فصل: باب الإحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الإحرام

‏(‏قوله وهو في الشريعة نية النسك إلخ‏)‏ قال في النهر هو شرعا الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها غير أنه لا يتحقق شرعا إلا بالنية مع الذكر والخصوصية كذا في الفتح فهما شرطان في تحققه لا جزءان لماهيته كما توهمه في البحر

‏(‏قوله أو الخصوصية‏)‏ قال الرملي أي الإتيان بشيء من خصوصيات النسك سواء كان تلبية أو ذكرا يقصد به التعظيم أو سوق الهدي أو تقليد البدنة كما في المستصفى‏.‏ ‏(‏قول المصنف والغسل أفضل‏)‏ قال المرشدي في شرحه وهذا الغسل أحد الأغسال المسنونة في الحج ثانيها لدخول مكة ثالثها للوقوف بعرفة رابعها للوقوف بمزدلفة خامسها لطواف الزيارة سادسها وسابعها وثامنها لرمي الجمار في أيام التشريق تاسعها لطواف الصدر عاشرها لدخول حرم المدينة قال في البحر العميق ولا غسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر ا هـ‏.‏ كذا في حاشية المدني

‏(‏قوله قال الشارح إلخ‏)‏ وعبارته والمراد بهذا الغسل تحصيل النظافة وإزالة الرائحة لا الطهارة حتى تؤمر به الحائض والنفساء ولا يتصور حصول الطهارة لها ولهذا لا يعتبر التيمم عند العجز عن الماء بخلاف الجمعة والعيدين انتهت‏.‏ قال في النهر وعزاه في المعراج إلى شرح بكر

‏(‏قوله وفيه نظر؛ لأن التيمم إلخ‏)‏ قال في النهر أقول‏:‏ فيه نظر إذ مبناه على أن المخالفة راجعة إلى قوله ولهذا لا يعتبر التيمم عند العجز، والظاهر رجوعها إلى قوله والمراد بهذا الغسل تحصيل النظافة لا الطهارة بخلاف الجمعة والعيدين فإنه يلاحظ فيهما مع النظافة الطهارة أيضا؛ لأنه إنما شرع للصلاة ولذا لم تؤمر به الحائض والنفساء مع أنه قد قيل بأنهما يحضران العيدين كما مر نعم ما في الكافي هو التحقيق ا هـ‏.‏ قال الشيخ إسماعيل والإنصاف أن أصل عبارة الزيلعي موهمة مشروعية التيمم لهما والمراد لا يدفع الإيراد ثم عبارة البحر موهمة أيضا حيث نقل عن الكافي التسوية وظاهرها بالنظر إلى عدم التيمم، وليست كذلك بل من حيث قيام الوضوء مقام الغسل ولفظها فعلم أن هذا الاغتسال للنظافة ليزول ما به من الدرن والوسخ فيقوم الوضوء مقامه كما في العيدين والجمعة لكن الغسل أحب؛ لأن النظافة به أتم‏.‏ ا هـ‏.‏ والإقامة حكاها الشمني عن القدوري بلفظ قال القدوري كل غسل للنظافة فالوضوء يقوم مقامه كغسل الجمعة والعيدين ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن التسوية في عدم التيمم وإن لم تكن صريحة لكنها معلومة من تفريعه قيام الوضوء مقام الغسل على كونه للنظافة، وإذا كان للنظافة لا يعتبر التيمم لعدمها فيه وحيث سوى بين الإحرام والجمعة والعيدين في قيام الوضوء مقامه المفرع على ما ذكر لزمه التسوية في عدم اعتبار التيمم بين الكل ‏(‏قول المصنف والبس إزارا أو رداء إلخ‏)‏ ويدخل الرداء تحت اليد اليمنى ويلقيه على كتفه الأيسر ويبقي كتفه الأيمن مكشوفا كذا في الخزانة ذكره البرجندي في هذا المحل وهو موهم أن الاضطباع يستحب من أول أحوال الإحرام وعليه العوام، وليس كذلك فإن محل الاضطباع المسنون إنما يكون قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير كذا في شرح اللباب لمنلا علي القاري، وقال المرشدي في شرح مناسك الكنز وفي الأصح وأنه هو السنة ونقله الشيخ السندي في منسكه الكبير عن الغاية ومناسك الطرابلسي والفتح، وقال فالحاصل أن أكثر كتب المذهب ناطقة بأن الاضطباع يسن في الطواف لا قبله في الإحرام وعليه تدل الأحاديث وبه قال الشافعي ا هـ كذا في حاشية المدني على الدر المختار‏.‏

‏(‏قوله وإلا فساتر العورة كاف‏)‏ فيجوز في ثوب واحد وأكثر من ثوبين وفي أسودين أو قطع خرق مخيطة، والأفضل أن لا يكون فيهما خياطة ا هـ‏.‏ لباب المناسك‏.‏

‏(‏قول المصنف وصل ركعتين‏)‏ قال في التتارخانية وفي المحيط وإن قرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثانية بفاتحة الكتاب و ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ تبركا بفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو أفضل وفي الظهيرية قال الشيخ الواعظ الإسكندري إن كثيرا من علمائنا يقرءون بعد الفراغ من سورة ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏}‏ الآية وبعد الفراغ من ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ ‏{‏ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا‏}‏‏.‏

‏(‏قوله أي على وجه السنية‏)‏ صرح بالسنية في السراج وفي النهر هذا الأمر أي قوله وصل للندب وفي الغاية السنة‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن قد يقال ينافي كونها سنة إجزاء المكتوبة عنها فلذا مشى في النهر على الندب تأمل

‏(‏قوله وتجزئه المكتوبة‏)‏ كذا جزم به في اللباب قال شارحه وفيه نظر؛ لأن صلاة الإحرام سنة مستقلة كصلاة الاستخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في فتاوى الحجة فتتأدى في ضمن غيرها أيضا، فقول المصنف في المنسك الكبير وتجزئ المكتوبة عنها كتحية المسجد قياس مع الفارق وهو غير صحيح ا هـ‏.‏ لكن في حاشية المدني أنه رده المرشدي‏.‏

‏(‏قوله ناويا بالتلبية الحج‏)‏ قال الرملي أشار إلى أن قوله في المتن تنوي بها ليس بإضمار قبل الذكر؛ لأن قوله لب يدل على ذلك ذكره العيني

‏(‏قوله وفي بعض النسخ إلخ‏)‏ أي قبل قوله ولب ولهذا قال ولب بعد وتقبله مني‏.‏

‏(‏قوله بيان للأكمل إلخ‏)‏ قال في لباب المناسك وتعيين النسك ليس بشرط فصح مبهما وبما أحرم به الغير، ثم قال في محل آخر ولو أحرم بما أحرم به غيره فهو مبهم فيلزمه حجة أو عمرة وقيده شارحه بما إذا لم يعلم بما أحرم به غيره‏.‏

‏(‏قوله وإلا فيصح الحج بمطلق النية‏)‏ أي وعليه التعيين قبل الشروع في الأفعال وإلا لم يصح الحج بل هو عمرة كما يعلم من لاحقه‏.‏

‏(‏قوله ولم يذكر في الكتاب إلخ‏)‏ قال في شرح اللباب ولو أحرم بالحج ولم ينو فرضا ولا تطوعا فهو فرض أي فيقع عن حجة الإسلام استحسانا بالاتفاق في ظاهر المذهب، وقيل يقع نفلا ولو نوى الحج عن الغير أو النذر أو النفل كان عما نوى وإن لم يحج للفرض أي لحجة الإسلام كذا ذكره غير واحد وهو الصحيح المعتمد المنقول الصريح عن أبي حنيفة وأبي يوسف من أنه لا يتأدى الفرض بنية النفل في هذا الباب وروي عن أبي يوسف وهو مذهب الشافعي أنه يقع عن حجة الإسلام، ولو نوى للمنذور والنفل معا قيل هو نفل وهو قول محمد وقيل نذر وهو قول أبي يوسف والأول أظهر وأحوط والثاني أوسع ويؤيده أنه لو نوى فرضا ونفلا فهو فرض ا هـ‏.‏ متنا وشرحا ملخصا وفي متنه أحرم بشيء ثم نسيه لزمه حج وعمرة يقدم أفعالها عليه ولا يلزمه هدي القران‏.‏

‏(‏قوله فالأول للثاني‏)‏ أي عدم تأديها بنية النفل لشبهة الظرفية كالصلاة والثاني للأول أي وتأديها بمطلق النية لشبهة المعيارية كالصوم ‏(‏قول المصنف وزد فيها‏)‏ أي زد على هذه الألفاظ ما شئت كذا في الشرح قال في النهر فالظرف بمعنى على؛ لأن الزيادة إنما تكون بعد الإتيان بها لا في خلالها كما في السراج

‏(‏قوله فإذا نقص عنها فكذلك بالأولى‏)‏ قال في النهر فيه نظر ففي الفتح التلبية مرة شرط والزيادة سنة قال في المحيط حتى لا يلزمه الإساءة بتركها، ثم قال إن رفع الصوت بها سنة فإن تركه كان مسيئا ا هـ‏.‏ فالنقص بالإساءة أولى ا هـ لكن في الفتح أيضا، ويستحب في التلبية كلها رفع الصوت من غير أن يبلغ الجهد في ذلك كي لا يضعف، وقد نقله المؤلف عن الحلبي وقد ينازع في دعوى الأولوية على أنه قد ذكر المؤلف فيما سبق أن الإساءة دون الكراهة فليتأمل‏.‏

‏(‏قوله أفاد أنه لا يكون محرما إلا بهما‏)‏ قال في النهر ثم إن هذه العبارة لا يستفاد منها إلا أنه يصير محرما عند النية والتلبية، أما أن الإحرام بهما أو بأحدهما بشرط ذكر الآخر فلا وذكر الشهيد أنه يصير شارعا بالنية لكن عند التلبية لا بها كشروعه في الصلاة لكن عند التكبير لا به كذا في الفتح تبعا للشارح وبه اندفع ما قد يتوهم من ظاهر كلام المصنف أنه يصير شارعا بالتلبية بشرط النية مع أن المحكي عن الشهيد عكسه كما مر، ومن ثم غير بعض المتأخرين العبارة فقال إذا نوى ملبيا فقد أحرم؛ لأن الأصل في انعقاد الإحرام هو النية، وأنت خبير بأنه إذا كان المفاد إنما هو صيرورته محرما عندهما فالعبارتان على حد سواء‏.‏

‏(‏قول المصنف فاتق الرفث إلخ‏)‏ قال في النهر الفاء فصيحة أي إذا أحرمت فاتق واعلم أنه يؤخذ من كلامه ما قاله بعضهم في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» أن ذلك من ابتداء الإحرام؛ لأنه لا يسمى حاجا قبله‏.‏

‏(‏قوله بحديث أبي قتادة‏)‏ وهو ما رواه الشيخان «أنه عليه السلام قال حين سألوه عن لحم حمار وحش اصطاده أبو قتادة هل منكم من أمره أو أشار إليه قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمه» علق حله على عدم الإشارة والأمر كذا في التبيين، وقد أحال المؤلف على ما سيأتي ومحله الجنايات ولم يذكره هناك بل قال ولحديث أبي قتادة السابق ثم إنه ليس في الحديث التصريح بالدلالة بل بالأمر والإشارة، لكن الحديث في الهداية بلفظ هل أشرتم أو أعنتم أو دللتم فقال لا فقال إذن فكلوا لكن قال الحافظ ابن حجر في التخريج متفق عليه بلفظ «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها» ولمسلم والنسائي «هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال فكلوا»‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي في الجنايات أن الدلالة التحقت بالقتل استحسانا، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى وزاد في اللباب هنا والإعانة عليه قال شارحه أي بنوع من أنواع الإعانة كإعارة سكين أو مناولة رمح أو سوط ا هـ‏.‏

‏(‏قوله كل شيء معمول على قدر البدن أو بعضه‏)‏ يدخل فيه القفازان وهما ما يلبس في اليدين قال في شرح اللباب‏:‏ وكذا أي يحرم لبس المحرم القفازين لما نقل عز الدين بن جماعة من أنه يحرم عليه لبس القفازين في يديه عند الأئمة الأربعة، وقال الفارسي ويلبس المحرم القفازين ولعله محمول على جوازه مع الكراهة في حق الرجل فإن المرأة ليست ممنوعة من لبسهما وإن كان الأولى لها أن لا تلبسهما لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ولا تلبس القفازين» جمعا بين الدلائل كذا ذكروه لكن ليس فيه ما يدل على أن الرجل ممنوع من تغطية يديه اللهم إلا أن يقال هو نوع من لبس المخيط والله أعلم ا هـ‏.‏ وقال السندي في المنسك الكبير وما ذكره الفارسي من جواز لبسهما خلاف كلمة الأصحاب؛ لأنهم ذكروا جواز لبسهما فيما يختص بالمرأة‏.‏ قال في البدائع‏:‏ لأن لبس القفازين لبس لا تغطية، وأنها غير ممنوعة عن ذلك، وقوله عليه السلام‏:‏ «ولا تلبس القفازين» نهي ندب حملناه عليه جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان ا هـ‏.‏ وعلى هذا فقول السندي في منسكه المتوسط المسمى باللباب أنه يباح له تغطية يديه أراد به تغطيتهما بنحو منديل؛ لأن التغطية غير اللبس فلا يدخل فيه لبس القفازين

‏(‏قوله ولم أر من صرح إلخ‏)‏ قال في النهر في لباب المناسك ولو وجد النعلين بعد لبسهما أي لبس الخفين المقطوعين يجوز له الاستدامة على ذلك، ويجوز لبس المقطوع مع وجود النعلين ا هـ‏.‏ قال شارحه لكنه لا ينافي الكراهة المرتبة على مخالفة السنة، وقال قبله ما حاصله حكى الطبري عن أبي حنيفة أنه إذا كان قادرا على النعلين لا يجوز له لبس الخفين ولو قطعهما لكن هذا خلاف المذهب، ولعله رواية عنه والظاهر أن لبسهما حينئذ مخالف للسنة فيكره، وتحصل به الإساءة وقال ابن الهمام اختلف المشايخ في جوازه ومقتضى النص أنه مقيد بما إذا لم يجد نعلين أقول‏:‏ الظاهر أن قيد عدم وجدان النعلين لوجوب قطع الخفين بخلاف ما إذا وجدا فإنه لا يجب القطع حينئذ لما فيه من إضاعة المال عبثا، وهو لا ينافي ما إذا قطعهما ولبسهما مع وجود النعلين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وهو في غيره مفقود‏)‏ أي بقاء الإحرام مفقود في غير الأعرابي المخصوص بتلك الخصوصية لعدم ما يدل على ذلك فقلنا بانقطاعه بالموت على الأصل وفي بعض النسخ وهو غير مفقود، وهو تحريف

‏(‏قوله ومما لا يكره له أيضا إلخ‏)‏ تكميل لمباحات الإحرام وهي كثيرة ذكر منها في اللباب نزع الضرس والظفر المكسور والفصد والحجامة بإزالة شعر وقلع الشعر النابت في العين والتوشيح بالقميص والارتداد به والاتزار به وبالسراويل والتحرم بالعمامة أي الاتزار بها من غير عقدها وغرز طرف ردائه في إزاره، وإلقاء القباء والعباء والفروة عليه بلا إدخال منكبيه ووضع خده على وسادة ووضع يده أو يد غيره على رأسه أو أنفه وتغطية اللحية ما دون الذقن وأذنيه وقفاه ويديه أي بمنديل ونحوه بخلاف لبس القفازين وسائر بدنه سوى الرأس والوجه وحمل إجانة أو عدل أو جوالق على رأسه بخلاف حمل الثياب، وأكل ما اصطاده حلال، وأكل طعام فيه طيب إن مسته النار أو تغير، والسمن والزيت والشيرج وكل دهن لا طيب فيه والشحم ودهن جرح أو شقاق وقطع شجر الحل وحشيشه رطبا ويابسا وإنشاد الشعر أي المباح والتزوج والتزويج ولو قبل سعي الحج وذبح الإبل والبقر والغنم والدجاج والبط الأهلي وقتل الهوام والجلوس في دكان عطار لا لاشتمام رائحة ا هـ‏.‏ أي لا لقصد أن يشم رائحة، وزاد في الكبير وضرب خادمه أي إذا استحق «لضرب الصديق رضي الله عنه عبده الذي أضل الناقة التي كان عليها زاملته بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمنعه»، ويؤخذ منه ما اشتهر أن من تمام الحج ضرب الجمال على إضافة المصدر إلى مفعوله وإن حمله بعضهم على أنه من إضافته إلى فاعله فيفيد كمال تحمله في سبيله ا هـ‏.‏ من شرح اللباب لمنلا علي القاري، وذكر في كتابه المؤلف في الأحاديث المشتهرة على الألسن أن الثاني أظهر، وذكر الشيخ إسماعيل الجراحي عن المقاصد الحسنة للسنجاري أنه من كلام الأعمش، وأن ابن حزم حمله على الفسقة من الجمالين يعني إن ساغ له ذلك بنفسه، وإلا أعلم الأمير أو نحوه وعلى كل حال فهو من نوادر الأعمش، وقال صاحب الفروع من الحنابلة وليس من تمام الحج ضرب الجمال خلافا للأعمش ثم حكى حمل ابن حزم السابق ا هـ‏.‏ ما في المقاصد ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ولا يخفى أن تقديم الرجل اليمنى سنة إلخ‏)‏ أي فيقدمها عند دخوله المسجد قال في الفتح، ويستحب أن يقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ا هـ‏.‏ وفي مناسك تلميذه السندي وشرحه لمنلا علي وقدم رجله اليمنى في الدخول أي دخول المسجد، ويقول أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وقدم رجله اليسرى في الخروج منه قائلا ما سبق إلا أنه يقول هنا أبواب فضلك بدل أبواب رحمتك لحديث ورد كذلك‏.‏

‏(‏قوله ولم يذكر المصنف الدعاء إلخ‏)‏ قال في اللباب وشرحه ولا يرفع يديه عند رؤية البيت أي ولو حال دعائه لعدم ذكره في المشاهير من كتب الأصحاب كالقدوري والهداية والكافي والبدائع بل قال السروجي المذهب تركه، وبه صرح صاحب اللباب وكلام الطحاوي في شرح معاني الآثار صريح في أنه يكره الرفع عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ونقل عن جابر رضي الله عنه أن ذلك من فعل اليهود وقيل يرفع أي يديه كما ذكره الكرماني وسماه البصروي مستحبا فكأنهما اعتمدا على مطلق آداب الدعاء، ولكن السنة متبعة في الأحوال المختلفة أما ترى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا في الطواف ولم يرفع يديه، وأما ما يفعله بعض العوام من رفع اليدين في الطواف عند دعاء جماعة من الأئمة الشافعية أو الحنفية بعد الصلاة فلا حاجة له ولا عبرة بما جوزه ابن حجر المكي، وقد بلغني أن العلامة البرنطوشي كان يزجر من يرفع يديه في الدعاء حال الطواف ا هـ‏.‏

‏(‏قوله والاستلام أن يضع يديه إلخ‏)‏ قال في النهر وعند الفقهاء هو أن يضع كفيه عليه ويقبله بفيه بلا صوت وفي الخانية ذكر مسح الوجه باليد مكان التقبيل لكن بعد أن يرفع يديه كما في الصلاة كذا في المجتبى ومناسك الكرماني، زاد في التحفة ويرسلهما ثم يستلم وفي البدائع وغيرها الصحيح أن يرفعهما حذاء منكبيه‏.‏

‏(‏قوله وإن أمكنه أن يسجد على الحجر إلخ‏)‏ قال في النهر وهل يندب السجود عليه نقل ابن عبد السلام الشافعي عن أصحابنا ذلك وعن «ابن عباس أنه كان يقبله ويسجد عليه، وقال رأيت عمر فعل ذلك ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ففعلته» رواه ابن المنذر والحاكم وفي المعراج وعن الشافعي أنه يقبله ويسجد عليه وعليه جمهور أهل العلم وقال مالك السجود عليه بدعة وعندنا الأولى أن لا يسجد لعدم الرواية في المشاهير، وجزم في البحر بضعف ما في المعراج وفيه نظر إذ صاحب الدار أدرى ا هـ‏.‏ أي أن الكاكي صاحب المعراج أدرى بالحكم عندنا من ابن عبد السلام الشافعي ولذا نقله في الفتح وأقره أقول‏:‏ حيث صح الحديث يتبع، وإن لم يذكر ذلك في المشاهير؛ لأن ذلك من فضائل الأعمال وهي تثبت بالحديث الضعيف فبالصحيح أولى، وليست المسألة اجتهادية حتى يتوقف فيها على نص من المجتهد ما لم يثبت عنه خلافها فيتبع ما ثبت عنه ولذا والله أعلم مشى في اللباب على الاستحباب، فقال ويستحب أن يسجد عليه ويكرره مع التقبيل ثلاثا ا هـ قال شارحه وهو موافق لما نقله الشيخ رشيد الدين في شرح الكنز وكذا نقل السجود عن أصحابنا العز بن جماعة لكن نقل الكاكي إلخ‏.‏

‏(‏قول المصنف وطف مضطبعا‏)‏ قال العلامة رحمه الله السندي تلميذ ابن الهمام في مناسكه المختصرة والمنلا علي القاري في شرحها‏:‏ ويضطبع أي في جميع الأشواط إن أراد أن يسعى بعده أي يقدم السعي عقبه وإلا لا أي وإن لم يرد أن يسعى بعد هذا الطواف، وأراد أن يؤخر السعي إلى ما بعد الطواف الفرض فلا يرمل ولا يضطبع حينئذ هنا بل يؤخرهما إلى طواف الزيارة فيرمل فيه، وكذا يضطبع إن لم يكن لابسا ا هـ‏.‏ وقال المنلا علي في شرح اللباب وهو شرح المنسك المتوسط من لبس المخيط لعذر هل يسن في حقه التشبه به لم يتعرض له أصحابنا، وذكر بعض الشافعية أن الاضطباع إنما يسن لمن لم يلبس المخيط، وأما من لبسه من الرجال فيتعذر في حقه الإتيان بالسنة أي على وجه الكمال فلا ينافي ما ذكره بعضهم من أنه قد يقال يشرع له جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفه على الأيسر وإن كان المنكب مستورا بالمخيط للعذر‏.‏ قال في عمدة المناسك‏:‏ وهذا لا يبعد لما فيه من التشبه بالمضطبع عند العجز عن الاضطباع وإن كان غير مخاطب فيما يظهر قلت‏:‏ الأظهر فعله فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله ومن تشبه بقوم فهو منهم ا هـ‏.‏ واعلم أن المحرم إن كان مفردا بالحج وقع طوافه هذا للقدوم وإن كان مفردا بالعمرة أو متمتعا أو قارنا وقع عن طواف العمرة نواه له أو لغيره وعلى القارن أي استحبابا أن يطوف طوافا آخر للقدوم كذا في اللباب، وهذا الطواف للقدوم كما سيصرح به؛ لأن كلامه الآن في المفرد، واعلم أنه لا اضطباع ولا رمل ولا سعي لأجل هذا الطواف، وإنما يفعل فيه ذلك إذا أراد تقديم سعي الحج على وقته الأصلي الذي هو عقيب طواف الزيارة‏.‏ ا هـ‏.‏ لباب‏.‏

‏(‏قوله حتى لو تركه‏)‏ أي لم يطف وراء الحطيم أي جدار الحجر بل دخل الفرجة التي بينه وبين البيت أي وخرج من الفرجة الأخرى فالواجب أن يعيده من الحجر، والأفضل إعادة كله، وصورة الإعادة على الحجر أن يأخذ عن يمينه خارج الحجر أي مبتدئا من أول أجزاء الفرجة أو قبله بقليل للاحتياط حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر الذي ابتدأ من طرفه أو لا يدخل الحجر بل يرجع ويبتدئ من أول الحجر وهو الأولى لئلا يجعل الحطيم الذي هو من الكعبة وهي أفضل المساجد طريقا إلى مقصده إلا إذا نوى دخول البيت كل مرة وطلب البركة في كل كرة ثم في الصورة الأولى من الإعادة لا يعد عوده شوطا؛ لأنه منكوس وهو خلاف الشرط أو الواجب فلا يكون محسوبا، ولهذا قال هكذا يفعل سبع مرات ويقضي حقه فيه من رمل وغيره أي من تيامن ونحوه، وإذا أعاده سقط الجزاء ولو طاف على جدار الحجر قيل ويجوز وينبغي تقييده بما زاد على حده وهو قدر ستة أو سبعة أذرع ا هـ‏.‏ من اللباب وشرحه‏.‏

‏(‏قوله والأوجه الوجوب‏)‏ وبه صرح في المنهاج نقلا عن الوجيز حيث قال في عد الواجبات والبداءة بالحجر الأسود وهو الأشبه والأعدل فينبغي أن يكون هو المعول شرح اللباب

‏(‏قوله للزوم الزيادة إلخ‏)‏ أقول‏:‏ فيه إن خبر الواحد إذا التحق بيانا للنص المجمل فالثابت به يكون ثابتا بالنص المجمل لا بخبر الواحد كما صرح به العلامة الأكمل في شرح الهداية عند الكلام على فرائض الوضوء فالأحسن في الجواب منع الإجمال؛ لأن الأمر بالطواف لا يلزم منه فرضية الابتداء من مكان مخصوص بل هو مطلق يدل على الإجزاء من أي مكان وفعله عليه السلام أفاد الوجوب أو السنية فافهم هذا ما ظهر لي في الجواب ثم راجعت فتح القدير فرأيته قال ما نصه‏:‏ ولو قيل إنه واجب لا يبعد؛ لأن المواظبة من غير ترك دليله فيأثم به، ويجزئ ولو كان في آية الطواف إجمال لكان شرطا كما قال محمد لكنه منتف في حق الابتداء فيكون مطلق التطوف هو الفرض وافتتاحه من الحجر واجب للمواظبة ا هـ‏.‏ بحروفه‏.‏

‏(‏قوله ولما كان الابتداء من الحجر واجبا إلخ‏)‏ أي بناء على ما استوجهه المؤلف هذا وما في اللباب من قوله ثم يقف أي بعد الاضطباع مستقبل البيت بجانب الحجر الأسود مما يلي الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ويكون منكبه الأيمن عند طرف الحجر فينوي الطواف وهذه الكيفية مستحبة ا هـ‏.‏ فهو مبني على أن الافتتاح من الحجر سنة، وهو قول عامة المشايخ ومشى عليه صاحب اللباب، وقال إنه الصحيح لكن ما ادعاه المؤلف من لزوم المرور بجميع بدنه على الحجر غير لازم فإنه لو وقف مسامتا للحجر حصل الابتداء منه؛ لأن من قام مسامتا بجسده الحجر يدخل فيه شيء من جانب الركن اليماني؛ لأن الحجر وركنه لا يبلغ عرض جسد المسامت له كما في الشرنبلالية وما ادعى لزومه صرح في اللباب باستحبابه وكذا في الفتح حيث قال وينبغي أن يبدأ بالطواف من جانب الحجر الذي على الركن اليماني ليكون مارا على جميع الحجر بجميع بدنه فيخرج من خلاف من يشترط المرور كذلك عليه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله فالركن أكثر الأشواط‏)‏ الظاهر أن هذا خاص بطواف الزيارة؛ لأنه ركن أما القدوم والصدر فلا لكن طواف القدوم سنة وبشروعه فيه يجب إكماله فيساوي بعد الشروع طواف الصدر فيصير الطوافان واجبين فيكون جميع أشواطهما واجبة، ويؤيد ذلك ما سيذكره المؤلف قريبا في أشواط السعي حيث جعلها واجبة كلها لكن صرحوا بأنه لو ترك أكثر أشواط الصدر لزمه دم وفي الأقل لكل شوط صدقة، وأما القدوم فلم يصرحوا بما يلزمه لو تركه بعد الشروع، وبحث السندي في منسكه الكبير في أنه كالصدر ونازعه في شرح اللباب بأن الصدر واجب بأصله فلا يقاس عليه ما يجب بشروعه فالظاهر أنه لا يلزمه بتركه شيء سوى التوبة كصلاة النفل ا هـ ملخصا، وهذا ما ظهر لي قبل أن أراه وسيأتي أنه لا يتحقق الترك إلا بالخروج من مكة

‏(‏قوله وقد علمت إلخ‏)‏ قال في اللباب واجبات الطواف سبعة الأول الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر الثاني قيل الطهارة عن النجاسة الحقيقية والأكثر على أنه سنة، وقيل قدر ما يستر عورته من الثوب واجب أي طهارته فلو طاف وعليه قدر ما يواري العورة طاهر والباقي نجس جاز وإلا فهو بمنزلة العريان‏.‏ الثالث ستر العورة فلو طاف مكشوفها وجب الدم والمانع كشف ربع العضو فما زاد كما في الصلاة وإن انكشف أقل من الربع لا يمنع ويجمع المتفرق الرابع المشي فيه للقادر فلو طاف راكبا أو محمولا أو زاحفا بلا عذر فعليه الإعادة أو الدم، وإن كان بعذر لا شيء عليه ولو نذر أن يطوف زحفا لزمه ماشيا‏.‏ الخامس التيامن السادس قيل الابتداء من الحجر الأسود السابع الطواف وراء الحطيم ا هـ‏.‏ قال شارحه‏:‏ وأما طهارة مكان الطواف فذكر ابن جماعة عن صاحب الغاية أنه لو كان في موضع طوافه نجاسة لا يبطل طوافه، وهذا يفيد نفي الشرط والفرضية واحتمال ثبوت الوجوب أو السنية، والأرجح عدم الوجوب عند الشافعية‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويزاد ثامن وهو كونه سبعة أشواط

‏(‏قوله والمعروف في الطواف إنما هو مجرد ذكر الله تعالى‏)‏ أشار إلى أنه أفضل من القراءة كما في الفتح من التجنيس، وقال ولم نعلم خبرا روي فيه قراءة القرآن في الطواف أقول‏:‏ ورأيت في السراج الوهاج أنه يستحب أن يقرأ في أيام الموسم ختمة في الطواف وفي شرح اللباب قد يقال إنه صلى الله عليه وسلم قرأ آية ‏{‏ربنا آتنا في الدنيا حسنة‏}‏ الآية بين الركنين مشيرا إلى جوازه ومشعرا بأنه عدل عن القراءة دفعا للحرج عن الأمة لئلا يتوهموا أن القراءة في الطواف شرط أو واجب كما في الصلاة، وأما ما قيل من أن قراءة آية ‏{‏ربنا‏}‏ إنما كانت على قصد الدعاء دون القراءة فهو مع عدم الاطلاع على الإرادة بعيد بحسب العادة‏.‏

‏(‏قوله فإن زاحمه الناس في الرمل وقف إلخ‏)‏ كذا عبر في المنسك الكبير للسندي قال منلا علي في شرح اللباب وهو يوهم أنه يقف في الأثناء وهو مستبعد جدا عرفا وعادة لما فيه من الحرج والمشقة ولكون الموالاة بين الأشواط، وأجزاء الطواف سنة متفق عليها بل قال بعض العلماء‏:‏ إنها واجبة فلا تترك لحصول سنة مختلف فيها فلو حصل التزاحم في الأثناء يفعل ما يقدر عليه من الرمل، ويترك ما لا يقدر عليه ا هـ‏.‏ وحاصله أنه إنما يقف للرمل إذا حصلت الزحمة قبل الشروع في الطواف؛ لأن المبادرة إليه مستحبة، وهي لا تدافع الرمل الذي هو سنة مؤكدة أما إذا حصلت في الأثناء فلا يقف لئلا تفوت الموالاة‏.‏

‏(‏قوله فإن لم يقدر إلخ‏)‏ أي لو كان في القرب من البيت زحمة تمنعه من الرمل فالطواف في البعد من البيت مع الرمل أفضل‏.‏

‏(‏قوله إن الاستلام في الابتداء والانتهاء سنة‏)‏ سقط لفظ والانتهاء من بعض النسخ والصواب إثباته؛ لأنه موجود في الولوالجية وليلائم قوله وفيما بين ذلك هذا وفي شرح اللباب ولا تنافي بين الأقوال فإن استلام طرفيه آكد مما بينهما ولعل السبب أنه يتفرع على الاستلام فيما بينهما نوع من ترك الموالاة بخلاف طرفيها، ثم هل يرفع اليدين في كل تكبير يستقبل به في مبدأ كل شوط أو يختص بالأول فمال ابن الهمام‏:‏ إلا أن الثاني هو المعول وظاهر كلام الكرماني والطحاوي وبعض الأحاديث يؤيد الثاني فينبغي أن يرفعهما مرة ويتركهما أخرى فإن الجمع في موضع الخلاف مهما أمكن أحرى‏.‏

‏(‏قوله والدلائل تشهد له‏)‏ قيد بالدلائل؛ لأنه من حيث المذهب ظاهر الرواية هو الأول كما في الهداية والكافي وغيرهما‏.‏ قال الكرماني‏:‏ وهو الصحيح وقال في النخبة ما عن محمد ضعيف جدا وفي البدائع لا خلاف في أن تقبيله ليس بسنة وفي السراجية ولا يقبله في أصح الأقاويل‏.‏ والحاصل أن الأصح هو الاكتفاء بالاستلام والجمهور على عدم التقبيل، والاتفاق على ترك السجود فإذا عجز عن استلامه فلا يشير إليه إلا رواية عن محمد كذا في شرح اللباب

‏(‏قوله وأن الأصل في النسبة إلى اليمن والشام إلخ‏)‏ الأصوب الاقتصار على اليمن لإيهامه أن في الشامي نسبة إلى الشام تغييرا وليس كذلك بل التغيير بالحذف والتعويض في النسبة إلى اليمن فقط ولذا اقتصر عليه في العناية وغيرها‏.‏ قال في الصحاح الشأم بلاد تذكر وتؤنث ورجل شأمي وشآمي على فعال وشأمي أيضا حكاه سيبويه ولا تقل شأم وقال أيضا اليمن بلاد للعرب والنسبة إليهم يمني ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان قال سيبويه وبعضهم يقول يماني بالتشديد ا هـ‏.‏ فقول المؤلف ثم حذفوا إحدى يائي النسبة يعني من يمني فقط، وكذا قوله بالتخفيف راجع إلى اليماني‏.‏

‏(‏قوله فواجبة على الصحيح‏)‏ أي بعد كل طواف فرضا كان أو واجبا أو سنة أو نفلا ولا يختص جوازها بزمان ولا بمكان ولا تفوت ولو تركها لم تجبر بدم ولو صلاها خارج الحرم ولو بعد الرجوع إلى وطنه جاز، ويكره والسنة الموالاة بينها وبين الطواف، ويستحب مؤكدا أداؤها خلف المقام ثم في الكعبة ثم في الحجر تحت الميزاب، ثم كل ما قرب من الحجر إلى البيت ثم باقي الحجر ثم ما قرب إلى البيت ثم المسجد ثم الحرم ثم لا أفضلية بعد الحرم بل الإساءة والمراد بما خلف المقام قيل ما يصدق عليه ذلك عادة وعرفا مع القرب وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه إذا أراد أن يركع خلف المقام جعل بينه وبين المقام صفا أو صفين أو رجلا أو رجلين رواه عبد الرزاق ولو صلى أكثر من ركعتين جاز ولا تجزئ المنذورة والمكتوبة عنها ولا يجوز اقتداء مصلي ركعتي الطواف بمثله؛ لأن طواف هذا غير طواف الآخر، ويكره تأخيرها عن الطواف إلا في وقت مكروه أي؛ لأن الموالاة سنة، ولو طاف بعد العصر يصلي المغرب ثم ركعتي الطواف ثم سنة المغرب ولا تصلى إلا في وقت مباح فإن صلاها في وقت مكروه قيل صحت مع الكراهة‏.‏

‏(‏فروع‏)‏ ‏[‏نسيان ركعتي الطواف‏]‏

طاف ونسي ركعتي الطواف فلم يتذكر إلا بعد شروعه في طواف آخر فإن كان قبل تمام شوط رفضه وبعد إتمامه لا بل يتم طوافه الذي شرع فيه وعليه لكل أسبوع ركعتان، ولو طاف فرضا أو غيره ثمانية أشواط إن كان على ظن أن الثامن سابع فلا شيء عليه كالمظنون ابتداء، وإن علم أنه الثامن اختلف فيه، والصحيح أنه يلزمه سبعة أشواط للشروع ولو طاف أسابيع فعليه لكل أسبوع ركعتان على حدة ولو شك في عدد الأشواط في طواف الركن أو العمرة أعاده ولا يبني على غالب ظنه بخلاف الصلاة، وقيل إذا كان يكثر ذلك يتحرى، ولو أخبره عدل بعدد يستحب أن يأخذ بقوله ولو أخبره عدلان وجب الأخذ بقولهما، وصاحب العذر الدائم إذا طاف أربعة أشواط ثم خرج الوقت توضأ وبنى ولا شيء عليه ولو حاذته امرأة في الطواف لا يفسد وتمامه في اللباب

‏(‏قوله ويلزمه‏)‏ أي يلزم من كون الثابت الوجوب أن نحكم بمواظبته عليه الصلاة والسلام من غير ترك وكان الأولى بالمؤلف عدم ذكره ذلك كما فعل أخوه لإيهامه توقف إثبات الوجوب على هذا اللزوم، نعم ذكره في الفتح لكن غرضه منه إفادة أن ما ورد في كتب الحديث من ثبوت فعله عليه الصلاة والسلام لهما محمول على عدم الترك مرة ليكون دليلا آخر على الوجوب إذ مطلق الفعل لا يدل عليه‏.‏

‏(‏قوله وقيد بعضهم إلخ‏)‏ قال في السراج ويكره الجمع بين أسبوعين أو أكثر من غير صلاة بينهما عند أبي حنيفة ومحمد رحمه الله سواء انصرف عن وتر أو شفع، وقال أبو يوسف لا يكره إذا انصرف عن وتر نحو أن ينصرف عن ثلاثة أسابيع أو خمسة أو سبعة

‏(‏قوله ولم أر إلخ‏)‏ قال في اللباب في فصل مكروهات الطواف والجمع بين أسبوعين أو أكثر من غير صلاة بينهما إلا في وقت كراهة الصلاة وهو مؤيد لما قاله المؤلف أيضا تأمل ‏(‏فرع‏)‏ غريب قال العلامة الشيخ قطب الدين الحنفي في منسكه في الفصل الرابع من الباب السادس رأيت بخط بعض تلامذة الكمال ابن الهمام في حاشية فتح القدير إذا صلى في المسجد الحرام ينبغي أن لا يمنع المار لما روى أحمد وأبو داود عن المطلب بن أبي وداعة أنه «رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» وهو محمول على الطائفين فيما يظهر؛ لأن الطواف صلاة فصار كمن بين يديه صفوف من المصلين ا هـ‏.‏ ثم رأيت في البحر العميق حكى عز الدين بن جماعة عن مشكلات الآثار للطحاوي أن المرور بين يدي المصلي بحضرة الكعبة يجوز ا هـ‏.‏ كذا في حاشية المدني على الدر المختار وباب بني سهم هو المسمى الآن باب العمرة كما سنذكره في السعي قريبا مع زيادة تؤيد ما مر‏.‏

‏(‏قوله وليس هذا كتحية المسجد إلخ‏)‏ قال في النهر قد مر أنه إذا دخل يوم النحر أغناه طواف الفرض عن القدوم، وإنما لم يغن طواف العمرة عنه؛ لأن الغنى عن الشيء فرع عن طلب ذلك الشيء، وهو لم يطلب إذ ذاك بل لو أراد به القدوم لم يقع إلا عن العمرة لما أن زمنه لا يقبل غيره كرمضان على ما سيأتي‏.‏

‏(‏قوله ولم يذكر المصنف الشرب إلخ‏)‏ وقد ذكر ذلك في فتح القدير فقال، ويستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين قبل الخروج إلى الصفا فيشرب منها ثم يأتي الملتزم قبل الخروج إلى الصفا، وقيل يلتزم الملتزم قبل الركعتين ثم يصليهما ثم يأتي زمزم ثم يعود إلى الحجر ذكره السروجي ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قال في شرح اللباب والثاني هو الأسهل والأفضل وعليه العمل في كثير من الكتب أنه يعود بعد طواف القدوم وصلاته إلى الحجر ثم يتوجه إلى الصفا من غير ذكر زمزم، والملتزم فيما بينهما ولعل وجه تركهما عدم تأكدهما مع اختلاف تقدم أحدهما ا هـ‏.‏

‏(‏قوله لكن الأخير إلخ‏)‏ قال في شرح اللباب‏:‏ والأصل أن كل طواف بعده سعي فإنه يعود إلى استلام الحجر بعد الصلاة وما لا فلا على ما قاله قاضي خان في شرحه أن هذا الاستلام لافتتاح السعي بين الصفا والمروة فإن لم يرد السعي بعده لم يعد عليه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله فلم يكن سنة‏)‏ مثله في الهداية قال في النهر والمذكور في السراج أن الخروج منه أفضل من غيره ا هـ‏.‏ وفي حاشية نوح أفندي قال ابن عمر وهو سنة فقول صاحب الهداية لا أنه سنة مخالف له لكنه موافق لكلام أهل المذهب؛ لأنه ذكر في البدائع وغيره أنه يستحب أن يخرج من باب الصفا، ولا يتعين ذلك سنة فالحاصل أنه ليس سنة بل مستحب، فيجوز الخروج من غيره بدون الإساءة‏.‏

‏(‏قوله وفي التحفة الأفضل للحاج‏)‏ أي المفرد بالحج والمتمتع بخلاف القارن؛ لأنه ذكر في اللباب في الأفضلية خلافا ثم قال‏:‏ والخلاف في غير القارن أما القارن فالأفضل له تقديم السعي أو يسن ا هـ‏.‏ وفي حاشية المدني اعلم أن السعي الواجب في الحج يدخل وقته عقب طواف الزيارة ويمتد إلى آخر العمرة؛ لأن السعي تبع للطواف، والشيء إنما يتبع ما هو أقوى منه والسعي واجب وطواف الزيارة ركن، ويجوز تقديمه على الوقوف وإيقاعه عقب طواف القدوم لكثرة أفعال الحج يوم النحر لكن يشترط أن يكون في أشهر الحج حتى لمن لا عليه طواف القدوم في الأصح، واختلفوا هل الأفضل تأخيره إلى وقته أم تقديمه وعلى الثاني هل هو عام لأهل مكة وغيرهم أم خاص بغيرهم ممن عليه طواف القدوم، وحاصله أن جواز تقديم السعي ممن عليه طواف القدوم متفق عليه، وأما أفضليته ففيها خلاف، وأما جوازه لمن أهل من مكة ممن ليس عليه طواف قدوم اختاره غير واحد من المشايخ كالكرخي والقدوري وصاحب الهداية والكافي والنهاية والمجمع وغيرهم، وأما الأفضلية فصححها الكرماني وذهب صاحب البدائع إلى عدم جواز التقديم لمن أحرم من مكة وهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب، وهذا الاختلاف كله في غير القارن، وأما هو فلا نعلم خلافا في أفضلية تقديم السعي فضلا عن الجواز؛ لأنهم ما ذكروا له إلا التقديم من غير ذكر خلاف بل الآثار تدل على استنان تقديم السعي له كذا في المرشدي وغيره ا هـ‏.‏

‏(‏قول المصنف ساعيا بين الميلين الأخضرين‏)‏ يستحب أن يكون السعي فوق الرمل دون العدو أي الجري الشديد وهو سنة في كل شوط بخلاف الرمل في الطواف خلافا لمن خصه أيضا بالثلاثة الأول ولا اضطباع في السعي مطلقا عندنا، ولو ترك السعي بين الميلين أو هرول في جميع السعي فقد أساء ولا شيء عليه ويلبي في السعي الحاج أي إن وقع سعيه بعد طواف القدوم لا المعتمر ولو كان متمتعا؛ لأن تلبيته تنقطع بالشروع في طوافه ولا الحاج إذا سعى بعد طواف الإفاضة لانقطاع تلبيته بأول رمي جمرة وإن عجز عن السعي بين الميلين صبر حتى يجد فرجة وإلا تشبه بالساعي في حركته، وإن كان على دابة لعذر حركها من غير أن يؤذي أحدا لباب وشرحه‏.‏

‏(‏قوله بدأ بالمروة لا يعتد بالأول‏)‏ هذا يفيد أن البداءة بالمروة شرط لا أنه واجب وهو أحد أقوال ثلاثة فإنه قيل إنه شرط، وقيل واجب وقيل سنة ومشى في اللباب على الأول، وقال شارحه الأعدل المختار من حيث الدليل الوجوب فيصح أداؤه لكن يعاقب عليه دون عقاب ترك الفرض وعلى الأول لا يصح وتمام تحقيقه هناك ‏(‏تنبيه‏)‏ عد في اللباب تبعا للبدائع من شرائط السعي كونه بعد طواف كائن على طهارة من الجنابة والحيض فإن لم يكن طاهرا عنهما وقت الطواف، لم يجز سعيه رأسا واستشكله شارحه بأن الطهارة ليست من شرائط صحة الطواف فكيف تكون شرطا فيه بل الشرط وقوعه عقيب طواف صحيح لا بعد طواف كامل مشتمل على أداء واجباته وتمامه فيه فراجعه

‏(‏قوله وفرق المحقق إلخ‏)‏ وفي العناية فإن قيل ما الفرق بين الطواف والسعي حتى كان مبدأ الطواف هو المنتهى دون السعي أجيب بأن الطواف دوران لا يتأتى إلا بحركة دورية فيكون المبدأ والمنتهى واحدا بالضرورة، وأما السعي فهو قطع مسافة بحركة مستقيمة، وذلك لا يقتضي عوده على بدئه‏.‏

‏(‏قوله ولما رواه أحمد‏)‏ قال في الفتح روى المطلب بن أبي وداعة قال‏:‏ «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سعيه جاء حتى إذا حاذى الركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطائفين أحد» رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وقال في روايته «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ما بينهم وبينه سترة» وعنه «أنه رآه عليه السلام يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون» إلخ، وباب بني سهم هو الذي يقال له اليوم باب العمرة لكن على هذا لا يكون حذو الركن الأسود‏.‏ والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏ ا هـ‏.‏ ونازعه القاري في شرح اللباب بأنه لا دلالة في الحديث أن هذه الصلاة من مستحبات السعي لاحتمال أن تكون لتحية المسجد حين أراد أن يقعد من غير قصد له إلى طواف، وقال الشيخ حنيف الدين المرشدي في شرحه عليه بعد قول السروجي في منسكه ليس للسعي صلاة أقول‏:‏ وهو الظاهر الذي يميل إليه الخاطر وما تقدم من صلاته عليه الصلاة والسلام فمحمول على تحية المسجد لا أنها للسعي، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ما أحب حال دخوله إليه أن يخليه من التحية فحياه بها وحيث كان دخوله عقيب السعي، وفعل ذلك اشتبه الحال على من رآه ا هـ‏.‏ كذا في حاشية المدني أقول‏:‏ لكن ذكر القاري في شرحه أن تحية هذا المسجد الشريف بخصوصه هو الطواف إلا إذا كان له مانع فحينئذ يصلي تحية المسجد إن لم يكن وقت كراهية الصلاة ا هـ‏.‏ والمتبادر من فعله عليه السلام ما فهمه الراوي من أن صلاته للسعي فما الداعي إلى العدول عنه مع ما علمته تأمل‏.‏ ‏(‏مهمة‏)‏ ذكر الشيخ عبد الرحمن المرشدي في شرحه على الكنز أن مسافة ما بين الصفا والمروة سبعمائة وخمسون ذراعا فعليه فعدة السعي خمسة آلاف ومائتان وخمسون ذراعا ا هـ‏.‏ وفي الشمني سبعمائة وستة وستون ذراعا، وأما عرض المسعى فحكى العلامة الشيخ قطب الدين الحنفي في تاريخه نقلا عن تاريخ الفاكهي أنه خمسة وثلاثون ذراعا، ثم قال وهاهنا إشكال عظيم ما رأيت أحدا تعرض له وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية في ذلك المكان المخصوص وعلى ما ذكر الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف وحول ذلك المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم، والمكان الذي يسعى فيه الآن لا يتحقق أنه من عرض المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله ولعل الجواب أن المسعى كان عريضا وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم فهدمها المهدي، وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك البعض، ولم يحول تحويلا كليا وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ من المدني‏.‏

‏(‏قوله فأفاد أن فسخ الحج إلى العمرة لا يجوز‏)‏ أي بأن يفسخ نية الحج بعدما أحرم به ويقطع أفعاله ويجعل إحرامه وأفعاله للعمرة، وكذا لا يجوز فسخ العمرة ليجعلها حجا كذا في اللباب قبيل الجنايات وفيه ولا يعتمر أي المتمتع حال إقامته بمكة فإن فعل أساء ولزمه دم سواء كان في أشهر الحج أو قبلها وإن كان لم يسق الهدي، وأحل بعد الحلق يفعل كما يفعل الحلال قال شارحه والظاهر أنه يجوز له الإتيان بالعمرة حينئذ؛ لأنه غير ممنوع منها لكراهتها في الأزمنة المخصوصة، وإنما كرهت العمرة للمكي في أشهر الحج؛ لأن الغالب أنه يحج فيبقى متمتعا مسيئا‏.‏

‏(‏قوله وإلا فالطواف أفضل من الصلاة إلخ‏)‏ مخالف لما في الفتاوى الولوالجية ونصه الصلاة بمكة أفضل لأهلها من الطواف وللغرباء الطواف أفضل؛ لأن الصلاة في نفسها أفضل من الطواف؛ لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شبه الطواف بالبيت بالصلاة لكن الغرباء لو اشتغلوا بها لفاتهم الطواف من غير إمكان التدارك فكان الاشتغال بما لا يمكن تداركه أولى ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏تنبيه‏)‏‏:‏ هل إكثار الطواف أفضل أم إكثار الاعتمار والأظهر تفضيل الطواف لكونه مقصودا بالذات والمشروعية في جميع الحالات، ولكراهة بعض العلماء إكثارها في سنته، وتمامه في شرح اللباب وفي حاشية المدني قال الشيخ عبد الرحمن المرشدي في شرح الكنز ثم قولهم إن الصلاة أفضل من الطواف ليس مرادهم أن صلاة ركعتين مثلا أفضل من أداء أسبوع؛ لأن الأسبوع مشتمل مع الركعتين مع زيادة، وإنما مرادهم به أن الزمن الذي يؤدي فيه أسبوعا من الطواف هل الأفضل فيه أن يصرفه للطواف أو يشغله بالصلاة هكذا ينبغي أن يحمل قولهم فتنبه ا هـ‏.‏ وفيها عن القاضي العلامة إبراهيم بن ظهيرة أن الأرجح تفضيل الطواف على العمرة إذا شغل مقدار زمن العمرة به، وهذا في العمرة المسنونة أما إذا قيل إنها لا تقع إلا فرض كفاية فلا يكون الحكم كذلك‏.‏

‏(‏قوله ويوم التروية هو يوم الثامن‏)‏ واليوم التاسع هو يوم عرفة واليوم العاشر يوم النحر والحادي عشر يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء؛ لأنهم يقرون فيه بمنى والثاني عشر يوم النفر الأول والثالث عشر النفر الثاني كذا في مناسك النووي‏.‏

‏(‏قوله أي تفكر أن ما رآه إلخ‏)‏ قال في السعدية عن السروجي وفيه بعد؛ لأن رؤيا الأنبياء حق‏.‏

‏(‏قوله وهذا بيان الأفضل‏)‏ عبارة الهداية ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها وهذا بيان الأولوية أما لو دفع قبله جاز؛ لأنه لا يتعلق بهذا المكان حكم قال في غاية البيان قوله وهذا بيان الأولوية‏.‏ قال الإمام حميد الدين الضرير وغيره في شروحهم أي الذهاب إلى عرفة بعد طلوع الشمس هو الأولى ولو دفع قبله جاز قلت هذا حسن ولكن بقي في كلام صاحب الهداية شيء؛ لأنه كان من الواجب أن يقيد بطلوع الشمس عند قوله ثم يتوجه إلى عرفات بأن يقول ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس حتى يصح بناء قوله وهذا بيان الأولوية، وكأن هذا القيد ترك لسهو الكاتب، ولهذا صرح به في شرح الطحاوي وشرح الكرخي والإيضاح وغيرها ا هـ‏.‏ ومثله في العناية وأجاب في الحواشي السعدية بما في الغاية من إرجاع الإشارة إلى التوجه بعرفات بعد صلاة الفجر أما لو توجه إليها قبلها جاز لكن لا يخفى أنها حينئذ توهم أن التوجه قبل الشمس كعبارة المتن هنا تأمل هذا وفي مناسك الإمام النووي، وأما ما يفعله الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات في اليوم الثامن فخطأ مخالف للسنة ويفوتهم بسببه سنن كثيرة منها الصلوات بمنى والمبيت بها والتوجه منها إلى نمرة، والنزول بها والخطبة والصلاة قبل دخول عرفات وغير ذلك فالسنة أن يمكثوا بنمرة حتى تزول الشمس ويغتسلوا بها للوقوف فإذا زالت الشمس ذهب الإمام والناس إلى المسجد المسمى مسجد إبراهيم ويخطب الإمام قبل صلاة الظهر خطبتين إلخ

‏(‏قوله على طريق ضب إلخ‏)‏ بفتح ضاد معجمة وتشديد موحدة وهو اسم للجبل الذي حذاه مسجد الخيف في أصله، وطريقه في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفات والمأزمان مضيق بين مزدلفة وعرفة وهو بفتح ميم وسكون همزة ويجوز إبدالها وكسر زاي شرح اللباب‏.‏

‏(‏قوله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لكن تركه أكثر الناس في زماننا هذا لما فيه من كثرة الشوك وغلبة الخوف وقلة الشوكة لأكثر الحاج شرح اللباب‏.‏

‏(‏قوله ولما كان الإطلاق إلخ‏)‏ قال في النهر لا يخفى ما بين أول كلامه وآخره من التدافع إذ لو انصرف إلى المعهود لما أفاد الجواز قبل الزوال ا هـ‏.‏ أي فكما أن المعهود أنه إذا صعد المنبر وجلس أذن المؤذن فكذلك المعهود كون الخطبة بعد الزوال‏.‏

‏(‏قوله فلو فعل كره‏)‏، وأما ما ذكره في الذخيرة والمحيط والكافي من أنه لا يشتغل بين الصلاتين بالنافلة غير سنة الظهر فغير صحيح لما قال في الفتح هذا ينافي حديث جابر فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا، وكذا ينافي إطلاق المشايخ في قولهم ولا يتطوع بينهما بشيء فإن التطوع يقال على السنة ا هـ‏.‏ وإن كان تأخير العصر من الإمام لا يكره للمأموم أن يتطوع بينهما إلى أن يدخل الإمام في العصر، ويكره التنفل بعد أداء العصر ولو في وقت الظهر صرح به بعضهم ا هـ‏.‏ من اللباب وشرحه‏.‏

‏(‏قوله فصار كالاشتغال بينهما بفعل آخر‏)‏ كالأكل والشرب والكلام‏.‏ ‏(‏تنبيه‏)‏ نقل المدني عن إجابة السائلين للشيخ عبد الله العفيف أنه قال سئل العلامة السيد محمد صادق بن أحمد بادشاه عن تكبير التشريق هل يجب على الإمام الأعظم ومن اقتدى به فيما بين كل من صلاتي الجمع بعرفة ومزدلفة الإتيان به لما صرح به أئمتنا من أن العمل والفتوى على قولهما وهما لم يشترطا شيئا مما شرطه الإمام من المصر وغيره أم لا يجب ‏؟‏ وهل إذا أتوا به يعد قاطعا لفور الأذان أم لا ‏؟‏ فأجاب مقتضى كلامهم أن هذه الكيفية أعني العصر بعد الظهر فورا والعشاء بعد المغرب كذلك لا خلاف في مراعاتها عند الجميع حتى لو فقدت بالاشتغال بعمل عبادة كان أم لا كره وأعيد الأذان للعصر والإقامة للعشاء، وما ذاك إلا للاتفاق على ورودها عنه صلى الله عليه وسلم ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر فإن الوارد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما شيئا ولا يلزم منه ترك التكبير ولا يقاس على النافلة لوجوبه، ولأن مدته يسيرة ولذا لم يعد فاصلا بين الفريضة والراتبة‏.‏ والحاصل أن التكبير بعد ثبوت وجوبه عندنا لا يسقط وجوبه هنا إلا بدليل وما ذكر لا يصلح للدلالة كما علمته هذا ما ظهر لي والله أعلم‏.‏

‏(‏قوله فما في النقاية إلخ‏)‏ قال في النهر فيه نظر فقد نقل غير واحد اشتراط الجماعة على قول الإمام قال الإسبيجابي‏:‏ وهو الصحيح وأما مسألة الفزع فبتقدير تسليمه إنما جاز له الجمع ضرورة كما علل به الشارح فيما إذا نفروا لا أن الجماعة غير شرط ا هـ‏.‏ قال العلامة نوح أفندي بعد ذكره عبارة البدائع التي ذكرها المؤلف‏:‏ قلت اختار صاحب المحيط هذا حيث قال ولو نفر الناس عن الإمام بعد الشروع أو قبله فصلى وحده الصلاتين جاز؛ لأن الجماعة ليست بشرط في حق الإمام عند أبي حنيفة أما الإمام فشرط في حق غيره ا هـ‏.‏ فعلى هذا لا ترد مسألة الفزع أصلا ولا تحتاج إلى الجواب قطعا، والذي يقتضيه النظر أن هذا القول هو الأولى بالقبول لموافقته المنقول والمعقول فالأول ما سبق أن من صلاهما مع الإمام أو نائبه محرما يجمع ومن لا فلا عنده، والثاني أن اشتراط الإمام عين اشتراط الجماعة؛ لأن المراد منه اشتراط أدائها معه لا اشتراط وجوده في الموقف، وإلا لصح جمع من وجد في الموقف منفردا، وليس مذهب الإمام بل مذهب الصاحبين فاشتراطهم الإمام يعين اشتراط الجماعة معه ويؤيده تخصيصهم جواز الجمع منفردا في حق الإمام فقط وتعليل بعضهم له بعدم اشتراط الجماعة في حقه وأكثرهم بالضرورة فعلى هذا فالجماعة شرط غير لازم في حقه فتسقط بالضرورة لازم في حقهم فلا تسقط بحال‏.‏

‏(‏قوله مقيما كان أو مسافرا‏)‏ لكن إن كان مقيما كإمام مكة صلى بهم صلاة المقيمين ولا يجوز له القصر ولا للحاج الاقتداء به قال الإمام الحلواني كان الإمام النسفي يقول العجب من أهل الموقف يتابعون إمام مكة في القصر وبينهم وبين مكة فرسخان فأنى يستجاب لهم، وأنى يرجى لهم الخير وصلاتهم غير جائزة قال شمس الأئمة كنت مع أهل الموقف فاعتزلت وصليت كل صلاة في وقتها وأوصيت بذلك أصحابي، وقد سمعنا أنه يتكلف ويخرج مسيرة سفر ثم يأتي عرفات فلو كان هكذا فالقصر جائز وإلا لا فيجب الاحتياط تتارخانية عن المحيط ملخصا‏.‏

‏(‏قوله وعندهما لا يشترط إلا الإحرام إلخ‏)‏ ذكر في الشرنبلالية عن البرهان أنه الأظهر

‏(‏قوله وذكر في معراج الدراية إلخ‏)‏ نقله شارح اللباب عن شرح الجامع لقاضي خان وقال فيه إنه يلزم منه تأخير الوقوف وينافي حديث جابر رضي الله عنه حتى إذا زاغت الشمس فإن ظاهره أن الخطبة كانت في أول الزوال فلا تقع الصلاة في آخر وقت الظهر، ولا يبعد أن يكون مراده أنه يصلي الظهر والعصر بعده لا قبله‏.‏

‏(‏قول المصنف وقف بقرب الجبل‏)‏ أي عند الصخرات الكبار كما سيذكره المؤلف وهو موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ما قيل الصخرات السود الكبار المفترشات في طرفي الجبيلات الصغار التي كأنها الروابي الصغار عند جبل الرحمة وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بطن ناقته إلى الصخرات وجبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة وكان موقفه عند النابت‏.‏ قال الأزرقي والنابت هو الفجوة التي خلف موقف الإمام وأن موقف النبي صلى الله عليه وسلم كان على ضرس مضرس بين أحجار هناك ناتئة من جبل الآل قال الفارسي قال قاضي القضاة بدر الدين وقد اجتهدت على تعيين موقفه صلى الله عليه وسلم من جهات متعددة ووافقني عليه بعض من يعتمد عليه من محدثي مكة وعلمائها حتى حصل الظن بتعيينه، وأنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف التي عن يمينها ووراءها صخرة متصلة بصخرات الجبل، وهذه الفجوة بين الجبل والبناء المربع عن يساره وهي إلى الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالتك بيمين إذا استقبلت القبلة والبناء المربع عن يسارك بقليل وراء فإن ظفرت بموقف النبي صلى الله عليه وسلم فهو الغاية القصوى فلازمه ولا تفارقه وإن خفي عليك فقف ما بين الجبل والبناء المذكور على جميع الصخرات والأماكن التي بينهما وعلى سهلها تارة وعلى جبلها تارة لعلك أن تصادف الموقف النبوي كذا في المرشدي على الكنز، وقال القاضي محمد عيد والبناء المربع هو المعروف بمطبخ آدم عليه السلام وقد وقفت بموقفه عليه السلام مرارا كثيرة، وحصل لي منه خشوع عظيم ويعرف بحذائه صخرة مخروقة تتبع هي وما حولها من الصخرات المفروشة وما وراءها من الصخار السود المتصلة بالجبل هنا المطلوب ا هـ‏.‏ كذا في حاشية المدني على الدر المختار‏.‏ ‏(‏قول المصنف وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة‏)‏ ظاهر هذا وكذا قوله في مزدلفة وهي موقف إلا بطن محسر أن المكانين ليسا بمكان وقوف فلا يجزئ فيهما كما سيأتي

‏(‏قوله تحبط بالإسلام والهجرة والحج‏)‏ أي بمجموع الثلاثة لا بكل واحد على انفراده‏.‏

‏(‏قوله وإنما المراد أن إثم مطل الدين وتأخيره يسقط إلخ‏)‏ أقول‏:‏ بيان ذلك أن من أخر صلاة عن وقتها فقد ارتكب معصية وهي التأخير، ووجب عليه شيء آخر وهو القضاء وكذا إذا مطل الدين، وكذا إذا قتل أحدا ارتكب معصية وهي الجناية على العبد مخالفا نهي الرب تعالى ووجب عليه شيء آخر وهو تسليم نفسه للقصاص إن كان عمدا أو تسليم الدية وكذا نظائر ذلك مما يكون معصية يترتب عليها واجب سواء كان ذلك الواجب من حقوق الله تعالى أو حقوق العبد فما ورد من تكفير الحج للكبائر، والمراد تكفيره للمعاصي الكبائر كتأخير الصلاة ومطل الدين والجناية على العبد وأما الواجبات المترتبة على تلك المعاصي من لزوم قضاء الصلاة وأداء الدين وتسليم نفسه للقصاص أو تسليم الدية فإنها لا تسقط؛ لأن التكفير إنما يكون للذنب وهذه واجبات لا ذنوب حتى تسقط ألا ترى أن التوبة تكفر الذنوب بالاتفاق ولا يلزم من ذلك سقوط الواجبات المترتبة على تلك الذنوب على أن التوبة من ذنب يترتب عليه واجب لا تتم إلا بفعل ذلك الواجب فمن غصب شيئا ثم تاب لا تتم توبته إلا بضمان ما غصب فما بالك بالحج الذي فيه النزاع، والمراد من قولنا لا تتم توبته إلا بفعل الواجب أنه لا يخرج عن عهدة الغصب في الآخرة إلا بذلك وإلا فلو غصب وتاب عن فعل الغصب المذكور وحبس الشيء المغصوب عنده ومنع صاحبه عنه، وقد عزم على رده إلى صاحبه تصح توبته وإن بقيت ذمته مشغولة به إلى أن يرده إلى صاحبه فحينئذ تتم توبته بمعنى أنه يخرج عن عهدته من كل جهة، وكذا يقال في مطل الدين وتأخير الصلاة فقد ظهر بما قررناه أن الحج كالتوبة في تكفير الكبائر سواء تعلقت بحقوق الله تعالى أو بحقوق العبد أو لم تتعلق بحق أحد أي لم يترتب عليها واجب آخر كشرب الخمر ونحوه فيكفر الحج الذنب ويبقى حق الله تعالى وحق العبد في ذمته إن كان ذنبا يترتب عليه حق أحدهما كما قررنا، وإلا فلا يبقى عليه شيء فاغتنم هذا التحرير الفريد فإن به يتضح المرام وتندفع الشبهة والأوهام، وقد أشار إليه العلامة إبراهيم اللقاني في شرحه الكبير على منظومته في التوحيد فقال إن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» لا يتناول حقوق الله تعالى وحقوق عباده؛ لأنها في الذمة ليست ذنبا، وإنما الذنب المطل فيه فيتوقف على إسقاط صاحبه فالذي يسقط إثم مخالفة الله تعالى فقط ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏قوله أحدهما كونه في أرض عرفات‏)‏ الظاهر أن هذا ركنه لعدم تصوره بدونه كذا في شرح اللباب

‏(‏قوله وأن يكون مفطرا‏)‏ عد في اللباب من مستحبات الوقوف الصوم لمن قوي والفطر للضعيف‏.‏ قال وقيل يكره قال شارحه وهي كراهة تنزيه لئلا يسيء خلقه فيوقعه في محذور أو محظور، وكذا صوم يوم التروية؛ لأنه يعجزه عن أداء أفعال الحج وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أفطر يوم عرفة مع كمال القوة إلا أنه لم ينه أحدا عن صومه فلا وجه لكراهته على الإطلاق، وأما ما في الخانية ويكره صوم يوم عرفة بعرفات وكذا صوم يوم التروية؛ لأنه يعجزه عن أداء أفعال الحج فمبني على حكم الأغلب فلا ينافيه ما في الكرماني من أنه لا يكره للحاج الصوم في يوم عرفة عندنا إلا إذا كان يضعفه عن أداء المناسك فحينئذ تركه أولى وفي الفتح إن كان يضعفه عن الوقوف والدعوات والمستحب تركه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وأن يقف على راحلته‏)‏ عبارة متن التنوير ووقف الإمام على ناقته قال المدني في حاشيته لا خصوصية للإمام هنا بل ينبغي الركوب لكل واقف في عرفة وإنما ذكر الإمام لأنه يقتدى به في جميع المناسك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتدون بفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه متى وقف راكبا يكون قلبه فارغا من جانب الدابة فيكون قلبه في الدعاء أسكن وفي المناجاة أخلص، قاله الشيخ عبد الله العفيف ثم قال وفي السراج الوهاج نقلا عن منسك ابن العجمي يكره الوقوف على ظهر الدابة إلا في حال الوقوف بعرفة بل هو الأفضل للإمام وغيره، وقال ابن الحاج في المدخل وهذا الموضع مستثنى عما نهى عنه من اتخاذ ظهور الدواب مساطب يجلس عليها ا هـ‏.‏ وفي منسك ابن العجمي ومن لم يكن له مركب فالأفضل أن يقف قائما فإذا أعيا جلس ولو وقف جالسا جاز ا هـ‏.‏ ومفهوم عبارة الكرماني أن من قدر على الركوب ولم يركب يكون مسيئا لتركه السنة فافهم وإلا فقاعدا وهو يلي القيام في الفضيلة، ويكره الاضطجاع إلا من عذر كما هو مذكور في كتب المناسك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وقد قيل إذا وافق يوم عرفة إلخ‏)‏ قال الرملي قال صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل الأيام يوم عرفة وإذا وافق يوم جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة أخرجه رزين وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ «إذا كان يوم جمعة غفر الله تعالى لجميع أهل الموقف» قال الشيخ عز الدين بن جماعة سئل والدي عن وقفة الجمعة هل لها مزية على غيرها ‏؟‏ فأجاب أن لها مزية على غيرها من خمسة أوجه‏:‏ الأول والثاني ما ذكرناه من الحديثين‏.‏ الثالث أن العمل يشرف بشرف الأزمنة كما يشرف بشرف الأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع فوجب أن يكون العمل فيه أفضل‏.‏ الرابع في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وليست في غير يوم الجمعة‏.‏ الخامس موافقة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإن وقفته في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وإنما يختار له الأفضل‏.‏ قال والدي أما من حيث إسقاط الفرض فلا مزية لها على غيرها، وسأله بعض الطلبة فقال قد جاء أن الله تعالى يغفر لجميع أهل الموقف فما وجه تخصيص ذلك بيوم الجمعة في الحديث يعني المتقدم ‏؟‏ فأجابه بأنه يحتمل أن الله تعالى يغفر في يوم الجمعة بغير واسطة وفي غير يوم الجمعة يهب قوما لقوم ا هـ‏.‏ كذا في حاشية الشيخ نور الدين الزيادي الشافعي‏.‏

‏(‏قوله وأشار إلى أنه لا تطوع بين الصلاتين‏)‏ أي بل يصلي سنة المغرب والعشاء والوتر بعدها كما صرح به مولانا عبد الرحمن الجامي قدس الله سره السامي في منسكه كذا في شرح اللباب للقاري‏.‏

‏(‏قوله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ‏)‏ لا أصل لهذا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بل هو في البخاري عن ابن مسعود أنه فعله، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عنه وتمامه في الفتح‏.‏

‏(‏قوله والمغرب قضاء‏)‏ دفعه في النهر بما في السراج أنه ينوي في المغرب الأداء لا القضاء‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويدل عليه كلام المؤلف الآتي، ولما كان وقت هاتين الصلاتين وقت العشاء إلخ، وكذا ما يأتي من أن الدليل الظني أفاد تأخير وقت المغرب أي عدم خروجه بدخول وقت العشاء في خصوص هذه الليلة‏.‏

‏(‏قوله وهذه ليلة جمعت شرف الزمان والمكان‏)‏ قال في النهر وقد وقع السؤال في شرفها على ليلة الجمعة وقد كنت ممن مال إلى ذلك ثم رأيت في الجوهرة أنها أفضل ليالي السنة‏.‏

‏(‏قول المصنف ولم تجز المغرب في الطريق‏)‏ قال العلامة الشهاوي في منسكه وهذا الحكم الذي ذكرناه في حق صلاة المغرب في الطريق إنما هو فيما إذا ذهب إلى المزدلفة من طريقها أما إذا ذهب إلى مكة من غير طريق المزدلفة جاز له أن يصلي المغرب في الطريق بلا توقف، ولم أجد أحدا صرح بذلك سوى صاحب النهاية والعناية في باب قضاء الفوائت، وكلام شارح الكنز يدل عليه وهي فائدة جليلة ا هـ‏.‏ وكذا صرح بها في البناية في الباب المذكور أيضا ا هـ‏.‏ كذا وجدته بخط العلامة الشيخ إبراهيم أبي سلمة على هامش نسخته من الكنز، وقد نقل عبارة العناية الشيخ عبد الرحمن المرشدي في شرحه، وأقرها كذا في حاشية المدني على الدر‏.‏

‏(‏قوله ثم هاهنا مسألة إلخ‏)‏ قال الرملي فيه إشكال وهو أن فيه تفويت الترتيب وهو فرض يفوت الجواز بفوته كترتيب الوتر على العشاء فإن حمل على ظاهره فهو مشكل إلا أن يحمل على ساقط الترتيب أو على عودها إلى الجواز إذا صلى خمسا بعدها، وذلك أن المغرب والعشاء وقتهما وقت العشاء فهما صلاتان اجتمعتا في وقت واحد، وقد تقدم في الوتر والعشاء أنه يجب الترتيب بينهما قالوا هناك ولا يقدم الوتر على العشاء للترتيب لا لأن وقت الوتر لم يدخل حتى لو نسي العشاء وصلى الوتر جاز لسقوط الترتيب وهذا عند أبي حنيفة؛ لأنه فرض عنده فصار كفرضين اجتمعا في وقت واحد كالقضاءين أو القضاء والأداء فينبغي أن يكون في تقديم صلاة العشاء على المغرب هنا كذلك إذ لا موجب لسقوط الترتيب وبانفجار الصبح لم تدخل الفوائت في حد الكثرة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا خلاف الظاهر بل المتبادر سقوط الترتيب هنا أيضا ولذا قال في حواشي مسكين تزاد هذه على ما يسقط به الترتيب

‏(‏قوله وهو يوهم عدم الصحة‏)‏ قال في النهر أنى يتوهم عدم الصحة للصلاة بعد دخول وقتها ا هـ‏.‏ وتأمله مع ما مر عن السراج وقوله في حديث‏:‏ «الصلاة أمامك» أي وقتها أفلا يتوهم معه ذلك، وقال الرملي كيف لا يتوهم والجواز مشترك بين الصحة والحل، وإذا قلنا أنى يتوهم عدم الصحة بعد دخول الوقت قلنا أنى يتوهم عدم الحل بعد دخوله كما هو ظاهر فالتوهم هنا لا ينكر

‏(‏قوله لكان أداء‏)‏ أي لكان فعلها ثانيا أداء إن كان في الوقت إلخ‏.‏

‏(‏قوله وحاصل دليلهم إلخ‏)‏ خطر لي هنا إشكال، وهو أن الحديث المفيد تأخير المغرب إذا كان ظنيا، وكان الدليل الموجب للمحافظة على الوقت قطعيا لم يجز تأخير المغرب عن وقتها الثابت بالقطعي وإلا لزم تقديم الظني عليه مع أنه لا قائل بعدم جواز تأخيره بل بوجوبه ولا محيص حينئذ إلا بدعوى عدم ظنية الحديث أو عدم قطعية دلالة الآية، وإذا كان كذلك لا يتم قوله فعملنا بمقتضاه إلخ وبه يتأيد بحث المحقق ثم رأيت في العناية قال ما نصه، واعترض بأن هذا الحديث من الآحاد فكيف يجوز أن يبطل به قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا‏}‏، وأجاب شيخ شيخي العلامة بأنه من المشاهير تلقته الأمة بالقبول في الصدر الأول وعملوا به فجاز أن يزاد به على كتاب الله تعالى وأقول‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا‏}‏ الآية ونحوها ليس فيه دلالة قاطعة على تعيين الأوقات، وإنما دلالتها على أن للصلاة أوقاتا وتعيينها ثبت إما بحديث جبريل أو بغيره من الآحاد أو بفعله عليه الصلاة والسلام، ومثل ذلك لا يفيد القطع فجاز أن يعارضه خبر الواحد ثم يعمل بفعله عليه السلام وهو أنه جمع بينهما بالمزدلفة ولا يجوز أن يكون قضاء فتعين أن يكون ذلك وقته‏.‏ ا هـ‏.‏ والأحسن الأول؛ لأن عدم قطعية تعيين الأوقات بعيد لثبوته بالنقل المتواتر عنه عليه الصلاة والسلام بل بنظم القرآن إذا فسر دلوك الشمس بغروبها كما في السعدية ثم قال في العناية‏:‏ وشكك عن أبي يوسف أي أورد إشكالا من جانبه على صاحبيه بأن صلاة المغرب التي صلاها في الطريق أما إن وقعت صحيحة أو لا فإن كان الأول فلا تجب الإعادة لا في الوقت ولا بعده، وإن كان الثاني وجبت فيه وبعده؛ لأن ما وقع فاسدا لا ينقلب صحيحا بمضي الوقت، وأجيب بأن الفساد موقوف يظهر أثره في ثاني الحال كما مر في مسألة الترتيب ا هـ‏.‏ هذا ويؤخذ من هذا الجواب أن مرادهم من عدم الجواز عدم الصحة؛ لأنه لا فرق بين الفساد والبطلان في العبادات، وهو ظاهر ما في الهداية حيث قال ومن صلى المغرب في الطريق لم يجزه عند أبي حنيفة ومحمد رحمه الله وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر وقال أبو يوسف يجزئه وقد أساء‏.‏ ا هـ‏.‏؛ لأن قوله لم يجزه من الإجزاء لا من الجواز والذي يطلق على الحل الثاني لا الأول، وقول المؤلف ولو كانت باطلة إلخ جوابه ما علمت من أن البطلان غير بات بل هو موقوف، ويدل عليه ما نقله عن الظهيرية وتنظيره بمن ترك الظهر إلخ فإن البطلان في المقيس عليه غير بات نعم ظاهر ما في النهاية يوافق ما ذكره المؤلف حيث نظر وجوب الإعادة هنا بما إذا صلى الظهر في منزله يوم الجمعة

‏(‏قوله وفي المحيط لو صلاهما بعدما جاوز المزدلفة جاز‏)‏‏.‏ نقله في شرح اللباب عن المنتقى ثم قال وهو خلاف ما عليه الجمهور وقال أيضا وإذا ثبت وجوب هذا الجمع بمزدلفة في وقت العشاء فلو صلى المغرب في وقتها أو العشاء والمغرب في وقت العشاء قبل أن يأتي مزدلفة أو بعدما جاوزها لم يجزه وعليه إعادتهما ما لم يطلع الفجر في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وقال أبو يوسف يجزئه ولا يعيد وقد أساء لترك السنة، ولو لم يعد حتى طلع الفجر عادت إلى الجواز وسقط القضاء اتفاقا إلا أنه يأثم لتركه الواجب وعن أبي حنيفة إذا ذهب نصف الليل سقطت الإعادة لذهاب وقت الاستحباب‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وقف على جبل قزح إلخ‏)‏ كذا في الزيلعي، والظاهر أنه يوجد في بعض نسخ المتن وإلا فالذي رأيته في بعضها وعليه كتب في النهر بدون هذه الزيادة‏.‏

‏(‏قوله وهي سنة إلخ‏)‏ وللشافعي قولان قول بالوجوب وقول بالسنية حكاهما النووي في مناسكه ثم قال ويتأكد الاعتناء بهذا المبيت سواء قلنا إنه واجب أو سنة فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب إمامان جليلان من أصحابنا إلى أن هذا المبيت ركن لا يصح الحج إلا به قاله أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فينبغي أن يحرص على المبيت للخروج من الخلاف‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ومأزمي عرفة‏)‏ قال في شرح النوازل المأزم المضيق بين جبلين والمراد عند الفقهاء الطريق بين الجبلين وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة

‏(‏قوله أي المكان المسمى بذلك‏)‏ تفسير لجمرة العقبة

‏(‏قوله وقيل أن تضع طرف الإبهام إلخ‏)‏ قال في الشرنبلالية عليه مشى في الهداية فقال وكيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة ا هـ‏.‏ قال الكمال وهذا التفسير يحتمل كلا من تفسيرين قيل بهما أحدهما أن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبابة ويضع الحصاة على ظهر الإبهام كأنه عاقد سبعين فيرميها، وعرف منه أن المسنون في كون الرمي باليد اليمنى، والآخر أن يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة وهذا في التمكن من الرمي به مع الزحمة والوهجة عسر، وقيل يأخذها بطرفي إبهامه وسبابته وهذا هو الأصح؛ لأنه الأيسر المعتاد ا هـ‏.‏ وكذا نقل تصحيحه في السراج عن النهاية وهو الذي صححه الولوالجي أيضا وظاهر كلام المؤلف أن الثاني مما في المغرب هو هذا فما مشى عليه في الهداية غيره كما يدل عليه كلام الكمال وهو الظاهر خلافا لما مر عن الشرنبلالية

‏(‏قوله ومقدار الرمي إلخ‏)‏ هذا تقدير أقل ما يكون بينه وبين المكان في المسنون كذا في الفتح‏.‏

‏(‏قوله فلو رماها فوقعت قريبا من الجمرة إلخ‏)‏ أي قدر ذراع ونحوه ومنهم من لم يقدره اعتبارا للقرب عرفا وضده البعد وتمامه في الفتح وقال في اللباب وقدر القريب بثلاثة أذرع والبعيد بما فوقها وقيل القريب ما دون الثلاثة‏.‏

‏(‏قوله ولو وقعت الحصاة على ظهر رجل إلخ‏)‏ فلو وقعت على الشاخص أي أطراف الميل الذي هو علامة للجمرة أجزأه ولو على قبة الشاخص ولم تنزل عنه فالظاهر أنه لا يجزئه للبعد لباب وفيه وإن لم يدر أنها وقعت في المرمى بنفسها أو بنفض من وقعت عليه وتحريكه ففيه اختلاف، والاحتياط أن يعيده وكذا لو رمى وشك في وقوعها موقعها فالأحوط أن يعيد‏.‏

‏(‏قوله ولو رمى بسبع حصيات جملة إلخ‏)‏ وفي الكرماني إذا وقعت متفرقة على مواضع الجمرات جاز كما لو جمع بين أسواط الحد بضربة واحدة وإن وقعت على مكان واحد لا يجوز، وقال مالك والشافعي وأحمد لا يجزئه إلا عن حصاة واحدة كيفما كان؛ لأنه مأمور بالرمي سبع مرات شرح اللباب ثم نقل عن مصنف اللباب في منسكه الكبير أن الذي في المشاهير من كتب أصحابنا الإطلاق في عدم الجواز كما هو قول الأئمة الثلاثة، ثم نازعه بما فيه نظر لمن أحسن النظر فراجعه وتبصر وفي حاشية المدني عن المرشدي ولا يجزئ الرمي بالقوس ونحوه ولا الرمي بالرجل ومن كان مريضا أو مغمى عليه توضع الحصاة في يده ويرمي بها، وإن رمى عنه غيره بأمره أجزأه والأول أفضل وفي اللباب ولو رمى بحصاتين إحداهما عن نفسه والأخرى عن غيره جاز ويكره، والأولى أن يرمي أولا عن نفسه ثم عن غيره

‏(‏قوله فإنه لو رماها بأكثر من السبع لم يضره‏)‏ قال في اللباب ولو رمى أكثر من سبع يكره، وقال شارحه أي إذا رماه عن قصد، وأما إذا شك في السابع ورماه وتبين أنه الثامن فإنه لا يضره ذلك هذا وقد ناقضه في الكبير بقوله ولو رمى بأكثر من السبع لا يضره ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ما ذكره في المنسك الكبير هو ما ذكره المؤلف هنا ولعله محمول على غير القصد فلا تناقض إذ لا شك أن السبع هو المسنون فالزيادة عليها مخالفة للسنة فتكره لو كانت مقصودة وإلا فلا وفي حاشية المدني قال الشيخ عز الدين بن جماعة في مناسكه الكبرى قالوا لو زاد الرمي على السبع هل يندب أو يكره فقال بعضهم إنه لا تكره الزيادة؛ لأن رميه طاعة وقال بعضهم بل تكره؛ لأنه خلاف السنة هكذا نقل الخلاف ا هـ‏.‏ وقال شمس الأئمة لو زاد على سبع حصيات لا أجر له وينبغي أن يكره قال القاضي عيد‏:‏ وينبغي أن يكون هذا هو المذهب ويكره رمي الجمرتين كذلك في هذا اليوم بالطريق الأولى؛ لأنه بدعة ولم يفعله عليه الصلاة والسلام، وربما اتخذها الجهال نسكا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وإلا فيجوز الرمي إلخ‏)‏ قال في النهر ظاهر الإطلاق يعطي جوازه بالياقوت والفيروزج وفيهما خلاف ومنعه الشارحون وغيرهم بناء على اشتراط الاستهانة بالمرمى، وأجازه بعضهم بناء على نفي ذلك الاشتراط، وممن ذكر جوازه الفارسي في مناسكه كذا في الفتح وهذا يفيد ترجيح اعتبار الشرط المذكور ومقتضى كلام الشارح تبعا للغاية عدم اعتباره حيث جزما بجوازه بالأحجار النفيسة بخلاف الخشب والعنبر واللؤلؤ يعني كباره؛ لأنها ليست من أجزاء الأرض، وأما الذهب والفضة فنثار وليست برمي ا هـ‏.‏ وفي الشرنبلالية قدمنا جواز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض وممن صرح به صاحب الهداية فشمل كل الأحجار النفيسة كالياقوت والزبرجد والزمرد والبلخش الفيروزج والبلور والعقيق، وبهذا صرح الزيلعي إلا أنه قال في العناية اعترض على صاحب الهداية بالفيروزج والياقوت فإنهما من أجزاء الأرض حتى جاز التيمم بهما، ومع ذلك لا يجوز الرمي بهما، وأجيب بأن الجواز مشروط بالاستهانة برميه وذلك لا يحصل بهما ا هـ‏.‏ فقد أثبت تخصيص العموم وهو مخالف لنص الزيلعي وخصص بالفيروزج والياقوت دون غيرهما فليتأمل ويحرر ا هـ‏.‏ بقي شيء وهو أن الزيلعي استثنى الجواهر وتبعه المؤلف مع أنه صرح بجواز الأحجار النفيسة، ولم يذكر الجواهر العيني ولا الشمني قال نوح أفندي‏:‏ لأنها من قبيل الأحجار النفيسة بل الأحجار النفيسة مستخرجة منها وفي حاشية مسكين تفرقة الزيلعي بين الجواهر والأحجار النفيسة في الحكم ليس إلا محض تحكم ا هـ‏.‏ لكن ذكر الشيخ إسماعيل في شرحه عن الغاية والجواهر وهي كبار اللؤلؤ، وبه اندفع التحكم؛ لأنها ليست من جنس الأرض وممن اعترض عن العناية بما في الغاية والزيلعي سعدي أفندي في حواشيه عليها، وسبقه إليه في التتارخانية فإنه بعد ما ذكر الاعتراض والجواب السابقين وعزاهما إلى السغناقي‏.‏ قال واعلم أن هذه الرواية مخالفة لما في المحيط أي من الجواز بكل ما كان من جنس الأرض كما مر عن الهداية

‏(‏قوله إما لأنها ليست من جنس الأرض‏)‏ هذا خالص فيما قبل الذهب والفضة، وقوله وإما لأنها نثار خاص بهما كما هو مذكور في السعدية عن الغاية وقوله وإما لأنه إعزاز إلخ يشمل الكل إلا الخشب إن كان مما ليس له قيمة‏.‏

‏(‏قوله كما ورد في الحديث‏)‏ جعله في الهداية أثرا وقال في الفتح وقوله به ورد الأثر كأنهما عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل عليه السلام ولم تصر هضابا تسد الأفق فقال أما علمت أن من يقبل حجه يرفع حصاه قال ومن لم يقبل ترك حصاه‏.‏ قال مجاهد لما سمعت هذا من ابن عباس جعلت على حصياتي علامة ثم توسطت الجمرة فرميت من كل جانب ثم طلبت فلم أجد بتلك العلامة شيئا ا هـ‏.‏ لكن في حاشية المدني عن شرح النقاية لمنلا علي القاري أنه رواه الدارقطني والحاكم، وصححه‏:‏ «عن أبي سعيد الخدري قال قلت يا رسول الله هذه الجمار التي نرمي بها كل عام فنحسب أنها تنقص فقال إنه ما يقبل منها رفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال» ا هـ‏.‏ واستشكله ابن كمال باشا بأن حج المشركين غير مقبول، وأجيب بأن الكفار قد تقبل عباداتهم فيجازون عليها في الدنيا أقول‏:‏ المراد أعمالهم التي هي عبادات صورة لا حقيقة؛ لأن مثل الحج لا يكون عبادة إلا بالنية، والكافر ليس من أهلها كما صرحوا به وتأمل هذا وفي منى خمس آيات هذه إحداها، وقد نظمها بعضهم فقال وآي منى خمس فمنها اتساعها لحجاج بيت الله لو جاوزوا الحدا ومنع حداة خطف لحم بأرضها وقلة وجدان البعوض بها عدا وكون ذباب لا يعاقب طعمها ورفع حصى المقبول دون الذي ردا‏.‏

‏(‏قوله وليس مذهبنا‏)‏ قال في الشرنبلالية يعارضه قول الجوهرة ويستحب أن يأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من الطريق ا هـ‏.‏ ولذا قال في الهداية يأخذ الحصى من أي موضع شاء ا هـ‏.‏ فالنفي ليس إلا على التعيين أي لا يتعين الأخذ من المزدلفة لنا مذهبا وما قاله في الهداية يقتضي خلاف ما قيل إنه يلتقطها من الجبل الذي على الطريق في المزدلفة وما قيل يأخذ من المزدلفة سبعا فأفاد أنه لا سنة في ذلك يوجب خلافها الإساءة‏.‏

‏(‏قوله وانتهاؤه إذا طلع الفجر إلخ‏)‏ فيه أن وقت الجواز لا آخر له؛ لأن المراد به الصحة لا الحل فالأولى عدم التعرض للانتهاء كما في عبارة المبسوط المذكورة في الفتح ثم ظهر لي الجواب بأنه أراد بيان وقت الجواز أداء كما أفاده في شرح اللباب، لكن في الفتح ويثبت وصف القضاء في الرمي من غروب الشمس عند أبي حنيفة إلا أنه لا شيء فيه سوى ثبوت الإساءة إن لم يكن لعذر ا هـ‏.‏ تأمل هذا وفي حاشية المدني عن حاشية شيخه بعد عزوه ما ذكره المؤلف إلى المبسوط والمحيط الرضوي قال لكن في الهداية والزيلعي والعيني والبدائع والكافي والكرماني وغيرها أن وقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقال في مبسوط السرخسي ففي ظاهر المذهب وقته إلى غروب الشمس، ولكنه لو رمى بالليل لا يلزمه شيء ا هـ‏.‏ وعليه يحمل ما قدمناه عن الفتح تأمل‏.‏

‏(‏قوله والثاني من طلوع الشمس إلى الزوال‏)‏ قال الرملي أي المستحب وقد وافق على الاستحباب العيني، وذكره في مجمع الرواية عن المحيط أيضا بصيغة المسنون ووافقه في النهر‏.‏

‏(‏قوله والرابع قبل طلوع الشمس إلخ‏)‏ قيده في الفتح بعد أحاديث ساقها بعدم العذر قال حتى لا يكون رمي الضعفة قبل الشمس ورمي الرعاة ليلا يلزمهم الإساءة وكيف بذلك بعد الترخص‏.‏

‏(‏قول المصنف وكبر بكل حصاة‏)‏ كذا روى ابن مسعود وابن جابر وأم سليمان وظاهر المرويات من ذلك الاقتصار على الله أكبر غير أنه روي عن الحسن بن زياد أنه يقول الله أكبر رغما للشيطان وحزبه، وقيل يقول أيضا اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا كذا في الفتح‏.‏

‏(‏قوله فالأولى في الاستدلال بفعله عليه إلخ‏)‏ قال في الفتح على هذا تضافرت الروايات عنه عليه السلام ولم يظهر حكمة تخصيص الوقوف والدعاء بغيرها من الجمرتين فإن تخايل أنه في اليوم الأول لكثرة ما عليه من الشغل كالذبح والحلق والإفاضة إلى مكة فهو منعدم فيما بعده من الأيام‏.‏

‏(‏قوله وقيد بالمحرم بالحج‏)‏ نسب إليه هذا التقييد وإن لم يكن مصرحا به وكذا ما بعده؛ لأن الكلام فيه فهو مما تضمنه كلامه‏.‏

‏(‏قوله ومراده أن يأخذ من كل شعرة إلخ‏)‏ قال في الشرنبلالية قلت يظهر لي أن المراد بكل شعرة أي من شعر الربع على وجه اللزوم أو من الكل على سبيل الأولوية فلا مخالفة في الأجزاء؛ لأن الربع كالكل كما في الحلق‏.‏

‏(‏قوله وفي فتح القدير أنه هو الصواب‏)‏ قال في النهر ويوافقه ما في الملتقط عن الإمام حلقت رأسي بمكة فخطأني الحلاق في ثلاثة أشياء لما أن جلست قال استقبل القبلة وناولته الجانب الأيسر فقال ابدأ بالأيمن فلما أردت أن أذهب قال ادفن شعرك فرجعت فدفنته ا هـ‏.‏ قلت وفي المعراج روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام حلق رأسه من يمين الحالق» وعن الشافعي من يمين المحلوق فاعتبرنا يمين الحالق وهو يمين المحلوق قال الكرماني ذكره بعض أصحابنا، ولم يعزه إلى أحد بل الأولى اتباع السنة فإنه عليه الصلاة والسلام بدأ بيمينه في الصحيح، وقد أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول الحجام حين قال ادن الشق الأيمن من رأسك وفيه حكاية معروفة ا هـ‏.‏ وهذا أيضا يؤيد ما استصوبه في الفتح، ويفيد أن خلافه ليس مما ثبت عند أهل المذهب‏.‏

‏(‏قوله وينبغي أن يحكم بضعف ما في الفتاوى‏)‏ قال في الشرنبلالية أقول‏:‏ لم يقتصر قاضي خان على ما نقله عنه في البحر؛ لأنه نص على ما يوافق الهداية أيضا قبل هذا بقوله‏:‏ والخروج عن الإحرام إنما يكون بالحلق أو التقصير فإذا حلق أو قصر حل له كل شيء إلا النساء ما لم يطف بالبيت مروي ذلك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبعد الرمي قبل الحلق يحل له كل شيء إلا الطيب والنساء وعن أبي يوسف يحل له الطيب أيضا وإن كان لا يحل له النساء والصحيح ما قلنا لأن الطيب داع إلى الجماع، وإنما عرفنا حل الطيب بعد الحلق قبل طواف الزيارة بالأثر ا هـ‏.‏ فالأولى أن يرد كلامه المذكور ثانيا بكلامه الأول؛ لأنه ألزم لموافقته ما في الهداية، ودليله ما في الصحيحين ولأنه يتناقض الأول بالثاني، وقوله وإنما عرفنا حل الطيب إلخ جواب عن سؤال مقدر كأنه قال قائل الطيب داع إلى النساء فكان ممنوعا منه مطلقا فخصه بالرمي وحل بالحلق للأثر لكنه لم يأت بدليل لتحليل الرمي لشيء فالمرجع لكلامه الأول الموافق للهداية ولحصره التحلل بالحلق بقوله، والخروج عن الإحرام إنما يكون بالحلق وبهذا يعلم بطلان ما ينسب لقاضي خان من أن الحلق لا يحل به الطيب‏.‏

‏(‏قول المصنف فطف للركن سبعة أشواط‏)‏ قال الرملي‏:‏ ويسمى طواف الزيارة وطواف الإفاضة وطواف يوم النحر وطواف الركن كما في العيني، وسيأتي أن طواف الصدر يسمى طواف الإفاضة؛ لأنه لأجله مفيض إلى البيت من منى ا هـ‏.‏ هذا وشرائط صحته الإسلام وتقديم الإحرام والوقوف والنية وإتيان أكثره والزمان ويوم النحر بعده، والمكان وهو حول البيت داخل المسجد وكونه بنفسه ولو محمولا فلا تجوز النيابة إلا لمغمى عليه وواجباته المشي للقادر والتيامن وإتمام السبعة والطهارة عن الحدث وستر العورة وفعله في أيام النحر، وأما الترتيب بينه وبين الرمي والحلق فسنة ولا مفسد للطواف ولا فوات قبل الممات ولا يجزئ عنه البدل إلا إذا مات بعد الوقوف بعرفة وأوصى بإتمام الحج تجب البدنة لطواف الزيارة وجاز حجه‏.‏ ا هـ‏.‏ لباب‏.‏ أي صح وكمل لكن في مناسك الطرابلسي عن محمد فيمن مات بعد وقوفه بعرفة وأوصى بإتمام الحج يذبح عنه بدنة للمزدلفة والرمي والزيارة والصدر وجاز حجه فهذا دليل على أنه إذا مات بعرفة بعد تحقق الوقوف تجبر عن بقية أعماله البدنة فلا ينافي ما في المبسوط أنه تجب البدنة لطواف الزيارة إذا فعل بقية الأعمال إلا الطواف ويؤيده ما في قاضي خان والسراجية أن الحاج عن الميت إذا مات بعد الوقوف بعرفة جاز عن الميت؛ لأنه أدى ركن الحج أي ركنه الأعظم الذي لا يفوت إلا بفوته لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحج عرفة» وهو لا ينافي ما سبق من وجوب البدنة فإنه يجب من مال الميت حينئذ ا هـ‏.‏ شارح لباب

‏(‏قوله وقد ورد في الحديث إلخ‏)‏ قال في اللباب وإذا فرغ من الطواف رجع إلى منى فيصلي الظهر بها وقال شارحه أي بمنى أو بمكة على خلاف فيها ذكره ابن الهمام والثاني أظهر نقلا وعقلا أما النقل فلما ورد في الكتب الستة أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة، وأما العقل فلأنه عليه السلام لا شك أنه أسفر جدا بالمشعر الحرام ثم أتى منى في الضحوة فنحر بيده الشريفة بدنه ثلاثا وستين بدنة وعلي رضي الله عنه أكمل المائة ثم قطعت من كل واحدة قطعة فطبخت فأكل منها ثم حلق فأتى مكة وطاف وسعى فلا بد من دخول وقت الظهر حينئذ، والصلاة بمكة أفضل فلا وجه لعدوله إلى منى ثم لا يعارض حديث الجماعة حديث مسلم بانفراده أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قال ابن الهمام ولا شك أن أحد الخبرين وهم، وإذا تعارضا ولا بد من صلاة الظهر في أحد المكانين ففي مكة بالمسجد الحرام أولى لثبوت مضاعفة الفرائض فيه ولو تجشمنا الجمع حملنا فعله بمنى على الإعادة بسبب اطلع عليه موجب نقصان المؤدى أو لا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وأفاد أنه مخير في تقديم الرمل والسعي إلخ‏)‏ قال الرملي قدم عن التحفة أفضلية التأخير، وأقول‏:‏ فلو لم يفعلهما في هذين الطوافين فعلهما في طواف الصدر؛ لأن السعي غير مؤقت كما سيصرح به في الجنايات، وصرحوا بأن الرمل بعد كل طواف يعقبه سعي فبه علم أنه يأتي بهما في الصدر لو لم يقدمهما، ولم أره صريحا وإن علم من إطلاقهم تأمل‏.‏

‏(‏قوله موقوف على الركن منها‏)‏ أي من الأشواط‏.‏

‏(‏قوله وفي الظهيرية وليالي أيام النحر منها‏)‏ تقدم الكلام فيه في باب الاعتكاف‏.‏

‏(‏قوله وهو ممتد إلى طلوع الشمس من الغد‏)‏ ذكر مثله في البحر العميق ومنسك الفارسي والطرابلسي، ويخالفه ما في لباب المناسك وشرحه من أنه إذا طلع الفجر فقد فات وقت الأداء عند الإمام خلافا لهما وبقي وقت القضاء اتفاقا فهو صريح في أن آخر الرمي في هذين اليومين طلوع الفجر، وأقره عليه الشارح المرشدي ومثله في منسك العفيف، ويدل عليه قول صاحب البدائع فإن أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شيء عليه؛ لأن الليل وقت الرمي في أيام الرمي لما روينا من الحديث ا هـ‏.‏ وقول الحاوي القدسي والمكروه في اليوم الأول ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وكذا في اليوم الرابع عند أبي حنيفة وما بين هذه الأيام كلها من الليالي الثلاث ا هـ‏.‏ وقول الحدادي في الجوهرة فإن رمى بالليل قبل طلوع الفجر جاز ولا شيء عليه ا هـ‏.‏ وكأن فيه اختلاف الرواية ثم رأيت في المنسك الأوسط للمنلا سنان الرومي حكاية الخلاف حيث قال وقال أصحابنا إن وقت أداء رمي الجمار في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق من زوال الشمس إلى طلوع الفجر من الغد، وقال بعضهم إلى طلوع الشمس من الغد ا هـ‏.‏ كذا في حاشية المدني عن حاشية شيخه‏.‏

‏(‏قوله فظهر أن له وقتين إلخ‏)‏ فوقت الصحة من الزوال إلى طلوع الشمس ووقت الكراهة من غروب الشمس إلى طلوعها، وهذا كله وقت الأداء في اليومين الثاني والثالث قال في اللباب وشرحه وإذا طلع الفجر أي صبح الرابع فقد فات وقت الأداء أي عند الإمام خلافا لهما، وبقي وقت القضاء أي اتفاقا إلى آخر أيام التشريق فلو أخره أي الرمي عن وقته أي المعين له في كل يوم فعليه القضاء والجزاء وهو لزوم الدم، ويفوت وقت القضاء بغروب الشمس من الرابع ا هـ‏.‏ وسيشير إلى ذلك قريبا

‏(‏قوله فظهر بهذا إلخ‏)‏ قال في اللباب وبغروب الشمس من هذا اليوم أي الرابع يفوت وقت الأداء والقضاء بخلاف ما قبله، ولو لم يرم يوم النحر أو الثاني أو الثالث رماه في الليلة المقبلة أي الآتية لكل من الأيام الماضية ولا شيء عليه سوى الإساءة إن لم يكن بعذر، ولو رمى ليلة الحادي عشر عن غدها لم يصح؛ لأن الليالي في الحج في حكم الأيام الماضية لا المستقبلة أي فيجوز رمي يوم الثاني من أيام النحر ليلة الثالثة، ولا يجوز فيها رمي يوم الثالث ولو لم يرم في الليل رماه في النهار قضاء وعليه الكفارة، ولو أخر رمي الأيام كلها إلى الرابع مثلا قضاها كلها فيه وعليه الجزاء، وإن لم يقض حتى غربت الشمس منه أي من الرابع فات وقت القضاء، وليست هذه الليلة أي ليلة الرابع عشر تابعة لما قبلها ليبقى وقت الرمي فيها بخلاف الليالي التي قبلها ا هـ‏.‏ موضحا من شرحه، والحاصل أنه لو أخر الرمي في غير اليوم الرابع يرمي في الليلة التي تلي ذلك اليوم الذي أخر رميه وكان أداء؛ لأنها تابعة له، وليس عليه سوى الإساءة لتركه السنة وإن أخره إلى اليوم الثاني كان قضاء، ولزمه دم وكذا لو أخر الكل إلى الرابع فإذا غربت شمس الرابع ولم يرم سقط الرمي ولزمه دم

‏(‏قوله فلم يجز رمي الأخريين‏)‏ أي بناء على وجوب الترتيب، وهذا مقابل للقول بالسنية المشار إليه بقوله ليكون إتيانه على الوجه المسنون، ولذا عبر بقوله وعن محمد ليدل على أنه قول آخر فتدبر‏.‏

‏(‏قوله وفي اختيار السنة‏)‏ قال في النهر هذا سهو بل في اختيار التعيين نعم قال في الفتح الذي يقع عندي استنان الترتيب لا تعيينه بخلاف تعيين الأيام والفرق ولا يخفى على محصل ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وفيه نظر بل الصواب ما قاله المؤلف فإن صريح كلام المحيط اختيار السنية أيضا حيث قال وإذا كان مسنونا إلخ وقرر كلامه عليه ثم نقل التعيين بقوله وعن محمد، وهذا العنوان كالصريح في اختيار السنية فمن أين جاء اختيار التعيين وفي اللباب والأكثر على أنه سنة قال شارحه كما صرح به صاحب البدائع والكرماني والمحيط وفتاوى السراجية‏.‏

‏(‏قوله لمن اتقى‏)‏ قال في النهر متعلق بما قبله على اعتبار حاصل المعنى أي هذا التخيير، ونفي الإثم عنهما للمتقي لئلا يقع في قلبه أن أحدهما يوجب إثما في الإقدام عليه

‏(‏قوله ويجعل باطن كفيه إلى السماء‏)‏ قال في النهر وظاهر الرواية أنه يجعل باطن كفيه نحو الكعبة كما في السراج، وقال الثاني يرفع يديه حذاء منكبيه كما في سائر الأدعية، واقتصر عليه في البحر ا هـ‏.‏ قال في شرح اللباب واختاره قاضي خان وغيره والظاهر الأول‏.‏

‏(‏قوله والظاهر أنها تنزيهية‏)‏ نظر فيه في النهر بأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يمنع منه ويؤدب عليه قال وهذا يؤذن بأنها تحريمية إذ لا يؤدب على التنزيهية ا هـ‏.‏ قال شيخنا فيه نظر فإنه رضي الله تعالى عنه كان يؤدب على ترك خلاف الأولى هذا وفي السراج وكذا يكره للإنسان أن يجعل شيئا من حوائجه خلفه، ويصلي مثل النعل وشبهه؛ لأنه يشغل خاطره فلا يتفرغ للعبادة على وجهها‏.‏

‏(‏قوله بين منى ومكة‏)‏ وحده ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيسر، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي كذا في اللباب

‏(‏قوله فإن الرواح إليه لا يستلزم النزول فيه‏)‏ قال في النهر لا يخفى أن المصنف في هذا الباب استعمل الرواح إلى الشيء بمعنى النزول فيه ومنه ثم رح إلى منى ثم إلى عرفات ا هـ ولا يخفى أنه لا نزاع في الأولوية‏.‏

‏(‏قوله باعتبار أن الكلام فيه‏)‏ فيه بيان لمأخذ التقييد من كلامه، وقوله لأن المعتمر إلخ تعليل للتقييد وقد مر نظير هذا بعينه من المؤلف عند قول المتن واقطع التلبية بأولها فقال وقيد بالمحرم بالحج وقيد بكونه مدركا للحج وما يوجد في بعض النسخ من تغيير قيد من الموضعين هنا إلى لم يقيد تحريف ناشئ عن عدم الفهم؛ لأنه لو كانت النسخة كذلك لتناقض مع قوله؛ لأن المعتمر إلخ وقوله؛ لأن العود إلخ؛ لأن عدم التقييد يفيد بسبب إطلاقه أن يكون على المعتمر وفائت الحج طواف الصدر لا أنه ليس عليهما ذلك، وأما عبارة النهر حيث قال ولم يقيد فيرد عليها ما قلنا ويبقى تعليله بقوله؛ لأن الكلام فيه ضائعا فتدبر

‏(‏قوله ولم يستثن الحائض والنفساء مع أهل مكة في سقوطه عنهم لما سيصرح به في باب التمتع ولما علم أن واجبات الحج تسقط بالعذر‏)‏ كذا في بعض النسخ وفي بعضها بعد قوله في سقوطه عنهم لما علم في واجبات الحج‏.‏

‏(‏قوله وإن جاوزت بيوت مكة مسيرة سفر‏)‏ هذا القيد غير معتبر المفهوم دل عليه ما بعده وكذا قول شارح اللباب؛ لأنه حين خرجت من العمران صارت مسافرة بدليل جواز القصر فلا يلزمها العود ولا الدم ا هـ

‏(‏قوله والمجاورة بها مكروهة‏)‏ قال في النهر وبقوله قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الإحياء قال ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة؛ لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع قال في الفتح وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك يعني مكروها عنده فإن تضاعف السيئات وتعاظمها إن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بوجوب التوقير والإجلال قائم‏.‏

‏(‏قوله ولم يذكر المصنف إلخ‏)‏ قال في النهر لم يذكر تقبيل العتبة قبل الشرب كما في الفتح ولا الاستقاء بنفسه ولا رجوع القهقرى كما في المجمع لما قيل من أنه لم يثبت شيء من ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام، وأما الالتزام والتشبث فجاء فيهما حديثان ضعيفان ا هـ‏.‏ وما ذكره من أنه عليه السلام لم يثبت عنه الاستقاء بنفسه لما في الفتح عن الطبقات مرسلا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما أفاض نزع بالدلو لم ينزع معه أحد فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر، وقال لولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لم ينزع منها أحد غيري وجمع في الفتح بين هذا وبين ما في حديث جابر أنهم نزعوا له بأن هذا كان عقب طواف الوداع وذاك عقب طواف الإفاضة وتمامه فيه على أن قوله لولا أن تغلبكم الناس إلخ يكفي في إثبات المقصود ويدل على أن تركه له كان لذلك العذر إن لم يثبت نزعه عليه الصلاة والسلام بنفسه‏.‏

‏(‏قوله في خمسة عشر موضعا‏)‏ قال في الشرنبلالية ورأيت نظما للشيخ العلامة عبد الملك بن جمال الدين منلا زاده العصامي ذكر فيه المواطن للدعاء في مكة المشرفة، وعين فيه ساعاتها زيادة على ما في رسالة الحسن البصري رحمه الله طبق ما صرح به الشيخ العلامة أبو بكر بن الحسن النقاش في مناسكه فكانت خمسة عشر موضعا فقال قد ذكر النقاش في المناسك وهو لعمري عمدة للناسك إن الدعا في خمسة وعشره بمكة يقبل ممن ذكره وهي المطاف مطلقا والملتزم بنصف ليل فهو شرط ملتزم وداخل البيت بوقت العصر بين يدي جذعيه فاستقر وتحت ميزاب له وقت السحر وهكذا خلف المقام المفتخر وعند بئر زمزم شرب الفحول إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا ومروة والمسعى بوقت عصر فهو قيد يرعى كذا منى في ليلة البدر إذا تنصف الليل فخذ ما يحتذى ثم لدى الجمار والمزدلفه عند طلوع الشمس ثم عرفه بموقف عند غروب الشمس قل ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روى هذا الوقوف طرا من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن خير الورى ذاتا ووصفا وسنن صلى عليه الله ثم سلما وآله والصحب ما غيث هما ا هـ‏.‏ قلت ولا يخفى أن الجمار ثلاثة، وأنه ليس في كلام الحسن ذكر السدرة فبها تبلغ ستة عشر موضعا فتنبه له ا هـ‏.‏ ما في الشرنبلالية قلت في عد جمرة العقبة من تلك الأماكن نظر لما مر من أنه لا وقوف ولا دعاء عندهما فالظاهر أن الراجز لم يعتبرها فذكر بدلها السدرة، ولعله صح نقلها عنده عن الحسن فنسبها إليه، وسقطت من كلام المؤلف تبعا للفتح أو عدوا جمرة العقبة بناء على ما قدمناه عن الفتح في محله من أنه قيل أنه يقول اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا فليتأمل هذا، وقد نظم في النهر الأماكن بقوله دعاء البرايا يستجاب بكعبة وملتزم والموقفين كذا الحجر طواف وسعي مروتين وزمزم مقام وميزاب جمارك تعتبر ومراده بالموقفين عرفة والمزدلفة وبالمروتين الصفا والمروة تغليبا وما ذكره بناء على عد الجمار ثلاثا لكن نقص مما ذكره المؤلف منى، وذكر بدله الحجر ولم يذكر أيضا عن رؤية البيت والسدرة وقد زاد في الدر المختار عن اللباب هذه الثلاثة مع موضعين آخرين في الحجر وعند الركن اليماني ونظمت هذه الخمسة إلحاقا لما في النهر بقولي ورؤية بيت ثم حجر وسدرة وركن يمان مع منى ليلة القمر وقولي ليلة القمر تابعت فيه قوله في الدر ليلة البدر ومثله ما مر في الأرجوزة، والظاهر أن المراد بها ليلة الثالث عشر؛ لأن الحاج لا يمكث في منى بعدها تأمل‏.‏