فصل: بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

المتن

هِيَ سُنَّةٌ‏:‏

الشرحُ

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَيُقَالُ فِيهِمَا خَسُوفَانِ، وَالْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ، وَحُكِيَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ بِالْكَافِ‏:‏ أَوَّلُهُ فِيهِمَا، وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْكُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسَفَتْ حَالُهُ‏:‏ أَيْ تَغَيَّرَتْ‏:‏ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ‏.‏ وَالْخُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ خَسَفَ الشَّيْءُ خُسُوفًا أَيْ ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ‏.‏ قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ‏:‏ إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا، فَيُرَى لَوْنُ الْقَمَرِ كَمِدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا‏.‏ وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةً بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ‏}‏ أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ‏)‏ ‏(‏هِيَ سُنَّةٌ‏)‏ مُؤَكَّدَةٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مُخَاطَبٍ بِالْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَلَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا‏:‏ أَيْ الْخَمْسِ ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ‏)‏ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ‏:‏ ‏"‏ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا ‏"‏ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ‏.‏

المتن

فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ‏.‏ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ، وَلَا نَقْصُهُ لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْبَقَرَةَ، وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَالرَّابِعِ مِائَةً تَقْرِيبًا، وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ، وَالثَّالِثِ سَبْعِينَ، وَالرَّابِعِ خَمْسِينَ تَقْرِيبًا، وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتُسَنُّ جَمَاعَةً وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ، ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَيَحُثُّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْخَيْرِ‏.‏

الشرحُ

وَأَقَلُّ كَيْفِيَّتِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ‏)‏ وَهَذِهِ النِّيَّةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ‏:‏ إنَّ النَّفَلَ ذَا السَّبَبِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ، وَلِهَذَا أَهْمَلَ النِّيَّةَ فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ أَقَلِّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، ‏(‏وَيَقْرَأُ‏)‏ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ ‏(‏الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ‏)‏ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ‏(‏ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ‏)‏ ثَانِيًا ‏(‏ثُمَّ يَرْكَعُ‏)‏ ثَانِيًا أَقْصَرَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ‏(‏ثُمَّ يَعْتَدِلُ‏)‏ ثَانِيًا، وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ عَنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ حَمْدًا طَيِّبًا إلَخْ‏.‏ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ، بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالرَّفْعِ وَثَانِيًا بِالِاعْتِدَالِ فِيهِ مَيْلٌ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى اعْتِدَالًا، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ‏(‏ثُمَّ يَسْجُدُ‏)‏ السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا ‏(‏فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي‏)‏ رَكْعَةً ‏(‏ثَانِيَةً كَذَلِكَ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ أَقَلَّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏لِتَمَادِي‏)‏ أَيْ طُولِ مُكْثِ ‏(‏الْكُسُوفِ، وَلَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏نَقْصُهُ‏)‏ أَيْ نَقْصُ رُكُوعٍ‏:‏ أَيْ إسْقَاطُهُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ الْمَنْوِيَّيْنِ ‏(‏لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا‏.‏ وَالثَّانِي يُزَادُ وَيُنْقَصُ‏.‏ أَمَّا الزِّيَادَةُ ‏"‏ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ ‏"‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ وَفِيهِ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ‏.‏ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقَائِعَ فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا ا هـ‏.‏ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَقِيلَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِهَا‏.‏ وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْوَاقِعَةُ فَلَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهَا تَعَدَّدَتْ وَصَلَّاهَا مَرَّاتٍ، فَالْجَمِيعُ جَائِزٌ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَعَلَى هَذَا، الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ا هـ‏.‏ وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ‏:‏ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا‏.‏ وَأَمَّا النَّقْصُ لِلِانْجِلَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَاسَهُ عَلَى الِانْجِلَاءِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ جَوَازُ فِعْلِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَصَدَ فِعْلَهَا ابْتِدَاءً كَذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَجْوِيزُ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة‏.‏ وَأَمَّا الْأُولَى فَكَيْفَ يُعْلَمُ فِيهَا التَّمَادِي بَعْدَ فَرَاغِ الرُّكُوعَيْنِ ‏؟‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاقْتَضَى حِسَابُهُ ذَلِكَ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِدَامَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ‏.‏ نَعَمْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْكُسُوفَ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا مَعَهُ كَالْمَكْتُوبَةِ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا ‏؟‏ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَالْأَكْمَلُ‏)‏ فِيهَا زَائِدًا عَلَى الْأَقَلِّ ‏(‏أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ‏)‏ كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ ‏(‏بَعْدَ الْفَاتِحَةِ‏)‏ وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ ‏(‏الْبَقَرَةَ‏)‏ بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرَهَا ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَقْرَأَ ‏(‏فِي‏)‏ الْقِيَامِ ‏(‏الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي‏)‏ الْقِيَامِ ‏(‏الثَّالِثِ‏)‏ مِثْلَ ‏(‏مِائَةٍ وَخَمْسِينَ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي الْقِيَامِ ‏(‏الرَّابِعِ‏)‏ مِثْلَ ‏(‏مِائَةٍ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏تَقْرِيبًا‏)‏ فِي الْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي ‏"‏ آلَ عِمْرَانَ ‏"‏ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّالِثِ ‏"‏ النِّسَاءَ ‏"‏ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الرَّابِعِ ‏"‏ الْمَائِدَةَ ‏"‏ أَوْ قَدْرَهَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ثُمَّ الثَّالِثِ عَلَى الرَّابِعِ‏.‏ وَأَمَّا نَقْصُ الثَّالِثِ عَنْ الثَّانِي أَوْ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ فَلِأَجْلِهِ لَا بُعْدَ فِي ذِكْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الثَّانِي‏.‏ وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِي الْقَوْمَةِ الثَّانِيَةِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْبَقَرَةِ أَلْفُ أَمْرٍ، وَأَلْفُ نَهْيٍ، وَأَلْفُ حُكْمٍ، وَأَلْفُ خَبَرٍ ‏(‏وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ‏)‏ مِنْ الرُّكُوعَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ‏(‏قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَفِي‏)‏ الرُّكُوعِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ قَدْرَ ‏(‏ثَمَانِينَ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي الرُّكُوعِ ‏(‏الثَّالِثِ‏)‏ قَدْرَ ‏(‏سَبْعِينَ‏)‏ مِنْهَا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى السِّينِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي الرُّكُوعِ ‏(‏الرَّابِعِ‏)‏ قَدْرَ ‏(‏خَمْسِينَ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏تَقْرِيبًا‏)‏ فِي الْجَمِيعِ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ ‏(‏وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ، وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا‏)‏ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَ ‏(‏ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ‏)‏ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ‏(‏وَنَصَّ فِي‏)‏ كِتَابِ ‏(‏الْبُوَيْطِيِّ‏)‏ وَهُوَ يُوسُفُ أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ الْبُوَيْطِيُّ مِنْ بُوَيْطٍ، قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى‏.‏ كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَلْقَتِهِ بَعْدَهُ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمَأْمُومُونَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ تَرْدِيدَاتٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهَا‏.‏ ‏(‏وَتُسَنُّ جَمَاعَةً‏)‏ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ‏:‏ أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِحَالَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَصِحُّ الرَّفْعُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ‏:‏ أَيْ تُسَنُّ جَمَاعَةٌ فِيهَا‏.‏ وَيُنَادَى لَهَا ‏(‏الصَّلَاةَ جَامِعَةً‏)‏ كَمَا فَعَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً وَبَعَثَ مُنَادِيًا ‏(‏الصَّلَاةَ جَامِعَةً‏)‏ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسَنُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا بَأْسَ، وَتُسَنُّ صَلَاتُهَا فِي الْجَامِعِ كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَيَجْهَرُ‏)‏ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا ‏(‏بِقِرَاءَةِ‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏كُسُوفِ الْقَمَرِ‏)‏ لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ ‏(‏لَا الشَّمْسِ‏)‏ بَلْ يُسِرُّ فِيهَا لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ، وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ‏)‏، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ ‏(‏صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا‏)‏ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ ‏(‏ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ‏)‏ نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الْعِيدِ ‏(‏خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ‏)‏ قِيَاسًا عَلَيْهَا‏.‏ وَأَمَّا الشُّرُوطُ وَالسُّنَنُ فَيَأْتِي فِيهَا هُنَا مَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ مُسَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَأَنَّهُ لَا تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، وَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامٍ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مَرْدُودٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ لَا تُفْهِمُ ذَلِكَ ‏(‏وَيَحُثُّ‏)‏ فِيهِمَا السَّامِعِينَ ‏(‏عَلَى التَّوْبَةِ‏)‏ مِنْ الذُّنُوبِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى فِعْلِ ‏(‏الْخَيْرِ‏)‏ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَعِتْقٍ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ الِاغْتِرَارَ وَالْغَفْلَةَ، وَيَذْكُرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الْحَثِّ وَالزَّجْرِ مَا يُنَاسِبُهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ بِبَلَدٍ وَكَانَ بِهِ وَالٍ، لَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْوَالِي وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ‏.‏ وَأَمَّا التَّنَظُّفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفُرِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ الْوَقْتَ‏.‏ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ‏.‏

المتن

وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، أَوْ فِي ثَانٍ أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ‏)‏ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ‏(‏أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ‏)‏ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَدْرَكَهُ ‏(‏فِي‏)‏ رُكُوعٍ ‏(‏ثَانٍ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏قِيَامٍ ثَانٍ‏)‏ مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ‏:‏ أَيْ شَيْئًا مِنْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ، وَقِيَامُهُ وَرُكُوعُ الثَّانِي وَقِيَامُهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ، وَلِقَوْلِ الثَّانِي يُدْرِكُ مَا لَحِقَ بِهِ الْإِمَامَ، وَيُدْرِكُ بِالرُّكُوعِ الْقَوْمَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ هُوَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ أَتَى بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهَا، وَلَا يُفْهَمُ هَذَا الْمُقَابِلُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ، بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِجُمْلَتِهَا وَيَنْدَفِعُ هَذَا بِمَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَضَعَّفَ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ فِيهِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ‏.‏

المتن

وَتَفُوتُ صَلَاةُ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً، وَالْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا الْفَجْرِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَفُوتُ صَلَاةُ‏)‏ كُسُوفِ ‏(‏الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ‏)‏ لِجَمِيعِ الْمُنْكَسِفِ مِنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَقِينًا لِخَبَرِ‏:‏ ‏(‏إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ - أَيْ الْكُسُوفَ - فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ‏)‏ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ قَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَفُوتُ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الْوَعْظُ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ، فَلَوْ انْجَلَى بَعْضُ مَا كُسِفَ كَانَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لِلْبَاقِي كَمَا لَوْ لَمْ يُكْسَفْ مِنْهَا إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَلَوْ انْجَلَى الْجَمِيعُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَمْ دُونَهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، وَلَوْ حَالَ سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ الْكُسُوفِ لَمْ يُؤَثِّرْ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا ظَانًّا بَقَاءَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ انْجَلَى قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بِهَا بَطَلَتْ، وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا عَلَى قَوْلٍ، إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَتَنْدَرِجَ فِي نِيَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ‏:‏ انْجَلَتْ أَوْ انْكَسَفَتْ لَمْ نَعْتَبِرْهُمْ فَنُصَلِّيَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ تَخْمِينٌ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ ‏(‏وَ‏)‏ تَفُوتُ أَيْضًا ‏(‏بِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً‏)‏ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَبْطُلُ بِغُرُوبِهَا نَيِّرَةً أَوْ مَكْسُوفَةً لِزَوَالِ سُلْطَانِهَا ‏(‏وَ‏)‏ تَفُوتُ أَيْضًا صَلَاةُ كُسُوفِ ‏(‏الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ‏(‏وَطُلُوعِ الشَّمْسِ‏)‏ وَهُوَ مُنْخَسِفٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ حِينَئِذٍ بِضَوْئِهِ ‏(‏لَا‏)‏ بِطُلُوعِ ‏(‏الْفَجْرِ‏)‏ فَلَا تَفُوتُ صَلَاةُ خُسُوفِهِ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي صَلَاتِهِ كَالِانْجِلَاءِ، وَالْقَدِيمِ تَفُوتُ لِذَهَابِ اللَّيْلِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَفُوتُ صَلَاتُهُ أَيْضًا ‏(‏بِغُرُوبِهِ‏)‏ أَيْ الْقَمَرِ ‏(‏خَاسِفًا‏)‏ لِبَقَاءِ مَحَلِّ سَلْطَنَتِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ فَغُرُوبُهُ كَغَيْبُوبَتِهِ تَحْتَ السَّحَابِ خَاسِفًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ‏:‏ قَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ سُلْطَانُهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى لَيْلَةٍ بِخُصُوصِهَا بَلْ نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَا أَنَّا نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَهُوَ النَّهَارُ، وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ إلَى غَيْمٍ وَلَا إلَى غَيْرِهِ‏.‏

المتن

وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ قَدَّمَ الْفَرْضَ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ اجْتَمَعَ‏)‏ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قُدِّمَ الْأَخْوَفُ فَوَاتًا ثُمَّ الْآكَدُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ‏(‏كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ‏)‏ غَيْرُهَا وَلَوْ نَذْرًا ‏(‏قُدِّمَ الْفَرْضُ‏)‏ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُتَحَتِّمٌ فَكَانَ أَهَمَّ، هَذَا ‏(‏إنْ خِيفَ فَوْتُهُ‏)‏ لِضِيقِ وَقْتِهِ، فَفِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ لَهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ الْكُسُوفُ إنْ بَقِيَ أَوْ بَعْضُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَفْرِضُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ ‏(‏فَالْأَظْهَرُ‏)‏ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعُوا بِهِ ‏(‏تَقْدِيمُ‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏الْكُسُوفِ‏)‏ لِتَعَرُّضِهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ بِالْفَاتِحَةِ وَنَحْوِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ‏)‏ فِي صُورَتِهَا ‏(‏مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ‏)‏ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْصِدَهُ مَعَهَا بِالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ مَقْصُودٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ كَمَا لَوْ ضَمَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَى الْفَرْضِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَتَضَمَّنُ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكُسُوفِ لَمْ تَكْفِ الْخُطْبَةُ عَنْهُ ‏(‏ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ‏)‏ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ صَلَاتِهِ وَالْجُمُعَةُ بِالْعَكْسِ، وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا بِالْخُطْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ، وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ السُّنَّتَانِ إنْ لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ‏)‏ وَجِنَازَةٌ ‏(‏أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ‏)‏ فِيهِمَا خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ وَلَا يُشَيِّعُهَا الْإِمَامُ بَلْ يَشْتَغِلُ بِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، هَذَا إنْ حَضَرَتْ وَحَضَرَ الْوَلِيُّ؛ فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ أَوْ حَضَرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ لَهَا مَنْ يَنْتَظِرُهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ بِغَيْرِهَا بِالْبَاقِينَ، وَقَدْ تُفْهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ أَيْضًا وَلَوْ جُمُعَةً لَكِنْ بِشَرْطِ اتِّسَاعِ وَقْتِ الْفَرْضِ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ قُدِّمَ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ، وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَيْ إذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتَأْخِيرِ الْجَنَائِزِ إلَى بَعْدِ الْجُمُعَةِ، فَيَنْبَغِي التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا وُلِّيَ الْخَطَابَةَ بِجَامِعِ مِصْرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُفْتِي الْحَمَّالِينَ وَأَهْلَ الْمَيِّتِ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ لِيَذْهَبُوا بِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْخُسُوفَ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْوِتْرِ أَوْ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَاعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏‏.‏ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ بِأَنَّ الْعِيدَ إمَّا الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ الْعَاشِرُ وَالْكُسُوفُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ‏:‏ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَفِي أَنْسَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَكَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ، وَأَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ إلَّا فِي ذَلِكَ، فَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَنْكَسِفَ فِي يَوْمٍ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنَقْصِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَتَنْكَسِفُ فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَهُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْكُسُوفِ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يُصَوِّرُ مَا لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

يُنْدَبُ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَالْعِيدِ، وَغَيْرُهُنَّ يُصَلِّينَ فِي الْبُيُوتِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَخْطُبْنَ فَإِنْ وَعَظَتْهُنَّ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ وَالْخَنَاثَى فِي الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ كَالنِّسَاءِ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ‏)‏‏.‏ قِيلَ‏:‏ إنَّ الرِّيَاحَ أَرْبَعٌ الَّتِي مِنْ تُجَاهِ الْكَعْبَةِ‏:‏ الصَّبَا، وَمِنْ وَرَائِهَا الدَّبُورُ، وَمِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا الْجَنُوبُ، وَمِنْ شِمَالِهَا الشَّمَالُ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ، فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ، وَالدَّبُورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ، وَالشَّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، وَهُوَ رِيحُ الْجَنَّةِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَى أَهْلِهَا، جَعَلَنَا اللَّهُ وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخَنَا وَأَصْحَابَنَا وَمَنْ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَدَعَا لَنَا بِالْمَغْفِرَةِ مِنْهُمْ‏.‏

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

المتن

هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إنْ لَمْ يُسْقُوا‏.‏

الشرحُ

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هُوَ لُغَةً‏:‏ طَلَبُ السُّقْيَا، وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا‏.‏ وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ‏}‏ الْآيَةَ، وَلَمْ نَقُلْ‏:‏ وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏هِيَ سُنَّةٌ‏)‏ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ ‏(‏هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا‏)‏ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ‏:‏ أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، فَرْضُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ وَالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ ‏(‏عِنْدَ الْحَاجَةِ‏)‏ وَذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَوْ مُلُوحَتِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ إذَا كَانَ بِهَا نَفْعٌ، وَيَسْتَسْقِي غَيْرُ الْمُحْتَاجِ لِلْمُحْتَاجِ، وَيَسْأَلُ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ‏:‏ ‏(‏دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ‏:‏ آمِينَ وَلَك بِمِثْلِ ذَلِكَ‏)‏ وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَيْرُ ذَا بِدَعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَسْقِي لَهُ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا، وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لَهُ حُسْنَ طَرِيقَتِهِ وَالرِّضَا بِهَا، وَفِيهِ مَفَاسِدُ‏.‏ أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَا نَفْعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا اسْتِسْقَاءَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَسْتَسْقِي بِالصَّلَاةِ لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِيهَا نَفْعٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَقَرَّرَ ‏(‏وَتُعَادُ‏)‏ الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ‏(‏ثَانِيًا وَثَالِثًا‏)‏ وَأَكْثَرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏إنْ لَمْ يُسْقُوا‏)‏ حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَضَعَّفَاهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ‏"‏ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ يَقُولُ‏:‏ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ‏"‏ وَهَلْ يَتَوَقَّفُونَ عَلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَمْ لَا ‏؟‏ نَصَّانِ حَمَلَهُمَا الْجُمْهُور كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى حَالَيْنِ‏:‏ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا شَقَّ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَاقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ‏.‏ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ، حُكِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ‏.‏ ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ‏.‏

المتن

فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا، وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ‏)‏ عَلَى تَعْجِيلِ مَا عَزَمُوا عَلَى سُؤَالِهِ بِأَنْ يُثْنُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُمَجِّدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ‏}‏ ‏(‏وَالدُّعَاءِ‏)‏ بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ ‏(‏وَيُصَلُّونَ‏)‏ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْمَعْرُوفَةَ شُكْرًا أَيْضًا ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي لَا يُصَلُّونَ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَقَطَعَ الْجُمْهُور بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُطْبَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ بِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَمَّا إذَا سُقُوا بَعْدَهَا فَلَا يَجْتَمِعُونَ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ سُقُوا فِي أَثْنَائِهَا أَتَمُّوهَا جَزْمًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ ‏(‏وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ‏)‏ نَدْبًا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ‏(‏بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا‏)‏ مُتَتَابِعَةٍ، وَيَصُومُ مَعَهُمْ قَبْلَ مِيعَادِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُعِينٌ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَبَرَ ‏(‏ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ‏:‏ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالْمَظْلُومُ‏)‏ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ وَيَلْزَمُهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَا ا هـ‏.‏ وَيَدُلُّ لَهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى‏:‏ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالْعِتْقِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ‏.‏ قَالَ الْغَزِّيُّ‏:‏ وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ، وَقَدْ قَالُوا إذَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فِي الْجَدْبِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَيُقَاسُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ شَامِلًا لِذَلِكَ إذْ نَفْسُ وُجُوبِ الصَّوْمِ مُنَازَعٌ فِيهِ، فَمَا بَالُك بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الشَّاقِّ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ يُشْتَرَطُ التَّبْيِيتُ لَهُ حِينَئِذٍ‏.‏ قَالَ الْغَزِّيُّ‏:‏ وَيَحْسُنُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَى صَوْمِ الصَّبِيِّ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ ا هـ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ ذُكِرَ بِغَيْرِ تَبْيِيتٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ يَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ، وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضًا بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنِينَ ‏(‏وَالتَّوْبَةِ‏)‏ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالنَّدَمِ عَلَيْهَا وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا ‏(‏وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ‏)‏ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ‏}‏ ‏(‏وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ‏)‏ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادِ فِي الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ ‏(‏وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ‏)‏ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ إذَا بَخَسَ النَّاسُ الْمِكْيَالَ مُنِعُوا قَطْرَ السَّمَاءِ‏.‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ‏}‏ تَلْعَنُهُمْ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَقُولُ‏:‏ مُنِعَ الْمَطَرُ بِخَطَايَاهُمْ‏.‏ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ أَمَرَ بِهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ فِيهَا، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ‏.‏ لَكِنْ لِعَظَمِ أَمْرِهِمَا وَكَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ فَهُمَا مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ‏.‏

المتن

وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ، وَتَخَشُّعٍ وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ، وَكَذَا الْبَهَائِمَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَخْرُجُونَ‏)‏ أَيْ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ ‏(‏إلَى الصَّحْرَاءِ‏)‏ بِلَا عُذْرٍ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَبَعًا لِلنَّصِّ إلَى مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ ‏(‏فِي الرَّابِعِ‏)‏ مِنْ صِيَامِهِمْ ‏(‏صِيَامًا‏)‏ لِحَدِيثِ ‏(‏ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ‏)‏ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ لَمْ يُسَنَّ فِطْرُ يَوْمِ الْخُرُوجِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ، وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثَمَّ آخِرُ النَّهَارِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَة مُضْعِفَةٌ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا، نَعَمْ إنْ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ، وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ ‏(‏فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ أَيْ مِهْنَةٌ، وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ‏:‏ أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ، وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏تَخَشُّعٍ‏)‏ وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا التَّذَلُّلُ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّرْته أَنَّ ‏"‏ تَخَشُّعٍ ‏"‏ مَعْطُوفٌ عَلَى ‏"‏ ثِيَابِ ‏"‏ لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وُصْلَةٌ لَهَا، وَيُسَنُّ لَهُمْ التَّوَاضُعُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ، وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي آخَرَ مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِمْ، لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرُّءُوسِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي‏:‏ ‏"‏ لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ ‏"‏ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ‏(‏وَيُخْرِجُونَ‏)‏ مَعَهُمْ نَدْبًا ‏(‏الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ‏)‏ وَالْعَجَائِزَ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ‏)‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ ‏(‏لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا‏)‏‏.‏ وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ ‏[‏الرَّجَزُ‏]‏ لَوْلَا عِبَادٌ لِلْإِلَهِ رُكَّعُ وَصِبْيَةٌ مِنْ الْيَتَامَى رُضَّعُ وَمُهْمَلَاتٌ فِي الْفَلَاةِ رُتَّعُ صُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ الْأَوْجَعُ وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ الَّذِينَ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ، وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ إلَى مُؤْنَةٍ حُسِبَتْ مِنْ مَالِهِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْجَدْبَ عَمَّهُمْ، وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ ‏(‏وَكَذَا الْبَهَائِمُ‏)‏ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهَا أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ ‏(‏أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ‏:‏ ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ‏)‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا، وَقَالَتْ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَإِنْ رَزَقْتَنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا‏.‏ قَالَ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ ‏"‏ اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ ‏"‏ وَالثَّانِي لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَالثَّالِثُ‏:‏ يُكْرَهُ إخْرَاجُهَا، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابَهَا وَاشْتِغَالَ النَّاسِ بِهَا وَبِأَصْوَاتِهَا، وَالثَّانِي عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَعَ تَصْحِيحِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، الْأَوَّلُ‏:‏ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَتَقِفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ وَأَقَرَّهُ‏.‏

المتن

وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا

الشرحُ

‏(‏وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ‏)‏ لِأَنَّهُمْ يَسْتَرْزِقُونَ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا وَطَمَعًا فِي الدُّنْيَا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏(‏وَلَا يَخْتَلِطُونَ‏)‏ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ ‏(‏بِنَا‏)‏ فِي مُصَلَّانَا وَلَا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ، بَلْ يَتَمَيَّزُونَ عَنَّا فِي مَكَان لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ عَذَابٌ بِكُفْرِهِمْ فَيُصِيبُنَا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً‏}‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِمْ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَدْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ كَمَا اُسْتُجِيبَ دُعَاءُ إبْلِيسَ بِالْإِنْظَارِ‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَلَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَنْظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُكْرَهُ خُرُوجُهُمْ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ ا هـ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَيَظُنُّ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَنَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ‏:‏ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا، فَقَالَ الْأَكْثَرُ‏:‏ إنَّهُمْ فِي النَّارِ، وَطَائِفَةٌ‏:‏ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ، وَالْمُحَقِّقُونَ‏:‏ إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَتَحْرِيرُ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ إنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ‏:‏ أَيْ فَلَا نُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ ‏(‏الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ‏)‏، وَأَنْ يُسْتَشْفَعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

المتن

وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ، لَكِنْ قِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ - إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا - وَلَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ، وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى‏:‏ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدِقًا مُجَلِّلًا طَبَقًا دَائِمًا‏:‏ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ وَيُنَكِّسُهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ‏.‏ قُلْت‏:‏ وَيُتْرَكُ مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ، وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ، وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ‏:‏ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ‏:‏ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيُكْرَهُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَسَبُّ الرِّيحِ، وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ‏:‏ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَهِيَ رَكْعَتَانِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ‏(‏كَالْعِيدِ‏)‏ أَيْ كَصَلَاتِهِ فِي كَيْفِيَّتِهَا مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ بِرَفْعِ يَدَيْهِ وَوُقُوفِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ ‏"‏ ق ‏"‏، وَفِي الثَّانِيَةِ ‏"‏ اقْتَرَبَتْ ‏"‏ فِي الْأَصَحِّ أَوْ ‏"‏ بِسَبِّحْ ‏"‏ ‏"‏ وَالْغَاشِيَةِ ‏"‏ قِيَاسًا لَا نَصًّا ‏(‏لَكِنْ قِيلَ‏)‏ هُنَا إنَّهُ ‏(‏يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ‏)‏ بَدَلَ ‏"‏ اقْتَرَبَتْ ‏"‏ ‏(‏إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا‏)‏ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ اللَّائِقَيْنِ بِالْحَالِ، وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يُقْرَأُ فِي الْعِيدِ، وَيُنَادِي لَهَا‏:‏ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، وَفِي اخْتِصَاصِهَا بِوَقْتٍ أَوْجُهٌ، قِيلَ بِوَقْتِ الْعِيدِ، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِيدِ إلَى الْعَصْرِ، وَالْأَصَحُّ لَا تَتَأَقَّتُ فَقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تَخْتَصُّ‏)‏ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ‏(‏بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ يُصَدَّقُ بِالْأَخِيرَيْنِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْأَصَحُّ، وَيَجُوزُ فِعْلُهَا مَتَى شَاءَ، وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ السَّبَبِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ ‏(‏وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ‏)‏ فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ ‏(‏لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى تِسْعًا، وَفِي الثَّانِيَة سَبْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَنَا بِإِرْسَالِ الْمَطَرِ عِنْدَهُ، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ يُكَبِّرُ كَالْعِيدِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَأْتِي بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ بَدَلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَمِنْ قَوْلِ‏:‏ ‏(‏اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‏)‏ الْآيَة، وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، وَمِنْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ وَمِنْ رَحْمَتِك نَرْجُو، فَلَا تَكِلْنَا إلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ - اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - وَآيَةُ آخِرِ الْبَقَرَةِ ‏(‏وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى‏)‏ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ ‏(‏اللَّهُمَّ‏)‏ أَيْ يَا اللَّهُ ‏(‏أَسْقِنَا‏)‏ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى، فَقَدْ وَرَدَ الْمَاضِي ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا‏}‏ ‏(‏غَيْثًا‏)‏ بِمُثَلَّثَةٍ‏:‏ أَيْ مَطَرًا ‏(‏مُغِيثًا‏)‏ بِضَمِّ الْمِيمِ‏:‏ أَيْ مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ بِإِرْوَائِهِ ‏(‏هَنِيئًا‏)‏ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ‏:‏ أَيْ طَيِّبًا لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ ‏(‏مَرِيئًا‏)‏ بِوَزْنِ هَنِيئًا‏:‏ أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ ‏(‏مَرِيعًا‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ‏:‏ أَيْ ذَا رِيعٍ‏:‏ أَيْ نَمَاءٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَرَاعَةِ، وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتُ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ أَرْبَعَ الْبَعِيرُ يُرْبِعُ إذَا أَكَلَ الرَّبِيعَ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ رَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ إذَا أَكَلَتْ مَا شَاءَتْ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ‏(‏غَدَقًا ‏)‏ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ‏:‏ أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ الَّذِي قَطْرُهُ كِبَارٌ ‏(‏مُجَلِّلًا‏)‏ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ‏:‏ يُجَلِّلُ الْأَرْضَ أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ ‏(‏سَحًّا‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ‏:‏ أَيْ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ، يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ‏(‏طَبَقًا‏)‏ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ‏:‏ أَيْ مُطْبِقًا عَلَى الْأَرْضِ‏:‏ أَيْ مُسْتَوْعِبًا لَهَا فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا، يُقَالُ هَذَا مُطَابِقٌ لِهَذَا‏:‏ أَيْ مُسَاوٍ لَهُ ‏(‏دَائِمًا‏)‏ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ ‏(‏اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ‏)‏ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ ‏(‏وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ‏)‏ أَيْ الْآيِسِينَ بِتَأْخِيرِ الْمَطَرِ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْخَلْقِ مِنْ اللَّأْوَاءِ بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ‏:‏ شِدَّةُ الْجُوعِ، وَالْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُوَ قِلَّةُ الْخَيْرِ وَسُوءُ الْحَالِ، وَالضَّنْكِ‏:‏ أَيْ الضِّيقِ، مَا لَا نَشْكُو بِالنُّونِ إلَّا إلَيْكَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْعُرْيَ وَالْجُوعَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك ‏(‏اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ‏)‏ أَيْ الْمَطَرَ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَطَرَ وَالسَّحَابَ ‏(‏عَلَيْنَا مِدْرَارًا‏)‏ أَيْ دَرًّا كَثِيرًا‏:‏ أَيْ مَطَرًا كَثِيرًا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الْمَتْنِ قَدْ ذُكِرَ مِنْهَا فِي الْمُحَرَّرِ إلَى اللَّهُمَّ ارْفَعْ، وَذُكِرَ الْبَاقِي فِي التَّنْبِيهِ، وَالْجَمِيعُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِحَذْفِ بَعْضِهِ ‏(‏وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ‏)‏ وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَدْبَرَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يَفْرُغَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ بَقَاءِ الِاسْتِقْبَالِ إلَى فَرَاغِهَا، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ فِي الْأُولَى لَمْ يُعِدْهُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصّ الْأُمِّ ‏(‏وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏سِرًّا‏)‏ وَيُسِرُّ الْقَوْمُ الدُّعَاءَ أَيْضًا ‏(‏وَجَهْرًا‏)‏ وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ عَلَى دُعَائِهِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً‏}‏ وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ‏.‏ قَالَ الْعُلَمَاءُ‏:‏ وَهَكَذَا السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا سَأَلَ شَيْئًا عَكَسَ ذَلِكَ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ، بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقِيَانَا، وَسَعَةٍ فِي رِزْقِنَا، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَهُ ‏(‏وَيُحَوِّلُ‏)‏ الْخَطِيبُ ‏(‏رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ‏)‏ الْقِبْلَةَ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ‏:‏ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ‏(‏وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ‏)‏ ‏(‏فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ‏)‏ أَيْ يَمِينَ رِدَائِهِ ‏(‏يَسَارَهُ، وَعَكْسَهُ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏ قَالَ السُّهَيْلِيُّ‏:‏ وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا ‏(‏وَيُنَكِّسُهُ‏)‏ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ ‏(‏عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ‏)‏ لِمَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ‏)‏ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ هَمَّ بِهِ فَمَنَعَهُ مِنْ فِعْلِهَا مَانِعٌ، وَالْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا، وَالْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَطْعًا‏.‏ قَالَ الْقَمُولِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ ‏(‏وَيُحَوِّلُ النَّاسُ‏)‏ وَيُنَكِّسُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ‏(‏مِثْلَهُ‏)‏ تَبَعًا لَهُ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّاسَ حَوَّلُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَيَفْعَلُ بَدَلَ يُحَوِّلُ وَهُوَ أَعَمُّ لِمَا تَقَرَّرَ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ يُحَوِّلُ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَيُتْرَكُ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ‏:‏ أَيْ رِدَاءُ الْخَطِيبِ وَالنَّاسِ ‏(‏مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ‏)‏ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ‏(‏الثِّيَابَ‏)‏ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ رُجُوعِهِمَا لِمَنْزِلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ‏(‏وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ‏)‏ كَسَائِرِ السُّنَنِ‏.‏ وَلِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ كَمَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ بَلْ أَشَدُّ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَلَوْ خَطَبَ‏)‏ لَهُ ‏(‏قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ‏)‏ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ أَيْضًا، لَكِنْ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ لِكُلِّ أَحَدٍ ‏(‏أَنْ يَبْرُزَ‏)‏ أَيْ يَظْهَرَ ‏(‏لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ‏)‏ مِنْ جَسَدِهِ ‏(‏غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ‏)‏ شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا، وَلِلِاتِّبَاعِ، رَوَى مُسْلِمٌ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ‏)‏ أَيْ بِخَلْقِهِ وَتَنْزِيلِهِ، بَلْ يُسَنُّ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ، كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ خَبَرٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ‏.‏ وَلَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ ‏(‏وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي‏)‏ مَاءِ ‏(‏السَّيْلِ‏)‏ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ‏.‏ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ‏:‏ اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ وَنَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ‏)‏‏.‏ وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ، وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ‏:‏ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ،، وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتِهِ ‏(‏وَيُسَبِّحُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏ وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ مَنْ ‏(‏يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا‏)‏ وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، وَعَلَى هَذَا الْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ أَوْ صَوْتُ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ مَجَازٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ‏:‏ الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ، وَالْبَرْقُ مَا يَنْقَدِحُ مِنْ اصْطِكَاكِهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا‏)‏ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ‏)‏ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَقُولَ عِنْدَ‏)‏ نُزُولِ ‏(‏الْمَطَرِ‏)‏ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ ‏(‏اللَّهُمَّ صَيِّبًا‏)‏ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ‏:‏ أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا ‏(‏نَافِعًا‏)‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ‏:‏ أَيْ عَطَاءً نَافِعًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ‏:‏ صَيِّبًا هَنِيئًا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ‏)‏ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ‏:‏ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَقُولَ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ‏:‏ أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ ‏(‏مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ‏)‏ عَلَيْنَا ‏(‏وَرَحْمَتِهِ‏)‏ لَنَا ‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ قَوْلُ ‏(‏مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا‏)‏ بِفَتْحِ نُونِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ‏:‏ أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لَهُ حَقِيقَةً كَفَرَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ‏.‏ فَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَفَادَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْبَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا لَمْ يُكْرَهْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ، ثُمَّ يَقْرَأُ ‏(‏مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا‏)‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏سَبُّ الرِّيحِ‏)‏ وَتُجْمَعُ عَلَى رِيَاحٍ وَأَرْوَاحٍ، بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ ‏(‏الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ‏:‏ أَيْ رَحْمَتِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ‏(‏وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ‏)‏ وَهِيَ ضِدُّ الْقِلَّةِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا‏.‏ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَبِضَمِّهَا ‏(‏فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ‏)‏ بِأَنْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ ‏(‏اللَّهُمَّ‏)‏ اجْعَلْ الْمَطَرَ ‏(‏حَوَالَيْنَا‏)‏ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي ‏(‏وَلَا‏)‏ تَجْعَلْهُ ‏(‏عَلَيْنَا‏)‏ فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ، وَهُوَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا‏.‏ وَالظِّرَابُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَة جَمْعُ ظَرِبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ ‏(‏وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِعَدَمِ وُرُودِ الصَّلَاةِ لَهُ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ‏:‏ قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَرِّبُنِي مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ‏:‏ أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَسْأَلَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك مِنْ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهِمْ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ‏)‏ ثُمَّ أَنْشَدَ‏:‏ ‏[‏الْكَامِلَ‏]‏ اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ‏.‏

بَابٌ‏:‏ ‏[‏فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ‏]‏

المتن

إنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَهَا كَفَرَ، أَوْ كَسَلًا قُتِلَ حَدًّا، وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَيُسْتَتَابُ ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَقِيلَ‏:‏ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ‏.‏

الشرحُ

بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ، أَخَّرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْبَابَ عَنْ الْجَنَائِزِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ بَابِ الْأَذَانِ، وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّهُ أَلَيْقُ ‏(‏إنْ تَرَكَ‏)‏ الْمُكَلَّفُ ‏(‏الصَّلَاةَ‏)‏ الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ ‏(‏جَاحِدًا وُجُوبَهَا‏)‏ بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ‏(‏كَفَرَ‏)‏ بِالْجَحْدِ فَقَطْ، لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ، لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا، بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا ‏(‏أَوْ‏)‏ تَرَكَهَا ‏(‏كَسَلًا‏)‏ أَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا ‏(‏قُتِلَ‏)‏ بِالسَّيْفِ ‏(‏حَدًّا‏)‏ لَا كُفْرًا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏)‏ وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ‏(‏خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ‏)‏ ‏(‏فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ‏)‏ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ ‏(‏بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ‏)‏ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا، أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ، بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ، لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ‏.‏ ‏(‏وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏بِصَلَاةٍ فَقَطْ‏)‏ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ‏(‏بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ‏)‏ فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا، فَلَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ‏:‏ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقِتَالِ، بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ‏.‏ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَلِخَبَرِ ‏(‏لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ‏:‏ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ‏)‏، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ، وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ، وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا، بَلْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي خَاتِمَةِ الْبَابِ، وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ‏.‏ وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْأَقْوَى لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ الْقَتْلِ وَيُقْتَلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَتْرُكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَسَلًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَنْ لَزِمَهُ الْجُمُعَةُ إجْمَاعًا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ‏:‏ لَا جُمُعَةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجُهٌ‏:‏ أَحَدُهَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي‏:‏ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَة، لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَاغْتُفِرَتْ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَنَدَ إلَى تَأْوِيلٍ‏:‏ مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ‏.‏ وَالرَّابِعُ إذَا صَارَ التَّرْكُ لَهُ عَادَةً‏.‏ وَالْخَامِسُ‏:‏ لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرُورَةِ ‏(‏وَيُسْتَتَابُ‏)‏ عَنْ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ، لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا، بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ، وَفِي قَوْلٍ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ فِي النَّدْبِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ، وَلَوْ جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ‏:‏ ‏"‏ نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ قَبْلَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ ‏"‏ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا ‏(‏تُضْرَبُ عُنُقُهُ‏)‏ بِالسَّيْفِ‏.‏ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ‏)‏ وَقِيلَ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَيْ عَصًا ‏(‏حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ‏)‏ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ ‏(‏وَ‏)‏ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ مِنْ أَنَّهُ ‏(‏يُغَسَّلُ‏)‏ ثُمَّ يُكَفَّنُ ‏(‏وَيُصَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ بَعْدَ غُسْلِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الْآتِي ‏(‏وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ‏)‏ فِي مَقَابِرِهِمْ ‏(‏وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ‏)‏ كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ لَا يُفْعَلُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ إهَانَةً لَهُ، وَعَلَى هَذَا يُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ‏:‏ تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ، وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا بِأَنْ نَقُولَ لَهُ‏:‏ صَلِّ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ، سَوَاءٌ أَقَالَ‏:‏ وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمَتْنِ‏:‏ ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ قَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتُبْ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا فَإِذَا صَلَّاهَا زَالَ التَّرْكُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ لَمْ يُقْتَلْ وَإِنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَالْقَتْلُ عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقَدْ وُجِدَ فَكَيْفَ تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ فَهِيَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْقَطْعَ لَا يَسْقُطُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ فَعَلَ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ الْحَدُّ لِأَجْلِ تَرْكِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ، وَهَذَا أَوْلَى‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا‏.‏ لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ‏.‏ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ‏:‏ أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْذُورَةً مُؤَقَّتَةً لَمْ يُقْتَلْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الصَّلَاةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ، لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ‏.‏ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ ادَّعَى التَّصَوُّفَ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ، وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ‏.‏