فصل: فَصْلٌ: (فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ‏]‏

المتن

شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ‏:‏ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَإِطَاقَتُهُ، وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إذَا أَطَاقَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ صَوْمِهِ ‏(‏شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ‏)‏ الْإِسْلَامُ وَلَوْ فِيمَا مَضَى وَ ‏(‏الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ‏)‏ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ‏(‏وَإِطَاقَتُهُ‏)‏ أَيْ الصَّوْمِ، وَالصِّحَّةُ، وَالْإِقَامَةُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُطِيقُهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا عَلَى مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ بِقَيْدٍ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدَّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَهَا فَإِنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وُجُوبُ تَكْلِيفٍ ‏(‏وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ‏)‏ الْمُمَيِّزُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى رَأْيِ ابْنِ حَزْمٍ ‏(‏لِسَبْعٍ إذَا أَطَاقَ‏)‏ وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ كَالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَرَّقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا ضُرِبَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْحَدِيثِ، وَالصَّوْمُ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَمُكَابَدَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ، وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ‏.‏

المتن

وَيُبَاحُ تَرْكُهُ لِلْمَرِيضِ إذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيُبَاحُ تَرْكُهُ‏)‏ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ ‏(‏لِلْمَرِيضِ‏)‏ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ‏(‏إذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا‏)‏ وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَهَذَا مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَصْعُبُ عَلَيْهِ أَوْ يَنَالُ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا فَاقْتَضَى الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ‏.‏

قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا‏}‏‏)‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏‏)‏ وَسَوَاءٌ أَتَعَدَّى بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَمْ لَا‏.‏ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مُطْبِقًا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ أَوْ مُتَقَطِّعًا كَأَنْ كَانَ يُحَمُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ نَظَرَ إنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ، وَإِنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْإِفْطَارِ أَفْطَرَ، وَيَجِبُ الْفِطْرُ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَلِمَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ حُكْمُ الْمَرِيضِ‏.‏

المتن

وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ تَرْكُهُ ‏(‏لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا‏)‏ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ إنْ تَضَرَّرَ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ الْمُؤَدَّى‏.‏

أَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ فِطْرُهُ فِي السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَسَافَرَ فِيهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ‏.‏

قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَأَقَرَّاهُ‏.‏

المتن

وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَا، وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ، فَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ قَضَيَا كَذَا الْحَائِضُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ أَصْبَحَ‏)‏ الْمُقِيمُ ‏(‏صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ‏)‏ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ لِلْإِفْطَارِ ‏(‏وَإِنْ سَافَرَ فَلَا‏)‏ يُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَغَلَبَ جَانِبُ الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَوْ نَوَى وَسَافَرَ لَيْلًا، فَإِنْ جَاوَزَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَا اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا ‏(‏وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ‏)‏ لَهُمَا لِدَوَامِ عُذْرِهِمَا، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ بِالْقَصْرِ تَارِكٌ الْإِتْمَامَ الَّذِي الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَالصَّوْمُ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْفِطْرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ كَالْمُحْصَرِ يُرِيدُ التَّحَلُّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْفِطْرِ لَهُمَا وَلَوْ نَذَرَا إتْمَامَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الشَّرْعِ أَقْوَى مِنْهُ ‏(‏فَلَوْ أَقَامَ‏)‏ الْمُسَافِرُ ‏(‏وَشُفِيَ‏)‏ الْمَرِيضُ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ الْيَوْمِ، وَلِهَذَا لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ ‏(‏وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ قَضَيَا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ‏}‏‏)‏ أَيْ فَأَفْطَرَ ‏(‏‏{‏فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏‏)‏ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ تَقْضِي ‏(‏الْحَائِضٌ‏)‏ مَا فَاتَهَا بِهِ إجْمَاعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَالنُّفَسَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْحَائِضِ‏.‏

المتن

وَالْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ يَقْضِي ‏(‏الْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ يَقْضِي ‏(‏تَارِكُ النِّيَّةِ‏)‏ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ إذْ صِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا‏.‏

المتن

وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ، فَانْدَرَجَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا‏}‏‏)‏ الْآيَةَ، وَخَالَفَ الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا لِلْمَشَقَّةِ فِيهَا بِتَكَرُّرِهَا، وَخَالَفَ الْجُنُونَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ‏.‏

المتن

وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَإِذَا بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا وَجَبَ إتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ، وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَالرِّدَّةِ‏)‏ أَيْ يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْوُجُوبَ بِالْإِسْلَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّيَ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى السَّكْرَانِ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهِ ‏(‏دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِي وُجُوبِهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ ‏(‏وَ‏)‏ دُونَ ‏(‏الصِّبَا وَالْجُنُونِ‏)‏ فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهِمَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَمَّنْ تَلَبَّسَ بِهِمَا وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ فَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْأُولَى قَضَاءُ الْجَمِيعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَيَّامُ السُّكْرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ مُسْتَمِرٌّ بِخِلَافِ السُّكْرِ ‏(‏وَلَوْ بَلَغَ‏)‏ الصَّبِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ كَمَا مَرَّ ‏(‏بِالنَّهَارِ صَائِمًا‏)‏ بِأَنْ نَوَى لَيْلًا ‏(‏وَجَبَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏إتْمَامُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ ‏(‏بِلَا قَضَاءٍ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي‏.‏ ‏(‏وَلَوْ بَلَغَ‏)‏ الصَّبِيُّ، ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ النَّهَارِ ‏(‏مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ‏)‏ الْمَجْنُونُ فِيهِ ‏(‏أَوْ أَسْلَمَ‏)‏ الْكَافِرُ فِيهِ ‏(‏فَلَا قَضَاءَ‏)‏ عَلَيْهِمْ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْأَدَاءَ، وَالتَّكْمِيلُ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ رَكْعَةً ثُمَّ جُنَّ، وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ إلَّا بِيَوْمٍ فَيُكْمِلُ كَمَا يَصُومُ فِي الْجَزَاءِ عَنْ بَعْضِ مُدٍّ يَوْمًا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُمْ‏)‏ أَيْ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ ‏(‏إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا لِعُذْرٍ فَأَشْبَهُوا الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ‏.‏ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا وَقْتَ الْإِمْسَاكِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا وَقْتَ الصَّوْمِ ‏(‏وَيَلْزَمُ‏)‏ الْإِمْسَاكُ ‏(‏مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ‏)‏ الشَّرْعِيِّ كَأَنْ ارْتَدَّ، أَوْ الْحِسِّيِّ كَأَنْ أَكَلَ عُقُوبَةً لَهُ وَمُعَارَضَةً لِتَقْصِيرِهِ ‏(‏أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ‏)‏ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ يُشْعِرُ بِتَرْكِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّقْصِيرِ ‏(‏لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ‏)‏ كَأَنْ أَكَلَا‏:‏ أَيْ لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ قَصَرَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ أَقَامَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ‏.‏ لَكِنْ يُسَنُّ لَهُمَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّا عَلَى الْفِطْرِ اُسْتُحِبَّ لَهُمَا إخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَا لِلتُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ ‏(‏وَلَوْ زَالَ‏)‏ عُذْرُهُمَا ‏(‏قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا‏)‏ مَثَلًا ‏(‏وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا‏)‏ لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ ‏(‏فِي الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّ تَارِكَ النِّيَّةِ مُفْطِرٌ حَقِيقَةً، فَكَانَ كَمَا لَوْ أَكَلَ، وَقِيلَ‏:‏ يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَمْ يَنْوِيَا عَمَّا لَوْ نَوَيَا فَأَصْبَحَا صَائِمَيْنِ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ يَجِبُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا قَبْلَهُ - أَيْ الْفِطْرِ - فَهُوَ أَشْمَلُ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا قَدَّرْتُهُ وَأَخْصَرُ، وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ عَلَى الصَّحِيحِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ‏)‏ الْإِمْسَاكُ ‏(‏مَنْ أَكَلَ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏يَوْمَ الشَّكِّ‏)‏ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ ‏(‏ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ‏)‏؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ جَهِلَهُ، فَإِذَا بَانَ لَهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ لِعُذْرِهِ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ بَعْدَ الْأَكْلِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ، أَمَّا لَوْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَزْمِ بِاللُّزُومِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِيَوْمِ الشَّكِّ هُنَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَالْمَأْمُورُ بِالْإِمْسَاكِ يُثَابُ عَلَيْهِ لِقِيَامِهِ بِوَاجِبٍ، وَلَيْسَ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، فَلَوْ ارْتَكَبَ فِيهِ مَحْظُورًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِثْمِ ‏(‏وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ‏)‏ فَلَا إمْسَاكَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ شَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا، وَهَذَا مَا نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْجَمِيعِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ‏]‏

المتن

مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إثْمَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ‏(‏مَنْ فَاتَهُ‏)‏ مِنْ الْأَحْرَارِ ‏(‏شَيْءٌ مِنْ‏)‏ صَوْمِ ‏(‏رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ‏)‏ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ الْمُبَاحُ إلَى مَوْتِهِ ‏(‏فَلَا تَدَارُكَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْفَائِتِ بِالْفِدْيَةِ وَلَا بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ‏(‏وَلَا إثْمَ‏)‏ بِهِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ، هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَوْتِ أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ آخَرُ قَبْلَ فَجْرِ ثَانِي شَوَّالٍ، بَلْ لَوْ طَرَأَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ مَرَضٌ قَبْلَ غُرُوبِهِ فَلَا تَمَكُّنَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ‏.‏

أَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ وَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا وَقَاسَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِتَمْثِيلِهِ بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ‏.‏

المتن

وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ بَلْ يُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَالْوَلِيُّ كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى الْمُخْتَارِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ‏)‏ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ ‏(‏لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ‏)‏ أَيْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْهُ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ‏.‏ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَإِنْ مَاتَ عَنْ الْحَيِّ الَّذِي تَعَذَّرَ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّهُ إجْمَاعٌ ‏(‏بَلْ يُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ‏)‏ فَاتَهُ صَوْمُهُ ‏(‏مُدَّ طَعَامٍ‏)‏ وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ كَمَا مَرَّ، وَبِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ نِصْفُ قَدَحٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ ‏{‏مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ‏.‏ وَفِي الْقَدِيمِ‏:‏ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ - أَيْ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ عَنْهُ - بَلْ يُنْدَبُ لَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ الْإِطْعَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ لَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ ‏(‏وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ‏)‏ بِأَنْوَاعِهِمَا فَيَجْرِي فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِي رَمَضَانَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمَارَّةِ، وَإِنْ قَيَّدَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ الْكَفَّارَةَ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ‏)‏ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْقَدِيمِ ‏(‏الْوَلِيُّ‏)‏ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ ‏(‏كُلُّ قَرِيبٍ‏)‏ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِبًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَلِيَّ مَالٍ ‏(‏عَلَى الْمُخْتَارِ‏)‏ مِنْ احْتِمَالَاتٍ لِلْإِمَامِ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ‏:‏ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا ‏؟‏ صَوْمِي عَنْ أُمِّكِ‏}‏‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةِ، وَقَدْ قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنْ يَصُومَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَفِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ لِلْفَارِقِيِّ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ‏.‏

المتن

وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏لَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ‏)‏ أَيْ الْقَرِيبِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَيِّتِ بِأَنْ أَوْصَى بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا ‏(‏صَحَّ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَامَ بِالْقَرِيبِ مَا يَمْنَعُ الْإِذْنَ كَصِبًا وَجُنُونٍ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ وَالصَّوْمِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ فَهَلْ يَأْذَنُ الْحَاكِمُ ‏؟‏ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ الْفِدْيَةُ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ ‏(‏لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ كَمَا يُوَفِّي دِينَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ مُشْكِلٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ يَدْخُلُهُ الْمَالُ فَأَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ‏.‏ وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ‏.‏

المتن

وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ‏)‏ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهَا بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ ‏(‏وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ‏)‏ فِي الْبُوَيْطِيِّ إنَّهُ يُعْتَكَفُ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفٌّ وَمَنْعٌ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ‏:‏ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ مُدًّا ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ مَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ فِي الصَّلَاةِ فَيُطْعَمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ عَنْ الْمَيِّتِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ تَبَعًا لِلْحَجِّ، وَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ‏:‏ إنْ قُلْنَا لَا يُفْرَدُ الصَّوْمُ عَنْ الِاعْتِكَافِ‏:‏ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقُلْنَا بِصَوْمِ الْوَلِيِّ، فَهَذَا يَعْتَكِفُ عَنْهُ صَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ لَا تُجْزِئُ فِي الِاعْتِكَافِ‏.‏

المتن

وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمُدِّ‏)‏ لِكُلِّ يَوْمٍ بِلَا قَضَاءٍ ‏(‏عَلَى مَنْ أَفْطَرَ‏)‏ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ نَذَرَ نَذْرَهُ حَالَ قُدْرَتِهِ أَوْ قَضَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏لِلْكِبَرِ‏)‏ لِكَوْنِهِ شَيْخًا هَرِمًا تَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏‏)‏ فَإِنَّ كَلِمَةَ ‏(‏لَا‏)‏ مُقَدَّرَةٌ - أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجِزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقْرَآنِ‏:‏ ‏"‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ ‏"‏ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً، وَمَعْنَاهُ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ فَلَا يُطِيقُونَهُ، وَقِيلَ‏:‏ لَا تَقْدِيرَ فِي الْآيَةِ، بَلْ كَانُوا مُخَيَّرِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ فَنُسِخَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لِعُذْرٍ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ إذَا مَاتَا قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الشَّيْخَ لَا يُتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ بِخِلَافِهِمَا، وَفِي مَعْنَى الْكَبِيرِ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِبُرُودَتِهِ أَوْ قِصَرِ أَيَّامِهِ فَهُوَ كَاَلَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَفَائِدَتُهُ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِيَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً ‏؟‏ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى الصَّوْمِ وَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ لَهُ، فَإِذَا نَذَرَ مَنْ عَجَزَ لِهَرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالْفِدْيَةِ، وَلَوْ قَدَرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قَضَاءً لِذَلِكَ، وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَنْ ذُكِرَ، فَلَوْ تَكَلَّفَ وَصَامَ فَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ، لَكِنْ الْأَصَحُّ لَا فِدْيَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ‏.‏

المتن

وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ أَوْ عَلَى الْوَلَدِ لَزِمَتْهُمَا الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ‏)‏ فَيَجُوزُ لَهُمَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ الْمُرْضِعَةِ أَمْ لَا فَتَعْبِيرُهُ بِالْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ التَّنْبِيهِ بِوَلَدَيْهِمَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً أَمْ لَا، وَيَجِبُ الْإِفْطَارُ إنْ خَافَتْ هَلَاكَ الْوَلَدِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِتَمَامِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَخَفْ هَلَاكَ الْوَلَدِ‏.‏ وَأَمَّا الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ ‏(‏فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا‏)‏ مِنْ حُصُولِ ضَرَرٍ بِالصَّوْمِ كَالضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ ‏(‏عَلَى نَفْسِهِمَا‏)‏ وَالْأَوْلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ ‏(‏وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ‏)‏ كَالْمَرِيضِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مَعَ وَلَدَيْهِمَا فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، فَكَانَ يَنْبَغِي الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي عَدَمِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مَعَ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا‏}‏ إلَى آخِرِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ خَافَتَا ‏(‏عَلَى الْوَلَدِ‏)‏ وَحْدَهُ بِأَنْ تَخَافَ الْحَامِلُ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ الْمُرْضِعُ بِأَنْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَهْلَكَ الْوَلَدُ ‏(‏لَزِمَتْهُمَا‏)‏ مِنْ مَالِهِمَا مَعَ الْقَضَاءِ ‏(‏الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ‏}‏ الْبَقَرَة أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ، وَالنَّاسِخُ لَهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏}‏ وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِأَنَّ فِطْرَهُمَا لِعُذْرٍ، وَالثَّالِثُ‏:‏ تَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهَا لِمَعْنًى فِيهَا كَالْمَرِيضِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُسْتَثْنَى الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ أَوْ لَا‏.‏ ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتْ سِتَّة عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَنْ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمُ لُزُومِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ، وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحِلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ‏.‏

المتن

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ لَا الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ‏)‏ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ فِي الْأَظْهَرِ مَعَ الْقَضَاءِ ‏(‏مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ‏)‏ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ ‏(‏مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ‏)‏ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِجَامِعِ الْإِفْطَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقَ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَفْهُومِ تَقْيِيدِ الْقَفَّالِ بِالْمَالِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ الْمُحْتَرَمَ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ، بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ لَوْلَا مَا قَدَّرْته، وَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْحَيَوَانِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُلْحَقُ بِهَا لِأَنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ‏(‏لَا لِلْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ‏)‏ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْفِدْيَةِ تَوْقِيفٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالثَّانِي‏:‏ يُلْحَقُ بِهِمَا فِي اللُّزُومِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَدِّيهِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِطْرَ الْمُرْضِعِ وَنَحْوِهَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ‏.‏ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ، وَإِنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَبِمَا ذُكِرَ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ لِلسَّهْوِ فَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ‏:‏ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَبْرِ مِنْ السَّهْوِ‏.‏

المتن

وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ‏)‏ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ ‏(‏مَعَ إمْكَانِهِ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرَ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ‏)‏ لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالُوا بِذَلِكَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَأْثَمُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُدُّ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِهَذَا الْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ التَّأْخِيرِ بِعُذْرٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْمُجَرَّدِ، لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ أَنَّ مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ بِعُذْرِ السَّفَرِ، وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْكِتَابِ مَا إذَا نَسِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جَهِلَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْإِثْمُ لَا الْفِدْيَةُ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ هُنَا لِلتَّأْخِيرِ، وَفِدْيَةُ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ لِأَصْلِ الصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ‏)‏ أَيْ الْمُدِّ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ ‏(‏بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ‏)‏ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَالثَّانِي لَا يَتَكَرَّرُ كَالْحُدُودِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ الْفِدْيَةَ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ لَمْ يَقْضِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَجَبَتْ ثَانِيًا بِلَا خِلَافٍ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْعَامِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَصَاعِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ بَعْدَ إقَامَتِهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عِنْدَ الْفِعْلِ ثَانِيًا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهَا أَخَفُّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْعَدَدِ مِنْهَا حَدٌّ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ‏.‏

المتن

وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ فَمَاتَ أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ‏:‏ مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ‏)‏ أَيْ قَضَاءَ رَمَضَانَ ‏(‏مَعَ إمْكَانِهِ‏)‏ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ السَّابِقِ حَتَّى بِلَا رَمَضَانَ آخَرَ ‏(‏فَمَاتَ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ‏:‏ مُدٌّ لِلْفَوَاتِ‏)‏ لِلصَّوْمِ ‏(‏وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ‏)‏ لِلْقَضَاءِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُوجِبٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالثَّانِي يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ، وَالْفَوَاتُ يَقْتَضِي مُدًّا وَاحِدًا كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ بَدَلَ الصَّوْمِ أَعْوَامًا، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ صَوْمُ الْوَلِيِّ وَصَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَوَجَبَتْ فِدْيَةُ التَّأْخِيرِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَخَّرَهُ سَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَخَّرَ سِنِينَ وَمَاتَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَجِبُ فِدْيَةُ التَّأْخِيرِ بِتَحَقُّقِ الْفَوَاتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَصْلِ الصَّوْمِ إذَا لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنُهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ، وَتَعْجِيلُ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ جَائِزٌ فِي الْأَصَحِّ كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ، وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرِمِ، وَلَا الزَّمِنِ، وَلَا مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ إذَا أَخَّرُوهَا عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِلْحَامِلِ وَلَا لِلْمُرْضِعِ تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ‏.‏

المتن

وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ‏)‏ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْآتِيَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ صَرْفُهَا إلَى الْمِسْكِينِ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا‏.‏

المتن

وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ‏)‏ مِنْ الْفِدْيَةِ ‏(‏إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ‏)‏ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ الْمُدِّ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ صَرْفِ فِدْيَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنْ زَكَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ‏(‏وَجِنْسُهَا‏)‏ أَيْ الْفِدْيَةِ ‏(‏جِنْسُ الْفِطْرَةِ‏)‏ وَنَوْعُهَا وَصِفَتُهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُدِّ الَّذِي نُوجِبُهُ هُنَا وَفِي الْكَفَّارَاتِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَكَذَا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبُوسٍ وَخَادِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ‏.‏ ‏.‏