فصل: تفسير الآيات (8- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (8- 13):

{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)}
ولما كان هذا أمراً رائعاً لمن له أدنى معقول، وكان الاستفهام مما يزيد الروعة، قال مسبباً عن استئصالهم ليكون الإخبار به المستلزم لغاية العلم بالجزئيات كالدعوى بدليلها: {فهل ترى} أي أيها المخاطب الخبير الناس في جميع الأقطار {لهم} أي خصوصاً، وأعرق في النفي وعبر بالمصدر الملحق بالهاء مبالغة فقال: {من باقية} أي بقاء أو نفس موصوفة بالبقاء، وأنجى الله سبحانه وتعالى صالحاً عليه السلام ومن آمن به من بين ثمود ولم تضرهم الطاغية وهوداً عليه السلام ومن آمن به من بين عاد لم يهلك منهم أحد، فدل ذلك دلالة واضحة على أن له تعالى تمام العلم بالجزئيات كما أن له كمال الإحاطة بالكليات وعلى قدرته واختياره وحكمته، فلا يجعل المسلم أصلاً كالمجرم ولا المسيء كالمحسن.
ولما أخبر تعالى عمن أهلك بالريح ومن أهلك بما سببه الريح تسبيباً قريباً بغير واسطة، وكان ذلك كله- لخروجه عن العادة- راداً على أهل الطبائع، أخبر بمن أهلك مما سببته الريح من الماء بواسطة السحاب، وكانت سبب تطابقه عليهم مع أن كفرهم بالتعطيل الذي هو أنحس أنواع الكفر للقول بالطبيعة التي تتضمن الإنكار للبعث، وكان إغراقهم بما يكذب معتقدهم لخروجه عن العادة، فقال منبهاً على قوة كفرهم بالمجيء: {وجاء} أي أتى إتياناً عالياً شديداً {فرعون} أي الذي ملكناه على طائفة من الأرض فعتى وتجبر وادعى الإلهية ناسياً هيبتنا وقدرتنا بنقمتنا وأنكر الصانع وقال بالطبائع {ومن قبله} أي في جهته وفي حيزه وما يليه وفي السير بسيرته من العلو في الأرض بغير الحق والعتو في الكفر، وهو ظرف مكان، هكذا على قراءة البصريين والكسائي بكسر الكاف وفتح الموحدة، فعم ذلك كل من كان كافراً عاتياً من قبله ومن بعده، وهو معنى قراءة الباقين بفتح القاف وإسكان الباء الموحدة على أنه ظرف يقابل بعد بزيادة.
ولما كان قوم لوط عليه السلام قد جمعوا أنواعاً من الفسوق لم يشاركهم فيها أحد، فاشتمل عذابهم على ما لم يكن مثله عذاب، فكان كل من فعلهم الذي لم يسبقهم به أحد من العالمين وعذابهم الذي ما كان مثله قبل ولا بعد، راداً على أهل الطبائع، نص عليهم من بين من دخل فيمن قبله على القراءتين فقال: {والمؤتفكات} أي أهل المدائن المنقلبات بأهلها حتى صار عاليها سافلاً لما حصل لأهلها من الانقلاب حتى صاروا إياه واتبعت حجارة الكبريت وخسف بها وغمرت بما ليس في الأرض مثله وهي قرى قوم لوط عليه السلام {بالخاطئة} أي الخطأ أو الأفعال ذات الخطأ التي تتخطى منها إلى نفس الفعل القبيح من اللواط والصفع والضراط مع الشرك وغير ذلك من أنواع الفسق والعناد والطغيان.
ولما كان الرسل كلهم جميعاً كالفرد الواحد لاتفاق مقاصدهم في الدعاء إلى الله والحمل على طاعته، قال مستأنفاً مسبباً عن مجيئهم بذلك موحداً في اللفظ ما هو صالح للكثير بإرادة الجنس: {فعصوا} أي خالفوا ونابذوا {رسول ربهم} أي خالفت كل أمة من أرسله المحسن إليها بإبداعها من العدم وإيداعها القوى وترزيقها وبعث رسولها لإرشادهها اغتراراً بإحسانه ولم يجوزوا أن المحسن يقدر على الضر كما قدر على النفع، لأنه الضار كما أنه النافع فللتنبيه على مثل ذلك لا يجوز نقل أحد الاسمين عن الآخر، وسبب عن العصيان قوله: {فأخذهم} أي ربهم أخذ قهر وغضب {أخذة} لم يبق من أمة منهم أحداً ممن كذب الرسول فلم يكن كمن ينصر على عدو من الآدميين لابد من أن يفوته كثير منهم وإن اجتهد في الطلب، وما ذاك إلا لتمام علمه سبحانه وتعالى بالجزئيات والكليات، وشمول قدرته، وتلك الأخذة- مع كونها بهذه العظمة من أنها أخذتهم كنفس واحدة- جعلها سبحانه {رابية} أي عالية عليهم علية القدر في قوة البطش وشدة الفتك زائدة على الحد نامية بقدر زيادة أعمالهم في القبح، والربا: النمو، وأصله الزيادة، فأغرق فرعون وجنوده، وأغرق كل من كذب نوحاً عليه السلام، وهم كل أهل الأرض غير من ركب معه في السفينة، وحمل مدائن لوط عليه السلام بعد أن نتقها من الأرض على متن الريح بواسطة من أمره بذلك من الملائكة ثم قلبها وأتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتن الذي ليس في الأرض ما يشبهه.
ولما كان ربما وقع في وهم التعجب من وجود فرعون ومن بعده من الإخبار بأخذ من قبله على قراءة الجماعة مع أن من من صيغ العموم، أشار إلى أنه أهلك جميع المخالفين وأنجى جميع الموافقين، قال جواباً لذلك السؤال مؤكداً لأجل من يتعنت ولأن ذلك كان مما يتعجب منه ويتلذذ بذكره: {إنا} أي على قدرتنا وعظمتنا وإحاطتنا {لما طغا الماء} أي فزاد عن الحد حتى علا على أعلى جبل في الأرض بقدر ما يغرق من كان عليه حين أغرقنا قوم نوح عليه السلام به فلم يطيقوا ضبطه ولا قاووه بوجه من الوجوه، ولا وفقوا لركوب السفينة، فكان خروجه عن العادة راداً على أهل الطبائع.
ولما كان الإيجاد نعمة فكان إنجاء آبائهم من الغرق حتى كان ذلك سبباً لوجودهم نقمة عليهم قال تعالى: {حملناكم} أي في ظهور آبائكم بعظمتنا ومشيئتنا وقدرتنا {في الجارية} أي السفينة التي جعلناها بحكمتنا عريقة في الجريان حتى كأنه لا جارية غيرها على وجه الماء الذي جعلنا من شأنه الإغراق، وهو تعبير بالصفة عن الموصوف، ونوح عليه السلام أول من صنع السفينة، وإنما صنعها بوحي الله تعالى وبحفظه له من أن يزل في صنعتها، قال: اجعلها كهيئة صدر الطائر ليكون ما يجري في الماء مقارباً لما يجري في الهواء، وأغرقنا سوى من في السفينة من جميع أهل الأرض من أدمي وغيره.
ولما بدأ سبحانه وتعالى بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشرفة لأن التخويف بالأقرب أقعد، وختم بقوم نوح عليه السلام لأنهم كانوا جميع أهل الأرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم، علل اختيار إنجائهم بالسفينة دون غيرها فقال: {لنجعلها} أي هذه الفعلات العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بذلك العذاب أحد وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحاً عليه السلام ومن معه بإبقائها آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة في الدهر من أعجوباته {لكم} أي أيها الأناسي {تذكرة} أي سبباً عظيماً لذكر أول إنشائه والموعظة به لتستدلوا بذلك على كمال قدرته تعلى وتمام علمه وعظمة رحمته وقهره، فيقودكم ذلك إليه وتقبلوا بقلوبكم عليه {وتعيها} أي ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم، حفظاً ثابتاً مستقراً كأنه محوى في وعاء.
ولما كان المنتفع بما يسمع الحافظ له قليلاً جداً، دل على ذلك يتوحيد الأذن فقال موحداً منكراً مع الدلالة على تعظيمها: {أذن} أي عظيمة النفع {واعية} أي من شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال الإلهية والأسرار الربانية لنفع عباد الله كما كان نوح عليه السلام ومن معه وهم قليل سبباً لإدامة النسل والبركة فيه حتى امتلأت منه الأرض. والوعي: الحفظ في النفس، والإيعاء: الحفظ في الوعاء، وفي ذلك توبيخ للناس بقلة الواعي منهم، ودلالة على أن الأذن الواحدة إذا غفلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم، وما سواها لا يبالي بهم الله بالة- قاله الأصبهاني والزمخشري وغيرهما.
ولما ذكر القيامة وهول أمرها بالتعبير بالحاقة وغيرها، ودل على قدرته عليها وعلى حكمته بقصص من ذكر على الوجه الذي مر إلى أن ختم بالذين كانت قصتهم أشبه تلك القصص بالقيامة من حيث أن أمر الله فيها عم أهل الأرض وفي زمن يسير، وكان الناجون منها بالنسبة إلى المهلكين كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، سبب عن جميع ما مضى قوله شرحاً لأمرها: {فإذا نفخ} وبنى الفعل للمجهول دلالة على هوان ذلك عليه وأنه ما تأثر عنه لا يتوقف على نافخ معين بل من أقامه من جنده لذلك تأثر عنه ما يريده وذكره وإن كان المسند إليه مؤنثاً للفصل ولكونه غير حقيقي التأنيث وللدلالة على قوة النفخ {في الصور} أي القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام كأنه عبر عنه به دون القرن مثلاً لأنه يتأثر عنه تارة إعدام الصورة وتارة إيجادها وردها إلى أشكالها سعة فمه كما بين السماء والأرض، وأسند الفعل إلى المصدر ليفيده بادئ بدء لا ليؤكده وإن كان التأكيد يفهم منه وهو غير مقصود بالذات فقال: {نفخة} ولما دل بالفعلة على الواحدة، أكده دلالة على عظيم قدرته وحقارة الأشياء عنده بقوله: {واحدة} أي فهلك الخلائق كلهم، هكذا قالوا إن هذه النفخة هي الأولى، قالوا: وعندها خراب العالم، وظاهر السياق أنها الثانية التي بها البعث، وخراب ما ذكر بعد قيامهم أنسب لأنه لهم أهيب، وكونها الثانية إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما.

.تفسير الآيات (14- 18):

{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}
ولما ذكر التأثير في الإحياء، أتبعه التأثير في الجمادات، وبدأ بالسفليات لملابستها للإنسان فتكون عبرته بها أكثر فقال: {وحملت} أي بمجرد القدرة {الأرض} أي المنبسطة ورجت رجاً {والجبال} أي التي بها ثباتها فرفعت من أماكنها، وبستا بساً فكانت هباء منبثاً، لم يبق فيهما حجر ولا كدية.
ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال: {فدكتا} أي مسحت الجملتان الأرض وأوتادها وبسطتا ودق بعضها ببعض {دكة واحدة} أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر، بل صارا في غاية الاستواء، من قولهم: ناقة دكاء، أي لا سنام لها. وأرض دكاء، أي متسعة مستوية، قالوا: والدك والدق- أخوان، والدك أبلغ، قال أبو حيان: والدك فيه تفرق الأجزاء، والدق فيه اختلاط الأجزاء.
ولما ذكر نفخ الصور سبب عنه قوله: {فيومئذ} أي إذا دكتا وهي بدل من إذ كرر لطول الفصل وأفاد تهويلاً لها وتعظيماً، ونصب الظرف بقوله: {وقعت الواقعة} أي التي وقع الوعد والوعيد بها، فكانت كأنها شيء ثقيل جداً ليس له ممسك. فما له من ذاته غير السقوط، وهي القيامة والحاقة والقارعة، نوع أسماءها تهويلاً لها أي قامت القيامة، وكان المراد بها النفخة الثانية.
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي فقال: {وانشقت السماء} أي هذا الجنس لشدة ذلك اليوم، ولما كان الشيء لا ينشق إلا لخلل فيه، سبب عنه قوله تحقيقاً لذلك. {فهي يومئذ} أي إذا وقعت الواقعة {واهية} أي ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك.
ولما كانت العادة جارية فيما يعرف أن الملك يظهر أنواعاً من عظمته يوم عرض الجند، قال معرفاً لنا بنحو ما ألفناه: {والملك} أي هذا النوع الذي يصدق على الواحد فما فوقه، والجمع لا يصدق على ما دون الجمع فهذا أشمل {على أرجائها} أي نواحي السماء وأطرافها وحواشي ما لم يتشقق منها، قال الضحاك: يكونون بها حتى يأمرهم الله فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها- انتهى. وقيل: أرجاء الأرض واحدها رجا، مقصور، والاثنان رجوان، فيحيطون بالجن والإنس فيحشرونهم حشر الصيد لإرادة أخذه.
ولما كان الملك يظهر يوم العرض سرير ملكه ومحل عزه قال: {ويحمل عرش} ولما كان هذا أمراً هائلاً مقطعاً للقلوب، قال مؤنساً للمنزل عليه هذا الذكر مؤمناً له من كل ما يحذر: {ربك} أي المحسن إليك بكل ما يريده لاسيما في ذلك اليوم بما يظهر من رفعتك.
ولما كان العرش عاماً لجهة الفوق كلها، أسقط الجار فقال: {فوقهم} أي فوق رؤوسهم {يومئذ} أي يوم إذ وقعت الواقعة بعدد ما كان تحته من السماوات السبع والكرسي {ثمانية} أي من الملائكة أشخاص أو صفوف يؤيد حملته الأربعة في الدنيا بأربعة أخرى لشدة ذلك اليوم وثقله، وهو في حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو يعلى والبغوي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فظاهره أنهم أشخاص ولفظه: «ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض» وظاهر ذلك أنهم في الدنيا، وكونهم في الدنيا أربعة فقط ذكره المفسرون ورواه الطبراني من طريق ابن إسحاق، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة آخرين» وهو مذكور في حديث الصور الطويل الذي يرويه أبو يعلى وغيره من طريق إسماعيل بن رافع عن يزيد بن زياد عن القرطبي عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا العدد يحتمل أن يراد به أهل السماوات السبع والكرسي فتلك ثمانية، وهم خلق لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى، وهو أوفق لإظهار العظمة، ويمكن أن يراد بهم ثمانية أفراد ويكون حملهم له أظهر في العظمة ليعلم كل من يرى ذلك أن مثلهم لا يقدر على حمل مثله في عظمته وإحاطته، وهذا هو أظهر المعاني من الأحاديث الواردة فيه، واختيار هذا العدد أوفق للوجه الذي قبله لأنه يزيد على العدد الموضوع للمبالغة- وهو السبع- بواحدة إشارة إلى أنه أبلغ من عدة المبالغة لأنه إشارة إلى أنك كلما بالغت زاد الأمر على مبالغتك بما هو أول العدد، وذلك إشارة إلى عدم الانتهاء والوقوف عند حد، وإلى ذلك يشير أيضاً أن للثمانية من الكسور النصف والربع والثمن، وذلك سبعة، والسبعة عدد جامع لجميع أنواع العدد الفرد والزوج وزوج الزوج وزوج الفرد، وكل ذلك إشارة إلى المبالغة في إظهار العظمة والكبرياء والعزة وتمثيل لنا بما نعرف من أحوال الملوك وإلا:
فالأمر أعظم من مقالة قائل ** إن رقق البلغاء أو إن فخموا

إعلاماً بعظمة ذلك اليوم ليخشى العباد فيلزموا أسباب الإسعاد، وهذا الذي قلته من سر السبعة قد ذكره الإمام بدر الدين بن الدماميني قرين شيوخنا في الكلام على الواو من حاشيته على مغني ابن هشام عن تفسير العماد الكندي قاضي الإسكندرية المسمى الكفيل بمعاني التنزيل فقال: ونقل الأستاذ عبد الله الكفيف المالقي أنها لغة فصيحة لبعض العرب أن يقول: واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة- هكذا لغتهم، ومتى جاء في كلامهم لفظ الثمانية أدخلوا الواو وقد نظم بعض أصحابنا في كون السبعة منتهى العدد أبياتاً وهي:
يا سائلي عن سر كون العدد ** غايته في سبعة لم تزد

ما سره إلا انحصار قسيمه ** في واحد فرد وشيء مسند

وذلك الشيء الذي تسنده ** منحصر في واحد وأزيد

فالفرد والفرد إذا ما اجتمعا ** زوج مع الفرد الذي لم يسند

واثنان واثنان إذا ما اجتمعت ** أربعة تضم مع فيء اليد

فتلك سبعة إذا تكاملت ** أربعة واثنان مع منفرد

وما أتى من بعد هذا فهو تك ** رار له لا زائد في العدد

ثلاثة مع مثلها فرد وفر ** د قد مضى وما مضى لا يعدد

وهكذا أربعة مع مثلها ** زوج وزوج قد مضى لا تزد

وقال الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتابه الملل والنحل: أكثر أصحاب العدد على أن الواحد لا يدخل في العدد، فالعدد مصدره الأول الاثنان، وهو ينقسم إلى زوج وفرد، فالفرد الأول ثلاثة، والزوج الأول أربعة، وما وراء الأربعة مكرر كالخمسة فإنها مركبة من فرد وزوج، ويسمى العدد الدائر، والستة مركبة من فردين، ويسمى العدد التام، والسبعة مركبة من فرد وزوج، وتسمى العدد الكامل، والثمانية مركبة من زوجين وهي بداية الأخرى فصدر الحساب في مقابلة الواحد الذي هو علة العدد وليس يدخل فيه، ولذلك هو فرد لا أخ له.
ولما كان العدد مصدره من اثنين صار منهما المحقق محصوراً في قسمين، ولما كان العدد منقسماً إلى فرد وزوج، صار من ذلك الأصل محصوراً في سبعة، فإن الفرد الأول ثلاثة، والزوج الأول أربعة، وهي النهاية، وما عداها مركب منها، وكان البسائط عامة الكلية في العدد واحد واثنان وثلاثة وأربعة وهي الكمال، وما زاد عليها من المركب الكلي فمركبات كلها ولا حصر لها، وقال أبو الحكم ابن برجان في تفسير سورة القدر: انتهاء العدد ستة والسابع وترها.
ولما بلغ النهاية في تحذير العباد من يوم التناد، وكان لهم حالتان: خاصة وعامة، فالعامة العرض، والخاصة التقسيم إلى محسن ومسيء، زاده عظماً بقوله: {يومئذ} أي إذا كان ما تقدم.
ولما كان المهول نفس العرض، بنى فعله للمفعول ولأنه كلام القادرين فقال: {تعرضون} أي على الله سبحانه وتعالى للحساب كما يعرض السلطان الجند لينظر في أمرهم ليختار منهم المصلح للإكرام والتقريب والإثابة، والمفسد للإبعاد والتعذيب والإصابة، عبر عن الحساب بالعرض الذي هو جزؤه، فالمحسن لا يكون له غير ذلك والمسيء يناقش {لا تخفى منكم} أي في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه {لا تخفى منكم} أي في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه {خافية} أي لا يقع أصلاً على حال من الأحوال شيء من خفاء لشيء كان من حقه الخفاء في الدنيا لا من الأعمال ولا من الأنفس وإن كان في غاية الدقة والغموض لأن ذلك يوم الظهور التام من القبور ومن الصدور، وغير ذلك من الأمور، ليكون ذلك أجل لسعادة من سعد، وأقبح لشقاوة من شقي فأبعد، قال أبو موسى رضي الله عنه: هي ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ بشماله.