فصل: بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

المتن

سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا وَهُوَ الْقُنُوتُ، وَقِيَامُهُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، أَوْ قُعُودُهُ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ سَجَدَ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏:‏ وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ إنْ لَمْ يَبْطُلُ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، وَإِلَّا سَجَدَ إنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَثِيرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يَبْطُلُ عَمْدُهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَفَاتِحَةٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا‏:‏ مَا لَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ

الشرحُ

بِالتَّنْوِينِ فِي مُقْتَضَى سُجُودِ السَّهْوِ وَحُكْمِهِ وَمَحَلِّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالسَّجَدَاتُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ ثَلَاثٌ‏:‏ سُجُودُ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ ‏(‏سُجُودُ السَّهْوِ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ‏(‏سُنَّةٌ‏)‏ لِلْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِيهِ وَلِيَجْبُرَ خَلَلَهَا الْحَاصِلَ عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ فِي التَّنْبِيهِ قَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ سَابِقٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ، وَقَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَى سُجُودِ الشُّكْرِ لِكَوْنِهِ يُفْعَلُ فِيهَا وَخَارِجَهَا، وَسُجُودُ الشُّكْرِ لَا يُفْعَلُ إلَّا خَارِجَهَا، وَهُوَ لُغَةً‏:‏ نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ ‏(‏عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ‏)‏ مِنْ الصَّلَاةِ ‏(‏أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ‏)‏ فِيهَا وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِيهِمَا فِيمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُسَنُّ السُّجُودُ لِكُلِّ تَرْكٍ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا لِكُلِّ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَإِنَّهُ أَهْمَلَ سَبَبًا ثَالِثًا وَهُوَ إيقَاعُ بَعْضِ الْفَرْضِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِهِ كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى الرَّابِعَةِ وَيَسْجُدُ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَرَدَّهُ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا بِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التَّرَدُّدُ فِي الرَّكْعَةِ الْمَفْعُولَةِ زَائِدَةً وَهُوَ رَاجِعٌ لِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَلَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَرْضٍ، بَلْ شُرِعَ لِتَرْكِ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَالْبَدَلُ‏:‏ إمَّا كَالْمُبْدَلِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ وَبِهَذَا فَارَقَ جُبْرَانَ الْحَاجِّ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ وَاجِبٍ‏.‏ ‏(‏فَالْأَوَّلُ‏)‏ مِنْ السَّبَبَيْنِ وَهُوَ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ ‏(‏إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ‏)‏ بِفِعْلِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ ‏(‏وَقَدْ يُشْرَعُ‏)‏ مَعَ تَدَارُكِهِ ‏(‏السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ‏)‏ بِالْكَافِ ‏(‏حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي‏)‏ رُكْنِ ‏(‏التَّرْتِيبِ‏)‏ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا إذَا تَدَارَكَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ، وَمُرَادُهُ بِمَا سَبَقَ بَيَانُ الزِّيَادَةِ لَا السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ، وَقَدْ لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كَمَا إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ أَوْ التَّحْرِيمَ أَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا سُجُودَ، وَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ فَتَذَكَّرَهُ عَنْ قُرْبٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيُسَلِّمْ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَهُوَ مَسْأَلَةُ السُّكُوتِ الطَّوِيلِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابٍ غَيْرِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَدْ يُقَالُ يَسْجُدُ لَهُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِالسُّكُوتِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ، أَوْ انْتَقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ إلَخْ لِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ غَيْرَ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ، وَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِتَدَارُكِ الرُّكْنِ مِنْ أَفْعَالِهَا لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ ‏(‏بَعْضًا وَهُوَ‏)‏ سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ‏:‏ الْأَوَّلُ ‏(‏الْقُنُوتُ‏)‏ الرَّاتِبُ، وَهُوَ قُنُوتُ الصُّبْحِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ دُونَ قُنُوتِ النَّازِلَةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا بَعْضِهَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهَا، وَتَرْكُ بَعْضِ الْقُنُوتِ كَتَرْكِ كُلِّهِ‏.‏ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ‏.‏ وَالْمُرَادُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ أَحَدَ الْقُنُوتَيْنِ كَأَنْ تَرَكَ قُنُوتَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِقُنُوتٍ تَامٍّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ وَقْفَةً لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْقِيَامِ، أَفَادَنِيهِ شَيْخِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَجَعَلَ قَرَارَهُ الْجَنَّةَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي ‏(‏وَ‏)‏ ثَانِيهَا ‏(‏قِيَامُهُ‏)‏ أَيْ الْقُنُوتُ الرَّاتِبُ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ تَرْكُهُ تَرْكَ الْقُنُوتِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي عَدَمِ السُّجُودِ، فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ ‏(‏وَ‏)‏ ثَالِثُهَا ‏(‏التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مِنْ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ أَوَّلِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخَائِرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ، لَكِنْ فَصَّلَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ‏:‏ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ إنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فَنَسِيَهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَظْهَرُ، وَتَرْكُ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ قِيَاسًا عَلَى الْقُنُوتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ الْوَاجِبُ فِي الْأَخِيرِ خَاصَّةً فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ مَا هُوَ فِيهِ سُنَّةٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ وَرَابِعُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ قُعُودُهُ‏)‏ أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ تَرْكُهُ تَرْكَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ إذَا شُرِعَ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ شُرِعَ لِتَرْكِ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُهُ وَتَرْكُ قِيَامِ الْقُنُوتِ بِأَنْ لَا يُحْسِنَ التَّشَهُّدَ أَوْ الْقُنُوتَ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَقِفَ بِقَدْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ‏.‏ وَخَامِسُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ‏)‏ أَيْ بَعْدَهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَقَوْلُ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ رَاجِعٌ لِلصُّوَرِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهَا فِيهِ، وَقِيسَ بِالنِّسْيَانِ فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ بِجَامِعِ الْخَلَلِ بَلْ خَلَلُ الْعَمْدِ أَكْثَرُ، فَكَانَ لِلْجَبْرِ أَحْوَجَ ‏(‏وَقِيلَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا‏)‏ يَسْجُدُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ عَلَى نَفْسِهِ وَالنَّاسِي مَعْذُورٌ فَنَاسَبَ أَنْ يُشْرَعَ لَهُ الْجَبْرُ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ‏.‏ وَسَادِسُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَذَلِكَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهٍ، وَكَذَا بَعْدَ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَزِيدَ سَابِعٌ‏:‏ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَيَسْجُدُ أَيْضًا لِتَرْكِ الْقُعُودِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلِتَرْكِ الْقُعُودِ لِلْأَوَّلِ وَلِتَرْكِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْقُنُوتِ وَلِتَرْكِ الْقِيَامِ لِلْآلِ، وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنْ يَتَيَقَّنَ تَرْكَ إمَامِهِ لَهَا بَعْدَ سَلَامِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هُوَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّنَنُ أَبْعَاضًا لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ مِنْ الْأَبْعَاضِ الْحَقِيقِيَّةِ‏:‏ أَيْ الْأَرْكَانِ ‏(‏وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ‏)‏ أَيْ بَاقِيهَا كَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقُنُوتِ النَّازِلَةِ إذَا تُرِكَتْ بِالسُّجُودِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِيهَا، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، فَلَوْ فَعَلَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ‏.‏ قَالَهُ الْبَغَوِيّ‏:‏ فِي فَتَاوِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْعَاضِ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِهَا، وَهُوَ السُّجُودُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي ‏(‏وَالثَّانِي‏)‏ مِنْ السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ‏(‏إنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ‏)‏ الصَّلَاةَ ‏(‏كَالِالْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ‏)‏ وَلَا لِعَمْدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لِعَدَمِ وُرُودِ السُّجُودِ لَهُ، وَلِأَنَّ عَمْدَهُ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ فَسَهْوُهُ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ كَرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قَلِيلِ أَكْلٍ أَوْ كَلَامٍ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ لِسَهْوِهِ ‏(‏إنْ لَمْ تَبْطُلْ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِسَهْوِهِ‏)‏ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا إذَا أَبْطَلَ سَهْوُهُ ‏(‏كَكَلَامٍ كَثِيرٍ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَمَا مَرَّ وَأَكْلٍ كَثِيرٍ وَفِعْلٍ كَثِيرٍ كَثَلَاثِ خَطَوَاتٍ وِلَاءً فَلَا سُجُودَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى التَّمْثِيلِ بِمَا يُبْطِلُ سَهْوُهُ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ لَا إلَى قَوْلِهِ سَجَدَ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْمِثَالِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَبْعَدَ عَنْ الْإِبْهَامِ إذْ لَا سُجُودَ مَعَ الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ فِي السَّفَرِ إذَا انْحَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ مُبْطِلٌ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ إذْ هُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ السُّجُودِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ سَجَدَ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ سَجَدَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهْوًا فَلَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ‏(‏وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ‏)‏ بِسُكُوتٍ أَوْ ذِكْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ ‏(‏يُبْطِلُ عَمْدُهُ‏)‏ الصَّلَاةَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ تَطْوِيلَهُ تَغْيِيرٌ لِوَضْعِهِ كَمَا لَوْ قَصَّرَ الطَّوِيلَ فَلَمْ يُتِمَّ الْوَاجِبَ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلِأَنَّ تَطْوِيلَهُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ ‏(‏فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ‏)‏ قَطْعًا، وَالثَّانِي لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ‏)‏ وَعَلَى هَذَا فَفِي سُجُودِ السَّهْوِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ‏(‏فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ جَوَازَ تَطْوِيلِ كُلِّ اعْتِدَالٍ بِذِكْرٍ غَيْرِ رُكْنٍ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ تَطْوِيلِهِ بِرُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ‏.‏ أَمَّا تَطْوِيلُهُ بِمَشْرُوعٍ كَقُنُوتٍ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ تَسْبِيحٍ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِوُرُودِهِ ‏(‏وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏)‏ رُكْنٌ قَصِيرٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ كَالِاعْتِدَالِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ فِيهِ أَقْصَرُ مِنْ الْمَشْرُوعِ فِي الِاعْتِدَالِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ طَوِيلٌ؛ لِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يَقْتَضِي إطَالَتَهُ بِالذِّكْرِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ طَرْدُ اخْتِيَارِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ هُنَا صَحَّحَ أَنَّهُ رُكْنٌ طَوِيلٌ وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَوَافَقَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ قَصِيرٌ، وَمِقْدَارُ التَّطْوِيلِ كَمَا نَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنْ يُلْحَقَ الِاعْتِدَالُ بِالْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَالْمُرَادُ قِرَاءَةُ الْوَاجِبِ فَقَطْ لَا قِرَاءَتُهُ مَعَ الْمَنْدُوبِ ‏(‏وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا‏)‏ غَيْرَ سَلَامٍ وَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ أَوْ بَعْضَهُ إلَى الرُّكْنِ طَوِيلٌ ‏(‏كَفَاتِحَةٍ‏)‏ أَوْ بَعْضِهَا ‏(‏فِي‏)‏ نَحْوِ ‏(‏رُكُوعٍ‏)‏ كَسُجُودٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ جُلُوسِ ‏(‏تَشَهُّدٍ‏)‏ أَوْ نَقَلَ تَشَهُّدًا أَوْ بَعْضَهُ فِي نَحْوِ قِيَامٍ كَرُكُوعٍ ‏(‏لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَتِهَا بِخِلَافِ نَقْلِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ تَبْطُلُ كَنَقْلِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ‏.‏ أَمَّا نَقْلُ السَّلَامِ فَيُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَأَمَّا نَقْلُ ذَلِكَ إلَى رُكْنٍ قَصِيرٍ، فَإِنْ طَوَّلَهُ فَبَطَلَ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ‏)‏ وَلِعَمْدِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَرْكِ التَّحَفُّظِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالثَّانِي لَا كَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ ‏(‏وَعَلَى هَذَا‏)‏ أَيْ الْأَصَحِّ ‏(‏تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا‏)‏ الْمُتَقَدِّمِ ‏(‏مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ‏)‏ وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ قَنَتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ لَمْ يُحْسَبْ بَلْ يُعِيدُهُ فِي اعْتِدَالِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ لَمْ يَسْجُدْ‏.‏ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَوْ بَدَلَهُ مَحَلُّهَا فِي الْجُمْلَةِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَقِيَاسُ التَّسْبِيحِ فِي الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ عَبْدَانَ ا هـ‏.‏ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ السُّجُودِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ الْقُنُوتِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِذَا قَنَتَ فِي غَيْرِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْخَوْفِ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً أَوْ فِرْقَتَيْنِ وَصَلَّى بِإِحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ‏.‏ وَمِنْهَا‏:‏ مَا إذَا زَادَ الْقَاصِرُ رَكْعَتَيْنِ سَهْوًا، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ زِيَادَتُهُمَا هَكَذَا اسْتَثْنَاهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّ عَمْدِ الزِّيَادَةِ بِلَا نِيَّةِ إتْمَامٍ مُبْطِلٌ‏.‏

المتن

وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلًا فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ بَطَلَتْ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ عَادَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ‏)‏ مَعَ قُعُودِهِ أَوْ وَحْدَهُ أَوْ قُعُودِهِ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْسِنْ التَّشَهُّدَ ‏(‏فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ‏)‏ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ ‏(‏فَإِنْ عَادَ‏)‏ عَامِدًا ‏(‏عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا عَمْدًا، وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَادَ لَهُ ‏(‏نَاسِيًا‏)‏ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ تَبْطُلُ لِعُذْرِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ ‏(‏وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏)‏ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا وَتَرَكَ تَشَهُّدًا ‏(‏أَوْ جَاهِلًا‏)‏ بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ ‏(‏فَكَذَا‏)‏ لَا تَبْطُلُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْعِلْمِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ تَبْطُلُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ‏.‏ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ لِلتَّشَهُّدِ فَإِنْ تَخَلَّفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَمْ يُحْدِثْ فِي تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا، وَهَذَا أَحْدَثَ فِيهِ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ التَّخَلُّفَ لِيَتَشَهَّدَ إذَا لَحِقَهُ فِي قِيَامِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُحْدِثْ جُلُوسًا فَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ إمَامُهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ جُلُوسَ الِاسْتِرَاحَةِ هُنَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ حَرُمَ قُعُودُهُ مَعَهُ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَلَوْ انْتَصَبَا مَعًا ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ لَمْ يَعُدْ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِهِ فَلَا يُوَافِقُهُ فِي الْخَطَإِ، أَوْ عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، بَلْ يُفَارِقُهُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا، فَإِنْ عَادَ مَعَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا ‏(‏وَلِلْمَأْمُومِ‏)‏ إذَا انْتَصَبَ نَاسِيًا وَجَلَسَ إمَامُهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ نَهَضَا سَهْوًا مَعًا، وَلَكِنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَعَادَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ ‏(‏الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ فَرُجُوعُهُ رُجُوعٌ إلَى فَرْضٍ لَا إلَى سُنَّةٍ‏.‏ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ بَلْ يَنْتَظِرُ إمَامَهُ قَائِمًا لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا التَّقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ‏)‏ أَيْ الْعَوْدِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ الْإِمَامِ فَقَامَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا فَعَلَ فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَشْكِلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ هُنَا لِذَلِكَ‏.‏ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبَهُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ‏.‏ وَهُوَ الْقِيَامُ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ نَاسِيًا تُخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا بِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثُمَّ فَيُقَيَّدُ فَرْقُ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ، أَوْ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ، وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ ‏(‏وَلَوْ تَذَكَّرَ‏)‏ الْمُصَلِّي التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ‏(‏قَبْلَ انْتِصَابِهِ‏)‏ أَيْ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ مُعْتَدِلًا ‏(‏عَادَ لِلتَّشَهُّدِ‏)‏ الَّذِي نَسِيَهُ أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ ‏(‏وَيَسْجُدُ‏)‏ لِلسَّهْوِ ‏(‏إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ‏)‏ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ غَيَّرَ بِهِ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَتَى بِهِ عَمْدًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ، لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّ هَذَا قِيَامٌ لَا عَوْدَ فِيهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ عَمْدَ هَذَا الْقِيَامِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ بِخِلَافِ مَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا‏.‏ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَطْلَقَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى ‏(‏وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا‏)‏ أَيْ قَصَدَ تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ‏(‏فَعَادَ‏)‏ لَهُ عَمْدًا ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ‏)‏ مِنْ الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا مَا لَوْ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا جَبَرَهُ بِالسُّجُودِ فَكَانَ مُبْطِلًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَارٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحَرَّرِ الْبُطْلَانَ بِكَوْنِهِ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، بَلْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَمْدًا قَسِيمٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ‏(‏وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ‏)‏ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ ‏(‏أَوْ قَبْلَهُ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَضَعْ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْجَبْهَةَ فَقَطْ أَوْ مَعَ بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ ‏(‏عَادَ‏)‏ أَيْ جَازَ الْعَوْدُ لِعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْجَبْهَةَ فَقَطْ لَا يَعُودُ ‏(‏وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ‏)‏ أَيْ أَقَلَّ الرُّكُوعِ فِي هَوِيِّهِ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا سَهْوًا، وَالْعَمْدُ بِهِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَسْجُدُ، وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَكَتَرْكِ التَّشَهُّدِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ إنْ بَلَغَ قَيْدٌ فِي السُّجُودِ لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا فِي الْعَوْدِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَتِهِ عَوْدُهُ لَهُمَا‏.‏

المتن

وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ سَجَدَ، أَوْ فِي ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ فَلَا، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ فَلْيَسْجُدْ‏.‏

الشرحُ

فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ تَشَهَّدَ سَهْوًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ قَعَدَ سَهْوًا بَعْدَ اعْتِدَالِهِ مِنْ أُولَى أَوْ غَيْرِهَا وَأَتَى بِتَشَهُّدٍ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ بَعْدَ اعْتِدَالٍ سَهْوًا بِلَا تَشَهُّدٍ فَوْقَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَدَارَكَ مَا عَلَيْهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِزِيَادَةِ قُعُودٍ طَوِيلٍ‏.‏ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ أَوْ لِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِلْسَةُ فِي الْأَخِيرَةِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا سُجُودَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا مَطْلُوبٌ أَوْ مُغْتَفَرٌ، وَلَوْ مَكَثَ فِي السُّجُودِ يَتَذَكَّرُ هَلْ رَكَعَ أَوْ لَا وَأَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ هَلْ سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى أَوْ لَا ‏؟‏ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ طَالَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ السُّجُودِ فِي هَذِهِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَلَوْ قَعَدَ فِي هَذِهِ مِنْ سَجْدَتِهِ وَتَذَكَّرَ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ، وَكَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَشَهَّدَ، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ إنْ كَانَ قُعُودُهُ عَلَى الشَّكِّ فَوْقَ الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ سَجَدَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي سُجُودِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَرْكَعَ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَرَأَهُ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ ظَنَّهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَمَا مَرَّ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَتَى بِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ‏.‏ ‏(‏وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ‏)‏ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ مُعَيَّنٍ كَقُنُوتٍ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، وَبِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ كَأَنْ شَكَّ فِي الْمَتْرُوكِ هَلْ هُوَ بَعْضٌ أَوْ لَا لِضَعْفِهِ بِالْإِبْهَامِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ مَعْنًى خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ فَجَعَلَ الْمُبْهَمَ كَالْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالْمُعَيَّنِ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُنُوتٌ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ يَسْجُدُ لِعِلْمِهِ بِمُقْتَضَى السُّجُودِ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَكَّ ‏(‏فِي ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ‏)‏ عَنْهُ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدُهُ كَكَلَامٍ قَلِيلٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَهَا بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي سَجَدَ لِتَيَقُّنِ مُقْتَضِيهِ ‏(‏وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ‏)‏ أَيْ تَرَدَّدَ ‏(‏هَلْ سَجَدَ‏)‏ لِلسَّهْوِ أَوْ لَا ‏(‏فَلْيَسْجُدْ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، أَوْ هَلْ سَجَدَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى‏.‏

المتن

وَلَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ زَائِدًا، وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ سَجَدَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ شَكَّ‏)‏ أَيْ تَرَدَّدَ فِي رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهَا ‏(‏وَسَجَدَ‏)‏ لِلسَّهْوِ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهَا، وَلَا يَرْجِعُ فِي فِعْلِهَا إلَى ظَنِّهِ وَلَا إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَثِيرًا لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فِيهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجَعَ الصَّحَابَةَ ثُمَّ عَادَ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا إلَى هَذَا الْحَدِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِفِعْلِهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ ‏(‏إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا ‏؟‏ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ‏)‏ أَيْ رَدَّتْهَا السَّجْدَتَانِ إلَى الْأَرْبَعِ، وَيَحْذِفَانِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُمَا جَابِرَانِ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ مِنْ النُّقْصَانِ تَارَةً وَمِنْ الزِّيَادَةِ أُخْرَى، لَا أَنَّهُمَا يُصَيِّرَانِهَا سِتًّا، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ‏)‏ بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ لِفِعْلِهَا مَعَ التَّرَدُّدِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَسْجُدُ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالتَّرَدُّدِ بَعْدَ زَوَالِهِ ‏(‏وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ زَائِدًا‏)‏ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ ‏(‏وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ شَكَّ‏)‏ فِي رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الثَّالِثَةِ‏)‏ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ‏(‏أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا‏)‏ أَيْ الثَّالِثَةِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَيْ تَبَيَّنَ لَهُ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إلَى الرَّابِعَةِ ‏(‏لَمْ يَسْجُدْ‏)‏ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ هَهُنَا مَعَ التَّرَدُّدِ لَا بُدَّ مِنْهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَلَوْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ أَثَالِثَةٌ هِيَ، وَإِلَّا فَقَدْ فَرَضَهَا ثَالِثَةً فَكَيْفَ يَشُكُّ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ‏.‏ وَقَالَ الشَّارِحُ‏:‏ بَدَلُ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَذَكَّرَ ‏(‏فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الرَّابِعَةِ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهَا، بَلْ اسْتَمَرَّ تَرَدُّدُهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى قَامَ إلَى رَكْعَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ رَابِعَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا قَامَ إلَيْهَا احْتِيَاطًا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهَا خَامِسَةٌ ثُمَّ زَالَ تَرَدُّدُهُ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهَا رَابِعَةٌ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ لِتَرَدُّدِهِ حَالَ قِيَامِهِ إلَى الرَّابِعَةِ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَوْ خَامِسَةٌ، فَقَدْ أَتَى بِزَائِدٍ عَلَى تَقْدِيرٍ دُونَ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا اقْتَضَى التَّرَدُّدُ فِي زِيَادَتِهَا السُّجُودَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَالتَّرَدُّدُ يُضْعِفُ النِّيَّةَ وَيُحْوِجُ إلَى الْجَبْرِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ قَضَى الْفَائِتَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ بِلَا سُجُودٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ ثَمَّ لَمْ يَقَعْ فِي بَاطِلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّرَدُّدِ الطَّارِئِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِلسَّابِقِ عَلَيْهَا، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِقَبْلِ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ، إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ، وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِقَبْلِ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ، إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ، وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَى مَا ذَكَرَ لَا تَقْتَضِي السُّجُودَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُ وَإِنَّمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ مَعَ عَوْدِهِ كَمَا مَرَّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ‏.‏

المتن

وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إمَامُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ‏)‏ غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ‏(‏لَمْ يُؤَثِّرْ‏)‏ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ ‏(‏عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَنْ تَمَامٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَعَسُرَ عَلَى النَّاسِ خُصُوصًا عَلَى ذَوِي الْوَسْوَاسِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهِ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدُ كَمَا فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ‏.‏ أَمَّا إذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ شَكَّ أَنَّ مَا أَدَّاهُ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ وَقَدْ فَاتَتَاهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا جَمِيعًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّ الْمُكَفِّرَ لَوْ صَامَ يَوْمًا وَشَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ فِي النِّيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ النِّيَّةِ بِالصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالصَّوْمِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَرْضٍ الشَّرْطُ‏.‏ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ‏:‏ لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فَارِقًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ، وَبِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الِانْعِقَادِ، وَالْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ أَنْ تَكُونَ الشُّرُوطُ كُلُّهَا كَذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ‏:‏ وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، وَعَلَّلَهُ بِالْمَشَقَّةِ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي‏.‏ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلطُّهْرِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ عَنْ جَمْعٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ هَلْ طَافَ مُتَطَهِّرًا أَمْ لَا ‏؟‏ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ‏.‏ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَازُ دُخُولِ الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ، وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الشَّكُّ سَلَامٌ لَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ عَادَ وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ، وَخَرَجَ بِالشَّكِّ الْعِلْمُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ إنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً وَإِنْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَتُفَارِقُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَطْءَ النَّجَاسَةِ بِاحْتِمَالِهَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعُرْفِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَالطُّولُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَبَرِ ‏(‏أَنَّهُ قَامَ وَمَضَى إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَرَاجَعَ ذِي الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ فَأَجَابُوهُ‏)‏ ‏(‏وَسَهْوُهُ‏)‏ أَيْ الْمَأْمُومِ ‏(‏حَالَ قُدْوَتِهِ‏)‏ الْحِسِّيَّةِ كَأَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَأَنْ سَهَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي ثَانِيَتِهَا مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ‏(‏يَحْمِلُهُ إمَامُهُ‏)‏ ‏(‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ ضَامِنٌ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ يُرِيدُ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ كَمَا يَتَحَمَّلُ الْجَهْرَ وَالسُّورَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَلِأَنَّ مُعَاوِيَةَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ، وَهُوَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّجُودِ، وَاحْتُرِزَ بِحَالِ الْقُدْوَةِ عَنْ سَهْوِهِ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا لَوْ سَهَا وَهُوَ مُنْفَرِدٌ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُهُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَرْجِيحَ تَحَمُّلِهِ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ الْوَاقِعُ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَهِدَ تَعَدِّي الْخَلَلِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَكْسِهِ، وَعَنْ سَهْوِهِ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُهُ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن

فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ فَبَانَ خِلَافُهُ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ، وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ إلَى رَكْعَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ، وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏فَسَلَّمَ‏)‏ الْمَأْمُومُ ‏(‏فَبَانَ خِلَافُهُ‏)‏ أَيْ خِلَافُ ظَنِّهِ ‏(‏سَلَّمَ مَعَهُ‏)‏ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَلَامِ إمَامِهِ ‏(‏وَلَا سُجُودَ‏)‏ لِسَهْوِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ فَيَتَحَمَّلُهُ إمَامُهُ ‏(‏وَلَوْ ذَكَرَ‏)‏ الْمَأْمُومُ ‏(‏فِي‏)‏ آخِرِ صَلَاتِهِ فِي ‏(‏تَشَهُّدِهِ‏)‏ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏تَرْكَ رُكْنٍ‏)‏ تَرَكَهُ بَعْدَ الْقُدْوَةِ، وَلَا يَعْرِفُ مَا هُوَ لَكِنَّهُ ‏(‏غَيْرُ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ‏)‏ لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَعُدْ لِتَدَارُكِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُتَابَعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَ ‏(‏قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ إلَى رَكْعَتِهِ‏)‏ الَّتِي فَاتَتْ بِفَوَاتِ الرُّكْنِ ‏(‏وَلَا يَسْجُدُ‏)‏ لِوُجُودِ سَهْوِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ الرُّكْنِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِيمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ الْمَسْبُوقُ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّرَدُّدِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ تَرَدُّدِهِ فِيمَا ذُكِرَ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ، أَمَّا النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ فَالتَّارِكُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَيْسَ فِي صَلَاةٍ ‏(‏وَسَهْوُهُ‏)‏ أَيْ الْمَأْمُومِ ‏(‏بَعْدَ سَلَامِهِ‏)‏ أَيْ إمَامِهِ ‏(‏لَا يَحْمِلُهُ‏)‏ أَيْ إمَامُهُ مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُوَافِقًا لِانْتِهَاءِ الْقُدْوَةِ كَمَا لَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن

فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إمَامِهِ بَنَى وَسَجَدَ، وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَّا فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إمَامِهِ‏)‏ فَذَكَرَهُ حَالًا ‏(‏بَنَى‏)‏ عَلَى صَلَاتِهِ ‏(‏وَسَجَدَ‏)‏ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مَعَهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ ذَكَرَ فِيهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ احْتِمَالَيْنِ، فَإِنْ ظَنَّهُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ مَثَلًا سَلَّمَ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ تُحْسَبْ لِفِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَعَادَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ عَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَلَوْ جَوَّزْنَا مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، فَإِذَا جَلَسَ وَوَجَدَهُ لَمْ يُسَلِّمْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَهُ، فَلَوْ أَتَمَّهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ تُحْسَبْ، فَيُعِيدُهَا لِمَا مَرَّ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ نَطَقَ بِالسَّلَامِ وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ عَلَيْكُمْ لَمْ يَسْجُدْ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَالنِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ عَلَيْكُمْ سَجَدَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْقِيَاسُ ‏(‏وَيَلْحَقُهُ‏)‏ أَيْ الْمَأْمُومَ ‏(‏سَهْوُ إمَامِهِ‏)‏ غَيْرِ الْمُحْدِثِ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ الْخَلَلُ لِصَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَلَتَحَمَّلَ الْإِمَامُ عَنْهُ السَّهْوَ‏.‏ أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَلَا يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ هُوَ عَنْهُ، إذْ لَا قُدْوَةَ حَقِيقَةً حَالَ السَّهْوِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ حَتَّى لَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِهِ فِي الْجُمُعَةِ إعَادَتُهَا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهَا جَمَاعَةً لَا يَقْتَضِي لُحُوقَ السَّهْوِ لِأَنَّ لُحُوقَهُ تَابِعٌ لِمَطْلُوبِيَّتِهِ مِنْ الْإِمَامِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ لِبُطْلَانِهَا لَا يُطْلَبُ مِنْهُ جَبْرُهَا، فَكَذَا صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ ‏(‏فَإِنْ سَجَدَ‏)‏ إمَامُهُ ‏(‏لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ سَهَا حَمْلًا عَنْ أَنَّهُ سَهَا، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَةٍ سَجَدَ الْمَأْمُومُ أُخْرَى حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا أَيْضًا، وَهَذَا السُّجُودُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ لَا لِمُتَابَعَتِهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ الْمُتَابَعَةَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ إلَى خَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ‏.‏ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَلِهَذَا قَالُوا‏:‏ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَأَى الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ بِهِ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَابِعُهُ فِيمَا سَيَأْتِي إذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي، وَهُنَا لَمْ يَعْلَمْ، وَاسْتَثْنَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مَا إذَا تَيَقَّنَ غَلَطَ الْإِمَامِ فِي ظَنِّهِ سَبَبَ سُجُودِ السَّهْوِ كَأَنْ ظَنَّ تَرْكَ بَعْضٍ يَعْلَمُ الْمَأْمُومُ فِعْلَهُ قَالَا‏:‏ فَلَا يُوَافِقُهُ إذَا سَجَدَ‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَهُوَ مُشْكِلٌ تَصْوِيرًا وَحُكْمًا وَاسْتِثْنَاءً فَتَأَمَّلْهُ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَجْهُ إشْكَالِ تَصْوِيرِهِ كَيْفَ يَعْلَمُ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ لِذَلِكَ‏؟‏‏.‏ جَوَابُهُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِذَلِكَ وَهُوَ كَافٍ وَوَجْهُ إشْكَالِ حُكْمِهِ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِشَيْءٍ ظَنَّهُ سَهَا بِهِ وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ يَسْجُدُ لِذَلِكَ، وَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ أَوَّلًا، وَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ ثَانِيًا، وَوَجْهُ إشْكَالِ اسْتِثْنَائِهِ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ لَمْ يَسْهُ فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى مِنْ سَهْوِ الْإِمَامِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورَةً ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ بِأَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ ‏(‏فَيَسْجُدُ‏)‏ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ‏(‏عَلَى النَّصِّ‏)‏ جَبْرًا لِلْخَلَلِ، بِخِلَافِ تَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ، فَلَا يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ خِلَالَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ انْفَرَدَ بِهِمَا لَخَالَفَ الْإِمَامَ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ وَإِنَّمَا سَهَا الْإِمَامُ وَسُجُودُهُ مَعَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى، وَعَلَى النَّصِّ لَوْ تَخَلَّفَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِيَسْجُدَ، فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَمْ يُتَابِعْهُ، سَوَاءٌ أَسَجَدَ قَبْلَ عَوْدِ إمَامِهِ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ بِسُجُودِهِ فِي الْأُولَى، وَبِاسْتِمْرَارِهِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ، بَلْ يَسْجُدُ فِيهِمَا مُنْفَرِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لُزُومُ الْعَوْدِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ لِذَلِكَ وَاجِبٌ وَتَخَلُّفَهُ لِيَسْجُدَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، وَقَدْ اخْتَارَهُ فَانْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَزِمَهُ مُوَافَقَتُهُ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي السَّلَامِ نَاسِيًا، فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَافِي لِلسُّجُودِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ قَاصِرٌ، أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا فَعَادَ الْإِمَامُ لَمْ يُوَافِقْهُ لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ بِسَلَامِهِ عَمْدًا‏.‏

المتن

وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَسَجَدَ الْإِمَامُ ‏(‏فَالصَّحِيحُ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمَسْبُوقَ ‏(‏يَسْجُدُ مَعَهُ‏)‏ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَسْجُدُ أَيْضًا ‏(‏فِي آخِرِ صَلَاتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّهْوِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَوْضِعَ السُّجُودِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَفِي قَوْلٍ فِي الْأُولَى، وَوَجْهٌ فِي الثَّانِيَةِ يَسْجُدُ مَعَهُ مُتَابَعَةً، وَلَا يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ السَّابِقُ، وَفِي وَجْهٍ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَلَا فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ السَّهْوَ، وَلَوْ قَامَ إمَامُهُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَا قَبْلَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَالْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ حَنَفِيًّا فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ، وَلَا يَنْتَظِرُهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ، وَقِيلَ‏:‏ يَتْبَعُهُ فِي السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يُسَلِّمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ بَلْ يَصْبِرُ، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ‏.‏ هَذَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا، أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاتِهِ‏.‏ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَنْوِي الْمُفَارَقَةَ إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ لِقَوْلِهِمْ‏:‏ وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ الْمَسْبُوقُ ‏(‏آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ‏)‏ وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ السَّابِقُ‏.‏

المتن

وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ‏)‏ السَّهْوُ ‏(‏سَجْدَتَانِ‏)‏ لِاقْتِصَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ تَعَدُّدِهِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى، وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا بِرُبَاعِيَّةٍ وَأَتَى مِنْهَا بِرَكْعَةٍ وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ قَاصِرٍ فَسَهَا إمَامُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ أَتَى هُوَ بِالرَّابِعَةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَسَهَا فِيهَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ وَهُمَا لِلْجَمِيعِ أَوْ لِمَا نَوَاهُ مِنْهُ، وَيَكُونُ تَارِكًا لِسُجُودِ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ سَجْدَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَاحِدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ الْآتِي فِيمَا لَوْ هَوَى لِسُجُودِ تِلَاوَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَهُ بِأَنَّهُ مَسْنُونٌ فَلَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهُ كَمَا لَهُ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِيهِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ سَجْدَةً ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا بَعْدَ فِعْلِهَا بِقَرِينَةِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، وَكَيْفِيَّتُهُمَا ‏(‏كَسُجُودِ الصَّلَاةِ‏)‏ فِي وَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالتَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ وَالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَالتَّوَرُّكِ بَعْدَهُمَا، وَيَأْتِي بِذِكْرِ سُجُودِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا‏.‏ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا‏:‏ سُبْحَانَ مَنْ لَا يَنَامُ وَلَا يَسْهُو‏.‏ قَالَا‏:‏ وَهُوَ لَائِقٌ بِالْحَالِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَائِقًا، بَلْ اللَّائِقُ الِاسْتِغْفَارُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الذِّكْرِ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالذِّكْرِ بَيْنَ سَجْدَتَيْ صُلْبِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ سَجَدَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشُّرُوطِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ اُحْتُمِلَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا فِعْلًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْمُتَّجَهُ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ إتْمَامِ النَّفْلِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَمَا جُمِعَ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَالْقَفَّالِ يُقَالُ هُنَا أَيْضًا ‏(‏وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ‏)‏ وَذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، ‏(‏وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَفِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْهَا‏.‏ وَأَجَابُوا عَنْ سُجُودِهِ بَعْدَهُ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِبَيَانِ حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَمْ بِنَقْصٍ أَمْ بِهِمَا، وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ قَدِيمَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ إنْ سَهَا بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بِزِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِثُبُوتِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ‏:‏ أَيْ مَعَ الذِّكْرِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَدْعِيَةِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي وَمَحَلُّهُمَا قُبَيْلَ السَّلَامِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ تَصْغِيرُ قَبْلَ، نَعَمْ الْمَسْبُوقُ إذَا اسْتَخْلَفَ وَعَلَى الْمُسْتَخْلَفِ سُجُودُ سَهْوٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَيَسْجُدُ مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُفَارِقُونَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عِنْدَ كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ، وَتُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهُ، وَلَا يُطْلَبُ بَعْدَهُ تَشَهُّدٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ‏.‏

المتن

فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا فَاتَ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَ فِي الْجَدِيدِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى النَّصِّ، وَإِذَا سَجَدَ صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا‏)‏ أَيْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ ‏(‏فَاتَ‏)‏ السُّجُودُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِالسَّلَامِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْعَمْدَ كَالسَّهْوِ، فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا ‏(‏أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ‏)‏ عُرْفًا ‏(‏فَاتَ‏)‏ السُّجُودُ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالسَّلَامِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِالطُّولِ، بِخِلَافِ الْقَدِيمِ فِي السَّهْوِ بِالنَّقْضِ، فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جُبْرَانُ عِبَادَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاخَى عَنْهَا كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَلَمْ يُرِدْ السُّجُودَ فَلَا سُجُودَ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَصَارَ كَالْمُسَلِّمِ عَمْدًا فِي أَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّلَامِ، فَإِنْ أَرَادَهُ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَفُوتُ ‏(‏عَلَى النَّصِّ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَحْمُولِ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ‏:‏ يَفُوتُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ السَّلَامِ بِالْعَوْدِ إلَى الصَّلَاةِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ سَلَّمَ مِنْ الْجُمُعَةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ سَلَّمَ الْقَاصِرُ فَنَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ فَاتَهُ السُّجُودُ فَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى، وَفِعْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِدُونِ سَبَبِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَصَلَاتُهُ الْمَقْصُورَةُ، وَيَفُوتُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ عَقِبَ السَّلَامِ أَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ أَوْ شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ عَقِبَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَدَارَكُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الطُّهْرُ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَاءٍ ‏(‏وَإِذَا سَجَدَ‏)‏ فِيمَا إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ عَلَى النَّصِّ أَوْ مَعَ طُولِهِ عَلَى الْقَدِيمِ ‏(‏صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ‏)‏ بِلَا إحْرَامٍ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ رُكْنًا، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِالْهُوِيِّ بَلْ بِإِرَادَةِ السُّجُودِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ فِي سُجُودِهِ الْإِتْمَامَ، أَوْ بَلَغَتْ فِيهِ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ بَلْ يُعِيدُ السَّلَامَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِيرُ عَائِدًا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ حَصَلَ بِالسَّلَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ فِي الْخَادِمِ‏:‏ هَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِعَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا ‏؟‏ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا بِلَا نِيَّةٍ وَلَا تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ‏.‏ وَلِمَا قُدِّمَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ أَيْ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا قَبْلَهُ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَبَعْدَهُ حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ سَلَامِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا سَهْوًا فَلَا يَسْجُدُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّجُودِ ثَانِيًا فَيَتَسَلْسَلُ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا أَبُو يُوسُفَ الْكِسَائِيُّ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ مَنْ تَبَحَّرَ فِي عِلْمٍ اهْتَدَى بِهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَنْتَ إمَامٌ فِي النَّحْوِ وَالْأَدَبِ فَهَلْ تَهْتَدِي إلَى الْفِقْهِ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ سَلْ مَا شِئْت، فَقَالَ‏:‏ لَوْ سَجَدَ سُجُودَ السَّهْوِ ثَلَاثًا هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ لَكِنَّهُ قَدْ يَتَعَدَّدُ صُورَةً‏.‏

المتن

وَلَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا‏)‏ لِلسَّهْوِ ‏(‏فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا‏)‏ لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا ‏(‏وَسَجَدُوا‏)‏ ثَانِيًا آخِرَ الصَّلَاةِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَوْ ظَنَّ‏)‏ أَوْ اعْتَقَدَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ‏(‏سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ‏)‏ أَيْ عَدَمُ السَّهْوِ ‏(‏سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا، وَضَابِطُ هَذَا أَنَّ السَّهْوَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ كَمَا مَرَّ، وَالسَّهْوُ بِهِ يَقْتَضِيهِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُجْبِرُ كُلَّ خَلَلٍ فِي الصَّلَاةِ فَيُجْبِرُ نَفْسَهُ كَمَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ كَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَلَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَجَدَ ثَانِيًا، فَهَذَا مَا يَتَعَدَّدُ فِيهِ السُّجُودُ صُورَةً لَا حُكْمًا‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ رُكْنًا وَسَلَّمَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا بِأُخْرَى لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْأُولَى، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ بَنَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ، أَوْ بَعْدَ طُولِهِ اسْتَأْنَفَهَا لِبُطْلَانِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْأُخْرَى بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ انْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ لِبُطْلَانِ الْأُولَى بِطُولِ الْفَصْلِ وَأَعَادَ الْأُولَى‏:‏ وَلَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا أَوْ أَحْرَمَ بِمَقْصُورَةٍ فَأَتَمَّهَا نَاسِيًا، وَنَسِيَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّانِيَةِ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا بِتَرْكِ قُنُوتٍ مَثَلًا فَسَجَدَ ثُمَّ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ سَهَا بِغَيْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْعِمْرَانِيُّ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ قَضَاءً ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ، وَفِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ فِي الْعِشَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ السَّبْتَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لِقَوْلِهِ‏:‏ قَضَاءً، وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ، فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى أَوْ عَلِمَ قَبْلَهُ بَنَى عَلَى الْأُولَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى نَاسِيًا بِمَا لَوْ فَعَلَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي‏.‏