فصل: بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ‏.‏

المتن

نِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَالذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكَّةَ، وَزَكَاتُهُمَا رُبْعُ عُشْرٍ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ‏)‏ وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ وَالدَّيْنِ‏.‏

قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ‏:‏ فَيَشْمَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ النَّقْدَ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَاصَّةً، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِهِمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ النَّاضُّ مِنْ الْمَالِ مَا كَانَ نَقْدًا وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ، وَيَنْدَفِعُ بِهَذَا اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِأَنَّ النَّاضَّ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ خَاصَّةً وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ‏.‏ وَأَصْلُ النَّقْدِ لُغَةً الْإِعْطَاءُ‏.‏ ثُمَّ أُطْلِقَ النَّقْدُ عَلَى الْمَنْقُودِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ‏.‏ وَالْأَصْلُ، فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ‏}‏ وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ ‏(‏نِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَ‏)‏ نِصَابُ ‏(‏الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ ‏(‏بِوَزْنِ مَكَّةَ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَسَوَاءٌ الْمَضْرُوبُ مِنْهُمَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ، فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي آخَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ، وَقَدَّمَ الْفِضَّةَ عَلَى الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا، وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَقِيلَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ‏.‏ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالدَّانِقُ ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا، وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَقِيَ دِرْهَمٌ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ كُلُّ دَرَاهِمَ أَخَذَ نِصْفَهَا وَخُمُسَهَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مَثَاقِيلَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ خُمُسَهَا وَنِصْفَ خُمُسِهَا كَانَ الْبَاقِي مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ مَثَاقِيلَ ضُرِبَتْ فِي عَشَرَةٍ وَقُسِمَتْ عَلَى سَبْعَةٍ خَرَجَتْ دَرَاهِمَ‏.‏ ‏(‏وَزَكَاتُهُمَا‏)‏ أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ‏(‏رُبْعُ عُشْرٍ‏)‏ فِي النِّصَابِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏{‏لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ‏}‏ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ‏{‏وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ‏}‏ وَالرِّقَةُ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ، وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏

قَالَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ‏{‏لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ‏}‏ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ‏}‏ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تَنْقَضِي بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خَلَقَهَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ‏.‏ وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاشِي ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْقِسْطِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ‏.‏ وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مُكَسَّرٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا‏:‏ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، فَيُسَلِّمُ مُخْرِجُ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ أَوْ الْجَيِّدِ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ‏.‏ ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ نِصْفَهُمْ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ‏.‏

المتن

وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ‏)‏ أَيْ الْمَخْلُوطِ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ ‏(‏حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا‏)‏ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ، فَمَا قِيلَ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِمِثْلِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قِسْمَةَ بَيْعٍ بِمَغْشُوشٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَعْطَى لِلزَّكَاةِ خَالِصًا عَنْ خَالِصٍ وَالنُّحَاسُ وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا تَقَرَّرَ‏.‏ لَكِنَّ الْمُتَّجَهَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ إذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ السَّبْكِ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ الْغِشِّ‏.‏ وَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهُ،‏.‏ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا‏}‏ وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَاللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ، وَالثَّالِثُ‏:‏ إنْ كَانَ الْغِشُّ مَغْلُوبًا صَحَّ التَّعَامُلُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا لَمْ يَصِحَّ، وَالرَّابِعُ‏:‏ يَصِحُّ التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ حَظًّا مِنْ الْوَزْنِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ‏.‏ وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا، بَلْ يَسْبُكُهَا وَيُصَفِّيهَا‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَّا إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏

المتن

وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ مَيَّزَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ أُذِيبَا وَصِيغَ مِنْهُمَا الْإِنَاءُ كَأَنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحَدُهُمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرُ أَرْبَعُمِائَةٍ ‏(‏وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى‏)‏ كُلًّا مِنْهُمَا بِفَرْضِهِ ‏(‏الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً‏)‏ احْتِيَاطًا إنْ كَانَ رَشِيدًا‏.‏

أَمَّا غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ التَّمْيِيزُ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ فَرْضُ كُلِّهِ ذَهَبًا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ ‏(‏أَوْ مَيَّزَ‏)‏ بَيْنَهُمَا بِالنَّارِ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِسَبْكِ قَدْرٍ يَسِيرٍ إذَا تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ‏.‏

قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، أَوْ امْتَحَنَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُ مَاءً فِي قَصْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا ذَهَبًا وَيَعْلَمُ ارْتِفَاعَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا فِضَّةً وَيُعَلِّمُهُ، وَهَذِهِ الْعَلَامَةُ فَوْقَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ أَكْثَرُ حَجْمًا مِنْ الذَّهَبِ فَيَزِيدُ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ الْمَخْلُوطَ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ أَقْرَبَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُ، وَيَكْتَفِي بِوَضْعِ الْمَخْلُوطِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَأَسْهَلُ مِنْ هَذَا وَأَضْبَطُ أَنْ تَضَعَ فِي الْمَاءِ قَدْرَ الْمَخْلُوطِ مِنْهُمَا مَعًا مَرَّتَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْأَكْثَرُ ذَهَبًا وَالْأَقَلُّ فِضَّةً، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ، وَتُعَلِّمَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَامَةً ثُمَّ تَضَعَ الْمَخْلُوطَ فَيُلْحَقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ يَأْتِي أَيْضًا فِي مُخْتَلِطٍ جُهِلَ وَزْنُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَإِنَّك إذَا وَضَعْتَ الْمُخْتَلِطَ الْمَذْكُورَ تَكُونُ عَلَامَتُهُ بَيْنَ عَلَامَتَيْ الْخَالِصِ، فَإِنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا سَوَاءً فَنِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الذَّهَبِ شَعِيرَتَانِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الْفِضَّةِ شَعِيرَةٌ فَثُلُثَاهُ فِضَّةٌ وَثُلُثُهُ ذَهَبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ وَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عَلَى الْمَالِكِ‏.‏

قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَعَذَّرَ الِامْتِحَانُ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ بِفَقْدِ آلَاتِ السَّبْكِ أَوْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زَمَانٍ صَالِحٍ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ السَّبْكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ شُرُوطِ الْإِمْكَانِ ا هـ‏.‏ وَلَا يَعْتَمِدُ الْمَالِكُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ غَلَبَةَ ظَنِّهِ وَلَوْ تَوَلَّى إخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ، وَيُصَدَّقُ فِيهِ إنْ أَخْبَرَ عَنْ عِلْمٍ‏.‏ وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا نِصْفُهُ فِي يَدِهِ وَبَاقِيه مَغْصُوبٌ أَوْ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ زَكَّى الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ‏.‏

المتن

وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ، لَا الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ‏)‏ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ‏(‏مِنْ حُلِيٍّ‏)‏ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ كَالْأَوَانِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الْمَكْرُوهُ كَالضَّبَّةِ الْكَبِيرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ ‏(‏لَا‏)‏ الْحُلِيُّ ‏(‏الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَوَامِلَ مِنْ النَّعَمِ، وَالثَّانِي يُزَكَّى؛ لِأَنَّ زَكَاةَ النَّقْدِ تُنَاطُ بِجَوْهَرِهِ‏.‏ وَرُدَّ بِأَنَّ زَكَاتَهُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا بِجَوْهَرِهِ إذْ لَا غَرَضَ فِي ذَاتِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ حُلِيٍّ مُبَاحٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَارِثُهُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ وَالِدِهِ احْتِمَالَ وَجْهٍ فِيهِ إقَامَةُ نِيَّةِ مُوَرِّثِهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ‏.‏ وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ بِالْحُلِيِّ الَّذِي اتَّخَذَهُ بِلَا قَصْدِ شَيْءٍ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي تِلْكَ اتِّخَاذًا دُونَ هَذِهِ ‏(‏فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ‏)‏ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلذَّكَرِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوَانِي، وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ، وَمِنْهُ الْمَيْلُ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا‏.‏ نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ مَيْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَوَانِي، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ‏(‏وَالسِّوَارُ‏)‏ بِكَسْرِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا ‏(‏وَالْخَلْخَالُ‏)‏ بِفَتْحِ الْخَاءِ ‏(‏لِلُبْسِ الرَّجُلِ‏)‏ بِأَنْ يَقْصِدَهُ بِاِتِّخَاذِهِمَا فَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقَصْدِ،‏.‏

المتن

فَلَوْ اتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ‏.‏

الشَّرْحُ

وَالْخُنْثَى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ، وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ ‏(‏فَلَوْ اتَّخَذَ‏)‏ الرَّجُلُ ‏(‏سِوَارًا‏)‏ مَثَلًا ‏(‏بِلَا قَصْدٍ‏)‏ لَا لِلُبْسٍ وَلَا لِغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ‏)‏ بِلَا كَرَاهَةٍ ‏(‏فَلَا زَكَاةَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَالثَّانِي‏:‏ يَنْظُرُ فِي الْأُولَى إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ أَمَّا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ لِمَنْ لَهُ لُبْسُهُ فَلَا زَكَاةَ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا قَصْدٍ مَا إذَا قَصَدَ اتِّخَاذَهُ كَنْزًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ وَلَوْ قَصَدَ بِاتِّخَاذِهِ مُبَاحًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ إلَى مُحَرَّمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ‏)‏ الْمُبَاحُ لِلِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ ‏(‏وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ‏)‏ وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ دَامَ أَحْوَالًا لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ، وَالثَّانِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِأَنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ كَنَزَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، وَبِقَوْلِي وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ مَا لَوْ أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى صَوْغٍ فَإِنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ انْكِسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الِانْكِسَارُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِعْمَالَ فَلَا أَثَرَ لَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ لَا وَزْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي فَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِهِ لَا قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا، ثُمَّ يَبِيعُهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقُ ثَمَنَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِيُعْطِيَ مِنْهُ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُكَسِّرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً أَوْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا‏.‏

المتن

وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ إلَّا الْأَنْفَ وَالْأُنْمُلَةَ وَالسِّنَّ، لَا الْأُصْبُعَ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ‏)‏ وَلَوْ فِي آلَةِ الْحَرْبِ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏{‏أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا‏}‏ ‏(‏إلَّا الْأَنْفَ‏)‏ إذَا جُدِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ سَعْدٍ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ لَهُ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ‏.‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ أَنَّهُ لَا يَصْدَأُ إذَا كَانَ خَالِصًا بِخِلَافِ الْفِضَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏الْأُنْمُلَةَ‏)‏ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِمَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الذَّهَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ مَا تَحْتَ الْأُنْمُلَةِ سَلِيمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ أَشَلَّ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ بِالْعَمَلِ ا هـ‏.‏ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى، ثُمَّ رَأَيْتُ الْغَزِّيَّ قَالَ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ الْأُنْمُلَةُ السُّفْلَى كَالْأُصْبُعِ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ ا هـ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ فِي الْأُنْمُلَةِ تِسْعُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ هَمْزَتِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَأَفْصَحُهَا فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الْمِيمِ، قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ‏:‏ الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ‏:‏ أَيْ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْحَابُهُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏السِّنَّ‏)‏ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَيَجُوزُ أَيْضًا شَدُّ السِّنِّ بِهِ عِنْدَ تَحْرِيكِهَا، وَلَا زَكَاةَ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ أَمْكَنَ نَزْعُهُ وَرَدُّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكُلُّ مَا جَازَ مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ بِالْفِضَّةِ أَوْلَى ‏(‏لَا الْأُصْبُعَ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَلَا مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فَتَكُونُ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ وَلَا أُنْمُلَتَيْنِ مِنْهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهُمَا، وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ الْيَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ‏(‏وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ‏)‏ مِنْ الذَّهَبِ اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا عَلَى الرَّجُلِ، وَهِيَ الشُّعْبَةُ الَّتِي يَسْتَمْسِكُ بِهَا الْفَصُّ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ، وَمُقَابِلُهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ فَقَالَ‏:‏ لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَاتَمَ أَلْزَمُ لِلشَّخْصِ مِنْ الْإِنَاءِ وَاسْتِعْمَالُهُ أَدْوَمُ‏.‏ نَعَمْ إنْ صَدَأَ بِحَيْثُ لَا يُبَيَّنُ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ‏.‏ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي بِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَصْدَأُ بِأَنَّ مِنْهُ نَوْعًا يَصْدَأُ وَهُوَ مَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ‏:‏ الصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ لَا الْخُيَلَاءُ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ بِشَرْطِ الْخُيَلَاءِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ‏.‏

المتن

وَيَحِلُّ لَهُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَحِلُّ لَهُ‏)‏ أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى بَلْ أَوْلَى ‏(‏مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْيَمِينِ أَمْ فِي الْيَسَارِ، لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَقِيلَ الْيَسَارُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَدِيعَةِ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ خِلَافًا لِلْخَطَّابِيِّ‏.‏

قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ‏:‏ أَيْ وَهُوَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلَدِ وَعَادَةُ أَمْثَالِهِ فِيهَا، فَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ إسْرَافًا كَمَا قَالُوهُ فِي خَلْخَالِ الْمَرْأَةِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ‏.‏ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِدُونِ مِثْقَالٍ لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَابِسِ الْخَاتَمِ الْحَدِيدِ‏:‏ مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ ‏؟‏ قَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمُّهُ مِثْقَالًا‏}‏ قَالَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عُرْفَ بَلَدِهِ وَعَادَةَ أَمْثَالِهِ، وَتَوْحِيدُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَاتَمَ وَجَمْعُ مَا بَعْدَهُ قَدْ يُشْعِرُ بِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ اتِّخَاذًا وَلُبْسًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏:‏ وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا عُدَّ الْوَاحِدُ جَازَ، فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ فِي الِاتِّخَاذِ دُونَ اللُّبْسِ، وَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِيهِ مَا أَفَادَهُ شَيْخِي مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سَرَفٍ، وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْحِلُّ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ‏.‏

المتن

وَحِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ‏:‏ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ، لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ ‏(‏حِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ‏)‏ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْخُوذَةِ ‏(‏وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيمِ‏:‏ مَا يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ وَالتُّرْسِ وَالْخُفِّ وَسِكِّينِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إرْهَابًا لِلْكُفَّارِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَنَّ نَعْلَ سَيْفِهِ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ‏:‏ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ، وَنَعْلُ السَّيْفِ مَا يَكُونُ فِي أَسْفَلَ غِمْدِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، لَكِنْ خَالَفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فَضَعَّفَهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِجَزْمِ الْأَصْحَابِ بِتَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ، وَأَمَّا سِكِّينُ الْمِهْنَةِ أَوْ الْمَقْلَمَةُ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا تَحْلِيَةِ الْمِرْآةِ وَالدَّوَاةِ ‏(‏لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ‏)‏ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْفَرَسِ كَالرِّكَابِ وَالْقِلَادَةِ وَالثَّغْرِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ وَأَطْرَافِ السُّيُورِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ لِلرَّاكِبِ، فَهُوَ كَالْأَوَانِي، وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ الْمِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالسَّيْفِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏

قَالَ فِي الذَّخَائِرِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ لِجَامِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسَرْجِهِمَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ لِلْحَرْبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَحْلِيَةُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِالذَّهَبِ جَزْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُيَلَاءِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُقَاتِلِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جَزْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْلِيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُجَاهِدَ‏.‏ ‏(‏وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حِلْيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ‏)‏ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَإِنْ جَازَ لَهُنَّ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ كَعَكْسِهِ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ‏{‏لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ‏}‏ وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ‏:‏ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ مُخَالِفًا لِهَذَا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيُّ لُبْسٍ يَخْتَصُّ بِهِنَّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا جَازَ لِلنِّسَاءِ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا غَيْرِ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ أَجْوَزُ لَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُنَّ لُبْسُ آلَةِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْلِيَةِ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا‏.‏

المتن

وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ كَالسِّوَارِ، وَالطَّوْقِ وَالْخَاتَمِ، وَالْحَلَقِ فِي الْآذَانِ وَالْأَصَابِعِ، وَالتَّاجِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَوَّدْنَهُ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَالنَّعْلِ، وَلَوْ تَقَلَّدَتْ الْمَرْأَةُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَثْقُوبَةَ بِأَنْ جَعَلَتْهَا فِي قِلَادَتِهَا زُكِّيَتْ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ فَقَدْ وَافَقَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُحْمَلُ مَا فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَلَى الْمُعَرَّاةِ وَهِيَ الَّتِي جُعِلَ لَهَا عُرًا وَجُعِلَتْ فِي الْقِلَادَةِ فَإِنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ‏(‏وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا‏)‏ مِنْ الثِّيَابِ لَهَا لُبْسُهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا، لِزِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ‏.‏ ‏(‏وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ‏)‏ فِي كُلِّ مَا أَبَحْنَاهُ ‏(‏كَخَلْخَالٍ‏)‏ لِلْمَرْأَةِ ‏(‏وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَلَا زِينَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ لِاسْتِبْشَاعِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ إبَاحَةُ مَا تَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْعَصَائِبِ الذَّهَبِ وَإِنْ كَثُرَ ذَهَبُهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَلَا تَسْتَبْشِعُ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الزِّينَةِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَحْرُمُ كَمَا لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ لِتَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ، وَيَأْتِي فِي لُبْسِ ذَلِكَ مَعًا مَا مَرَّ فِي لُبْسِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِهِ السَّرَفَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالْمُبَالَغَةِ مَا إذَا أَسْرَفَتْ وَلَمْ تُبَالِغْ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ، وَفَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي آلَةِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِلُّهُمَا لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِهِمَا لِغَيْرِهَا فَاغْتُفِرَ لَهَا قَلِيلُ السَّرَفِ‏.‏

المتن

وَكَذَا إسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏إسْرَافُهُ‏)‏ أَيْ الرَّجُلِ ‏(‏فِي آلَةِ الْحَرْبِ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَوْ اتَّخَذَ آلَاتٍ كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ مُحَلَّاةً جَازَ كَمَا مَرَّ فِي اتِّخَاذِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ السَّرَفُ‏:‏ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَيُقَالُ فِي النَّفَقَةِ التَّبْذِيرُ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ فَالْمُسْرِفُ الْمُنْفِقُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ قَلَّ إنْفَاقُهُ، وَغَيْرُهُ الْمُنْفِقُ فِي الطَّاعَةِ وَإِنْ أَفْرَطَ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَيْسَ فِي الْحَلَالِ إسْرَافٌ، وَإِنَّمَا السَّرَفُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي‏.‏

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ‏:‏ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ الْحَلَالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ مَا نَفَقَتُكَ‏.‏

قَالَ الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

المتن

وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ‏)‏ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إكْرَامًا لَهُ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْأَوَانِي، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ، وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏لِلْمَرْأَةِ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏بِذَهَبٍ‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي‏}‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَجُوزُ لَهُمَا إكْرَامًا‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ الْمَنْعُ لَهُمَا، وَالطِّفْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ اللَّوْحُ الْمُعَدُّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ‏.‏ وَيَحِلُّ تَحْلِيَةُ غِلَافِ الْمُصْحَفِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِالْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا بِالذَّهَبِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ‏.‏ ‏.‏

قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ وَمَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ بِذَهَبٍ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ عَنْ تَحْلِيَةِ الْكُتُبِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

قَالَ فِي الذَّخَائِرِ سَوَاءٌ فِيهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ حَلَّى الْمَسَاجِدَ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ قَنَادِيلَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرُمَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ فَيُزَكَّى ذَلِكَ لَا إنْ جُعِلَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُزَكَّى لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ وَقْفِهِ إذَا حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَوَقْفُ الْمُحَرَّمِ بَاطِلٌ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ لَيْسَ عَلَى التَّحَلِّي كَمَا تُوُهِّمَ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَالْوَقْفِ عَلَى تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْشِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ مَعَ صِحَّةِ وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ‏.‏ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا لَهُ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ‏.‏

المتن

وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ‏)‏ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ‏{‏لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ‏}‏ نَعَمْ لَوْ مَلَكَ نِصَابًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ إنْسَانًا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ‏.‏

المتن

وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ‏)‏ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْمَرْجَانِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَتْ الْمَاشِيَةَ الْعَامِلَةَ‏.‏ ‏.‏ خَاتِمَةٌ‏:‏ كُلُّ حُلِيٍّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ، مِنْ النَّاسِ حُكْمُ صَنْعَتِهِ كَحُكْمِ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَاسِرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ لَا يُكْسَرُ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ‏:‏ وَلَوْ كَسَرَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ‏:‏‏.‏ وَلَا يَجُوزُ تَثْقِيبُ الْآذَانِ لِلْقُرْطِ وَإِنْ أُبِيحَ الْقُرْطُ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُثَقِّبِ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ‏.‏ وَيَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَهُ تَعْظِيمًا لَهَا بِخِلَافِ سَتْرِ غَيْرِهَا بِهِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّعْلِيلِ جَوَازَ سَتْرِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ‏.‏ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ وَلَا بَأْسَ بِتَزْيِينِ الْمَسْجِدِ بِالْقَنَادِيلِ‏:‏ أَيْ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالشُّمُوعِ الَّتِي لَا تُوقَدُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ احْتِرَامٍ‏.‏

بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ‏.‏

المتن

مَنْ اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ الْخُمُسُ، فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِلَّا فَخُمُسُهُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ‏)‏ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا‏:‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْجَوَاهِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُدُونِهِ‏:‏ أَيْ إقَامَتِهِ‏:‏ يُقَالُ عَدَنَ إذَا أَقَامَ فِيهِ، وَمِنْهُ ‏{‏جَنَّاتُ عَدْنٍ‏}‏ أَيْ إقَامَةٍ، وَيُسَمَّى الْمُسْتَخْرَجُ مَعْدِنًا أَيْضًا كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا‏}‏ أَيْ زَكُّوا ‏{‏مِنْ طَيِّبَاتِ‏}‏ أَيْ خِيَارِ ‏{‏مَا كَسَبْتُمْ‏}‏ أَيْ مِنْ الْمَالِ ‏{‏وَمِنْ‏}‏ طَيِّبَاتِ ‏{‏مَا أَخْرَجْنَا لَكُمْ‏}‏ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَخَبَرُ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ‏}‏، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ‏:‏ نَاحِيَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا الْفُرْعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَقَالَ ‏(‏مَنْ اسْتَخْرَجَ‏)‏ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ‏(‏ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً‏)‏ لَا غَيْرَهُمَا كَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ ‏(‏مِنْ مَعْدِنٍ‏)‏ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ‏(‏لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ‏)‏ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ ‏{‏وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ‏}‏ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فِي الْمُدَّةُ الْمَاضِيَةِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأَرْضَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏الْخُمُسُ‏)‏ كَالرِّكَازِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فِي الْأَرْضِ ‏(‏فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ‏)‏ كَأَنْ احْتَاجَ إلَى طَحْنٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِالنَّارِ أَوْ حَفْرٍ ‏(‏فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ حَصَلَ بِلَا تَعَبٍ ‏(‏فَخُمُسُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَزْدَادُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا كَالْمُعَشَّرَاتِ‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ ‏(‏النِّصَابُ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ ‏(‏لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا‏)‏ وَقَطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ تَكَامُلِ النَّمَاءِ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ فِي اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَطَرِيقُ الْخِلَافِ مُفَرَّعٌ فِي النِّصَابِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ تَخْمِيسُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَفِي الْحَوْلِ عَلَى وُجُوبِ رُبْعِ الْعُشْرِ لِعُمُومِ ‏{‏لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ‏}‏، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَبِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ‏.‏

المتن

وَيَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ ضَمَّ، وَإِلَّا فَلَا يَضُمُّ الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي، وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَضُمُّ بَعْضَهُ‏)‏ أَيْ الْمُسْتَخْرَجِ ‏(‏إلَى بَعْضٍ إنْ‏)‏ اتَّحَدَ الْمَعْدِنُ‏:‏ أَيْ الْمُخْرَجُ وَ ‏(‏تَتَابَعَ الْعَمَلُ‏)‏ كَمَا يَضُمُّ الْمُتَلَاحِقَ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَكَانِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ فَلَوْ تَعَدَّدَ لَمْ يَضُمَّ تَقَارَبَا أَوْ تَبَاعَدَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي اخْتِلَافِ الْمَكَانِ اسْتِئْنَافُ عَمَلٍ، هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ شَيْخِي، وَكَذَا فِي الرِّكَازِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ فِي الضَّمِّ ‏(‏اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا مُتَفَرِّقًا، وَالْقَدِيمُ إنْ طَالَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُضَمَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْعَمَلَ ‏(‏وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ‏)‏ كَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَهَرَبِ الْأُجَرَاءِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ‏(‏ضُمَّ‏)‏ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِذَلِكَ مُعْرِضًا؛ لِأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْعَمَلِ إذَا ارْتَفَعَ الْعُذْرُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ قَطَعَ الْعَمَلَ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏فَلَا يَضُمُّ‏)‏ سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَنُ أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِ، وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمِّ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ ‏(‏الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي‏)‏ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ‏(‏وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ‏)‏ إنْ كَانَ بَاقِيًا ‏(‏كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ‏)‏ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا ‏(‏فِي إكْمَالِ النِّصَابِ‏)‏ فَإِذَا اسْتَخْرَجَ مِنْ الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِي الْخَمْسِينَ، وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا تَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِخَمْسِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ حِينِ تَمَامِهِمَا إذَا أَخْرَجَ حَقَّ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ نِصَابًا ضُمَّ الثَّانِي إلَيْهِ قَطْعًا، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لَا تَرِدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهَا بِالْوُجُوبِ أَوْلَى مِمَّا صَرَّحَ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

خَرَجَ بِقَوْلِنَا‏:‏ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ‏.‏ وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ، وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخِيلٌ فِيهَا، وَالْمَانِعُ لَهُ الْحَاكِمُ فَقَطْ وَإِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ مَنْعِهِ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ بِتَأَبُّدِ ضَرَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَصْرِفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَوَقْتُ وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ عَقِبَ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْحُبُوبِ فِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ، وَيُجْبَرُ عَلَى التَّنْقِيَةِ، كَمَا فِي تَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ، وَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ قَبْلَهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ‏.‏ فَإِنْ قَبَضَهُ السَّاعِي قَبْلَهَا ضَمِنَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِهِ إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ غَرِمَهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ تُرَابُ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ، أَوْ تُرَابُ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَعْدِنُ الْمُخْرَجُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ صُدِّقَ السَّاعِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ فَإِنْ مَيَّزَهُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا وَمِنْ الْإِخْرَاجِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ لَا زَكَاةُ الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ فَكَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ‏.‏ وَلَوْ اسْتَخْرَجَ اثْنَانِ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا زَكَّيَاهُ لِلْخُلْطَةِ‏.‏

المتن

وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

الشَّرْحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَانِي مَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَخَالَفَ الْمَعْدِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مُؤْنَةَ فِي تَحْصِيلِهِ، أَوْ مُؤْنَتُهُ قَلِيلَةٌ فَكَثُرَ وَاجِبُهُ كَالْمُعَشَّرَاتِ ‏(‏يُصْرَفُ‏)‏ أَيْ الْخُمُسُ وَكَذَا الْمَعْدِنُ ‏(‏مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَرَجَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَاجِدِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ حَصَلَ الظَّفْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَ كَالْفَيْءِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏.‏

المتن

وَشَرْطُهُ النِّصَابُ، وَالنَّقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا الْحَوْلُ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ‏.‏

الشَّرْحُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَصْرِفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ ‏(‏وَشَرْطُهُ النِّصَابُ‏)‏ وَلَوْ بِالضَّمِّ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَالنَّقْدُ‏)‏ أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَضْرُوبُ وَغَيْرُهُ كَالسَّبَائِكِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ‏}‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ ‏(‏لَا الْحَوْلُ‏)‏ فَلَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَرَى فِي الْمَعْدِنِ خِلَافٌ لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الرِّكَازُ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ ‏(‏الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ‏)‏ أَيْ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ - أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الدَّفِينِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازًا كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ‏:‏ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ وَعَانَدَ وَوُجِدَ فِي بِنَائِهِ أَوْ بَلَدِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا كَنْزٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيِّ ضَرْبًا أَوْ دَفْنًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ‏:‏ وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ‏.‏ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الْأَوَّلَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ‏:‏ الرِّكَازُ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ، قِيلَ‏:‏ وَهِيَ أَوْلَى فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِدَفْنِهِمْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ كَوْنُهُ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُسْلِمًا عَثَرَ بِكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ فَأَخَذَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ كَذَا قَالَاهُ‏.‏ وَ‏.‏ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ أَخْذِ مُسْلِمٍ لَهُ ثُمَّ دَفْنِهِ ثَانِيًا وَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَنَا رِكَازٌ بِالْكُلِّيَّةِ‏.‏

قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ دَفْنِهِمْ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا أَوْلَى‏.‏ وَالتَّقْيِيدُ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي الصَّحَارِي مِنْ دَفِينِ الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ عَاصَرُوا الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ رِكَازًا بَلْ فَيْئًا‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ السَّابِقُ،‏.‏

المتن

فَإِنْ وُجِدَ إسْلَامِيٌّ عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ‏.‏

الشَّرْحُ

وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ رِكَازًا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا، فَإِنْ وَجَدَهُ ظَاهِرًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السَّيْلَ أَظْهَرَهُ فَرِكَازٌ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏فَإِنْ وُجِدَ‏)‏ دَفِينٌ ‏(‏إسْلَامِيٌّ‏)‏ كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ ‏(‏عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ‏)‏ لَا لِلْوَاجِدِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ لَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ ‏(‏فَلُقَطَةٌ‏)‏ يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ كَمَا يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ الْمَوْجُودَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ‏(‏وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ‏)‏ الْجَاهِلِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ ‏(‏هُوَ‏)‏ بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ عَلَيْهِ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي، أَوْ كَانَ مِثْلُهُ يُضْرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ ‏(‏وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ‏)‏ أَيْ الرِّكَازَ ‏(‏الْوَاجِدُ‏)‏‏.‏

المتن

وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أَوْ أَقْطَعَهُ أَمْ لَا، وَكَالْمَوَاتِ مَا وُجِدَ فِي قُبُورِهِمْ أَوْ خَرَائِبِهِمْ أَوْ قِلَاعِهِمْ ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ ‏(‏فِي مِلْكٍ أَحْيَاهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرِّكَازَ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ‏.‏

المتن

فَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَإِنْ وُجِدَ‏)‏ الرِّكَازَ ‏(‏فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ يَفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ جُهِلَ مَالِكُهُ فَيَكُونُ لُقَطَةً‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ رِكَازٌ كَالْمَوَاتِ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الثَّلَاثَةِ‏.‏

المتن

أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ ‏(‏مِلْكَ شَخْصٍ‏)‏ أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ‏(‏فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ‏)‏ يَأْخُذُ بِلَا يَمِينٍ كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ كَذَا قَالَاهُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ‏:‏ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَنْفِيَهُ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ الصَّوَابُ كَسَائِرِ مَا بِيَدِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ وَيُفَارِقُ سَائِرَ مَا بِيَدِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ لَهُ غَالِبًا بِخِلَافِهِ فَاعْتُبِرَ دَعْوَاهُ لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ دَفَنَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ ‏(‏فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ‏)‏ وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَسَلَكَ بِالْبَاقِي مَا ذُكِرَ ‏(‏وَهَكَذَا‏)‏ يَجْرِي مَا تَقَرَّرَ ‏(‏حَتَّى يَنْتَهِيَ‏)‏ الْأَمْرُ ‏(‏إلَى الْمُحْيِي‏)‏ لِلْأَرْضِ فَيَكُونَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ مَلَكَ مَا فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمْسُ الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ مَلَكَهُ، وَإِذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُ أَلْزَمْنَاهُ زَكَاةَ الْبَاقِي لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ، فَإِنْ مَاتَ الْمُحْيِي قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ بَعْضُهُمْ أُعْطِيَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَحُفِظَ الْبَاقِي، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهِ تَصَدَّقَ بِهِ الْإِمَامُ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ الْمَالِكُ مِنْهُمَا فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ‏.‏

المتن

وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ تَنَازَعَهُ‏)‏ أَيْ الرِّكَازَ فِي الْمِلْكِ ‏(‏بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ‏)‏ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ هُوَ لِي وَأَنَا دَفَنْتُهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ وَالْمُكْرِي وَالْمُعِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ ‏(‏صُدِّقَ ذُو الْيَدِ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي أَمْتِعَةِ الدَّارِ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُكْرِي أَوْ الْمُعِيرِ، فَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ‏:‏ دَفَنْتُهُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ دَفَنْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِي صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّمَ لَهُ حُصُولَ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَنْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَالِثِ مَا فِي التَّرْجَمَةِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ‏:‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ‏]‏

المتن

شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْحَوْلُ، وَالنِّصَابُ مُعْتَبَرًا بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ

الشَّرْحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ أَيْ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِالْمُعَاوَضَةِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ‏}‏‏)‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ‏}‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَالْبَزُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالزَّايِ، يُقَالُ لِلثِّيَابِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَزَّازِينَ، وَعَلَى السِّلَاحِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ‏.‏ وَعَنْ سَمُرَةَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ‏}‏‏.‏

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ وَأَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهَا‏.‏ وَأَمَّا خَبَرُ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ‏}‏ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ‏.‏ ‏(‏شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ‏:‏ الْحَوْلُ‏)‏ قَطْعًا ‏(‏وَالنِّصَابُ‏)‏ كَذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاشِي وَالنَّاضِّ ‏(‏مُعْتَبَرًا‏)‏ أَيْ النِّصَابُ ‏(‏بِآخِرِ الْحَوْلِ‏)‏ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فَلَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهُ لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِ الْقِيَمِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ‏)‏ أَيْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ دُونَ وَسَطِهِ‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْحَوْلِ‏.‏ وَأَمَّا الْآخَرُ؛ فَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْعَرْضِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَشُقُّ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ‏)‏ كَالنَّقْدِ وَالْمَوَاشِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا بِالْقِيمَةِ وَتَعْسُرُ مُرَاعَاتُهَا كُلَّ وَقْتٍ لِاضْطِرَابِ الْأَسْعَارِ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا‏.‏ وَالْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُخَرَّجَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْأَوْجُهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَرِّجَ يُعَبِّرُ عَنْهُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْوَجْهِ‏.‏

المتن

فَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ رُدَّ إلَى النَّقْدِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَعَلَى الْأَظْهَرِ‏)‏ وَهُوَ اعْتِبَارُ آخِرِ الْحَوْلِ ‏(‏لَوْ رُدَّ‏)‏ مَالُ التِّجَارَةِ ‏(‏إلَى النَّقْدِ‏)‏ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ بِأَنْ بِيعَ بِهِ ‏(‏فِي خِلَالِ‏)‏ أَيْ أَثْنَاءِ ‏(‏الْحَوْلِ، وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ‏)‏ وَقْتِ ‏(‏شِرَائِهَا‏)‏ لِتَحَقُّقِ نُقْصَانِهَا حِسًّا بِالتَّنْضِيضِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِهَا سِلْعَةً نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ التِّجَارَةِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّقْدِ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْحَالُ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ وَهُوَ نِصَابٌ فَحَوْلُهُ بَاقٍ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْرِيعِ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا مِنْ بَابِ أَوْلَى‏.‏

المتن

وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ، وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النِّصَابِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ‏)‏ بِسُكُونِ الرَّاءِ ‏(‏دُونَ النِّصَابِ‏)‏ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ وَيَبْطُلُ‏)‏ الْحَوْلُ ‏(‏الْأَوَّلُ‏)‏ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَضَى فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ، بَلْ مَتَى بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَيُبْتَدَأُ الْحَوْلُ الثَّانِي وَقْتَئِذٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهُ حَوْلًا بَلْ وَزِيَادَةً وَتَمَّ نِصَابًا فَيَقُولُ الْعَامِلُ‏:‏ هُنَا كَمَا قَالَ الْأَخُ الشَّقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحِمَارِيَّةِ‏:‏ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ ‏؟‏ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَابْتَاعَ بِخَمْسِينَ مِنْهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ آخِرَ الْحَوْلِ وَإِنْ مَلَكَهُ فِي أَثْنَائِهِ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ بِالْمِائَةِ ثُمَّ مَلَكَ خَمْسِينَ زَكَّى الْجَمِيعَ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ إنَّمَا تُضَمُّ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْحَوْلِ‏.‏

المتن

وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِالْهِبَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا‏)‏ أَيْ الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَاكْتَفَيْنَا فِيهَا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ عَرْضِ الْقُنْيَةِ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ أَصْلٍ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إذَا نَوَى وَهُوَ مَاكِثٌ وَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالْفِعْلِ، وَأَيْضًا الْقُنْيَةُ هِيَ الْحَبْسُ لِلِانْتِفَاعِ وَقَدْ وُجِدَ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَالتِّجَارَةُ‏:‏ هِيَ التَّقْلِيبُ بِقَصْدِ الْأَرْبَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِلَا نِيَّةِ قُنْيَةٍ فَهُوَ مَالُ تِجَارَةٍ، فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ فَلَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِنِيَّتِهَا اسْتِعْمَالًا جَائِزًا أَوْ مُحَرَّمًا كَلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ‏.‏

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلَوْ نَوَى الْقُنْيَةَ بِبَعْضِ عَرْضِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِي تَأْثِيرِهِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيُرْجَعُ فِي التَّعْيِينِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَقْرَبُهُمَا الْمَنْعُ ‏(‏وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ‏)‏ مَحْضَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا ‏(‏كَشِرَاءٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ بِعَرْضٍ أَمْ نَقْدٍ أَمْ دَيْنٍ حَالٍّ أَمْ مُؤَجَّلٍ لِانْضِمَامِ قَصْدِ التِّجَارَةِ إلَى فِعْلِهَا، وَمِنْ الْمَمْلُوكِ بِمُعَاوَضَةٍ مَا اتَّهَبَهُ بِثَوَابٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَنْ دَمٍ وَمَا أَجَرَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ مَالَهُ، أَوْ مَا اسْتَأْجَرَهُ، أَوْ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَنْ كَانَ يَسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ وَيُؤْجِرُهَا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ‏)‏ فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ لِلتِّجَارَةِ إذْ اقْتَرَنَا بِنِيَّتِهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا مُلِكَا بِمُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِهِمَا، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ التِّجَارَةِ لَمْ يُحْتَجْ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ ‏(‏لَا بِالْهِبَةِ‏)‏ غَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ‏(‏وَالِاحْتِطَابِ‏)‏ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْإِرْثِ ‏(‏وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ‏)‏ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ، بَلْ الِاسْتِرْدَادُ الْمَذْكُورُ فَسْخٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ مَجَّانًا لَا يُعَدُّ تِجَارَةً، فَلَوْ قَصَدَ التِّجَارَةَ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لَمْ يُؤَثِّرْ، إذْ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَاغِيَةٌ، فَمَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ عَرْضًا لِلْقُنْيَةِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ لَمْ يَصِرْ مَالَ تِجَارَةٍ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَعُودُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ مَالَ تِجَارَةٍ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَامَةٍ مِنْ شِرَاءِ عَرْضِ التِّجَارَةِ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرْضًا آخَرَ، وَلَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ دِبَاغًا لِيَدْبُغَ بِهِ لِلنَّاسِ أَوْ صِبْغًا لِيَصْبُغَ بِهِ لَهُمْ صَارَ مَالَ تِجَارَةٍ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّابُونِ إذَا اشْتَرَاهُ لَهَا لِيَغْسِلَ بِهِ لِلنَّاسِ أَوْ الْمِلْحِ لِيَعْجِنَ بِهِ لَهُمْ لَا يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ فَلَا يَقَعُ مُسَلَّمًا لَهُمْ‏.‏

المتن

وَإِذَا مَلَكَهُ بِنَقْدِ نِصَابٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ النَّقْدَ، أَوْ دُونَهُ أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ فَمِنْ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا

الشَّرْحُ

‏(‏وَإِذَا مَلَكَهُ‏)‏ أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ ‏(‏بِنَقْدِ‏)‏ وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ ‏(‏نِصَابٍ‏)‏ أَوْ دُونَهُ وَفِي مِلْكِهِ بَاقِيه‏:‏ كَأَنْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ بِعَيْنٍ عَشَرَةً أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَفِي مِلْكِهِ عَشَرَةٌ أَوْ مِائَةٌ أُخْرَى ‏(‏فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏النَّقْدَ‏)‏ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَفِي جِنْسِهِ‏.‏

أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَوْلُ النَّقْدِ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ‏(‏أَوْ دُونَهُ‏)‏ أَيْ أَوْ مَلَكَهُ بِدُونِ النِّصَابِ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ بَاقِيهِ ‏(‏أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ‏)‏ كَالثِّيَابِ ‏(‏فَمِنْ الشِّرَاءِ‏)‏ حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ مَالَ زَكَاةٍ ‏(‏وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا مَالُ زَكَاةٍ جَارٍ فِي الْحَوْلِ، فَكَانَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ نَقْدٍ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَقِيسِ مُخْتَلِفٌ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ‏.‏

المتن

وَيَضُمُّ الرِّبْحَ، إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَا إنْ نَضَّ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ وَأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ، وَوَاجِبُهَا رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَضُمُّ الرِّبْحَ‏)‏ الْحَاصِلُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ‏(‏إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ‏)‏ بِكَسْرِ النُّونِ‏:‏ أَيْ يَصِرْ نَاضًّا بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ مِمَّا يَشُقُّ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا فِي الْمُحَرَّمِ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلَاثَمِائَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْلِ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَسِمَنِ الْحَيَوَانِ أَمْ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَرْضَ بِدُونِ قِيمَتِهِ زَكَّى الْقِيمَةَ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَفِي زَكَاةِ الزَّائِدِ مَعَهَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْوُجُوبُ ‏(‏لَا إنْ نَضَّ‏)‏ أَيْ صَارَ الْكُلُّ نَاضًّا بِنَقْدِ التَّقْوِيمِ بِبَيْعٍ أَوْ إتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ وَأَمْسَكَهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَضُمُّ بَلْ يُزَكِّي الْأَصْلَ بِحَوْلِهِ وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ بَاعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ وَبَلَغَ آخِرَ الْحَوْلِ بِالتَّقْوِيمِ أَوْ بِالتَّنْضِيضِ مِائَةً زَكَّى خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِشْرُونَ وَنَصِيبَهَا مِنْ الرِّبْحِ ثَلَاثُونَ، فَتُزَكَّى الثَّلَاثُونَ الرِّبْحَ مَعَ أَصْلِهَا الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُضُوضٍ لَهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ كَأَنْ بَاعَهُ آخِرَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَّاهَا لِحَوْلِهَا‏:‏ أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُضِيِّ الْأَوَّلِ، وَزَكَّى رِبْحَهَا، وَهُوَ ثَلَاثُونَ بِحَوْلِهِ‏:‏ أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي زَكَّى عَنْهَا أَوَّلًا بَاقِيَةً زَكَّاهَا أَيْضًا لِحَوْلِ الثَّلَاثِينَ، وَإِلَّا‏:‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ زَكَّى رِبْحَهَا وَهُوَ الثَّلَاثُونَ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنِضَّ قَبْلَ فَرَاغِ حَوْلِهَا، وَالثَّانِي يُزَكِّي الرِّبْحَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا يُزَكِّي النِّتَاجَ بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّتَاجَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِحُسْنِ التَّصَرُّفِ، وَلِهَذَا يَرُدُّ الْغَاصِبُ نِتَاجَ الْحَيَوَانِ دُونَ الرِّبْحِ‏.‏

أَمَّا إذَا كَانَ النَّاضُّ الْمَبِيعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دُونَ نِصَابٍ‏:‏ كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَمْسَكَهَا إلَى تَمَامِ حَوْلِ الشِّرَاءِ زَكَّاهُمَا إنْ ضَمَمْنَا الرِّبْحَ إلَى الْأَصْلِ وَاعْتَبَرْنَا النِّصَابَ آخِرَ الْحَوْلِ فَقَطْ وَإِلَّا زَكَّى مِائَةَ الرِّبْحِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ‏)‏ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ السَّائِمَةِ كَمَعْلُوفَةٍ وَخَيْلٍ ‏(‏وَثَمَرَهُ‏)‏ كَثَمَرِ الشَّجَرَةِ وَأَغْصَانِهَا وَأَوْرَاقِهَا وَصُوفِ الْحَيَوَانِ وَوَبَرِهِ وَشَعْرِهِ ‏(‏مَالُ تِجَارَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا جُزْءَانِ مِنْ الْأُمِّ وَالشَّجَرِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْصُلَا بِالتِّجَارَةِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ، أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ الْأُمُّ تُسَاوِي أَلْفًا فَصَارَتْ بِالْوِلَادَةِ ثَمَانِيَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ يُجْبَرُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ جَزْمًا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ‏)‏ تَبَعًا كَنِتَاجِ السَّائِمَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا، بَلْ تُفْرَدُ بِحَوْلٍ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ، فَأُفْرِدَتْ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّبْحِ النَّاضِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، تَصْحِيحُ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ ‏(‏وَوَاجِبُهَا‏)‏ أَيْ التِّجَارَةِ ‏(‏رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ‏)‏ أَمَّا كَوْنُهُ رُبْعَ عُشْرٍ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَالنَّقْدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ الْجَدِيدُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ عَيْنِ الْعَرْضِ، وَالْقَدِيمُ‏:‏ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ، وَالْقِيمَةُ تَقْدِيرٌ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ‏.‏

المتن

فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِعَرْضٍ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَبَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَإِنْ مُلِكَ‏)‏ الْعَرْضُ ‏(‏بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ النَّقْدُ هُوَ الْغَالِبُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا بِيَدِهِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ دَائِمًا‏.‏ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ إذَا مُلِكَ الْعَرْضُ بِنَقْدٍ ‏(‏دُونَهُ‏)‏ أَيْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ‏.‏ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْلِكْ بَقِيَّةَ النِّصَابِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ‏.‏ فَإِنْ مَلَكَهُ قَوَّمَ بِهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَابْتَدَأَ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ لَكِنْ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مُلِكَ الْعَرْضُ ‏(‏بِعَرْضٍ‏)‏ لِلْقُنْيَةِ أَوْ بِخُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ‏(‏فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ‏)‏ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يُقَوَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّقْوِيمُ بِالْأَصْلِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ عَلَى قَاعِدَةِ التَّقْوِيمَاتِ فِي الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ بِمَحَلٍّ لَا نَقْدَ فِيهِ كَبَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالْفُلُوسِ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَلَوْ مُلِكَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ أَوْ بِنَحْوِ سَبَائِكَ قُوِّمَ بِجِنْسِهِ مِنْ النَّقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ‏(‏فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ‏)‏ عَلَى التَّسَاوِي ‏(‏وَبَلَغَ‏)‏ مَالُ التِّجَارَةِ ‏(‏بِأَحَدِهِمَا‏)‏ دُونَ الْآخَرِ ‏(‏نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ‏)‏ لِبُلُوغِهِ نِصَابًا بِنَقْدٍ غَالِبٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَلَغَ النَّقْدُ الَّذِي عِنْدَهُ نِصَابًا فِي أَحَدِ الْمِيزَانَيْنِ دُونَ الْآخَرَ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ دُونَ ذَاكَ ‏(‏فَإِنْ بَلَغَ‏)‏ نِصَابًا ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏لِلْفُقَرَاءِ‏)‏ كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، هَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحًا عَنْ مُقْتَضَى إيرَادِ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ ‏(‏وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ‏)‏ فَيُقَوَّمُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَبِهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الشِّرَاءُ بِالْأَنْفَعِ لِيُقَوِّمَ بِهِ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ‏.‏

المتن

وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِيَ بِالْغَالِبِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ‏)‏ كَأَنْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعَرْضٍ قُنْيَةً ‏(‏قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْغَالِبِ‏)‏ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِجِنْسٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفِ الصِّفَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ إذَا تَفَاوَتَا‏.‏

المتن

وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً، فَإِنْ كَمُلَ نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ فَقَطْ وَجَبَتْ أَوْ نِصَابُهُمَا فَزَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الْجَدِيدِ

الشَّرْحُ

‏(‏وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا‏)‏ أَيْ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا، فَلَا يَتَدَاخَلَانِ‏:‏ كَالْقِيمَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ ‏(‏وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً‏)‏ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَثَمَرٍ ‏(‏فَإِنَّ كَمُلَ‏)‏ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ ‏(‏نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ‏)‏ الْعَيْنِ وَالتِّجَارَةِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ دُونَ نِصَابِ الْأُخْرَى كَأَنْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ ‏(‏وَجَبَتْ‏)‏ زَكَاةُ مَا كَمُلَ نِصَابُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهَا مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَمُلَ ‏(‏نِصَابُهُمَا‏)‏ كَأَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ ‏(‏فَزَكَاةُ الْعَيْنِ‏)‏ تَجِبُ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِخِلَافِ الْأُولَى، وَأَيْضًا زَكَاةُ التِّجَارَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَقُدِّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى، وَتُقَدَّمُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الزَّكَاتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ‏:‏ لَوْ كَانَ مَعَ مَا فِيهِ زَكَاةُ عَيْنِ مَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ، كَأَنْ اشْتَرَى شَجَرًا لِلتِّجَارَةِ، فَبَدَا صَلَاحُ ثَمَرِهِ وَجَبَ مَعَ تَقْدِيمِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عَنْ الثَّمَرِ زَكَاةُ الشَّجَرِ‏.‏

المتن

فَعَلَى هَذَا لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ، بِأَنْ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا‏.‏

الشَّرْحُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ لَكَانَ أَعَمَّ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى نَقْدًا بِنَقْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا كَالصَّيَارِفَةِ فَالْأَصَحُّ انْقِطَاعُهُ أَيْضًا‏.‏ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ ‏(‏فَعَلَى هَذَا‏)‏ أَيْ الْجَدِيدِ ‏(‏لَوْ سَبَقَ حَوْلُ‏)‏ زَكَاةِ ‏(‏التِّجَارَةِ‏)‏ حَوْلَ زَكَاةِ الْعَيْنِ ‏(‏بِأَنْ‏)‏ وَأَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ ‏(‏اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ‏)‏ مِنْ حَوْلِهَا ‏(‏نِصَابَ سَائِمَةٍ‏)‏ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُنْيَةَ ‏(‏فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا‏)‏ لِئَلَّا يُحَطَّ بَعْضُ حَوْلِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ وُجِدَ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ ‏(‏ثُمَّ يَفْتَتِحُ‏)‏ مِنْ تَمَامِهِ ‏(‏حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا‏)‏ أَيْ فَيَجِبُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْوَالِ، وَمَا مَضَى مِنْ السَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالثَّانِي يَبْطُلُ حَوْلُ التِّجَارَةِ، وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا مِنْ الشِّرَاءِ، وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْمَذْكُورِ‏:‏ تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِكُلِّ حَوْلٍ‏.‏

المتن

وَإِذَا قُلْنَا‏:‏ عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالشُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْمَذْهَبُ‏:‏ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَإِذَا قُلْنَا‏:‏ عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ‏)‏ الْمَشْرُوطَ لَهُ ‏(‏بِالظُّهُورِ‏)‏ وَهُوَ الْأَصَحُّ، بَلْ بِالْقِسْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏فَعَلَى الْمَالِكِ‏)‏ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ ‏(‏زَكَاةُ الْجَمِيعِ‏)‏ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ ‏(‏فَإِنَّ أَخْرَجَهَا مِنْ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏مَالِ الْقِرَاضِ‏)‏ فَذَاكَ، أَوْ مِنْ مَالِهِ ‏(‏حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَلَا يَجْعَلُ إخْرَاجَهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَالْكَيَّالِ وَفِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَجِنَايَاتِهِمْ‏.‏ وَالثَّانِي تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَالُ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ زَكَاةُ الْأَصْلِ مِنْ الْأَصْلِ، وَزَكَاةُ الرِّبْحِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِيهِمَا ‏(‏وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ‏)‏ الْعَامِلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ ‏(‏بِالظُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا ‏(‏وَالْمَذْهَبُ‏:‏ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ‏)‏ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ بِالْقِسْمَةِ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاءُ حَوْلِ حِصَّتِهِ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي‏.‏ خَاتِمَةٌ‏:‏ يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التِّجَارَةِ أَوْ وَهَبَهُ فَكَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ‏.‏