فصل: كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

المتن

هِيَ فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ، فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ قُوتِلُوا‏.‏

الشرحُ

كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ‏}‏، أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً‏)‏ وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، وَمَكَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَا يُفَوِّتُ أَحَدٌ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ قَالَ‏:‏ وَكَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ، وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَادَةِ، وَذُكِرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي عَشَرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ دَرَجَاتُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ ‏(‏هِيَ‏)‏ أَيْ الْجَمَاعَةُ ‏(‏فِي الْفَرَائِضِ‏)‏ أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ ‏(‏غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ‏)‏ وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ السَّالِفَةِ‏.‏ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُ غَيْرَ بِالنَّصْبِ بِمَعْنَى إلَّا أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى وَأُضِيفَتْ إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هِيَ ‏(‏فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ‏)‏ أَيْ غَلَبَ ‏(‏فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ‏(‏فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ‏)‏ أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا بِمَحَلٍّ ‏(‏فِي الْقَرْيَةِ‏)‏ الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ وَالْبَلَدِ بِمَحَالَّ يَظْهَرُ بِهَا الشِّعَارُ وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِطَائِفَةٍ، وَإِنْ قُلْت فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا شِعَارٌ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ ‏(‏فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ‏)‏ مِنْ إقَامَتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ ‏(‏قُوتِلُوا‏)‏ أَيْ قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ آحَادِ النَّاسِ، وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ فِي الْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْبَلَدِ، وَعَلَى السُّنَّةِ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

المتن

وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَيْهِنَّ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏، وَالثَّانِي نَعَمْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَتْ فِي حَقِّهِنَّ فَرْضًا جَزْمًا ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ لِرِجَالٍ أَحْرَارٍ مُقِيمِينَ لَا عُرَاةٍ فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ السَّابِقِ فَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ السَّادَةِ، وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَلَا عَلَى الْعُرَاةِ بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَتُسْتَحَبَّ لَهُمْ، وَلَا فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ مِنْ نَوْعِهَا بَلْ تُسَنُّ‏.‏ أَمَّا مَقْضِيَّةٌ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا تُسَنُّ وَلَا فِي مَنْذُورَةٍ بَلْ وَلَا تُسَنُّ وَلَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الِانْفِرَادِ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ بِهَا كَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاجِعِينَ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هِيَ ‏(‏فَرْضُ عَيْنٍ‏)‏ عِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏(‏لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ‏.‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ لَوْ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ لَمَا هَمَّ بِهِ‏.‏ أُجِيبَ بِلَعَلَّهُ هَمَّ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ‏.‏

المتن

وَ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ، وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْجَمَاعَةُ ‏(‏فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ‏)‏ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ، وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ‏)‏ أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَالطَّهَارَةِ وَإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَمِثْلُ النِّسَاءِ الْخَنَاثَى، وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ، وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ تَمْكِينُهُنَّ مِنْهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ لِمَنْ ذُكِرَ إذَا اسْتَأْذَنَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُنَّ إذَا أَمِنَ الْمَفْسَدَةَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ أَوْ وَلِيٌّ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْحُضُورِ حَرُمَ الْمَنْعُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ‏:‏ وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ‏)‏ مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَكَذَا مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا - أَيْ فَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ قَلِيلَ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا، لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمَاعَةِ وُجِدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَامْتَازَتْ هَذِهِ بِالْمَسْجِدِ فَمَحَلُّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ تُشَارِكْهَا الْأُخْرَى كَأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ جَمَاعَةً وَفِي الْمَسْجِدِ مُنْفَرِدًا‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ أَهْلَ بَيْتِهِ لَصَلَّوْا فُرَادَى أَوْ لَتَهَاوَنُوا أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَصَلَّى جَمَاعَةً وَإِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى وَحْدَهُ فَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَلَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَثُرَتْ، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ الِانْفِرَادُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَتُنَازِعُ فِيهِ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ، وَرُبَّمَا يُقَالُ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ أَغْلَبِيَّةٌ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى مُفْرَدًا خَشَعَ وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ‏(‏إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ‏)‏ كَمُعْتَزِلِيٍّ وَقَدَرِيٍّ وَرَافِضِيٍّ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا غَيْرَ مُبْتَدِعٍ أَوْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ أَوْ الشُّرُوطِ مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ‏)‏ أَوْ بَعِيدٌ ‏(‏لِغَيْبَتِهِ‏)‏ عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامَهُ أَوْ يَحْضُرُ النَّاسُ بِحُضُورِهِ فَقَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ الِانْفِرَادُ كَذَلِكَ فِي الْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ فَقَطْ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّمِيرِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَلِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا زِدْتُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ فِيهَا أَوْلَى مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامُهُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ بَطِيئَهَا لَا يُدْرِكُ مَعَهُ الْفَاتِحَةَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ إمَامٍ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ شُبْهَةٌ، وَكَثِيرُ الْجَمْعِ بِخِلَافِهِ لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ فَالسَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَى الْمَسْجِدَانِ فِي الْجَمَاعَةِ فَالْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ مَا انْتَفَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ عَنْ مَالِ بَانِيهِ وَوَاقِفِهِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ‏.‏ نَعَمْ إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مُتَرَتِّبًا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا‏.‏

المتن

وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ، وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ

الشرحُ

‏(‏وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ‏)‏ مَعَ الْإِمَامِ ‏(‏فَضِيلَةٌ‏)‏ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ‏:‏ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ‏)‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لَكِنَّهُ مِنْ الْفَضَائِلِ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ، وَرُوِيَ ‏(‏لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا‏)‏ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا ‏(‏وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ‏)‏ مَعَ حُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ ‏(‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا‏)‏ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِبْطَاؤُهُ بِالْمُتَابَعَةِ - لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ - عُذْرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْطَأَ لِغَيْرِ وَسْوَسَةٍ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِ إمَامِهِ، أَوْ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الْقِرَاءَةِ غَيْرُ عُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِطُولِ زَمَنِهِمَا ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تَحْصُلُ ‏(‏بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تَحْصُلُ ‏(‏بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ‏(‏وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ‏)‏ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قِيَامِهَا بِدَلِيلِ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ، فَأَمَّا مَنْ حَضَرَهُ وَأَخَّرَ فَقَدْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَسِيطِ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْإِسْرَاعُ، بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏)‏ نَعَمْ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَشِيَ فَوَاتَهُ فَلْيُسْرِعْ كَمَا لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا لَوْ امْتَدَّ الْوَقْتُ وَكَانَتْ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَتَعَطَّلَتْ‏.‏ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَالْمَنْقُولُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْرِعُ ‏(‏وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ‏)‏ فَضِيلَةِ ‏(‏الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ‏)‏ الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ بِأَنْ انْتَهَى سَلَامُهُ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِإِدْرَاكِهِ رُكْنًا مَعَهُ لَكِنَّهُ دُونَ فَضْلِ مَنْ يُدْرِكُهَا مِنْ أَوَّلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ فَضْلَهَا بِذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ زِيَادَةً بِلَا فَائِدَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ تَحَرُّمِهِ بِأَنْ انْتَهَى تَحَرُّمُ الْمَأْمُومِ مَعَ انْتِهَاءِ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا تَحْصُلُ لَهُ الْجَمَاعَةُ بَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فُرَادَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ‏.‏

المتن

وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ‏.‏

الشرحُ

فَرْعٌ‏:‏ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً ثَانِيَةً، وَجَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُوَافِقُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بَلْ الْأَفْضَلُ لِلشَّخْصِ إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَرَجَا جَمَاعَةً أُخْرَى يُدْرِكُ مَعَهَا الصَّلَاةَ جَمِيعهَا فِي الْوَقْتِ التَّأْخِيرُ لِيُدْرِكَهَا بِتَمَامِهَا مَعَهَا، وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ يُعِيدَهَا مَعَ الْآخَرِينَ ‏(‏وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ‏)‏ نَدْبًا الصَّلَاةَ ‏(‏مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ‏)‏ أَيْ السُّنَنِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِأَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ‏)‏ أَيْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَهُمْ أَحْرَارٌ غَيْرُ أُجَرَاءَ إجَارَةَ عَيْنٍ فَيُسَنُّ لَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاسْتِحْبَابُ التَّطْوِيلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَصْدُقُ بِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُطَوِّلْ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَّا إنْ قَلَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ كَوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا خَفَّفَ، وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَخْفِيفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ، وَلِإِنْكَارِهِ عَلَى مُعَاذٍ التَّطْوِيلَ لَمَّا شَكَاهُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، وَرُدَّ النَّظَرُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ وَقَضِيَّةَ مُعَاذٍ لَمْ يَكْثُرَا فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْغَزِّيُّ‏.‏ أَمَّا الْأَرِقَّاءُ وَالْأُجَرَاءُ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ بِالتَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ التَّطْوِيلُ عَلَى قَدْرِ صَلَاتِهِمْ مُنْفَرِدِينَ بِغَيْرِ إذْنٍ فِيهِ مِنْ أَرْبَابِ الْحُقُوقِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَتَى رَضِيَ مَحْصُورُونَ وَإِنْ كَانُوا بَعْضَ الْقَوْمِ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّطْوِيلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَا قُلْت‏:‏ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ‏.‏

المتن

وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ عَادَتُهُمْ الْحُضُورَ أَمْ لَا، أَوْ رَجُلٌ شَرِيفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَاضِرِينَ وَلِتَقْصِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ انْتِظَارِهِمْ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَصْرِيحِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي تَطْوِيلٍ زَائِدٍ عَلَى هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ هَيْئَاتِهَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا آخِرَهُ بِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ‏.‏ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْمُرَادُ بِآخِرِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ أَيْ لَا يَحِلُّ حَلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي ‏(‏وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ‏)‏ غَيْرِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ ‏(‏أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ‏)‏ مَحَلَّ الصَّلَاةِ يَأْتَمُّ بِهِ ‏(‏لَمْ يُكْرَهْ‏)‏ لَهُ ‏(‏انْتِظَارُهُ‏)‏ بَلْ يُبَاحُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ طُرُقٍ ثَمَانِيَةٍ ‏(‏إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ‏)‏ أَيْ فِي الِانْتِظَارِ بِأَنْ يُطَوِّلَهُ تَطْوِيلًا لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ أَثَرُهُ‏.‏ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ‏(‏وَلَمْ يَفْرُقْ‏)‏ بِضَمِّ الرَّاءِ ‏(‏بَيْنَ الدَّاخِلِينَ‏)‏ بِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ لِصَدَاقَةٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ سِيَادَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِظَارِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ‏)‏ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ‏:‏ إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَوْ فَرَّقَ‏.‏ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ‏:‏ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ مُطْلَقًا ‏(‏وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ قِيَامٍ وَغَيْرِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا أَحَسَّ بِخَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ الصَّلَاةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتِظَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَالَغَ فِي الِانْتِظَارِ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ، أَوْ انْتَظَرَهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ كَأَنْ انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا بَلْ يُكْرَهُ الِانْتِظَارُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ‏.‏ وَأَمَّا إذَا خَالَفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ‏.‏ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي‏.‏ وَنَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَّلَهُ بِالتَّشْرِيكِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الِانْتِظَارِ صُوَرٌ مِنْهَا مَا إذَا خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالِانْتِظَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتَقِدُ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ أَوْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ مَا ذُكِرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ يَعْتَادُ الْبُطْءَ وَتَأْخِيرَ التَّحَرُّمِ إلَى الرُّكُوعِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ فِي جَمَاعَةٍ كَلَا جَمَاعَةٍ، وَالْمُتَّجَهُ فِي هَذِهِ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ عَنْ الْمَأْمُومِ فِي إسْقَاطِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏ وَجَدَ مُصَلِّيًا جَالِسًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ أَوْ لَا ‏؟‏ وَكَذَا لَوْ رَآهُ فِي وَقْتِ الْكُسُوفِ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ كُسُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ ‏؟‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ الْمُتَّجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَحَسَّ يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُصَلِّي لِلْعِلْمِ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمُنْفَرِدَ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِانْتِظَارِ مِنْ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى حُكْمِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ عَدَمُ التَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِتَطْوِيلِهِ، وَقَوْلُهُ أَحَسَّ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ‏}‏، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِلَا هَمْزٍ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا، وَفَرْضُهُ الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي‏)‏ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُؤَدَّاةً ‏(‏وَحْدَهُ، وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا‏)‏ مَرَّةً فَقَطْ ‏(‏مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا‏)‏ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ كَانَ إمَامُ الثَّانِيَةِ مَفْضُولًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلَّى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ‏:‏ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ‏؟‏ قَالَا‏:‏ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا‏.‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ‏)‏ ‏(‏وَقَالَ‏:‏ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ‏:‏ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ‏)‏ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ صَلَّيْتُمَا يَصْدُقُ بِالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْصُرُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ حَصَّلَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَجَوَابُهُ مَنْعُ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ جَمَاعَةٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَ مُنْفَرِدٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مَعَهُ جَزْمًا وَلَوْ كَانَ صَلَّى أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مُنْفَرِدًا فِيمَا لَوْ تَلَبَّسَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَنْذُورَةُ إذْ لَا تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَمَا مَرَّ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ إذْ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالنَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا‏.‏ أَمَّا مَا تُسَنُّ فِيهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَالْفَرْضِ فِي سَنِّ الْإِعَادَةِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَلَا تُعَادُ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ فُرِضَ الْجَوَازُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِمَكَانٍ ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَوَجَدَهُمْ يُصَلُّونَهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِعَادَةِ لِمَنْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَأَجْزَأَتْهُ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ لِبَرْدٍ أَوْ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا‏:‏ إحْدَاهُمَا‏:‏ مَا إذَا كَانَ الِانْفِرَادُ لَهُ أَفْضَلَ كَالْعَارِي‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ مَا لَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَدْرَكَ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعِيدَ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْإِعَادَةُ وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تُسْتَحَبُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقُوَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ تُرْشِدُ إلَيْهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسَنُّ إذَا حَضَرَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاقُ ذَلِكَ الْوَقْتِ ا هـ‏.‏ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ، وَيَنْتَفِي اللَّازِمُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِعَادَةِ الْإِعَادَةُ اللُّغَوِيَّةُ لَا الِاصْطِلَاحِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِي سَبَقَتْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ، وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا فَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا تُسَنُّ قَطْعًا‏.‏ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُذَاكَرَةِ ‏(‏وَفَرْضُهُ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهَا، وَالْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا وَيَحْتَسِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ الْفَرْضُ كِلَاهُمَا، وَالْأُولَى مُسْقِطَةٌ لِلْحَرَجِ لَا مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، فَإِذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فَرْضًا أَيْضًا، وَكَذَا فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كُلُّهَا، وَقِيلَ الْفَرْضُ أَكْمَلُهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَرْضُهُ الْأُولَى إذَا أَغْنَتْ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ الْمُغْنِيَةُ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ عَلَى الْجَدِيدِ ‏(‏أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ‏)‏ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فِي فَرْضِ وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا‏.‏ قَالَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَيَكُونُ ظُهْرُهُ نَفْلًا كَظُهْرِ الصَّبِيِّ‏.‏ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَنْوِي إعَادَةَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَا تَكُونَ نَفْلًا مُبْتَدَأً لَا إعَادَتَهَا فَرْضًا، وَقَالَ الرَّازِيّ‏:‏ يَنْوِي مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَهُوَ هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ ‏؟‏ أَوْ يَحْتَسِبُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى إذَا رَأَى مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الْفَرِيضَةَ وَحْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَ الْحَاضِرِ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوقَ لَا يُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى الْجَدِيدِ خَلَلًا فِي الْأُولَى وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَتَرَجَّاهُ السُّبْكِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا‏.‏

المتن

وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ عَامٍّ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِاللَّيْلِ، وَكَذَا وَحَلٌّ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ، وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ، وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا، إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا، وَعُرْيٍ وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضِرٍ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، أَوْ يَأْنَسُ بِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا‏)‏ أَيْ الْجَمَاعَةِ ‏(‏وَإِنْ قُلْنَا‏)‏ هِيَ ‏(‏سُنَّةٌ‏)‏ لِتَأَكُّدِهَا ‏(‏إلَّا بِعُذْرٍ‏)‏ لِخَبَرِ ‏(‏مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَيْ كَامِلَةً إلَّا مِنْ عُذْرٍ‏)‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ السُّنَّةُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ تَهْوِينُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْعُذْرِ، وَلِذَلِكَ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّا إذَا قُلْنَا سُنَّةٌ قُوتِلَ تَارِكُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْتِي مَعَ الْعُذْرِ بَلْ لَا يُقَاتَلُ قَطْعًا، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالْجَمَاعَةِ وَجَبَتْ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرُّخْصَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ‏.‏ وَالرُّخْصَةُ بِسُكُونِ الْخَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، لُغَةً‏:‏ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ، وَاصْطِلَاحًا‏:‏ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ بِعُذْرٍ ‏(‏عَامٍّ كَمَطَرٍ‏)‏ أَوْ ثَلْجٍ يَبُلُّ الثَّوْبَ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ‏)‏، وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ مَشَقَّةٍ بِالْخُرُوجِ مَعَ الْمَطَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَرَضِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْخَفِيفِ وَلَا بِالشَّدِيدِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِي كِنٍّ، وَلَوْ تَقَطَّرَ الْمَطَرُ مِنْ سُقُوفِ الْأَسْوَاقِ كَانَ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ‏(‏أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ‏)‏ أَيْ شَدِيدٍ ‏(‏ بِاللَّيْلِ‏)‏ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ‏(‏أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ‏:‏ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ‏:‏ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏(‏كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُمْطِرَةِ وَاللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ‏)‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَارِدَةً أَمْ لَا، وَعَبَّرَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَارِدَةِ، وَجَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُمَا‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ وَحْدَهَا عُذْرٌ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ مَنْ عَبَّرَ بِالْبَارِدَةِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِيَارِهِ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، فَقَالَ‏:‏ الْمُخْتَارُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الظُّلْمَةِ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ عُذْرٌ بِاللَّيْلِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ لَيْلًا وَالشَّدِيدَةُ نَهَارًا‏.‏ نَعَمْ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ؛ كَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ ‏(‏وَكَذَا وَحَلٌ‏)‏ بِفَتْحِ الْحَاءِ ‏(‏شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْمَطَرِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُ‏.‏ وَالشَّدِيدُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلْوِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ‏.‏ لَكِنْ تُرِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِيدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَفِيفِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَجَرَى عَلَى التَّقْيِيدِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ الْمُتَقَدِّمُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِهِمْ وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ‏"‏‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ النِّدَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَانَ لِلْمَطَرِ كَمَا مَرَّ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَحَلِ بِلَا مَطَرٍ ‏(‏أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ‏)‏ يَشُقُّ الْمَشْيُ مَعَهُ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏لَمَّا مَرِضَ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ أَيَّامًا كَثِيرَةً‏)‏‏.‏ أَمَّا الْخَفِيفُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ ‏(‏وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِمَا كَالْمَشَقَّةِ فِي الْمَطَرِ، وَإِطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏.‏ لَكِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَى الظُّهْرِ، وَكَذَا أَصْلُهَا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ‏.‏ لَكِنْ كَلَامُهُ بَعْدُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ‏:‏ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ا هـ‏.‏ وَذَكَرَهُ هُنَا كَالْمُحَرَّرِ مِنْ الْخَاصِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ مِنْ الْعَامِّ وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّهُمَا إنْ أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَهُمَا مِنْ الْخَاصِّ، وَإِنْ أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّهَا فَهُمَا مِنْ الْعَامِّ إذْ يُحِسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَمِنْ الْخَاصِّ شِدَّةُ النُّعَاسِ وَلَوْ فِي انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ الْعَامِّ السَّمُومُ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ، وَالزَّلْزَلَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ لِمَشَقَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِمَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا ‏(‏وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ‏)‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَالْمَطْعُومُ حَاضِرٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ‏:‏ أَوْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ أَيْ وَقَرُبَ حُضُورُهُ، وَنَفْسُهُ تَتُوقُ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ تَشْتَاقُ إلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ‏)‏ وَقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ‏:‏ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ إلَيْهِ لَا الشَّوْقُ، فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّاهُ إذَا كَانَتْ بِهِمَا بَلْ بِشِدَّتِهِمَا ‏(‏وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ‏)‏ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ‏)‏ فَيَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ نَدْبًا لِيَتَفَرَّغَ عَنْ الْحَدَثِ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ فِي الْجُوعِ بِأَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يَكْسِرُ بِهَا سَوْرَتَهُ‏.‏ لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ تَصْوِيبُ إكْمَالِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَكْلِ قَالَ‏:‏ وَمَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ يَأْكُلُ لُقَمًا تَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَلَوْ خَشِيَ بِتَخَلُّفِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ صَلَّى وُجُوبًا مُدَافِعًا وَجَائِعًا وَعَطْشَانَ وَلَا كَرَاهَةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ‏(‏وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى‏)‏ مَعْصُومٍ مِنْ ‏(‏نَفْسٍ‏)‏ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ‏(‏أَوْ مَالٍ‏)‏ أَوْ عَرَضٍ أَوْ حَقٍّ أَوْ لِمَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ حَتَّى عَلَى خُبْزِهِ فِي التَّنُّورِ وَطَبِيخِهِ فِي الْقِدْرِ عَلَى النَّارِ وَلَا مُتَعَهِّدَ يَخْلُفُهُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ كَالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا قَصَدَ إسْقَاطَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ فِي طَرِيقِهِ، وَكَذَا التَّحِيَّةُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ‏.‏ أَمَّا خَوْفُهُ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، بَلْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَتَوْفِيَةُ الْحَقِّ ‏(‏وَ‏)‏ خَوْفِ ‏(‏مُلَازَمَةِ‏)‏ أَوْ حَبْسِ ‏(‏غَرِيمِ مُعْسِرٍ‏)‏ بِإِضَافَةِ غَرِيمِ إلَى مُعْسِرٍ، وَالْمُرَادُ مُلَازَمَةُ غَرِيمِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَفُهِمَ هَذَا مِنْ عِبَارَتِهِ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ قَلِقٌ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْذَرْ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الْإِعْسَارِ‏.‏ أَمَّا إذَا قَبِلَ كَأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَصَدَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَعَلِمَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَالْغَرِيمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَرَامِ وَهُوَ الدَّوَامُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا‏}‏ فَأَطْلَقُوهُ هُنَا لِدَوَامِ الطَّلَبِ، وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ‏(‏وَ‏)‏ خَوْفِ ‏(‏عُقُوبَةٍ‏)‏ كَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ مِمَّا يَقْبَلُ الْعَفْوَ‏.‏ ‏(‏يُرْجَى تَرْكُهَا إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا‏)‏ يَسْكُنُ فِيهَا غَيْظُ الْمُسْتَحِقِّ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَكَذَا مَا يَقْبَلُ إذَا لَمْ يُرْجَ التَّرْكُ لَوْ تَغَيَّبَ، وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُرْجَى تَرْكُهَا‏.‏ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ، وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ‏.‏ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغَيُّبَ طَرِيقُهُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُسْتَفَادُ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّيْخَيْنِ رَجَاءَ الْعَفْوِ بِتَغَيُّبِهِ أَيَّامًا أَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ التَّغَيُّبُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ سِنِينَ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ قَوْلُهُمَا أَيَّامًا لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي كَلَامِهِمَا، وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا، وَيَظْهَرُ الضَّبْطُ بِأَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ يَجُوزُ لَهُ التَّغَيُّبُ، فَإِنْ يَئِسَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْعَفْوِ حَرُمَ التَّغَيُّبُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَبِذَلِكَ تَرَكَ ابْنُ الْمُقْرِي هَذَا التَّقْيِيدَ ‏(‏وَعُرْيٍ‏)‏ وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ بِغَيْرِ لِبَاسٍ يَلِيقُ بِهِ‏.‏ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ اعْتَادَ الْخُرُوجَ مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا عِنْدَ فَقْدِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ كَالْقَبَاءِ لِلْفَقِيهِ كَالْمَعْدُومِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ ‏(‏وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ‏)‏ مُبَاحٍ يُرِيدُهُ ‏(‏مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ‏)‏ وَيَخَافُ مِنْ التَّخَلُّفِ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ يَسْتَوْحِشُ فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ ‏(‏وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ‏)‏ كَبَصَلٍ أَوْ فُجْلٍ أَوْ ثُومٍ أَوْ كُرَّاثٍ نِيءٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ ثُومًا أَوْ كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَفِي رِوَايَةٍ الْمَسَاجِدَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ‏)‏ زَادَ الْبُخَارِيُّ‏.‏ قَالَ جَابِرٌ‏:‏ مَا أَرَاهُ إلَّا نِيئَهُ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ أَوْ فُجْلًا‏.‏ هَذَا إنْ تَعَسَّرَ زَوَالُ رِيحِهِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَسَّرْ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِزَوَالِ رِيحِهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ كَرِيهٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَحْسَنَ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لَكِنَّهَا اُغْتُفِرَتْ لِقِلَّتِهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَتُوُقِّفَ فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّأَذِّي بِهِمَا أَشَدُّ مِنْهُ بِأَكْلِ الثُّومِ وَنَحْوِهِ، قَالَ‏:‏ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلَّذِي أَكَلَ مَا سَبَقَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَصَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلتَّدَاوِي يُعْذَرُ فِي الْحُضُورِ وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعْنَى وَهُوَ التَّأَذِّي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَحُضُورِ‏)‏ نَحْوِ ‏(‏قَرِيبٍ‏)‏ كَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَصَدِيقٍ وَصِهْرٍ ‏(‏مُحْتَضَرٍ‏)‏ أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَحَضَرَ عِنْدَ قَرِيبِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ نَزَلَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِغَيْبَتِهِ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَأَلَّمُ بِذَهَابِ الْمَالِ‏.‏ وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ الْأُسْتَاذَ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْعَتِيقِ وَالْمُعْتِقِ بِهِمْ أَيْضًا ‏(‏أَوْ‏)‏ حُضُورِ ‏(‏مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ‏)‏ لَهُ لِئَلَّا يَضِيعَ سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا أَمْ أَجْنَبِيًّا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ عَلَيْهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏أَوْ يَأْنَسُ‏)‏ الْقَرِيبُ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏بِهِ‏)‏ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْأُنْسَ عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ وَحُضُورُ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ أَوْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّارِحُ‏:‏ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَرِيضٍ عَطْفٌ عَلَى مُحْتَضَرٍ فَيَفُوتُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يُعْذَرُ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَعَهِّدُ مُشْتَغِلًا بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ مَثَلًا عَنْ الْخِدْمَةِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَهِّدٌ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

بَقِيَ مِنْ الْأَعْذَارِ السِّمَنُ الْمُفْرِطُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَى فِيهِ خَبَرًا، وَكَوْنُهُ مِنْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الذَّخَائِرِ، وَزِفَافُ زَوْجَةٍ فِي الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ، وَغَلَبَةُ النُّعَاسِ وَالنَّوْمِ إنْ انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ وَالْبَحْثُ عَنْ ضَالَّةٍ يَرْجُوهَا، وَالسَّعْيُ فِي اسْتِرْدَادِ مَغْصُوبٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ جَعْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَعْذَارًا لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ الِانْفِرَادِ لِلرَّجُلِ‏.‏ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَعْذَارًا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْفَرْضِ، وَالْكَرَاهَةِ عَلَى قَوْلِ السُّنَّةِ، لَا حُصُولُ فَضْلِهَا، وَيُوَافِقُهُ جَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْ خَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏سَأَلَ أَعْمَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ لِكَوْنِهِ لَا قَائِدَ لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ‏:‏ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَأَجِبْ‏)‏ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا تُلْحِقُهُ بِفَضِيلَةِ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً ‏؟‏ فَقِيلَ لَا، وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا وَكَانَ قَصْدُهُ الْجَمَاعَةَ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَفَّالِ وَارْتَضَاهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي مُوسَى ‏(‏إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا‏)‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ فَضْلِهَا مَرْدُودٌ سَبَبُهُ الذُّهُولُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ عَلَى مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَأَكْلِ بَصَلٍ وَثُومٍ، وَكَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ وَجَعَلَ حُصُولَهَا كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ فِي أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ‏]‏

المتن

لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إنَاءَيْنِ

الشرحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ ‏(‏لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ‏)‏ كَمَنْ عَلِمَ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ أَوْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، فَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ ‏(‏أَوْ يَعْتَقِدُهُ‏)‏ أَيْ بُطْلَانَهَا مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادُ فِي غَيْرِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ‏.‏ أَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ فَسَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا أَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلٍ ‏(‏كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏إنَاءَيْنِ‏)‏ مِنْ الْمَاءِ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ بِأَنْ أَدَّى اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْآخَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْ إنَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ‏.‏

المتن

فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا، فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجَسٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَفِي الْأَصَحِّ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ‏)‏ مِنْ الْآنِيَةِ كَأَنْ كَانَتْ الْأَوَانِي ثَلَاثَةً وَالطَّاهِرُ مِنْهَا اثْنَانِ وَالْمُجْتَهِدُونَ ثَلَاثَةٌ وَظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمْ طَهَارَةَ إنَائِهِ فَقَطْ ‏(‏فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ‏)‏ أَيْ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ‏(‏مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ‏)‏ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي مِثَالِنَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِوَاحِدٍ فَقَطْ لِتَعَيُّنِ الْإِنَاءِ الثَّالِثِ لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ ‏(‏فَإِنْ ظَنَّ‏)‏ وَاحِدٌ بِاجْتِهَادِهِ ‏(‏طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ‏)‏ جَوَازًا ‏(‏قَطْعًا‏)‏ أَوْ نَجَاسَةً لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَطْعًا كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ‏(‏فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ‏)‏ مِنْ الْآنِيَةِ ‏(‏فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ‏)‏ مِنْ أُنَاسٍ ‏(‏فَظَنَّ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏طَهَارَةَ إنَاءٍ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏فَتَوَضَّأَ بِهِ‏)‏ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فِي الْأَوَائِلِ الْأَرْبَعَةِ ‏(‏وَأَمَّ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏فِي صَلَاةٍ‏)‏ مِنْ الْخَمْسِ الْبَاقِينَ مُبْتَدِئِينَ بِالصُّبْحِ ‏(‏فَفِي‏)‏ الْوَجْهِ ‏(‏الْأَصَحِّ‏)‏ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ‏(‏يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ‏)‏ لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي إنَاءِ إمَامِهَا بِزَعْمِهِمْ ‏(‏إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ‏)‏ لِتَعَيُّنِ إمَامِهَا لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ‏.‏ وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعِيدُ مَا كَانَ مَأْمُومًا فِيهِ آخِرًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا، وَهُوَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْخَمْسَةِ إنَاءَانِ نَجِسَانِ صَحَّ اقْتِدَاءُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاثْنَيْنِ فَقَطْ، أَوْ النَّجِسُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْبُطْلَانِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ أَرْبَعَةً امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ سُمِعَ صَوْتُ حَدَثٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَأَنْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ وُقُوعَهُ مِنْهُ فَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَانِي‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

المتن

وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي‏.‏

الشرحُ

فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ‏)‏ فَعَلَ مُبْطِلًا عِنْدَنَا دُونَهُ كَأَنْ ‏(‏مَسَّ فَرْجَهُ‏)‏ أَوْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ أَوْ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ عِنْدَهُ دُونَنَا كَأَنْ ‏(‏افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ‏)‏ أَيْ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ ‏(‏فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ‏)‏ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ‏)‏ أَيْ اعْتِقَادِ ‏(‏الْمُقْتَدِي‏)‏ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهُ بِالْمَسِّ دُونَ الْفَصْدِ، وَالثَّانِي عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ حَافَظَ الْمُخَالِفُ فِي الْفُرُوعِ كَحَنَفِيٍّ عَلَى وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي إتْيَانِهِ بِهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْخِلَافَ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا ضَرَّ فِي الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِعِلْمِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِهَا عِنْدَهُمَا‏.‏ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ‏:‏ إنْ اقْتَدَى بِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ نَائِبِهِ صَحَّ مَعَ تَرْكِهِ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا لِمَا فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا اسْتَحْسَنَاهُ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ كَصِحَّةِ الْجُمُعَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ سُنِّيَّتِهِ وَأَمْكَنَهُ هُوَ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى نُدِبَ لَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَإِلَّا تَابَعَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا قَنَتَ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَيَسْجُدُ كَمَا لَوْ كَانَ إمَامُهُ شَافِعِيًّا فَتَرَكَهُ‏.‏

المتن

وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ‏.‏

الشرحُ

وَلَوْ تَرَكَ شَافِعِيٌّ الْقُنُوتَ وَخَلْفَهُ حَنَفِيٌّ فَسَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْحَنَفِيُّ، وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لَمْ يَسْجُدْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ فَطَوَّلَهُ لَمْ يُوَافِقْهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا كَمَا يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا إذَا سَجَدَ فِي سَجْدَةِ ‏(‏ص‏)‏، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ فِي الِاعْتِدَالِ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا جَوَازَ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ هُنَاكَ بَيْنَ مِثْلِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَسِّ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ لَا يَنْتَظِرُهُ فِيهِ، وَمَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ دُونَ سَهْوِهِ جَازَ انْتِظَارُهُ، وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهِمَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ دُونَ الْحَنَفِيِّ وَجَازَ لَهُ بِكُرْهٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْقَاصِرِ فِي الْإِقَامَةِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْمُقْتَدِي مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ قَالَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ هُنَا‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَزْمُهَا وَعَدَمُهُ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ‏)‏ فِي حَالِ قُدْوَتِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ، وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الِاسْتِقْلَالُ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ هُوَ سَهْوَ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَدُوا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا‏.‏ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلَّى فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ‏)‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَمَا‏.‏ أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ‏.‏ أَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَلَا بِمَنْ تَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ مَأْمُومًا كَأَنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ جَمَاعَةً وَتَرَدَّدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا هَجَمَ، فَإِنْ اجْتَهَدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي، وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْ الْمُصَلِّيَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ أَوْ أَنَّهُ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مُقْتَدٍ بِمَنْ يَقْصِدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فَمَنْ شَكَّ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ أَوْ مَتْبُوعٌ، فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، وَالْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ إنَّمَا يَأْتِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ‏.‏ أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ‏.‏

المتن

وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ، وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْهُ أَرَتُّ يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَأَلْثَغُ يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ، وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ وَاللَّاحِنِ، فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا‏)‏ قُدْوَةٌ ‏(‏بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ‏)‏ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَلَا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا، وَمُحْدِثٍ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لَا كَرَاهَةَ أَوْ لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي مِثْلَهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ كَالْفَاسِدَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ حَيْثُ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَلِجَوَازِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَضَوْا ‏(‏وَلَا‏)‏ قُدْوَةُ ‏(‏قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، فَإِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّحَمُّلِ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَلْ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الْقَدِيمُ، وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ أَوْ طَاوَعَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّعَلُّمُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ فِي الْجَدِيدِ يَعُودُ إلَى اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْأُمِّيُّ نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا، وَأَصْلُهُ لُغَةً لِمَنْ لَا يَكْتُبُ، اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ مَجَازًا فِي قَوْلِهِمْ ‏(‏وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ‏)‏ ظَاهِرٍ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ ‏(‏أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ‏)‏ لِرَخَاوَةِ لِسَانِهِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمِّيِّ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ أَحْسَنَ أَصْلَ التَّشْدِيدِ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَمَنْ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مَعَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا الذِّكْرَ كَالْقَارِئِ مَعَ الْأُمِّيِّ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ حَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِحَافِظِ النِّصْفِ الثَّانِي وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْسِنُ شَيْئًا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ الْأُمِّيِّ ‏(‏أَرَتُّ‏)‏ وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ مُشَدَّدَةٍ مَنْ ‏(‏يُدْغِمُ‏)‏ بِإِبْدَالٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ‏(‏فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ‏)‏ أَيْ الْإِدْغَامِ كَقَارِئِ الْمُسْتَقِيمَ بِتَاءٍ أَوْ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ أَمَّا الْإِدْغَامُ بِلَا إبْدَالٍ كَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَوْ الْكَافِ مِنْ مَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏أَلْثَغُ‏)‏ وَهُوَ بِمُثَلَّثَةٍ مَنْ ‏(‏يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ‏)‏ كَأَنْ يَأْتِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ مَوْضِعَ السِّينِ أَوْ بِالْغَيْنِ مَوْضِعَ الرَّاءِ، فَيَقُولَ الْمُثْتَقِيمَ، وَغَيْغِ الْمَغْضُوبِ، وَالْإِدْغَامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُبْطِلِ يَسْتَلْزِمُ الْإِبْدَالَ كَمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ إبْدَالٌ خَاصٌّ، فَكُلُّ أَرَتَّ أَلْثَغُ وَلَا عَكْسَ، فَلَوْ كَانَتْ لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرِ صَافٍ لَمْ يُؤَثِّرْ‏.‏ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ قُدْوَةُ أُمِّيٍّ ‏(‏بِمِثْلِهِ‏)‏ إنْ اتَّفَقَا عَجْزًا كَحَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِحَافِظِهِ، وَكَأَرَتَّ بِأَرَتَّ، وَأَلْثَغَ بِأَلْثَغَ فِي كَلِمَةٍ لِاسْتِوَائِهِمَا نُقْصَانًا كَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَنْعِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثَمَّ بِخِلَافِ هُنَا، وَالْعِبْرَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ بِالْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَلَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا السِّينَ تَاءً وَالْآخَرُ زَايًا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلَا أَرَتَّ بِأَلْثَغَ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ، وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ فَارَقَهُ بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمَجْهُولِ قِرَاءَتُهُ أَوْ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي أَنْ يُحْسِنَ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ أَسَرَّ هَذَا فِي جَهْرِيَّةٍ أَعَادَهَا الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ، وَيَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَئِمَّتنَا؛ لِأَنَّ إسْرَارَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ يُخَيَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا لَجَهَرَ بِهَا فَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الْجَهْرِيَّةِ‏:‏ نَسِيت الْجَهْرَ أَوْ تَعَمَّدْتُ لِجَوَازِهِ أَيْ وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ كَمَا جَهِلَ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي لَهُ حَالَتَا جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقْتَ جُنُونِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ‏.‏ أَمَّا فِي السِّرِّيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ‏.‏ ‏(‏وَتُكْرَهُ‏)‏ الْقُدْوَةُ ‏(‏بِالتَّمْتَامِ‏)‏ وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ التَّأْتَاءُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ‏(‏وَالْفَأْفَاءِ‏)‏ وَهُوَ بِهَمْزَتَيْنِ وَمَدٍّ فِي آخِرِهِ‏:‏ مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ‏.‏ قَالَ فِي الْبَيَانِ‏:‏ وَكَذَا مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَكَذَا فِي تَكْرِيرِ سَائِرِ الْحُرُوفِ لِلتَّطْوِيلِ وَنَفْرَةِ الطَّبْعِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ، لِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ الِاخْتِيَارُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ فَصِيحَ اللِّسَانِ، حَسَنَ الْبَيَانِ، مُرَتِّلًا لِلْقُرْآنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا، إذْ لَا فَاءَ فِيهَا وَجَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ زِيَادَتِهِمْ لِعُذْرِهِمْ فِيهَا ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏اللَّاحِنُ‏)‏ بِمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ تُكْرَهُ الْقُدْوَةُ بِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ، وَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ مَعَ التَّعَمُّدِ حَرَامًا وَضَمِّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَنَحْوِهِ كَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا ‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَحَنَ لَحْنًا ‏(‏غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ‏)‏ أَوْ أَبْطَلَ الْمَعْنَى كَالْمُسْتَقِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّغْيِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْأَلْثَغِ ‏(‏أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ‏)‏ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّعْلِيمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ‏.‏ أَمَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ؛ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبُطْلَانِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَادِرِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ‏.‏ أَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَضُرُّ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، نَعَمْ إنْ تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ‏.‏ وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ‏)‏ مِنْ إسْلَامِ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا مِنْ تَمْيِيزِ الْمُسْلِمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِكَوْنِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ‏)‏ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ كَمَا إذَا قَرَأَ بِجَرِّ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏)‏ ‏[‏التَّوْبَةَ‏]‏ ‏(‏فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ‏)‏ إذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَوْ قِيلَ‏:‏ لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ إنَّ مُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ فِي الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ‏.‏

المتن

وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ‏)‏ ذَكَرٍ ‏(‏رَجُلٍ‏)‏ أَوْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ‏(‏وَلَا خُنْثَى بِأُ‏)‏ نْثَى ‏(‏امْرَأَةٍ‏)‏ أَوْ صَبِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ ‏(‏وَلَا خُنْثَى‏)‏ مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأُنْثَى نَاقِصَةٌ عَنْ الرَّجُلِ، وَالْخُنْثَى الْمَأْمُومُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا ذَكَرًا وَالْإِمَامُ أُنْثَى‏.‏ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً‏)‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ‏(‏لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا‏)‏ وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّهَا إذَا كَانَ الظُّهُورُ بِأَمَارَةٍ غَيْرِ قَطْعِيَّةٍ، وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْخُنْثَى كَمَا تَصِحُّ قُدْوَةُ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ بِالرَّجُلِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِرَجُلٍ، خُنْثَى بِرَجُلٍ، امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ، امْرَأَةٍ بِخُنْثَى، امْرَأَةٍ بِامْرَأَةٍ‏.‏ وَأَرْبَعٌ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِخُنْثَى، رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ، خُنْثَى بِخُنْثَى، خُنْثَى بِامْرَأَةٍ‏.‏

المتن

وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ، وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، وَالْمُضْطَجِعِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْقُدْوَةُ ‏(‏لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ‏)‏ الَّذِي لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى عَنْ طَهَارَتِهِ بِبَدَلٍ مُغْنٍ عَنْ الْإِعَادَةِ ‏(‏وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ‏)‏ لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُغْنِيَةٌ عَنْ الْإِعَادَةِ ‏(‏وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ‏)‏ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا‏)‏‏.‏ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ ‏(‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ‏)‏ وَيُقَاسَ الْمُضْطَجِعُ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْقَاعِدِ فَقُدْوَةُ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ بِهِ أَوْلَى، وَالْمُسْتَلْقِي كَالْمُضْطَجِعِ فِيمَا ذَكَرَ‏.‏

المتن

وَلِلْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ ‏(‏لِلْكَامِلِ‏)‏ وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ ‏(‏بِالصَّبِيِّ‏)‏ الْمُمَيِّزِ لِلِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ، ‏(‏وَلِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ‏)‏، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏ وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ ‏(‏وَالْعَبْدِ‏)‏ أَيْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْكَامِلِ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّ الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ قَالَ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانُوا صَحَّحُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَقْدِيمَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ، وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ أَوْلَى مِنْ كَامِلِ الرِّقِّ وَأَنَّ مَنْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ الْمُبَعَّضِينَ أَوْلَى مِمَّنْ نَقَصَتْ مِنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ، ‏"‏ وَالْعَبْدِ ‏"‏ لَكَانَ أَوْلَى لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ صِحَّةُ قُدْوَةِ الْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ الْعَبْدِ بِالْمَنْطُوقِ وَبِالصَّبِيِّ الْحُرِّ، وَبِالْعَبْدِ الْكَامِلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى‏.‏

المتن

وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ‏)‏ فِي الْإِمَامَةِ ‏(‏سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ‏)‏ فِي الْأُمِّ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ هَذَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى لَا يَبْتَذِلُ، أَمَّا إذَا ابْتَذَلَ‏:‏ أَيْ تَرَكَ الصِّيَانَةَ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَأَنْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ كَانَ الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى ذَلِكَ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، بَلْ ذِكْرُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي فِي نَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَعْمَى، بَلْ لَوْ ابْتَذَلَ الْبَصِيرُ كَانَ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ الْأَعْمَى أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ الْبَصِيرُ أَوْلَى لِلْمَعْنَى الثَّانِي‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَإِمَامَةُ الْحُرِّ الْأَعْمَى أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ الْعَبْدِ الْبَصِيرَ، وَالْأَصَمُّ كَالْأَعْمَى فِيمَا ذَكَرَ‏:‏ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ‏.‏

المتن

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ، وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ‏.‏

الشرحُ

وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ‏:‏ أَيْ سَلِسِ الْبَوْلِ ‏(‏وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ‏)‏ وَالْمُسْتَنْجِي بِالْمُسْتَجْمِرِ وَالْمَسْتُورِ بِالْعَارِي وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا صَلَاتَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ غَيْرِهَا بِهَا وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا‏.‏

المتن

وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ امْرَأَةً، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ بَانَ‏)‏ لِلْمَأْمُومِ ‏(‏إمَامُهُ‏)‏ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ كَأَنْ عَلِمَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْقُدْوَةِ ‏(‏امْرَأَةً‏)‏ أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا ‏(‏أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا‏)‏ بِكُفْرِهِ كَذِمِّيٍّ ‏(‏قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا‏)‏ كُفْرَهُ كَزِنْدِيقٍ ‏(‏وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ‏)‏ لِأَنَّ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَالْكَافِرِ الْمُعْلِنِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا أَمَارَةً ظَاهِرَةً، إذْ تَمْتَازُ الْمَرْأَةُ بِالصَّوْتِ وَالْهَيْئَةِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى لِأَنَّ أَمْرَهُ مُنْتَشِرٌ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ‏:‏ وَيُعْرَفُ مُعْلِنُ الْكُفْرِ بِالْغِيَارِ وَغَيْرِهِ، فَالْمُقْتَدِي بِهِمْ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُمْ، بِخِلَافِ مُخْفِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ مُقَابِلِهِ، وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لَوْ خَطَبَ جَالِسًا وَبَانَ قَادِرًا فَكَمَنْ بَانَ جُنُبًا، لَكِنَّهُ صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُ كَالْأُمِّيِّ فَيَتَبَيَّنُ عَدَمُ الصِّحَّةِ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الشَّرْطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَشْرُوطِ‏.‏

المتن

لَا جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ‏.‏ قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ‏:‏ إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏لَا‏)‏ إنْ بَانَ إمَامُهُ ‏(‏جُنُبًا‏)‏ أَوْ مُحْدِثًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى‏.‏ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ‏)‏ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ فَتَجِبُ فِيهَا الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَحَمَلَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي تَصْحِيحِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ الْخَفِيَّةِ‏.‏ وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَةَ مَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ لَرَآهَا، وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا‏.‏ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَدِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَوْ ذُو نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا وَلَمْ يُحْتَمَلْ أَنَّهُ تَطَهَّرَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ‏:‏ إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ‏)‏ وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ، فَتَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِنَقْصِهِ بِالْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ وَنَحْوِهِ لَا نَقْصَ فِيهِ بِالْحَدَثِ‏.‏

المتن

وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

وَلَوْ اقْتَدَى بِشَخْصٍ فَبَانَ مُرْتَدًّا، أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا النِّيَّةَ وَإِنْ سَهَا بِتَرْكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى فَيُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ النِّيَّةِ لِخَفَائِهَا، وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ‏:‏ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت حَقِيقَةً، أَوْ أَسْلَمْت ثُمَّ ارْتَدَدْت فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ أُخْبِرَ بِكُفْرِهِ ‏(‏وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَيُعِيدُ الْقَارِئُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ مِنْ مَنْعِ قُدْوَةِ الْقَارِئِ بِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا النَّقْصُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ كَالْجُنُبِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فَلَا يُعِيدُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ فِقْدَانَ الْقِرَاءَةِ نَقْصٌ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَبِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى كَوْنِهِ قَارِئًا أَسْهَلُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهُ فَعُرُوضُ الْحَدَثِ بَعْدَهَا قَرِيبٌ، بِخِلَافِ صَيْرُورَتِهِ أُمِّيًّا بَعْدَمَا سَمِعَ قِرَاءَتَهُ‏.‏ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَبَيُّنِ مَا سَبَقَ مِمَّا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَمِمَّا لَا يُوجِبُهُ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثُ أَوْ نَحْوُهُ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَتْ الْمُفَارَقَةُ حَالَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَا يُغْنِي عَنْهَا تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ قَطْعًا‏.‏

المتن

وَلَوْ اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنْ الْفَاسِقِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ اقْتَدَى‏)‏ رَجُلٌ أَوْ خُنْثَى ‏(‏بِخُنْثَى‏)‏ فِي ظَنِّهِ، أَوْ خُنْثَى بِامْرَأَةٍ ‏(‏فَبَانَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏رَجُلًا‏)‏ فِي الْأُولَى، وَالْمَأْمُومُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ امْرَأَةً، أَوْ بَانَا فِي الثَّانِيَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ ‏(‏لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الظَّاهِرِ لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهَا فَلَا تَكُونُ النِّيَّةُ جَازِمَةً‏.‏ وَالثَّانِي يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَصَوَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُنُوثَتَهُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ، وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْعَالِمِ بِخُنُوثَتِهِ، إذْ صَلَاةُ الرَّجُلِ لَا تَنْعَقِدُ خَلْفَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ النِّيَّةِ ا هـ‏.‏ وَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏ بَلْ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ إذَا بَانَ رَجُلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَاوَرْدِيُّ، لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ زَمَنٌ طَوِيلٌ‏.‏ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالتَّرَدُّدِ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عِنْدَ فَقْدِهِ بِأَنْ ظَنَّ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ إمَامَهُ رَجُلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بَعْدَ ذَلِكَ كَوْنُهُ رَجُلًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ رُكْنٌ ا هـ‏.‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛‏.‏ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ، لَكِنْ فِي الِابْتِدَاءِ يَضُرُّ مُطْلَقًا‏.‏ وَفِي الْأَثْنَاءِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ عَلَى ذَلِكَ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ وَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى، وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا عَدَمُهَا، إذْ لَا تَرَدُّدَ حِينَئِذٍ ‏(‏وَالْعَدْلُ أَوْلَى ‏)‏ بِالْإِمَامَةِ ‏(‏مِنْ الْفَاسِقِ‏)‏ وَإِنْ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِصِفَاتٍ مُرَجِّحَةٍ كَكَوْنِهِ أَفْقَهَ أَوْ أَقْرَأَ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُبْتَدِعِ لَا يُفَارِقُهُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ، وَالْأَفْقَهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْرَأُ أَيْ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ‏.‏

المتن

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ‏)‏ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ قُرْآنًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ ‏(‏أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ‏)‏ وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ مَحْصُورًا وَالْحَوَادِثُ فِيهَا لَا تَنْحَصِرُ، وَلِتَقْدِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ لِلْقُرْآنِ؛ ‏(‏لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ‏:‏ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ‏)‏ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏ وَالثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ لِتَقَابُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَوْلَى‏.‏ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ‏)‏ وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ، فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ مَا كُنَّا نُجَاوِزُ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى نَعْرِفَ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَأَحْكَامَهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ ‏(‏فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ‏)‏ فَفِيهِ دَلِيلٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ، فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ ‏(‏الْأَوْرَعِ‏)‏ أَيْ الْأَكْثَرِ وَرَعًا لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ‏.‏ وَالْوَرَعُ فَسَّرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّهُ ‏(‏سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَرِعِ‏.‏ قَالَ‏:‏ الَّذِي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ‏)‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ عَلَى الْأَفْقَهِ إذْ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏]‏ وَفِي الْحَدِيثِ ‏(‏مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ‏)‏‏.‏ وَأَمَّا مَا يُخَافُ مِنْ حُدُوثِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يُفَوِّتُ الْمُحَقَّقَ لِلْمُتَوَهِّمِ‏.‏ وَأَمَّا الزُّهْدُ فَهُوَ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ، إذْ هُوَ فِي الْحَلَالِ وَالْوَرَعُ فِي الشُّبْهَةِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الْمُرَجِّحَاتِ، وَاعْتِبَارُهُ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَا فِي الْوَرَعِ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالزُّهْدِ قَدَّمْنَاهُ ا هـ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْرِفَةُ الْمُقَدَّمِ مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ، وَحُكْمُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ ‏(‏وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ‏)‏ فَعَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ مُخْتَصَّانِ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ شُرُوطِهَا، وَالْفِقْهُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا، وَبَاقِي الصِّفَاتِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ أَيْضًا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

المتن

وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ‏.‏

الشرحُ

فَرْعٌ‏:‏ لَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوْ الْأَقْرَأُ أَوْ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى‏.‏ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُسَاوِهِ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ وَاقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ ‏(‏وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ‏(‏لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ‏)‏ وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ فِي ذَاتِهِ وَالنَّسِيبِ فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى، وَالْعِبْرَةُ بِالْأَسَنِّ فِي الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا فَالشَّيْخُ مُقَدَّمٌ لِعُمُومِ خَبَرِ مَالِكٍ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْفَضْلَ بِنَفْسِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ‏.‏ وَالْمُرَادُ بِالنَّسِيبِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ‏.‏ ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلتَّقْدِيمِ بِالْهِجْرَةِ، وَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ‏.‏ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ ‏(‏يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا‏)‏ ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا ‏(‏وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ‏)‏ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْأَوْرَعِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ‏.‏ وَفِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَأَصْلُهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ تَأْخِيرُهَا عَنْ السِّنِّ وَالنَّسَبِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ إلَى مَنْ هَاجَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ انْتَسَبَ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا‏.‏

المتن

فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ‏.‏ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ اسْتَوَيَا‏)‏ أَيْ الشَّخْصَانِ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ ‏(‏فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ‏)‏ مِنْ الْأَوْسَاخِ ‏(‏وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا‏)‏ مِنْ الْفَضَائِلِ كَحُسْنِ وَجْهٍ وَسَمْتٍ، وَذِكْرٍ بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبَ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْتِيبٌ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالنَّظَافَةِ ثُمَّ بِحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ بِحُسْنِ الصُّورَةِ‏.‏ وَفِي التَّحْقِيقِ‏:‏ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَطِيبِ الصَّنْعَةِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ الْوَجْهِ‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِطِيبِ الصَّنْعَةِ‏:‏ الْكَسْبُ الْفَاضِلُ، وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ فَإِنْ اسْتَوَيَا عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِيمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُحَرَّرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّقْدِيمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ عَلَى الْمُهَاجِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا فِي مَوَاتٍ، أَوْ مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، أَوْ لَهُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ وَجَعَلَهُ لِأَوْلَى الْحَاضِرِينَ أَيْ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُقَدَّمُ‏.‏

المتن

وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَلَهُ التَّقْدِيمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ‏)‏ لِلْعَيْنِ ‏(‏أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ أَيْ الْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِذْنٍ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْأَفْقَهِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَرَضِيَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ، لِخَبَرِ أَبِي مَسْعُودٍ السَّابِقِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا‏)‏ لِإِمَامَةِ الْحَاضِرِينَ كَامْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى لِرِجَالٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ كَكَافِرٍ ‏(‏فَلَهُ التَّقْدِيمُ‏)‏ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ، هَذَا إنْ كَانَ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُؤْذِنَ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ جَمَعُوا وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ فَإِنَّهَا لَا تَشْمَلُ الْمُسْتَعِيرَ وَالْعَبْدَ الَّذِي أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْمَنْفَعَةَ مَعَ كَوْنِهِمَا أَوْلَى، فَلَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ بِسَاكِنِ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ لَشَمِلَهُمَا‏.‏

المتن

وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ‏.‏ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي، وَالْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُقَدَّمُ‏)‏ السَّيِّدُ لَا غَيْرُهُ ‏(‏عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ‏)‏ فِي مِلْكِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمُتَّجِهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مَلَّكَهُ الْمَسْكَنَ لِرُجُوعِ فَائِدَةِ سُكْنَى الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ يُقَدَّمُ عَلَى سَيِّدِهِ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ ‏(‏لَا‏)‏ عَلَى ‏(‏مُكَاتَبِهِ‏)‏ كِتَابَةً صَحِيحَةً ‏(‏فِي مِلْكِهِ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَانَ سَاكِنًا بِحَقٍّ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ مِلْكِهِ بِمُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَانَ أَوْلَى ‏(‏وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي‏)‏ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقَدَّمُ الْمُكْرِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَجَّرَ لِغَيْرِهِ لَا يُقَدَّمُ بِلَا خِلَافٍ ‏(‏وَ‏)‏ يُقَدَّمُ ‏(‏الْمُعِيرُ‏)‏ الْمَالِكُ لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّقَبَةِ ‏(‏عَلَى الْمُسْتَعِيرِ‏)‏ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَالرُّجُوعَ فِيهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقَدَّمُ الْمُسْتَعِيرُ لِلسَّكَنِ لَهُ فِي الْحَالِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد ‏(‏وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ‏)‏‏.‏ وَالْمُرَادُ بِبَيْتِهِ مَسْكَنُهُ، إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمِلْكِ لَزِمَ تَقْدِيمُ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَلَوْ حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ، فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ بِالْجَمِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرَانِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ حَضَرَ الْأَرْبَعَةُ كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ‏.‏

المتن

وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى‏)‏ تَقْدِيمًا وَتَقَدُّمًا ‏(‏مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ‏)‏ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ عَبَّرَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ‏:‏ وَذَلِكَ لِخَبَرِ ‏(‏لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ‏)‏ وَلِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَيُرَاعَى فِي الْوِلَايَةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ، فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ‏.‏ قَالَ الشَّيْخَانِ‏:‏ وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَصَّ غَيْرُهُ بِفَضِيلَةٍ، لِخَبَرِ ‏(‏لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ‏)‏ وَإِذَا تَبَطَّأَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ فِي الْإِمَامَةِ، فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ نُدِبَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَؤُمَّ بِالْقَوْمِ لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خِيفَتْ الْفِتْنَةُ صَلَّوْا فُرَادَى وَنُدِبَ لَهُمْ إعَادَتُهَا مَعَهُ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْوَالِي عَلَى الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي غَيْرِ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا يُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقًا وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، أَوْ لَهُ رَاتِبٌ وَأَذِنَ فِي إقَامَتِهَا، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ‏.‏ ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَوْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً، أَوْ يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ أَوْ نَحْوَهُمْ وَإِنْ نَصَّبَهُ لَهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ‏(‏ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا‏:‏ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ‏)‏ وَالْأَكْثَرُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ، وَلَا يُكْرَهُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا إذَا كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَكْثَرِ لَا لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَرَاهَةِ الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا، فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ، وَلَا يُكْرَهُ إنْ كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا تُكْرَهُ إذَا كَرِهَهَا الْبَعْضُ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسٌ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ، ‏(‏وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ وَفِيهِمْ أَبُوهُ‏)‏‏.‏