فصل: كتاب الفرائض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الفرائض

اعلم أن علم الفرائض هو علم المواريث يحتاج إليه لكثرة ما تعم به البلوى ويكون فيه النوازل والفتوى ولهذا حث الشارع على تعلمه ورغب فيه مخافة اندراسه فقال‏:‏ «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وسيقبض هذا العلم بقبض العلماء وتظهر الفتن حتى يتنازع الاثنان في الفريضة فلا يجدان أحدا يفصل بينهما» وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه أول ما ينزع من أمتي» ثم يحتاج إلى معرفة تفسير الفرائض وسبب استحقاق الميراث وسبب حرمانه والحقوق المتعلقة بالتركة وأصناف الوارثين أما تفسيرها فالفرض في اللغة عبارة عن التقدير قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فنصف ما فرضتم‏}‏ أي قدرتم ويقال فرض القاضي النفقة إذا قدرها، وكذا يستعمل للقطع يقال قرضت الفأرة الثوب أي قطعته فسمي كتاب الفرائض؛ لأن سهام المواريث كلها مقدرة مقطوعة ولأن سبب استحقاق الإرث القرابة وما هو ملحق بها كالولاء أما القرابة فنوعان رحم وزوجية ونص الكتاب ناطق بهما وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوصيكم الله في أولادكم‏}‏ الآية ولأن الميت لما استغنى عن ماله ولم يستحقه أحد يبقى عاطلا سائبا والقريب أولى الناس به فيستحقه بالقرابة صلة كما يستحق النفقة حال حياة مورثه صلة والزوجية أصل القرابة وأساسها؛ لأن القرابات تفرعت وتشعبت منها فالتحق قرابة السبب بقرابة النسب في حق استحقاق الإرث، وأما الولاء فلقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الولاء لحمة كلحمة النسب» يعني في حق استحقاق الميراث فقد التحق الولاء بالنسب ولأنه بالإعتاق تسبب إلى إحيائه حكما حين أزال عنه المالكية والولاية التي هي من خاصة الإنسانية وكان السبب إلى الإحياء يعني بالإعتاق وكذا ولاء الموالاة‏:‏ «لقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عمن أسلم على يد رجل هو أحق الناس به محياه أو مماته»‏.‏

وأما ما يحرم به الميراث فأنواع ثلاث الرق والكفر والقتل مباشرة بغير حق أما الرق فلأنه سلب أهلية الملك، وأما الكفر فلقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا يتوارث أهل ملتين» يعني لا يرث كافر مسلما ولا مسلم كافرا، وأما القتل فلما يأتي في بابه، وأما الحقوق المتعلقة بالتركة فأربعة الكفن والدفن والوصية والدين والميراث فأول ما يبدأ منها بكفن الميت ودفنه؛ لأن ستر عورته ومواراة سوآته من أهم حوائجه واستغراق الدين بماله لم يمنعه من ذلك حال حياته فكذلك بعد وفاته ثم تقضى ديونه؛ لأنها أهم من قضاء ديون الله لا استغناء الله تعالى وافتقار العبد لشدة خصومة الله تعالى في حقوق العباد ولكثرة تجاوز الله تعالى وعفوه وتفضله وكرمه ثم تنفذ وصيته من الثلث؛ لأنها من حوائج الميت والوارث إنما يستحق الميراث إذا استغنى المورث وهذا إذا كانت الوصية بشيء بعينه فإن كانت الوصية بثلث ماله أو ربعه فالموصى له شريك الورثة؛ لأنها بمعنى الميراث؛ لأنه ثبت حقه في جميع التركة شائعا كحق سائر الورثة ثم يقسم الباقي بين ورثته على فرائض الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما أصناف الوارثين فثلاثة أصحاب الفرائض الذين لهم سهام مقدرة وعصبة وهم الذين يأخذون ما فضل من أصحاب الفروض وذوو الأرحام وهم الذين ليس لهم فروض مقدرة ولا لهم حقيقة تعصيب وإنما لهم مجرد قرابة ولم يتعرض المؤلف لبيان ما يجري فيه الإرث وما لا يجري فيه الإرث فنقول لا شك أن أعيان الأموال يجري فيها الإرث، وأما الحقوق فمنها ما يجري فيه الإرث حق الشفعة وخيار الشرط وحد القذف عندنا والنكاح لا يورث بلا خلاف وحبس المبيع وحبس الرهن يورث والوكالات والعواري والودائع لا تورث، واختلف المشايخ في خيار العيب فمنهم من قال يورث ومنهم من قال لا يورث ولكن لا يثبت للورثة ابتداء والدية تورث بلا خلاف، وأما القصاص في الأصل أنه يورث ويثبت للورثة ابتداء ويجوز أن يقال القصاص لا يورث عند أبي حنيفة ويورث عندهما والولاء يورث بلا خلاف‏.‏

وأما بيان الوقت الذي يجري فيه الإرث فنقول هذا فصل اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق الإرث يثبت في آخر جزء من أجزاء حياة المورث وقال مشايخ بلخ الإرث يثبت بعد موت المورث وفائدة هذا الاختلاف إنما تظهر في رجل تزوج بأمة الغير، ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت حرة فمات المولى والزوج وارثه هل تعتق ‏؟‏ فعلى قول من يقول بأن الإرث يجري في آخر جزء من أجزاء حياة المورث تعتق بعد الموت، وذكر هذه المسألة في القدوري وذكر أنها على قول أبي يوسف لا تعتق وعلى قول زفر تعتق‏.‏

وأما ما يستحق به الإرث وما يحرم به فنقول ما يستحق به الإرث شيئان النسب والسبب فالنسب على ثلاثة أنواع المنتسبون إليه وهم الأولاد والمنتسب هو إليهم وهم الآباء والأمهات والسبب وهم الأخوات والأعمام والعمات وغير ذلك والسبب ضربان زوجية وولاء والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء الموالاة وفي النوعين من الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى هذا بيان جملة ما يستحق به الإرث‏.‏ جئنا إلى بيان ما يحرم به الإرث فنقول ما يحرم به من الميراث الرق حتى إن العبد لا يرث من الحر والحر لا يرث من العبد وسيأتي شيء من ذلك بعدها، واختلاف الدينين حتى لا يرث الكافر من المسلم ولا المسلم من الكافر وسيأتي أيضا والقتل مباشرة بغير حق ففي القتل يشترط لحرمان الميراث ثلاثة أشياء‏:‏ أحدها - المباشرة سواء كانت عمدا أو خطأ حتى إن من تسبب إلى قتل مورثه بأن صب الماء على الطريق فزلق به مورثه فمات أو حفر بئرا على حافة الطريق فوقع فيها مورثه ومات لا يحرم من الميراث‏.‏ الثاني - أن يكون القتل بغير حق والقتل بحق لا يوجب حرمان الإرث، ألا ترى أن من صال عليه مورثه فقتله الوارث دفعا لصيالته لا يوجب حرمان الميراث‏.‏ الشرط الثالث - أن يكون المباشر مخاطبا حتى إن الصبي والمجنون إذا قتل لم يتعلق به حق وجوب القصاص ولا حرمان الميراث وكذلك اختلاف الدارين سبب لحرمان الميراث؛ لأن الميراث إنما يستحق بالنصرة ولا تناصر عند اختلاف الدارين ولكن هذا الحكم في أهل الكفر لا في حق المسلمين حتى إن المسلم إذا مات في دار الإسلام وله ابن مسلم في دار الهند أو الترك يرث‏.‏ وفي الكافي ثم اختلاف الدارين على نوعين حقيقي كالحربي مات في دار الحرب وله ابن ذمي في دار الإسلام فإنه لا يرث الذمي من ذلك الحربي وكذا لو مات ذمي في دار الإسلام وله أب أو ابن في دار الحرب فإنه لا يرث ذلك الحربي من ذلك الذمي وحكمي كالمستأمن والذمي حتى ولو مات مستأمن في دارنا لا يورث منه وارثه الذمي وكذلك الدين سبب لحرمان الميراث وهذا إذا كان الدين مستغرقا للتركة، أما إذا لم يكن مستغرقا فالقياس أن لا يوجد حرمان الإرث وفي الاستحسان لا يوجب، وقد قيل البعد سبب لحرمان الميراث أيضا حتى لا يرث البعيد من القريب إذ لو ورث لورث جميع العالم من واحد وأنه محال‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏يبدأ من تركة الميت بتجهيزه‏)‏ المراد من التركة ما تركه الميت خاليا عن تعلق حق الغير بعينه، وإن كان حق الغير متعلقا به كالرهن والعبد الجاني والمشتري قبل القبض فإن صاحبه يقدم على التجهيز كما في حال حياته فحاصله أنه معتبر بحال حياته فإن المرء يقدم نفسه في حال حياته فيما يحتاج إليه من النفقة والكسوة والسكنى على أصحاب الدين ما لم يتعلق حق الغير بعين ماله فكذا بعد وفاته يقدم تجهيزه من غير تقتير ولا تبذير وهو قدر كفن الكفاية أو كفن السنة أو قدر ما كان يلبسه في حال حياته من الوسط أو من الذي كان يتزين به في الأعياد والجمع والزيارات على ما أختلفوا فيه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما‏}‏ وهو محترم حيا وميتا فلا يجوز كشف عورته وفي الأثر لعظام الميت من الحرمة ما لعظام الحي فيجب أن يعلم أن التركة تتعلق بها حقوق أربعة جهاز الميت ودفنه والدين والوصية والميراث فيبدأ بجهازه وكفنه وما يحتاج في دفنه بالمعروف وفي الكافي من غير تبذير ولا تقتير وفي التهذيب إذا مات الرجل يبدأ من تركته بتكفينه وتجهيزه بالمثل والمثل ما يلبس عند الخروج وقيل في الأعياد وقيل في الجمع والجماعات وهو الأصح، ثم الدين وأنه لا يخلو إما أن يكون الكل دين المرض، وإن كان البعض دين الصحة والبعض دين المرض فإن كان الكل سواء لا يقدم البعض على البعض، وإن كان الدين دين الصحة والبعض دين المرض ثبت بالبينة أو المعاينة فهو دين الصحة سواء وفي المضمرات وسئل عمن مات وله مال في يد أجنبي وطلب منه الورثة تسليم ذلك وعلى الميت ديون والمدعى عليه يعلم بذلك وأنهم ورثته فصالحه الورثة عما عليه وفي يده مال، ثم دفعه من مال نفسه إليهم هل يغرم لغرماء الميت فقال نعم ولا يبرأ بهذا الصلح وسئل عمن مات وله في يد أجنبي مال وله ورثة ولا شيء في أيديهم وعلى الميت ديون على من يدعي صاحب الدين وعلى من يقيم البينة فقال على ذي اليد بحضرة الورثة وتنفذ وصاياه من ثلث ماله، وفي الفرائض للحسامي، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ما يبقى بعد الكفن والدين إلا أن يجيز الورثة أكثر من الثلث ويقسم الباقي بين الورثة على سهام الميراث وهذا إذا كانت الوصية بشيء بعينه فأما إذا كانت الوصية شائعا نحو الوصية بالثلث أو بالربع لا تقدم الوصية على الميراث بل يكون الموصى له شريك الورثة في هذه الصورة يزاد حقه بزيادة تركة الميت وينقص حقه بنقصان تركة الميت‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم بدينه‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد وصية توصون بها أو دين‏}‏ قال علي كرم الله وجهه إنكم تقرءون الوصية مقدمة على الدين، وقد شهدت «النبي صلى الله عليه وسلم قدم الدين على الوصية» ولأن الدين واجب ابتداء والوصية تبرع والبداءة بالواجب أولى والتقديم ذكرا لا يدل على التقديم فعلا والمراد دين له مطالب من جهة العباد لا دين الزكاة والكفارات ونحوها؛ لأن هذه الديون تسقط بالموت فلا يلزم الورثة أداؤها إلا إذا أوصى بها أو تبرعت الورثة بها من عندهم؛ لأن الركن في العبادات نية المكلف بفعله، وقد فات بموته فلا يتصور بقاء الواجب؛ لأن الآخرة ليست بدار الابتلاء حتى يلزمه الفصل فيها ولا العبادة حتى يجيز بفعل غيره من غير اختيار بخلاف دين العباد؛ لأن فعله ليس بمقصود فيه، ألا ترى أن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه وأخذ يجتزئ بذلك ولا كذلك حق الله تعالى؛ لأن المقصود فيها فعله ونيته ابتلاء، والله غني عن ماله وعن العالمين جميعا غير أن الله تعالى تصدق على العبد بثلث ماله في آخر عمره ليتدارك ما فرط فيه تفضلا من غير حاجة إليه فإن أوصى به قام فعل الورثة مقام فعله لوجود اختياره بالإيصاء وإلا فلا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم وصيته‏)‏ أي تنفذ وصيته من ثلث ما بقي بعد التجهيز والدين لما تلونا وفي أكثر من الثلث لا يجوز إلا بإجازة الورثة، وقد بيناه في كتاب الوصية، ثم هذا ليس بتقديم على الورثة في المعنى بل هو شريك لهم حتى إذا سلم له شيء سلم للورثة ضعفه أو أكثر ولا بد من ذلك بخلاف التجهيز والدين فإن الورثة والموصى لهم لا يأخذون إلا ما فضل منهما‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم يقسم بين ورثته وهم ذو فرض أي ذو سهم مقدر‏)‏ لما تلونا ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ألحقوا الفرائض بأهلها فما فضل فلذي عصبة ذكر وفي رواية فلأولى رجل ذكر» وذلك على سبيل التأكيد كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تلك عشرة كاملة‏}‏ ‏{‏ولا طائر يطير بجناحيه‏}‏‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فللأب السدس مع الولد وولد الابن‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد‏}‏ جعل له السدس مع الولد وولد الابن ولد شرعا بالإجماع قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا بني آدم‏}‏ وكذا عرفا قال الشاعر‏:‏

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا *** بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وليس دخول ولد الابن في الولد من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز بل من باب عموم المجاز أو عرف كون ولد الابن كحكم الولد بدليل آخر وهو الإجماع وجميع أحوال الأب في الفرائض ثلاثة أحدها الفرض المطلق وهو السدس وذلك مع الابن أو ابن الابن، وإن سفل لما تلونا والحالة الثانية الفرض والتعصيب وذلك مع البنت أو بنت الابن الفرض بما تلونا والتعصيب لما روينا والحالة الثالثة التعصيب المطلق وذلك إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث‏}‏ ذكر فرض الأم وجعل الباقي دليلا على أنه عصبة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والجد كالأب إذا لم يتخلل في نسبته أم إلا في ردها إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب فيحجب الإخوة‏)‏ أي الجد كالأب إذا لم يتخلل في نسبه إلى الميت أنثى وهو الجد الصحيح إلا في مسألتين أحدهما في رد أم الميت من ثلث الجميع إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين فإن الأب يردها إليه كالجد وفي حجب أم الأب فإن الأب يحجبها دون الجد، وإن تخلل في نسبه إلى الميت أم كان فاسدا فلا يرث إلا على أنه من ذوي الأرحام؛ لأن تخلل الأم في النسبة يقطع النسب والنسب إلى الأباء؛ لأن النسب للتعريف والشهرة وذلك تكون بالمشهورة وهو الذكور دون الإناث وقوله كالأب يعني عند عدم الأب لأن الجد يسمى أبا قال الله تعالى حاكيا عن يوسف عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏}‏ وكان إسحاق جده وإبراهيم جد أبيه وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة‏}‏ وهما آدم وحواء عليهما السلام فإذا كان أبا دخل في النص إما بطريق عموم المجاز أو بالإجماع على نحو ما ذكرنا في ابن الابن فكان له الأحوال الثلاثة التي ذكرناها في الأب وله حالة رابعة وهو السقوط بالأب؛ لأنه أقرب منه ويدلي به فلا يرث معه وإنما يقوم مقامه عند عدمه وقوله ويحجب الإخوة يعني الجد يحجب الإخوة كالأب؛ لأنه قائم مقامه وهذا على إطلاقه قول أبي حنيفة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏ والأصح أن الجد نوعان صحيح وفاسد فالفاسد من جملة ذوي الأرحام والصحيح له أحوال ثلاثة على نحو ما ذكرنا في الأب وحكمه حال عدم الأب في استحقاقه السهم والتعصيب حكم الأب وحكم الواحد السدس وإذا كثر فالسدس بينهم بالسوية والفاصل بين الجد الصحيح والفاسد أن الصحيح هو الذي لم يتخلل في نسبته إلى الميت أم، وإن تخلل في نسبه إلى الميت أم فهو فاسد والجد الصحيح كالأب واختلف مشايخنا في الفتوى في مسائل الجد فامتنع بعضهم من الفتوى أصلا لكثرة الاختلاف الواقع فيما بين الصحابة وأفتى بها الآخرون لكن اختلفوا فيما بينهم كان الشيخ الإمام السرخسي يفتي في مسائل الجد بقول أبي يوسف ومحمد وبعض المتأخرين من مشايخنا اختاروا الفتوى بالصلح في مواضع الخلاف قالوا كنا نفتي بالصلح في الأجير في مواضع الخلاف المشترك لاختلاف الصحابة، واختلاف الصحابة هنا أظهر فكان الفتوى بالصلح هنا أحق وقال الشيخ الإمام شمس الدين الحلواني قال مشايخنا بأن الصواب في مسائل الجد أن يعطى الجد ما اتفقوا عليه، ثم يقيم بين الجد وبين الإخوة والأخوات نصفين أمروا بالصلح قال القاضي الإمام عماد الدين النسفي لا ينبغي للمفتي أن يقول المال كله للجد عند الصديق وإنما قال أبو حنيفة بذلك تعظيما لأمر الصديق، وأما أصول زيد رضي الله عنه فالأصل الأول أن يجعل الجد مع الإخوة والأخوات كأحدهم يقاسمهم ويقاسمونه ويزاحمهم ويزاحمونه ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال كجد وأخ إذ لا ينقص من الثلث‏.‏ فإن كان الثلث خيرا له من المقاسمة كجد وثلاثة إخوة يعطى الثلث ويقسم الباقي بينهم على فرائض الله تعالى الأصل الثاني أن يعتبر الإخوة والأخوات لأب مع الإخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد حتى يظهر نصيب الجد فإذا ظهر نصيبه وأعطى نصيبه رد أولاد الأب ما أخذوا على أولاد الأب والأم، وإن كانوا ذكورا ومختلطين وخرجوا بغير شيء فقد اعتبرهم في الابتداء وأخرجهم في الانتهاء بيانه جد وأخ لأب وأم وأخ لأب، وإن كان مع الجد أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب يقسم كما قلنا، ثم يرد الإخوة والأخوات لأب على الأخوات لأب وأم إلى تمام النصف وعلى الأختين لأب وأم إلى تمام الثلثين، ثم إن فضل شيء يكون له وإلا فلا، وفي الذخيرة فصل في مسائل يقوم الجد مقام الأب في حجب الأخوات لأب وأم أو لأب عند أبي حنيفة وهو قول أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وطلحة وعليه الفتوى وقال زيد يقاسم الجد الإخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له بأن كان لا ينقص نصيبه من الثلث وكأن يجعل الجد كأخ آخر وكان يجعل نصيبه كنصيب الأخ فإن انتقص نصيبه من الثلث يعطيه ثلث المال وهو قول أبي يوسف ومحمد وفي المضمرات نفس المقاسمة أن يجعل الجد في المقاسمة كأحد الإخوة‏.‏ وبيانه في المسائل إذا ترك الرجل أختا لأب وأم أو لأب وجدا فعلى قول أبي حنيفة المال كله للجد وعلى قولهما المال بينهما على ثلاثة أسهم سهمان للجد وسهم للأخت ويجعل الجد في هذه الصورة كأخ آخر؛ لأن المقاسمة خير له فإذا جعلناه كأخ آخر نصيبه سهمان من ثلاثة فيجعل كذلك، وإن ترك ثلاث إخوة لأب وأم أو لأب وجدا يقسم المال بينهم أخماسا عندهم له سهمان من ثلاثة، وإن ترك ثلاث إخوة لأب وأم أو لأب وجد فللجد الثلث ويجعل الجد كأخ فيقيم المال بينهم أخماسا سهمان للأخ وسهم للأخت ويجعل الجد كأخ آخر؛ لأن المقاسمة خير له؛ لأنا لو أعطيناه الثلث في هذه الحالة أعطيناه سهمين من ستة وسهمان من خمسة خير له من سهمين من ستة ولو ترك جدا وأخوين لأب وأم وأختا لأب وأم فهنا يعطى الجد ثلث المال؛ لأن الثلث خير له؛ لأن بالمقاسمة يحصل له سهمان من سبعة فإذا جعلنا الجد كأخ آخر كان خيرا له، وإن ترك جدا وأخا لأب وأم أو لأب وأختين لأب ففي هذه الصورة لا فرق بين المقاسمة وبين الثلث عندهما؛ لأن بالمقاسمة يصير كأنه مات عن ثلاثة إخوة لأب وأم؛ لأنا جعلنا الأختين أخا وإذا كان كذلك يقسم المال بينهم أثلاثا فيكون للجد الثلث سهم من ثلاثة، ولو أعطيناه الثلث ابتداء كان على الحساب من ثلاثة للجد سهم من ثلاثة فهو معنى قولنا أنه لا فرق بين المقاسمة وبين الثلث هنا والفتوى في هذه المسائل وما يتصل بها قول أبي حنيفة‏.‏ وفي الكافي ولو ترك جدا أو أخوين فالثلث هاهنا والمقاسمة سواء، ولو ترك جدا وثلاثة إخوة فالثلث هنا خير من المقاسمة ودليله في شرح الطحاوي‏.‏ ولو مات وترك جدا وأخا لأب وأم وأخا لأب فإن الأخ من الأب لا يرث مع الأخ لأب وأم وجد فإن الأخ لأب يدخل مع الجد؛ لأنه وارث في حق الجد، وإن لم يكن وارثا في حق الأخ لأب وأم فتكون المقاسمة والثلث سواء فيعطي للجد الثلث والثلثان للأخوين لكل أخ ثلثه وهذا كما يقول في الأخوين مع الأب برد الأم من الثلث إلى السدس ومع ذلك لا يرثان مع الأب وذكر في المضمرات أن المسائل المتعلقة بالإخوة خمسة أحدها الشركة وهي أن تترك المرأة زوجها وأما وجدا أو إخوة من أم وأخا من أب وأم فللزوج النصف وللأم السدس ولولد الأم الثلث ولا شيء للأخ من الأب والأم وهذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويشترك أولاد الأب والأم مع أولاد الأم في الثلث كأنهم أولاد أم واحدة سواء فيه الذكر والأنثى وهذا قول عمر رضي الله عنه وبه أخذ مالك والشافعي وكان عمر رضي الله عنه يقول أولا كما يقول أبو بكر رضي الله عنه، ثم رجع إلى قول غيره وسبب رجوعه أنه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من أولاد الأب فقال يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة والأب لا يزيد إلا قربا فأطرق عمر رأسه متأملا، ثم رفع رأسه فقال صدقوا هم سواء أم واحدة فنشركهم في الثلث فسميت المسألة مشتركة لتشريك عمر وحمارية لقول القائل‏.‏ وأما المسألة المنبرية‏.‏ والثالثة الأكدرية والرابعة العثمانية، وقد مرت، وأما الخامسة الحمزية وهي ثلاث أخوات متفرقات وثلاث جدات متحاذيات وجد هو أب الأب تحجب أم الأب بأب الأب وتحجب الأخت من الأم أيضا والأخت من الأب تدخل في المقاسمة وتخرج بغير شيء على الخلاف وتخرج المسألة من اثني عشر بعد القطع وإنما سميت حمزية؛ لأن حمزة بن حبيب فعلها‏.‏

وفي الذخيرة فصل في الحجب يجب أن يعلم بأن الحجب على نوعين حجب حرمان وحجب نقصان فحجب الحرمان يرد على الكل إلا على ستة‏:‏ الزوج والزوجة والأب والأم والبنت والابن‏.‏ وحجب النقصان لا يرد إلا على ثلاثة‏:‏ الزوج والزوجة والأم‏.‏ والحجب على نوعين‏:‏ حجب نقصان‏:‏ وهو حجب عن سهم إلى سهم وذلك لخمس نفر الزوجين والأم والجدة وبنت الابن والأخت لأب‏.‏ وحجب حرمان والورثة فيه فريقان فريق لا يحجبون بحال وهم ستة وهذا ينبني على أصلين أحدهما أن كل من يدلي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص سوى أولاد الأم فإنهم يرثون معها لانعدام استحقاقها التركة والثاني الأقرب فالأقرب كما في العصبات‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللأم الثلث‏)‏ وذلك عند عدم الولد وولد الابن لما تلونا وعند عدم الاثنين من الإخوة والأخوات على ما نبين قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومع الولد وولد الابن أو الاثنين من الإخوة والأخوات لا أولادهم السدس‏)‏ يعني مع واحد من هؤلاء المذكورين لا ترث الثلث وإنما ترث السدس لما تلونا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كان له إخوة فلأمه السدس‏}‏ فاسم الولد في المتلو يتناول الولد وولد الابن على قول جمهور الصحابة وروي عن ابن عباس أنه لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس إلا بثلاثة منهم عملا بظاهر الآية فإن الإخوة جمع وأقله ثلاثة والجمهور على أن الجمع يطلق على المثنى قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا‏:‏ لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض‏}‏ فأعاد ضمير الجمع في تسوروا ودخلوا وفي منهم على المثنى الملكان اللذان دخلا عليه كما في محله عرف ومثل هذا كثير شائع في كلام العرب قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومع الأب وأحد الزوجين ثلث الباقي بعد فرض أحدهما‏)‏ فيكون لهما السدس مع الزوج والأب والربع مع الزوج والأب؛ لأنه هو الثلث الباقي بعد فرض أحدهما فصار للأم ثلاثة أحوال ثلث الكل وثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين والسدس، وقد ذكرنا الكل بتوفيق الله تعالى ولذا جعل الله للأم ثلث ما ترثه هي والأب عند عدم الولد والإخوة لا ثلث الكل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وورثه أبواه فلأمه الثلث‏}‏ أي ثلث ما يرثانه والذي يرثانه مع أحد الزوجين هو الباقي من فرضه ولأنها لو أخذت ثلث الكل يكون نصيبها ضعف نصيب الأب مع الزوج أو قريبا من نصيبه مع الزوجة والنص يقتضي تفضيله عليها بالضعف إذا لم يوجد الولد والإخوة ولهذا قال ابن مسعود في الرد عليه ما أراد الله تفضيل الأنثى على الذكر وقال زيد لا أفضل الأنثى على الذكر ومرادهما عند الاستواء في القرابة والقرب، وأما عند الاختلاف فلا يمتنع تفضيل الأنثى على الذكر ولهذا لو كان مكان الأب جد كان للأم ثلث الجميع فلا يبالي بتفضيلها عليه لكونها أقرب منه، وأما عند أبي يوسف لها ثلث الباقي أيضا مع الجد وهو مروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما فإنهما ما كانا يفضلان الأم على الجد‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللجدات وإن كثرن السدس إن لم يتخلل جد فاسد في نسبتها إلى الميت‏)‏ قال في الأصل والكلام في الجدات في مواضع في ترتيبهن ومعرفة الصحيحة من الفاسدة منهن وفي قدر ميراثهن وفيما يسقطن به فالأول كل شخص له جدتان أم أم وأم أب ولأبيه وأمه كذلك وهكذا إلى كل واحد من الأصول إلى أن ينتهي إلى آدم وحواء عليهما السلام فالصحيحة منهن من لا يتخلل في نسبتها إلى الميت ذكر بين أنثيين والفاسدة من تخلل في نسبتها ذكر وذلك جد فاسد فمن يدلي به يكون فاسدا ذكرا كان أو أنثى وعند سعد بن أبي وقاص الفاسدة من تدلي بذكر مطلقا وإذا أردت تنزيل كل عدد من الجدات الوارثات المتحاذيات فاذكر أولا لفظة أم أم بمقدار العدد الذي تريده، ثم تقول ثانيا أم أم تجعل مكان الأم الأخيرة أبا، ثم في كل مرة تبدل مكان الأم أبا على الأول إلى أن تبقى لفظة أم مرة مثاله إذا سئلت عن أربع جدات وارثات متحاذيات فقيل أم أم أم أم بقدر عددهن لفظة أم مرة لإثبات الدرجة التي تتصور أن يجتمعن فيها فإنه لا يتصور أن يجتمعن فيها إلا إذا ارتفعن قدر عددهن من الدرجات فأربع جدات وارثات لا يتصور اجتماعهن إلا في الدرجة الرابعة فتقول أم أم أم أم أربع مرات فهذه واحدة منهن وهي من جهة الأم ولا يتصور من جهتها وارث أكثر من واحدة‏.‏ ثم يأتي بواحدة أخرى من جهة الأب في درجتها فتقول أم أم أم أب، ثم تأتي بأخرى من جهة الجد فتقول أم أم أب الأب، ثم تأتي أخرى من جهة جد الأب فتقول أم أب الأب ولا يتصور أن يجتمع الوارثات في هذه الدرجة أكثر من ذلك؛ لأن لكل جد صحيح له أم وارثة وكذا أم أمه، وإن علت ولا يتصور أن يكون جدة وارثة من كل أب إلا واحدة فيحتاج إلى أن يأتي من الأباء قدرهن عددا إلا واحدة وهي التي من جهة الأم فإنها تدلي بذكر والثانية تدلي بالأب فلهذا حذفت في النسبة الثانية أما واحدة وأبدلت مكانها أبا، والجدة الثالثة تدلي بالجد فلهذا أسقطت اثنين وأبدلت مكانهما أبوين والرابعة تدلي بجد الأب فلهذا سقطت أمهات وأبدلت مكانهن ثلاثة آباء فهذه طريقة في أكثر منهن إلى ما لا يتناهى هذه معرفة الصحيحة، وإذا أردت أن تعرف ما يقابل الصحيحات من الفاسدات فخذ عدد الصحيحات واجعله في يمينك واطرح منه اثنين واجعلها بيسارك بعدد ما بقي في يمينك فالمبلغ عدد الجدات الصحيحات والفاسدات جميعا فإذا سقطت منه عدد الصحيحات فالباقيات هي الفاسدات، مثاله إذا سئلت عن أربع جدات صحيحات كم بإزائهن من الفاسدات فخذ أربعة يمينك واطرح منها اثنين فخذها يسارك فإذا ضعفت هذا المطروح بعدد ما بقي في يمينك صار ثمانية وهو عدد مبلغ الجدات أجمع في هذه الجدة فإذا أسقطت عدد الصحيحات وهن أربع بقيت أربعة وهن الفاسدات وميراثهن السدس‏.‏ وإن كثرن يشتركن فيه لما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قضى بين الجدتين إذا اجتمعتا بالسدس بالسوية» وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشرك بين الجدتين في السدس وسيذكر ما يسقطن به‏.‏ وفي الظهيرية فاعلم أنه لا بد لكل واحد من بني آدم سوى عيسى عليه السلام أن يكون له جدتان أحدهما من قبل الأم وهي أم الأم والأخرى من قبل الأب وهي أم الأب يجب أن يعلم بأن الجدات طبقتان طبقة هي من جملة أصحاب الفرائض يعرفن بالثابتات وطبقة وهي من جملة ذوي الأرحام يعرفن بالساقطات، فالحاصل إذا كان لميت أم الأب وأم أم الأم والأب حي فعند بعض المشايخ لا شيء لواحدة منهن؛ لأن أم أم الأم تصير محجوبة بأم الأب وأم الأب تصير محجوبة بالأب، وعند بعض المشايخ ترث الجدة من قبل الأم وفريضة الواحدة منهن السدس بينهن بالسوية وهذا قول عامة الصحابة، وفي المضمرات الجدة الواحدة والجدات فصاعدا السدس لا يزاد عليه إلا عند الرد ولا ينقص إلا عند العول والجدات ست ثنتان لك وثنتان لأمك وثنتان لأبيك والكل وارثات إلا واحدة وهي أم أب قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وذات جهة كذات جهتين‏)‏ يعني الجدة إذا كانت من جهة واحدة والأخرى لها جهتان فهما سواء في الميراث قال في الأصل، وإن كانت للميت جدة من جهة واحدة وجدة من جهتين أو ثلاث جهات، قال أبو يوسف لا عبرة لكثرة الجهات والسدس بينهن بالسوية، وقال محمد لكثرة الجهات عبرة والسدس بينهن على عدد الجهات وصورتها من جهتين امرأة زوجت ابنة ابنها من ابن ابنها فولد بينهما غلام فهذه المرأة لهذا الغلام جدة من جهتين فإنها أم أم أم هذا الغلام وأم أب أب هذا الغلام فلو مات هذا الغلام وترك هذه الجدة وجدة أخرى من جهة الأب فهي أم أم أبيه‏.‏ قال أبو يوسف السدس بينهما بالسوية وقال محمد السدس بينهما أثلاثا ثلثاه لذات الجهتين وثلثه لذات الجهة الواحدة وصورتها من الجهات الثلاثة هذه المرأة المزوجة زوجت بنت بنت بنت لأخرى من هذا الغلام المولود فولد بينهما غلام فإن هذه الزوجة لهذا الغلام المولود الثاني من ثلاث جهات من جهة هي أم أم أم أمه وهي من جهة هي أم أم أم أبيه ومن جهة أم أب أب أبيه فلو مات هذا الغلام وترك هذه الجدة وجدة أخرى من قبل الأب وهي أم أم أب الأب فعلى قول أبي يوسف أن السدس بينهن بالسوية وعلى قول محمد على أربعة أسهم‏:‏ ثلاثة أسهم للجدة هذه وسهم واحد للجدة الأخرى قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والبعدى تحجب بالقربى‏)‏ سواء كانا من جهة واحدة أو من جهتين وسواء كانت القربى وراثة أو محجوبة بالأب أو بالجد وفي رواية عن ابن مسعود لا تحجب الجدات إلا الأم وفي رواية عنه وعن زيد بن ثابت أن القربى إذا كانت من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم وبالعكس تحجب؛ لأن الجدات يرثن بولادة الأبوين فوجب أن تعطي كل واحد منهن حكم من تدلى به والأب لا يحجب الجدات من قبل الأم فكذا أمه والأم تحجب كل واحدة هي أبعد منها فكذا أمها ولنا أن الجدات يرثن باعتبار الولاد فوجب أن يقدم الأدنى على البعدى كالأب الأدنى مع الأب الأبعد وليس كل حكم ثبت بواسطة يثبت لمن تدلي به‏.‏ ألا ترى أن أم الأم لا يزيد إرثها على السدس وتحجب بالأم والأب بخلاف ذلك قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والكل بالأم‏)‏ أي يحجب الجدات كلهن بالأم والمراد إذا كانت الأم وارثة وعليه الإجماع والمعنى فيه أن الجدات إنما يرثن بطريق الولادة والأم أبلغ حالا منهن في ذلك فلا يرثن معها ولأنها أصل في قرابة الجدة التي من قبلها إلى الميت وتدلي بها فلا ترث مع وجودها لما عرف في باب الحجب فإذا حجبت التي من قبلها كانت أولى أن تحجب التي من قبل الأب؛ لأنها أضعف حالا منها ولهذا تؤخر في الحضانة فتحجب بها وكذا الأبويات منهن يحجبهن بالأب إذا كان وارثا روي عن عثمان وعلي والزبير وسعد وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وبه أخذ جمهور العلماء، وروي عن عمر وابن مسعود وعمران بن الحصين وأبي موسى الأشعري وأبي الطفيل عامر بن واثلة أنهم جعلوا لها السدس مع الأب وبه أخذ طائفة من أهل العلم من التابعين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ورث جدة وابنها حي» ولأنها ترث ميراث الأم فلا يحجبها الأب كما لا يحجب الأم وكما لا يحجب الجد ولأنها ترث بطريق الفرض فلا تكون العصوبة حاجبة لها كما لا يحجبها عم الميت الذي هو ابنها قلنا إن أم الأب تدلي بالأب فلا ترث مع وجوده كبنت الابن مع الابن ولا حجة لهم في الحديث؛ لأنه حكاية حال فيحمل أن ذلك الأب كان عما للميت لا أبا ولا نسلم أنها ترث ميراث الأم بل ميراث الأب؛ لأن له السدس فرضا فترث ذلك عند عدمه ولئن كان ميراث الأم لا يلزم منه عدم الحجب بغيره، ألا ترى أن بنات الابن يرثن ومع هذا يحجبن بالأبوين وكذا الجد يحجب أبويه لما ذكرنا إلا أم الأب فإنها لا يحجبها، وإن علت لأن إرثها ليس من قبله وكذا كل جدة لا تحجب الجدة التي ليست من قبلها فصارت الجدة لها حالتان السدس والسقوط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللزوج النصف ومع الولد وولد الابن، وإن سفل الربع‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن‏}‏ فيستحق كل زوج إما النصف وإما الربع مما تركت المرأة؛ لأنها مقابلة الجمع بالجمع يقتضي مقابلة الفرد بالفرد كقولهم ركب القوم دوابهم ولبسوا ثيابهم ولفظ الولد يتناول ولد الابن فيكون مثله بالنص أو بالإجماع على ما بينا من قبل سواء كان من الزوج الوارث الولد أو ولد الولد أو من زوج غيره أو لا يعرف له أب كولد اللعان وغيره فيكون له الربع معه فصار للزوج حالتان النصف والربع وفي شرح الطحاوي فرض الزوج ما ذكرنا ولا يزاد على النصف ولا ينقص عن الربع إلا في حالة العول قال محمد والواحد من الأزواج والجماعة في استحقاقهم سهم الأزواج على السواء حتى إن جماعة لو ادعوا نكاح امرأة ولم تكن المرأة في بيت واحد منهم ولا دخل بها واحد منهم لا يعرف أنهم أول فأقام كل واحد منهم البينة على نكاحها فماتت المرأة قبل أن يقضي القاضي بميراث غير زوج واحد ويكون بينهم بالسوية ذكر محمد المرأة في كتاب النكاح ووضعها في الرجلين‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللزوجة الربع‏)‏ أي للزوجة نصف ما للزوج فيكون لها الربع حيث لا ولد ومع الولد أو ولد الابن‏.‏ وإن سفل الثمن لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم‏}‏ وإذا كثرن وقعت المزاحمة بينهن فيصرف عليهن جميعا على السواء لعدم الأولوية فصار للزوجات حالتان الربع بلا ولد والثمن مع الولد وفي شرح الطحاوي لا يزدن على الربع ولا ينقص عن الثمن إلا في حالة العول هكذا حكم بيان أصحاب الفرائض من النساء الزوجات‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللبنت النصف‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كانت واحدة فلها النصف‏}‏‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللأكثر الثلثان‏)‏ وهو قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وبه أخذ علماء الأمصار وعن ابن عباس أنه جعل حكم الثنتين منهن حكم الواحدة فجعل لهما النصف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك‏}‏ علق استحقاق الثلثين بكونهن نساء وهو جمع وصرح بقوله‏:‏ ‏{‏فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك‏}‏ والمعلق بشرط لا يثبت بدونه ولأن الله تعالى جعل للبنتين النصف مع الابن وهو يستحق النصف وحظ الذكر مثل حظ الأنثيين فعلم بذلك أن حظ البنتين النصف عند الانفراد وللجمهور ما روي عن جابر أنه قال‏:‏ «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا بمال فقال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال أعط بنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك» وما تلي لا ينافي استحقاق البنتين الثلثين؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه على ما عرف في موضعه فعرفنا حكم الجميع بالكتاب وحكم المثنى بالسنة ولأن الجمع قد يراد به التثنية لا سيما في الميراث على ما بينا من قبل فيكون المثنى مرادا بالآية وهو الظاهر‏.‏ ألا ترى أن الله تعالى لما بين حكم الجمع والمثنى جعل حكمهما كحكم الجمع في الأخوات لأب وأم أو لأب أو لأم في استحقاق الثلثين أو الثلث وقوله إن البنتين يستحقان النصف مع الابن قلنا استحقاقهما ذلك عند الاجتماع لا يدل على استحقاقها إياه عند الانفراد والواحدة تأخذ الثلث مع الابن عند الانفراد قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وعصبهما الابن وله مثل حظهما‏)‏ معناه إذا اختلط البنون والبنات عصب البنات فيكون للابن مثل حظهما فصار للبنات ثلاثة أحوال النصف للواحدة والثلثان للاثنين فصاعدا والتعصيب عند الاختلاط بالذكور‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وولد الابن كولده عند عدمه‏)‏ أي عند عدم الابن حتى يكون بنو الابن عصبة كالبنتين وبنات الابن كالبنات حتى يكون للواحدة النصف والبنتين فصاعدا الثلثان فيعصبهن الذكر عند اختلاطهن بالذكور فيكون ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويحجب بالابن‏)‏ أي ولد الابن يحجب بالابن ذكورهم وإناثهم فيه سواء؛ لأن الابن أقرب وهم عصبة فلا يرثون معه بالعصوبة وكذا بالفرض لأن بنات الابن يدلين به فلا يرثن مع الابن، وإن كن لا يدلين به فإن كان عمهن فهو مساو لأصلهن فيحجبهن كما يحجب أولاده؛ لأن ما ثبت لأحد المثلين ثبت لمساويه ضرورة‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومع البنت لأقرب الذكور الباقي‏)‏ أي إذا كان مع بنت الميت الأصلية أولاد الابن أو أولاد ابن الابن، وإن سفل أو المجموع كان الباقي بعد فرض البنت الصلبية لأقرب الذكور منهم؛ لأنه عصبة فيحجب الأبعد وأطلق في الذكور والمراد أولاد الابن وهذا المجموع إنما يستقيم إذا لم تكن في درجته بنت ابن، وأما إذا كانت في درجته بنت ابن فلا يكون الباقي من فرض البنت له واحدة‏.‏ ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللإناث السدس تكملة للثلثين‏)‏ ومراده إذا لم يكن في درجتهن ابن ابن، وأما إذا كان معهن ابن ابن يكن عصبة معه فلا يرثن السدس وإنما كان لهن السدس عند انفرادهن لقول ابن مسعود في بنت وبنت ابن وأخت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين والباقي للأخت» فبنات الابن لهن حالان سهم وتعصيب إذا لم يكن للميت ابن ولا ابنتان فصاعدا ولا ابن ابن فهي صاحبة سهم وسهم الواحدة النصف والثنتين فصاعدا فهن صاحبات الثلثين حيث لا ذكر في درجتهن ولا يزدن على الثلثين، وإن كثرن هذا قول الصحابة رضي الله عنهم وعامة الفقهاء، وإن كانت للميت ابنتين فلا شيء لبنت الابن إلا أن يكون في درجتها أو أسفل منها ابن ابن فتصير عصبة له ويقسم ما بقي من المال بعد المال بعد نصيب الابنتين بينهما ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ فقوله تكملة الثلثين دليل على أنهن يدخلن في لفظ الأولاد؛ لأن الله تعالى جعل للأولاد الإناث الثلثين فإذا أخذت الصلبية النصف بقي منه السدس فيعطي لها تكملة لذلك فلولا أنهن دخلن في الأولاد وفرضهن واحد لما صار تكملة له إلا أن الصلبية أقرب إلى الميت فيتقدم عليهن بالنصف ودخولهن على أنه عموم المجاز أو بالإجماع‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحجبن ببنتين‏)‏ أي يحجب بنات الابن ببنتين صلبيتين؛ لأن إرثهن كان تكملة للثلثين، وقد كمل بثلثين فسقطن إذ لا طريق لتوريثهن فرضا وتعصيبا قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏إلا أن يكون معهن أو أسفل منهن ذكر فيعصب من كانت بحذائه ومن كانت فوقه ممن لم تكن ذات سهم ويسقط من دونه‏)‏ أراد بقوله معهن أن يكون الغلام في درجتهن سواء كان أخا لهن أو لم يكن وهذا مذهب علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وبه أخذ عامة العلماء وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ليسقطن بنات الابن ببنتي الصلب، وإن كان معهن غلام ولا يقاسمهن، وإن كانت البنت الصلبية واحدة وكان معهن غلام كان لبنات الابن أسوأ الحالين بين السدس والمقاسمة فأيهما أقل أعطين وتسمى هذه المسائل الإضرار على قول ابن مسعود وحجته في ذلك أن بنات الابن بنات وفي ميراثهن أحد أمرين إما الفرض أو المقاسمة وفرضهن الثلثان والمقاسمة ظاهرة وليس لهن أن يجمعن فإذا استكملت البنات الثلثين فلو قاسمن لزم الجمع بينهما فلا يجوز وإذا كانت الصلبية واحدة أخذت النصف وبقي من فرض البنات السدس فيأخذونه إن كن منفردات، وإن كن مختلطات مع الذكور كان لهن أقل الأمرين من السدس والمقاسمة للتيقن به ولئلا تأخذ البنات أكثر من الثلثين ولا ميراث لهن مع الصلبيتين عند الانفراد‏.‏ فكذا عند الاجتماع كالعمة مع العم وابن الأخ مع أخته وللجمهور قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ وأولاد الابن أولاد على ما بينا من قبل فتشملهن الآية، وقضية هذا أن يكون المال مقسوما بين الكل إلا إن علمنا في حق أولاد الابن بأول الآية وفي حق الصلبيتين أو الصلبية الواحدة بما بعدها وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز ولا شبهة وإنما هو عمل بمقتضى كل لفظ على حدة ومن حيث المعنى أن البنات الصلبيات ذوات فرض وبنات الابن في هذه الحالة عصبات مع أخيهن وصاحب الفرض إذا أخذ فرضه خرج من البين فكأنه لم يكن فصار الباقي من الفرض لجميع المال في حق العصبة فتشاركه ولا يخرجن من العصوبة كما لو انفرد، ألا ترى أن صاحب الفرض لو كان غير البنات كالأبوين وأحد الزوجين كان كذلك فكذا مع البنات بخلاف العمة مع العم وبنات الأخ مع أخيها؛ لأنهن يصرن عصبة معهما مطلقا سواء كان معهن صاحب فرض أو لم يكن فلا يلزم من انتفاء العصوبة في محل لا يقبلها انتفاؤها في محل يقبلها وأخذهن زيادة على الثلثين ليس بمحظور، ألا ترى أنهن يأخذن بالمقاسمة عند كثرتهن بأن ترك أربعين بنتا، ثم الأصل في بنات الابن عند عدم بنات الصلب أن أقربهن إلى الميت ينزل منزلة البنت الصلبية والتي تليها في القرب منزلة بنات الابن وهكذا يفعل، وإن سفلن‏.‏ مثاله‏:‏ ترك ثلاث بنات‏:‏ ابن بعضهن أسفل من بعض بهذه الصورة‏:‏ فالعليا من الفريق الأول لا يوازيها أحد فيكون لها النصف والوسطى من الفريق الأول يوازيها من العليا من الفريق الثاني فيكون لها السدس تكملة للثلثين‏.‏ ولا شيء للسفليات إلا أن يكون مع واحدة منهن غلام فيعصبها ومن بحذاها ومن فوقها ممن لم تكن صاحبة فرض حتى لو كان الغلام مع السفلي في الفريق الأول عصبها وعصب الوسطى من الفريق الثاني والعليا من الفريق الثالث وسقطت السفليات، ولو كان الغلام من السفليات من الفريق الثاني عصبها وعصب الوسطى منه، والوسطى والعليا من الفريق الثالث عصب الجميع غير أصحاب الفرائض والمعنى ما ذكرنا أن العليا تنزل منزلة البنت، والباقي منازل بنات الابن، ولو كان الابن مع العليا من الفريق الأول عصب أخته وسقطت البواقي كما ذكرنا في الأولاد وهذا النوع منه من مسائل تسمى في عرف الفرضيين تشبيب بنات الابن إذ ذكرن مع اختلاف الدرجات وهو إما مشتق من قولهم تشبب فلان بفلانة إذا أكثر من ذكرها في شعره وتشبب القصيدة يحسنها ويرتبها بذكر البناء أو من شبب النار إذا أوقدها، فالفرس تشب شيئا إذا رفع يديه جميعا وأشببه أنا إذا نصحته بذلك؛ لأنه خروج وإيقاع يقال‏:‏ أشب النار من درجة إلى أخرى كحال الفرس في تراويه أي وشبابته فصار لبنات الابن أحوال ست الثلاثة المذكورة في البنات والسدس مع الصلبية والسقوط بالابن وبالصلبيتين إلا أن يكون معهم غلام‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والأخوات لأب وأم كبنات الصلب عند عدمهن‏)‏ أي عند عدم البنات وبنات الابن حتى يكون للواحدة النصف وللثنتين الثلثان ومع الإخوة لأب وأم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏‏.‏ وقد ذكرنا أن الأخت لأب وأم حالين سهم وتعصيب إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ابن، وإن سفل ولا جد أب الأب، وإن علا والأخوات لأب وأم سهم الواحدة النصف وسهم الاثنين فصاعدا الثلثان ولا يزاد على الثلثين، وإن كثرن فإن كان له جد أب الأب فالجد عند أبي حنيفة يحجب الأخوات كلها كالأب وعندهما لا تحجب، وإن كان الميت ابن أو ابنة ابن فالأخت في هذه الحالة عصبة تأخذ النصف بنت الابن فرضها النصف فتصير عصبة مع البنت ومع بنت الابن وكذلك إذا كان معها في درجتها أخ ذكر للأب وأم يصير عصبة وفي الكافي ومع الأخ لأب وأم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ والأخت لأب كأولاد الابن مع الصلبية بالإجماع للواحدة النصف وللأكثر الثلثان عند عدم الإخوة لأب وأم ولهن السدس مع الأخت لأب وأم تكملة الثلثين ولهن الباقي مع البنات أو مع بنات الابن‏.‏ وفي الظهيرية والتشبب في ميراث الإخوة والأخوات رجل مات وترك ثلاثة إخوة متفرقين بأن مات وخلف أخوين لأب وأم وأربعة إخوة لأب وأربعة إخوة لأم فللإخوة لأم الثلث والباقي للإخوة لأب وأم ولا شيء للإخوة للأب، ولو ترك أختين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع إخوة وأربع أخوات لأم على التخريج الذي بينا فيكون الثلثان بين الإخوة والأخوات لأب وأم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ وإذا مات الرجل وترك ابنة أو أختا لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت من قبل الأب والأم بالعصوبة وإذا ماتت المرأة وتركت زوجها وأختا لأب وأم فللزوج النصف وللأخت النصف بالفريضة‏.‏ ولو كانتا أختين فلهما الثلثان ويعول الحساب ولا يكون لهما الباقي؛ لأن الأخت لا تصير عصبة إلا في ثلاثة مواضع أحدها الأخوات مع البنات عصبات والثاني إذا خالط الإناث ذكر صرن عصبة والثالث الأخ مع الأم والأب والجد حال عدم الأب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللأب كبنات الابن مع الصلبيات‏)‏ حتى يكون للواحدة من الأخوات لأب النصف عند عدم الأخوات لأب وأم وللبنتين الثلثان فصاعدا ومع الإخوة للأب ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ ومع الأخت الواحدة لأب وأم السدس تكملة للثلثين لها ويسقطن بالأختين لأب وأم إلا أن يكون معهن آخر لأب فيعصبهن لما تلونا وبينا ويأتي فيهن خلاف ابن مسعود رضي الله عنه في مقاسمة الإخوة بعد فرض الأختين لأب وأم والكلام في الأخوات كالكلام في البنات والنص الوارد فيهن كالنص الوارد في البنات فاستغنينا عن البحث فيهن بالبحث في البنات؛ لأن طريق البحث فيهما واحدة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وعصبهن إخوتهن‏)‏ يعني يعصب الأخوات لأب وأم أو لأب إخوتهن يعني الموازي لهن والإخوة ليس بقيد وكذا يعصبهن الجد عند عدم الأخ الموازي لهن فيقاسمها الجد وفي كشف الغوامض ولا يعصبهن الشقيقة الأخ لأب إجماعا؛ لأنها أقوى منه في النسب بل تأخذ فرضها ولا يعصب الأخت لأب أخ شقيق بل يحجبها؛ لأنه أقوى منها إجماعا‏.‏ ا هـ‏.‏ دليله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وإن كانوا إخوة رجالا ونساء‏}‏ الآية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والبنت وبنت الابن‏)‏ يعني يعصب الأخوات البنت وبنت الابن لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة» ‏{‏وورث معاذ رضي الله عنه البنت النصف والأخت النصف ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي يومئذ» وروي‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة وابنة ابن وأخت للبنت النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأخت» وجعل المصنف البنت ممن يعصب الأخوات وهو مجاز وفي الحقيقة لا تعصبهن وإنما يصرن عصبة معها؛ لأن البنت بنفسها ليست بعصبة في هذه الحالة فكيف تعصب غيرها بخلاف الإخوة على ما يجيء عن قريب وهذا قول جمهور الصحابة رضي الله عنهم وروي عن ابن عباس أنه أسقط الأخوات بالبنت واختلفت الرواية عنه في الإخوة والأخوات في رواية عنه الباقي كله للإخوة وفي رواية الباقي بينهم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ قيل‏:‏ هو الصحيح من مذهبه وكذلك لو كان مع البنت أخت لأب وأم وأخ وأخت لأب في رواية الباقي للأخ وحده وفي رواية عنه بينهم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ هو احتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك‏}‏ فإرثها مشروط بعدم الولد واسم الولد يشمل الذكر والأنثى، ألا ترى أن الله تعالى حجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن بالولد والأم من الثلث إلى السدس واستوى فيه الذكر والأنثى وللجمهور ما روينا واشتراط عدم الولد فيما تلا إنما كان لإرثها النصف أو الثلثين بطريق الفرض‏.‏ ونحن نقول‏:‏ إنها لا ترث مع البنت فرضا وإنما ترث على أنها عصبة ويحتمل أن يراد بالولد هنا الذكر، وقد قامت الدلالة على ذلك وهو قوله وهو يرثها إن لم يكن لها ولد يعني أخاها يرثها إن لم يكن لها ولد ذكر؛ لأن الأمة اجتمعت على أن الأخ يرث تعصيبا مع الأنثى من الأولاد أو نقول‏:‏ اشتراط عدم الولد إنما كان لإرث الأخ جميع مالها وذلك يمتنع بالولد، وإن كان أنثى‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللواحد من ولد الأم السدس وللأكثر الثلث ذكورهم وإناثهم سواء‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة‏}‏ قوله‏:‏ ‏{‏وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث‏}‏ والمراد به أولاد الأم؛ لأن أولاد الأم والأب مذكورون في آية النصف على ما ذكرنا من قبل ولهذا قرأها بعضهم وله أخ أو أخت لأم وإطلاق الشركة يقتضي المساواة كما إذا قال شريكي فلان في هذا المال أو قال له شركة؛ لأن الله تعالى سوى بينهما حالة الانفراد فدل ذلك على استوائهما حالة الاجتماع وفي المضمرات، ولو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فله السدس والباقي بينهما، وصورته أن يكونوا إخوة لأم وأب أو لأب فقط ولكل منهما امرأة وابن منها، ثم إن الأكبر طلق امرأته أو مات عنها فتزوج بها الأصغر فولدت له ابنين، ثم مات الأصغر والأكبر، ثم مات ابن الأكبر فقد مات عن ابني عم أحدهما أخ لأم فأصل المسألة من ستة وتصح من اثني عشر وللأخ من الأم سبعة سهمان فرض وخمسة بالتعصيب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحجبن بالابن وابنه، وإن سفل وبالأب وبالجد‏)‏ أي الأخوات كلهن يحجبن بهؤلاء المذكورين وهم الابن وابن الابن، وإن سفل والأب والجد، وإن علا وكذا الإخوة يحجبون بهم؛ لأن ميراثهم مشروط بالكلالة واختلفوا في الكلالة هل هي صفة للميت أو للورثة أو للتركة وقرئ يورث بكسر الراء وفتحها وأياما كان يشترط لتسميته به عدم الوالد والولد للميت فيسقطون بهم، والكلالة مشتقة من الإحاطة ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس وكذا الكلالة من أحاط بالشخص من الإخوة والأخوات فقيل أصلها من البعد يقال كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت ويقال حمل فلان على فلان، ثم كل عنه أي تركه وبعد عنه وغيره قرابة الولاء بعيدة بالنسبة إلى الولاد قال الفرزدق في شعر ورثتم قناة المجد لا عن كلالة عن أبي مناف عبد شمس وهاشم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والبنت تحجب ولد الأم فقط‏)‏ يعني البنت تحجب الإخوة والأخوات من الأم ولا تحجب الإخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب؛ لأن شرط إرث ولد الأم الكلالة ولا كلالة مع الولد والبنت ولد فتحجبهم وكذا بنت الابن؛ لأن ولد الابن يقوم مقامه فإن قيل وجب أن لا ترث الإخوة والأخوات لأب وأم أو لأب فقط مع البنت وبنت الابن؛ لأن شرط إرثهم الكلالة قلنا‏:‏ الكلالة شيء شرطت في حق إرثهن النصف أو الثلثين ولا ترث الكل بالعصوبة، فإذا انتفت الكلالة انتفى هذا الإرث المشروط بها فيستحقون الإرث المشروط بالعصوبة مع البنت بنص آخر كما بينا، بخلاف أولاد الأم فإن جميع ارثهم مشروط بالكلالة فينتفي بعدمها فصار للإخوة لأب وأم خمس النصف للواحدة والثلثان للأكثر والتعصيب بأخيهن والتعصيب مع البنات والسقوط مع الابن وللأخوات للأب سبعة أحوال الخمسة المذكورة والسدس مع الأخت الواحدة من الأب والأم والسقوط باثنتين من الأخوات من الأبوين كما تقدم للأخوات للأم ثلاثة أحوال السدس للواحدة والثلث للأكثر والسقوط كما ذكرنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وعصبة‏)‏ وهي معطوف على قوله في أول الكتاب ذو فرض فيكون معطوفا على الخبر فيكون خبرا قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏أي من يأخذ الكل‏)‏ أي إذا انفرد وما أبقته أصحاب الفروض وهذا رسم وليس بحد؛ لأنه لا بد أن يعرف الورثة كلهم ولا يعرف العصبة إلا بعد أن يعرفهم كلهم فنقول العصبة نوعان عصبة بالنسب وعصبة بالسبب فالعصبة بالنسبة ثلاثة أنواع عصبة بنفسه وهو كل ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى وعصبة بغيره وهي كل أنثى فرضها النصف أو الثلثان يصرن عصبة بأخواتهن كما تقدم وعصبة مع غيره وهي كل أنثى تصير عصبة مع أنثى أخرى كالبنات مع الأخوات والسبب نوعان مولى العتاقة ومولى الموالاة وسيأتي بيانه وفي المضمرات والعصبة أربعة أصناف‏:‏ عصبة بنفسه وهو جزء الميت وأصله وجزء أبيه وجزء جده الأقرب، وعصبة بغيره وهي كل أنثى تصير عصبة بذكر يوازيها كالبنت مع الابن وفي الذخيرة وبنت الابن مع ابن الابن وكالأخت لأب وأم مع الأخ لأب وأم وعصبة مع غيره وهي كل أنثى تصير عصبة مع أنثى أخرى كالأخوات لأب وأم أو لأب مع البنات وبنات الابن وإذا صار الشخص عصبة بغيره فذلك الغير لا يكون عصبة فأما الكلام في العصبة بنفسها فنقول‏:‏ أولى العصبات بالميراث الابن، ثم ابن الابن، وإن سفل، ثم الأب‏.‏ وفي المضمرات وإنما كان الابن أقرب من الأب، وإن استويا في الجزئية وفي انعدام الواسطة؛ لأن الجزئية للابن آخرهما أو كان قاضيا على الأول، ثم الجد أب الأب، وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم لأب وابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم بنوهما، وإن علوا على هذا الترتيب، ثم مولى العتاقة وفي شرح الطحاوي، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب وكذلك أولادهم على هذا الترتيب، ثم مولى العتاقة، ثم آخر العصوبة مقدم على ذوي الأرحام وفي الكافي الأحق فرع الميت أي البنون، ثم بنوهم، وإن سفلوا وفي المضمرات، ولو أردت معرفة القرب فاعتبر كل نوع أصلا واتصال الأخ بأخيه بواسطة واحدة واتصال العموم بواسطتين عرفا إن الأخ أقرب من العم، وأما الكلام في العصبة بغيرها فصورتها ما ذكرنا وهو كل أنثى تصير عصبة بذكر كبنت الابن مع ابن الابن وكالأخت لأب وأم أو لأب مع أخيها وهذا الحكم في الإخوة مع الأخوات مقصور على أخوات من جملة أصحاب الفروض وتصير عصبة بذكر يوازيها وفي الكافي، وأما العصبة بغيره فأربع من النسوة وهن اللاتي فرضهن النصف والثلثان يصرن عصبة بإخوتهن ومن لا فرض لها من الإناث وأخوها عصبة لا تصير عصبة بأخيها كالعم والعمة فالمال كله للعم دون العمة وابن العم المال لابن العم دون الابنة وكبنت الأخت وابن الأخ المال كله لابن الأخ‏.‏ بيانه إذا هلك الرجل وترك ابن أخ لأب وأم وبنت الأخ لأب وأم فالمال كله لابن الأخ ولا شيء لبنت الأخ؛ لأنها من جملة ذوي الأرحام وليست من جملة أصحاب الفرائض فلم تصر عصبة، وأما بنت الابن فإنها تصير عصبة بذكر يوازيها وفي الذخيرة على كل حال يوازيها وتصير عصبة بذكر أسفل منها إذ لم يصل إليها فرضها، وأما الكلام في العصبة مع غيره فصورتها كما ذكرنا‏.‏ وبيان ذلك من المسائل إذا هلك الرجل وترك بنتا وأختا لأب وأم أو لأب وأخا كذلك فللبنت النصف والباقي بين الأخ والأخت أثلاثا وقدمناه إذا اجتمعت العصبات وبعضها عصبة بنفسها وبعضها عصبة بغيرها وبعضها عصبة مع غيرها فالترجيح منها بالقرب إلى الميت بيانه إذا مات وترك بنتا وأختا لأب وأم وابن الأخ لأب فنصف المال للبنت والنصف للأخت ولا شيء لابن الأخ؛ لأن الأخت عصبة مع البنت وهي إلى الميت أقرب من ابن الأخ، وكذلك إذا كان مكان ابن الأخ عم طريقه ما قلنا في الناسخ وإذا استوى ابنان في درجة من العصبات وفي أحدهما قرابة زائدة فهي أولى إلا أن يكون الأخ أقرب إلى الميت مثال القرابة الزائدة أخ لأب وأم وأخ لأب فالأخ من الأب وأم أولى، ومثال السبق أخ لأب وابن أخ لأب وأم فالأخ أولى؛ لأنه أسبق إلى الميت وإذا اجتمع عدد من العصبات فالمال بينهم على عدد رءوسهم لأعلى الجهات، مثاله عشر ابن أخ وابن آخر فالمال بينهم على أحد عشر سهما لا على سهمين هذا الذي ذكرناه كله في العصبة من جهة النسب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والأحق الابن، ثم ابنه، وإن سفل‏)‏ وغيرهم محجوبون بهم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ إلى أن قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد‏}‏ فجعل الأب صاحب فرض مع الولد ولم يجعل للولد الذكر سهما مقررا فتعين الباقي له فدل أن الولد الذكر مقدم عليه بالعصوبة وابن الابن ابن، وإن سفل كالابن على ما بينا لأنه يقوم مقامه فيقدم عليه أيضا، ومن حيث المعقول أن الإنسان يؤثر ولده على والده ويختار صرف ماله له ولأجله يدخر ماله عادة إلا أنا صرفنا مقدار الفرض إلى أصحاب الفروض بالنص فيبقى الباقي على قضية الدليل وكان ينبغي أن يقدم البنت أيضا عليه وعلى كل عصبة إلا أن الشارع أبطل اختياره بتعيين الفرض لها وجعل الباقي لأولى رجل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم الأب، ثم أب الأب، وإن علا‏)‏ أي، ثم أولاهم بالعصوبة أصول الميت، وإن علوا وأولاهم به الأب؛ لأن الله تعالى شرط الإرث للإخوة بالكلالة وهو الذي لا ولد له ولا والد على ما بينا فعلم بذلك أنهم لا يرثون مع الأب ضرورة وعليه إجماع الأمة فإذا كان ذلك مع الإخوة وهم أقرب الناس إليه بعد فروعه وأصوله فما ظنك بمن هو أبعد منه كأعمامهم وأعمام أبيه والجدات‏.‏ ألا ترى أنه يقوم مقامه في الولاية عند عدم الأب ويقدم على الإخوة فيه فكذا في الميراث وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس وعائشة وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء وأبي الطفيل وابن الزبير ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وجماعة آخرين منهم رضي الله عنهم وبه أخذ أبو حنيفة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب‏)‏ وإنما قدموا على الأعمام؛ لأن الله تعالى جعل الإرث في الكلالة للإخوة عند عدم الولد والوالد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو يرثها إن لم يكن لها ولد‏}‏ فعلم بذلك أنهم يقدمون على الأعمام؛ لأنهم جزء الجد وإنما قدم الأخ لأب وأم؛ لأنه أقوى نسبا من الجانبين فكان ذا قرابتين بني العلات وكذا الأخت لأم وأب تقدم إذا صارت عصبة على الأخت لأب لما ذكرنا ولهذا يقدم في فرض فكذا في العصوبة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم الأعمام، ثم أعمام الأب، ثم أعمام الجد على الترتيب‏)‏ أي أولاهم بالميراث بعد الإخوة أعمام الميت؛ لأنهم بعد ذلك جزء الجد فكانوا أقرب، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل»، ثم أعمام الأب لأنهم أقرب بعد ذلك؛ لأنهم جزء الجد، ثم أعمام الجد؛ لأنهم أقرب بعدهم‏.‏ وقوله على الترتيب أي على الترتيب الذي ذكرنا في الإخوة وهو أن يقدم العم لأب وأم على العم، ثم العم لأب على ولد العم لأب وأم وكذا يعمل في أعمام الأب يقدم منهم ذو قرابتين عند الاستواء في الدرجة وعند التفاوت في الدرجة يقدم الأعلى‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم المعتق‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الولاء لحمة كلحمة النسب» وهو آخر العصبات «لقوله عليه الصلاة والسلام لمن أعتق عبدا إن مات ولم يدع وارثا كنت عصبة له» قال في التعصيب من جهة النسب فهو نوعان مولى العتاقة ومولى الموالاة، أما الكلام في مولى العتاقة فنقول‏:‏ تكلم المشايخ في سبب استحقاقه الإرث قال بعضهم شبيه الإعتاق والنص يشهد له قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الولاء لمن أعتق» وقال بعضهم شبيه الملك على المعتق وهو الصحيح، ألا ترى أن من ورث قريبه حتى عتق عليه كان ولاؤه له ولا إعتاق ها هنا وفي المضمرات لا يباع الولاء ولا يوهب؛ لأنه ليس بمال وفي الزيادات ومن الناس من أجاز هبته والصحيح ما قلنا يكون لأقرب الناس عصبة من المعتق حتى لو مات مولى العتاقة وترك ابنه وبنته، ثم المعتق فميراثه لابن المعتق ولا شيء لبنت المعتق، وكذلك إذا مات مولى العتاقة وترك أبا وابنا، ثم مات المعتق كان ميراثه لابن المعتق ولا شيء لأبيه؛ لأن الابن أقرب العصبات إليه، فالحاصل أن الولاء نفسه لا يورث بل هو للمعتق على حاله ألا ترى أن المعتق ينسب بالولاء إلى المعتق دون أولاده فيكون استحقاق الإرث بالولاء لمن هو منسوب إليه حقيقة، ثم يخلفه فيه أقرب عصبة كما يخلف في ماله فينظر إلى موت المعتق إذ مولى العتاق لو كان حيا في هذه الحالة ومات من يرثه من عصباته وهو أقرب الناس إليه فيرث ذلك الشخص من المعتق‏.‏ وفي الذخيرة وهذا الذي ذكرنا أن الولاء لا يورث ظاهر الرواية عن أصحابنا وعن أبي يوسف أنه يورث ويقسم بين الابن والبنت ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ وهكذا روي عن عبد الله بن مسعود في رواية وبه أخذ إبراهيم النخعي وشريح القاضي وإذا مات المعتق ولم يترك إلا بنت المعتق فلا شيء لها في ظاهر الرواية عن أصحابنا ويكون الميراث لبيت المال، وحكي عن بعض مشايخنا أنهم كانوا يفتون في هذه المسألة أن يدفع المال إليها لا بطريق الإرث ولكن؛ لأنها أقرب إلى الميت من بيت المال كيف وأنه ليس في زماننا بيت المال وإنما كان كذلك في زمن الصحابة، وإذا دفع ذلك إلى سلطان الوقت أو القاضي لا يصرفون إلى مصرفه هكذا كان يفتي القاضي أبو بكر وصدر الشريعة، وذكر الإمام عبد الواحد الشهيد في فرائضه أن الفاضل عن سهام الزوج والزوجة لا يوضع في بيت المال بل يدفع إليهما؛ لأنهما أقرب إلى الميت من جهة النسب وكان الدفع إليهما أولى من غيرهما وكذلك الابن والابنة من الرضاع إذا لم يكن للميت غيرهما يدفع المال إليهما وعصبة المعتق ترث أما عصبة الورثة لا يرث مثاله امرأة أعتقت عبدا و ماتت وتركت ابنا وزوجا، ثم مات المعتق فالميراث لابن المعتق؛ لأنه عصبتها، ولو كان الابن مات وترك أباه وهو زوج المعتقة لا يرث؛ لأن أب الابن ليس عصبة المعتق وإذا أعتق الرجل عبدا، ثم أعتق المعتق الثاني عبدا، ثم مات المعتق الثالث وترك عصبة المعتق الأول لا غير يرث منه‏.‏ ولو أن امرأة اشترت أباها حتى أعتق عليها، ثم مات الأب وترك هذه المشترية وبنتا أخرى فميراث المعتق أثلاثا وكان الثلثان بينهما على السوية بحكم الفرض والثلث الآخر للمشتري بحكم الولاء وكثير من هذا الفصل قدم في كتاب الولاء، وأما الكلام في ولاء الموالاة فنقول‏:‏ تفسير ولاء الموالاة أن يسلم الرجل على يد رجل فيقول للذي أسلم على يديه أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك‏.‏ وفي شرح الطحاوي‏:‏ إن مت ولم يكن لي وارث لا من جهة الفريضة ولا من جهة العصبة ولا من جهة ذوي الأرحام فميراثي لك، وإن جنيت فعقلي عليك وعلى عاقلتك، وقبل الآخر فهذا هو تفسير ولاء الموالاة فإذا جنى الأسفل جناية فعقله على عاقلة المولى الأعلى وإذا مات الأسفل يرث منه المولى الأعلى، وإن مات لا يرث منه المولى الأسفل ولا تثبت هذه الأحكام بمجرد الإسلام بدون عقد الموالاة وإذا مات الأسفل فميراث الأسفل لأقرب الناس عصبة إلى الأعلى كما في ولاء العتاقة ولكل واحد منهما أن ينقض عقد الموالاة وليس له أن يجعل الولاء إلى غيره فإنه لو قال‏:‏ جعلت ولائي لفلان، لا يصير له والأسفل له أن يتحول بالولاء إلى غيره فإن له أن يوالي مع آخر وينقض العقد مع الأول، وإن والى مع غيره ينتقض الأول‏.‏ وإن كان الموالاة مع غيره بغيبة الأعلى وفي الذخيرة وولاء الموالاة يخالف ولاء العتاقة من وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن في العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى، وإن شرطوا ذلك في ولاء الموالاة يعتبر شرطهما حتى لو شرطا يرث كل واحد منهما كما شرطا‏.‏ والثاني‏:‏ أن ولاء الموالاة يحتمل النقض وولاء العتاقة لا يحتمل‏.‏ والثالث‏:‏ أن ولاء العتاقة مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام، المولى الأسفل إذا أقر بأخ أو ابن عم، ثم مات فميراثه لمولى الموالاة فقد صح منه عقد الموالاة ولم يصح منه الإقرار بالأخ وابن العم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم عصبته على الترتيب‏)‏ أي عصبة المولى ومعناه إذا لم يكن للمعتق من النسب على الترتيب الذي ذكرنا فعصبته مولاه الذي أعتقه فإن لم يكن مولاه فعصبته عصبة المعتق وهو المولى على الترتيب الذي ذكرناه بأن يكون جزء المولى أولى، وإن سفل، ثم أصوله، ثم جزء أبيه، ثم جزء جده يقدمون لقوة القرابة عند الاستواء أو بعلو الدرجة عند التفاوت‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏واللاتي فرضهن النصف والثلثان يصرن عصبة بإخوتهن لا غير‏)‏ وهن أربع من النساء البنات وبنات الابن والأخوات لأب وأم والأخوات لأب، وغيرهن لا يصرن عصبة بأخواتهن، وقد بيناه في بيان ميراثهن وقوله بإخوتهن هذا في البنات والأخوات ظاهر؛ لأن عصبتهن تقتصر عليهم، وأما بنات الابن فإنهن يصرن عصبة بأبناء أعمامهن أيضا، وإن سفل كما ذكرنا في مسائل النسب فيكون معناه في حقهن بإخوتهن أو من له حكم إخوتهن‏.‏ والمصنف ذكر حكم العصبات هنا واستوفاه إلا العصبة مع غيره وهن الأخوات مع البنات وإنما ترك ذكرهن؛ لأنه ذكرهن فيما تقدم، وقد شرحناه هناك فلا نعيده وإنما جعلهن مع البنات عصبة بغيرهن ومع إخوتهن عصبة؛ لأن ذلك الغير وهو البنات شرط ليصير ورثتهن عصبة ولم يجعلهن عصبة بهن؛ لأن نفسهن ليس بعصبة فكيف يجعلن غيرهن عصبة بهن، بخلاف ما إذا كن مع أخواتهن؛ لأن الإخوة بأنفسهن عصبة فيصرن به عصبة تبعا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن يدلي بغيره حجب به‏)‏ أي بذلك الغير سوى ولد الأم فإنه يدلي بالأم ولا تحجبه بل هي تحجب بالاثنين منهم من الثلث إلى السدس على ما بينا وإنما لا تحجبه الأم؛ لأنها لا تستحق جميع التركة ولا يرث هو إرثها؛ لأنها ترث بالولادة وهو بالأخوة فلا يتصور الحجب فيه بخلاف الجد حيث يحجب بالإخوة والأخوات كلهم لأنه يستحق جميع التركة وبخلاف الجدة حيث تحجب بالأم؛ لأنها ترث ميراث الأم والأم به أولى منها؛ لأنها أقرب وبخلاف الأب حيث يحجب الجد والجدة والإخوة والأخوات كلهن؛ لأنه يستحق جميع التركة وكذلك الابن يحجب ابنه لما ذكرنا ويكون الحاجب أقرب كالأعمام يحجبون بالإخوة وبأولادهم، وكأولاد الأعمام والإخوة يحجبون بأعلى درجة منهم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والمحجوب يحجب كالأخوين أو الأختين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس مع الأب‏)‏ وهما لا يرثان معه؛ لأن إرث الإخوة مشروط بالكلالة وإرث الأم الثلث مشروط بعد الاثنين من الإخوة، وروي عن ابن عباس في أب وأم وثلاث أخوات للأم السدس وللأخوات السدس وما بقي للأب فجعل للإخوة ما نقص من نصيب الأم، وبيان آية الكلالة تمنع من ذلك وآية حجب الأم بهم أيضا لا توجب لهم ما نقص من نصيبهما فيحجبونها من غير أن يحصل لهم شيء قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا المحروم بالرق والقتل مباشرة، واختلاف الدين أو الدار‏)‏ أي لا يحجب المحروم بهذه الأشياء أحدا وعند ابن مسعود يحجب حجب النقصان كنقص نصيب الزوجين والأم بالولد المحروم بما ذكرنا؛ لأن الله تعالى ذكر الولد مطلقا ونقص به نصيبهم من غير فصل بين أن يكون وارثا أو محروما وكذا نقص نصيب الأم بالإخوة مطلقا من غير فصل فيترك على إطلاقه ولا يحجب حجب الحرمان؛ لأنه لو حجب هذا الحجب وهو لا يرث لأدى إلى دفعه إلى بيت المال مع وجود الوارث أو إلى تضييقه؛ لأن بيت المال أيضا لا يرث مع الابن أو الإخوة، وجه قول الجمهور أن المحروم في حق الإرث كالميت؛ لأنه حرم لمعنى في نفسه كالميت، ثم إن الميت لا يحجب فكذا المحروم فصار كحجب الحرمان والنصوص التي توجب نقصان إرثهم لا نسلم أنها مطلقة؛ لأن الله تعالى ذكر الأولاد أولا وأثبت لهم ميراثا‏.‏ ثم ذكر بعد ذلك حجب النقصان بهم فينصرف إلى المذكورين أولا وهم المتأهلون للإرث، وهذا لأن المحروم اتصلت به صفة تسلب أهلية الإرث فألحقته بالمعدوم ولا كذلك المحجوب فإنه أهل في نفسه إلا أن حاجبه عليه على إرثه لزيادة قربه فلا يبطل عمله في حق غيره، وإنما ذكر سبب الحرمان بقوله‏:‏ لا المحروم بالرق‏.‏ إلخ؛ ليبين الأسباب المانعة من الإرث فإن الرق يمنع الإرث؛ لأن الرقيق لا يملك شيئا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يملك العبد إلا الطلاق» ولا فرق في ذلك بين أن يكون قنا وهو الذي لم ينعقد له سبب الحرية أصلا وبين أن ينعقد له سبب الحرية كالمدبر والمكاتب وأم الولد ومعتق البعض عند أبي حنيفة؛ لأن المعنى يشمل الكل وهو عدم تصور الملك لهم والمكاتب لا يملك الرقبة وهو عبد ما بقي عليه درهم على ما جاء في الخبر فلا يكون أهلا للإرث والقتل الذي يمنع الإرث هو الذي يتعلق به وجوب القصاص أو الكفارة وما لا يتعلق به واحد منهما كالقتل بسبب أو قصاص لا يوجب الحرمان ؛ لأن حرمة الإرث عقوبة فتعلق بما تتعلق به العقوبة وهو القصاص والكفارة والشافعي يعلقه بمطلق القتل حيث لا يرث عنده إذا قتله بقصاص أو رجم أو كان القريب قاضيا فحكم بذلك أو شاهدا فشهد به أو باغيا فقتله أو شهر عليه سيفا دفعا كل ذلك يمنع الإرث عنده وهذا لا معنى له؛ لأن القاتل أوجب عليه قتله أو جاز له قتله في هذه الصورة فكيف وجب عليه العقوبة بعد ذلك ولهذا لا يتعلق بسائر القتل سائر العقوبات فكذا الحرمان‏.‏ والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ليس للقاتل شيء من الميراث» هو القتل بالتعدي دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ليس للقاتل ميراث بعد كصاحب البقرة» أي قاتل هو كصاحب البقرة وهو كان متعديا، واحترز بقوله مباشرة عن القتل بالتسبب، واختلاف الدين أيضا يمنع الإرث والمراد به الاختلاف بين الإسلام والكفر بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»، وأما اختلاف ملل الكفار كالنصرانية واليهودية والمجوسية وعباد الوثن فلا يمنع الإرث حتى يجري الميراث بين اليهودي والنصراني والمجوسي؛ لأن الكفر كله ملة واحدة وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الناس كلهم خير ونحن خير»، واختلاف الدارين يمنع الإرث والمؤثر هو الاختلاف حكما حتى لا تعتبر الحقيقة بدونه حتى لا يجري الإرث بين المستأمن والذمي في دارنا ولا في دار الحرب ويجري بين المستأمن وبين من هو في داره؛ لأن المستأمن إذا دخل إلينا أو إليهم من أهل داره حكما، وإن كان في غيرها حقيقة والدار إنما تختلف باختلاف المنفعة والملك كدار الإسلام ودار الحرب أو دارين مختلفين من دار الحرب باختلاف ملكهم لانقطاع الولاية والتناصر فيما بينهم والإرث يكون بالولاية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والكافر يرث بالنسب والسبب كالمسلم‏)‏؛ لأنه مختار مكلف فيملك بالأسباب الموضوعة للملك كالمسلم ولأنه بعقد الذمة التحق بالمسلم في المعاملة فيملك بالأسباب الموضوعة كالمسلم فيكون حكمه في ذلك كحكم المسلم

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو حجب أحدهما فبالحاجب‏)‏ يعني لو اجتمع في الكافر قرابتان لو تفرقا في شخصين يحجب أحدهما الآخر يرث بالحاجب، وإن يحجب يرث بالقرابتين كما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له ابنا فهذا الولد ابنها وابن ابنها فيرث منها إذا ماتت على أنه ابن ولا يرث على أنه ابن ابن؛ لأن ابن الابن يحجب بالابن، ولو ولدت بنتا مكان الولد ترث الثلثين النصف على أنها بنت والسدس على أنها بنت ابن، ولو تزوج بنته فولدت له بنتا ترث من أمها النصف على أنها بنت وترث الباقي على أنها عصبة؛ لأنها أختها من أبيها وهي عصبة مع البنت، وإن مات أبوها ترث النصف على أنها بنت ولا ترث على أنها بنت البنت؛ لأنها من ذوي الأرحام فلا ترث مع وجود ذي سهم وعصبة وهو قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وبه أخذ أصحابنا وفي رواية عن ابن مسعود وزيد بن ثابت أنه يرث بأثبت القرابتين أو آكدهما أي أقواهما وبه أخذ مالك والشافعي رحمهما الله والصحيح الأول؛ لأن فيه إعمال السبب ولا يجوز إبطاله بغير مانع والمانع الحاجب ولم يوجد فيأخذ بالجهتين، ألا ترى أن المسلم يرث بالجهتين اتفق له ذلك بأن ماتت المرأة وتركت ابن عمها وهو زوجها أو أخوها من أمها فإنه يأخذ بالفرض والعصوبة فكذا الكافر إذ هو لا يخالف المسلم في سبب الملك كالشراء وغيره بخلاف الأخ من الأب والأم حيث لا يرث إلا بالعصوبة ولا يرث بالفرض على أنه أخ من أم؛ لأنه ليس فيه اختلاف الجهة؛ لأنه يرث بالأخوة وهي جهة واحدة فلا يصلح الاستحقاق بهما إلا للترجيح فقط عند مزاحمة من هو دونه في القوة كالأخ للأب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا بنكاح محرم‏)‏ أي لا يرث الكافر بنكاح محرم كما إذا تزوج مجوسي بأمه أو غيرها من المحارم لا يرث منها بالنكاح أما عندهما فظاهر؛ لأن النكاح لا يصح، وأما عند أبي حنيفة فإنه، ولو كان له حكم الصحة لكن لا يقر عليه إذا أسلما فكان كالفاسد وفي المضمرات اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يرثون بالأنكحة التي لا تصح بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بسبب أو رضاع ونكاح المطلقة قبل التزوج بزوج آخر واختلفوا في التوريث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود قال زفر‏:‏ لا يتوارثون وقال أبو حنيفة يتوارثون وقال أبو يوسف‏:‏ يتوارثون في النكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة وهذا بناء على اختلافهم في تقريرهم على هذه الأنكحة إذا أسلموا، وقد بينا ذلك في النكاح ولا خلاف بين أصحابنا أن الكافر الحربي لا يرث الذمي سواء كان الحربي مستأمنا في دارنا أو في دار الحرب وأهل الذمة يرث بعضهم بعضا، وإن اختلفت صورة مللهم عند عامة الصحابة؛ لأن الكفر كله ملة واحدة فجعلوا اليهود والنصارى ملة وكان أبو حنيفة وأصحابه يورثون أهل الحرب بعضهم من بعض إذا كانوا من أهل دار واحدة‏.‏ وإن اختلفت الداران لم يورثوا وتفسير اختلاف الدارين أن يكونا ملكين في موضعين ويرى كل واحد قتل الآخر، وإن اتفقت الملل وهذا بخلافنا فإن أهل العدل مع أهل البغي يتوارثون فيما بينهم؛ لأن دار الإسلام دار الأحكام فباختلاف الملك والمنفعة لا تتغير الدار فيما بين المسلمين؛ لأن أحكام الإسلام تجمعهم، وأما دار الحرب فليست بدار الأحكام بل هي دار قهر وباختلاف الملل تختلف الدار بينهم، واختلاف الدارين يقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان يعني أهل الدارين المختلفين بينهم من أهل الحرب، وإن كانوا مستأمنين فيجعل كل واحد منهم في الحكم كأنه في البقعة التي خرج منها بأمان، بخلاف ما إذا صاروا ذمة لأهل الإسلام يتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجري التوارث بعدما مات بينهم، وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر جئنا إلى المسائل ذمي مات وخلف ورثة في دار الحرب فماله فيء سواء كانت الورثة في دار الحرب أو في دار الإسلام معاهدين، ولو مات اليهودي وترك ابنا يهوديا في دار الإسلام يؤدي الجزية وابنا له في دار الحرب فالمال كله للابن اليهودي الذي يؤدي الجزية في دار الإسلام، ولو مات يهودي من أهل الحرب وهو مستأمن في دار الإسلام وترك ابنا مستأمنا في دار الإسلام وابنا ذميا وابنا حربيا وابنا مسلما فالمال على قول أهل العراق بين الابن المعاهد والحربي؛ لأن المعاهد بمنزلة الحربي عندهم فيرث منه الحربي ومن هو مثله وهو المعاهد‏.‏ ولو مات يهودي من أهل الذمة وخلف ابنا يهوديا وابنا نصرانيا فعلى قول من يورث أهل الذمة بعضهم من بعض، وإن اختلفت صور مللهم المال بينهما نصفان وعلى قول من يقول بأن اليهود ملة والنصارى ملة المال للابن اليهودي، وأما ميراث المجوس فيما بينهم يبنى على أصول ثلاثة أحدها أنهم لا يتوارثون بالأنكحة الفاسدة فيما بينهم وإنما يتوارثون بالأنكحة الصحيحة، والفاصل أن كل نكاح لو أسلما تركا على ذلك فهو نكاح صحيح، ولو أسلما لم يتركا فهو نكاح فاسد والثاني أن النسب فيما بينهم يثبت بالأنكحة الفاسدة ويتوارثون فيما بينهم بذلك النسب، وإن كانوا لا يتوارثون بذلك النكاح الثالث أن كل من يدلي إلى الميت بسببين أو ثلاثة فإنه يرث بجميع ذلك إلا إذا كان أحد السببين يحجب الآخر فحينئذ يرث بالحاجب، وقد قدمنا، ولو تزوج بأمه أو بابنته أو بأخته فمات أحدهما لا يرث الآخر وهذا الجواب على أصل أبي يوسف ومحمد ظاهر؛ لأن نكاح المحارم فيما بينهم فاسد عندنا، وإن كانوا يدينون جوازه؛ ولهذا قالا‏:‏ إذا طلبت النفقة من القاضي فالقاضي لا يفرض النفقة وإذا دخل بها سقط إحصانه حتى لا يحد قاذفه لو قذفه إنسان بعدما أسلم، ولو طلب أحدهما التفريق فالقاضي يفرق وذلك لا يشكل على قول أبي حنيفة على ما هو مختار مشايخ العراق، وإن كان نكاح المحارم فاسدا عند أبي حنيفة فاستدلوا لذلك بفصل عدم حرمان الإرث بينهما‏.‏ وإنما يشكل على قول مشايخ ما وراء النهر فإنهم يقولون بأن نكاح المحارم فيما بينهم جائز على قول أبي حنيفة ويقولون‏:‏ لو لم يكن النكاح جائزا عنده لما فرض لها النفقة ويستدلون أيضا بما لو دخل بها بعد النكاح أنه لا يسقط إحصانه عنده والعذر لمشايخ العراق في فصل النفقة أن النفقة كما تحجب بسبب النكاح فتحجب بسبب الاحتباس فإن ثمة لم يكن نكاح، وإن كان نكاح فاسدا يؤخذ النفقة بسبب الاحتباس لا بسبب النكاح وبقاء الاحتباس بعد الدخول لا يدل على صحة النكاح عند أبي حنيفة لا محالة، ألا ترى أن من تزوج امرأة ودخل بها وكان نظر إلى فرج أمها أو ابنتها بشهوة أن إحصانه لا يسقط، وإن كان نكاحا فاسدا عند أبي حنيفة والعذر لمشايخنا رحمهم الله عن فصل الإرث فإنه لا يجري الإرث فيما بينهم، وإن كانوا يدينون جواز النكاح واعتبر ديانتهم في حق جواز النكاح في حق الإرث فيما بين المحارم أن يقول‏:‏ إن ديانتهم إنما تعتبر بجواز النكاح؛ لأن جواز نكاح المحارم قد كان في شريعة آدم عليه السلام وفي الذخيرة، ثم فرقوا بين نكاح المحارم فيما بينهم وبين النسب الثابت في هذا النكاح فقالوا‏:‏ إذا تزوج المجوسي بمحارمه، ثم مات أحدهما لا يرثه الباقي‏.‏ فأما إذا حدث بينهما ولد فإنه يثبت النسب ويتوارثون بذلك النسب فيما بينهم تزوج مجوسي بابنة له فولدت منه ابنا وبنتا، ثم مات المجوسي فقد مات عن ابن وبنت وزوجة فيقسم المال بينهم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ يورثون بالنسب ويسقط اعتبار النكاح؛ لأنه فاسد يثبت به النسب فيما بينهم ولا يتوارثون به، فلهذا قال يسقط اعتبار النكاح ويرثون بالنسب، ولو مات الابن بعد ذلك فقد مات عن أخت لأب وأم وعن أخت لأب هي أمة فللأخت لأب السدس بحكم الأمومة والسدس بحكم الأختية والنصف للأخت لأب وأم والباقي للعصبة إن كانت وإلا فيرد عليهما وعلى سهامهما، ولو لم يمت الابن بعد موت المجوسي ولكن ماتت البنت التي هي زوجته فقد ماتت عن ابن هو أخوها لأبيها وعن بنت هي أختها لأبيها ويرثون بالبنوة والبنتية ويقسم المال بينهم ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏، ولو لم تمت الابنة التي هي زوج المجوسي ولكن ماتت الابنة الأخرى فقد ماتت عن أخ لأب وأم وعن أخت لأب وأم وعن أخت لأب هي أمها فيكون للأم السدس والباقي لأخ للأب وأم فيسقط اعتبار الأختية؛ لأن قرابة الأخت لأب ساقطة الاعتبار لقرابة الأخ لأب وأم وإنما كان للأم السدس في هذه الصورة؛ لأن للميت أخا وأختا والأخت من أهل الاستحقاق إلا أنها صارت محجوبة بهذا السبب العارض ولهذا سقط فرض الأم عن الثلث إلى السدس وفي الذخيرة مجوسي تزوج بأمة فولدت بنتا وابنا، ثم فارقها وتزوج ابنته فولدت له ابنة، ثم مات المجوسي فقط مات عن أم وابن وابنة بنت ابن فيكون للأم السدس باعتبار الأمومة والباقي بين الابن والبنت ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ ولا شيء لبنت الابن‏.‏ فإن مات الابن بعد فإنما مات عن زوجة هي جدته أم أبيه وهي أمه وعن أخت لأمه وأبيه فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة؛ لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمومة والابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمومة؛ لأن معها أخا لأم وأختا وهما يردان الأم من الثلث إلى السدس وللابنه السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة، فإن كانت الابنة التي ماتت هي الصغرى فقد ماتت عن أم وعن جدتها لأبيها وعن أبيها وعن عمة هي أختها لأبيها وعن ابن هو أخوها لأمها فللأم السدس والباقي للأب؛ لأن الإخوة والأخوات لا يرثون مع الأب شيئا، ولو لم تمت الابنة ولكن ماتت الأم فإنما ماتت عمن هو زوجها وهو ابن ابنها وعن ابنة ابن هي أختها فلا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والأنثى ‏{‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏ فلا شيء للذكر باعتبار أنه ابن ابن ولا الأنثى باعتبار أنها ابنة الابن مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج ابنته فولدت له ابنة، ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجة وثلاث بنات إحداهن زوجة وبنتان أختان لأم وإحداهن ابنة ابن فلا شيء للزوجة منهن بالزوجية منهن بالزوجية ولا للأختين لأم بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابن ولكن الباقي للعصبة إن كانت‏.‏ وإن لم تكن فهو رد على أم، والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد مات عن ابنة هي أخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للعصبة، وإن لم تمت هذه لكن ماتت الابنة السفلى فإن ماتت عن أمها وهي أختها لأبيها وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة رجل مجوسي تزوج بابنته فولدت ابنتين فمات المجوسي، ثم ماتت إحدى البنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فقد ذكر بعض المشايخ أن للأم السدس بالآية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية والأول أصح وفي السراجية حكم الأسير كحكم سائر المسلمين في الميراث ما لم يفارق دينه فإن فارق دينه فحكمه حكم المفقود مسلم ونصراني استأجرا ظئرا واحدا لولديهما فكبرا ولا يعرف ولد النصراني من ولد المسلم فالولدان مسلمان ترجيحا للأم ولكن لا يرثان من أبويهما؛ لأن المال لا يستحق بالشك، وكذا لو كان للرجل ابن ولمملوكه ابن أيضا فدفعاهما إلى ظئر واحدة فكبرا ولم يعرف ابن المولى من الرقيق فالولدان حران ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ولا يرثان شيئا قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يصطلحا أما إذا اصطلحا فيما بينهما فلهما أن يأخذا الميراث فكذا الجواب في ولد المسلم مع ولد النصراني وبه يفتى‏.‏ وفي المضمرات مات وترك أبوين وامرأتين أحدهما مسلمة والأخرى يهودية فللمرأة التي هي مسلمة الربع وللأم ثلثا الباقي والباقي للأب‏.‏ وإذا تحاكما إلينا أهل الكفر في قسمة المال قسمنا ذلك فيما بينهم على حكمنا دون حكمهم، وإن قدم الحربي إلينا بأمان فمات بعث ماله إلى وارثه في دار الحرب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويرث ولد الزنا واللعان من جهة الأم فقط‏)‏؛ لأن نسبه من جهة الأب منقطع فلا يرث به ومن جهة الأم ثابت فيرث به أمه وأخته من الأم بالفرض لا غير وكذا ترثه أمه وأخته من أمه فرضا لا غير ولا يتصور أن يرث هو أو يورث بالعصوبة إلا بالولاء أو الولاد فيرثه من أعتقه أو أعتق أمه أو ولده بالعصوبة وكذا هو يرث معتقه أو معتق معتقه أو ولده بذلك، وقد تقدم‏.‏