فصل: باب: الزيادةِ في الرّهنْ ومَا يحدثُ فيهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: الزيادةِ في الرّهنْ ومَا يحدثُ فيهِ:

قال الشافعي: وقد روي عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال " الرهن محلوب ومركوب... إلى آخره".
3722- مقصود الباب الكلام في فوائد الرهن ومصارفها، وتفصيل القول فيها، وهي آثارٌ وأعيانٌ في التقسيم الأول. والمعنيُّ بالآثار المنافع، وهي للراهن وتَتْبَع
ملكه، ولا تتعطّل. وأبو حنيفة في مذهبه المشهور يرى تعطيلها. وذهب أحمد
وإسحاق إلى أنها للمرتهن. واعتمد الشافعي الخبر، ثم قد يقتضي إزالة يد المرتهن
للانتفاع بالرّهنِ؛ فإن الراهن إذا أراد استخدام العبد وركوب الدابة، فلا يتأتى له ذلك
إلا بإزالة يد المرتهن، ولأجل هذا عطل أبو حنيفة المنافع؛ إذ معتقده أن القبض وحق اليد الركن الأعظم في الرهن؛ ولهذا منع رهن المشاع، وجرى في المسألتين على تناقض؛ حيث منع رهن المشاع، وكان يمكنه أن يديم يد المرتهن على الشائع، وصحح رهن ما ينتفع به، وعطل المنافع. ولو طرد القياس، لمنع رهن ما ينتفع به؛ حتى لا تتعطل المنافع، وقد قررنا ذلك في (الأساليب).
ثم لأصحابنا اضطراب في الجمع بين توفير المنافع على المالك، وبين رعاية حق المرتهن في القبض، ونحن نذكر مضطرب الأئمة في هذا.
أولا- اتفقوا على أن الراهن لو أراد المسافرة بالعبد لينتفع به في سفره، لم يمكّن من ذلك. والزوج يسافر بزوجته لتأكد حقه منها، ولا يبالي بما يتعطل من منافع الزوجة الحرة. والسيد يسافر بالأمة التي زوّجها، ولا يبالي بحق الزوج منها. وهذه الأصول في ظواهرها أدنى تفاوت.
ووجه الكلام على الإيجاز عليها أن النكاح في الحرة هو الأصل في بابه، وهو عقد العُمر، وبه قوام العالم، وبقاء النوع، فعظم قدره ويقل بالإضافة إليه منفعة بدن الحرّة، ونكاح الأمة دخيل في الباب، يُجرَى مجرى الرخص، والرهن عارض يعقد للتوثيق، وسيؤول على القرب إلى الفَكّ، أو إلى البيع. وليس في المنع من المسافرة تعطيل كلي.
ثم قال الأصحاب: إن وثِق المرتهن بالراهن سلم العبدَ إليه نهاراً ليستخدمه، ثم يرده ليلاً إليه أو إلى يد عدلٍ، وإن لم يكن الراهن موثوقاً به كلفه المرتهن أن يُشهد في كل أخذ ورد؛ حتى يقوم الإشهاد في أدائه التوثيق مقامه. وإن كان الراهن موثوقاً به في الناس مشهوراً بالعدالة، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه يجب الاكتفاء بعدالته؛ إذ يشق تكليفه كل غداة أن يُشهد على نفسه، وإن لم يكن مشهوراً بالعدالة، فقد أُتي من قِبَل نفسه. ومن أصحابنا من قال: إذا طلب المرتهن الإشهادَ، وجب الإسعافُ به.
وحكى صاحب التقريب من لفظ الشافعي في الرهن الصغير من القديم قولاً: أن الراهن لا يزيل يدَ المرتهن قط، ولا يدَ العدل، ولكن يستكسب العبدَ في يد المرتهن، ويحصل أجرته، وإن كان يضيع معظم منافعه، فلا يبالَى به أصلاً؛ فإن إزالة يد المرتهن لا سبيل إليه. وليس كرهن المشاع؛ فإنه أُورد والإشاعة مقترنة به، وهي تقتضي قطع اليد لا محالة، والوصول إلى المنفعة ممكن من غير إزالة اليد.
فهذا اضطرابُ الأصحاب.
3723- فيتنخل منه أن المسافرة ممنوعة؛ فإنها حيلولةٌ عظيمة، ولم يسمح بها الأصحاب مع الإشهاد.
وأما إزالة اليد مع حضور المرتهن لينتفع به في وقت الانتفاع، ويردّ في وقت السكون والاستراحة، فهو ظاهر النص في الجديد، وإليه ميل معظم الأصحاب.
والكلام في أن الراهن هل يحسم الإشهاد؟ وقد فصلت المذهب فيه.
وفي القديم قول آخر أن يد المرتهن لا تُزال بسبب الانتفاع، كما لا تزال يد البائع عن المبيع المحبوس بالثمن بسبب الانتفاع. وسنصف هذا في أثناء الفصل، إن شاء الله تعالى.
ومن راعى الإشهادَ يقول: لو كان الراهن خائناً مشهوراً بالخيانة لا يسلم إليه وإن أشهد.
فإن قيل: ما قولكم في منافع المبيع المحبوس بالثمن على قولنا بإثبات حق الحبس؟ قلنا: اتفق الأصحاب على أن المشتري لا يزيل يده لينتفع، بخلاف ما ذكرناه في الراهن؛ فإن ملك المشتري غيرُ مستقر قبل القبض، وملك الراهن مستقر.
واختلف أصحابنا في أن المبيع هل يستكسب في يد البائع للمشتري، أم تتعطل منافعه؟ فقال بعضهم: لا سبيل إلى التعطيل، وهو مستكسب في يد البائع. وقال قائلون: منافعه تُعطل.
هذا قولنا في منافع الرهن.
3724- فأما القول في الفوائد التي تكون أعياناً، فهي منقسمة إلى الزوائد المتصلة، وإلى المنفصلة. فأما الزوائد المتصلة، فلا حكم لها، والرهن يتعلق بالمزيد والزيادة، ولا أثر للزوائد المتصلة إلا في الصداق عند وقوع الطلاق قبل المسيس، كما سيأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
وأمّا الزوائد المنفصلة، فإنها تنقسم إلى ما كانت موجودة حالة الرهن على صفة االاتصال، وإلى ما يوجد بعد الرهن، ثم ينفصل: فأما ما لا يكون موجوداً حالة الرهن ويوجد من بعدُ، ثم ينفصل، كالحمل يطرأ وينفصل، وكذلك الثمار والألبان، فلا يتعلق الرهن بها، خلافاً لأبي حنيفة، ووافق أن الرهن لا يتعلق بالأكساب، ثم ألحق العُقر وإن لم يكن عوض عينٍ بالأعيان، في خبطٍ له معروف.
3725- ونحن نجمع معاقد المذهب فيما يتعدى إلى الولد الطارىء، وفيما لا يتعدّى إليه، وعماد المذهب أن كل ما صار الملك مستغرَقاً به حتى يعدَّ الملك مستحَقاً في تلك الجهة، وبلغ تأكده مبلغاً يمتنع تقدير زواله، فما كان كذلك؛ فإنه يتعدّى إلى الولد، كالاستيلاد؛ فإن أولاد المستولدة من النكاح والسفاح بمثابة المستولدة في استحقاق العتاقة، وألحق الأئمة بذلك ولد الأضحية المعينة للتضحية، بقول المالك: جعلتها ضحية؛ فإن تعينها لجهة القربة لا يزول، كالاستيلاد، فالمالية مستهلكة فيها بجهة القربة، والرهن عارض على الملك التام، وكأنه عِدَةٌ موثوق بها، وهو عرضة الزوال.
واختلف قول الشافعي في ولد المدبرة، والمكاتبة؛ من جهة أن من يُدبِّر يبغي التأبيد إلى العتاقة وإن ملَّكه الشرعُ الرجوعَ، وكذلك الكتابة، واختلف القول في أولادهما.
وولد الأمة التي نذر مولاها إعتاقَها على طريقين:
أحدهما: أنه كولد المدبرة، والآخر أن الاستحقاق يتعدى إليه؛ فإن النذر لا رجوع عنه. ولكن من حيث إنه ربط العتق بالالتزام تردد الأصحاب. ومن نذر التضحية بشاةٍ، ولم يقل جعلتها ضحية، ففي ولدها طريقان أيضاًً على ما سيأتي في كتاب الضحايا، إن شاء الله تعالى.
وفي ولد العارية والمأخوذ سوماً وجهان:
أحدهما: أنه مضمون كالأم.
والثاني: أنه ليس مضموناً. وسبيله سبيل الثوب يلقيه الريح في دار إنسانٍ، وهذا الاختلاف ينشأ من أن الأيدي المضمَّنة الصادرة عن إذن السيد هل توجب ضمان الغصوب أم لا، وفيه خلافٌ، رمزنا إليه، وسنصفه من بعد، إن شاء الله تعالى.
ولو أودع رجل بهيمة عند رجل أو جارية، فولدت في يد المودَع، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه وديعة بمثابة الأم.
والثاني: أنه ليس بوديعةٍ. وهذا القائل يقول: ليس مضموناً، بل هو كالثوب تهبُّ به الريح، فتلقيه في دار إنسانٍ. وأثر هذا الخلاف أنا إن لم نجعله وديعة، فلابد فيه من إذن جديد. وإلا لا تجوز إدامة اليد عليه، كمسألة الثوب والريح، وإذا قلنا: هو وديعة استمر المودَع، ولم يستأذن، وسبيله سبيل الأم.
وهذا الخلاف في ولد الوديعة له التفاتٌ على خلاف الأصحابِ في أن الوديعة عقد أم لا؟ وفيه اختلاف بين الأصحاب. ومن أدنى آثار هذا الخلافِ أنه إذا أودع وشرط شرطاً فاسداً مثل أن يقول: أودعتك على أن يكون الإنفاق عليك، فهذا يخالف وضع الشرع. فمن جعل الوديعة عقداً، أفسدها بهذا الشرط، وما في معناه. فلابد من ائتمانٍ جديدٍ، وإلا كان ما أخذه وديعة بمثابة الثوب والريح. وإن لم نجعل الوديعة عقداً، فالشرط لا يؤثر فيه أصلاً، بل يلغو الشرط الفاسد، ويبقى موجب الإيداع إلى الرد، أو إلى عدوان يصدر من المودَع.
ويقربُ من هذا المأخذ مسألةٌ نص الشافعي فيها على قولين وهي إذا أودع صبياً، فأتلفه، هل يجبُ الضمان على الصبي؟ فعلى قولين:
أحدهما: لا ضمان؛ لأن المالك سلطه عليه بعقد، فهو المتسبب إلى إتلاف ماله.
والثاني: يضمن؛ فإن الإيداع ليس بعقد حتى يُقضى على المالك بأنه عقد عقداً على الفساد. ولكن مهما أتلف الصبي ضمن؛ فإنه أتلف مال غيره ولا عقد.
أما ولد المبيعة، فلا خلاف أنه لا يجوز حبسه لاستيفاء الثمن، يعني ولداً يحدث بعد لزوم العقد وقبل القبض. فإن قيل: ولد المغصوبة مضمونٌ بجهة ضمان الأم، فهلا كان ولد المبيعة مضموناً بجهة أمه؟ قلنا: المبيع يضمن بالعقد على مقابلة الثمن، والولد لم يقابل بالثمن. والغاصب يضمن بالعدوان وهو متعدِّ بإدامة اليد على الولد، كما أنه متعد بإدامتها على الأم.
فهذه جملٌ تجري مجرى التراجم والمجامع في الأحكام التي تتعدى إلى الأولاد و التي لا تتعدى إليها. وما ذكرناه نشأ من كلامنا في الولد المتجدد بعد الرهن، والمنفصل قبل بيع الرهن في الدين.
3726- ونحن نذكر الآن تفصيل القول في الحمل الموجود حالة الرهن، ثم نتبعه نظائره، كان يقول شيخي أبو محمد: إذا كان الحمل موجوداً يوم الرهن على نعت الاجتنان في البطن ثم بقي مجتناً إلى البيع في الرهن، فلا حكم للحمل، ونعتقده صفة للجارية، فكأنها بيعت على صفة كانت عليها حالة الرهن.
فأما إذا كان الجنين موجوداً ابتداءً، وانفصل قبل بيع الرهن، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أنه يكون رهناً؛ لأنه كان موجوداً حالة العقد.
والثاني: لا يكون رهناً كالمعدوم ما لم ينفصل، وقد كان الانفصال بعد الرهن، وبنى الأصحاب القولين على أن الحمل هل يعلم؟ فإن قلنا: إنه لا يعلم، فكأن لا حمل، ونعتقد الولادة فائدةً جديدة بعد العقد. وإن قلنا: الحمل يعلم، فقد تناول الرهن الأم، ولا مانع في الولد.
وكان شيخي يقول: إن قلنا: الحمل لا يعلم، فهو على ما ذكره الأصحاب: وإن قلنا: إنه معلوم، ففي تعلق الرهن به قولان؛ فإن الرهن ضعيف لا يقوى على الاستتباع، ولم يقع التعرض للولد. ولو وقع التعرض له، لكان فاسداً.
ولو علقت الجارية المرهونة بمولودٍ بتيقن بعد الرهن ولم ينفصل حتى حل الحق، ومست الحاجة إلى البيع، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أنها تباع حاملاً؛ ويعتقد الولد المجتن في البطن زيادة متَّصلة، فقد تعدّى الرهن إليه إذاً في هذه الصورة.
والقول الثاني- إن الرهن لا يتعدى إليه، ولا تباع ما دام الولد مجتناً، وإذا انفصل، لم يتعلق استيثاق الرهن به، وَبَيْعُ الأم دون الولد لا سبيل إليه على ظاهر المذهب، فقد تحصلت أحوال أربع: أحدها: أن لا يكون الحمل موجوداً في الطرفين لا عند العقد، ولا عند البيع، ولكن يحدث وينفصل، فهذا خارج عن الرهن قطعاً مِنّا.
والحالة الثانية- أن يكون موجوداً في الطرفين، فلا مبالاة به، وهو يجري مجرى الصفة.
الحالة الثالثة- أن يكون موجوداً حالة العقد، وينفصل قبل البيع، وفيها القولان.
والحالة الرابعة- أن يتجدد العلوق بعد الرهن، ولا ينفصل حتى يدخل وقت البيع وهو مجتن بعدُ، وفيه قولان.
3727- أمّا الثمار إذا لم تكن مؤبرة حالة العقد، فأُبّرت من بعدُ فطريقان: من أصحابنا من قال: هي كالحمل، وقد مضى التفصيل فيه. ومنهم من قال: لا يتعلق الرهن به قولاً واحداً؛ لأنه لم يذكر، وهو ممَّا يفرد بالتصرف، والتبعية ضعيفة في الرهن.
وكان شيخي يقول: إذا كانت الثمرة غيرَ مؤبّرة حالة الرهن، وبقيت مستترة إلى وقت البيع، فالحمل على مثل هذه الصورة يتعلق الرهن به تعلقه بالصفات، وفي الثمار طريقان: من أصحابنا من أجراها مجرى الحمل، وقطع فيها بتعلق الرهن بها. ومنهم من خَرّج التعلق بها على قولين وإن وجد الاكتتام والاستتار في الطرفين، فهذا متجه فقيه.
3728- وممّا نتكلم فيه اللبن والصوف، فنقول: أمّا اللبن الذي يتجدد بعد الرهن ويحلب فلا شكّ فيه، ولا تعلق للرهن به، وقد صرّح به النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: "الرهن محلوب" ولا شك أنه أراد أن الراهن حالب البهيمة المرهونة، وراكبها، والمنفق عليها.
فأما اللبن الكائن في الضرّع حالة العقد، ففيه طريقان: منهم من قال: هو كالحمل. ومنهم من قطع بأن الرهن لا يتناوله؛ فإنه موجود مقطوع به، وقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم لبنَ المصرّاة بعوض.
وأما الصوف الموجود حالة العقد، فالذي نقله الربيع أنه يدخل تحت العقدِ؛ فإنه متصل اتصال خلقة، وهو ظاهر بادٍ، فأشبه أغصان الأشجار. والصحيح أنه لا يدخل تحت العقد؛ فإنه وإن كان متصلاً معدودٌ في العرف منفصلاً. ومن أصحابنا من قال: إن كان الصوف مستجزًّا حالة العقد، فهو كالمجزوز، فلا يدخل في الرهن، وإن لم يكن مستجزًّا دخل في العقد، ثم تلك الجِزّة متعلق الرهن إذا جزت.
3729- وأمّا أغصان الأشجار فما لا يعتاد قطعها داخلة في الرَّهن، وما يعتاد قطعها ثم إنها تنبت أغصاناً من محل القطع كالخِلاف، وما أشبهه، فهذه الأغصان نزَّلها العلماء منزلة الصوفِ، من جهة أن الصوف، يستجز، فتجز، كما أن الأغصان تستغلظ، فتقطع.
وأمّا أوراق الأشجار فما يعتمد قطعها كأوراق الفِرصاد، فالقول فيها كالقول في الثمار. وقد ذكرنا أن الثمار لا تدخل، ثم هي تُخلق ظاهرة، فكانت كالثمار المؤبرة البارزة.
وأما الأوراق التي لا تقطع، ولكنها تنتثر أوان الخريف، فالرهن يتعلق على ظاهر المذهب بها، وإذا تجمع منها ما يُجمع، كان بمثابة ما ينتقض من الدار المرهونة.
ومن أصحابنا من قال: إذا انتثرت الأوراق أو نثرت، لم يتعلق استحقاق الرهن بها.
هذا بيان ما يتعلق بالزوائد الموجودة حالة العقد.
3730- ثم كان شيخي يختم هذا الفصل، ويقول كل حُكمٍ علقناه بالاقتران بالعقد، فالعقد هو المعتبر لا غير، حتى لو وجد حالة القبض، ولم يكن موجوداً حالة العقد، فهو متجدد. وقد مضى تفصيل القول فيما يتجدد من الزوائد.
ومن أصحابنا من قال: العبرة في الاقتران بوقت القبض؛ فإنه الركن، وبه التمام، وكأن اللفظ جارٍ معه، وهو غير سديدٍ.
وقد نجز ما أردناه من الكلام في الزوائد العينية التي تقارن العقد، ثم تنفصل ثم تتجدد من بعدُ، وتنفصل أو تبقى إلى وقت البيع.
فصل:
قال: "وكذلك سكنى الدار، وزرع الأرض، وغيرها... إلى آخره "
3731- المنافع قسمان: منفعةٌ لا يَنْقُصُ القيمةَ استيفاؤها، كالسكنى، والركوب، والاستخدام، فللراهن أن يستوفيها. وقد ذكرنا التردد في طريق استيفائها مع رعاية حق المرتهن في قبضه ويده.
ومنفعة ينقص القيمةَ استيفاؤُها، كالغرس والتزويج والوطء، وفي الزرع تفصيلٌ، على ما سنصفه.
فالقاعدة المعتبرة في هذا القسم أن المنافع، وإن لم تكن متعلَّقاً لوثيقة المرتهن، فالعين محل الوثيقة على الحقيقة، فكل انتفاع يؤدي إلى تنقيص القيمة، فهو ممنوع؛ من جهة أدائه إلى التأثير في محل الوثيقة، وقد سبق تصوير تأثير الغرس في نقصان الأرض، والتزويجُ لا شك أنه ينقص؛ فإذا رهن جارية لم يزوجها، والوطء في التي يخشى علوقها محرّم، وإن كانت الجارية بحيث لا يخشى علوقها لصغرها، أو كبرها، ففي حلّ الوطء وجهان: أشهرهما المنع، حسماً للباب، وقياساً على قاعدة العدة؛ فإن مبناها على استبراء الرحم، ثم الصغيرة الموطوءة تعتد كالبالغة. وكذلك تعتد الطاعنة في السن اعتداد الشابة.
والزراعة إن كانت تَنْقُصُ قيمةَ الأرض لتأثيرها في الرقبة وتضعيفها تربتها كالدُّرة فيما قيل، فهي ممنوعة إلا أن يأذن فيها المرتهن؛ لسبب أدائها إلى تنقيص القيمة.
أمّا زرع سائر الحبوب إذا كان لا يؤدي إلى تنقيصٍ معتبر، فالنظر فيه إلى مدة بقاء الرهن إلى الاستحصاد، فإن كان يحصد قبل حلول الأجل، فلا منع منه؛ فإن المنفعة تتوصل إلى الراهن ولا تؤدي إلى تنقيصٍ من القيمة، مع فراغ الأرض عند مسيس الحاجة إلى بيعها في الدَّيْن.
فإن كان أمد الزرع يتمادى حتى تبقى الأرض مزروعةً عند حلول الحق، فالمذهب منعُ الراهن من هذا النوع؛ فإن الأرض لا يُرغب فيها مزروعة كما يُرغب فيها وهي فارغة. وقال الربيع: للراهن أن يزرع، ثم ينظر إلى حالة الحلول، فإن وفى بيعُ الأرض دون الزرع بالدين، فذاك. وإن لم يف، قلعنا الزرع. ولا معنى للمنع من إنشاء الزراعة قبل حلول الحق إذا كان الاستدراك ممكناً بتكليف القلع. وهذا تخريج الربيع. والظّاهرُ المنع من الزراعة ابتداءً. وقد ذكرنا مثل هذا الخلاف في إنشاء الغرس.
وأما إجارة المرهون، نُظر فيها، إن كان حالاًّ، فغير جائز. وإن كان مؤجلاً، ومدة الإجارة تنقضي قبل حلول الحق أو معه، فالإجارة تنعقد. وإن كانت مدة الإجارة تدوم ولا تنقضي عند الحلول، فلا نحكم بانعقادها ابتداء، لأن مقتضاها التبعيض عند مسيس الحاجة، وتقليل الرغبة، ولا جواز لذلك. والربيع يوافق فيما ذكرناه، وإن خالف في الزرع من قِبل أن الزرع إن أمكن قلعه، فالإجارة لو ثبتت، للزمت، ولا سبيل إلى قطعها على المستأجر.
ولو كان الرهن فحلاً، فأراد الراهن إنزاءَه على إناثٍ، فإن كان الإنزاء ينقص من القيمة، منعنا منه، وإن كان لا ينقص، فلا منع.
وإن كان الرهن أنثى، فأراد الإنزاء عليها، نُظر: فإن كان الحمل ينقصها، منعنا من الإنزاء عليها. وإن كان لا ينقصها، وفرعنا على أنها قد تباع حاملاً في الدين، فلا منع. وإن أبينا بيعها حاملاً في الدين إذا كان الحمل متجدداً بعد الرهن، فإذا كان كذلك، فالإنزاء في أصله ممنوع. وهذا قياس بيّن في النفي والإثبات.
3732- وكل منفعة تضمَّن إستيفاؤها نقصاناً، فاستيفاؤها بإذن المرتهن جائز؛ فإنّ الحق له. ومن هذه الجملة الإذنُ في الوطء، وهذا غريب؛ فإن الوطء إذا كان ممنوعاً، لم يستبح بإذن آذن. ولكن حقيقة القول أن الوطء مباح في نفسه، والمنع ليس راجعاً إلى عينه، وإنما المرعي حق المرتهن، فإذا رضي، استمر الوطء على الحل.
3733- ثم قال: "وأكره رهن الأمة... إلى آخره".
إن لم تكن الأمة مرغوباً فيها، لصغرها أو لخستها أو دمامة صورتها، فلا بأس برهنها وفاقاً. وإن كانت بمحل أن ترمق، فظاهر النص والمذهب يشعر بجواز رهنها، ثم لا تسلّم إلى المرتهن إن لم يكن مأمون الجانب؛ فإنه قد يستخلي بها، ويُلمُّ بها، وما حرمت الخلوة مع الأجانب في وضع الشرع إلا من الجهة التي أشرنا إليها. ولكن الوجه وضعُها على يدي امرأةٍ أو عدل لا يتطرق إليه إمكان إلمام بها.
وإن كان المرتهن محفوفاً بأهله وذويه وأقربته في دارٍ، وكانت الحشمة تَزَعُه من الإقدام على الإلمام بها بين أظهرهم، فهذا من الموانع، فليعتبر المعتبر ما جعلناه معتبرَ الفصل.
وذكر الشيخ أبو علي في شرح التخليص قولاً أن رهن الجارية الحسناء ممنوعٌ أصلاً، إلا أن تكون مَحْرماً للمرتهن، فلا بأس حينئذ.
هذا تفصيل القول في المنافع وجهاتِ استيفائها.
3734- ثم قال الأئمة: لا يُمنع الراهن من تعهد الرهن بما يدفع عنه ضرراً، أو
يحصّل خيراً، فإذا دعت الحاجة إلى حجامةٍ أو فصدٍ، أو توديجٍ في الدابة، أو بَزْغٍ، فلا يُمنع الراهن من هذه الأجناس؛ إذ لا خطر. والحاصل منها دفعٌ أو نفعٌ، ومن جملة ذلك الختان، وأبدى بعض الأصحاب خلافاً في الختان عند القرب من حلول الحق؛ من جهة أن البيع يفرض ورودُه والمختون أَلِمٌ، وهذا ينقص القيمةَ، والرغبةَ، وهذا باطل؛ فإن هذا القدر لا أثر له في النقصان أصلا، فلا منع منه، أمّا إذا أراد قطع سِلعةٍ يخاف سريانها إلى الروح، أو إلى العضو، فهذا ممنوع؛ تخريجا على القاعدة التي ذكرناها.
3735- وإذا نجز القول في انتفاع الراهن وما يمتنع منه وما يسوغ، فنقول: مؤنة الرهن في القاعدة الكلية على الراهن المالكِ؛ فإن المؤونة تتبع الملكَ في أصل الشرع، ثم الذي نص عليه الأصحاب في الطرق أن المؤن الراتبة على الراهن. وإذا امتنع عن شيء منها أُجبر، ويشهد له حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذْ قال: "وعلى من يحلبه ويركبه نفقته" فجعل وجوب النفقة في مقابلة ملك الانتفاع، وأيضاً فإن الراهن ألزم نفسه الوفاء بتحقيق حق المرتهن من الوثيقة، ومِن ضرورة هذا الإنفاقُ على حسب مسيس الحاجة.
وذكر شيخي وطائفة من الأئمة أن الراهنَ إذا امتنع من الإنفاقِ، لم يجبر ولكن القاضي يبيع جزءاً من المرهون، ويصرفه في جهة المؤنة على حسب الحاجة، وهذا فيه نظر؛ فإن قصاراه يؤدي إلى بيع الرهن شيئاًً شيئاًً في جهة المؤنة، وهو منافٍ لحقيقة الاستيثاق، والوجه تكليف الراهن الإنفاقَ.
وقد تحقق بعد البحث عن الطرق إطباق المراوزة على أن النفقة لا تجب على الراهن، وإن كان المرهون حيواناً، فليس إيجابُ النفقة لحق المرتهن وحفظ الرهن عليه، وإنما تجب لحرمة الروح، وليس للمرتهن فيه طَلِبة إلا من جهة الأمر بالمعروف، والمسلمون فيه شَرعٌ سواء، وإن امتنع، فالقاضي يبيع شيئاًً من الحيوان على قدر مسيس الحاجة.
وإذا ثبت هذا من مذهبهم في النفقة على الحيوان، لم يخف قياسُهم في سائر المؤن. وحاصل طريق المراوزة أن الإنفاق على الرهن لا يجب لحق المرتهن.
وقطع العراقيون بأنه يجبُ على الراهن أن ينفق على المرهون إبقاءً لحق المرتهن، وإدامةً لوثيقته، واحتجوا عليه بأنا إن كنا نُنْفِق على الرهن من الرهن، والدينُ مؤجل، فهذا يُفضي إلى رفع الوثيقة، فالراهن إذا كان يحتاج إلى بذل مالٍ في الإنفاق على الرهن، فلا فرق عنده بين أن يأتي بطائفة من ماله وبين أن يباع جزء من الرهن. هذا كلامهم.
ونصُّ الشافعي في آخر "باب الرهن يجمع شيئين" موافقٌ للعراقيين، وأنا أنقل لفظه على وجهه قال رضي الله عنه: "وإذا رهنهُ ثمرةً، فعلى الراهن تنقيتها وإصلاحُها وجِدادُها، وتشميسُها كما يكون عليه نفقةُ العبد" وسيأتي في كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى، أنا نوجب على المكري عمارة الدار في يد المكتري، حتى يتمكن من استيفاء المنفعة.
والمراوزة فيما أظن يحملون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً إذ قال: "وعلى من يحلبه ويركبه نفقته" على أن الراهن لا يرضى ببيع ملكه في نفقته، وهذا عليه الاعتياد الغالب، فالنفقة عليه لا على المرتهن، وفرض الامتناع عن النفقة ومسيس الحاجة إلى البيع ليس مما تعرض له الحديث ولا الشافعي.
3736- والمسألة محتملة جدّاً.
ويتصل بتمامها أنا إذا فرّعنا على طريق المراوزة، فيتشعب منه أن المرتهن إن علم أن النفقة ستأكل الرَّهن قبل الأجل، فحق هذا أن يلحق بما يفسد قبل حلول الأجل، حتى يسوغ للمرتهن طلبُ بيعه وردّه ناضّا يستقل بقاؤه دون مؤنة. وهذا طرفٌ لابد من عرضه على الفكر.
ولو كان الإنفاق يأكل نصفَ الرهن مثلاً فينقدح أن يُملَّك المرتهنُ طلبَ البيع في جميعِه؛ دفعاً لتنقيص التشقيص أولاً. والآخر أن النفقة تبقى على ما يبقى ثم يتسلسل القول فيه.
فليفهم الناظر ذلك؛ فإنه لطيف.
وممَّا يتصل بالمؤن القول في أجرة البيت الذي يأوي الرهن إليه، فليلتحق بالمؤن، وقد تفصلت. وإنما أفردتها بالذكر؛ فإن الفَطِن قد يخطر له أن الحفظ حق المرتهن، فيختص بالتزام ما يتعلق بذلك. وليس الأمر كذلك بالإجماع.