فصل: أقوال العلماء في البسملة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 أقوال العلماء في البسملة

- والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة‏:‏ طرفان‏.‏ ووسط، فالطرف الأول قول من يقول‏:‏ إنها ليست من القرآن، إلا في سورة النمل، كما قاله مالك‏.‏ وطائفة من الحنفية، وقاله بعض أصحاب أحمد مدعيًا أنه مذهبه، أو ناقلًا لذلك رواية عنه‏.‏ والطرف الثاني المقابل له قول من يقول‏:‏ إنها آية من كل سورة، أو بعض آية، كما هو المشهور عن الشافعي‏.‏ ومن وافقه، فد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة، وإنما يستفتح به السور تبركًا بها، والقول الوسط‏:‏ إنها من القرآن حيث كتبت، وإنها مع ذلك ليست من السور، بل كتبت آية في كل سورة، وكذلك تتلى آية مفردة في أول كل سورة، كما تلاها النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حين أنزلت عليه‏:‏ ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ ‏[‏الكوثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏ رواه مسلم ‏[‏في ‏"‏باب حجة من قال‏:‏ البسملة آية من كل سورة سوى براءة‏"‏ ص 172، وأبو داود في ‏"‏باب من لم ير الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ص 12، والنسائي في ‏"‏باب قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ ص 143‏]‏ من حديث المختار بن فلفل عن أنس أنه عليه السلام أغفا إغفاءة، ثم استيقظ، فقال‏:‏ ‏"‏نزلت علي سورة آنفًا، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏بسم اللّه الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ ‏[‏الكوثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏‏"‏ إلى آخرها، وكما في قوله ‏[‏أخرجه الترمذي في ‏"‏فضل سورة الملك‏"‏ ص 112 - ج 2‏.‏ وقال‏:‏ حديث حسن‏]‏‏:‏ ‏"‏إن سورة من القرآن، هي ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي ‏{‏تبارك الذي بيده الملك‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 1‏]‏‏.‏، وهذا قول ابن المبارك‏.‏ وداود‏.‏ وأباعه، وهو المنصوص عن أحمد بن حنبل، وبه قال جماعة من الحنفية، وذكر أبو بكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة، وهذا قول المحققين من أهل العلم، فإن في هذا القول الجمع بين الأدلة، وكتابتها سطرًا مفصلًا عن السورة يؤيد ذلك، وعن ابن عباس كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه ‏{‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏}‏ ‏.‏ وفي رواية‏:‏ لا يعرف انقضاء السورة، رواه أبو داود‏.‏ والحاكم، وقال‏:‏ إنه صحيح على شرط الشيخين، ثم لأصحاب هذا القول في ‏"‏الفاتحة‏"‏ قولان، وهما روايتان عن أحمد‏:‏ أحدهما‏:‏ أنها من الفاتحة دون غيرها، تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة‏.‏ والثاني، وهو الأصح‏:‏ أنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وأن قراءتها في أول الفاتحة كقراءتها في أول السور، والأحاديث الصحيحة توافق هذا القول، وحينئذ الأقوال في قراءتها في الصلاة أيضًا ثلاثة‏:‏ أحدها‏:‏ أنه واجبة وجوب الفاتحة، كمذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، وطائفة من أهل الحديث، بناءًا على أنها من الفاتحة‏.‏ والثاني‏:‏ أنه مكروهة سرًا وجهرًا، وهو المشهور عن مالك‏.‏ والثالث‏:‏ أنها جائزة بل مستحبة، وهو مذهب أبي حنيفة، والمشهور عن أحمد، وأكثر أهل الحديث، ثم مع قراءتها هل يسن الجهر بها أو لا‏؟‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ يسن الجهر، وبه قال الشافعي‏.‏ ومن وافقه‏.‏ والثاني‏:‏ لا يسن، وبه قال أبو حنيفة‏.‏ وجمهور أهل الحديث‏.‏ والرأي‏.‏ وفقهاء الأمصار‏.‏ وجماعة من أصحاب الشافعي، وقيل‏:‏ يخير بينهما، وهو قول إسحاق بن راهويه‏.‏ وابن حزم، وكان بعض العلماء يقول بالجهر سدًا للذريعة، قال‏:‏ ويسوغ للإنسان أن يترك الأفضل لأجل تأليف القلوب واجتماع الكلمة، خوفًا من التنفير، كما ترك النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حدثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى تقديم مصلحة الاجتماع على ذلك، ولما أنكر الربيع على ابن مسعود إكماله الصلاة خلف عثمان، قال‏:‏ الخلاف شر، وقد نص أحمد‏.‏ وغيره على ذلك في البسملة، وفي وصل الوتر، وغير ذلك، مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول مراعاة لائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنة، وأمثال ذلك، وهذا أصل كبير في سد الذرائع‏.‏

هذا تحرير أقوال العلماء في هذه المسألة، واللّه أعلم، وقد اعتمد غير واحد من المصنفين على وجوب قرائتها، وكونها من القرآن بكتابة الصحابة لها في المصحف بعلم القرآن، قال النووي في ‏"‏الخلاصة‏"‏‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ وهذا أقوى الأدلة فيه، فإن الصحابة جردوا القرآن عما ليس منه، والذين نازعوهم دفعوا هذه الحجة بغير حق، فقالوا‏:‏ إن القرآن لا يثبت إلا بقاطع، ولو كان هذا قاطعًا لكفر مخالفه، وقد سلك أبو بكر الباقلاني، وغيره هذا المسلك، وادعوا أنهم يقطعون بخطأ الشافعي في جعله البسملة من القرآن، معتمدين على هذه الحجة، وأنه لا يجوز إثبات القرآن إلا بالتواتر، ولا تواتر ههنا، فيجب القطع بنفي كونها من القرآن، والتحقيق أن هذه حجة مقابلة بمثلها، فيقال لهم‏:‏ بل يقطع بكونها من القرآن حيث كتبت، كما قطعتم بنفي كونها منه، ومثل هذا النقل المتواتر عن الصحابة بأن ما بين اللوحين قرآن، فإن التفريق بين آية وآية يرفع الثقة بكون القرآن المكتوب بين لوحي المصحف كلام اللّه، ونحن نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين كتبوا المصاحف نقلوا إلينا ما كتبوه بين لوحي المصحف كلام اللّه الذي أنزله إلى نبيه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يكتبوا فيه ما ليس من كلام اللّه، فإن قال المنازع‏:‏ إن قطعتم بأن البسملة من القرآن حيث كتبت فكفروا النافي، قيل لهم‏:‏ هذا معارض بمثله، إذا قطعتم بنفي كونها من القرآن فكفروا منازعكم، وقد اتفقت الأمة على نفي التكفير في هذا الباب، مع دعوى كثير من الطائفيين القطع بمذهبه، وذلك لأنه ليس كل ما كان قطعيًا عند شخص يجب أن يكون قطعيًا عند غيره، وليس كل ما ادعت طائفة أنه قطعي عندها يجب أن يكون قطعيًا في نفس الأمر، بل قي يقع الغلط في دعوى المدعي القطع في غير محل القطع، كما يغلط في سمعه‏.‏ وفهمه‏.‏ ونقله‏.‏ وغير ذلك من أحواله، بل كما يغلط الحس الظاهر في مواضع، وحينئذ فيقال‏:‏ الأقوال في كونها من القرآن ثلاثة‏:‏ طرفان‏.‏ ووسط، كما تقدم، والذي اجتمع على الأدلة هو القول الوسط، وهو أنها من القرآن حيث كتبت، وأنها ليست من السور، بل تكتب قبل السورة، وتقرأ كما قرأها النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وقال النووي في ‏"‏شرح مسلم‏"‏ في حديث بدء الوحي، في قوله‏:‏ فجاءه الملك، فقال له‏:‏ اقرأ، فقال‏:‏ ما أنا بقارئ، ثلاث مرات، ثم قال له‏:‏ ‏{‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏‏.‏‏:‏ استدل بهذا الحديث من يقول‏:‏ إن البسملة ليست آية في أوائل السور لكونها لم تذكر هنا، قال‏:‏ وأجيب عنه‏:‏ أن البسملة أنزلت في وقت آخر، كما نزل باقي السور في وقت آخر، انتهى‏.‏ وحجة الخصوم المانععين من الجهر بالبسملة في الصلاة أحاديث‏:‏ أقواها حديث أنس، رواه البخاري‏.‏ ومسلم في ‏"‏صحيحهما‏"‏ من حديث شعبة، سمعت قتادة يحدث عن أنس، قال‏:‏ صليت خلف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وخلف أبي بكر‏.‏ وعمر‏.‏ وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، وفي لفظ لمسلم‏:‏ فكانوا يستفتحون القراءة ‏"‏بالحمد لله رب العالمين‏"‏، ولا يذكرون ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ في أول قراءة ولا في آخرها، انتهى‏.‏ ورواه النسائي في ‏"‏سننه ‏[‏لعله في ‏"‏سننه الكبرى‏"‏ واللّه أعلم‏.‏‏]‏‏"‏‏.‏ وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏‏.‏ وابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏‏.‏ والدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏، وقالوا فيه‏:‏ وكانوا لا يجهرون ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، وزاد ابن حبان‏:‏ ويجهرون ‏"‏بالحمد لله رب العالمين‏"‏، وفي لفظ لابن حبان‏.‏ والنسائي أيضًا‏:‏ لم أسمع أحدًا منهم يجهر ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في ‏"‏مسنده‏"‏‏:‏ فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به ‏"‏بالحمد لله رب العالمين‏"‏، وفي لفظ للطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏‏.‏ وأبي نعيم في ‏"‏الحلية‏"‏‏.‏ وابن خزيمة في ‏"‏مختصر المختصر‏"‏‏.‏ والطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏‏:‏ فكانوا يسرون ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ ورجال هذه الروايات كلهم ثقات، مخرج لهم في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

ولحديث أنس طرق أخرى دون ذلك في الصحة، وفيها ما لا يحتج به، وفيما ذكرناه كفاية، وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضً، وهي سبعة ألفاظ‏:‏ - فالأول‏:‏ ‏[‏عند أحمد‏:‏ ص 278 - ج 3‏.‏‏]‏ كانوا لا يستفتحون القراءة ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ والثاني‏:‏ ‏[‏عند أحمد‏:‏ ص 177 - ج 3، والطحاوي‏:‏ ص 119، والدارقطني‏:‏ ص 119، و‏"‏الانصاف - لابن عبد البر‏"‏ ص 22‏]‏ فلم أسمع أحدًا يقول أو يقرأ‏:‏ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ والثالث ‏[‏عند الطحاوي‏:‏ ص 119، والبيهقي‏:‏ ص 52 - ج 2، ‏"‏الانصاف‏"‏ ص 25‏.‏‏]‏‏:‏ فلم يكونوا يقرؤون ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏:‏ والرابع ‏[‏الطحاوي‏:‏ ص 119، وابن جارود‏:‏ ص 97، وذكر سماع قتادة عن أنس، والنسائي‏:‏ ص 144، والدارقطني‏:‏ ص 119، وفي النسائي‏:‏ ص 144‏:‏ فلم يسمعنا قراءة ‏{‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 1‏]‏‏.‏ و‏"‏الانصاف‏"‏ ص 22، وص 23‏.‏‏]‏‏:‏ فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ والخامس ‏[‏أحمد‏:‏ ص 179 - ج 3، وص 275 - ج 3، والدارقطني‏:‏ ص 119، وفي ‏"‏مسند أحمد‏"‏ ص 264 - ج 3، وابن جارود‏:‏ ص 97، والدارقطني‏:‏ ص 119 بلفظ‏:‏ فلم يجهروا ‏{‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏}‏، و‏"‏الإنصاف‏"‏ ص 23، وص 24‏.‏‏]‏‏:‏ فكانوا لا يجهرون ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏.‏ والسادس ‏[‏الطحاوي‏:‏ ص 119، وقال في ‏"‏الزوائد‏"‏ ص 108 - ج 2‏:‏ رواه الطبراني في ‏"‏الكبير - والأوسط‏"‏ ورجاله موثقون‏:‏ وقال الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 189‏:‏ رواية الحسن عن أنس عند ابن خزيمة بلفظ‏:‏ كانوا يسرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم، اهـ‏.‏‏]‏‏:‏ فكانوا يسرون ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ والسابع ‏[‏عند أحمد‏:‏ ص 168 - ج 3، وفي ‏"‏الصحاح‏"‏‏.‏ والسنن‏.‏ وغيرهما‏"‏ القراءة، بدل‏:‏ القرآن، وفي ‏"‏مسند أحمد‏"‏ ص 289 كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير ‏"‏بالحمد للّه رب العالمين‏"‏ في الصلاة، اهـ‏.‏ وعند مسلم‏:‏ ص 172 زيادة‏:‏ لا يذكرون بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، اهـ‏.‏ وكذا عند أحمد‏:‏ ص 223 - ج 3، وفي ‏"‏الانصاف‏"‏ لا يقرؤون، اهـ‏.‏‏]‏‏:‏ فكانوا يستفتحون القرآن ‏"‏بالحمد لله رب العالمين‏"‏، وهذا اللفظ هو الذي صححه الخطيب، وضعف ما سواه لرواية الحفاظ له عن قتادة، ولمتابعة غير قتادة له عن أنس فيه، وجعله اللفظ المحكم عن أنس، وجعل غيره متشابهًا، وحمله على الافتتاح بالسورة لا بالآية، وهو غير مخالف للألفاظ المنافية بوجه، فكيف يجعل مناقضًا لها‏؟‏، فإن حقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية جهرًا أو سرًا، فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب‏؟‏‏!‏، ويؤكده قوله في رواية مسلم‏:‏ لا يذكرون ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ في أول قراءة ولا في آخرها، لكنه محمول على نفي الجهر، لأن أنسًا إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتفائه، فإنه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن فيه القراءة سرًا، ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها من لم ير هنا سكوتًا كمالك‏.‏ وغيره، لكن ثبت في ‏"‏الصحيحين ‏[‏البخاري في ‏"‏باب ما يقرأ بعد التكبير‏"‏ ص 103، ومسلم في ‏"‏باب ما يقال ‏:‏ بين تكبيرة الإحرام والقراءة‏"‏ ص 219‏]‏‏"‏ عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ يا رسول اللّه، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ أقول‏:‏ كذا وكذا، إلى آخره، وفي ‏"‏السنن ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب السكتة عند الافتتاح‏"‏ ص 120، والترمذي في ‏"‏باب ما جاء في السكتتين‏"‏ ص 34، والنسائي في ‏"‏باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة‏"‏ ص 142‏.‏

‏]‏‏"‏ عن سمرة‏.‏ وأبيّ‏.‏ وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة، وأنه كان يستعيذ، وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسًا أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيه للذِّكر‏.‏ والاستفتاح‏.‏ والسماع، مرادًا به الجهر بذلك، يدل عليه قوله‏:‏ فكانوا لا يجهرون، وقوله‏:‏ فلم أسمع أحدًا منهم يجهر، ولا تعرض فيه للقراءة سرًا، ولا على نفيها، إذ لا علم لأنس بها حتى يثبتها أو ينفيها، وكذلك قال لمن سأله ‏[‏عند أحمد‏:‏ ص 166 - ج 3، وقريب منه في‏:‏ ص 190 - ج 3، وفي الدارقطني‏:‏ ص 120‏.‏‏]‏‏:‏إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ‏[‏قال ابن عبد البر في ‏"‏الانصاف‏"‏ ص 26‏:‏ الذي عندي أنه من حفظه عنه حجة على من سأله حين نسيناه، اهـ‏.‏‏]‏، فإن العلم بالقراءة السرية إنما يحصل بإخبار أو سماع عن قرب، وليس في الحديث شيء منهما، ورواية من روى‏:‏ فكانوا يسرون ‏[‏هي عند الطحاوي‏:‏ ص 119‏.‏‏]‏ كأنها مروية بالمعنى من لفظ لا يجهرون، واللّه أعلم، وأيضًا فحمل الافتتاح ‏"‏بالحمد لِلَّه رب العالمين‏"‏ على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة وتمجه الأفهام الصحيحة، لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه العام والخاص، كما يعلمون أن الفجر ركعتان‏.‏ وأن الظهر أربع‏.‏ وأن الركوع قبل السجود‏.‏ والتشهد بعد الجلوس، إلى غير ذلك، فليس في نقل مثل هذا فائدة، فكيف يجوز أن يظن أن أنسًا قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه، وإنما مثل هذا مثل من يقول‏:‏ فكانوا يركعون قبل السجود، أو فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاة الظهر والعصر، واللّه أعلم، وأيضًا فلو أريد الافتتاح ‏"‏بسورة الحمد‏"‏ لقيل‏:‏ كانوا يفتتحون القراءة بأمّ القرآن‏.‏ أو بفاتحة الكتاب، أو بسورة الحمد، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، وأما تسميتها ‏"‏بالحمد لله رب العالمين‏"‏ فلم ينقل عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ ولا عن الصحابة، والتابعين‏.‏ ولا عن أحد يحتج بقوله، وأما تسميتها ‏"‏بالحمد‏"‏ فقط فعرف متأخر، يقولن‏:‏ فلان قرأ ‏"‏الحمد‏"‏، وأين هذا من قوله‏:‏ فكانوا يستفتحون القراءة ‏"‏بالحمد لِلَّه رب العالمين‏"‏‏؟‏‏!‏، فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة، إلا بدليل صحيح، وأنى للمخالف ذلك‏؟‏‏!‏، فإن قيل‏:‏ فقد روى الوليد بن مسلم ‏[‏عند الدارقطني‏:‏ ص 120‏.‏‏]‏ عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أنس الاستفتاح بأمِّ القرآن، وهذا يدل على إرادة السورة، قلنا‏:‏ هذا مروي بالمعنى، والصحيح عن الأوزاعي ما رواه مسلم عن الوليد بن مسلم عنه عن قتادة عن أنس، قال‏:‏ صليت خلف أبي بكر‏.‏ وعمر‏.‏ وعثمان، فكانوا يستفتحون ‏"‏بالحمد لِلَّه رب العالمين‏"‏ لا يذكرون ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ في أول قراءة ولا في آخرها، ثم أخرجه مسلم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، أخبرني إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك، هكذا رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ عاطفًا له على حديث قتادة، وهذا اللفظ المخرج في ‏"‏الصحيح‏"‏ هو الثابت عن الأوزاعي، واللفظ الآخر‏:‏ إن كان محفوظًا، فهو مروي بالمعنى، فيجب حمله على الافتتاح بأمِّ القرآن، رواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ بهذا الإسناد أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وأبا بكر‏.‏ وعمر‏.‏ وعثمان كانوا لا يجهرون ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة‏:‏ طرفان‏.‏ ووسط، فالطرف الأول قول‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

- حديث آخر، رواه الترمذي ‏[‏في ‏"‏باب ترك الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ ص 33، والنسائي في ‏"‏باب الترك‏"‏ أيضًا ص 144، وابن ماجه في ‏"‏باب افتتاح القراءة‏"‏ ص 59، والطحاوي‏:‏ ص 119‏.‏‏]‏‏.‏ والنسائي‏.‏ وابن ماجه من حديث أبي نعامة الحنفي، واسمه ‏"‏قيس بن عباية‏"‏ ثنا ابن عبد اللّه بن مغفل، قال‏:‏ سمعني أبي وأنا أقول‏:‏ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، فقال‏:‏ أي بني‏!‏ إياك والحدث، قال‏:‏ ولم أر أحدًا من أصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان أبغض إليه الحدث في الإسلام ‏"‏يعني منه‏"‏، قال‏:‏ وصليت مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ ومع أبي بكر‏.‏ ومع عمر‏.‏ ومع عثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقولها، فلا تقلها أنت، إذا صليت فقل‏:‏ الحمد لِلَّه رب العالمين، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ منهم أبو بكر‏.‏ وعمر‏.‏ وعثمان‏.‏ وعلي‏.‏ وغيرهم‏.‏ ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري‏.‏ وابن المبارك، وأحمد‏.‏ وإسحاق لا يرون الجهر ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ في الصلاة، ويقولها في نفسه، انتهى‏.‏ قال النووي في ‏"‏الخلاصة‏"‏‏:‏ وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه، كابن خزيمة‏.‏ وابن عبد البر‏.‏ والخطيب، وقالوا‏:‏ إن مداره على ابن عبد اللّه بن مغفل، وهو مجهول، انتهى‏.‏ ورواه أحمد في ‏"‏مسنده ‏[‏ص 54 - ج 5، ولعل فيه تصحيفًا، فإن فيه‏:‏ عن ابن عبد اللَّه‏.‏‏]‏‏"‏ من حديث أبي نعامة عن بني عبد اللّه بن مغفل، قالوا‏:‏ كان أبونا إذا سمع أحدًا منا يقول‏:‏ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏"‏ يقول‏:‏ أي بني‏!‏ صليت مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وأبي بكر‏.‏ وعمر، فلم أسمع أحدًا منهم يقول‏:‏ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ عن عبد اللّه بن بريدة عن ابن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه مثله، ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه، قال‏:‏ صليت خلف إمام، فجهر ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏، فلما فرغ من صلاته، قلت‏:‏ ما هذا‏؟‏‏!‏ غُيِّب عنا هذه التي أراك تجهر بها‏؟‏‏!‏ فإني قد صليت مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ ومع أبي بكر‏.‏ وعمر، فلم يجهروا بها، انتهى‏.‏ فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد اللّه بن مغفل عن أبيه، وهم‏:‏ أبو نعامة الحنفي، قيس بن عباية، وقد وثقه ابن معين‏.‏ وغيره، وقال ابن عبد البر‏:‏ هو ثقة عند جميعهم، وقال الخطيب‏:‏ لا أعلم أحدًا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته‏.‏ وعبد اللَّه بن بريدة، وهو أشهر من أن يثنى عليه‏.‏ وأبو سفيان السعدي، وهو إن تكلم فيه، ولكنه يعتبر به، ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ‏[‏وكذا هو مسمى عند أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 85 - ج 4‏.‏‏]‏ ‏"‏ابن عبد اللّه بن مغفل‏"‏ يزيد، كما هو عند الطبراني فقط، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد اللّه بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه، وقد تقدم في ‏"‏مسند الإمام أحمد‏"‏ عن أبي نعامة عن بني عبد اللّه بن مغفل، وبنوه الذي يروي عنهم‏:‏ يزيد‏.‏ وزياد‏.‏ ومحمد‏.‏ والنسائي‏.‏ وابن حبان، وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء، مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو واحد منهم حديثًا منكرًا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات، فأما يزيد فهو الذي سمى في هذا الحديث، وأما محمد، فروى له الطبراني عنه عن أبيه، قال‏:‏ سمعت النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏"‏ما من إمام يبيت غاشًا لرعيته إلا حرم اللّه عليه الجنة‏"‏، وزياد أيضًا روى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعًا‏:‏ ‏"‏لا تحذفوا، فإنه لا يصاد له صيد، ولا ينكأ العدو، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين‏"‏، انتهى‏.‏

وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح، فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به، لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد اللّه بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع، ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث، إذ قال بعد أن رواه في ‏"‏كتاب المعرفة‏"‏ من حديث أبي نعامة بسنده المتقدم ومتن السنن‏:‏ هذا حديث تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة‏.‏ وابن عبد اللّه بن مغفل، فلم يحتج بهما صاحبا الصحيح، فقوله‏:‏ تفرد به أبو نعامة ليس بصحيح، فقد تابعه عبد اللّه بن بريدة‏.‏ وأبو سفيان، كما قدمناه، وقوله‏:‏ وأبو نعامة‏.‏ وابن عبد اللّه بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح، ليس هذا لازمًا في صحة الإسناد، ولئن سلمنا، فقد قلنا‏:‏ إنه حسن، والحسن يحتج به، وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثًا عن نبيهم ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يتوارثه خلفهم عن سلفهم، وهذا وحده كاف في المسألة، لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحًا ومساءًا، فلو كان عليه السلام يجهر بها دائمًا لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه، ولكان معلومًا بالاضطرار، ولما قال أنس‏:‏ لم يجهر بها عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون، ولا قال عبد اللّه بن مغفل ذلك أيضًا، وسماه حدَثًا، ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ومقامه على ترك الجهر، يتوارثه آخرهم عن أولهم، وذلك جارٍ عندهم مجرى الصَّاعِ وَالمُدِّ، بل أبلغ من ذلك، لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة، ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة، وكم من إنسان لا يحتاج إلى صَاع ولا مُدَّ، ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة، والتابعين‏.‏ وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يفعله‏.‏

- حديث آخر، أخرجه مسلم في ‏"‏صحيحه ‏[‏في ‏"‏باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به‏"‏ ص 194 - ج 1، و‏"‏الانصاف - لابن عبد البر‏"‏ ص 9، والبيهقي‏:‏ ص 172 - ج 2‏.‏‏]‏‏"‏ عن بدليل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة، قالت‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة ‏"‏بالحمد لِلَّه رب العالمين‏"‏، انتهى‏.‏ وهذا ظاهر في عدم الجهر بالبسملة، وتأويله على إرادة اسم السورة يتوقف على أن السورة كانت تسمى عندهم بهذه الجملة، فلا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه، إلا بدليل، واعترض على هذا الحديث بأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة‏.‏ والثاني‏:‏ أنه روي عن عائشة أنه عليه السلام كان يجهر، قلنا‏:‏ يكفينا أنه حديث أودعه مسلم ‏"‏صحيحه‏"‏، وأبو الجوزاء اسمه ‏"‏أوس بن عبد اللّه الربعي‏"‏ ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة، وقد احتج به الجماعة، وبديل بن ميسرة تابعي صغير، مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار، وتلقاه العلماء بالقبول، ولم يتكلم فيه أحد منهم، وما روي عن عائشة من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد اللّه بن سعد، وهو كذاب دجال، لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح، والاحتجاج بالباطل‏.‏

- حديث آخر، مما يدل على أن البسملة ليست آية من السورة فلا يجهر بها، ما رواه البخاري في ‏"‏صحيحه ‏[‏في ‏"‏أوائل التفسير‏"‏ ص 642‏.‏‏]‏‏"‏ من حديث أبي سعيد بن المعلى، قال‏:‏ كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فلم أجبه، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه إني كنت أصلي، فقال‏:‏ ‏"‏ألم يقل اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏استجيبوا لِلَّه وللرسول إذا دعاكم‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 24‏]‏‏.‏‏؟‏، ثم قال‏:‏ لأعلمنك سورة في القرآن، قلت‏:‏ ما هي‏؟‏ قال‏:‏ الحمد لِلَّه رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته‏"‏، فأخبر أنها السبع المثاني، ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانيًا، لأنها سبع آيات بدون البسملة، ومن جعل البسملة منها إما أن يقول‏:‏ هي بعض آية، أو يجعل قوله‏:‏ ‏{‏صراط الذين أنعمت عليهم‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏7‏]‏‏.‏ إلى آخرها، آية واحدة‏.‏

- حديث آخر، ومما يدل أيضًا على أن البسملة ليست من السورة ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة ‏[‏الترمذي في ‏"‏فضل سورة الملك‏"‏ ص 112 - ج 2، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 497 - ج 2، وص 565 - ج 1‏.‏‏]‏ عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له، وهي ‏{‏تبارك الذي بيده الملك‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 1‏]‏‏.‏، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن، ورواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏‏.‏ وابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏، والحاكم في ‏"‏مسدركه‏"‏ وصححه، وعباس الجشمي، يقال‏:‏ إنه عباس بن عبد اللّه، ذكره ابن حبان في ‏"‏الثقات‏"‏، ولم يتكلم فيه أحد فيما علمنا، ووجه الحجة منه أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة، بلا خلاف بين العادِّين، وأيضًا فافتتاحه بقوله‏:‏ ‏{‏تبارك الذي بيده الملك‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 1‏]‏‏.‏دليل على أن البسملة ليست منها‏.‏

- حديث آخر، قال الإمام أبو بكر الرازي في ‏"‏أحكام القرآن‏"‏ ‏[‏أحكام القرآن - للجصاص‏"‏ ص 15‏:‏ حديث آخر عن ابن عباس، قال‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا قرأ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏ هزأ منها المشركون، وقالوا‏:‏ محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يتسمى‏:‏ ‏"‏الرحمن الرحيم‏"‏ فلما نزلت هذه الآية أمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن لا يجهر لها، رواه الطبراني في ‏"‏الكبير - والأوسط‏"‏‏.‏ ورجاله موثقون، اهـ‏.‏ ‏"‏زوائد‏"‏ ص 108 - ج 2‏.‏‏]‏‏:‏ أخبرنا أبو الحسن الكرخي ثنا الحضرمي ثنا محمد بن العلاء ثنا معاوية بن هشام عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن عبد اللّه، قال‏:‏ ما جهر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في صلاة مكتوبة ‏"‏ببسم اللّه الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏ ولا أبو بكر‏.‏ ولا عمر، انتهى‏.‏ وهذا حديث لا تقوم به حجة، لكنه شاهد لغيره من الأحاديث، فإن محمد بن جابر تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وإبراهيم لم يلق عبد اللّه بن مسعود، فهو ضعيف ومنقطع، والحضرمي‏:‏ هو محمد بن عبد اللّه الحافظ المعروف ‏"‏بمطين‏"‏، وشيخه ابن العلاء‏:‏ هو أبو كريب الحافظ، روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة، واللّه أعلم‏.‏