فصل: باب: العصبات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: العصبات:

6277- الأصل في الباب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى عصبةٍ ذكر». قيل: أراد بالأولى الأقرب، وهو من الوَلْي، والوَلْيُ القربُ.
ومن يأخذ بالتعصيب ينقسم إلى من هو عصبة في نفسه وإلى من يعصِّبه غيرُه.
فأما من يعصبه غيرُه، فالبنات، وبنات الابن، والأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب.
ومقصود الباب بيانُ الغصبات الذين يرثون بالتعصيب بأنفسهم، وذكر الأقرب منهم، فالأقرب وبيان ترتيبهم.
6278- ثم ذكر المزني أن أَوْلى العصبات البنون.
ومن الفرضيين من لا يسمي الابن عصبة، ويقولون: العصبات هم الذين يقعون على حاشية عمود النسب.
ولا معنى للتناقش في هذا. وغرضنا بذكر العصبات بيان من يستغرق التركة إذا انفرد، وله ما أبقت الفرائض، والابن بهذه المثابة، وهو كما قال المزني أَوْلَى العصبات؛ إذ لا يتصور معه عصبة، فإن فرض معه غيرُه من العصبات، فالابن يسقطه، ويحجبه، أو يردّه إلى الفرض.
فأمّا من يرده إلى الفرض، فالأب والجد، وأما من يحجبه، فباقي العصبات، فهو الأوْلى إذاً.
وبعده ابنُ الابن كيف تسفّلوا. والمقدّم الأقرب منهم، فالأقرب، ولا عصبة مع البنين، وذكور الأحفاد، وإن تسفلوا.
6279- ثم أولى العصبات بعدهم الأبُ، ولا يتصور معه عصبة بعد الذين ذكرناهم.
ثم الجدّ عصبة بعد الأبِ، إذا لم يكن معه إخوة، فإن كان مع الجدّ إخوة من أبٍ وأمٍ، أو أبٍ، قاسمهم، مادامت المقاسمة خيراً له من ثلث المال على مذهب زيد.
والقول في الجدّ والإخوة سيأتي على إثر هذا في بابٍ، إن شاء الله تعالى.
ثم الجد يُسقط بني الإخوة، لأنهم أبعد منه بدرجة؛ فإن الجد الأدنى أب الأب يدلي إلى الميت بواسطة الأب، وبين ابن الأخ وبين الميت واسطتان؛ فإنه ابن الأخ، والأخ ابن أب الميت.
ولو اجتمع أبُ الجدّ، وابن الأخ، فالمذهب الظاهر أنه يَسقُط ابنُ الأخ، كما يسقط بالجد الأدنى.
ومن أصحابنا من قال: إن أبَ الجدِّ يقاسم ابنَ الأخ، كما يقاسم الأخُ الجدّ.
وهذا ضعيف مردود؛ فإن ابن الأخ بالنزول عن الأخ يخرج عن اسم الأخ، والجدّ بالعلوّ لا يخرج عن اسم الجدودة.
ومن أصول الباب تقديمُ النوع على النوع؛ فإنا لمّا قدمنا ابنَ الأخ على العم، لم نفرق بين القريب والبعيد؛ فإن ابن الأخ مقدّم على العم، وابن ابن ابن الأخ مقدم على العم أيضاً، فهذا هو الأصل في أب الجد، وجدّ الجد، مع ابن الأخ. وما سواه غير معتد به.
فأما أبُ الجد مع الأخ إذا اجتمعا، فالأخ أقرب، وأبُ الجد أبعد، فالذي رأيته في ذلك، أن أبَ الجدِّ لا يسقط بالأخ، ولكن لا يقاسمه الأخُ، بل له السدس. والباقي للأخ، وهو مع الأخ بمثابة الجد مع ابن الميت.
وفي القلب من هذا شيء، ولا يمتنع أن نَعتبرَ الجدودة وقوتَها، وكونَها على عمود النسب، ثم نقول: أب الجد مع الأخ كالجد مع الأخ، على ما سيأتي تفصيل الجد مع الإخوة، إن شاء الله عز وجل.
6280- ثم إن لم يكن جد، فالأخ من الأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب.
وهاهنا موقفٌ هو مزِلّة الباب، فليتثبت النّاظر عنده. فلو اجتمع ابنُ ابن أخٍ من الأب والأم، وابنُ أخٍ من الأب، ففي أحدهما قوةُ القرابة، وفي الثاني قرب الإدلاء وقد يبتدر الفقيه، فيقدم ابن ابن الأخ من الأب والأم على ابن الأخ من الأب تعويلاً على قوة القرابة، كما نقدم ابن ابن الأخ على العمّ، وإن كان العم أقربَ من ابن الأخ المتسفِّل.
وهذا خطأ، لم يصر إليه أحد من الأئمة، والمذهب المبتوت أن ابن الأخ من الأب مقدم على ابن ابن الأخ من الأب والأم لقربه.
وإذا اجتمع ابنا أخوين: أحدهما مُدْلٍ بالأخ من الأب والأم، والثاني مُدْلٍ بالأخ من الأب، فإن استويا في القرب، قدمنا صاحب القوة في القرابة، وهو ابن الأخ من الأب والأم، فإن اختلفا في القرب، نُظر: فإن كان الأقرب صاحب القوة، فلا شك في تقدّمه. وإن كان الأقرب ابنَ الأخ من الأب، قدمناهُ بقرب الدرجة على ابن ابن الأخ من الأب والأم، كما يقدم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأب والأم. هكذا أورده الصيدلاني والقاضي، وهو منصوص عليه في آخر باب العصبة بيِّنٌ لمن يتأمله.
ثم ابن ابن الأخ للأب وإن تسفَّل، مقدّمٌ على العم للأب والأم.
6281- ثم العم من الأب والأم، ثم العمّ من الأب، ثم ابن العم للأب والأم، ثم ابن العم للأب.
والقول في بني الأعمام، كالقول في بني الإخوة، فابن العم من الأب وإن تسفَّل مقدّم على عم الأب من الأب والأم.
والعم الذي أطلقناه أولاً هو عم الميت، وهذا عمُّ أبيه، وهو عصبة، غير أن بني عم الميت وإن بعُدُوا مقدّمون على عم أبيه. ثم الترتيب فيهم كما تقدم، فعم الأب من الأب والأم، ثم عمّه من الأب، ثم بنوهما، على الترتيب السابق. ثم عم الجد. وهكذا إلى حيث ننتهي.
6282- فإن لم نجد أحداً من عصبات النسب، فالمعتِق، ثم عصبات المعتِق، وترتيبُ عصبات المعتِق كترتيب عصبات الميت، إلا في مسائلَ نذكرها، فنقول أولاً:
عصبات المعتِق هم الورثة إذا انتهى الترتيب إليهم، ولا يتصور أن يرث المعتَقَ المنعَمَ عليه أحدٌ من ذوي الفروض المتصلين بالمعتِق المنعِم، فالسبيل أن نقول: إن كان للمعتَق عصبةُ نسب، لم ينته الإرث إلى المعتِق، وكذلك إن كان له أصحاب فرائض يستغرقون ميراثه، فإن لم يكونوا، أو أفضلت الفرائض شيئاً، فالمعتِق هو المستحِق، فإن لم يكن، فعصباته المتعلقون بالعصوبة بأنفسهم، لا بتعصيب معصِّب إياهم؛ فإن الذين يتعصّبون بغيرهم لا يرثون بالولاء إجماعاً؛ فابن المعتِق وبنتُ المعتِق إذا اجتمعا، فالميراث لابن المعتِق لا حظّ فيه للبنت. وإن كنا نقضي بكونها عصبة مع الابن. ولا ترثُ أنثى قط بالولاء إلا المعتِقةُ نفسُها، أومعتِقَةُ المعتِق.
ولو اجتمع ابن المعتِق وأبوه، فميراث المعتَق المنعم عليهِ لابن المعتِق، لا حظّ للأب فيه؛ فإن الأب صاحب فرض مع الابن، ولا حظ لأصحاب الفرائض في الميراث بالولاء.
ولو اجتمع جد المولى وأخُ المولى، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أن أخ
المولى أولى من الجد؛ لأنه يُدْلي بالبنوة، والعصُوبة المحضة، وهو يقول: أنا ابن أب المولى، والجد يقول: أنا أب أب المولى، والابن بالعصوبة أولى.
والقول الثاني أن الأخ والجدّ يرثان؛ لاستوائهما في القرب، ولكن الجد كأخٍ أبداً.
والقولان جميعاً يخالفان قياسَ الأخ والجد في النسب، فإنا في القول الأول نحجب الجدَّ بالأخ، وفي القول الثاني نُثبت المقاسمة بينهما من غير أن نردّ الجد إلى الثلث، كما نردّه في النسب؛ فإن الفرض لا مطمع فيه في باب الولاء.
ويتفرع على هذين القولين الجدُّ، وابنُ الأخ، فإن راعينا قوة البنوة قدمنا ابن الأخ وإن بعد وتسفل.
وإن راعينا استواء الجدّ والأخ في القربِ والبعد، قدّمنا الجدّ على ابن الأخ؛ فإنه أقرب.
وفي أب الجدّ مع ابن الأخ ما في الجدّ والأخ من الخلاف؛ فإنهما مستويان في الدرجة، ولأحدهما قوة البنوة، كما ذكرناهُ في الجدّ والأخ.
6283- ثم ممَّا نذكره في هذا أن الأخ من الأب والأم مقدم على الأخ من الأب في الولاء، فأخُ المعتِق من أبيه وأمه مقدّمٌ على أخيه من أبيه، وإن كانت الأخؤة من الأم لا يثبت بها استحقاقٌ في الولاء، إلا أنها تقوي العصوبة وتعضّدُها، وإن كانت لو استقلت لم تُفد إرثاً.
هذا هو المذهبُ.
ومن أصحابنا من نزّل الأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب في عصبات المولى بمثابة الأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب في ولاية النكاح. وفيها قولان:
أحدهما: أنهما يستويان؛ فإن الإدلاء بالأم لا أثر له في الولاية.
والثاني: أن الأخ من الأب والأم أولى بولاية النكاح من الأخ من الأب.
والقولان مشهوران في النكاح، وذكرهما في التوريث بعصوبة المولى بعيدٌ في النقل غيرُ معتدٍّ به. والوجه القطعُ بتقديم أخ المعتِق من أبيه وأمّه. ثم ليحتج بهذا ناصر أحد القولين في ولاية النكاح.
ثم ترتيب عصباتِ المعتِق بعد ذلك على ما ذكرناهُ، في عصبات النسب.
6284- فإن لم نجد أحداًَ منهم، فالميراث لمعتِق المعتِق. ثم إن لم نجد، فلعصباتِ معتِق المعتِق من النسب، فإن لم نجدهم، فلمعتِق معتِق المعتِق وهكذا إلى حيث نرقى.
فإن لم نجد أحداً من هؤلاء، أو كان الميت الأول لا ولاء له عَلَيْهِ، أو كان المعتَق لا ولاء عليه.
فإذا عدمنا الفرض والتعصيب بالجهات الخاصة، فالميراث مصروف إلى الجهة العامة وهي جهة الإسلام، ثم مصرف التركة إلى المصالح العامة على ما سنُوضحُ التفصيلَ في السهام المرصدة للمصالح في كتاب القَسْم، إن شاء الله تعالى.
ولو لم نجد المعتِق وعصباته، ومعتق المعتق، ووجدنا معتِقَ عصبةِ المعتق، فإنا لا نورث من المعتَق المنعم عليه إلا معتِق أب المعتِق؛ فإنه يرث.
وهذا الفصل يستدعي بيان استحقاق الولاء مباشرة وجرّاً. ومن جملة ارتباط الولاء ما ذكرناه من إعتاق الأب، والقول في هذا يطول، وهو كتاب برأسه نذكره في العتق، ويتعلق به طرفٌ غامض من أحكام المواريث، وفيه دَوْرُ الولاء، ولا سبيل إلى الخوض في شيء منه هاهنا. فالوجه أن نذكره ثَمّ.
فصل:
6285- إذا مات الرجل وخلّف ابني عمّ، أحدهما أخ لأمّ، فللذي هو أخ لأم السدس بأخوة الأم، والباقي مقسوم بينهما بالعصوبة.
وقال ابن مسعود: ابن العم، الذي هو أخ لأم يتقدم على ابن العمّ الذي ليس أخاً لأم، كما يتقدم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب.
ومذهب زيد والجمهور ما ذكرناه، من إفراد أخوة الأم بالفرض، ورد الباقي إليهما بالعصوبة.
ولو كان في المسألة ابنا عم:
أحدهما: ابن العم من الأب والأم، والآخر ابن العم من الأب، ثم كان ابن العم من الأب أخاً لأم، فله السدس والباقي لابن العم من الأب والأم؛ فإنه يحجب ابنُ العم من الأب والأم ابنَ العمِ من الأب في العصوبة.
6286- ولو كان في المسألة: بنتٌ، وابنا عم، أحدهما أخ لأم.
قال ابن الحدّاد: المال نصفه للبنت، والباقي لابن العم الذي هو أخ لأمّ، ولا شيء للآخر؛ لأن الإدلاء بالأم ممّا يقع الترجيح به، ولا يمكن أن يناط به استحقاق فرضٍ في هذا المحل؛ فإن الأخ من الأم لا يرث مع البنت، فصارت الأخوة من الأم في هذا المقام كالأخوة من الأم في ترتيب عصبات الولاء. وقد ذكرنا أن الأخ من الأب والأم مقدم في الولاء على الأخ من الأب، لمّا سقط اعتبارُ أخوة الأم في الولاء، فاستعملناها ترجيحاَّ.
ولو اجتمع في الولاء ابنا عم: أحدهما أخ لأم، فليت شعري ما يقول ابنُ الحداد فيه، وقد سقطت أخوة الأم؟
وإن طرد قياسه، وقدّم الأخ من الأم على الآخر، فقد أبعد، وإن سلم هذا، فقد ناقض ما عوّل عليه.
وقد خالف معظمُ الأصحاب ابنَ الحدّاد فيما قال، وصاروا إلى أن الفريضة التي فيها بنتٌ وابنا عمّ أحدهما أخ لأمٍ، تسقط فيها أخوة الأم، والباقي بعد الفرض لابني العم.
وليس كما إذا كان في المسألة بنت وأخ من أب وأم وأخ لأب، فإن الأخ من الأب والأم يحجب الأخ من الأب، ولا نقول: البنت تحجب أخوة الأم، ويستوي الأخوان بعد سقوطها في أخذ الفاضل من الفرائض بالتعصيب؛ فإن الأخوة من الأم لا تُفرد عن الأخوة من الأبِ؛ إذ لو أفردت عنها، لقيل في أخوين أحدهما من أبٍ وأم، والآخر من أبٍ: للذي هو أخ من أبٍ وأمَّ السدس بأخوة الأم، والباقي بينهما بأخوة الأب.
كما تقول في ابني عم أحدهما أخٌ لأم، فللذي ينفرد منهما بأخوة الأم السدس، والباقي بينهما بالعصوبة، والسبب فيه أن القرابتين مختلفتان في ابن العم الذي هو أخ لأم؛ فلم تمتزجا على رأي زيد والجمهور، والأخوة من الأم تمتزج بالأخوة من الأب، فإن الولدين من أبوين لا يعدّان مختلفي القرابة.
هذا بيان القاعدة.
6287- وابن مسعود قدم ابن العم الذي هو أخ من أم على ابن العم الذي ليس أخاً لأم، كما تقدم.
ومن مذهبه أنه لو كان في المسألة ابنا عم: أحدهما ابنُ عم من أب، وهو أخٌ من أم. والثاني ابن عم من أبٍ وأمٍ، فالذي هو أخ لأمٍ مقدم على ابن العم من الأب والأم.
ومذهب زيد والجمهور أن للذي هو أخ لأم السدس، والباقي لابن العم من الأب والأم.
6288- ثم ذكر الفرضيون جملاً في تشابه القرابات، ونحن نذكر عيونها، وأصولها التي ترشد الفطن إلى ما عداها.
فمما يتعلق بما كنا فيه الآن: أنه إذا قيل: خلّف:
ابني عمّ، أحدهما أخٌ لأم، وأخوين لأمٍ أحدهما ابن عم.
فأهل الفرائض مختلفون في السؤالِ المطلق في مثل ذلك إذا كان يحتمل عددين أقلَّ وأكثر: فمنهم من يحمل السؤال المطلق على أقل العددين، ومنهم من قال: يُؤخذ بالأكثر: فمن قال: يُؤخذ بالأكثر يقول: العدد أربعة ابنا عمٍ أحدهما أخ لأم، وأخوان لأم أحدهما ابن عم، وفي هؤلاء الأربعة من طريق القرابة ثلاثةُ إخوة لأم، وثلاثة بني أعمامٍ، فللإخوة من الأم الثلث، والباقي لبني الأعمام، والمسألة في وضعها من ثلاثة، وهي تصح من تسعة، فيحصل لكل من هو ابن عم وأخ ثلاثة أسهم: سهم بأخوة الأم، وسهمان بالعصوبة، ويحصل للمنفرد بأخوة الأم سهم، وللمنفرد بالعصوبة سهمان.
هذا مسلك.
ومن يأخُذ بالعدد الأقل يقول: لما قال: ابنا عم أحدهما أخ لأمٍ، فهمنا شخصين، ولما قال: أخوان من أم: أحدهما ابن عم، جوزنا أنه زاد أخاً لأم، وأعاد أحد الشخصين المفهومين أولاً، وهو الأخ من الأم الذي كان ابن عم، فتحصَّل معنا ثلاثة أشخاص: أخوان لأم وابنا عم، فللأخوين من الأم الثلث، والباقي لابني العم، والمسألة من ثلاثة وتصح من ستة.
وهذا الذي ذكرناه ليس خلافاً على الحقيقة؛ فإن المستفتي لو أطلق لفظةً مبهمةً تتردد بين عدد كبير وقليل، فلا تحل الفتوى من غير استفصال، وإذا كان كذلك، فلا حاصل لما ذكرناه، إلا أن الفرضيين في تصانيفهم مختلفون في تصوير المسائل، ووضعها بالعبارات؛ فمنهم من يعتاد في وضع المسائل حمل العبارة على الأكثر، ومنهم من يعتاد حملها على الأقل.
6289- وعلى هذا النسق ترددوا في ذكر القرابة إذا ترددت بين القرب
والبعد، فمنهم من يحمل على أقرب الوجوه، ومنهم من لا يحمل عليه.
6290- ولو قيل: خلّف:
ثلاثة بني أعمام: أحدهم زوج، وآخر أخ لأم، وثلاثة إخوة متفرقين، وأما.
فهذه مسألة المشركة تُلقَى كذلك أغلوطة، فاطّرح الأخ من الأب، وأعط الزوج النصف، والأم السدس، والأخوين للأم الثلث، ويشاركهما الأخ من الأب والأم، ولا شيء لأحد بأنه ابن عم.
6291- فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقاتٍ، مع كل واحدةٍ عمّها لأب وأم، فعمّ الأخت من الأب والأم عمّ الميت لأب وأم، وعم الأخت للأب عمُّ الميت لأب وأمٍ لا محالة، وعم الأخت من الأم أجنبي من الميت، ففي المسألة ثلاث أخوَّاَت متفرقاتٍ، وعمَّان، فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت من الأب السدس، تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس، والباقي للعمّين.
والمسألة تصح من اثني عشر.
فإن قيل: ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ مع كل واحدة أمها، فالمسألة مستحيلة؛ لأن الأخت للأب والأم، والأخت للأم أمهما واحدة فلا يُتصوّر لهما أمّان. وأمّا الأخت من الأب، فأمها أجنبية، فقد ترك الميت أماً وثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقاتٍ، مع كل واحدة ابن أخيها لأب وأمٍ، فإن لم يغالط السائل، ولم يَعْنِ بالذي مع الأخت من الأب والأم ابنَ الميت وقال: أردت ابنَ أخٍ غيرِه، ولم أعْن الميت، فقرابة ابن أخ كل واحدة من الميت كقرابتها نفسها، من الميت. وكأنّه خلّف ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ، وثلاث بني إخوة متفرقين.
فإن زاد وقال: مع كل ابن أخ جدتاه من أقرب ما يكون، فاعلم أن جدات هؤلاء من جهة الأم أجنبيات من الميت، لأن كل واحدة منهن أم زوجة أخ الميت: فأمّا جدة ابن الأخ للأب من جهة الأب، فهي أجنبية من الميت، لأنها زوجة أبيه، فأما جدة الآخرَيْن، فهي واحدة، وهي أم الميت، والمسألة مستحيلة من حيث إنه لا يتصور لكل واحدة جدة، بل جدتهما واحدة، فكأنه خلّف أمّاً وثلاث أخوات متفرقات، وابن أخ لأب وأمّ، وابن أخ لأب، وابن أخ لأم.
6292- فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفلُ من بعض، مع كل واحدة أخوها. فإن أبهم، أمكن أن يريد الأخ من الأم، فيقع أجنبياً من الميت.
فإن قال السائل: مع كل واحدة أخوها لأب، أو لأب وأم، فقرابته من الميت كقرابتها، فكأنه خلف بنت ابن وابن ابن، فالمال بينهما، ويسقط الآخرون.
فإن قيل: مع كل واحدة أختها من أبيها، فقد ترك ابنتي ابن، وابنتي ابن ابن وابنتي ابن ابن ابن، ولا يخفى الحكم.
فإن قيل: مع كل واحدة ابن أخيها، فابن أخ العليا في درجة الوسطى، وابن أخ الوسطى في درجة السفلى، وابن أخ السفلى أسفل منها بدرجة.
فلبنت الابن النصف، والباقي بين الوسطى والغلام الذي في درجتها.
6293- فإن قيل: مع كل واحدةٍ أبُوها، فأبُو العليا ابن الميت، رجلاً كان الميت أو امرأة، وأب الوسطى ابن ابنهِ، وأب السفلى ابن ابن ابنه، فالمال للابن.
فإن قيل: مع كل واحدةٍ أمها، فهن أجنبيات من الميت.
فإن قيل: مع كل واحدةٍ عمُّها، فأمّا عم الوسطى والسفلى إن كان عماً لأم، فهو أجنبي من الميت. وإن كان عماً لأب وأم، أو لأب، فعمُّ الوسطى ابنُ ابنِ الميت، وعم السفلى ابن ابن ابن الميت، رجلاً كان الميت أو امرأة. وأمَّا عم العليا، فإن كان عماً لأم، والميت رجل، أو كان عمّاً لأبٍ والميت امرأة، فهو أجنبي من الميت، وإن كان عماً لأمٍّ، والميت امرأة، أو عمّاً لأبٍ، والميت رجل، أو عماً لأب وأم، والميت رجل أو امرأة، فهو ابن الميت.
والفرضيون يحملون المطلق على جهة الوراثة. وهذا كالتواضع بينهم.
فإن قيل: مع كل واحدة جدها أبو أبيها، فإن كان الميت رجُلاً، فالمسألة محال، لأن الميت جدّ العليا.
وإن كان امرأة، فالمسألة متصورة، فجد العليا ربما يكون زوج الميتة، فيبحث عن الزوجية، فالفرضيون يبحثون هاهنا؛ فإن الزوجية عارضة، فأمَّا جدُّ الوسطى، فهو ابن الميت بكل حالٍ، رجُلاً كان أو امرأة، وجدُّ السفلى هو ابن ابن الميت، فالمال للابن.
فإن قيل: مع كل واحدة جدتُها، فجدة السفلى والوسطى أجنبيتان من الميت، وأما جدة العليا فإن كان الميت امرأة، فالمسالة محال؛ لأنها جدة العليا، وإن كان الميتُ رجُلاً فالمسالة متصورة ولعلها زوجة الميت، فإن ذكر السائل الزوجة، أجبنا. ولا تحمل على الجدّاتِ من قبل الأم؛ فإنهن ساقطاتٌ، أجنبيات من الميت.
6294- فإن قيل مع كل واحدةٍ عمتُها، أما عمة العليا، فهي بنت الميت إذا كانت لأبٍ وأمٍ، أو لأب، والميت رجُل، أو كانت عمة لأم، والميت امرأة، فإن كانت عمة لأم، والميت رجل، أو كانت لأبٍ والميت امرأة، فهي أجنبية من الميت. وأمّا عمة الوسطى، وعمّة السفلى للأم فأجنبيتان من الميت، كيف كان الميت. وأمّا عمتاهما لأبٍ وأم، أو لأبٍ، فلهما قرابة، فأمّا عمّة الوسطى ففي درجة العُليا، وأما عمة السفلى، ففي درجة الوسطى، فالميت خلّفَ بنتاً، وابنتي ابن، وابنتي ابن ابن.
فإن زاد في السؤال فقال: مع كل عمة ثلاث عمات متفرقات، فالمسألة فيه إذا كانت عمة ذات قرابة من الميت.
فأمّا عمات عمة العليا، فهنّ ثلاث أخواتٍ متفرقات للميت إن كان رجلاً، وإن كان امرأةً فهنّ أجنبيات منها.
وأمّا عمات عمة الوسطى، فاثنتان منهن بنتان للميت، ثم ننظر: فإن كان الميت رجلاً، فبنتاه هي العمة للأب والأم، والعمة للأب، فأما العمة للأم فهي أجنبية. وإن كان الميت امرأة، فابنتاها هما العمةُ للأب والأم والعمة للأم. فأمّا العمة للأب فأجنبية.
وأما عمات عمة السفلى، فاثنتان منهن ابنتا ابن الميت وهما العمة للأب والأم، والعمة للأب، فأما العمة للأم فأجنبية من الميت بكل حال، فقد خلف الميت ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ، وثلاث بناتٍ، وأربع بناتِ ابن، وابنتا ابن ابن وبنت ابن ابن ابن. فللبنات الثلثان، والباقي، للأخت من الأب والأم.
فهذه جُملٌ في تشابه القرابات، يمكن أن يقاس بها غيرها، وربما نذكر طرفاً منها في باب الأرحام، والمعنَّى بطلب الفقه قد يتبرم بمثل هذا، ولكنا لا نجد بداً في هذا المجموع من ذكر ما يقع به الاستقلال في كل فن.