فصل: فَصْلٌ (فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ ‏[‏فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ‏]‏

المتن

إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَلَا الصَّبِيِّ، وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعِ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَلَا ذِي حَيْضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، بِخِلَافِ السُّكْرِ‏.‏

الشرحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ ‏(‏فَصْلٌ‏)‏ ‏(‏إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ‏)‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ ‏(‏بَالِغٍ‏)‏ كَذَلِكَ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ‏(‏عَاقِلٍ‏)‏ كَذَلِكَ، فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لِمَا ذُكِرَ ‏(‏طَاهِرٍ‏)‏ فَلَا تَجِبُ عَلَى حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا، فَمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ ‏(‏وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ‏)‏ إذَا أَسْلَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْفَالُ‏]‏‏.‏ وَقَدْ يُؤَدِّي إيجَابُ ذَلِكَ إلَى التَّنْفِيرِ، فَخَفَّفَ عَنْهُ ذَلِكَ تَرْغِيبًا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَإِذَا أَسْلَمَ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَصَدَقَةٍ وَصِلَةٍ وَعِتْقٍ ‏(‏إلَّا الْمُرْتَدَّ‏)‏ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ قَضَى أَيَّامَ الْجُنُونِ مَعَ مَا قَبْلَهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ تَعَدِّيًا ثُمَّ صَلَّى قَاعِدًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَانْتِهَاءِ مَعْصِيَتِهِ بِانْتِهَاءِ كَسْرِهِ، وَلِإِتْيَانِهِ بِالْبَدَلِ حَالَةَ الْعَجْزِ، وَلَوْ سَكِرَ مُتَعَدِّيًا ثُمَّ جُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا سُكْرُهُ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ فِي جُنُونِهِ حُكْمًا، وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ لَيْسَ سَكْرَانَ فِي دَوَامِ جُنُونِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَلَوْ اسْتَعْجَلَتْ الْحَيْضَ بِدَوَاءٍ أَوْ اسْتَخْرَجَتْ بِهِ جَنِينًا لَمْ تَقْضِ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَفَارَقَتْ الْمَجْنُونَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّرْكِ، وَعَنْهُ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ وَالسَّكْرَانُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الْمُرْتَدَّةِ زَمَنَ الْجُنُونِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ إلَّا الْمُرْتَدَّ يَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ وَنَصْبُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا كَانَ تَامًّا غَيْرَ مُوجَبٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏النِّسَاءُ‏]‏ فَالْأَرْجَحُ إتْبَاعُ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ لِمَا رَوَى سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ وَعِيسَى جَمِيعًا أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ الْمَوْثُوقِ بِعَرَبِيَّتِهِمْ يَقُولُ‏:‏ مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إلَّا زَيْدًا، وَقُرِئَ بِهِ فِي السَّبْعِ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ‏.‏ قَرَأَ بِهِ ابْنُ عَامِرٍ، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالشَّارِحُ إنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الضَّبْطِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ النَّصْبَ، وَهَذَا دَأْبُهُ فِي الضَّبْطِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الرَّاجِحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ جَائِزًا ‏(‏وَلَا‏)‏ عَلَى ‏(‏الصَّبِيِّ‏)‏ إذَا بَلَغَ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالطِّفْلِ كَمَا فِي الْحَاوِي لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى‏.‏ وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّبِيِّ، فَقَالَ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ ‏"‏ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ لَفْظَ الصَّبِيِّ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَلَا اعْتِرَاضَ إذَنْ ‏(‏وَيُؤْمَرُ‏)‏ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ ‏(‏بِهَا‏)‏ وَلَوْ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ بَعْدَ السَّبْعِ، وَالتَّمْيِيزِ ‏(‏لِسَبْعٍ‏)‏ مِنْ السِّنِينَ‏:‏ أَيْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا ‏(‏وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ عَلَى تَرْكِهَا ‏(‏لِعَشْرٍ‏)‏ مِنْهَا لِخَبَرِ ‏(‏مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ عَلَى تَرْكِهَا، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلضَّرْبِ تَمَامُ الْعَاشِرَةِ، لَكِنْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التِّبْيَانِ‏:‏ إنَّهُ يُضْرَبُ فِي أَثْنَائِهَا، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ التَّمْيِيزَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَمْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ السَّبْعِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ضَبْطِ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الطِّفْلُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُد ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا عَرَفَ شِمَالَهُ مِنْ يَمِينِهِ‏)‏ ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَالْمُرَادُ عَرَفَ مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَفِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلْتَقِطُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ فِي مَعْنَى الْأَبِ، وَكَذَا الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَنَحْوُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ قَالَ الطَّبَرِيُّ‏:‏ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّهْدِيدِ‏.‏ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ، وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةَ مَا سِوَى الْفَرَائِضِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ مَعَهُ وَيَنْتَفِعُ بِخِلَافِ حَجِّهِ‏.‏ وَفِي صِحَّةِ الْمَكْتُوبَاتِ مِنْ الطِّفْلِ قَاعِدًا وَجْهَانِ، رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ، وَيَجْرِيَانِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ قَضَاءَ عَلَى شَخْصٍ ‏(‏ذِي حَيْضٍ‏)‏ إذَا تَطَهَّرَ وَإِنْ تَسَبَّبَ لَهُ بِدَوَاءٍ، وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَاتٍ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ أَوْلَى، وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَوْ يُكْرَهُ ‏؟‏ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ‏(‏أَوْ‏)‏ ذِي ‏(‏جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ‏)‏ إذَا أَفَاقَ، وَمِثْلُهُمَا الْمُبَرْسَمُ وَالْمَعْتُوهُ وَالسَّكْرَانُ بِلَا تَعَدٍّ فِي الْجَمِيعِ، لِحَدِيثِ ‏(‏رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ‏:‏ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ‏)‏ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ‏.‏ فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْمَجْنُونِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ طَالَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لِمَشَقَّةِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكْثُرُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ‏.‏ نَعَمْ يُسَنُّ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمَا الْقَضَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا طَرَأَ عَلَى الرِّدَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي الرِّدَّةِ، وَأَنَّهُ إذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى السُّكْرِ الْعَاصِي بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا سُكْرُهُ، فَمَحَلُّهُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏بِخِلَافِ‏)‏ ذِي ‏(‏السُّكْرِ‏)‏ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ الْمُتَعَدِّي بِهِ إذَا أَفَاقَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْكِرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَهَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَعْرُوفَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَمْرِ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ‏.‏

المتن

وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ‏.‏

الشرحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ زَوَالِ مَانِعِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْكُفْرُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ‏)‏ الْمَانِعَةُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَ‏)‏ قَدْ ‏(‏بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ‏)‏ أَيْ قَدْرُ زَمَنِهَا فَأَكْثَرُ ‏(‏وَجَبَتْ الصَّلَاةُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ يَسْتَوِي فِيهِ قَدْرُ الرَّكْعَةِ وَدُونَهَا، كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِدْرَاكِ دُونَ تَكْبِيرَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الْجُوَيْنِيُّ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏:‏ يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ‏)‏ أَخَفُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ ‏(‏مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ‏)‏ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَقَاءُ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ بِقَدْرِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ، فَلَوْ عَادَ الْمَانِعُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ التَّكْبِيرَةِ أَوْ الرَّكْعَةِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏وُجُوبُ الظُّهْرِ‏)‏ مَعَ الْعَصْرِ ‏(‏بِإِدْرَاكِ‏)‏ قَدْرِ زَمَنِ ‏(‏تَكْبِيرَةٍ آخِرَ‏)‏ وَقْتِ ‏(‏الْعَصْرِ، وَ‏)‏ وُجُوبُ ‏(‏الْمَغْرِبِ‏)‏ مَعَ الْعِشَاءِ بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ ‏(‏آخِرَ‏)‏ وَقْتِ ‏(‏الْعِشَاءِ‏)‏ لِاتِّحَادِ وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَوَقْتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْعُذْرِ، فَفِي الضَّرُورَةِ أَوْلَى، وَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ أَنْ يَخْلُوَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَخَفُّ مَا يُجْزِئُ كَرَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَيَدْخُلُ فِي الطَّهَارَةِ أَيْ هُنَا، وَفِيمَا مَرَّ الْخَبَثُ وَالْحَدَثُ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ وَقْتِ السِّتْرِ وَالتَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ا هـ‏.‏ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا، وَالتَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِي الْوَقْتِ‏.‏ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، فَلَوْ بَلَغَ ثُمَّ جُنَّ بَعْدَ مَا لَا يَسَعُ مَا ذُكِرَ فَلَا لُزُومَ‏.‏ نَعَمْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا وَخَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا، فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْد أَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا صَرَفَهُ لِلْمَغْرِبِ وَمَا فَضَلَ لَا يَكْفِي الْعَصْرَ فَلَا تَلْزَمُهُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ‏:‏ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لَهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِاشْتِغَالِهِ بِالْعَصْرِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا وُجُوبًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الصَّلَاةَ فِيهِ كَامِلَةً فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا وَيَقَعُ لَهُ الْعَصْرُ نَافِلَةً، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَجِبُ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ بِمَا ذُكِرَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلظُّهْرِ فِي الْمُقِيمِ، وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ، وَثَلَاثٍ لِلْمَغْرِبِ عَلَى التَّكْبِيرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى رَكْعَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُلْحَقَ بِهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا تَمَّتْ الْأُولَى، وَشَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ، فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِمَّا بَعْدَهَا لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا‏.‏

المتن

وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ بَلَغَ‏)‏ الشَّخْصُ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏أَتَمَّهَا‏)‏ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوُجُوبَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهَا، كَمَا لَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ ‏(‏وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ وَلَوْ جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْوَاجِبَ بِشَرْطِهِ كَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ، وَوُقُوعُ أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ آخِرَهَا وَاجِبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَصَوْمِ مَرِيضٍ شُفِيَ فِي أَثْنَائِهِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إتْمَامُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَلَا يُجْزِئْهُ لِابْتِدَائِهَا حَالَ النُّقْصَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِيُؤَدِّيَهَا حَالَ الْكَمَالِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَلَغَ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا بِالسِّنِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا صَحِيحَةً ‏(‏فَلَا إعَادَةَ‏)‏ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ إلَى الْكَمَالِ كَالْأَمَةِ إذَا صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ عَتَقَتْ‏.‏ نَعَمْ لَوْ صَلَّى الْخُنْثَى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ تَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ نَفْلٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ اشْتَرَطْنَا وُقُوعَهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا وَإِلَّا فَلَا‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَفْعُولُ ظُهْرًا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ثُمَّ بَلَغَ، وَالْجُمُعَةُ غَيْرُ فَائِتَةٍ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يُغْنِي عَنْ الْجُمُعَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا بَلَغَ فِيهَا‏.‏

المتن

وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ إنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ حَاضَتْ‏)‏ أَوْ نَفِسَتْ ‏(‏أَوْ جُنَّ‏)‏ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوَّلَ الْوَقْتِ‏)‏ وَاسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ بَاقِيَهُ ‏(‏وَجَبَتْ تِلْكَ‏)‏ الصَّلَاةُ لَا الثَّانِيَةُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَهَا ‏(‏إنْ أَدْرَكَ‏)‏ مَنْ عَرَضَ لَهُ الْمَانِعُ قَبْلَ عُرُوضِهِ ‏(‏قَدْرَ الْفَرْضِ‏)‏ أَخَفَّ مُمْكِنٍ وَلَوْ مَقْصُورَ الْمُسَافِرِ وَوَقْتَ طُهْرٍ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ كَتَيَمُّمٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ - فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ - الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ، لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى اسْتِثْنَاءُ الطَّهَارَةِ الَّتِي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ، وَيَجِبُ الْفَرْضُ الَّذِي قَبْلَهَا أَيْضًا إنْ كَانَ يَجْمَعُ مَعَهَا وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ كَمَا مَرَّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَهَا إذَا خَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ مَا يَسَعُهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى لَا يَصْلُحُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا إذَا صَلَّاهُمَا جَمْعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ‏.‏ وَأَيْضًا وَقْتُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ وَقْتٌ لِلثَّانِيَةِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَجَوَازِ تَقْدِيمِ الْأُولَى، بَلْ وُجُوبُهُ عَلَى وَجْهٍ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ‏.‏ أَمَّا الطَّهَارَةُ الَّتِي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ يَسَعُهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ قَدْرَ الْفَرْضِ كَمَا وَصَفْنَا ‏(‏فَلَا‏)‏ وُجُوبَ فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا كَمَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الْحَيْضِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ النِّفَاسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ كَمَا مَرَّ وَعَلَى الْجُنُونِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْإِغْمَاءُ بِالْأَوْلَى، وَلَا يُمْكِنُ طَرَيَانُ الصِّبَا لِاسْتِحَالَتِهِ وَلَا الْكُفْرُ الْمُسْقِطُ لِلْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ رِدَّةٌ وَهُوَ مَلْزُومٌ فِيهَا بِالْإِعَادَةِ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في الأذان‏]‏

المتن

الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِمَكْتُوبَةٍ، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ‏:‏ الصَّلَاةَ جَامِعَةً‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ ‏(‏الْأَذَانُ‏)‏ وَالْأَذِينُ وَالتَّأْذِينُ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً‏:‏ الْإِعْلَامُ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ‏}‏ الْحَجُّ‏]‏ أَيْ أَعْلِمْهُمْ‏.‏ وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةُ‏]‏ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ‏)‏ وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ ‏(‏لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ‏؟‏ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ‏:‏ أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ بَلَى فَقَالَ‏:‏ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَتَقُولُ إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ‏:‏ إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قُمْ إلَى بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ‏:‏ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏)‏‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنَدُ الْأَذَانِ الرُّؤْيَا فَقَطْ، بَلْ وَأَيْضًا نُزُولُ الْوَحْيِ، فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَأَكْمَلَ لَهُ اللَّهُ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ‏)‏

فَائِدَةٌ‏:‏

كَانَتْ رُؤْيَا الْأَذَانِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ‏.‏ قِيلَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ اعْمِنِي حَتَّى لَا أَرَى شَيْئًا بَعْدَهُ فَعَمِيَ مِنْ سَاعَتِهِ‏.‏ وَقِيلَ إنَّهُ أَذَّنَ مَرَّةً بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَوَّلُ مُؤَذِّنٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ‏:‏ أَوَّلُ مُؤَذِّنٍ هُوَ بِلَالٌ وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏خَيْرُ السُّودَانِ ثَلَاثَةٌ‏:‏ بِلَالٌ، وَلُقْمَانُ، وَمُهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ‏)‏ وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ حُسْنُ الْحُورِ الْعِينُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِسَوَادِ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ سَوَادَهُ شَامَاتٍ فِي خُدُودِهِنَّ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَكْرَمَ أَهْلَ طَاعَتِهِ ‏(‏وَالْإِقَامَةُ‏)‏ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ، وَسُمِّيَ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ، وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَشْرُوعَانِ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ مَشْرُوعِيَّتهمَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا ‏(‏سُنَّةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِمَا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ مَعَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ‏)‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِبَا كَقَوْلِهِ‏:‏ الصَّلَاةَ جَامِعَةً حَيْثُ يُشْرَعُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ دُعَاءٌ إلَى مُسْتَحَبٍّ، وَهَذَا دُعَاءٌ إلَى وَاجِبٍ وَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ أَيْ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ سُنَنِ الْكِفَايَةِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ‏.‏ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَهُمَا فِي حَقِّهِ سُنَّةُ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْخَبَرَ، وَهُوَ عَائِدٌ إلَى شَيْئَيْنِ لِتَأْوِيلِهِ بِالْمَجْمُوعِ كَمَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَوْ أَتَى بِهِ مَثْنًى كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هُمَا ‏(‏فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهِمَا تَهَاوُنٌ، فَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِهِمَا قُوتِلُوا عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ‏:‏ هُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُمَا دُعَاءٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي غَيْرِهَا فَيَكُونُ الدُّعَاءُ إلَيْهَا كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ فِي الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِالْأَوَّلِ ‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ وَيَنْبَغِي السُّقُوطُ، وَشَرْطُ حُصُولِهِمَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَنْ يَظْهَرَا فِي الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ جَمِيعَهُمْ لَوْ أَصْغُوا فَيَكْفِي فِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَوَاضِعَ يَظْهَرُ الشِّعَارُ بِهَا، فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ ‏(‏وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِمَكْتُوبَةٍ‏)‏ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَالسُّنَنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ، بَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ‏:‏ إنَّ الْمَنْذُورَةَ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ إذَا قُلْنَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ إنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ وَبِمَا قَرَّرْتُ بِهِ عِبَارَتَهُ سَقَطَ مَا قِيلَ‏:‏ إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَذَانَ يُشْرَعُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى، وَالْإِقَامَةَ فِي الْيُسْرَى كَمَا يَأْتِي فِي الْعَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ يُشْرَعُ إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ وَرَدَ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا عَبَّرَ بِيُشْرَعَانِ دُونَ يُسَنَّانِ لِيَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ ‏(‏وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِنْ كُلِّ نَفْلٍ تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي‏:‏ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ حَيْثُ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا وَالْوِتْرُ حَيْثُ يُسَنُّ جَمَاعَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ ‏(‏الصَّلَاةَ جَامِعَةً‏)‏ لِوُرُودِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَالْجُزْءَانِ مَنْصُوبَانِ‏:‏ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَالِيَّةِ أَيْ اُحْضُرُوا الصَّلَاةَ وَالْزَمُوهَا حَالَةَ كَوْنِهَا جَامِعَةً، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ عَكْسُهُ، وَنَصْبُ الْآخَرِ عَلَى الْإِغْرَاءِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَالِيَّةِ فِي الثَّانِي، وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةً ‏"‏ الصَّلَاةَ ‏"‏ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَوْ هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‏:‏ كَالصَّلَاةِ الصَّلَاةَ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْجِنَازَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَالنَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَالضُّحَى أَوْ سُنَّتْ فِيهَا، لَكِنْ صُلِّيَتْ فُرَادَى فَلَا يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْجِنَازَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَلِأَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لَهَا حَاضِرُونَ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعْلَامِ‏.‏

المتن

وَالْجَدِيدُ‏:‏ نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إلَّا بِمَسْجِدٍ، وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْجَدِيدُ‏)‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ‏(‏نَدْبُهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ ‏(‏لِلْمُنْفَرِدِ‏)‏ فِي بَلَدٍ أَوْ صَحْرَاءَ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ لِلْحَدِيثِ الْآتِي، وَالْقَدِيمُ لَا يُنْدَبُ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ‏:‏ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ مَشْرُوعِيَّةُ أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ هُوَ الَّذِي نَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَيَكْفِي فِي أَذَانِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ لِلْجَمَاعَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهْرُ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ‏.‏ أَمَّا الْإِقَامَةُ فَتُسَنُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَيَكْفِي فِيهَا إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْمُقِيمِ لِلْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْأَذَانِ، لَكِنَّ الرَّفْعَ فِيهَا أَخْفَضُ ‏(‏وَيَرْفَعُ‏)‏ الْمُنْفَرِدُ نَدْبًا ‏(‏صَوْتَهُ‏)‏ بِالْأَذَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ ‏(‏أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ‏:‏ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءَ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ أَيْ سَمِعْتُ مَا قُلْتُهُ لَك‏:‏ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ إلَخْ بِخِطَابٍ لِي‏:‏ أَيْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فَهِمَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَوْرَدُوهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ أَيْ لَمْ يُورِدُوهُ بِلَفْظِ الْحَدِيث بَلْ بِمَعْنَاهُ فَقَالُوا‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏:‏ ‏"‏ إنَّكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ ‏"‏ إلَخْ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَرَفْعِ صَوْتِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ ضَمِيرَ سَمِعْتُهُ لِقَوْلِهِ لَا يَسْمَعُ إلَخْ فَقَطْ ‏(‏إلَّا بِمَسْجِدٍ‏)‏ أَوْ نَحْوِهِ كَرِبَاطٍ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَاتِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ ‏(‏وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ‏)‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏:‏ وَانْصَرَفُوا‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي‏:‏ أَوْ أَذَّنَ فِيهِ فَيُسَنُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ يَقْتَضِي سَنَّ الرَّفْعِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ‏.‏

المتن

وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْجَدِيدِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ‏)‏ الْمَكْتُوبَةِ قَطْعًا مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا؛ لِأَنَّهَا لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ ‏(‏وَلَا يُؤَذِّنُ‏)‏ لَهَا ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ ‏(‏؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ صَلَوَاتٌ فَقَضَاهَا، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا‏)‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِهِمْ بِالْقِتَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْقَدِيمُ يُؤَذِّنُ لَهَا‏:‏ أَيْ حَيْثُ تُفْعَلُ جَمَاعَةً لِيُجَامِعَ الْقَدِيمُ السَّابِقَ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ يَجْرِي الْقَدِيمُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَيُؤَذِّنُ لَهَا، سَوَاءٌ أَفُعِلَتْ جَمَاعَةً أَمْ لَا، إذْ لَيْسَ ثَمَّ قَدِيمٌ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يُنْدَبُ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ‏)‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَذَانُ فِي الْجَدِيدِ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْقَدِيمِ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ‏.‏

المتن

فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ‏)‏ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ‏(‏لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى‏)‏ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، لَكِنْ حَكَى ابْنُ كَجٍّ فِيهِ وَجْهًا، وَفِي الْأُولَى الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَيُقِيمُ لِكُلٍّ مِنْهَا، فَإِنْ قَضَاهَا مُتَفَرِّقَاتٍ فَفِي الْأَذَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ‏.‏ وَلَوْ أَتْبَعَ الْفَائِتَةَ بِحَاضِرَةٍ بِلَا فَصْلٍ طَوِيلٍ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْحَاضِرَةِ إلَّا إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا بَعْدَ أَذَانِ الْفَائِتَةِ فَيُعِيدُهُ لِلْإِعْلَامِ بِوَقْتِهَا‏.‏ نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ لِمُؤَدَّاةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً لَا يُسَنُّ الْأَذَانُ لَهَا إذَا وَالَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُؤَدَّاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ وَقْتَهَا حَقِيقَةً‏.‏ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لَا يُوَالِي بَيْنَ أَذَانَيْنِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ‏.‏ قُلْتُ ذَلِكَ بَحْثًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ‏.‏ وَلَوْ جَمَعَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَالَى فِيهِ، وَبَدَأَ بِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ أَذَّنَ لِلْأُولَى فِي الصُّورَتَيْنِ دُونَ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِغَيْرِ صَاحِبَةِ الْوَقْتِ وَوَالَى بَيْنَهُمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِلثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْأُولَى الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَيُؤَذِّنُ لَهَا عَلَى الرَّاجِحِ وَيُقِيمُ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ ‏(‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ‏.‏ وَرَوَيَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ‏)‏ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ، وَقَدْ حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَبِأَنَّ جَابِرًا اسْتَوْفَى حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْقَنَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ‏.‏

المتن

وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ‏)‏ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهَا إحْدَاهُنَّ ‏(‏لَا الْأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخَافُ مِنْ رَفْعِ الْمَرْأَةِ الصَّوْتَ بِهِ - الْفِتْنَةُ، وَالْإِقَامَةُ لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ لَيْسَ فِيهَا رَفْعُ صَوْتٍ كَالْأَذَانِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُنْدَبَانِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِمَا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، لَكِنْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يُنْدَبَانِ‏:‏ الْأَذَانُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْإِقَامَةُ تَبَعٌ لَهُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدَةِ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ‏.‏ أَمَّا إذَا قُلْنَا‏:‏ لَا يُنْدَبُ لَهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهَا جَزْمًا، فَلَوْ قَالَ‏:‏ وَيُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَذَّنَتْ لَهَا أَوْ لَهُنَّ سِرًّا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَانَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ جَهْرًا بِأَنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ‏:‏ وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ حَرُمَ كَمَا يَحْرُمُ تَكَشُّفُهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ يُفْتَتَنُ بِصَوْتِهَا كَمَا يُفْتَتَنُ بِوَجْهِهَا، وَأَسْقَطَ‏:‏ وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ، وَذِكْرُهُ أَوْلَى لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ جَوَّزُوا غِنَاءَهَا بِحَضْرَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلِمَ لَا سَوَّوْا بَيْنَهُمَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ اسْتِمَاعُهُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جُوِّزَ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الْأَجْنَبِيُّ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ‏.‏ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهَا كَالْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ‏.‏

المتن

وَالْأَذَانُ مَثْنَى‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْأَذَانُ‏)‏ مُعْظَمُهُ ‏(‏مَثْنَى‏)‏ هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي آخِرِهِ مَرَّةٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي إفْرَادِهَا الْإِشَارَةُ إلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلِمَاتُهُ مَشْهُورَةٌ، وَعِدَّتُهَا بِالتَّرْجِيعِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً‏.‏

المتن

وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا

الشرحُ

‏(‏وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ‏)‏‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ ‏(‏أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ‏)‏ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَاسْتِثْنَاءُ لَفْظِ الْإِقَامَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَاعْتَذَرَ فِي الدَّقَائِقِ عَنْ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ التَّكْبِيرَ فَإِنَّهُ يُثَنِّي فِي أَوَّلِهَا وَآخِرَهَا بِأَنَّهُ عَلَى نِصْفِ لَفْظِهِ فِي الْأَذَانِ فَكَأَنَّهُ فَرْدٌ ا هـ‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّكْبِيرِ أَوَّلَهَا‏.‏ وَأَمَّا فِي آخِرِهَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْأَذَانِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ‏:‏ وَمُعْظَمُهَا فُرَادَى، وَالْحِكْمَةُ فِي تَثْنِيَةِ لَفْظِ الْإِقَامَةِ كَوْنُهَا الْمُصَرِّحَةَ بِالْمَقْصُودِ، وَكَلِمَاتُ الْإِقَامَةِ مَشْهُورَةٌ وَعِدَّتُهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً ‏(‏وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا‏)‏ أَيْ الْإِسْرَاعُ بِهَا مَعَ بَيَانِ حُرُوفِهَا، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةِ الْأَخِيرَةِ بِصَوْتٍ‏.‏

المتن

وَتَرْتِيلُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ تَرْتِيلُهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ أَيْ التَّأَنِّي فِيهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ وَيُفْرِدُ بَاقِي كَلِمَاتِهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْغَائِبِينَ فَكَانَ التَّرْتِيلُ فِيهِ أَبْلَغَ، وَالْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَكَانَ الْإِدْرَاجُ فِيهَا أَنْسَبَ‏.‏ قَالَ الْهَرَوِيُّ‏:‏ عَوَامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا وَصَلَ، وَكَانَ الْمُبَرِّدُ يَفْتَحُ الرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ الْأُولَى وَيُسَكِّنُ الثَّانِيَةَ‏.‏ قَالَ الْمُبَرِّدُ‏:‏ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فَكَانَ الْأَصْلُ إسْكَانَهَا، لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ قَبْلَ فَتْحَةِ هَمْزَةِ اللَّهِ الثَّانِيَةِ فُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الم اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الْ عِمْرَانَ‏]‏ وَجَرَى عَلَى كَلَامِ الْمُبَرِّدِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُبَرِّدُ مَمْنُوعٌ‏:‏ إذْ الْوَقْفُ لَيْسَ عَلَى أَكْبَرَ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ مِيمِ ‏"‏ الم ‏"‏ كَمَا لَا يَخْفَى‏.‏

المتن

وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ‏:‏ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ وَدَقَائِقِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَحْقِيقِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ إنَّهُ لِلثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهِمَا‏.‏ وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ بِهِمَا أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ‏:‏ أَيْ أَوْ نَحْوَهُ إنْ كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِمْ، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخُطَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْرَارِ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْجَهْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَإِسْرَارِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ‏:‏ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيعُ هُوَ السِّرَّ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ الثَّانِي أَوْ هُمَا، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنَّ السِّرَّ هُنَا هُوَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ بِقُرْبِهِ فَيَكْفِي‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ إسْمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُصَلِّي، وَالْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرِ خَفَائِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظُهُورِهِمَا وَفِي ذَلِكَ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الرَّفْعِ بَعْد أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا‏.‏

المتن

وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏التَّثْوِيبُ‏)‏ وَيُقَالُ‏:‏ التَّثَوُّبُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا ‏(‏فِي‏)‏ أَذَانِ ‏(‏الصُّبْحِ‏)‏ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدِ الْحَيْعَلَتَيْنِ‏:‏ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخُصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِأَذَانِ الْفَائِتَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَشَامِلٌ لَأَذَانَيْ الصُّبْحِ‏:‏ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ‏:‏ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ إذَا ثَوَّبَ فِي الْأَوَّلِ لَا يُثَوِّبُ فِي الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُثَوِّبَ لِغَيْرِ أَذَانِ الصُّبْحِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ‏)‏ وَسُمِّيَ ذَلِكَ تَثْوِيبًا مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ‏:‏ أَيْ الْيَقَظَةُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ الرَّاحَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ النَّوْمِ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ أَوْ الْمُظْلِمَةِ ذَاتِ الرِّيحِ بَعْدَ الْأَذَانِ‏:‏ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَلَوْ جَعَلَهُ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُمَا جَازَ، فَفِي الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِذَلِكَ‏.‏

المتن

وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يُؤَذِّنَ‏)‏ وَيُقِيمَ ‏(‏قَائِمًا‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ‏)‏ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ‏.‏ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا ‏(‏لِلْقِبْلَةِ‏)‏ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا فَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ أَوْ الْقِيَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْأَذَانِ، وَالِاضْطِجَاعُ فِيمَا ذُكِرَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْقُعُودِ‏.‏ وَيُسَنُّ الِالْتِفَاتُ بِعُنُقِهِ فِي حَيْعَلَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَا بِصَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ عَنْ مَحَلِّهِ وَلَوْ بِمَنَارَةٍ مُحَافَظَةً عَلَى الِاسْتِقْبَالِ يَمِينًا مَرَّةً فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَشِمَالًا مَرَّةً فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُتِمَّهُمَا فِي الِالْتِفَاتَيْنِ رَوَى الشَّيْخَانِ ‏"‏ أَنَّ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا‏:‏ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ‏"‏ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ‏:‏ وَاخْتَصَّتْ الْحَيْعَلَتَانِ بِالِالْتِفَاتِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ بَاقٍ بِخِلَافِ الْكَلِمَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ، وَالِالْتِفَاتُ أَبْلَغُ فِي إعْلَامِهِمْ، وَالْخَطِيبُ وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَعْرِضَ عَنْهُمْ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مُقْتَضَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِقَامَةِ، مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِيهَا كَالْأَذَانِ‏.‏ أُجِيبَ، بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الْإِعْلَامُ أَيْضًا، فَلَيْسَ فِيهَا تَرْكُ أَدَبٍ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ‏:‏ بِلَالٌ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا‏)‏‏.‏ وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا تُسَنُّ عَلَى عَالٍ إلَّا فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى عُلُوٍّ لِلْإِعْلَامِ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنَارَةٌ وَلَا سَطْحٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى بَابِ الْمُصَلَّى، فَإِنْ أَذَّنَ فِي صَحْنِهِ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ‏.‏ وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَذِّنُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي خَبَرِ أَبِي جُحَيْفَةَ وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَالْمُرَادُ أُنْمُلَتَا سَبَّابَتَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلصَّوْتِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْأَصَمُّ وَالْبَعِيدُ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسَنُّ فِيهَا ذَلِكَ‏.‏ وَأَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ السَّابِقِ أَوَائِلَ الْبَابِ بِلَا إجْهَادِ النَّفْسِ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا‏.‏

المتن

وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ

الشرحُ

‏(‏وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ وَكَذَا الْإِقَامَةُ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ فَإِنْ عَكَسَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ، وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ فِي خِلَالِهِمَا أَتَى بِالْمَتْرُوكِ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ‏.‏

المتن

وَمُوَالَاتُهُ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ تَجِبُ ‏(‏مُوَالَاتُهُ‏)‏ وَكَذَا الْإِقَامَةُ‏:‏ أَيْ مُوَالَاةُ كَلِمَاتِهِمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ‏)‏ بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ، وَقِيلَ‏:‏ يَضُرُّ كَثِيرُ الْكَلَامِ دُونَ كَثِيرِ السُّكُوتِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ فَإِنْ فَحُشَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا أَيْ فِي الْأَذَانِ، وَلَا إقَامَةً فِي الْإِقَامَةِ اسْتَأْنَفَ جَزْمًا‏.‏ فَإِنْ عَطَسَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْمُقِيمُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سُنَّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَ رَدَّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالتَّشْمِيتُ إذَا عَطَسَ غَيْرُهُ، وَحَمَدَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى الْفَرَاغِ فَيَرُدُّ وَيُشَمِّتُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ رَدَّ أَوْ شَمَّتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَصْلَحَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ‏.‏ وَلَوْ رَأَى أَعْمَى مَثَلًا يَخَافُ وُقُوعَهُ فِي بِئْرٍ وَجَبَ إنْذَارُهُ‏.‏

المتن

وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ‏:‏ الْإِسْلَامُ‏.‏

الشرحُ

وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَدَمُ بِنَاءِ غَيْرِهِ عَلَى أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَخْصَيْنِ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ غَالِبًا فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ الْبِنَاءِ إذَا اشْتَبَهَا صَوْتًا ‏(‏وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ‏)‏ وَالْمُقِيمِ ‏(‏الْإِسْلَامُ‏)‏ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الصَّلَاةَ الَّتِي هُمَا دُعَاءٌ لَهَا، فَإِتْيَانُهُ بِذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا بِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ، وَالْعِيسَوِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ تُنْسَبُ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ كَانَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً وَفَارَقَ الْيَهُودَ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ‏:‏ مِنْهَا أَنَّهُ حَرَّمَ الذَّبَائِحَ، فَإِنْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ غَيْرُ الْعِيسَوِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا اُعْتُدَّ بِالثَّانِي، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَقَامَ جَازَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعِيدَهُمَا غَيْرُهُ حَتَّى لَا يُصَلِّيَ بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَالِهِ‏.‏

المتن

وَالتَّمْيِيزُ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ شَرْطُ مَنْ ذُكِرَ ‏(‏التَّمْيِيزُ‏)‏ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ‏.‏ وَفِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْأَذَانِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الصَّرْفِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ‏.‏

المتن

وَالذُّكُورَةُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ شَرْطُ الْمُؤَذِّنِ ‏(‏الذُّكُورَةُ‏)‏ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا، فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى كَمَا لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمَا لَهُمْ، وَتَقَدَّمَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِ الرِّجَالِ وَالْخَنَاثَى، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرِّجَالِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَشَرْطُ الْمُرَتَّبِ لِلْأَذَانِ عِلْمُهُ بِالْمَوَاقِيتِ دُونَ مَنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِجَمَاعَةٍ مَرَّةً أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَا، بَلْ إذَا عَلِمَ دُخُولَ الْوَقْتِ صَحَّ أَذَانُهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ أَذَانِ الْأَعْمَى، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاتِبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ إذَا عَرَفَهَا بِخَبَرِ ثِقَةٍ كَغَيْرِ الرَّاتِبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ حَتَّى الْمُتَوَلِّي فِي تَتِمَّتِهِ، فَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ رَاتِبًا أَوْ غَيْرَهُ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ بِأَمَارَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ رَاتِبًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا بِالْأَمَارَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْوَقْتَ، وَلَكِنْ يُنْصَبُ لَهُمْ مُوَقِّتٌ يُخْبِرُهُمْ بِالْوَقْتِ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اُعْتُدَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَالْأَذَانِ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ‏.‏

المتن

وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ الْأَذَانُ ‏(‏لِلْمُحْدِثِ‏)‏ حَدَثًا أَصْغَرَ لِخَبَرِ ‏(‏كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ‏)‏ أَوْ قَالَ ‏(‏عَلَى طَهَارَةٍ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّهُ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ التَّطَهُّرُ مِنْ الْخَبَثِ أَيْضًا ‏(‏وَ‏)‏ الْكَرَاهَةُ ‏(‏لِلْجُنُبِ أَشَدُّ‏)‏ مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ ‏(‏وَالْإِقَامَةُ‏)‏ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏أَغْلَظُ‏)‏ أَيْ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْأَذَانِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَسَاوِيهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَغْلَظَ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ، وَمَنْ بِهِ نَحْوُ سَلَسِ بَوْلٍ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ إنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ الْأَذَانُ أَوْ الْإِقَامَةُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْدِثِ أَوْ الْجُنُبِ مَنْ لَا تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ‏.‏ وَيُجْزِئُ أَذَانُ وَإِقَامَةُ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ وَالْجُنُبِ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ حَدَثٌ وَلَوْ أَكْبَرَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّلَاعُبَ، فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ بَنَى وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ صَيِّتٌ حَسَنُ الصَّوْتِ عَدْلٌ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ لِلْأَذَانِ مُؤَذِّنٌ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏صَيِّتٌ‏)‏ أَيْ عَالِي الصَّوْتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ‏(‏أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا‏)‏ أَيْ أَبْعَدُ، وَلِزِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ ‏(‏حَسَنُ الصَّوْتِ‏)‏ لِيَرِقَّ قَلْبُ السَّامِعِ وَيَمِيلَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُلْوَ الْمَقَالِ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عِشْرِينَ رَجُلًا فَأَذَّنُوا فَأَعْجَبَهُ صَوْتُ أَبِي مَحْذُورَةَ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ‏)‏ ‏(‏عَدْلٌ‏)‏ لِيُقْبَلَ خَبَرُهُ عَنْ الْأَوْقَاتِ، وَيُؤْمَنَ نَظَرُهُ إلَى الْعَوْرَاتِ، وَيُكْرَهُ أَذَانُ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى لَيْسَ مَعَهُ بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْمَوَاقِيتِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ يُكْرَهُ تَمْطِيطُ الْأَذَانِ‏:‏ أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي بِهِ‏:‏ أَيْ التَّطْرِيبُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ وَلَدِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ الْقُرَظِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلَادِ مُؤَذِّنِي أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ لِلْمُقِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ أَذَانُهُ رَاكِبًا لِلْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوبِ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ أَذَّنَ مَاشِيًا أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ مَكَانِ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ يَسْمَعُ أَوَّلَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وَهُوَ يَمْشِي، وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ وَبِقَدْرِ أَدَاءِ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقُعُودٍ لَطِيفٍ لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَلِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا عَادَةً، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا‏.‏

المتن

وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّيْءِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذَا السُّبْكِيُّ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ السَّلَامَةَ فِي تَرْكِهَا، وَنَقَلَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بَعْدَ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ‏:‏ هَؤُلَاءِ بِالنُّبُوَّةِ، وَهَؤُلَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ بِعِمَادِ الدِّينِ ‏(‏قُلْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانَ ‏(‏أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ‏}‏ ‏[‏فُصِّلَتْ‏]‏ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏:‏ هُمْ الْمُؤَذِّنُونَ، وَلِخَبَرِ ‏(‏إنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ‏)‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَلِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْإِمَامِ بِالْإِرْشَادِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ‏.‏ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ دَعَا لِلْإِمَامِ بِالرُّشْدِ خَوْفَ زَيْغِهِ، وَلِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ حَالِهِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ يَحْتَاجُ إلَى فَرَاغٍ وَكَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ، وَضُعِّفَ هَذَا بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقِيلَ‏:‏ أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ أَنَّ الْأَذَانَ مَعَ الْإِقَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّنْبِيهِ، وَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَطَابَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالْمَشْرُوطِ وَالْخَطِيبُ يَأْتِي بِالشَّرْطِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَشْرُوطِ أَوْلَى، وَقِيلَ‏:‏ الْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ فَضَّلَ الْمُصَنِّفُ الْأَذَانَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الرَّافِعِيَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَصْحِيحُهُ فَرْضِيَّةَ الْجَمَاعَةِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ وَإِنَّمَا يُرَجِّحُهُ عَلَيْهَا مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَفْضِيلِ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ، فَقَدْ فُضِّلَ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى الْجَوَابِ، وَإِبْرَاءُ الْمُعْسِرِ عَلَى إنْظَارِهِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِمَا سُنَّةٌ، وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ يُسَنُّ لِمَنْ صَلُحَ لِلْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يُبَاحُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ ‏(‏مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏(‏مَنْ أَذَّنَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏)‏ وَأَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذَّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ‏.‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ‏.‏ وَوَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ، وَالْإِقَامَةُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ‏)‏ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اُعْتُدَّ بِهِ‏.‏

المتن

وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ إلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَشَرْطُهُ‏)‏ أَيْ الْأَذَانِ ‏(‏الْوَقْتُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى سُقُوطِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ، لَا لِلْوَقْتِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُؤَذِّنْ وَإِلَّا أَذَّنَ ‏(‏إلَّا الصُّبْحَ‏)‏ أَيْ أَذَانَهُ ‏(‏فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ‏)‏ يَصِحُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ‏)‏ زَادَ الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ‏)‏ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ وَقْتُهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصُّبْحِ إذْ مُعْظَمُ اللَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ وَقَرُبَ الْأَذَانُ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الصُّبْحِ، وَلِهَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ بَعْدَهُ‏:‏ أَنْعِمْ صَبَاحًا‏.‏ قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ‏:‏ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ خِلَافًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ، فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهَا لَيَنْتَبِهُوا وَيَتَأَهَّبُوا لِيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ فَلَا تُقَدَّمُ بِحَالٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ‏:‏ مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ، فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعَهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَيَتَأَهَّبُ ثُمَّ يَرْقَى، وَقِيلَ‏:‏ يَدْخُلُ وَقْتُ أَذَانِهِ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّ قَائِلَهُ اعْتَمَدَ حَدِيثًا بَاطِلًا مُحَرَّفًا، وَيَدْخُلُ سُبْعُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ‏:‏ وَقْتُهُ جَمِيعُ اللَّيْلِ، وَقِيلَ‏:‏ إذَا خَرَجَ وَقْتُ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ، وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي السَّحَرَ بِمَا بَيْنَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَالصَّادِقِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ‏:‏ السَّحَرُ هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ‏)‏ وَنَحْوَهُ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ فَوَائِدِهِمَا أَنَّهُ ‏(‏يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ‏)‏ لِلصُّبْحِ ‏(‏قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي اسْتِحْبَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَيَتَرَتَّبُونَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَيَقْتَرِعُونَ لِلْبُدَاءَةِ إنْ تَنَازَعُوا، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ تَفَرَّقُوا فِي أَقْطَارِهِ وَإِنْ صَغُرَ اجْتَمَعُوا إنْ لَمْ يُؤَدِّ اجْتِمَاعُهُمْ إلَى اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ وَيَقِفُونَ عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً فَإِنْ أَدَّى إلَى ذَلِكَ أَذَّنَ بَعْضُهُمْ بِالْقُرْعَةِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَعِنْدَ التَّرْتِيبِ لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ‏:‏ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ سُنَّ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمَرَّتَيْنِ‏.‏ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاتِبُ غَيْرَهُ فَالرَّاتِبُ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ الْمُؤَذِّنَ مِنْ مَالٍ الْمَصَالِحِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْوَصِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَكَذَا الْإِمَامُ‏.‏ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَوْ أَمِينٌ، وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْهُ وَأَبَى الْأَمِينُ فِي الْأُولَى وَالْأَحْسَنُ صَوْتًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِهَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَإِنْ تَعَدَّدُوا بِعَدَدِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَأَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ بِأَحَدِهَا لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ، وَيَبْدَأُ وُجُوبًا إنْ ضَاقَ بَيْتُ الْمَالِ وَنَدْبًا إنْ اتَّسَعَ بِالْأَهَمِّ كَمُؤَنِ الْجَامِعِ، وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَقَصْدِ النَّاسِ لَهَا، وَلِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ يُرْزَقُ عَلَيْهِ كَكِتَابَةِ الصَّكِّ وَلِرُجُوعِ نَفْعِهِ إلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَذَانِ ضِمْنًا، وَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، وَفِي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ غَالِبًا لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِصَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ‏.‏ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، فَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ‏.‏ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ، حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَقَرَّهُ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ‏)‏ أَيْ الْمُؤَذِّنِ وَمُسْتَمِعِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَمِثْلُ الْمُؤَذِّنِ الْمُقِيمِ ‏(‏مِثْلُ قَوْلِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَيُقَاسُ بِالْمُؤَذِّنِ الْمُقِيمُ، وَتَنَاوَلَتْ عِبَارَتُهُ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَنَحْوَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُجِيبَانِ لِحَدِيثِ ‏(‏كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ‏)‏ وَلِابْنِهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ، فَيُقَالُ‏:‏ تُجِيبُ الْحَائِضُ لِطُولِ زَمَنِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَتَنَاوَلَتْ أَيْضًا الْمُجَامِعَ وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ، لَكِنْ إنَّمَا يُجِيبَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ‏.‏ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ لَمْ تُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْإِجَابَةُ، وَفَارَقَ هَذَا تَكْبِيرَ الْعِيدِ الْمَشْرُوعَ عَقِبَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يُتَدَارَكُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ تَنْقَطِعُ مَعَ الطُّولِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَمَنْ فِي صَلَاةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ، فَإِنْ قَالَ فِي التَّثْوِيبِ‏:‏ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، أَوْ قَالَ‏:‏ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ أَجَابَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِذَا كَانَ السَّامِعُ أَوْ الْمُسْتَمِعُ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُمَا وَيُجِيبَ، أَوْ فِي طَوَافٍ أَجَابَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا بِأَنْ لَا يُقَارِنَ وَلَا يَتَأَخَّرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَمُقْتَضَاهُ الْإِجْزَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَامْتِنَاعُهُ عِنْدَ التَّقَدُّمِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَذَانَ غَيْرِهِ أَوْ إقَامَتَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ لَا تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ‏.‏ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ فِي خَبَرِ ‏(‏إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ‏)‏ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ التَّرْجِيعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ‏)‏ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ بَعْضَ الْأَذَانِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ فِي الْجَمِيعِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

المتن

إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ‏.‏

الشرحُ

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ فِي الْإِجَابَةِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَأَكَّدٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ إجَابَةُ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ‏)‏ وَهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ‏(‏فَيَقُولُ‏)‏ بَدَلَ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏لَا حَوْلَ‏)‏ أَيْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ ‏(‏وَلَا قُوَّةَ‏)‏ عَلَى الطَّاعَةِ ‏(‏إلَّا بِاَللَّهِ‏)‏ أَيْ بِعَوْنِ اللَّهِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ ‏(‏كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ لَا‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيَّ وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏)‏ وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ أَرْبَعًا، وَفِي الْإِقَامَةِ مَرَّتَيْنِ‏.‏ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَقِيلَ‏:‏ يُحَوْقِلُ مَرَّتَيْنِ فِي الْأَذَانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِحَيْعَلَاتِهِ لَوَافَقَ الْأَوَّلَ الْمُعْتَمَدَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ مِثْلَ مَا يَقُولُ؛ لِأَنَّهُمَا دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ، فَسُنَّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ‏:‏ أَيْ سَامِعُهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ‏)‏ وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏(‏لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ‏)‏ أَيْ أَجْرُهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا كَمَا يُدَّخَرُ الْكَنْزُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْحَاءُ وَالْعَيْنُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلِيَّةِ الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مَخْرَجِهِمَا إلَّا أَنْ تُؤَلَّفَ كَلِمَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِهِمْ حَيْعَلَ، فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ‏.‏ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَمِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ قَوْلُهُمْ حَوْقَلَ إذَا قَالَ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ هَكَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ‏.‏ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ حَوْلَقَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْقَافِ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَاءِ حَوْلَ وَقَافِ قُوَّةَ، وَكَقَوْلِهِمْ‏:‏ بَسْمَلَ، إذَا قَالَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ، وَحَمْدَلَ، إذَا قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْهَيْلَلَةُ، إذَا قَالَ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالْجَعْفَلَةُ، جُعِلْتُ فِدَاءَكَ، وَالطَّلْبَقَةُ، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، وَالدَّمْعَزَةُ، أَدَامَ اللَّهُ عِزَّكَ‏.‏ وَالْفَلَاحُ الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةُ مِنْ الْمَرْهُوبِ‏.‏

المتن

قُلْتُ‏:‏ وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ‏:‏ صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّامِعَ يَقُولُ فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ‏:‏ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ‏)‏ فِي أَذَانَيْ الصُّبْحِ ‏(‏فَيَقُولُ‏)‏ بَدَلَ كَلِمَتَيْهِ ‏(‏صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ‏)‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ، وَحُكِيَ فَتْحُ الْأُولَى‏:‏ أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ‏:‏ أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَلِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ قَالَهُ، وَقِيلَ يَقُولُ‏:‏ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ الْإِجَابَةِ فِي كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ كَمَا تَقَرَّرَ إلَّا فِي كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ، فَيَقُولُ ‏"‏ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ‏"‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ أَيْضًا، وَلِخَبَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ‏.‏ وَقَالَ الْإِمَامُ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ أَقِمْهَا وَأَدِمْهَا وَاجْعَلْنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا‏)‏ وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ يُجِيبُ إلَّا فِي كَلِمَتَيْهَا فَقَطْ‏.‏

المتن

وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ قَالَ شَيْخُنَا وَمُقِيمٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ‏(‏أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ وَيُسَلِّمَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُهَا عَنْهُ ‏(‏بَعْدَ فَرَاغِهِ‏)‏ مِنْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى مَا مَرَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا‏)‏ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ‏)‏ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ مِنْهُ يَا وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ‏(‏رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ‏)‏ بِفَتْحِ الدَّالِ‏:‏ أَيْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى مَا مَرَّ ‏(‏التَّامَّةِ‏)‏ أَيْ السَّالِمَةِ مِنْ تَطَرُّقِ نَقْصٍ إلَيْهَا ‏(‏وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ‏)‏ أَيْ الَّتِي بِهِ تُقَامُ ‏(‏آتِ‏)‏ أَعْطِ ‏(‏مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏)‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏:‏ أَيْ حَصَلَتْ وَزَادَ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ وَالْفَضِيلَةَ‏:‏ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَبَعْدَ وَعَدْتَهُ‏:‏ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالْوَسِيلَةُ أَصْلُ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْء، وَالْجَمْعُ وَسَائِلُ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ الْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ‏:‏ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ‏:‏ وَقِيلَ‏:‏ قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ وَآلُهُ، وَالْأُخْرَى مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ، وَالْمَقَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاءُ‏]‏ وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالطَّبَرِيُّ‏:‏ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مُعَرَّفًا، وَنَكَّرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاعْتَرَضَ بِرِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ لَهُ مُعَرَّفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا فَائِدَةُ طَلَبِ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ الَّذِي وَعَدْتَهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَقَامًا لَا نَعْتٌ لَهُ‏:‏ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ النَّكِرَةِ وَلَا يَجُوزُ نَعْتُ النَّكِرَةِ بِالْمَعْرِفَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ نَعْتُ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَمَرْفُوعًا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُنْدَبُ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِخَبَرِ ‏(‏الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَادْعُوَا‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏ قَالَ فِي الْعُبَابِ‏:‏ وَأَكَّدَهُ بِسُؤَالِ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَمَنْ سَمِعَهُ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ‏:‏ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي، وَبَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ‏:‏ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ نَهَارِكَ وَإِدْبَارُ لَيْلِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي ‏.‏