذلك بقولِ عَمْرِو بنِ قَمِيئة‏:‏

يا رُبَّ من يُبْغِضُ أذْوادَنا *** رُحْنَ على بَغْضَائه واغْتَدَيْن

وظاهرٌ في البيتين أنها واقعةٌ على الآدميّين - أي للعاقل‏.‏

كما أنها وُصِفَتْ بالنَّكِرَةِ في نحو قَوْلِهِم ‏"‏مَرَرْتُ بمَنْ مُعْجِبٍ لك‏"‏‏.‏ ومِثَالُها قَوْلُ الفرزدق‏:‏

إني وإيَّاكَ إذْ حَلَّتْ بأرحُلُنَا *** كَمَنْ بَوادِيه بعدَ المَحْلِ ممْطُورِ

أي كَشَخْصٍ مَمْطُورٍ بواديه‏.‏

مِنْ الجَارَّة‏:‏

وهي من حُرُوفِ الجَرّ، وتجُرُّ الظّاهِرَ والمُضمَر نحو‏:‏ ‏{‏وَمِنْك وَمِنْ نُوحٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏7‏"‏ من سورة الأحزاب ‏"‏33‏"‏‏)‏، وزيادةُ ‏"‏مَا‏"‏ بعدها لا تكُفُّها عنِ العمل، نحو ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏25‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏ ولها خمسَة عشرَ معنىً نجتزِئ منها بسبع‏:‏

‏(‏1‏)‏ بَيَانُ الجِنْسِ نحو‏:‏ ‏{‏يُحَلّوْنَ فيها مِنْ أسَاوِرَ مِنْ ذَهَب‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏31‏"‏ من سورة الكهف ‏"‏18‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ التبعيض نحو‏:‏ ‏{‏حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏92‏"‏ من سورة آل عمران ‏"‏3‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ ابْتِدَاءُ الغَايَةِ ‏"‏المَكَانِيّةِ‏"‏ نحو‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِد الحَرَامِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏1‏"‏ من سورة الإِسراء ‏"‏17‏"‏‏)‏ و ‏"‏الزَّمَانيَّة‏"‏ نحو‏:‏ ‏{‏مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏108‏"‏ من سورة التوبة ‏"‏9‏"‏‏)‏ وقَوْلُ النّابِغَةِ يَصِفُ السُّيُوف‏:‏

تُخَيِّرْنَ مِنْ أَزْمَانِ يَوْمٍ حَلِيمَةٍ *** إلى اليَوْمِ قد جُرِّبْنَ كلَّ التَّجَارِبِ

‏(‏الضمير في ‏"‏تُخُيِّرن وجُرِّبْن‏"‏ للسيوف، و ‏"‏يوم حَليمةَ بينَ الغَساسِنة والمناذرة، وحليمة هي بنت الحارث بن أبي شمر الغساني، وحليمة هذه طيبت الفُرْسانَ تفاؤلًا بالنصر فسمَّيَ اليومُ باسمها وقِيلَ فيه المثلُ ‏"‏مَا يومُ حَلِيمةَ بسِرِّ‏"‏‏)‏

‏(‏4‏)‏ الزَّائدة، وفائِدَتُها‏:‏ التوكيد، أو التنصيص على العُمُومِ، أو تَأكِيد التَّنْصِيصِ عَليه، ولا تَكونُ زَائِدةً إلاَّ بِشُرُوطٍ ثَلاثَةٍ‏:‏

‏(‏1ً‏)‏أنْ يَسْبِقَها نَفْيٌ، أو نَهْيٌ، أو استِفْهامٌ بـ ‏"‏هَلْ‏"‏‏.‏

‏(‏2ً‏)‏ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورُها نَكرةً‏.‏

‏(‏3ً‏)‏ أَنْ يَكُونَ إمَّا فَاعِلًا نحو‏:‏ ‏{‏مَا يَأتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏98‏"‏ من سورة مريم ‏"‏91‏"‏‏)‏، أو مُبْتَدَأ نحو‏:‏ ‏{‏هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرُ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏3‏"‏ من سورة فاطر ‏"‏35‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏4‏)‏ البَدَل، نحو‏:‏ ‏{‏أَرَضِيتُم بالحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏38‏"‏ من سورة التوبة ‏"‏9‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏5‏)‏ الظَّرْفِيَّة، نحو‏:‏ ‏{‏مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏40‏"‏ من سورة فاطر ‏"‏35‏"‏‏)‏ ونحو‏:‏ ‏{‏إذا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏9‏"‏ من سورة الجمعة ‏"‏62‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏6‏)‏ التَّعليلُ نحو‏:‏ ‏{‏مِمّا خَطِيْئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏25‏"‏ من سورة نوح ‏"‏71‏"‏‏)‏‏.‏

وإذا دَخَلَتْ على ‏"‏مِنْ‏"‏ الجارَّة ياءُ المتكلم لَزِمَهَا نُونُ الوِقَاية لأَنَّ النُّونَ مِن ‏"‏مِن‏"‏ لا تَتَحوَّلُ عن سُكُونِها إلاَّ لضَرورةِ الْتِقَاءِ السَّاكنين فَنُون الوِقَاية تَقي نون ‏"‏مِنْ‏"‏ من التحرُّكِ وتُدْغَم بِنُونِ الوقَاية فتقول‏:‏ مِنِّي‏.‏

مِن ثَمَّ‏:‏

‏"‏ثَمَّ‏"‏ في الأَصْلِ مَوْضوعةٌ ظَرْفًا للمَكَانِ البَعيد، أمّا هَذَا التَعبيرُ فمعْناهُ‏:‏ مِنْ أجْلِ ذلك، والظَّرْفِيَّةُ المكانِيَّةُ هُنا مَرَادٌ بها المَكانُ المَجَازِيّ ولا تَغَيُّرَ في إعْرَابِها فـ ‏"‏ثَمَّ‏"‏ ظَرفُ مَكان مبنيٌّ على الفَتح في محلِّ جر بـ ‏"‏مِن‏"‏‏.‏

مَنْ ذا‏:‏

‏(‏=ذا 2‏)‏‏.‏

المُنَادى‏:‏

‏(‏=النداء‏)‏‏.‏

مَنَحَ‏:‏

مِنْ أخَواتِ أَعْطَى وهْي تنْصبُ مَفْعُولَيْنِ لَيْسَ أصلُهُا المبتدأ والخَبَر نحو ‏"‏مَنَحْتُ‏"‏ مُحمَّدًا دَارًا‏"‏‏.‏

‏(‏=أعطى وأخواتها‏)‏‏.‏

المَنْصُوبُ على التَّعْظيم والمَدْح‏:‏

فالأوَّل نحو قولك‏:‏ ‏"‏الحَمدُ لله أَهْلَ الحَمْدِ‏"‏ و ‏"‏المُلكُ للَّهِ أهْلَ المُلْك‏"‏ و ‏"‏الحمدُ للَّهِ الحميدَ هُوَ‏"‏ وأمّا على المدح فنحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَكِنِ الرَّاسِخُون في العِلْم مِنْهم والمُؤمِنُون يُؤْمِنُون بِمَا أُنْزِلَ إليك ومَا أُنْزِل مِنْ قَبْلِكَ والمُقِيمينَ الصلاة والمؤتون الزكاة‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏162‏"‏ من سورة النساء ‏"‏4‏"‏‏)‏ فَلو كَانَ كلُّه رفعًا كانَ جَائِزًا‏.‏

ويَصحُّ فيما يَنتصِب على التَّعظيم أيضًا النَّعْتُ لِمَا قَبْله، والقَطْعُ على الابتداء‏.‏

ونظيرُ هذا النَّصب على المَدح قول الخِرْنقِ بن هَفَّان‏:‏

لا يَبْعَدَنْ قَومي الذينَ هُمُ *** سُّمُّ العُداة وآفَةُ الجُزْرِ

النَّازِلين بكُل مُعْتَرك *** والطيِّبُونَ مَعَاقَدَ الأُزْرِ

ورفع الطَّيبين لِرَفْع سُمُّ العُداةِ في البيت قبله، وقال سيبويه‏:‏ وزَعَم يُونس أنَّ من العَرَبِ مَنْ يَقول‏:‏ النَّازِلُون بكلِّ مُعْتَركٍ، والطِّيبِينَ - أي أنه جعل الطيبين - هي المنصوبة على المدح‏.‏ ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن البر من آمن بالله‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏177‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏ إلى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏والمُوفُون بِعَهْدهم إذا عَاهَدُوا والصَّابِرين في البأساءِ والضراء‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏177‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏‏.‏

المنصوب على الذَّم والشَّتم وما أشبههما‏:‏

تقول‏:‏ ‏"‏أتاني زَيْدٌ الفَاسِقَ الخبيثَ‏"‏ لم يرد إلاّ شَتْمَة بذلك، وَقَرَأَ عَاصِمُ قَولَهُ تَعَالى‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الحَطَبِ‏}‏ بنصب حمَّالة على الذم، والقراءات الأُخرى برَفْع حَمَّالة على الخَبر لامْرَأتِه، وقال عُرْوةُ الصَّعَاليك العَبْسي‏:‏

سَقَوْني الخَمْرَ ثُمَّ تَكَنَّفُوني *** عُداةَ اللَّهِ مِن كَذِبٍ وزُورِ

وقال النابغة‏:‏

لَعَمْري وما عَمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ *** لَقَد نَطَقَتْ بُطْلًا عَليَّ الأقَارِعُ

‏(‏الأقارع‏:‏ هم بنو قريع من بني تميم‏)‏

أقَارِعُ عَوْفٍ لا أُحَاوِل غَيْرَها *** وُجُوهَ قُرُودٍ تَبْتَغِي مَنْ تُجَادِع

‏(‏تجادع من المُجادعة‏:‏ المُشَاتمة، وأصلها من الجَدع‏:‏ وهو قطع الأنف والأذن‏)‏

وقال الفَرَزْدَق‏:‏

كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وخَالَةٍ *** فَدْعَاءَ قد حَلَبَتْ عَليَّ عِشَاري

‏(‏الفَدْعاء‏:‏ معوجة الرسغ من اليد والرجل، والعشراء‏:‏ الناقة حملت عشرة أشهر، يصف نساء جرير بأنهن راعيات له يَحْلُبن عِشَارة‏)‏

شَغَّارةً تَقِذ الفَصِيل بِرجْلِها *** فَطَّارةً لِقَوَادِمِ الأَبْكارِ

‏(‏الشَغَّارة‏:‏ التي تَرْفَعُ رِجْلها تضرب الفَصيل لتمنعَهُ الرضاع تقذ‏:‏ من الوقذ‏:‏ وهو أشدُّ الضرب فطارة‏:‏ من الفِطْر وهو القَبْضُ على الضرعِ‏)‏

المَنقُوصُ وإعْرَابُه‏:‏

‏(‏=الإعراب 4‏)‏‏.‏

مَه‏:‏

اسْمُ فِعلِ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ ومَعْنَاه اكْفُفْ عمّا أنْتَ فِيه، وإذا نَوَّنْتَهُ فَمَعْنَاهُ انْكَفِفْ انْكِفَافًَا ما في وَقْتِ مَا‏.‏

وهي لاَزِمَةٌ غيرُ مُتَعَدِّية‏.‏

مَهْمَا الجازِمةُ لفعلين‏:‏

هي اسمٌ على أشْهر الأقوال، لأنَّ الضميرَ عادَ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَهْمَا تَأتِنا به آية لِتَسْحرنا بها‏}‏ وهي ها من بها، وهي بسيطة لا مُرَكَّبة من مَه ومَا الشرطيّة‏.‏

‏(‏=جوازم المضارع 6‏)‏‏.‏

المَهْمُوزُ مِنَ الأَفْعَال‏:‏

-1 تعريفُه‏:‏

هُوَ مَا كَانَ أحَدُ حُرُوفِه الأَصْلِيَّة هَمْزةً نحو ‏"‏أَخَذَ‏"‏ و ‏"‏سأَلَ‏"‏ و ‏"‏قرَأَ‏"‏‏.‏

-2 حُكْمُه‏:‏

المَهْمُوزُ كالسَّالم ‏(‏=السالم من الأفعال‏)‏ إلاَّ أنَّ الأمرَ مِمَّ همزته في الأول بحذفِها، فالأمرُ مِنْ ‏"‏أخَذَ‏"‏ و ‏"‏أكَلَ‏"‏‏:‏ ‏"‏خُذْ‏"‏ و ‏"‏كلْ‏"‏ فتُحْذَفُ هَمْزَتُهُ مُطْلَقًا وكذلِكَ تُحْذَفُ الهَمْزَةُ في الأَمْرِ إذا كَانَتْ وَسَطًا فالأَمر من ‏"‏سَألَ‏"‏ سَلِْ، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَلْ بَني إسْرائِيلَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏211‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏‏.‏

ويَجُوزُ الحَذْفُ وعَدَمُهُ إذا سُبِقَا بِشَيءٍ نحو‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لهُ‏:‏ مُرْ أوْ أمُرْ‏"‏‏.‏

و ‏"‏قلْتَ له‏:‏ سَل أو اسْألْ‏"‏‏.‏

وأمَّا المُضَارِعُ والأَمْرُ مِن‏:‏ ‏"‏رَأى‏"‏ فَتُحْذَفُ العَيْنُ مِنْهُما تَقُولُ في المُضَارِع ‏"‏يَرَى‏"‏ وفي الأمر ‏"‏رَهْ‏"‏ بإلْحَاقِ هَاءِ السَّكْتِ لِبَقَائِهِ على حَرْفٍ واحِدٍ‏.‏

وإذا تَوَالى في أوَّلِهِ همزتان وسُكِّنَتْ ثانِيَتُهما تُقْلَبُ مَدًّا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ الأولى نحو ‏"‏آمَنْتُ أُومِنُ‏"‏ ونحو ‏{‏إِيلاَفِ‏}‏‏.‏

مَهْيَمْ‏:‏

كلمةٌ يُسْتَفْهم بها، أي ما حالُك ومَا شَأْنُكَ، أو ما وَرَاءَك‏؟‏ أو أحَدَثَ لك شيءٌ‏؟‏ ومنه الحديث‏:‏ أنَّه رأى - أي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - على عبد الرحمن بن عَوْف وَضَرًا من صُفْرة فقال‏:‏ ‏(‏مَهْيَمْ‏)‏ قال‏:‏ تَزَوجتُ امْرأةً من الأَنْصار على نَوَاةٍ من ذَهَبٍ، فقال‏:‏ ‏(‏أَوْلمْ ولو بشَاةٍ‏)‏، وهي كلمةٌ يَمانيَّة، وإعرابها‏:‏ اسمُ فعل أمر مبنيٌّ على السكون؛ بمعنى أخْبروني، وليس في العربية على وَزْن مَهْيَمْ إلاَّ مَرْيم‏.‏

المَوْصُول‏:‏

ضَرْبان‏:‏

‏(‏1‏)‏ مَوْصُولٌ اسمي‏.‏

‏(‏2‏)‏ مَوْصُولٌ حَرْفي‏.‏

‏(‏=في حرفهما‏)‏‏.‏

المَوْصُولُ الاسمي‏:‏

-1 تعريفُه‏:‏

كُلُّ اسمٍ افتَقَرَ إلى الوَصْلِ بجُمْلةٍ خَبَرِيَّةٍ أو ظَرْفٍ أو جَارٍّ ومَجْرُور تَامَّيْنِ، أو وَصْفٍ صَرِيحٍ، وإلى عائِدٍ أو خَلَفِه‏.‏

-2 المَوْصُولُ الاسمِيّ ضَرْبان‏:‏

‏(‏1‏)‏ نَصٌّ في مَعْنَاه‏.‏

‏(‏2‏)‏ مُشْتَرَك‏.‏

‏(‏1‏)‏ المَوْصُول النص في معناه ثمانيةٌ وهي‏:‏ ‏"‏الَّذي، الَّتي، اللَّذان، اللَّتَان، الأُلَى، الَّذين، اللاَّتي، اللاَّئي‏"‏‏.‏ ولكلٍ منها كلامٌ يخصه‏.‏

‏(‏=في أحرفها‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ المَوْصُولُ الاسمي المشترك ستَّةٌ وهي ‏"‏مَنْ، ما، أَيّ، أَلْ، ذُو، ذَا‏"‏ ولكل منها كلام يخصه‏.‏ ‏(‏=في أحرفها‏)‏‏.‏

-3 صِلَةُ المَوْصُولِ والعَائد‏:‏

كُلُّ المَوْصُولاتِ تَفْتَقِرُ إلى صلةٍ مُتَأخِّرةٍ عَنْها، مُشْتَمِلَةٍ على ضميرٍ مُطابقٍ ‏(‏إنما تَلزَم المطابقة فيما يُطابق لفظُه معناه من الموصولات كالذي وأخواته، أما ‏"‏مَنْ ومَا‏"‏ إذا قُصِد بهما غيرُ المُفْرد المذكر فيجوز فيهما حينئذ وَجْهان‏:‏ مُرَاعَاة اللَّفْظ وهو الأكْثر نحو ‏{‏ومِنْهم من يَسْتمع إليك‏}‏ ومَرَاعاة المَعْنى نحو ‏{‏ومِنْهُم من يَسْتَمعون إليك‏}‏ ويَجْري الوَجْهان في كلِّ ما خَالف لفظُه مَعْنَاه كأسْمَاء الشرط والاسْتِفهام، إلا أل المَوْصُولة فَيَراعَى مَعْناها فَقط لِخَفَاءِ مَوْصُولِيَّتها - هذا إذا لم يَحْصُل لَبْس، وإلا وَجَبَتْ المُطَابَقَة نحو‏:‏ ‏"‏تَصَدَّقْ على مَنْ سَأَلَتْكَ‏"‏ ولا تَقُل مَنْ سَأَلك‏:‏ أو لقُبحِ كـ‏:‏ ‏"‏جاء مَن هي بَيْضاء‏"‏ ولا تَقُل‏:‏ هو لتَأنيث الخبر، ويترجح إن عَضَده سابق كقول جران العَوْد‏:‏

وإنَّ مِنَ النِّسْوانَ مَن هي رَوْضةٌ *** تَهِيج الرياض قَبْلها وتُصَوِّحِ لها

إفرادًا وتثنيةً وجمعًا وتذكيرًا وتأنيثًا، والأكثرُ مراعاةُ الخَبَر في الغيبةِ والحُضُور فَتَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَنَا الَّذي فَعَل‏"‏ لا فَعَلْتُ‏.‏ ولا يَجُوزُ الفصْلُ بين الصِّلةِ والمَوصُولِ إلاَّ بـ ‏"‏النداء‏"‏ كقول الشاعر‏:‏

تَعَشَّ، فإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُني *** نكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئب يَصْطَحِبَانِ

-4 صلةُ الموصُول‏:‏

تكونُ صلةُ الموصُول‏:‏

‏(‏1‏)‏ إمَّا جُمْلَةً،

‏(‏2‏)‏ وإمَّا شِبهَ جُمْلَةٍ‏.‏

‏(‏أ‏)‏ أمَّا الجملةُ فشَرْطُها أنْ تكونَ ‏"‏خَبَرِيَّةً‏"‏ فلا تكونُ أمْرًا ولا نَهْيًا، و ‏"‏غيْرَ تَعَجُّبِيَّةٍ‏"‏ فلا يَصِحُّ جاءَ الذي مَا أَفْهَمَه، و ‏"‏غير مُفْتَقِرَةٍ إلى كَلاَمٍ قَبْلَها‏"‏ فلا يَصِحُّ‏:‏ جاءَ الَّذي لكنَّهُ قائمٌ، و ‏"‏معْهُودَةٌ للمُخَاطَب‏"‏ إلاَّ في مَقَامِ التهويل والتَّفْخِيم فيَحسنُ إبْهَامُها نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَوْحَى إلى عَبْدِه مَا أَوْحَى‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏10‏"‏ من سورة النجم ‏"‏53‏"‏‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَغشَّاها مَا غَشّى‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏54‏"‏ من سورة النجم ‏"‏53‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏ب‏)‏ وأمّا شِبْهُ الجُمْلَةِ فهو ثلاثة‏:‏

‏(‏1‏)‏ الظَّرْفُ المكانيُّ نحو ‏"‏جَاءَ الَّذِي عِنْدَكَ‏"‏ ويتعَلَّقُ باستَقَرَّ مَحذُوفَةً‏.‏

‏(‏2‏)‏ الجارُّ والمجرور نحو ‏"‏جَاء الَّذِي في المَدْرسةِ‏"‏ ويتعلَّقُ أيضًا باسْتَقَرَّ محذُوفَةً‏.‏

‏(‏3‏)‏ الصِفَةُ الصَّرِيحَةُ أيْ الخَالِصةُ للوَصْفِيَّة، وتَخْتَصُّ بالألِفِ واللاَّمِ نحو ‏"‏جَاء المُسافِرُ‏"‏ و ‏"‏هذا المَغْلُوب على أَمْرِهِ‏"‏ بخلاف ما غَلبتْ عليهِ الاسْميَّةُ كـ ‏"‏الأجرع‏"‏ ‏(‏الأجرع‏:‏ في الأصلِ وصف لكل مكان مُستوٍ فَسُمِّي به الأرض المُسْتوية من الرمل‏)‏ و ‏"‏الأبطَح‏"‏ ‏(‏الأَبْطح في الأصل‏:‏ وصْفٌ لكل مَكانٍ مُنْبَطح من الوادي، ثم غَلَبت على الأرض المتَّسعة‏)‏ و ‏"‏الصَاحِب‏"‏ ‏(‏الصاحب‏:‏ في الأصل وصف للفاعل ثم غلب على صاحب الملك‏)‏‏.‏

وقد تُوصَل ‏"‏أل‏"‏ بمُضَارِع للضَّرُورَة كقَول الفَرَزْدَق يَهْجُو رَجلًا من بني عُذْرة‏:‏

ما أنْتَ بالحكمِ التُرْضَى حُكُومَتُه *** ولا الأصيلِ ولا ذِي الرأي والجَدَلِ

-5 حذفُ الصلة‏:‏

يجوزُ حَذْفُ الصِّلَةِ إذا دَلَّ عليها دَليل، أو قُصِدَ الإِبْهام ولم تكنْ صِلَةَ ‏"‏أل‏"‏ كقولِ عَبِيد بن الأَبْرص يُخَاطِبُ امرئ القيس‏:‏

نحْنُ الأُلى فاجْمَعْ جُمُو *** عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إلَيْنا

أي نحْنُ الألى عُرِفُوا بالشَّجَاعَةِ والثاني كقَولهم ‏"‏بَعْدَ اللَّتَيَّا والَّتي‏"‏ أيْ بعْدَ الخِطَّة التي من فَظَاعَةِ شَأْنِها كَيْتَ وكَيْتَ، وإنَّما حَذَفُوا ليُوهِمُوا أنها بَلَغَتْ مِنَ الشِّدَّةِ مَبْلَغًَا تَقَاصَرَتِ العِبَارَةُ عَنْ كُنْهِهِ‏.‏

-6 حَذفُ العَائِد‏:‏

يُحذفُ العَائدُ بشَرْطٍ عَامٍ، وشُروطٍ خاصةٍ، فالشَّرْطُ العَامُّ‏:‏ ألاَّ يَصِحَّ الباقي بَعْدَ الحَذْفِ لأنْ يكُونَ صلةً، وإلاَّ امْتَنَعَ حذفُ العَائِد، سواءٌ أكانَ ضميرَ رفعٍ أمْ نصبٍ أمْ جَرّ مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهوَ الَّذي في السَّماءِ إِلهٌ‏}‏ الآتي قريبًا‏.‏

والشُّروط الخاصَّة‏:‏ إمّا أنْ تَكُونَ خَاصةً بضميرِ الرَّفْعِ، أو خَاصَّةً بضمير النَّصب، أو خَاصَّةً بضمير الجر‏.‏

‏(‏1‏)‏ فالخاصةُ بضميرِ الرفع أنْ يكونَ مُبْتَدأ خَبَرُهُ مفردٌ نحو‏:‏ ‏{‏وَهوَ الَّذي في السَّمَاءِ إِلهٌ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏84‏"‏ من سورة الزخرف ‏"‏43‏"‏‏.‏ فـ ‏"‏إله‏"‏ خبر مبتدأ محذوف تقديره‏:‏ هو إله وذلك المبتدأ هو العائد و ‏"‏في السماء‏"‏ متعلق بإله لأنه بمعنى مَعْبود‏)‏ أي هُوَ إله في السَّماء أي مَعْبود، فلا يُحذَفُ في نحو ‏"‏جَاءَ اللَّذانِ سَافَرا أمْسِ‏"‏ لأَنَّهُ غيرُ مُبتدأ، ولا في نحو ‏"‏يَسُرُّني الذي هُوَ يَصدُقُ في قَوْله‏"‏ أو ‏"‏الَّذي هوَ في الدَّار‏"‏ لأنَّ الخَبَر فيهما غَيْرُ مُفرَد، فإذا حُذِفَ الضَّميرُ لم يَدُلّ دَلِيلٌ على حَذْفِهِ، إذِ البَاقي بعدَ الحذفِ صَالِحٌ لأَنْ يكونَ صِلَةً‏.‏ ولا يكثُرُ الحَذْفُ للضَّمِيرِ المَرْفُوعِ في صِلَةٍ غيْرِ ‏"‏أيّ‏"‏ إلاَّ إنْ طالتِ الصِّلةُ ‏(‏إمَّا بِمَعْمول الخَبَر، أو بغيره، ويستثنى من اشتراط الطول ‏"‏ولا سيما زيدٌٍ‏"‏ فإنهم جوزوا في زيد إذا رفع أن تكون ‏"‏ما‏"‏ موصولة، وزيد خبر مبتدأ محذوف وجوبًا والتقدير‏:‏ ولاسِيَّ الذي هو زيد، فحذف العائد وجوبًا ولم تطل الصلة ‏(‏=ولا سيما‏)‏‏)‏ مثل الآية‏:‏ ‏{‏وهُوَ الَّذِي في السَّماءِ إلهٌ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏84‏"‏ من سورة الزخرف ‏"‏43‏"‏‏)‏ وشَذَّ قولُ الشّاعر‏:‏

مَنْ يُعْنَ بالحَمْدِ لم يَنْطِقْ بما سَفَهٌ *** ولا يَحِدْ عن سَبيلِ الحِلْمِ والكَرَمِ

‏(‏المعنى‏:‏ من يرغب في حمد الناسِ له لا ينطق بالسّفه‏.‏ الخ‏)‏

وتَقْدِيرُه ‏"‏بالَّذي هُوَ سَفَهٌ‏"‏، وشَذَّتْ أيضًا قِراءةُ يَحيى بن يَعْمَر ‏{‏تَمَامًا على الَّذِي أحْسَنُ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏154‏"‏ من سورة الأنعام ‏"‏6‏"‏ والقراءة المشهورة‏:‏ أحسن بفتح النون‏)‏‏.‏ بضم النون في أحسنُ أي على الذي هُوَ أحسن‏.‏

‏(‏2‏)‏ والخَاصُّ بضَميرِ النَّصْب أن يَكونَ ضَمِيرًا مُتَّصلًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ تامٍّ، أو وَصْفِ غيرِ صلةِ ‏"‏ال‏"‏، فالأَوَّل نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ ومَا يُعْلِنُونَ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏77‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏ أي مَا يُسِرُّونه وَمَا يُعْلِنُونَه، والثاني نحو قول الشّاعر‏:‏

ما اللَّهُ مُولِيكَ فَضلٌ فاحْمَدَنْه به *** فَمَا لَدَى غَيْرِهِ نَفْعٌ ولا ضَرَرٌ

التقدير‏:‏ الذي اللَّهُ مُولِيكَهُ فَضْل، فالمَوْصُولُ مُبْتَدأ، وفَضْلٌ خَبَر، والصلة‏:‏ اللَّهُ مُولِيكَ، فلا يُحذَفُ العائدُ في نحو قولِكَ ‏"‏جاءَ الذي إيَّاهُ أكْرَمْتَ‏"‏ لأنَّ الَّذي إنَّهُ فَاضِلٌ‏"‏ أو ‏"‏كَأنَّه أسَدٌ‏"‏ لِعَدْمِ الفِعْلِيّة في الصّلة فيهما، ولا في نحو ‏"‏رأيتُ الَّذي أَنَا الضَّارِبةُ‏"‏ لكونه صِلَةَ أل، وشّذَّ قولُ الشّاعِر‏:‏

مَا المُستَفِزُّ الهَوى محمُودث عَاقِبَةٍ *** ولَوْ أُتِيحُ له صَفْوٌ بلا كَدَرِ

‏(‏المعنى‏:‏ الذي يستخفه الهوى لا تحمد عاقبته‏)‏

لأنَّهُ حُذِفَ عَائِدُهُ مع أنّهُ وَصْفٌ صِلَةٌ لـ ‏"‏أل‏"‏ والتَّقْدير‏:‏ المُسْتَفِزُّه‏.‏

‏(‏3‏)‏ والخَاصُّ بالمَجْرُورِ، إنْ كانَ جَرُّهُ بالإِضَافَةِ اشْتُرِطَ أنْ يكونَ الجَارُّ اسْمَ فاعلٍ مُتَعَدِّيًا بمعْنى الحَالِ أو الاسْتِقْبَالِ، أو اسْمَ مَفْعول مُتَعدِّيًا لاثنين نحو‏:‏ ‏{‏فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏72‏"‏ من سورة طه ‏"‏20‏"‏‏)‏‏.‏ أي قَاضِيه، ونحو ‏"‏خذِ الذي أَنْتَ مُعْطىً‏"‏ أي مُعْطَاهُ‏.‏ بِخِلاَفِ ‏"‏حَضَرَ الَّذي سَافِرَ أخُوهُ‏"‏ و ‏"‏أنَا أمْسِ مُوَدِّعُه‏"‏ لأنَّ الأَوَّل في كلمة ‏"‏أَخُوه‏"‏ ليسَ اسمَ فَاعِلٍ ولا مَفْعول، والثاني ‏"‏مُوَدِّعُه‏"‏ ليس للحال أو المستقبل‏.‏

وإنْ كانَ جَرُّهُ بالحرفِ اشتُرِطَ جَرُّ المَوْصُول، أو المَوْصُوف بالمَوْصُول بِحَرْفٍ مثلِ ذلكَ الحَرْفِ لَفْظًا ومَعْنى، أو مَعْنىً فَقَط، واتِّفاقُهما مُتَعلَّقًا نحو قولِه تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَشْرَبُ ممَّا تَشْرَبُون‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏33‏"‏ من سورة المؤمنون ‏"‏23‏"‏‏)‏‏.‏ أي منه، حُذِفَ العائِدُ مع حَرْفِ جرِّه وهو ‏"‏من‏"‏ وقول كعبِ بنِ زهير‏:‏

لا تَرْكَنَنَّ إلى الأمْرِ الذي رَكَنَتْ *** أَبْناءُ يَعصُرَ حينَ اضْطَرَّها القَدَرُ

‏(‏الأمر هنا‏:‏ هو فرارهم من القتال، ويعصر‏:‏ أبو قبيلة من باهلة‏)‏

أيْ الَّذِي ركَنَتْ إلَيْهِ‏.‏ وظاهرٌ استيفاءُ الشروطِ‏.‏ بالمثالَيْنِ فقد حُذِفَ العَائدُ مع حَرْفِهِ الَّذِي هو مِثْلُ الحَرْفِ الدَّاخِلِ على المَوْصُولِ والفِعلانِ متَّفِقَانِ لَفْظًا ومعنىً‏:‏ يَشْربُ وتَشْرَبُون، وتَرْكَنَنَّ ورَكَنَتْ في البيت، ومُتَعَلَّق الجارَّيْنِ واحِدٌ‏.‏

المَوْصُولُ الحَرْفي‏:‏

-1 تعريفه‏:‏

هو كلُّ حَرْفٍ أُوِّلَ مع صِلتِهِ بمَصْدَر، ولم يَحْتَجْ إلى عائد‏.‏

-2 حُرُوفُه ستة‏:‏

‏(‏1‏)‏ ‏"‏أنْ‏"‏ وتُوصَل بالفِعْل المتصرف مَاضِيًا كانَ أو مُضَارِعًا أو أمْرًا نحو‏:‏ ‏{‏وأنْ تَصُوموا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏184‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏‏.‏ ‏(‏=أنْ‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ ‏"‏أنَّ‏"‏ وتُؤوَّلُ بمصدرِ خبرِها مُضَافًا لاسمها إن كانَ مُشْتَقًَّا وتُؤوَّل بـ ‏"‏الكَوْن‏"‏ إن كانَ جَامِدًا أو ظَرْفًا نحو ‏"‏أَيسرُّكَ أني أتَيْتُكَ‏"‏ التقدير‏:‏ أيَسُرك إتْياني إليك وتقول‏:‏ ‏"‏بلغني أنَّ هذا عليٌّ‏"‏ التقدير‏:‏ بلغني كونه عليًّا ‏(‏=أنَّ‏)‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ ‏"‏ما‏"‏ سواءٌ أكانَتْ مصدريَّةً ظَرْفِيَّةً أمْ غيرَ ظَرْفِيَّة، وتُوصَلُ بالمَاضِي والمُضَارِعِ المُتَصَرِّفَين، وبالجملة الاسْمِيَّة، ويقلُّ وصلُها بالجامد، ويَمْتَنِع بالأَمْرِ نحو‏:‏ ‏{‏بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏26‏"‏ من سورة ص ‏"‏38‏"‏‏)‏ أين بِنسْيَانِهم‏.‏

والمَصْدَرِيَّة الظَّرْفية نحو ‏"‏أنا مُقِيمٌ مَا أَقَمْتَ‏"‏‏.‏ أي أَنَا مُقِيمٌ مُدَّةَ إقَامَتِكَ‏.‏

‏(‏4‏)‏ ‏"‏كَيْ‏"‏ وتُوصَلُ بالمُضَارِعِ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ تَدْخُلَ عليها اللاَّمُ لفظًا أو تَقْديرًا نحو‏:‏ ‏{‏لِكَيْلا يَكُونَ على المُؤْمِنينَ حَرَجٌ‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏37‏"‏ من سورة الأحزاب ‏"‏33‏"‏‏)‏ التقدير‏:‏ لِعَدَمِ كَوْنِ حَرَجٍ على المُؤْمِنِينَ ‏(‏=كي‏)‏‏.‏

‏(‏5‏)‏ ‏"‏لَوْ‏"‏ ولا تَقع غَالبًا إلاَّ بعدَمَا يُفِيدُ التَّمَني نحو وَدَّ وحَبَّ، وتوصَلُ بالماضي والمُضارع المُتَصرِّفَيْن نحو‏:‏ ‏{‏يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏96‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏2‏"‏‏)‏ التَّقْدير‏:‏ يودُّ تعميرَ ألْفِ سنة‏.‏ ‏(‏=لو‏)‏‏.‏

‏(‏6‏)‏ ‏"‏الذي‏"‏ وهي أكثر ما تكون مَوْصولًا اسميًّا، وقد تَكونُ مَوْصولًا حَرْفيًا نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخُضْتَمْ كالَّذي خَاضُوا‏}‏ ‏(‏الآية ‏"‏70‏"‏ من سورة التوبة ‏"‏9‏"‏‏)‏، التقدير‏:‏ وخُضْتُمْ كَخَوْضِهِمْ‏.‏ ‏(‏=الَّذي‏)‏‏.‏

وقد يُسَمَّى المَوْصُولُ الحَرْفي‏:‏ التَّأويلَ بالمصدر، وحُروفُه‏:‏ الحروف المَصدريّة‏.‏

مَهْمَا‏:‏

مِن أدَواتِ الجَزاءِ تَجْزِمُ فِعْلين، ويقولُ سيبويه‏:‏ سألتُ الخليلَ عن ‏"‏مَهْمَا‏"‏ فقال‏:‏ هي ‏"‏ما‏"‏ أُدْخِلَتْ معها ‏"‏مَا‏"‏ لَغْوًا، بمنزلتها مع ‏"‏مَتَى‏"‏ إذا قلت‏:‏ ‏"‏متى ما تأتِني آتِكَ‏"‏، وبمنزلتها مع ‏"‏إن‏"‏ إذا قُلْتَ‏:‏ ‏"‏إمَّا تَأْتِني آتِك‏"‏ ولكنَّهم اسْتَقْبَحوا أنْ يُكرِّرُوا لَفْظًا واحدًا فيقولوا ‏"‏مَاما‏"‏ فابْدَلُوا الهَاءَ مِنَ الألف التي في الأولى‏.‏

مَيْدَ‏:‏

‏(‏=بَيْدَ‏)‏‏.‏

المُؤَنَّثْ والمُذَكَّر‏:‏

‏(‏=التأنيث والتذكير‏)‏‏.‏