فصل: فَصْلٌ: (فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ‏]‏

المتن

يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا، وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ، وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ، وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ، وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ‏:‏ فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ، وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ، وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ‏:‏ وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ، وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَيُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ، وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ ‏(‏يُكَفَّنُ‏)‏ بَعْدَ غُسْلِهِ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ ‏(‏لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا‏)‏ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إذَا وُجِدَ غَيْرُهُمَا‏.‏ وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِالْحَرِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا قُتِلَ وَهُوَ لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ أَيْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْحَرْبِ، وَلَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَهُنَاكَ طَاهِرٌ وَإِنْ جَازَ لَهُ لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ حَرِيرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي‏.‏ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمُصَلِّي، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ‏:‏ إنَّ النَّجِسَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي التَّطْيِينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي فِي السُّتْرَةِ فِي الْحَيَاةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمُحَدَّةِ فِيمَا حَرُمَ عَلَيْهَا لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي إبَاحَةِ الطِّيبِ لَهَا ‏(‏وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ‏)‏ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ، وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ ‏؟‏ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ‏:‏ وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ ‏(‏وَلَا تُنَفَّذُ‏)‏ بِالتَّشْدِيدِ ‏(‏وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ‏)‏ أَيْ الثَّوْبِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِث، وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ، وَيَجِبْ تَكْفِينُهُ بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ ا هـ‏.‏ وَهَلْ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي ‏؟‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ لَا تَنْفُذُ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَهُوَ أَقَيْسُ‏:‏ أَيْ فَيَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ‏.‏ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى زِيَادَةِ السَّتْرِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ‏.‏ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَاتِرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَفَارَقَ الْغَرِيمَ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا، هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ‏:‏ وَيَكُونُ سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى ثَوْبًا سَاتِرًا لِلْبَدَنِ وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ الْوَاجِبُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ‏)‏ أَيْ الذَّكَرِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُحْرِمًا ‏(‏ثَلَاثَةٌ‏)‏ ‏(‏لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَسُحُولٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ، لَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ بِلَا كَرَاهَةٍ ‏(‏ رَابِعٌ وَخَامِسٌ‏)‏؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا لَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ‏:‏ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ‏.‏ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِحُرْمَتِهَا وَبَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي وَرَثَةٍ مُتَبَرِّعِينَ وَرَضُوا بِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَلَا ‏(‏وَ‏)‏ الْأَفْضَل ‏(‏لَهَا‏)‏ وَلِلْخُنْثَى ‏(‏خَمْسَةٌ‏)‏ مِنْ الْأَثْوَابِ لِزِيَادَةِ السَّتْرِ فِي حَقِّهِمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَالْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِهَا كَمَا مَرَّ ‏(‏بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ‏)‏ كُلُّهَا ‏(‏لَفَائِفٌ‏)‏ مُتَسَاوِيَةٌ طُولًا وَعَرْضًا يَعُمُّ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ غَيْرَ رَأْسِ الْمُحْرِمِ وَوَجْهِ الْمُحْرِمَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقِيلَ تَكُونُ مُتَفَاوِتَةً، فَالْأَسْفَلُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِزَارِ‏.‏ وَالثَّانِي مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ، وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ ‏(‏وَإِنْ كُفِّنَ‏)‏ ذَكَرٌ ‏(‏فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ‏(‏وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ‏)‏ أَيْ اللَّفَائِفِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا‏.‏ أَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَا يُلْبَسُ مَخِيطًا ‏(‏وَإِنْ كُفِّنَتْ‏)‏ أَيْ امْرَأَةٌ ‏(‏فِي خَمْسَةٍ فَإِزَارٌ‏)‏ أَوَّلًا، وَمَرَّ تَعْرِيفُهُ، وَيُقَالُ لَهُ مِئْزَرٌ أَيْضًا ‏(‏وَخِمَارٌ‏)‏ وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ ‏(‏وَقَمِيصٌ‏)‏ قَبْلَ الْخِمَارِ ‏(‏وَلِفَافَتَانِ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّنَ فِيهَا ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ‏)‏ فَاللِّفَافَةُ الثَّالِثَةُ بَدَلُ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ لَهَا كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ، وَالْقَمِيصُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ الْكَفَنُ ‏(‏الْأَبْيَضُ‏)‏ ‏(‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَغْسُولَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ ‏(‏وَمَحَلُّهُ‏)‏ أَيْ الْكَفَنِ كَبَقِيَّةِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ ‏(‏أَصْلُ التَّرِكَةِ‏)‏ كَمَا سَيَأْتِي أَوَّلَ الْفَرَائِضِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ فَيُقَدَّمَ عَلَيْهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَنْ لِزَوْجِهَا مَالٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَكَفَنُهَا عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ الْآتِي‏.‏ وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ‏:‏ أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي، وَقَالَ الْبَعْضُ‏:‏ مِنْ التَّرِكَةِ‏.‏ كُفِّنَ مِنْهَا دَفْعًا لِلْمِنَّةِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ لِلْمَيِّتِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ تَرِكَةٌ فَعَلَى ‏(‏مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ‏)‏ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ ‏(‏وَسَيِّدٍ‏)‏ فِي رَقِيقِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ مَحَلُّ الْكَفَنِ أَيْضًا ‏(‏الزَّوْجُ‏)‏ الْمُوسِرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَعَلَيْهِ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَعَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا وَتَجْهِيزِ خَادِمِهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فِي نَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ وَالسَّيِّدَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مُوسِرَةً أَمْ لَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ وَكَذَا الزَّوْجُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ عَلَى الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ تَرِكَةٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ التَّمْكِينِ الْمُقَابِلِ لِلنَّفَقَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ وُجُوبَ التَّكْفِينِ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَلَا، أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَصَغِيرَةٍ وَنَاشِزَةٍ فَمَا ذُكِرَ فِي تَرِكَتِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِذَلِكَ كُمِّلَ مِنْ مَالِهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَاتُهُ دُفْعَةً بِنَحْوِ هَدْمٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا كَفَنًا فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُعْسِرَةُ، أَوْ مَنْ يُخْشَى فَسَادُهَا، أَوْ مُتْنَ مُرَتَّبًا هَلْ تُقَدَّمُ الْأُولَى أَوْ الْمُعْسِرَةُ أَوْ يُقْرَعُ ‏؟‏ احْتِمَالَاتٌ أَقْرَبُهَا أَوَّلُهَا فِيهِمَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ، وَلَا كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ مِنْ كَفَنٍ وَغَيْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ، وَفِيهِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ‏:‏ وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مَعَ مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، زَادَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمَجَّانًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَلَا بَدَلَ يُصَارُ إلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ إذَا وَقَعَ التَّكْفِينُ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ وَوَقَعَ فِيهَا تَفَاوُتٌ ‏(‏يُبْسَطُ‏)‏ أَوَّلًا ‏(‏أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا‏)‏ وَأَطْوَلُهَا ‏(‏وَالثَّانِيَةُ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ ‏(‏فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ‏)‏ فَوْقَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا، فَلِهَذَا بُسِطَ الْأَحْسَنُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ الْكَفَنِ‏.‏ وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ‏(‏وَيَذَرُ‏)‏ بِالْمُعْجَمَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ ‏(‏عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الْأُخْرَى ‏(‏حَنُوطٌ‏)‏ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَيُقَالُ لَهُ الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَذَرِيرَةِ الْقَصَبِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ‏.‏ وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ هُوَ كُلُّ طِيبٍ خُلِطَ لِلْمَيِّتِ ‏(‏وَكَافُورٌ‏)‏ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ الطِّيبِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي أُصُولِ الْحَنُوطِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ، بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ وَيَشُدُّهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ جُعِلَ بَيْنَ كُلِّ ثَوْبَيْنِ حَنُوطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا‏)‏ أَيْ اللَّفَائِفِ بِرِفْقٍ ‏(‏مُسْتَلْقِيًا‏)‏ عَلَى قَفَاهُ وَهَلْ تُجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسَلَانِ فِي جَنْبِهِ ‏؟‏ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ ‏(‏وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ‏)‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ كَمَا مَرَّ، وَيُسَنُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ بِنَحْوِ عُودٍ أَوَّلًا ‏(‏وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ‏)‏ بِخِرْقَةٍ بَعْدَ دَسِّ قُطْنٍ حَلِيجٍ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ بَيْنَ أَلْيَيْهِ حَتَّى يَصِلَ لِحَلَقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا، وَيُكْرَهُ إيصَالُهُ دَاخِلَ الْحَلَقَةِ، وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ ‏(‏وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ‏)‏ مِنْ أُذُنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، وَعَلَى أَعْضَاءِ سُجُودِهِ كَجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ ‏(‏قُطْنٌ‏)‏ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ لِيُخْفِيَ مَا عَسَاهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَيَدْفَعَ عَنْهُ الْهَوَامَّ ‏(‏وَيُلَفُّ عَلَيْهِ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏اللَّفَائِفُ‏)‏ بِأَنْ يُثْنِيَ الطَّرَفَ الْأَيْسَرَ ثُمَّ الْأَيْمَنَ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ، وَيَجْمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَكُونُ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ ‏(‏وَتُشَدُّ‏)‏ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِعَقْدِ الْإِزَارِ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا أَنْ يُكْرَى لِلْمَيِّتِ مِنْ الثِّيَابِ مَا فِيهِ زِينَةٌ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ ‏(‏فَإِذَا وُضِعَ‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ‏)‏ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا‏)‏ وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ ‏(‏وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ‏)‏ أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَوْ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ كَفَنُهُ فَفِي التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ أَكَانَ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَفِي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَقُسِّمَتْ التَّرِكَةُ ثُمَّ سُرِقَ كَفَنُهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُمْ ثَانِيًا لَلَزِمَهُمْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ا هـ‏.‏ وَهَذَا أَوْجَهُ وَلَا يُسَنُّ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ ‏:‏ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعَ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ قَبْرًا يُدْفَنُ فِيهِ‏.‏ قَالَ الْعَبَّادِيُّ‏:‏ وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا‏.‏ ‏.‏

المتن

وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ، وَيُسْرَعُ بِهَا إنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ‏.‏

الشرحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَقَالَ ‏(‏وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَحَمْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأَوَّلُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَالثَّانِي التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَيِّتِ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ، وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُود بِكُلٍّ مِنْهُمَا، هَذَا إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَّةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ‏)‏ أَيْ الْعَمُودَيْنِ ‏(‏عَلَى عَاتِقِهِ‏)‏ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ ‏(‏وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ‏)‏ الْخَشَبَتَيْنِ ‏(‏الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ‏)‏ أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَخَّرَتَانِ لِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى الطَّرِيقِ وَإِنْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَامِلًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى ارْتِفَاعِ مُؤَخِّرَةِ النَّعْشِ وَتَنَكُّسِ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ وَيَأْخُذُ اثْنَانِ بِالْمُؤَخَّرَتَيْنِ فِي حَالَتَيْ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، فَحَامِلُوهُ بِلَا عَجْزٍ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ خَمْسَةٌ فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وِتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ فَقَالَ ‏(‏وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ‏)‏ يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ ‏(‏وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ‏)‏ يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَامِلُونَ أَرْبَعَةً، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْكَيْفِيَّةُ بِالتَّرْبِيعِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَرْبَعَةُ عَنْهَا حَمَلَهَا سِتَّةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَحْمِلُ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَوْ يُزَادُ أَعْمِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَحْتَ الْجِنَازَةِ كَمَا فُعِلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ جَسِيمًا‏.‏ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنْ حَمَلَهُ وَاحِدٌ جَازَ إذْ لَا إزْرَاءَ فِيهِ‏.‏ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِالْحَمْلِ بِالْهَيْئَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْعَمُودَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى كَتِفَيْهِ، ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَأْخُذَ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ، أَوْ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَبْدَأَ بِالْأَيْمَنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ أَوْ بِالْهَيْئَتَيْنِ فِيمَا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ مُؤَخَّرًا أَوْ مُقَدَّمًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ‏(‏وَالْمَشْيُ‏)‏ لِلْمُشَيِّعِ لَهَا وَكَوْنُهُ ‏(‏أَمَامَهَا‏)‏ أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَحَقُّ الشَّفِيعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ‏.‏ وَأَمَّا خَبَرُ ‏(‏امْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ‏)‏ فَضَعِيفٌ وَكَوْنُهُ ‏(‏بِقُرْبِهَا‏)‏ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْهُ بَعِيدًا بِأَنْ لَا يَرَاهَا لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ فَإِنْ بَعُدَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي، وَهُوَ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ مِنْ أَنَّ الرَّاكِبَ يَكُونُ خَلْفَهَا بِالِاتِّفَاقِ تَبِعَ فِيهِ الْخَطَّابِيَّ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ خَطَأٌ وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ أَصْلِ الْمُتَابَعَةِ وَفَاتَهُ كَمَالُهَا، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ يُكْرَهْ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَعُ الْجِنَازَةُ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ، وَيُكْرَهُ رُكُوبُهُ فِي ذَهَابِهِ مَعَهَا لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نَاسًا رُكَّابًا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ‏:‏ أَلَا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ‏.‏ أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ فَلَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي الرُّكُوبِ فِي الْعَوْدِ ‏(‏وَيُسْرَعُ بِهَا‏)‏ نَدْبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ‏)‏ هَذَا ‏(‏إنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ وَإِلَّا فَيُتَأَنَّى بِهِ، وَالْإِسْرَاعُ فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ لِئَلَّا تَنْقَطِعَ الضُّعَفَاءُ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأَنِّي زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ، وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ مَعَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الِاسْتِحْبَابِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ‏:‏ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَيُثْنِيَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَأَنْ يَقُولَ‏:‏ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏مَنْ رَأَى جِنَازَةً فَقَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، هَذَا مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً‏)‏‏.‏ ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ‏]‏

المتن

لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ‏:‏ أَحَدُهَا النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَقِيلَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ، وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، فَإِنْ خَمَّسَ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ خَمَّسَ إمَامُهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، الثَّالِثُ‏:‏ السَّلَامُ كَغَيْرِهَا‏.‏ الرَّابِعُ‏:‏ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الْأُولَى‏.‏ قُلْتُ‏:‏ تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، الْخَامِسُ‏:‏ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ، السَّادِسُ‏:‏ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ‏.‏ السَّابِعُ‏:‏ الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ قَدَرَ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا، وَالْأَصَحُّ نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الِافْتِتَاحِ، وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ‏:‏ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إلَى آخِرِهِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا‏:‏ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا، وَيَقُولُ فِي الرَّابِعَةُ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ فِي الْفَاتِحَةِ تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا وَفِي قَوْلٍ لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ‏.‏

الشرحُ

‏[‏فَصْلٌ‏]‏ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ، وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَا الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ ‏(‏لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ‏)‏ سَبْعَةٌ ‏(‏أَحَدُهَا النِّيَّةُ‏)‏ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا‏)‏ أَيْ كَوَقْتِ نِيَّةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي وُجُوبِ قَرْنِ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ‏(‏وَتَكْفِي‏)‏ فِيهَا ‏(‏نِيَّةُ‏)‏ مُطْلَقِ ‏(‏الْفَرْضِ‏)‏ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكِفَايَةِ كَمَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي إحْدَى الْخَمْسِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِفَرْضِ الْعَيْنِ ‏(‏وَقِيلَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ‏)‏ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ فِيمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ‏)‏ الْحَاضِرِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَا مَعْرِفَتِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ‏.‏ وَأَمَّا تَعْيِينُهُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَأُصَلِّي عَلَى هَذَا، أَوْ الْحَاضِرِ، أَوْ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ‏.‏ أَمَّا الْغَائِبُ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالْقَلْبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَعُزِيَ إلَى الْبَسِيطِ ‏(‏فَإِنْ عَيَّنَ‏)‏ الْمَيِّتَ الْحَاضِرَ أَوْ الْغَائِبَ كَأَنْ صَلَّى عَلَى زَيْدٍ أَوْ الْكَبِيرِ أَوْ الذَّكَرِ مِنْ أَوْلَادِهِ ‏(‏وَأَخْطَأَ‏)‏ فَبَانَ عَمْرًا أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ الْأُنْثَى ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ أَيْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ ‏(‏وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ‏)‏ أَيْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ فَلَوْ صَلَّى عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ فَبَانُوا أَحَدَ عَشَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَمِيع؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَبَانُوا عَشَرَةً فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ‏.‏ وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ صَحَّتْ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ‏)‏ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏فَإِنْ خَمَّسَ‏)‏ عَمْدًا ‏(‏لَمْ تَبْطُلْ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِثُبُوتِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ الْأَرْبَعُ أَوْلَى لِتَقَرُّرِ الْأَمْرِ عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ؛ وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَزِيَادَةُ الذِّكْرِ لَا تَضُرُّ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رُكْنٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَجْرَى جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَتَشْبِيهُ التَّكْبِيرَةِ بِالرَّكْعَةِ فِيمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فِي الْمُتَابَعَةِ فَقَطْ لِتَأَكُّدِهَا‏.‏ نَعَمْ لَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ عَمْدًا مُعْتَقِدًا بِهِ الْبُطْلَانَ بَطَلَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ سَاهِيًا فَلَا تَبْطُلُ جَزْمًا، وَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلسُّجُودِ فِيهَا ‏(‏وَلَوْ خَمَّسَ‏)‏ أَيْ كَبَّرَ ‏(‏إمَامُهُ‏)‏ فِي صَلَاةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ ‏(‏لَمْ يُتَابِعْهُ‏)‏ الْمَأْمُومُ أَيْ لَا تُسَنُّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَذْهَبِ لِعَدَمِ سَنِّهِ لِلْإِمَامِ ‏(‏بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ‏)‏ وَهُوَ أَوْلَى لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ، وَالثَّانِي يُتَابِعُهُ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فَارَقَهُ جَزْمًا، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الصَّوَابُ أَنَّهُ فِي الْجَوَازِ قَالَ شَيْخُنَا مَمْنُوعٌ ‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏السَّلَامُ‏)‏ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ فِيهَا ‏(‏كَغَيْرِهَا‏)‏ أَيْ كَسَلَامِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَتَعَدُّدِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سَنِّ زِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ‏:‏ يُسَنُّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْتَفِتُ فِي السَّلَامِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَة يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَشْهَرُ ‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ‏)‏ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلِعُمُومِ خَبَرِ ‏(‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏)‏ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ‏"‏ قَرَأَ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ‏:‏ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ‏"‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏"‏ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَجَهَرَ بِهَا، وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا جَهَرْتُ بِهَا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ‏"‏ وَمَحَلُّهَا ‏(‏بَعْدَ‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التِّبْيَانِ‏.‏ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى‏)‏ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ إخْلَاءُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِرَاءَةِ ا هـ‏.‏ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي قُرِئَتْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بَدَلُهَا ‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَحَلُّهَا ‏(‏بَعْدَ‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ وَقَبْلَ الثَّالِثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ تَصْرِيحِ السَّرَخْسِيِّ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى‏.‏ وَأَقَلُّهَا‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‏(‏وَالصَّحِيحُ‏)‏ وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ‏)‏ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَوْلَى لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، بَلْ تُسَنُّ كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ عَقِبَهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالْحَمْدِ لَكِنَّهُ أَوْلَى كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏ ‏(‏السَّادِسُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ‏)‏ بِخُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمَا قَبْلَهُ مُقَدِّمَةٌ لَهُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ ‏(‏إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ‏)‏ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يَكْفِي وَيَنْدَرِجُ فِيهِمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ مُطْلَقًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَاجِبُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ‏:‏ كَاللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ‏.‏ وَأَمَّا الْأَكْمَل فَسَيَأْتِي‏.‏ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ‏:‏ الْأَشْبَهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ لَهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَالَ الْغَزِّيُّ‏:‏ بَاطِلٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الثَّالِثَةِ‏)‏ وَقِيلَ‏:‏ الرَّابِعَةِ وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الِاتِّبَاعِ ا هـ‏.‏

وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَة ذِكْرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ‏.‏ وَلَكِنْ يُنْدَبُ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏السَّابِعُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ قَدَرَ‏)‏ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَقِيلَ‏:‏ إنْ تَعَيَّنَتْ وَجَبَ الْقِيَامُ، وَإِلَّا فَلَا ‏(‏وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ‏)‏ فِيهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُهُمَا بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَحْتَ صَدْرِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ‏(‏وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ‏)‏ لِلْفَاتِحَةِ وَلَوْ لَيْلًا لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ‏:‏ مِنْ السُّنَّةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ، ثُمَّ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ مَخَافَتَهُ‏.‏

ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَيُسَلِّمَ‏.‏ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ بِجَامِعِ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ‏.‏ وَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ‏.‏ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي أُمَامَةَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ‏:‏ إنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بِهَا ‏(‏وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا‏)‏ أَيْ بِالْفَاتِحَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ‏.‏

أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءُ فَيُنْدَبُ الْإِسْرَارُ بِهِمَا اتِّفَاقًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقِرَاءَةَ‏:‏ أَيْ الْفَاتِحَةَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ نَدْبُ التَّعَوُّذِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَاسْتُحِبَّ كَالتَّأْمِينِ؛ وَلِأَنَّهُ قَصِيرٌ، وَيُسَرُّ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ‏(‏دُونَ الِافْتِتَاحِ‏)‏ لِطُولِهِ وَالثَّانِي يُسْتَحَبَّانِ كَالتَّأْمِينِ‏.‏

وَالثَّالِث‏:‏ لَا يُسْتَحَبَّانِ لِطُولِهِمَا، بِخِلَافِ التَّأْمِينِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَا تُسَنُّ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏فِي الثَّالِثَةِ‏:‏ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إلَى آخِرِهِ‏)‏ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَاقِيَهُ اسْتِغْنَاءً بِشُهْرَتِهِ، وَلَكِنْ نَذْكُرُ تَتِمَّتَهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَهِيَ‏:‏ خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ نَسِيمِ رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا‏:‏ أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ، إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ كَأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ‏:‏ أَيْ هُوَ ضَيْفُكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ، وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ‏:‏ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ أَيْ أَعْطِهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ‏.‏ جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ، وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا، وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ بِالْجَرِّ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ‏.‏

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ ‏{‏صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ‏}‏ قَالَ عَوْفٌ‏:‏ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَيِّتُ، هَذَا فِي الْبَالِغِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَبَّرَ بِالْأَمَةِ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَّرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فَالْمُتَّجَهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَابْنُ أَمَتِكَ ا هـ‏.‏

وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَيِّتَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّمَائِرِ مُذَكَّرَةً عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ أَوْ الْمَيِّتِ وَمُؤَنَّثَةً عَلَى إرَادَةِ لَفْظِ الْجِنَازَةِ وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ‏.‏

وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَسَيَأْتِي مَا يُقَالُ فِيهِ ‏(‏وَيُقَدِّمُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الدُّعَاءِ السَّابِقِ ‏{‏‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا‏:‏ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ‏}‏‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا‏.‏ وَزَادَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ ‏{‏اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ‏}‏ وَقُدِّمَ هَذَا لِثُبُوتِ لَفْظِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَتَضَمُّنِهِ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَهُ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى وَبَعْضَهُ بِاللَّفْظِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الدُّعَاءَيْنِ الْمُحَرَّرُ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏فِي‏)‏ الْمَيِّتِ ‏(‏الطِّفْلِ‏)‏ أَوْ الطِّفْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ‏(‏مَعَ هَذَا‏)‏ الدُّعَاءِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ فِي كَلَامِهِ ‏(‏اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتَ بِقِسْمَيْهِ ‏(‏فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ‏)‏ أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا مَصَالِحَهُمَا فِي الْآخِرَةِ ‏(‏وَسَلَفًا وَذُخْرًا‏)‏ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ ذَخَرَهُ‏:‏ كَمَنَعَهُ ذُخْرًا بِالضَّمِّ‏:‏ ادَّخَرَهُ وَاخْتَارَهُ وَاتَّخَذَهُ ‏(‏وَعِظَةً‏)‏ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَوْعِظَةً، أَوْ اسْمُ الْفَاعِلِ‏:‏ أَيْ وَاعِظًا ‏(‏وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَلَى هَذَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ، وَيُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مَرَّ، وَيَشْهَدُ لِلدُّعَاءِ لَهُمَا مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ ‏{‏وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ‏}‏ فَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاءُ لِلطِّفْلِ وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ‏:‏ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ لِثُبُوتِ النَّصِّ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ‏.‏ وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كَفَى، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي بُلُوغِ الْمُرَاهِقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَيُخَصِّصَهُ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَهَذَا أَوْلَى‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا أَوْلَى‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَلَوْ جُهِلَ إسْلَامُهُمَا فَكَالْمُسْلِمِينَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالدَّارِ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ عَلَى إيمَانِهِمَا خُصُوصًا فِي نَاحِيَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْكُفَّارُ، وَلَوْ عُلِمَ كُفْرُهُمَا كَتَبَعِيَّةِ الصِّغَارِ لِلسَّابِي حَرُمَ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ عَلِمَ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَكُفْرَ الْآخَرِ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ مِمَّا مَرَّ ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏فِي‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الرَّابِعَةِ‏)‏ أَيْ بَعْدَهَا ‏(‏اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا‏)‏ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّهَا ‏(‏أَجْرَهُ‏)‏ أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُصِيبَةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ ‏(‏وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي، وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ‏.‏ نَعَمْ لَوْ خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى بِالسُّنَنِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ ‏(‏وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي‏)‏ عَنْ إمَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ‏)‏ تَكْبِيرَةً ‏(‏أُخْرَى‏)‏ أَوْ شَرَعَ فِيهَا ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرَاتِ فَيَكُونُ التَّخَلُّفُ بِهَا فَاحِشًا كَالتَّخَلُّفِ بِالرَّكْعَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ حَتَّى كَبَّرَ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الرَّابِعَةِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا ذِكْرٌ فَلَيْسَتْ كَالرَّكْعَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّمْيِيزِ مِنْ الْبُطْلَانِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَبُطْءِ قِرَاءَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَةٍ فَقَطْ بَلْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ بَلْ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ وَإِنْ كَانَ بَحْثُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ ‏(‏وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا‏)‏ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُرَاعَى تَرْتِيبُهَا ‏(‏وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ‏)‏ بِأَنْ كَبَّرَ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ ‏(‏كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ‏)‏ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ ‏(‏وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمَأْمُومُ ‏(‏فِي‏)‏ أَثْنَاءِ ‏(‏الْفَاتِحَةِ تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ بَاقِيَهَا كَمَا إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ وَالْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَشْكُلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَكْمَل قِرَاءَتُهَا فِيهَا فَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْمَسْبُوقِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَتَقَدَّمَ فِي نَظِيرِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ تَخَلَّفَ وَقَرَأَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا تَابَعَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ هُنَا‏.‏

قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِهِ هُنَا بِنَاءً عَلَى نَدْبِ التَّعَوُّذِ‏:‏ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالِافْتِتَاحِ‏:‏ أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ ‏(‏وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ‏)‏ حَتْمًا ‏(‏بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا‏)‏ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا يَأْتِي فِي الرَّكَعَاتِ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ‏)‏ بَلْ يَأْتِي بِبَاقِي التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ تُرْفَعُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَلَيْسَ الْوَقْتُ وَقْتَ تَطْوِيلٍ‏.‏

قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ فَإِنْ اتَّفَقَ، بَقَاؤُهَا لِسَبَبٍ مَا أَوْ كَانَتْ عَلَى غَائِبٍ فَلَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ بَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ قَطْعًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَكَأَنَّهُ مِنْ تَفَقُّهِهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يُفْهِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ إبْقَاءُ الْجِنَازَةِ حَتَّى يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ صَلَاتَهُمْ، فَلَوْ رُفِعَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي سَرِيرٍ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ وَمَشَى بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَلَى جِنَازَةٍ يَمْشِي بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ فَأَقَلُّ وَهُوَ مُحَاذٍ لَهَا كَالْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ بَعُدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ لَا الْجَمَاعَةِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ، وَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ‏(‏شُرُوطُ‏)‏ غَيْرِهَا مِنْ ‏(‏الصَّلَاةِ‏)‏ كَسَتْرٍ وَطَهَارَةٍ وَاسْتِقْبَالٍ لِتَسْمِيَتِهَا صَلَاةً، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلَهَا شُرُوطٌ أُخَرُ تَأْتِي كَتَقَدُّمِ غُسْلِ الْمَيِّتِ ‏(‏لَا الْجَمَاعَةِ‏)‏ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهَا كَالْمَكْتُوبَةِ بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ‏}‏ وَإِنَّمَا صَلَّتْ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرَادَى كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَتَنَافُسِهِمْ فِي أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَعَيَّنَ إمَامٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ، فَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ فِي الصَّلَاةِ لَصَارَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَيَّنَ لِلْخِلَافَةِ، وَمَعْنَى صَلَّوْا فُرَادَى‏.‏

قَالَ فِي الدَّقَائِقِ‏:‏ أَيْ جَمَاعَاتٍ بَعْدَ جَمَاعَاتٍ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ قِيلَ حُصِرَ الْمُصَلُّونَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَلَكَيْنِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ عَنْ عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ مِنْهُمْ إلَّا سِتَّةٌ اُخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ لَعَلَّهُ أَرَادَ عِشْرِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ أَنَّهُ مَاتَ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا كُلُّهُمْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ‏(‏وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ‏)‏ لِحُصُولِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا كَمَا مَرَّ، فَكَذَا الْعَدَدُ كَغَيْرِهَا ‏(‏وَقِيلَ يَجِبُ‏)‏ لِسُقُوطِ فَرْضِهَا ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ أَيْ فِعْلُهُمَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ ‏(‏وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ‏)‏ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ ‏{‏صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏}‏ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏أَرْبَعَةٌ‏)‏ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ فِيهِ عَنْ أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ فِي أَقَلَّ مِنْهَا ازْدِرَاءً بِالْمَيِّتِ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ، وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَجْهَانِ‏.‏ وَالصِّبْيَانُ الْمُمَيِّزُونَ كَالْبَالِغِينَ عَلَى اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ، وَفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّبِيِّ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ السَّلَامَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آمِنٌ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ فَيُصَلُّونَ فُرَادَى إنْ شَاءُوا‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ‏:‏ لَوْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ عَدَدٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَقَعَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضَ كِفَايَةٍ ‏(‏وَلَا يَسْقُطُ‏)‏ فَرْضُ صَلَاتِهَا ‏(‏بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ‏)‏ أَوْ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الذَّكَرِ بِالْعِبَادَةِ أَكْمَلُ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ وَهُنَاكَ ذَكَرٌ مُمَيِّزٌ؛ لَشَمِلَ مَا ذَكَرَ وَكَانَ أَخْصَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِ الذَّكَرِ وُجُودُهُ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وُجُودُهُ مُطْلَقًا وَلَا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي‏:‏ يَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِنَّ وَجَمَاعَتِهِنَّ‏.‏

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَكَرٌ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَيَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ‏.‏

قَالَ فِي الْعُدَّةِ‏:‏ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ‏.‏

قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ‏:‏ تُسَنُّ لَهُنَّ فِي جَمَاعَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَرْأَةِ وَهُنَاكَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ مَعَ أَنَّهَا الْمُخَاطَبَةُ بِهِ دُونَهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ وَيَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الشَّيْءُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ تَقْدِيمُهُ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاتُهُنَّ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرْنَهُ كَالْوَلِيِّ‏.‏

قَالَهُ شَيْخِي‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ‏:‏ إنَّ صَلَاتَهُنَّ تُجْزِئُ مَعَ وُجُودِهِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ امْتَنَعَ أَجْزَأَتْ صَلَاتُهُنَّ وَإِلَّا فَلَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صَلَاتِهِ دُونَ صَلَاتِهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَإِنْ صَلَّى سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْ النِّسَاءِ، وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ النِّسَاءِ‏.‏ وَأَمَّا عَنْ الْخُنْثَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْبَى ذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ذُكُورَتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ ‏(‏وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ‏)‏ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَخْبَرَ النَّاسَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ‏}‏ ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ‏:‏ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْفَرْضِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ غُسِّلَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ‏.‏ نَعَمْ إنْ عَلَّقَ النِّيَّةَ عَلَى غُسْلِهِ بِأَنْ نَوَى الصَّلَاةَ إنْ كَانَ غُسِّلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَذْرَعِيِّ‏.‏

أَمَّا الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إلَّا مَنْ حَضَرَ وَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلَدُ لِتَيَسُّرِ حُضُورِهِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ مَعَ إمْكَانِ حُضُورِهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يُبْعَدْ الْجَوَازُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي الْمَحْبُوسِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّورِ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُوَ كَدَاخِلِهِ‏.‏ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّهُ‏:‏ أَيْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَقَابِرَ تُجْعَلُ خَارِجَ السُّورِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ أَوْ سَنَتِهِ وَغُسِّلُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُمْ جَازَ، بَلْ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَتَعْيِينَهُمْ غَيْرُ شَرْطٍ ‏(‏وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ ‏(‏عَلَى الدَّفْنِ‏)‏ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَإِنْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ وَلَا يُنْبَشُ لِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَتَصِحُّ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدَّفْنِ لِلِاتِّبَاعِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَقَدَّمَ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَى مَتَى يُصَلَّى عَلَيْهِ ‏؟‏ فِيهِ أَوْجُهٌ‏.‏ أَحَدُهَا أَبَدًا، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ ثَانِيهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دُونَ مَا بَعْدَهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ إلَى شَهْرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ‏.‏ رَابِعُهَا مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْقَبْرِ فَإِنْ انْمَحَقَتْ أَجْزَاؤُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شُكَّ فِي الِانْمِحَاقِ فَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ‏.‏ خَامِسُهَا‏:‏ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ عَلَى هَذَا دُونَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ‏)‏ أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ ‏(‏بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ‏)‏ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا خُوطِبَ بِهِ‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُتَطَوِّعٌ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَأْتِي بِصُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَكِنْ مَا قَالُوهُ يُنْقَضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى‏:‏ أَيْ مَنْ صَلَّاهَا لَا يُعِيدُهَا‏:‏ أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً، وَكَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً لَا تَنْعَقِدُ‏.‏

أَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَوَّلًا فَإِنَّهَا تَقَعُ لَهُ فَرْضًا، وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ الْفَرْضِ‏.‏

قَالَ فِي الْعَزِيزِ‏:‏ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الْكَافِرِ وَالْحَائِضِ يَوْمَئِذٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيطِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ، بَلْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا تُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَانَ كَذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ، فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ لِئَلَّا يُرَدَّ مَا قِيلَ ‏(‏وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالٍ‏)‏ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيث بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْأَنْبِيَاءُ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ‏}‏ ا هـ‏.‏ وَكَذَا لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ‏}‏ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا نَظَرٌ؛ وَلِأَنَّا لَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ، وَقِيلَ‏:‏ يَجُوزُ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً‏.‏ ‏.‏

المتن

فَرْعٌ‏:‏

الْجَدِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنْ الْوَالِي، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَخُ، وَالْأَظْهَرُ، تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلَوْ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ فَالْأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَّصِّ، وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِهَا وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَرْعٌ‏)‏‏:‏ فِي بَيَانِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ‏.‏

قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ لِطُولِ الْفَصْلِ قَبْلَهُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَصَ تَرْجَمَةَ التَّعْزِيَةِ بِفَصْلٍ لِقِصَرِ الْفَصْلِ قَبْلَهُ ا هـ‏.‏ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ‏:‏ إنَّ تَرْجَمَةَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَرْعِ قَدْ تَسْتَشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ، وَهُوَ بَيَانُ أَوْلَوِيَّةِ الْوَلِيِّ لَيْسَ فَرْعًا عَمَّا قَبْلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَيْسَ مُتَفَرِّعًا عَلَى الصَّلَاةِ ‏(‏الْجَدِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّ‏)‏ أَيْ الْقَرِيبَ الذَّكَرَ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ أَيْ أَحَقُّ ‏(‏بِإِمَامَتِهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ ‏(‏مِنْ الْوَالِي‏)‏ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ، فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا كَالْإِرْثِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَصَلَّى وَأَنَّ عُمَرَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ فَصَلَّى وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ، وَالْقَدِيمُ أَنَّ الْوَالِيَ أَوْلَى، ثُمَّ إمَامَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ الْوَلِيَّ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَدُعَاءُ الْقَرِيبِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِتَأَلُّمِهِ وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ‏:‏ إذَا لَمْ يَخَفْ الْفِتْنَةَ مِنْ الْوَالِي وَإِلَّا قُدِّمَ قَطْعًا، وَلَوْ غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ قُدِّمَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً‏.‏

قَالَهُ الْبَغَوِيّ ‏(‏فَيُقَدَّمُ الْأَبُ‏)‏ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَكَغَيْرِ الْأَبِ أَيْضًا نَائِبُهُ ‏(‏ثُمَّ الْجَدُّ‏)‏ أَبُو الْأَبِ ‏(‏وَإِنْ عَلَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ أَكْثَرُ شَفَقَةً مِنْ الْفُرُوعِ ‏(‏ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ‏.‏ وَخَالَفَ ذَلِكَ تَرْتِيبَ الْإِرْثِ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، فَقُدِّمَ الْأَشْفَقُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ ‏(‏ثُمَّ الْأَخُ‏)‏ تَقْدِيمًا لِلْأَشْفَقِ فَالْأَشْفَقِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَشْفَقُ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ، وَالثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إمَامَةِ الرِّجَالِ فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَخْلٌ فِي إمَامَةِ الرِّجَالِ، إذْ لَهَا دَخْلٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَأْمُومَةً وَمُنْفَرِدَةً وَإِمَامَةً لِلنِّسَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّجَالِ فَقُدِّمَ بِهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ ‏(‏ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَصَبَةُ‏)‏ النِّسْبِيَّةُ‏:‏ أَيْ بَقِيَّتُهُمْ ‏(‏عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ‏)‏ فَيُقَدَّمُ عَمٌّ شَقِيقٌ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ عَمٍّ شَقِيقٍ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَعْدَ عَمِّ النَّسَبِ عَصَبَةُ الْوَلَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، فَتُقَدَّمُ عَصَبَاتُهُ النِّسْبِيَّةُ، ثُمَّ مُعْتِقُهُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ السَّبَبِيَّةُ وَهَكَذَا ثُمَّ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ ‏(‏ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ‏)‏ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَيُقَدَّمُ أَبُو الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالُ، ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ هُنَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، بِخِلَافِهِ فِي الْإِرْثِ، وَالْقِيَاسُ هُنَا أَنْ لَا يُقَدَّمَ الْقَاتِلُ كَمَا سَبَقَ فِي الْغُسْلِ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشْعَرَ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الزَّوْجِ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ ذَكَرٌ، وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى أَقَارِبِ الرَّقِيقِ الْأَحْرَارِ نَظَرٌ يَلْتَفِتُ إلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا ا هـ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَقَارِبَ مُقَدَّمُونَ ‏(‏وَلَوْ اجْتَمَعَا‏)‏ أَيْ وَلِيَّانِ ‏(‏فِي دَرَجَةٍ‏)‏ كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ ‏(‏فَالْأَسَنُّ‏)‏ فِي الْإِسْلَامِ ‏(‏الْعَدْلُ أَوْلَى‏)‏ مِنْ الْأَفْقَهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏عَلَى النَّصِّ‏)‏ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَنَصَّ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ عَلَى أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ‏:‏ أَنَّ الْأَفْقَهَ وَالْأَقْرَأَ مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الدُّعَاءُ، وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ‏.‏ وَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَمُحْتَاجَةٌ إلَى الْفِقْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَوَادِثِ فِيهَا، أَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ مِنْ فَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي السِّنِّ الْمُعْتَبَرِ قُدِّمَ أَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُسْتَوِيَيْنِ زَوْجًا قُدِّمَ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَسَنَّ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ، فَقَوْلُهُمْ‏:‏ لَا مَدْخَلَ لِلزَّوْجِ مَعَ الْأَقَارِبِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي الْقَرَابَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا وَتَنَازَعَا أُقْرِعَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ صَحَّ، وَلَوْ اسْتَنَابَ أَفْضَلُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ اُعْتُبِرَ رِضَا الْآخَرِ فِي أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُدَّةِ‏.‏ وَهَذَا شَيْءٌ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَقْرَبِ إذَا كَانَ أَهْلًا فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبْعَدِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ‏)‏ كَعَمٍّ حُرٍّ ‏(‏عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ‏)‏ كَأَخٍ رَقِيقٍ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ وِلَايَةٌ، وَالْحُرُّ أَكْمَلُ فَهُوَ بِهَا أَلْيَقُ، وَقِيلَ الْعَبْدُ أَوْلَى لِقُرْبِهِ، وَقِيلَ‏:‏ هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الرَّقِيقُ الْقَرِيبُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا، بِخِلَافِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَيَقِفُ‏)‏ الْمُصَلِّي نَدْبًا مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ ‏(‏عِنْدَ رَأْسِ‏)‏ الذَّكَرِ ‏(‏الرَّجُلِ‏)‏ أَوْ الصَّغِيرِ ‏(‏وَعَجُزِهَا‏)‏ أَيْ الْأُنْثَى، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَلْيَاهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَحِكْمَةُ الْمُخَالَفَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِ الْأُنْثَى وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْخُنْثَى‏.‏

أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَقِفُ فِي الصَّفِّ حَيْثُ كَانَ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ الْعَجِيزَةُ إنَّمَا تُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ، وَغَيْرُهَا يُقَالُ فِيهِ عَجُزٌ كَمَا يُقَالُ فِيهَا أَيْضًا‏.‏

قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ‏:‏ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ ا هـ‏.‏ وَهُوَ حَسَنٌ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ ‏(‏وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ‏)‏ وَاحِدَةٌ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَالْجَمْعُ فِيهِ مُمْكِنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا؛ أَمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا؛ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَاتَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَصَلَّى عَلَيْهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلَ الْغُلَامَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَفِي الْقَوْمِ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَقَالُوا‏:‏ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ‏.‏ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ‏:‏ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ‏.‏ ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ دُفْعَةً أُقْرِعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَقُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً جُعِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيُحَاذِيَ الْجَمِيع، وَقُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالْخِصَالُ الَّتِي تُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ أَوْ مَرْتَبَةِ قِدَمِ وَلِيٍّ السَّابِقَةِ ذَكَرًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ أُنْثَى، وَقُدِّمَ إلَيْهِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، ثُمَّ إنْ سَبَقَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ اسْتَمَرَّ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ أُخِّرَتْ عَنْهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ وَرَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَتَجُوزُ يُفْهِمُ أَنَّ الْأَفْضَل إفْرَادُ كُلِّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى قَبُولًا، وَلَيْسَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ إنَّ الْأَفْضَلَ الْجَمْعُ تَعْجِيلًا لِلدَّفْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ‏.‏ نَعَمْ إنْ خَشِيَ تَغَيُّرًا أَوْ انْفِجَارًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ‏.‏

المتن

وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ

الشَّرْحُ

‏(‏وَتَحْرُمُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏عَلَى الْكَافِرِ‏)‏ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا‏}‏؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ‏}‏ ‏(‏وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ‏)‏ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ كَرَامَةٌ وَتَطْهِيرٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا لَكِنَّهُ يَجُوزُ ‏{‏؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيًّا فَغَسَّلَ وَالِدَهُ وَكَفَّنَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ الْقَرِيبُ وَغَيْرُهُ وَالْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ‏:‏ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ‏)‏ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ وَيُكْسَى فِي حَيَاتِهِ إذَا عَجَزَ‏.‏

أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهُوَ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَعَلَيْهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالْمَوْتِ، وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ قَطْعًا وَلَا دَفْنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَيْهِ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالْأَوْلَى دَفْنُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ، وَالْمُرْتَدُّ كَالْحَرْبِيِّ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ وَفَاءً بِعَهْدِهِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ‏.‏

المتن

وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ‏)‏ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْجُزْءُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا ‏(‏صُلِّيَ عَلَيْهِ‏)‏ بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ غُسْلِهِ وُجُوبًا كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ‏.‏ نَعَمْ مَنْ صَلَّى عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دُونَ هَذَا الْعُضْوِ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ شُهْبَةَ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ مَحَلُّ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجُمْلَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهَا قَدْ غُسِّلَتْ، فَإِنْ لَمْ تُغَسَّلْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْعُضْوِ فَقَطْ ا هـ‏.‏ فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ قَدْ غُسِّلَتْ، وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ غَيْبَةٌ بَاقِيَةٌ، فَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، وَقَدْ أَلْقَاهَا طَائِرٌ نَسْرٌ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَعَرَفُوهَا بِخَاتَمِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا‏.‏ وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ مِنْ مَيِّتٍ لِيَخْرُجَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ كَمَا سَيَأْتِي كَأُذُنِهِ الْمُلْتَصِقَةِ إذَا وُجِدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ نَعَمْ إنْ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَمَاتَ فِي الْحَالِ فَحُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدٌ يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ، سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ أَمْ لَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْجُزْءِ الشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ فَلَا تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَأَقَرَّهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ الْأَوْجَهُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَيَجِبُ مُوَارَاةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِخِرْقَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَوْ قُلْنَا‏:‏ الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ سَتْرَ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ‏.‏ فَمَنْ قَالَ‏:‏ إنَّمَا يَجِبُ سَتْرُهُ إذَا كَانَ مِنْ الْعَوْرَةِ غَفْلَةٌ مِنْهُ بَلْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ إنَّمَا يَقُولُ بِهِ إذَا أَوْصَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَهُنَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِذَلِكَ لَا تُنَفَّذُ، وَيَجِبُ دَفْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ‏.‏

أَمَّا مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ أَوْ شَكَكْنَا فِي مَوْتِهِ كَيَدِ سَارِقٍ وَظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَعَلَقَةٍ وَدَمٍ فَصْدٍ وَنَحْوِهِ فَيُسَنُّ دَفْنُهُ إكْرَامًا لِصَاحِبِهَا‏.‏ وَيُسَنُّ لَفُّ الْيَدِ وَنَحْوهَا بِخِرْقَةٍ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي‏.‏

قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَالصَّرِيحِ فِي وُجُوبِ هَذِهِ الصَّلَاةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُصَلَّ عَلَى الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ تَجِبُ تَكْرِمَةً لَهُ كَالْجُمْلَةِ أَوْ لَا ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالٌ يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي النِّيَّةِ ا‏.‏ هـ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ غُسْلِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَتَجِبُ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِدُونِ غَسْلِ الْعُضْوِ بِوِجْدَانِنَا لَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَافِي لَوْ قُطِعَ رَأْسُ إنْسَانٍ بِبَلَدٍ وَحُمِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ حَيْثُ هُوَ وَعَلَى الْجُثَّةِ حَيْثُ هِيَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَوْ جُهِلَ كَوْنُ الْعُضْوِ مِنْ مُسْلِمٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَيْضًا إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِيهَا مَيِّتٌ جُهِلَ إسْلَامُهُ‏.‏

المتن

وَالسِّقْطُ إنْ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكَى كَكَبِيرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَالسِّقْطُ‏)‏ بِتَثْلِيثِ السِّينِ مِنْ السُّقُوطِ ‏(‏إنْ‏)‏ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِأَنْ ‏(‏اسْتَهَلَّ‏)‏ أَيْ صَاحَ ‏(‏أَوْ بَكَى‏)‏ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبُكَاءِ، وَهُوَ بِالْقَصْرِ الدَّمْعُ، وَبِالْمَدِّ رَفْعُ الصَّوْتِ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ ‏(‏كَكَبِيرٍ‏)‏ فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ مَوْتِهِ بَعْدَ حَيَاتِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أَوْ لَمْ يَبْكِ ‏(‏فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ‏)‏ أَوْ تَحَرُّكٍ ‏(‏صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ الْحَيَاةِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَلِلِاحْتِيَاطِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِهَا، وَقَطَعَ فِي الْمَجْمُوعِ بِالْأَوَّلِ، وَيَجِبُ دَفْنُهُ قَطْعًا وَكَذَا غُسْلُهُ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ‏)‏ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ ‏(‏وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ‏)‏ أَيْ لَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ ‏(‏لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ‏)‏ قَطْعًا لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ، وَلَا يُغَسَّلُ عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ يُسَنُّ سَتْرُهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ ‏(‏وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا‏)‏ أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ أَيْ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَدَّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ عَادَةً‏:‏ أَيْ وَظَهَرَ خَلْقُهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وُجُوبًا وَلَا جَوَازًا ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ، وَيَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ، وَفَارَقَ الصَّلَاةَ غَيْرُهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَالْعِبْرَةُ فِيمَا ذُكِرَ بِظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ كَمَا تَقَرَّرَ، فَالتَّعْبِيرُ بِبُلُوغِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَدَمِ بُلُوغِهَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ ظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ عِنْدَهَا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِزَمَنِ إمْكَانِ نَفْخِ الرُّوحِ وَعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّخْطِيطِ وَعَدَمِهِ، وَكُلُّهَا وَإِنْ تَقَارَبَتْ فَالْعِبْرَةُ بِمَا ذُكِرَ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ السِّقْطُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ تَمَامَ أَشْهُرِهِ، أَمَّا مَنْ بَلَغَهَا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَفَعَلَهُ‏.‏

المتن

وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَأَنَّهُ تُزَالُ نَجَاسَتُهُ غَيْرَ الدَّمِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ يَحْرُمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ جَاءَتْ الْأَحَادِيث مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَأَمَّا حَدِيثُ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَفِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً‏}‏ فَضَعِيفٌ وَخَطَأٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي لِمَنْ رَوَاهُ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ ا هـ‏.‏ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ‏}‏‏.‏ وَلِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَلِلْأَمْوَاتِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ كَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏ أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُكْتَسَبُ فَرُغِّبَ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الشَّهِيدُ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ ‏(‏مَنْ مَاتَ‏)‏ وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ‏(‏فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ‏)‏ أَوْ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا حَرْبِيِّينَ أَمْ مُرْتَدِّينَ أَمْ أَهْلَ ذِمَّةٍ، قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏بِسَبَبِهِ‏)‏ أَيْ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَمْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَمْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ وَهْدَةٍ، أَمْ رَفَسَتْهُ دَابَّتُهُ فَمَاتَ، أَمْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَمَا شَمِلَهُ قِتَالُ الْكُفَّارِ، أَمْ قَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَالَ انْهِزَامِهِمْ انْهِزَامًا كُلِّيًّا بِأَنْ تَبِعَهُمْ فَكَرُّوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْ اتِّبَاعُهُ لَهُمْ لِاسْتِئْصَالِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَالِ الْقِتَالِ، أَمْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا، أَمْ انْكَشَفَتْ الْحَرْبُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَمَا جَزَمَا بِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الشَّهَادَةِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ يَمُوتُ بِالْمُعْتَرَكِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يُعْمَلُ بِهِ وَيُتْرَكُ الْأَصْلُ كَمَا إذَا رَأَيْنَا ظَبْيَةً تَبُولُ فِي الْمَاءِ وَرَأَيْنَاهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ ‏(‏فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ‏)‏ أَيْ الْقِتَالِ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقِتَالِ‏.‏

أَمَّا لَوْ انْقَضَى الْقِتَالُ وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ فِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَشَهِيدٌ قَطْعًا أَوْ تُوُقِّعَتْ حَيَاتُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ عَادِلٌ ‏(‏فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ‏)‏ لَهُ ‏(‏فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَتِيلُ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ الْمَقْتُولَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، وَقَدْ غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ‏.‏ نَعَمْ لَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِكُفَّارٍ فَقَتَلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَقْتُولِ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ‏.‏

أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ جَزْمًا، فَقَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ مَاتَ ‏(‏فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ‏)‏ أَيْ الْقِتَالِ كَمَوْتِهِ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَغَيْرُ شَهِيدٍ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، خَالَفْنَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِيهِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ الشُّهَدَاءُ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ‏.‏ الْأَوَّلُ‏:‏ شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا خَاصًّا، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَعَانٍ‏:‏ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ شَهِدَا لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا، وَمِنْهَا أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا، أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوَهُ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَقَطْ كَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَالْمَبْطُونِ إذَا مَاتَ بِالْبَطْنِ، وَالْمَطْعُونِ إذَا مَاتَ بِالطَّاعُونِ، وَالْغَرِيقِ إذَا مَاتَ بِالْغَرَقِ، وَالْغَرِيبِ إذَا مَاتَ فِي الْغُرْبَةِ، وَطَالِبِ الْعِلْمِ إذَا مَاتَ عَلَى طَلَبِهِ، أَوْ مَاتَ عِشْقًا أَوْ بِالطَّلْقِ أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ، وَمِنْ الْغَرِيقِ الْعَاصِيَ بِرُكُوبِهِ الْبَحْرَ كَأَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَوْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ خَمْرٍ، وَمِنْ الْمَيِّتَةِ بِالطَّلْقِ الْحَامِلَ بِزِنًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ، وَفِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ‏.‏ نَعَمْ الْمَيِّتُ عِشْقًا شَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ لِخَبَرِ ‏{‏مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا‏}‏ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ يُتَصَوَّرُ إبَاحَةُ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُ الْمُرْدِ مَعْصِيَةٌ، فَكَيْفَ تَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِمَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ ‏(‏وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ‏)‏ أَوْ نَحْوُهُ كَحَائِضٍ ‏(‏فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ‏)‏ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَمْ يُغَسِّلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا؛ وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ، إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ يَحْرُمُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَلَمْ تُجْزِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي غُسْلٍ وَجَبَ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ كَغُسْلِ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الشَّهِيدَ ‏(‏تُزَالُ‏)‏ حَتْمًا ‏(‏نَجَاسَتُهُ‏)‏ بِغُسْلِهَا ‏(‏غَيْرَ الدَّمِ‏)‏ الْمُتَعَلِّقِ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَثَرِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ دَمِهَا الْخَالِي عَنْ النَّجَاسَةِ فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ؛ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ إزَالَةُ الْخُلُوفِ مِنْ الصَّائِمِ مَعَ أَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ غَيْرَهُ أَزَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَزَالُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ‏.‏ وَالثَّالِث‏:‏ إنْ أَدَّى غُسْلُهَا إلَى إزَالَةِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُزَلْ وَإِلَّا أُزِيلَتْ‏.‏

المتن

وَيُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا تُمِّمَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيُكَفَّنُ‏)‏ الشَّهِيدُ نَدْبًا ‏(‏فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ‏)‏ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ ثِيَابُهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ‏.‏ لَكِنْ الْمُلَطَّخَةُ بِالدَّمِ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَالتَّقْيِيدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْمُلَطَّخَةِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَعُلِمَ بِالتَّقْيِيدِ بِنَدْبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَفَارَقَ الْغُسْلَ بِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الدُّعَاءِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا‏)‏ أَيْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ ‏(‏تُمِّمَ‏)‏ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا‏.‏ وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ تُمِّمَ نَدْبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَهَا وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهَا أَثَرُ شَهَادَةٍ أَمْ لَا إذْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى وَلَوْ طَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ النَّزْعَ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَيُنْدَبُ نَزْعُ آلَةِ الْحَرْبِ عَنْهُ كَدِرْعٍ وَخُفٍّ وَكُلِّ مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَجِلْدٍ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ، وَفِي أَبِي دَاوُد فِي قَتْلَى أُحُدٍ الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْحَدِيدِ وَالْجُلُودِ وَدَفْنُهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ‏.‏ ‏.‏