فصل: باب: المورايث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: المورايث:

6225- ذكر الشافعي في هذا الباب الفرائض الست، وأبان مستحِقَّ كل فريضة، ونحن ذكرنا فيما تقدم الجُمَل والمعاقد، والآن نتبع النصوص، وترتيب (السواد)، ونذكر ما فيها من مشاهير الخلاف.
وقد ذكر الشافعي في أول الباب فرضَ الزوجين، وليس فيهما خلاف، ولا حاجة إلى مزيد بيان، مع نص القرآن.
فصل.
قال: "وللأم الثلث... إلى آخره".
6226- فنقول: إن كان للميت ولدٌ أو ولد ابن، فللأم السدس، بلا خلاف، وكذلك إذا كان للميت ثلاثة من الإخوة، والأخوات، فللأم السدس.
وإن كان للميت اثنان من الإخوة والأخوات فمذهب زيد وجماهير الصحابة رضي الله عنهم أن للأم السدس. وقال ابن عباس: لا ترجع الأم إلى السدس باثنين من الإخوة، وقيل: ناظَر ابنُ عباس عثمانَ، وتمسك بظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقال محتجاً: ليس الأخوان إخوة في لسان قومك. فقال عثمان: "إن قومك حجبوها يا غلام"، وأشار بهذا إلى مخالفته ما كان العلماء عليه قبل إظهار مذهبه.
ثم مقتضى اللسان التساهل في إطلاق لفظ الجمع على الاثنين، وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة»، وتبيّن في أصول الفرائض نزول الاثنين منزلة الجماعة من ذلك الجنس، كالأخوات يستحققن الثلثين، وللأختين الثلثان أيضاً، ولثلاثة فصاعداً من أولاد الأم الثلث، ولاثنين منهم الثلث.
6227- ومما خالف فيه ابن عباس ما استثناه من الفريضتين، وهما:
زوج وأبوان.
وزوجة وأبوان.
قد ذكرنا أن للأم فيهما ثلث ما تبقى بعد فرض الزوج، وخالف ابن عباسٍ فيهما، فأثبت للأم في الفريضتين الثلثَ الكاملَ.
ومعتمدُ المذهب أن أصل الفرائض أنه إذا اجتمع ذكرٌ وأنثى في درجةٍ واحدة، فالذكر يفضل الأنثى، وإدْلاءُ الأبوين جميعاً بالميت من جهة الأبوّة، وقد ثبت أنهما إذا اجتمعا، فللأم الثلث، والباقي للأب، وتبين ما اختص الأب به من البسطة والقوة في الميراث؛ فإنه يجتمع له الفرض والتعصيب في الفريضة الواحدة، ويثبت له حق الإرث بكل واحدةٍ من الجهتين، فلو قلنا في مسألة:
زوج وأبوين:
للأم ثلث جميع المال، لكانت آخذةً مثلَيْ ما يأخذ الأب. وهذا خلاف موضوع الفرائض.
وكذلك إذا ثبت أن الأب ينبغي أن يفضل الأمَّ، فيلزم منه أن يفضلها على النسبة التي ذكرناها، وذلك يحصل بقولنا: للأم بعد الربع ثلث ما تبقَّى، والباقي للأب، وإذا قلنا: للأم ثلث جميع المال، والباقي للأب، ففيه تفضيلٌ للأب، ولكن ليس التفضيل على النسبة المطلوبة.
وهذا الذي ذكرناه من تفضيل الذكر على الأنثى يدخل عليه تسويتُنا بين الذكر والأنثى في الأخ والأخت من الأم.
ويدخل عليه تسويتنا بين الأب والأم إذا كانا يأخذان بالفرض، حيث يكون في الفريضة معهما ابن، فإنا نقول: للأبوين السّدسان، والباقي للابن.
فهذا منتهى ما ذكر في ذلك.
6228- والأَوْلى في المسائل التي انفرد فيها ابن عباس بالخلاف التمسكُ بما ذكره عثمان في المسألة الأولى من هذا الفصل؛ فإن ابن عباس أظهر الخلاف بعد سبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إلى الاتفاق، ومفرداته مأخوذة من مسألةٍ في الأصول وهي أن الإجماع هل يشترط فيه انقراض أهل العصر، حتى يقال: لا يقع الحكم بالإجماع إذا نشأ في العصر مخالفٌ قبل انقراض أهله؟ وقد ذكرنا أن المختار ألا يشترط انقراض أهل العصر.
فصل:
قال: "وللابنة الو احدة النصف... إلى آخره".
6229- نستفتح الكلامَ في ميراث الأولاد والبنين. ونحن نقول أولاً: انعقد الإجماع على أن الابن الواحد يحوز المال إذا انفرد، وليس لهذا ذكر في الكتاب والسنّة. وقال بعض أصحابنا: الإجماع انعقد عن شرع من قبلنا، وقد نقول: إن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، ووجه التمسّك بشرع من قبلنا أن الله تعالى أخبر عنه، فقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16].
وهذا مدخولٌ من وجهين:
أحدهما: أنا نقطع في مسالك الأصول بأنا لا نتمسك بشرع من قبلنا، والآخر أن قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] كلام مستعار، والمراد به أنه قام مقامه في الملك، والنبوّة، ويشهد له قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ...} [الآيات النمل: 16] وما بعدها.
وتكلف بعض الأصحاب في هذا وجهاً آخر، فقالوا: قد ثبت أن الابن والبنت إذا اجتمعا، فالمال عند اجتماعهما مصروف إليهما على نسبة من التفاضل، فللابن ضعف ما للبنت حالة الاجتماع، فليكن للابن حالة الانفراد ضعف ما للبنت المفردة ثم للبنت المنفردة النصف، فليكن للابن المنفرد
الجميع.
وهذا تكلف مستغنىً عنه؛ فإن من القواعد المستفيضة أن الأخذ بالتعصيب يستغرق المال إن لم يزاحَم. وعلى هذا القياس يجري العصبات أجمعون، والابن أقوى العصبات، فإذا انفرد ولم يكن ذو فرض، ولا وجه إلا أن يستغرق المال، فإن الابن الواحد يستغرق، والابنان يشتركان في الاستحقاق، وكذلك البنون.
فصل:
قال: "وللبنت النصف، وللبنتين فصاعداً الثلثان... إلى آخره "
6230- أما الواحدة من البنات، فلها النصف بنصّ القرآن، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
وللبنتين فصاعداً الثلثان عندنا، وهو مذهب عامة الفقهاء، وادّعى بعض الفرضيين الإجماعَ فيه، وحكَوْا موافقةَ ابن عباس.
ورُوي عنه أنه كان يقول: للبنتين النصف، وللثلاث فصاعداً الثلثان، محتجاً بظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11].
ونحن نقول: قد حصل الوفاق على أن للأختين الثلثان، قال عزّ من قائل: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فإذا ثبت ذلك في الأختين مع بُعد درجة الأخوات، فالبنات مع قرب الدرجات بذلك أولى، ثم قد روي أن عثمان ابن مظعون مات وخلف زوجةً، وبنتين، وأخاه قدامةَ بنَ مظعون، فرفع قدامةُ جميع المال، فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن أخاك عثمان مات، وخلفني وبنتين، وأخاه قدامة، وإنه رفع جميعَ المال، فقال صلى الله عليه وسلم: «لك الثمن ولبنتيك الثلثان، والباقي للاخ».
فصل:
قال: "فإذا استكمل البنات الثلثين... إلى آخره".
6231- إذا خلّف الرجل بنتاً، وبنت ابن، فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين.
ولو كان في المسألة بنتٌ واحدة في الصلب، وجماعةٌ من بنات الابن، فللابنة النصف ولبنات الابن السّدس، يشتركن فيه إذا لم يكن في الفريضة معصِّب. وعن هزيل بن شرحبيل أنه قال: أتيت سليمان بن ربيعة، وأبا موسى الأشعري، وسألتهما عن:
بنت، وبنت ابن، وأخت.
فقال: للبنت النصف، والباقي للأخت، ثم قال أبو موسى: ائت عبدَ الله بنَ مسعود، فاسأله؛ فإنه سيتابعُنا، فأتيته وسألته، وأخبرته بما قال أبو موسى، فقال عبد الله: قد ضللت إذاً، وما أنا من المهتدين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت". قال هزيل: فرجعت إليهما، فأخبرتهما بما قال ابنُ مسعود، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء، وهذا الحبر بين أظهركم.
وقد تمسك الأصحاب بهذه الصورة على ابن عباس فيه إذا كان في الفريضة بنتان، فقالوا: إذا كنا نصرف إلى بنت واحدة في الصلب، وإلى بنت ابن واحدة الثلثين، فالبنتان في الصلب بالثلثين أولى.
ولو كان في المسألة:
بنت واحدة، في الصلب، وبنت ابن، أو بناتُ ابن، وغلامٌ من الأحفاد دونهن في الدرجة.
فللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للغلام المستقل.
ثم قال: "فإذا استكمل البنات الثلثين... إلى آخره".
6232- الوجهُ أن نذكر مذهب زيد ومذهب الجمهور مجموعاً في الأولاد وأولاد الابن، حتى ينتظم الكلام، ثم نذكر خلاف من يخالف في آحاد المسائل، فنقول:
أولاد الصلب إذا تمحّضوا، نُظر: فإن كانوا ذكوراً، أوْ لم يوجد منهم إلا ذكرٌ واحد، فسبيل الاستحقاق استغراق التركة.
وإن كانوا ذكوراً، وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن لم يكن في المسألة ذكورٌ، وكان فيها بنات الصلب، فللبنت الواحدة النصف، وللبناتِ إذا زدن على اثنتين الثلثان، وللبنتين الثلثان أيضاً.
ولا يصح عن ابن عباس الخلاف في ذلك، وروى بعضُ الفرضيين عنه الخلافَ كما قدمناه.
هذا في أولاد الصلب إذا تمحضوا ذكوراً، أو إناثاً، أو اختلطوا ذكوراً وإناثاً.
6233- فإذا لم يكن في الفريضة أحدٌ من أولاد الصلب، وكان فيها أولاد الابن، فيفصّل القول فيهم كتفصيل القول في أولاد الصلب إذا تمحضوا في الأحوال الثلاثة: ذكوراً أو إناثاً، أو مختلطين، فإنّ ابنَ الابن كالابن، وابن الابن مع بنت الابن، كالابن مع البنت.
وإذا انفردت بنت ابن واحدة، فهي كبنتٍ واحدة في الصلب، وبنتا الابن فصاعداً، لا ذكر معهن، كبنتي الصلب فصاعداً.
6234- وإذا اجتمع في الفريضة أولاد الصلب، وأولاد الابن، نظر: فإن كان في الصلب ذكر، فأولاد الابن محجوبون به.
وإن لم يكن في الصلب ذكر، نُظر: فإن كان في الصلب بنت واحدة، فلها النصف. ثم ينظر في أولاد الابن، فإن كانوا ذكوراً، أو كانوا ذكوراً وإناثاً، فالباقي بعد النصف لأولاد الابن.
وإن كان في الصلب بنتٌ واحدة، ومعها بنت ابن أو بنات ابن، لا ذكر معهن في درجتهن، فالسدس لبنت الابن، أو بنات الابن تكملة الثلثين.
ولو كان في الصلب بنتان فصاعداً، فلهن الثلثان، ثم ينظر في أولاد الابن، فإن لم يكن فيهن ذكر، سقطن بعد استغراق الثلثين. وإن كان أولاد الابن ذكوراً، فالباقي لهم، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
والذكر مع الأنثى في هذه المنزلة يسمى الأخَ المبارك؛ فإن بنت الابن، كانت تسقط لولاه. وإنما ورثت بسببه.
ثم قال الأئمة: إذا كان في المسألة بنتا صلبٍ، وبنت ابن، وابن ابن ابن فللبنتين الثلثان، والباقي بين بنت الابن، وابن ابن الابن المتسفِّل في الدرجة: للذكر مثل حظ الأنثيين، فالذكر في درجتها يعصبها، والذكر المتسفِّل عنها يعصبها.
ولو كان في الفريضة بنت واحدة في الصلب، وبنت ابن، وابن ابن ابن، فلبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لابن ابن الابن.
ولو كان الغلام في درجة بنت الابن، فكان في الفريضة بنت وبنت ابنٍ وابن ابن، فللبنت النصف، والباقي بين بنت الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين.
6235- والضابط في ذلك لمذهب زيد والجمهور: أنه إذا كان في الفريضة بنتا صلب، واستغرقتا الثلثين، فبنات الابن يسقطن إذا لم يكن معهن ذكر، ولا يستحققن إذا انفردن شيئاً، وإذا كان غلام معصِّب، ورثن بسبب تعصيبه، فحيث يرثن، يرثن بسبب الغلام، ولولاه لسقطن، فالغلام يعصبهن إذا كان في درجتهن، ويُثبت إرثَهن، وكذلك لو تسفّل عنهن، عصّبهن.
ولو كانت بنات الابن يرثن دون غلام-وإنما يكون ذلك إذا كان في الصلب بنت واحدة- فإن كان الغلام في درجتهن عصّبهن، وإن كان أسفل منهن، لم يعصبهن، وثبت لهن فرضُهن، وهو السدس، المكمِّل للثلثين. ثم الباقي للغلام المتسفل، والسبب في ذلك أن الغلام إذا كان سببَ توريث بنات الابن، عصّبهن، وهو في درجتهن، فإذا كان أسفل منهن، فلا يمكن إسقاط الغلام؛ فإنه عصبة ذكر، ثم إذا لم يسقط الغلام، كيف تسقط بنت الابن القريبة، وقد ثبت أن الغلام يشاركها إذا كان مساوياً لها في الدرجة، فيستحيل أن ينفرد بالإرث
إذا بعُدت درجتُه.
فأمَّا إذا كان لبنت الابن فرض السدس، فالغلام في درجتها يعصّبها، كما يعصب الابنُ البنتَ، فإذا تسفل درجة الغلام، رددنا الأمرَ إلى القياس، فلبنت الابن فرضُها، والفاضل من الفرض للغلام المتسفّل.
6236- وإذا لم يكن في المسألة أولاد الصلب، وكان فيها درجات من أولاد البنين، فالدرجة العليا منهم بالإضافة إلى الدرجة التي تليها كدرجة أولاد الصلب مع أولاد الابن في كل تفصيل:
فلو كان في المسألة بنتا ابن، وبنت ابن ابن، فلبنتي الابن الثلثان، وتسقط بنت ابن الابن، فإن الثلثين صار مستغرقاً في الدرجة الأولى. فإن كان مع المتسفلة، أو أسفل منها غلام، عصّبها حينئذ. ولو كان في المسألة بنتٌ وبنت ابن، وبنت ابن ابن، فلبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وتسقط المتسفلة عن هذه الدرجة، إذا لم يكن معها معصب؛ فإن الثلثين صار مستغرقاً بالنصف والسدس.
هذا بيان القواعد.
ومهما سفلت واحدة من أولاد البنين بعد الثلثين، فلو تقدم عليها بالدرجة ذكر أسقطها، لا محالة، ولو قاربها أو تسفل عنها عصبها.
6237- وقال عبد الله بن مسعود: "إذا استكملت بناتُ الصلب الثلثين، فلا شيء لبنات الابن "؛ فإن كان معهن ذكر في درجتهن، أو أسفل منهن، فالباقي مصروفٌ إلى الذكر، وليس لبنات الابن شيء. قال: لأنهن لا يستحققن دون الغلام، فالغلام لا يُثبت لهن ميراثاً.
وعبّر عن هذا فقال: "ليس لإناث أولاد البنين بعد الثلثين شيء".
وقال عبد الله أيضاً: إذا كان في الصلب بنت واحدة، فلها النصف، ولبنات الابن لو انفردن السدس، فلو كان معهن ذكر يعصبهن، فلهن الأضرُّ من السدس أو المقاسمة، فإن كان السدس أضرَّ بهن، فالسدس لهن والباقي لابن الابن، وإلا فالمقاسمة.
6238- وطريق إيضاح مذهبه أن نقول: إن لم يكن في الفريضة صاحب فرضٍ غيرُ الأولاد والأحفاد، اطرد في معرفة الأضر مسلك واحد، وهو أن نقول: إن كان عدد الذكور والإناث سواء بالرؤوس، لا بتقدير ذكر أنثيين عدداً، فالسدس، والمقاسمة سواء، وإن كان عدد الإناث أكثر، فالسدسُ شِرْكُهن وأضرٌّ بهن، وإن كان عدد الذكور أكثر، فالمقاسمة شِركُهن.
وبيانه: بنت صلب، وبنت ابن، وابن ابن، فالاستواء محقق، فيستوي السدس والمقاسمة. والمسألة في تقدير المقاسمة من اثنين: لبنت الصلب النصف سهم واحد من اثنين والباقي لهما وهو سهم منكسر على ثلاثة؛ فإنا نقسمه للذكر مثل حظ الأنثيين، فنضرب ثلاثة في اثنين، فتصير ستة: لبنت الصلب منها ثلاثة، ولبنت الابن مما بقي الثلث وهو سهم واحد من ستة، وهو السدس بعينه.
ولو كان في المسألة ابنا ابن وبنت ابن، فالسدس خير لها. بيانه: بنت صلب، وابنا ابن، وبنت ابن. المسألة من اثنين في المقاسمة، وينكسر سهمٌ على خمسة، فنضرب الخمسة في اثنين فتصير عشرة، للبنت من العشرة خمسة، ولبنت الابن سهم واحد، فقد خصها بالمقاسمة عشر المال.
وإن كان في المسألة مع بنت الصلب بنتا ابن، وابن ابن فالمسألة من اثنين، فينكسر بينهم على أربعة، فنضرب أربعة في اثنين فترد ثمانية. للبنت منها أربعة، ولبنتي الابن سهمان، فقد خصهما بالمقاسمة ربعُ جميع المال، فهو خير لهما من السدس.
6239- وهذا الاعتبار كافٍ إذا لم يكن في المسألة صاحبُ فرضٍ غيرُهن، فإن كان في المسألة صاحبُ فرض، فلا يستقيم هذا الاعتبار.
وبيان اضطرابه أنه لو كان في المسالة زوج، وبنت صلب، وابن ابن، وبنت ابن، فالمسألة من أربعة: للزوج الربع سهمٌ، ولبنت الصلب سهمان. يبقى سهمٌ واحد لا ينقسم عليهما، فنضرب ثلاثة في أربعة، فللزوج ثلاثة من اثني عشر، والبنتُ ستة، يبقى ثلاثة: لبنت الابن سهم واحد؛ فقد خصها بالمقاسمة نصف السدس، مع الاستواء في العدد، فينبغي أن نأخذ في اعتبارٍ آخر.
6240- وقد أكثر الفرضيون في ذلك.
ونحن نرتاد من جملة ما ذكروه طريقين: إحداهما- أن نقول: إذا أردت أن تعرف هل في المسألة خلاف مع عبد الله رضي الله عنه، فأعط بنتَ الصلب ومن معها من ذوي الفروض فروضَهم، ثم انظر: فإن كان الباقي من المال سدساً، أو أقلَّ، فلا خلاف ولا وجه إلا المقاسمة.
وإن كان الباقي أكثر من السدس، فاعزل منه السدس، وخذ نصف الباقي، وانسبه إلى السدس، وانسب عددَ بني الابن إلى عدد بنات الابن، فإن كانت نسبة عدد بني الابن بالرؤوس إلى عدد بنات الابن مثل نسبة نصف الباقي إلى السدس، أو أكثر فلا خلاف، ولا وجه إلا المقاسمة. وإن كانت نسبة الذكور إلى الإناث أقل من تلك النسبة، فهي مسألة الخلاف مع ابن مسعود، فإنه يثبت السدس للإناث، وغيرُه يثبتون المقاسمة.
ونُوضح الطريقةَ بثلانة أمثلة: المثال الأول- بنت، وابنا ابن، وبنتا ابن، وجدة. فللجدة السدس، وللبنت النصف، ويبقى من المال الثلث، فنعزل منه السدس، فيبقى منه السدس، فننسب نصفه إلى السدس، ثم ننسب عدد الذكور إلى الإناث باعتبار الرؤوس، فنرى الذكور مثل الإناث، فهذه النسبة أكثر من نسبة نصف السدس إلى السدس، فلا خلاف إذاً، والمقاسمة أضرُّ.
ولو فرضنا بنتاً وجدة، وابن ابن، وبنتي ابن، فنحط النصف والسدس، كما تقدم، فيبقى الثلث، ونعزل منه السدس، وننسب نصفَ ما بقي إلى السدس، فيقع نصفَه، ثم ننسب الذكر إلى الإناث، فيقعُ نصفَ الإناث، فقد استوت النسبتان، فلا خلاف.
وإن كان في المسألة ثلاثُ بنات ابن، وابن ابن، و طردنا الطريقة، على النسق الذي ذكرناه، فتقع نسبة الذكر إلى الإناث أقلَّ من نسبة نصف الباقي إلى السدس المعزول، فهو صورة الخلاف؛ فإن السدسَ أضرُّ بالإناث من المقاسمة.
والطريقة كما تجري مع الفرض تجري من غير فرض، غيرَ أنها من غير فرض تطّرد على استواء. ويختلف عدد الذكور والإناث، فإذا كان في المسألة بنت وابنا ابن وبنتا ابن فنعطي البنت نصفها، ونعزل من النصف الباقي السدس، ثم ننسب نصف ما بقي بعد السدس إلى السدس، والباقي بعد السدس ثلث ونصفه سدس، فهو مثل السدس المعزول، ونسبة رؤوس الذكور إلى الإناث بالمثل أيضاً، فقد استوت النسبتان، فلا خلاف. ولا يعسر طرد الطريقة في الصور كلِّها مع فرضٍ، ومن غير فرضٍ.
6241- الطريقة الثانية في استخراج الأضرّ، والتنصيص على صورة الخلاف والوفاق- فنقول: إن كان في الصلب بنتان فصاعداً، واجتمع في أولاد الابن ذكورٌ وإناث، فهي مسألة خلاف، لا محالة. وكذلك إذا استُغرِق الثلثان بالنصف والسدس تكملة الثلثين، ووقع الكلام في درجة متسفِّلة، وفيها ذكور وإناث، فهي صورة الخلاف.
وإن كان في الصلب بنتٌ واحدة وفي الدرجة الأولى من أولاد الابن ذكور وإناث، فابن مسعودٍ يعتبر الأضرَّ، وسبيل طلبه سواء كان في المسألة صاحب فرض سوى الأولاد، أو لم يكن أن نقول: يُدفع إلى البنت وذوي الفروض فروضهم، إن كانوا، ثم نضرب ما تبقى من سهام المسألة في عدد بنات الابن، ونحفظ مبلغه، ثم نضرب سدس جميع المال في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور من أولاد الابن، فما بلغ نقابله بالمبلغ الأول، فإن كان مثله، فالقسمة والسدس سواء، وإن اختلفا، فانظر: فإن كان مضروب باقي السهام في عدد الإناث أقلَّ، فالقسمة أضرّ بهن، فلا خلاف في المسألة. وإن كان مضروب السدس في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور أقلّ، فالسدس أضرُّ بهن، وفيها خلاف.
ومثاله: امرأة، وبنت، وأربعة بني ابن، وثمان بنات ابن. المسألة من أربعة وعشرين، للمرأة الثمن ثلاثة، وللبنت النصف اثنا عشر، والباقي تسعةُ أسهم، نضربها في عدد بنات الابن، وهم ثمان، فتبلغ اثنين وسبعين، فنحفظها، ثم نضرب سدس أصل المسألة وهي أربعة في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور وذلك ستة عشر، فيبلغ أربعة وستين، وهو أقل من اثنين وسبعين، فالسدس أضر، فالمسألة خلافية.
فعلى أصل الجمهور للمرأة الثمن، وللبنت النصف، والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين. وعلى أصل ابن مسعود للمرأة الثمن، وللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لبني الابن.
ولو كان عدد بني الابن خمسة، فباقي المسألة على ما ذكرنا، فنضرب سدس المسألة، وهو أربعة في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور، وذلك ثمانية عشر، فصار المبلغ اثنين وسبعين، مثل المبلغ الأول. واستوى السدس والقسمة، وزال موضع الخلاف.
ولو كان عدد بني الابن فيها ستة، وضربنا سدس أصل المسالة في عدد
الإناث، وضعف عدد الذكور، وذلك عشرون، صار المبلغ ثمانين، وهي أكثر من المبلغ الأول الذي هو اثنان وسبعون، فالقسمة أضر، وزال الخلاف.
6242- وذكر القفال طريقةً أخرى في استخراج الأضر، وبيان صور الوفاق والخلاف، وهي مطردة مع الفروض ومن غير فرض، فقال: نصحح الفريضة، ثم ننظر فيما يخص بنات الابن في المقاسمة، ونقرب ذلك في مخرج السدس، ثم نقابل بين ذلك المبلغ، وبين المبلغ الذي صحت الفريضة منه، فإن استوى المبلغان، استوت المقاسمة والسدس، وزال الخلاف، وإن كان مبلغُ الضرب في مخرج السدس أقلَّ من الفريضة المصححة، فالسدس خير، والقسمة أضرُّ، ولا خلاف.
وإن كان مبلغ الضرب في مخرج السدس أكثرَ من الفريضة المصححة، فالسدس شرٌّ لهن، ويقوم الخلاف.
والطريقة ممتحنة مُطردة.
ونحن نضرب لها مثالاً، ونردّده، فنقول:
زوج، وبنت صلب، وبنت ابن، وابن ابن. فالمسألة من أربعة: للزوج الربع سهمٌ، ولبنت الصلب النصفُ سهمان. والباقي وهو سهم ينكسر على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في أربعة تصير اثني عشر. للبنت ستة، وللزوج ثلاثة. ومن الباقي للبنت سهم واحد فنضربه في مخرج السدس فتصير ستة، فنقابل بين هذا المبلغ وبين الفريضة المصححة، فإذاً الفريضة اثنا عشر فالمقاسمة شرٌّ من السدس، ولا خلاف.
ولا يعسر ترديد الصور بالزيادة في عدد الذكور والإناث.
فصل:
6243- اعلم أن الناظر في علم الفرائض يحتاج إلى العلم بالفتاوى، والأحكام، وإلى العلم بالأنساب، وإلى المهارة في الحساب، وإلى اتباع ألفاظ الفرضيين.
أما الفتاوى؛ فهي الأصل، وأما الأنساب، فقد تشتبه في صور الوقائع ويجرّ الزلل فيها خبطاً عظيماً، وينشأ من الأنساب المتشابهة مسائلُ من المعاياة.
وأما الحساب، فهو ركن لا ينكر مسيس الحاجة إليه في القسمة، وتصحيح المسائل. وأما الألفاظ، فلابد منها، فإذا كان في الفريضة زوج وعم فمن خُرْق المفتي أن يقول: للزوج النصف وللعم النصف-وإن كان هذا سديداً في المعنى- لأن العصبة لا يعبّر عن حصته بمقدارٍ، والسبب فيه أن السامع قد يعتقده مُقَدّراً كفرض الزوج. ثم ذاك لا ثبات له، وهو يتغير بتغير الصور، فالعصبة الذي يأخذ نصفاً، يأخذ في صورة أخرى ثلثاً، أو ثلثين على ما نفصل من الفرائض.
وقيل: سأل الحجاجُ الشعبيَّ عمّن خلّف بنتاً، وأباً، فقال الشعبي للبنت النصف والباقي للأب، فقال الحجاج: أصبت في المعنى وأخطأت في العبارة، هلا قلت: للأب السدس، والباقي له بالتعصيب.
والغرضُ من هذا أن الأنساب قد تشتبه في أولاد الابن، فلابد من التعرّض لهُ.
6244- ونحن نذكر منشأ الاشتباه، وطريقَ التفصيل. وإن تعدينا حدّ الاختصار في مثل ذلك، فالعذر واضح. ومثل هذا المجموع لا يختص بالأذكياء، بل حقه أن يشترك فيه المبتدىء والمنتهي.
6245- فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، فنقول: هن بنت ابن، وبنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن. فالفتوى أن نقول: لبنت الابن النصف، ولبنت ابن الابن السدس تكملة الثلثين، ولا شيء لبنت ابن ابن الابن، إلا أن يكون معها في درجتها، أو أسفل منها غلام فيعصّبها. هذا مذهب الجمهور. والتصحيح بالحساب بيّن.
وأما النّسب، فنقول: يحتمل أن تكون العليا عمة الوسطى، ويحتمل أن تكون بنت عم أبيها. أمّا تصوير كونها عمة الوسطى، فنقول: كان لرجل ابن، ولابنه ابن وبنت، ولابن ابنه بنت. فالعليا وهي بنت الابن أخت أب الوسطى؛ فتكون عمةٌ لها.
وأمّا قولنا: يحتمل أن تكون العليا ابنة عم أبيها، فتصوير ذلك أن يكون لرجل ابنان: زيد وعمرو، ولزيد بنتٌ، ولعمرو ابن، ولابنه بنت، فبنت زيد تكون بنت عم أبي الوسطى، لأن زيداً عمُّ أبيها، فهذه بنت عم أبيها.
والسبب الذي يوجب الاختلاف في القرابات بين الدرجات أنا قد نصوّر للميت ابناً واحداً، ونصوّر لذلك الابن أحفاداً، ونرتب منهم: عليا، ووسطى، وسفلى. والأبُ واحدٌ جامع، فيتضمن هذا الجنس الأول من القرابة.
ويتصوّر للميت ابنان، ثم لأحدهما بنتٌ هي العُليا، وللآخر ابن، وله بنت، وهي الوسطى، فتقع القرابة على وجهٍ آخر لا محالة.
6246- وإذا قيل لنا: ما القرابة بين السفلى، والوسطى؟ قلنا: يحتمل أن تكون عمة السفلى، بأن كان لرجل ابن ابن، وله بنت وابنٌ، ولذلك الابن ابنة، فبنت ابن الابن تكون أخت أبيه.
ويحتمل أن تكون ابنة عم أب السفلى: بأن كان رجل يسمى زيداً، وله بنت ابن ابن تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد. ولزيد ابن آخر يسمى عمراً، ولعمرو بنت تسمى عائشة، فعائشة بنت ابنه، وفاطمة بنت ابن ابنه، فتكون عائشة بنت عم أب فاطمة؛ لأن عمراً عمُّ خالد، وهو أب فاطمة.
ويحتمل أن تكون الوسطى بنت ابن عم جد السفلى، بأن كان لرجل يسمى محمداً ابنٌ يسمى زيداً، وله بنت ابن ابن، تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد، بن محمد. ولمحمد ابن آخر يسمى عمراً، ولعمرو بنت ابنٍ، تسمى عائشة، بنت جعفر، بن عمرو، بن محمد، فعائشة بنت ابن عم جد فاطمة، لأن عمراً عم جدّها، وعائشة بنت ابن عمرو.
6247- وأما العليا من السفلى، يحتمل أن تكون عمة أب السفلى، وذلك بأن يكون لرجلٍ ابنٌ هو زيد، وله ابن يقال له: بكر و بنت تسمى عائشة، ولابن ابنه بنتُ ابن تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد، وعائشة أخت بكر، فتكون عمة خالد.
ويحتمل أن تكون العليا بنت عم جد السفلى، بأن كان للميت سوى ابنه زيد ابنٌ آخر يسمى جعفراً، ولجعفر بنتٌ هي العليا، فبنت جعفر تقع من السفلى التي صورناها من زيد بنت عم جدّها.
وهذا التفاوت سببه ما ذكرناه من تصوير ابنٍ واحد، وتشعيب أحفاده تارةً، ومن تصوير ابنين، وأخذ العليا من أحدهما، وتصوير الدرجة الأخرى من الآخر.
ومن تنبه لما ذكرناه، هان عليه الدَرْك بالفكر.
6248- وإذْ قلنا: بنتا الابن في الدرجة العليا، فإن كانتا من ابن واحد للميت، فهما أختان من أبٍ لا محالة، فإن كانت أمُّهما واحدة، فأختان من أبٍ وأم، فإذا كان أحدهما غلاماً، فنقول: إنه يعصب أخته.
6249- ولو فرضنا بنتي ابنين للميت، فهما في الميراث كبنتي ابن واحد للميت، ويكون كل واحد منهما بنت عم الأخرى. فإذا كان أحد الحفيدين ذكراً، والدّرجة واحدة يقال: عصب بنت عمه.
وإذا فرضنا تعصيب الغلام المتسفّل لمن فوقه، فيتصوّر تعصيبٌ مع قرابة أبْعد مما ذكرنا، فإذا نظر الناظر إلى ما بين الغلام المعصّب، والجارية المعصَّبة، فقد يكون أحدهما من ذوات الأرحام إذا نسب إلى الآخر، ولكن التعصيب ليس يقع بما بينهما من القرابة، وإنما يقع بانتسابهما جميعاً إلى الميت بالبنوة، وهي شاملة لهما.
6250- وإذا قلنا: أخُ الميت يعصب أخته، فليس التعصيب لما بينهما من الأخوة، إنما يعصب أحدهما الآخر، لأنهما ولدا أب الميت، غيرَ أن الدرجة إذا انحطت فصورنا ابن أخٍ، وبنت أخ، فلا تعصيب؛ لأن بنت الاخ في نفسها من أرحام الميت، فلم ترثه، وإذا لم ترثه، لم تعصَّب، فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، وثلاث بنات ابن آخر بعضهن أسفل من بعض، فنقول: حصلت ابنتانِ في الدرجة العليا، ووسطيان، وسفليان، فللبنتين في الدرجة العليا الثلثان، ويسقط من دونهما، إلا أن نفرض غلاماً دون الدرجة العليا، فإن فرضناه في الدرجة الوسطى، فالباقي بعد الثلثين مصروف إلى أهل الدرجة الوسطى، للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من في الدرجة السفلى. وإن كان الغلام في الدرجة السفلى، فما بقي بعد الثلثين للوُسْطيَيْن، وللسفليَيْن، وللغلام: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأصل المسألة من ثلاثة، وتصح من ثمانية عشر.
وعلى هذا البابُ وقياسه.
6251- فإن قيل ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، مع كل واحدة أختُها، قلنا: إن كانت الأخت في الدرجة الأولى: لأب وأم، أو لأب، فهما بنتا ابنِ الميت، فنقول حصَل بنتا ابن، وكذلك القول في الوُسْطيين، والسفليين. وإن كانت الأخت للأم، فليست بوَارثة؛ لأنها ربيبة ابن الميت.
فإن قيل: بنت ابن معها بنت عمها، فنقول: إن كانت بنت عمها لأب وأم، أو لأبٍ، فهما بنتا ابن الميت، ولكن من ابنين.
وإن كانت بنت عمها لأم، فلا ترث، وتقع بنت ربيب الميت لا محالة.
فإن قيل: ثلاث بنات ابن، بعضهن أسفل من بعض، مع كل واحدة منهن عمتها، فنقول: عمةُ العليا بنت الميت، وعمة الوسطى بنت ابن الميت، وكذلك القول فيمن بعدها. ولا معنى للتطويل.
والمراد بما ذكرناه العماتُ من قبل الأب.
ومن أحاط بالمسالك التي ذكرناها، وتدرّب في الفكر قليلاً، صار من المهرة في مضمون الفصل.
6252- وإن قيل: بنت ابن معها جدتها، فنستفسر، ونقول: هل هي أم الأب، أم هي أم الأم؟ فإن قالوا: أم الأم، فهي أمُّ زوجة ابن الميت. وإن قالوا: هي أم الأب استفسرنا، وقلنا: الميت رجل أو امرأة، فإن قالوا: رجل، فقد تكون زوجة الميت. وإن قالوا: امرأة، فلا تتصور هذه المسألة لأن الجدة هي الميتة بنفسها.
وفي القدر الذي ذكرناه مقنعٌ، ومزيد كشفٍ في التنبيه على المآخذ.
وطرقُ الأصحاب قد تحوي صوراً مرسلة من غير تنبيه على المآخذ.
6253- ولو قيل: ثلاث بنات ابن، بعضُهن أسفلُ من بعض، وثلاث بنات ابن ابن، بعضهن أسفل من البعض، وثلاث بنات ابن ابن ابن، بعضهن أسفل من البعض، فنقول: هي بنت ابن، وبنتا ابن ابن، ثلاث بنات ابن ابن ابن وبنتا ابن ابن ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن ابن ابن،، بعضهن أسفل من البعض، فإنهن درجات مترتبات، وفي كل درجة بناتُ ابن مترتبات، فيقع في الدّرجة العليا واحدة، ويقع في الدرجة الأخرى الوسطى من العليا، والعليا من الوسطى، ويقع في الدرجة الأخرى السفلى من العليا والوسطى من الوسطى، والعليا من السفلى، ويقع في درجة أخرى السفلى من الوسطى، والوسطى من السفلى، ويقع في درجة أخرى السفلى من السفلى.
ولا يخفى بيان المواريث والفتاوى فيها.
فصل:
قال: "وبنو الإخوة لا يحجبون الأمَّ عن الثلث... إلى آخره".
6254- بنُو الإخوة يفارقون الإخوة في أمور: منها- أن الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وبنوهم لا يحجبونها.
ومنها- أن الإخوة يقاسمون الجدّ عند زيد ومعظم الصحابة، وبنوهم يسقطون بالجد.
والإخوة يعصبون أخواتهم إذا كانوا من أبٍ وأم، أو من أب. وبنُو الإخوة لا يعصبون أخواتهم؛ لأن بنات الأخ لا يرثن.
والإخوة للأب والأم مشاركون الإخوة من الأم في المشرّكة، كما سياتي في باب المشتركة-إن شاء الله تعالى-. وبنو الإخوة لا يشاركون أولاد الأم.
ولا خفاء بشيء مما ذكرناه.
ولكن لابد من إقامة مواسم الفرضيين، واتباع عباراتهم.
ثم قال: "ولو أخذ الإخوة والأخوات من قبل الأم السدسَ، وهذا لا إشكال فيه، ولا خلاف، فللواحد من أولاد الأم السدس، ذكراً كان أو أنثى.
وللبنتين فصاعداً الثلث، يستوي فيه الذّكور والإناث".
وهذا غريب في الفرائض فإنا كما نفضل الذكر على الأنثى في التعصيب، نفضل الذكر على الأنثى في الفرض، عند الاستواء في الجهة، وطريق الإدلاء، فالأب يَفْضُل الأم إذا كان عصبة، والزوج يفضل الزوجة، ولكن لا يتصور اجتماعهما، والأم والأب يستويان مع الابن. فإن كان معهما بنت استويا في الفرض، وانفرد الأب بالعصوبة بعد الفرض، والأخ والأخت من الأم يستويان أبداً.
فصل:
قال: "فإذا استوفى الأخوات للأبِ والأم الثلثين... إلى آخره".
6255- الأخوات من الأب والأم مع الأخوات للأب، بمثابة بنات الصلب مع بنات الابن، في التفاصيل التي قدمناها، فلو كان في المسألة أخ من أب وأم، وأختٌ من أبٍ، سقطت الأخت بالأخ، كما تسقط بنت الابن بالابن.
ولو كان في المسالة أختان من أب وأم، وأختٌ من أبٍ، فللأختين من الأب والأم الثلثان، وتسقط الأخت من الأب، إلا أن يكون معها أخ من أبٍ يعصبها، وهو منها بمثابة ابن الابن مع بنت الابن، وفي المسألة بنتان من الصلب.
ولو كان في المسالة أخت واحدة من الأب والأم، وأخت، أو أخواتٌ من الأب، فللأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس، تكملةَ الثلثين، وهن ينزلن مع الأخت للأب والأم منزلة بنات الابن مع بنت الصلب.
ولو كان معهن أخٌ من أبٍ، فالباقي بعد نصيب الأخت من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6256- ولا فرق بين هذا الباب وبين بنات الصلب وبنات الابن، إلا في أمرين يرجعان إلى الصورة، فبنات الابن وإن سفلن يرثن؛ فإنهن لا يخرجن عن حكم الأولاد، وقد ثبت توريثهن أحفاداً، ولا فرق بين مرتبة ومرتبة، والأخوات من الأب لا يتصوّر فرض تسفّلهن، ولو أردنا إقامة الأولاد مقام الأصُولِ، كان ذلك ممتنعاً؛ فإنّ الأولاد ليسُوا إخوة، ففي فرض التسفل الخروجُ عن الجنس.
والأمر الثاني: أنه لا يعصّب أولاد الأب إلا الأخ من أب، أو البنات على تفاصيل ستأتي فيهن-إن شاء الله عز وجل- وأولاد البنين قد يجري فيهم تعصيب العمات وبنات الأعمام، وكل ذلك يجري على افتراق البابين في التصوير. وابن مسعود يخالف في أولاد الأب، في محالّ مخالفته في أولاد الابن، فيسقط أولاد الأب بعد استغراق الثلثين، ويعطيهنّ الأضرَّ. كما تقدم.
ثم قال: "والإخوة والأخوات للأب بمنزلة الإخوة والأخوات للأب والأم... إلى آخره".
6257- الإخوة والأخوات للأب إذا ورثوا، وخلت الفريضة من أولاد الأب والأم، بمنزلة أولاد الأب والأم؛ فإنهم يقاسمون الجدّ، ويردون الأم إلى السدس، ويحوز الذكر منهم جميعَ المال، وللأنثى النصف، وللأختين فصاعداً الثلثان، وإذا اجتمعوا، فللذكر مثل حظ الأنثيين، فهم بمثابة أولاد الابن إذا لم يكن في الفريضة أولاد الصلب.
والأخ من الأب يفارق الأخَ من الأب والأم، في مسألةِ المشتركة، فإن الأخ من الأب والأم يشارك أولاد الأم في فرضهم، لمشاركته إياهم في قرابتهم. والأخ من الأب لا يشاركهم؛ لأنه ليس يشاركهم في قرابتهم على ما سيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى.
فصل:
قال: "وللأخوات مع البنات ما بقي... إلى آخره".
6258- الأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب مع البنات، وبنات الابن عصبة، عند الجمهور، فتُنزل الأختَ من الأب والأم، والأختَ من الأب، مع البنت منزلة الأخ على قرابتها.
فإذا كان في الفريضة بنتان وأخت من أب وأم، فللبنتين الثلثان، والباقي للأخت.
وكذلك لو كانت أختاًَ من أب.
ولو كان مع البنت أخت من أب وأم، وأخت من أب، فللبنت النصف، والباقي للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب؛ فإنّ الأُخوّة إذا ورَّثت بالعصوبة لم يشارك صاحبُ الأخوّة الواحدة صاحبَ التعلّق بالأخوّتين.
والأختان فيما ذكرناه كالأخوين.
ثم الأخ من الأب والأم يُسقط الأخ من الأب، فكذلك تَسقُطُ الأختُ من الأب بعصوبة الأخت من الأب والأم.
ولو كان في الفريضة بنت، وأخوات على أخوّة واحدة، فللبنت فرضُها، والباقي للأخوات على رؤوسهن، كما لو كن إخوة.
والسبب فيما ذكرناه أنّه إذا كان في الفريضة بنتان فصاعداً، أو بنتا ابن وأخذن الثلثين، فلو كان معهن أخت، أو أختان، فإن أعطينا الأخوات بالفرض، وأعَلْنا المسألة، كان ذلك مؤدياً إلى حطِّ نصيب البنتين بالأخوات، والأخوات يرثن ببنوّة الأب، فبعُد على الصحابة رضي الله عنهم أن يزحموا الأولادَ بأولاد الأب، ولم يمكنهم أن يُسقطوا الأخوات، فرأَوْا أن يثبتوهن عصبات؛ حتى يدخل النقص عليهن دون البنات. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: عمن مات، وخلف بنتاً، وبنت ابن، وأختاً، فقال صلى الله عليه وسلم: «للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي للأخت».
6259- وقال عبد الله بن عباس: ليست الأخت مع البنت، وبنت الابن عصبة. ثم مذهبه أن الفاضل من الأولاد وأولاد الابن، يُصرف إلى العصبة، وتسقط الأخت. هكذا نقله الفرضيون، والشيغ أبو بكر، ولم أر أثبت منه في نقل كل ما ينقل سيّما في كتاب الفرائض. واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ} [النساء: 176]، قال: ورثها الله تعالى بشرط ألا يكون للميت ولد.
وهذا الذي ذكره غير سديد؛ فإنّ توريثها النصف مشروط بألا يكون في الفريضة ولدٌ، ونحن لا نورّثها النصف، وإنما نورثها بالعصوبة المقدارَ الذي يفضل من الفرائض. وإذا تطرق احتمالٌ إلى ظاهر القرآن، ووجدنا سنةً ناصة، تعيّن اتباعُها. وقد رُوِّينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فريضة فيها بنت، وبنت ابن، وأخت: "الباقي للأخت " رواه هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعيّن التنبيه له أن ابن عباسٍ لا يقول بالعول، وَبَعُد عليه تعصيب الأخت، ولم يرَ إدخالَ النقص على البنات، فلم يتجه إلا إسقاط الأخت.
6260- ومما نذكره على مذهب الجمهور أنا إذا جعلنا الأخت عصبة، طردنا حكمَ تعصّبها، وأسقطنا الأخت للأب بالأخت الواحدة من الأب والأم، وهذا يتضمن تنزيلَها منزلة الأخ.
ثم نقول: لو كان في الفريضة
بنت، وأخ، وأخت، من أب وأم، أو من أب
فالفاضل عن الفرائض بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا نقول: هي مع الأخ بمثابة الأخ؛ لمعنيين:
أحدهما: أن الأخ أولى بتعصيبها من البنت؛ فإنّ تعصيب البنت للأخت أتى عن ضرورةٍ، لأنا لم نتمكن من حطِّ نصيب الأولاد بالإعالة بسبب فرض الأخت، وعسر إسقاطها، ولا حاجة، فجرى ذلك مجرى الاضطرار، وتعصيب الأخ الأخت أصلٌ لا يناقضُ فيه في باب التعصيب، فهذا معنى.
والمعنى الثاني- أنّا لم نثبت التعصيب بين الذّكر والأنثى إلا لنُفضل الذكورَ على الإناث، حتى اتخذنا هذا مسلكاً في الفرائض، وقلنا في مسألة: زوج، وأبوين، وزوجة، وأبوين: لا نفضل الأم على الأب، ولا نعطيها الثلث الكامل، وطلبنا أن يكون الأب-وإن كان عصبة في الفريضتين- مفضلاً عليها بالضِّعف.
وإذا كان كذلك، فلابد من تفضيل الأخ على الأخت إذا كان في الفريضة بنت أو بنت ابن.
6261- ومما نطردُه في حقيقة تعصيب الأخت مع البنت: أن الفرائض لو عالت، وفيها: بنتٌ، وأخت، فالأخت تسقط سقوط الأخ، فنقول في فريضة فيها:
زوج، وأم، وبنتان، وأختٌ:
الأختُ ساقطة؛ لأنها بمثابة الأخ مع البنات.
والأخت تقع عصبة مع الجد، ثم تستغرق الفرائض في الأكدرية، والقياس يقتضي سقوطَ الأخت، ولا يسقطها زيد رضي الله عنه، وستأتي تلك المسألة في باب الجد، إن شاء الله عز وجل.
6262- ومما يُطلقه الفرضيون في الإخوة والأخوات عبارات يتداولونها، وينوطون بها أحكاماًً، ونحن نذكرها اتباعاً، ومعظم تعويل الكتاب. على الاتباع.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات، قلنا: هن
أخت لأب وأم، وأختٌ لأب، وأختٌ لأم.
فللأخت للأب والأم النصف، وللأخت للأب السدس، تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس. والباقي للعصبة.
وإن قيل: ثلاثة إخوة متفرقين، قلنا: هم:
أخ لأب وأم، وأخ لأب، وأخ لأم.
فللأخ لأم السدس، والباقي للأخ للأب والأم.
فإن قيل: ثلاثة إخوة متفرقين، وثلاث أخوات متفرقات، قلنا: هم أخ، وأخت لأب وأم، وأخ وأخت لأب، وأخ وأخت لأم.
فللأخ والأخت من الأم الثلث، بينهما بالسّوية، والباقي للأخ والأخت من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
المسألة من ثلاثة وتصح من ثمانية عشر.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات، مع كل واحدة أختها لأبيها وأمها. قلنا: هنّ
أختان لأب وأم، وأختان لأب، وأختان لأم بالنسبة إلى المتوفى الموروث.
فإن قيل: مع كل واحدة أختها لأبيها. قلنا: هن
أخت لأب وأمّ، وثلاث أخوات لأبٍ. واحدة هي الأصليّة في الذِّكْر الأول، وواحدةٌ هي التي معها، وواحدة هي التي مع الأخت من الأب والأم، وأختٌ لأم.
فأمّا أخت الأخت للأم من الأب، فليست بوارثةٍ؛ لأنها ربيبة أبيها.
فإن قيل: ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ، مع كل واحدة أختها لأمها. قلنا: هن أخت لأب وأم، وثلاث أخوات لأم، وأخت لأب.
فأمّا أخت الأخت للأب من الأم، فليست بوارثة، لأنها ربيبة أبيها.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ثلاث أخوات متفرقات قلنا: هنّ
أختان لأبٍ وأمٍّ، وأربع أخوات لأبٍ، وأربع أخواتٍ لأمّ.
وعددهن ثنتا عشرة، والوارثات منهن هذه العشر؛ لأن أخت الأخت للأم من الأب لا تكون وارثة، وكذلك أخت الأخت للأبِ من الأم، لا تكون وارثة من الميت.
ثم لا ترث العشر أيضاً؛ فإنّ أخوات الأب يسقطن لاستغراق أولاد الأبِ
والأم الثلثين. ولكن ذلك حجبٌ، والغرض أن العَشْرَ من قبيل الوارثات.
فإن قيل: أختان لأبٍ، مع كل واحدةٍ منهما أختٌ لأبٍ وأم، قلنا: هن أربع أخوات لأبٍ في حق الموروث.
فإن قيل: مع كل واحدة منهما أختان لأبٍ، وأختان لأبٍ وأم، قلنا: هن ست أخوات لأب.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
فصل:
قال: "وللأب مع الابن وولد الابن السدس... إلى آخره".
6263- الأب يستغرق التركة إذا انفرد.
ويأخذ بالتعصيب المحض إذا لم يكن في الفريضة ولد، أو ولد ابن.
فإن كان فيها ولد أو ولد ابن، وإن سفل، فإن كان ذكراً، فللأب السدس لا غير، وإن كان أنثى، فلها فرضها، وللأب السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب.
6264- وقد يجمع الشخص الواحد بين الفرض والتعصيب لسببين، كالذي يعتق جاريةً، ثم ينكحها، فإذا ماتت، ورثها بالزوجية بالفرض، وبالولاء بالتعصيب.
وكذلك إذا أعتقت عبداً، ونكحته.
وكذلك ابنُ عمٍّ إذا كان أخاً لأمّ؛ فإنه يأخذ بالفرض والتعصيب على ما سنذكر ذلك في آخر باب العصبات، إن شاء الله تعالى.
6265- ولكن كل ما ذكرناهُ توريثٌ بسببين، وجهتين لا امتزاج بينهما. والأب يُجمع له بين الفرض والتعصيب بسببٍ واحدٍ، وهو الأبوّة. وهذا حكمٌ بِدْعٌ، صار الأب به متميزاً عن جميع الورثة.
6266- فأما الجدّ، فله السدس مع الابن، وابن الابن، كما ذكرناه في الأب، وهذا متفق عليه.
ولو كان مع الجدّ بنت، أو بنت ابن، فمن يرى تنزيلَ الجد منزلةَ الأب في إسقاطِ الإخوة، يطلق لهُ اجتماعَ الفرض والتعصيب، كما ذكرناه في حق الأب.
ومن لا يسقط الإخوة بالجد من علماء الفرائض اختلفوا في أنا هل نثبت للجد الفرضَ والتعصيب تنزيلاً له منزلة الأب، فذهب طوائف من أصحابنا إلى أنه كالأب فيما ذكرناهُ، وهو الذي كان يقطع به شيخي.
وذهب طوائف من حذّاق الفرضيين إلى أنا لا نطلق ذلك في حق الجدّ، إذا لم يرد فيه ثَبَثٌ، وهو شُهر بكونه خاصية الأب، والجدُّ قصُر عن الأب في أمور سنصفها في باب الجد-إن شاء الله عز وجل- فينبغي أن يقصر عنه في خاصيته.
وهذا القائل يقول: في بنت، وجد، للبنت النصف، والباقي للجد، وإن ضاقت الفرائض، فلابد من رد الجدّ إلى السدس، وإن كان عائلاً، وذلك مثل:
زوج، وبنت، وأم، وجدة.
فالمسألة من اثني عشر، وهي عائلة بنصف سدسها إلى ثلاثة عشر، وسيأتي الجلي والخفي من أحكام الجد في بابه، إن شاء الله عز وجل.
فصل:
قال: "وللجدة والجدتين السدس... إلى آخره".
6267- الأصل في الجدات السنة والإجماع، وليس للجدات فرضٌ في كتاب الله عز وجل. وروي: أن أم الأم جاءت إلى أبي بكرٍ تطلب الميراث، فقال لها: لا أجدكِ في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أشاور الناس، فجمع الصحابة رضي الله عنهم، واستشارهم في أمرها، فقام المغيرةُ بن شعبة، فقال: "أشهدُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم الجدّةَ السدس". وفي روايةٍ: "ورّث الجدةَ السدس". فقال له الصديق: ومن يشهد معك؟ فقام محمد بن مسلمة وقال: "أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك"، فورثها السدس.
وهذا الاستشهاد جرى من أبي بكرٍ؛ لأنه رأى ذلك أصلاً في الشريعة برأسه، ولم ير له أصلاً ليقدّر ما كان يشتور فيه فرعه.
وقد روي أن أبا موسى الأشعري أتى بابَ عمرَ، واستأذن، فدخل حَاجبُه
يرفأ، واستأذن له، فلم يأذن لأنه كان مشغولاً بأمرٍ من أمور بيت المالِ، ثم استأذن ثانياً، فدخل، فلم يأذن له، ثم ثالثاً، فلم يأذن له، فانصرف، فلما فرغ ممّا كان فيه، طلبه، فقيل له: انصرف، فقال: عليَّ به، فرُدَّ عليه فقال: ما الذي حملك على الانصراف، فقال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الاستئذان ثلاثة، فإن أُذن لك، وإلا، فانصرف " فقال عمر: ائتني بمن يشهد لك، وإلا أوجعتُ ظهرك، فجعل أبو موسى الأشعري يطوف على الأنصار، ويطلب من يشهد له، فقالوا له: لا يشهد لك إلا أصغرنا، وإنما عَنَوْا به أبا سعيدٍ الخدريّ، فجاء إلى عمر، وشهد بذلك، فقال له عمر: "ألا إني لم أتهمك فيما رويت، لكني خشيتُ أني كلما راجعتُ أحداً في شيء يروي لي خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
6268- وروي أن أم الأب جاءت إلى عمر بعد ذلك، وطلبت الميراث، فقال لها عمر: "لا أجدك في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في قضاء أبي بكرٍ شيء 0 السدُس لكما إن اجتمعتما، ولإحداكما إذا انفردت".
ثم الكلام في الجدات يتعلق بستة فصول: أحدها: في صفة الجدّة الوارثة، وصفة الجدة الساقطة.
والثاني: في تنزيل الجدّات وترتيبهنّ مع الساقطات. والثالث: في مقدار ميراثهن، وكمّيته. والرابع- في حجب الجدّات، بعضهن بالبعض. والخامس- في حجبهن بغيرهن. والسادس- في بيان توريثهن من الوُجوه المختلفة.
الفصل الأول
في بيان الجدة الوارثة
6269- ذهب علي، وزيدٌ إلى أن كل جدة يدخل في نسبها إلى الميت ذكر بين أنثيين، فهي ساقطة، وكل جدّة لا يدخل في نسبها ذكر بين أنثيين، فهي ممن يرث.
وذهب ابن عباس إلى توريث الجدّات كلِّهن بالفرض، ولم يجعل فيهن جدة ساقطة. هذا مذهبه المشهور. وقال مالك: لا يرث إلا جدّتان، وهما: أم الأم، وأم الأب، وأمهاتهما.
واختلف قولُ الشافعي، فأصح قوليه ما حكيناه عن علي وزيد، وضبط هذا القول أنَّ كلَّ جدة أدْلت بوارث، فهي وارثة، والمدلية بها وارثة.
والقولُ الثاني للشافعي- مثل مذهب مالك، وضبط هذا القول أن كل جدة تدلي بمحض الإناث، فهي وارثة، وكل جدة تدلي بذكَر فهي ساقطة، إلا أمّ الأب.
فأما الفصل الثاني
في تنزيل الجدات الوارثات، وبيان ما بان أنهن من الساقطات، وذِكْر عددهن في كُلّ مرتبة
6270- والتفريعُ على مذهب علي وزيد، وعلى القول الصحيح للشافعي: فإذا سئلنا عن عدد من الجدات، نزلناهن على أقرب الرتب، وعلى هذا يجري ترتيب السؤال، فإذا قيل: جدتان متحاذيتان في درجة، فقل: هما أم الأم، وأم الأب.
وإذا سئلت عن عدد من الجدّاتِ أكثر من اثنتين كلّهن يشتركن في الميراث، فخذ لفظ السائل، وتلفظ بعدد ما ذكر السائل إناثاً من جانب الأم. وقل: العليا منهن هي الجدة الأولى، ولا يتصور من جانب الأم إلا وارثة واحدة؛ فإن القربى من جهتها تحجب البعدى. ثم عُد وتلفظ بمثل ذلك العدد إناثاً من جانب الأب إلا الأب، ثم اجعل العليا الجدة الثانية، ثم أبدل كل أنثى بذكر، حتى تستوعب العدد المسئول عنه.
6271- وبيان ذلك أنك إذا سئلت عن خمس جدّات وارثاتٍ على قول علي وزيدٍ، على أقرب ما يمكن، فتقول: هي من جانب الأم: أم أم أم أم الأم.
ومن جانب الأب: أم أم أم أم الأب.
والثالثة- أم أم أم أب الأب.
والرابعة- أم أم أب أب الأب.
والخامسة- أم أب أب أب الأب.
وإذا أردت تصويرهن برقوم فاجعل كل أنثى دائرة وبدل كل ذكر خطاً مثلَ الألف بهذه الصورة.
5 5 5 5 5
5 5 5 5 1
5 5 5 1 1
5 5 1 1 1
5 1 1 1 1
وعلى هذا، فقس ما تسأل عنه. من أعدَادِ الجدات المحاذيات على المذهب الذي ذكرناه.
6272- فإذا عرفت الوارثاتِ، ثم أردت أن تعرف من بإزاء الوارثاتِ من الساقطات، فانظر، فإن وقع السؤال عن جدتين وارثتين، فليس بإزائهما ساقطة.
وإن وقع عن أكثر من جدتين، فخذ عددَ ما وقع السؤال عنهن من الوارثات، وألقِ من جملتهن اثنتين أبداً، وضعّف الاثنين بقدر ما بقي من عدد الجداتِ الوارثاتِ بعد إسقاطِ الاثنين، فما بلغ بعد التضعيف، فهو عدد ما في تلك الدرجة من الجدات الساقطات والوارثات، فأسقط منهن عدد الوارثاتِ، فما بقي منهن، فهن ساقطات، بإزاء الوارثات. ثم نصف العدد يقع من جانب الأم، ونصفه من جانب الأب. والوارثة من جانب الأم واحدة، وما بقي من عدد الوارثاتِ، فهن من قبل الأب.
ومثال ذلك في الخمس جدّات اللاتي ذكرناهن: أن نلقي اثنتين من هذا العدد ونُبقي ثلاثة، فنضعف الاثنين ثلاث مرّاتٍ فنقول أربعة، وهو تضعيف، ثم تقول ثمانية، ثم تقول ستة عشر، هذا معنى تعديد التضعيف.
فنقول: الدرجة التي فيها خمس وارثاتٍ تشمل ستَّ عشرةَ جدة: الوارثات خمس، وإحدى عشرة ساقطة.
ونَصِّف الستةَ عشرَ. فنقول: من جانب الأم ثمان جدات: الوارثة واحدة، وسبعٌ ساقطات.
ومن جانب الأب ثمانية: أربع وارثات، وأربع ساقطات.
وإذا سئلت عن ثلاث جدات وارثاتٍ، فاعزل من الثلاث اثثين، فتبقى واحدة، وضعّف الاثنتين مرة، وقل: الجدات المتحاذيات أربع: واحدة ساقطة وثلاث وارثات. والساقطة من جانب الأم.
وإذا سئلت عن جدتين وارثتين، علمت أن لا ساقطة؛ فإنك لو عزلت اثنتين، لم تُبق عدداً تضعّف الاثنين به، ولا تضعيف، ولا مزيد على المسؤول.
وإن أردت أن تعرف الوارثات اللائي وقع السؤال عنهن، في أية درجة يقعن من الجداتِ؟ فخذ العدد المسؤول عنه، وانقص منه واحداً، واقض بأنهنّ في الدرجة التي هي سمَّى العددُ الباقي.
فإذا قيل: خمس وارثات في أي درجة يقعن على أقرب ما يمكن؟ حططنا من الخمسة واحدة، فتبقى أربع، فالخمس الوارثات في الدرجة الرابعة وإذا سئلت عن وارثتين، فأسقط من العدد واحداً، وقل: هما في الدرجة الأولى.
فهذا بيان ما أردناهُ في هذا الفصل.
الفصل الثالث
في مقدار ميراث الجداتِ
6273- أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على أن فرضَ الجدة السدس، وشهد الحديثُ الذي ذكرناه في أصل ميراث الجدّات بذلك. ثم اتفقوا على أن الجدّات يشتركن في السدس بالغاً ما بلغن.
وروي عن ابن عباسٍ في روايةٍ شاذة أنه قال: الجدة من قبل الأم إذا انفردت بالإرث، كانت كالأم: حتى تأخذ الثلث تارةً، والسدس أخرى، كالأم، وهذا لا يعتدّ به، والرواية عنه مرسلة رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن عباسٍ.
الفصل الرابع
في بيان حجب الجدات بعضهن ببعض
6274- أجمعوا على أن الجدتين المتحاذيتين لا تحجب إحداهما الأخرى، بل السدس بينهما.
وأجمعوا على أن القربى تحجب البعدى إذا دخلت القريبة في جهة إدلاء البعيدة، فالبعيدة تسقط بالقريبة؛ فإن إدلاءها بها.
فأما إذا اختلفن في الدرج، ولم يدخل بعضهن في طريق البعض، فقد اختلف علماء الصحابة، فذهب علي، وابن عباسٍ، إلى أن القريبة تحجب البعيدة، سواء كانت القريبة من قبل الأم والبعيدة من جهة الأب أو كانت القريبة من قبل الأب، والبعيدة من جهة الأم.
وكذلك روى الشعبي بطريقه عن زيد بن ثابت.
وروى عطاء وقتادة عن زيد أنه قال: "القريبة من جهة الأم تحجب البعيدة من قبل الأب، والقريبة من قبل الأب لا تحجبُ البعيدة من جهة الأم " وقيل: هذه الرواية أصحُّ عن زيد.
وكان شيخي يذكر للشافعي قولين في ذلك.
ونقول في ضبط محل الخلاف والوفاق: القُربى من كل جهة تحجب البعدى من تلك الجهة، والقربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب. والقربى من جهة الأب هل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فعلى قولين.
الفصل الخامس
في بيان حجب الجدات بغيرهن
6275- اتفق العلماء على أن الأم تحجب جميع الجدات، سواء كن من قبلها أم من قبل الأب، وأجمعوا أيضاً على أن الأب لا يحجب جدَّةً من قبل الأم، واختلفوا في حجب الجدات اللائي هن من قبله.
فذهب علي، وزيد، وابن عباس، إلى أنه يحجبهن؛ فإن إدلاءهن به. وهذا مذهب الشافعي.
وعن عمر وابن مسعود أن الأب لا يحجب جدّةً بحال، وذهب إليه جماعةٌ من الفرضيين: سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
الفصل السادس
في توريث الجدة من وجوهٍ كثيرة
6276- اعلم أن الجدّة قد تكون جدّة من وجهين، ومن ثلاثة أوجهٍ، وأكثر منها، غير أنها لا تصير جدّة من وجهين إلا بعد حصُولها جدة قبل ذلك من وجه واحدٍ، ولا يتصور حصولها جدّة من ثلاثة أوجه إلا بعد حصولها قبل ذلك جدّة من وجهين. وعلى هذا القياس تزيد الوجوه.
مثاله امرأة تزوج ابنُ ابنها، بنتَ ولدها، فأولدها ولداً صارت المرأة جدة لذلك الولد من وجهين.
فإن تزوج هذا الولد سبطاً آخر لهذه الجدة، وأولدها ولداً، صارت الجدة العليا جدّة لهذا الولد الآخر من ثلاثة أوجُه. ثم هكذا تتعدد الوجوه.
وقد تكون بعض الوجوه أقربَ من بعض، وقد تكون بعض الوجوه مورّثاً وبعضه غير مورث.
فإذا خلّف الميت جدّةً تُنسب إليه من وجوه مورِّثة؛ فإن كانت منفردة، فالسدس لها ولا تزيد.
وإن كان معها جدَّةٌ أخرى من وجهٍ واحد، أو من وجوه، فإن حجبت إحداهما الأخرى ببعض الوجوه، فالسدس للحاجبة.
وإن صحت الوجوه، فمذهب الشافعي ومالك والثوري أنه لا نظر إلى الوجوه، والنظرُ إلى رؤوس الجدّات، والسدس يقسم على الجدّتين، وإن كانت إحداهما متعلقة بجهة واحدة، والأخرى متعلقة بجهات.
وعن ابن مسعود أن المدلية بجهتين مع المدلية بجهةٍ تأخذ حصة جدّتين، وكذلك إذا زادت الجهاتُ المورّثةُ، فالسدس يقسّم عنده على الجهات، لا على الرؤوس. هذا بيان ما يتعلق بالجدّات، والله أعلم.