فصل: باب: الخناثى وكيفية ميراثهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: الخناثى وكيفية ميراثهم:

6504- اعلم أن الخنثى على ضربين:
أحدهما: أن يكون له آلة الرجال وآلة النساء.
والثاني: أن تكون آلته التي منها يبول بخلاف آلات الرجال والنساء، فلا يكون له ذكر كذكر الرجل، ولا يكون له قُبل، كقبل المرأة. فإن كان الخنثى على هذا الوصف، فهو مشكل إلى أن يبلغ، فيختار، ويُعرب عن نفسه.
فإن كان على الوصف الأول، اعتبر أمره أولاً بالبول. فإن بال من الذكر، فهو رجل، فإن بال من فرج النساء، فهو أنثى، وإن بال بهما، فهو مشكل.
وقيل: أولُ من حكم بهذا الحكم عامرٌ العدواني في الجاهلية. وكان حَكَمَ العرب، فأتَوْه في خنثى وميراثها، فأقاموا عنده أربعين يوماً، وهو يذبح لهم كلَّ يوم، وكانت له أمَةٌ يقال لها: خصيلة، فقالت له: إن مُقام هؤلاء عندك قد أسرع في غنمك، فقال: ويحك، لم يُشكل عليّ حُكومة قط، غيرُ هذه. قالت: "أتبع الحُكمَ المبالَ. فقال: فرَّجتِها يا خصيلة"، فأُرسل ذلك مثلاً، فاستقر الأمرُ عليه في الإسلام.
وسئل معاويةُ في خنثى ولد بالشام، له ما للرجال، وله ما للنساء، فكتب معاوية إلى عليٍّ يسأله عن ميراثه، فقال: "يورّث من قِبل مباله". ثم قال: "الحمد لله الذي جعل عدوَّنا يفزع إلينا في أمر دينه".
وسأذكر ما يتعلّق بعلامات الخناثى في كتاب الجراح. وقد ذكرنا طرفاً صالحاً منه في كتاب الطهارة.
والباب معقود لبيان الحكم مع دوام الإشكال في التوريث منه قبل ظهور أمره؛ إذ ليس في ورثته زوج، ولا زوجة، ولا ولد؛ إذ لو كان له زوج أو زوجة، أو ولد، لكان قد ظهر أمره قبل موته.
6505- وإن مات له موروث قبل ظهور أمره، فقد لا يختلف الميراث بالذكورة والأنوثة، وذلك بأن يكون الخنثى من أولاد الأم، أو كان ممن يرث بولاية على الميت من جهة العتق.
وإن كان ميراثه يختلف بكونه ذكراً أو أنثى، فقد اختلف العلماء حينئذ في كيفية توريثه على أقوال مختلفة: فقال الشافعي ومتبعوه: ينظر فيه، فإن ورث في حالٍ، ولم يرث في أخرى يوقف نصيبُه، ولم يدفع إليه شيء.
وإن كان يرث في الحالين، إلا أنه كان ميراثه في إحداهما أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، وهو المقدار المستيقن. ووُقف الفضل.
هذا حكمه في نفسه.
6506- فأما حكم غيره من الورثة معه، فإنه ينظر فيه، فكل من لا يتغير ميراثه بكون الخثى ذكراً أو أنثى، دفع إليه ميراثه كَمَلاً.
ومن كان يتغير ميراثه بذلك، نُظر: فإن كان يرث مع الخنثى في إحدى حاليه، ولا يرث معه في الأخرى، وُقف نصيبه. وإن ورث معه في حاليه جميعاً؛ إلا أنه كان ميراثه في إحدى الحالتين أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، ووُقف الفضلُ بينهما إلى أن نتبين أمر الخنثى.
هذا مذهب الشافعي وأصحابه.
6507- وذكر الأستاذ أبو منصور أن من أصحاب الشافعي من يدفع إلى الخنثى أقلَّ ما يصيبه، ويدفع الباقي إلى شركائه؛ لأنه لا إشكال فيهم، وسببُ استحقاقهم ثابت، وحجبهم مشكل، فلا ندفع أصلَ استحقاقهم بإشكالٍ.
وهذا لم أره لأحد من أئمتنا، وإنما وجدته في كتاب الأستاذ أبي منصور.
وفي كتابه عن أبي ثور عن الشافعي أنه قال: الوقف إلى موت الخنثى؛ فإذا
مات على إشكاله، رُدَّ الموقوف على ورثة الميت الأول، وهذا لم أره أيضاً.
وقال رضي الله عنه بعد ما نقل هذين المذهبين: "لا اعتبار بهذين التخريجين، ومذهب الشافعي، وما عليه أصحابه ما قدمناه".
6508- وقال أبو حنيفة: يورث الخنثى بأقل حاليه، فإن كان أقلُّ حاليه أن يكون ذكراً، دفع إليه ميراث ذكر، وإن كان أقلُّ حاليه أن يكون أنثى، دفع إليه ميراث أنثى؛ فإن بقي من المال شيء كان للعصبة، إن كان في الورثة عصبة، ولا يوقف شيء.
6509- وقال إسماعيل بن إسحاق: "لا أحفظ عن مالك في ميراث الخنثى شيئاً". وحُكي عنه أنه جعله ذكراً، وليس بثابت عنه.
6510- وقال قوم من البصريين إذا اجتمع فيه علامات الرجال والنساء، فهذا خلْقٌ، لا ذكر، ولا أنثى، وإنما فرضَ الله تعالى للذكور والإناث، ولم يفرض لهذا الشخص شيئاً، فلا شيء له إلا ألا يخلِّف القريبُ أحداً سواه، فيكون أحقَّ بماله من الأجانب.
6511- وقال ضرار، وجماعة من البصريين: يقسم المال بين الخنثى وشركائه على أكثر دعاويهم، فيضرب فيه كلُّ واحد منهم بأكثر ما يدّعيه، وقاسوه على عول الفرائض، والتضارب في ثلث المال عند ازدحام الوصايا وزيادتها على الثلث.
6512- وقال الشعبي: يُدفع إلى الخنثى نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وشَرِيك، ونعيم، ويحى ابن آدم، والعنبري، وجماعة من الكوفيين. وحُكي مثل هذا عن ابن عباس.
6513- ثم اختلف الفرضيون في تأويل قول ابن عباس والشعبى ومن تبعهما: فقال أبو حنيفة: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين على طريق الدعوى.
وقال أبو يوسف: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين في حالين فحسب، وبه قال أبو يوسف في آخر عمره، ولم ينزلهم أكثر من حالين.
وقال ابن أبي ليلى في روايةٍ وجماعة من الكوفيين: أرادوا بذلك نصف الميراثين على تنزيل الأحوال كلها.
وقيل: رجع محمد بن الحسن في آخر عمره إلى طريقة أصحاب الأحوال.
ثم اختلف أصحاب الأحوال في كيفية تخريج المسألة على الأحوال على حسب ما نبيّنه في جوابات الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
قال الأستاذ: هذا ما حفظنا من أقاويل العلماء، وأوضحُها وأقربها ما صار إليه الشافعي وأصحابه؛ فإنه مستند إلى اليقين، وما لا يقين فيه، فلا شيء فيه أحسنُ من الوقف.
6514- مسائل الباب:
رجل مات وخلّف أخاً لأبٍ وأمٍّ، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي للخنثى نصف المال، ويوقف الباقي حتى يتبين أمر الخنثى، وسأذكر في آخر الباب مسلكاً في القدر الموقوف.
وفي قول أبي حنيفة ومحمد: له النصف، والباقي للأخ.
ومن جعله ذكراً، أعطاه المالَ كلَّه.
ومن قال لا ميراث له: دفع المال كلَّه إلى الأخ.
ومن اعتبر قسمة المال بين الورثة على معظم دعاويهم، كما ذهب إليه ضرار، قال: إن الخنثى يدّعي جميعَ المال، والأخ يدعي النصف، فيقسَّم المال بينهما على ثلاثة أسهم: للخنثى سهمان، وللأخ سهم.
ومن أوجب له نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى أعطاه ثلاثة أرباع المال، على جميع الروايات عنه.
أما على رواية أبي حنيفة في اعتبار الدعوى، فإنه يقول: له النصف باليقين، والنصف الباقي يدّعيه هو، ويدعيه الأخ، فيقسم بينهما نصفين، فيخرج منه ثلاثة أرباع.
وأما على اعتبار الأحوال، فلأن الخنثى له حالان: يرث في إحداهما جميع المال، وفي الأخرى نصفَ المال، فنجمع بينهما، يكون مالٌ ونصف، فله نصفهما، وهو ثلاثة أرباع.
والأخ يرث في أحد الحالين نصفَ المال، فله نصف النصف، وهو الربع.
فإن ترك ولدين خنثيين، وعماً لأب وأم
ففي قول الشافعي لهما الثلثان، والباقي موقوف.
وفي قول أبي حنيفة لهما الثلثان والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهما نصفين.
ومن قال: لا ميراث له جعل المال كلّه للعم.
ومن اعتبر قسمة المال بينهم على معظم دعاويهم، قال: إن كل واحد من الخنثيين يدعي لنفسه ثلثي المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحبي أنثى، والعم يدّعي ثلث المال، فنجمع دعاويهم، فيحصل مال وثلثا مال، فنبسطه أثلاثاً، فيكون خمسة، فنقسم المال بينهم على خمسة أسهم: لكل واحد من الخنثيين سهمان من خمسة وللعم سهم.
ومن اعتبر له نصفَ الميراثين، فقد اختلفوا فيما بينهم، فمن اعتبر طريقةَ الدعوى، كما رواه أبو حنيفة عنهم، قال: لهما الثلثان بيقين، والثلث الباقي يدعيانه، ويدعيه العم، فيكون بينهم نصفين: خمسة أسداس المال بينهما نصفين، وللعم السدس: أصلها من ستة، وتصحّ القسمة من اثني عشر سهماً.
ومن اعتبر تنزيل المسألة على حالين فحسب، كما ذهب إليه أبو يوسف، فقوله في هذه المسألة كقول من اعتبر الدعوى؛ لأنه يقول: لهما حالان: إما أن يكونا ذكرين، فيستحقان جميع المال، وإما أن يكونا أنثيين، فيكون لهما الثلثان، فجملة النصيبين، مال وثلثان، لهما نصف ذلك، وهو خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
وأما من اعتبر تنزيل المسألة على جميع الأحوال، فلهم طرق مختلفة ترجع إلى معنىً واحد، فمنهم من يقول: للخنثيين أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، وإما أن يكونا أنثيين، وإما أن يكون الأكبر ذكراً والأصغر أنثى، وإما أن يكون الأصغر ذكراً والأكبر أنثى. وهؤلاء يجعلون لثلاث خناثى ثمانية أحوال، ولأربعة ستةَ عشرَ حالاً، وللخمسة اثنين وثلاثين حالاً، وعلى هذا القياس: كلما زاد في عدد الخناثى واحدٌ، تضاعف عدد أحوالهم.
فإذا كان للاثنين أربعة أحوال، ففي ثلاث منها يستحقان جميع المال. وفي حالةٍ واحدة يستحقان ثلثي المال، فجملةُ ذلك ثلاثة أموال وثلثا مالٍ، لهما ربع ذلك؛ لأن لهما حالاً من أربعة أحوال: فيكون لهما ربع المبلغ، وهو خمسة أسداس المال ونصف سدسه، ويكون ما بقي للعم، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: يزاحمهم العم في واحدة منها، وإذا زاحمهم، أخذ ربع الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من اعتبر طريقةً في الحساب، نذكرها في آخر الباب. وطرق أصحاب الأحوال ترجع إلى معنىً واحد.
ثلاثة أولاد خناثى، وعم لأب.
ففي قول الشافعي: يدفع إليهم ثلاثة أخماس المال: لكل واحد الخمس، وهو الأقل المستيقن، لجواز أن يكون أنثى وصاحباه ذكرين، ونوقف ما بين ثلاثة أخماس المال إلى تمام الثلثين بين الخناثى، لا حظَّ للعم فيه؛ فإنه لهم، أو لأحدهم، أو لاثنين منهم، ويوقَف ثلث المال الباقي بين العم والخناثى.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهم على ثلاثة أسهم، لكل واحد منهم سهم.
ومن أسقطهم، جعل المال كلّه للعم، ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، قال: كل واحد من الخناثى يدعي نصف المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحباي أنثيان. والعم يدعي ثلث المال، وجملة دعاويهم مالٌ وخمسةُ أسداس مال، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فنقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً، لكل خنثى ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
وعلى رواية أبي حنيفة على أصل الدعاوى يقال: لهم الثلثان بيقين، والثلث يدّعونه ويدّعيه العم، فهو بينهم نصفين، فيكون لهم خمسة أسداس المال، وللعم السدس، والقسمة من ثمانية عشر.
وإلى هذا يؤدي مذهب أبي يوسف واختياره، حيث يقول: إما أن يكونوا ذكوراً، فلهم المال، وإما أن يكونوا إناثاً، فلهن الثلثان، فقال: مال وثلثان، لهم نصفه، وهو خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
ومن اعتبر تنزيل الأحوال، فمنهم من يعبّر، ويقول: لهم ثمانية أحوال في سبعةٍ منها يرثون المالَ كلَّه، وفي واحدٍ يرثون ثلثي المال، فجملة ذلك سبعة أموال وثلثان، لهم ثمن ذلك؛ لأنهم إنما يرثون بحالٍ من ثمانية أحوال، وذلك خمسة أسداس المال وثمنه، وهو ثلاثة وعشرون سهماً من أربعة وعشرين سهماً من المال، والباقي للعم.
ومنهم من يعبّر ويقول: لهم ثمانية أحوال، في واحدٍ منها يزاحمهم العم في الثلث؛ فللعم ثمن الثلث وهو جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جزءاً من المال.
والباقي للخناثى وسيأتي طريقُ الحساب.
ترك ابناً، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للابن النصف، وللخنثى الثلث، والباقي وهو سدس المال موقوف بين الابن والخنثى.
وفي قول أبي حنيفة: يكون المال بينهما على ثلاثة أسهم: للابن سهمان، وللخنثى سهم، وأبو حنيفة في هذه الرواية يجعل للخنثى المستيقن، والباقي للعصبة، فلا تنقص درجة الابن عن عمِّ أو أخ.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: الابن يدعي ثلثي المال، والخنثى تدعي النصف، وجملة ذلك مال وسدس، فنبسطه أسداساً، فيكون سبعة أسهم، فيقسم المال بينهم على سبعة أسهم: للابن أربعة، وللخنثى ثلاثة.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى رواية أصحاب الدعاوى نقول: النصف للابن بيقين، والثلث للخنثى بيقين، وبقي سدس يدعيانه، فهو بينهما نصفين، فيحصل للابن ثلث المال وربعه، وللخنثى ربع المال وسدسه.1 وعلى رواية أصحاب الأحوال: يكون للابن في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ الثلثان، وجملتهما مالٌ وسدس، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللخنثى في حالٍ نصفُ المال، وفي حالٍ الثلث، وجملة ذلك خمسة أسداس المال، وله نصف ذلك، وهو ربع وسدس، كما ذكرناه.
بنت، وولد خنثى، وعم لأب
ففي قول الشافعي: للولدين الثلثان بينهما نصفين، ويوقف الباقي بين العم والخنثى؛ لأنه لأحدهما، ولا حق فيه للبنت.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ولسنا نعود إلى التفريع على أنه ذكر، أو هو ساقط لا يرث.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، قال: الخنثى يدعي الثلثين، والعم يدعي الثلث، والبنت تدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وثلث، وهو أربعة أثلاث، فنقسم المالَ بينهم على أربعة: للخنثى سهمان، وللبنت سهم، وللعم سهم.
قال الأستاذ أبو منصور: هكذا يُحكى عنهم، وأنا أظن الحكايةَ غلطاً، والذي يقتضيه قياس قول هذه الطائفة ألا تنقص البنت عن الثلث، بل يُدفع إليها ثلث المال كاملاً، ثم يقال: الخنثى يدّعي جميعَ الباقي، والعم يدعي نصفَ الباقي، فيقسم الباقي بينهما على ثلاثة، فتصح القسمة من تسعة أسهم للبنت ثلاثة، والباقي-وهو ستة- بين الخنثى وبين العم على ثلاثة، فللخنثى أربعة، وللعم سهمان.
ومن قال بنصف الميراثين، فعلى اعتبار الدعوى يقال: للبنت الثلث بيقين، ولا دعوى لها، وللخنثى الثلث بيقين، بقي ثلث المال يدّعيه الخنثى، ويدّعيه العم، فهو بينهما نصفين، فيحصل للخنثى نصف المال، وللبنت الثلث، وللعم السدس.
وعلى طريقة أهل الأحوال: يقال: للخنثى حالان في إحداهما يرث الثلث، وفي الثانية ثلثين، فنجمعهما، فيكون مالاً كاملاً، فله نصفه، وللبنت في كل واحدةٍ من الحالتين ثُلثه، وجملتها الثلثان، فلها نصف ذلك، وهو الثلث.
فالعم إما أن يكون له الثلث، أو لاشيء له، فله نصف ذلك، وهو السدس.
6515- واعلم أن ولد الأب والأم، وولد الأب إذا كانوا خناثى، أو كان بعضهم خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في أولاد الميت سواء.
فإن ترك ولداً، وولد ابنٍ خنثيين، وعماً لأب
ففي قول الشافعي: يدفع إلى الولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثيين، لأنه لأحدهما، ويوقف الثلث بين العم والخنثيين.
وفي قول أبي حنيفة: للولد النصف، ولولد الابن السدس، والباقي للعم.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: ولد الصلب يدعي المال، وولد الابن يدعي النصف، والعم يدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وخمسة أسداس، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فيقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً: للولد منها ستة أسهم، ولولد الابن ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
ومن جعل له نصفَ الميراثين، فعلى اعتبار الدعاوى يقال: للأعلى منهما النصف، والسدس يدّعيه الأعلى والأسفل، فهو بينهما نصفين، وبقي ثلث المال يدّعيه الخنثيان، ويدعيه العم، فهو بينهما أثلاثاً.
وتصح المسألة من ستة وثلاثين سهماً: للأعلى من الخنثيين خمسة وعشرون، والأسفل سبعة أسهم، وللعم أربعة أسهم.
فأما على قول أصحاب الأحوال، فمنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، أو أنثيين، أو يكون الأعلى ذكراً، والأسفل أنثى، أو يكون الأسفل ذكراً، والأعلى أنثى، فنجمع ما يصيب الأعلى في الأحوال، فيكون ثلاثة أموال، وله ربعها، وذلك ثلاثة أرباع المال.
ونجمع ما يصيب الأسفل في هذه الأحوال، فيكون ثلثي مال، فله ربع ذلك، وهو السدس.
ونصيب العم في بعض هذه الأحوال الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف السدس.
ومنهم من يعبّر فيقول: لهما أربعة أحوال، والعم يدخل في واحدة منها في الثلث، فله ربع الثلث، وللأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي للأسفل، وهو السدس.
قال الأستاذ: حكى أصحاب الرأي عن أصحاب الأحوال في هذه المسألة أقوالاً سوى ما ذكرتها، وهي غير صحيحة على أصل القوم، فحكى بعضُهم عنهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف ما بقي، وهو الثمن، والباقي للعم.
وحكى بعضُهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل ثلاثة أرباع ما بقي، والباقي للعصبة، وحكى بعضهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف سدس المال والباقي للعم.
وحكى بعضهم عن القوم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي موقوف بين هذا الأسفل، وبين العم.
وكل هذه الحكايات قد غلط فيها ناقلوها. والصحيح على قول أهل الأحوال ما حكيناه عنهم أوّلاً.
فإن كان الأعلى ابناً على التحقيق، والأسفل خنثى، فالمال كله للأعلى، ولا إشكال في المسألة.
فإن كان الأعلى بنتاً، والأسفل خنثى
ففي قول الشافعي: للبنت النصف، وللخنثى السدس، والباقي موقوفٌ بين الخنثى، والعم؛ لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للبنت النصف، وللخنثى السدس والباقي للعم من غير وقف.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قال: البنت لها النصف بيقين، والخنثى يدّعي النصف، والعم يدعي الثلث، فنقسم الباقي بعد النصف بين الخنثى والعم، على خمسة أسهم. وللعم سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين. فعلى رواية أهل الدعاوى: للبنت النصف، لا شك فيه، ولولد الابن السدس بلا شك، وبقي الثلث يدعيه ولد الابن، والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال: ولد الابن يستحق في حالٍ النصفَ، وفي حالٍ السدسَ، وجملة ذلك ثلثا المال، فله نصف ذلك، وهو الثلث. والعم يستحق في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك وهو السدس. ونصيب البنت معلوم، لا يتغير.
6516- وولد الأب والأم مع ولد الأب إذا كانوا خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في ولد الميت، وولد الابن إذا كانوا خناثى، فإن ترك:
أُمّاً، وولداً خنثى.
ففي قول الشافعي: للأم السدس، وللولد النصف، والباقي موقوف بينه وبين العصبة.
وفي قول أبي حنيفة: يكون الباقي للعصبة.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى قال: الخنثى يدَّعي خمسةَ أسداس المال، والعصبة تدعي الثلث، فللأم السدس، ويقسم الباقي بين الخنثى والعصبة على سبعة أسهم: للخنثى خمسة أسهم، وللعصبة سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى طريقة أهل الدعوى، يقال: للأم السدس لا شك فيه، وللولد النصف، لا شك فيه. وبقي ثك المال، يدّعيه الخنثى والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال يقال: الخنثى يرث في حالٍ النصفَ، وفي حال خمسةَ أسداس المال، فجملة ذلك مالٌ وثلث، له نصف ذلك، وهو ثلثا المال.
وللعصبة في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك، وهو السدس، ونصيب الأم لا يتغير.
فإن ترك
أبوين، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للأبوين السدسان، وللولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثى والأب، لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للأبوين السدسان، وللولد النصف، والباقي للأب.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، أعطى الأم السدس، وقسم الباقي بين الأب والخنثى على ثلاثة أسهم: للأب سهم، وللخنثى سهمان.
ومن جعل له نصف الميراثين، فعلى طريقة الدعوى، يقال: للأبوين السدسان، وللخنثى النصف، وسدس المال يدعيه الأب والخنثى، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال، يقال: للخنثى في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ ثلثا
المال، وجملة ذلك مالٌ وسدسٌ، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللأب في حالٍ الثلث، وفي حالٍ السدس، وجملة ذلك نصف المال، فله نصف النصف وهو الربع.
ونصيب الأم لا يتغير.
فإن تركت
زوجاً، وأماً، وولد أبٍ خنثى.
ففي قول الشافعي: للزوج النصف عائلاً، وذلك ثلاثة أسهم من ثمانية أسهم، وللأم الثلث عائلاً، وهو في التحقيق الربعُ سهمان من ثمانية ويدفع إلى الخنثى مثل السدس؛ لأنه يقين.
وتصح القسمةُ من أربعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللخنثى أربعة أسهم. ويوقف خمسة أسهم.
وفي قول أبي حنيفةَ للزوج النصفُ الكامل، وللأم الثلث الكامل، والباقي للخنثى، وهو السدس.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قسم المال بينهم على ثمانية أسهم.
ومن اعتبر نصف الميراثين، قال: للزوج في حالٍ النصف، وفي حالٍ ثلاثة أثمان المال، وجملة ذلك سبعة أثمان المال، فله نصف ذلك.
وللأم في حالٍ الثلث، وفي حالٍ الربع، وجملة ذلك ثلثٌ وربعٌ، فلها نصف ذلك، وهو سدس وثمن.
وللخنثى في حالٍ النصف عائلاً، وهو ثلاثة أثمان المال وفي حالٍ السدس، فله نصف كل واحد منهما.
وتصح القسمةُ من ثمانية وأربعين سهماً.
فهذا بيان أصول العلماء في الخناثى.
6517- وقد تمس الحاجة إلى ذكر طرفٍ من الحساب في الباب يسهل به درك المقصود، فنضرب مثالاً واحداً، ونذكر فيه مسلك الحُسّاب، فنقول:
خلّف الميت
ثلاثة أولاد خناثى، وعصبة
فلهم ثمانية أحوال، فإن كانوا ذكوراً، فالمسألة تصح من ثلاثة.
وإن كانوا إناثاً، فالمسألة تصح من تسعة.
وإن كانوا ذكرين وأنثى، فالمسألة تصح من خمسة، وهذا التقدير يجري في ثلاثة أحوال على البدل.
وإن كانوا ذكراً وأنثيين، فالمسألة تصح من أربعة. ولهذا التقدير أيضاً ثلاثة أحوال على البدل.
فقد حصل معنا ثلاثة، وتسعة، وخمسة ثلاث مرات، وأربعة ثلاث مرات. فنجتزىء بواحدةٍ من الخمسات، وبأربعة، ثم الثلاثة داخلة في التسعة، فتطرح؛ فيبقى معنا أربعة، وخمسة، وتسعة، وهي متباينة، فنضرب بعضها في بعض، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح القسمة على جميع أحوال المسألة.
وقد علمنا أن أهل الوقف يقسمونها على اعتبار أضرّ الأحوال بكل واحدٍ منهم، وأضرُّها بكل واحد أن يكون هو أنثى، وصاحباه ذكرين، فيكون نصيب الخنثى خمسَ المال، فندفع إلى كل واحدٍ منهم الخمس، وذلك ستة وثلاثين سهماً، ويكون الباقي موقوفاً، وذلك اثنان وسبعون سهماً.
ثم ننظر بعد ذلك: فإن ظهر أمر الأكبر، وبان أنه ذكر، أعطي أقلَّ أحواله، وهو أن يكون صاحباه-أيضاً- ذكرين، فندفع إليه إلى تمام الثلث، وهو أربعة وعشرون سهماً.
وإن ظهر الأوسط ذكراً، فالأمر كذلك.
وإن ظهر أمرُ الثالث، دفع إليه مثلُ ذلك.
وإن بان أن الثالث أنثى، فقد استوفى حقه، ورُد الموقوف على الأكبر والأوسط نصفين، وإن ظهر أن الأوسط أنثى، وقد ظهر الأكبر ذكراً، أعطي الأوسط أقلَّ حاليه، وهو أن يكون الثالث ذكراً. فيستحق الأوسط خمس المال، وفي يده الخمس، فلا يدفع إليه مزيد.
وإن بان الثالث ذكراً، دفع إلى كل واحدٍ من الذكرين تمامُ خمسي المال، وهو ستة وثلاثون، ليكمل لكل واحد اثنان وسبعون.
وإن ظهر الأول ذكراً، والأوسط والأصغر أنثيين، دفع إلى كل أنثى تمام الربع، ضمّاً إلى الخمس، وهو تسعة، والباقي للذكر، وهو تمام النصف.
فإن ظهر الأكبر أنثى أوّلاً، لم يدفع إليها أكثر مما في يدها؛ لأنه يجوز أن يكون صاحباه ذكرين.
وإن ظهر بعد ذلك أن الأوسط أنثى أيضاً، دفع إليها أربعة، وإلى الأنثى الأولى أربعة؛ لاحتمال أن يكون الثالث أيضاً أنثى.
فإن ظهر بعد ذلك أن الثالث ذكرٌ، دفع إليه تمام التسعين، ودفع إلى كل واحدة من الأنثيين خمسة خمسة، ليتم لكل واحدةٍ خمسة وأربعون.
وعلى هذا فقس.
6518- وأما على قول أصحاب الأحوال، فإنك تُجري الحساب على النسق الذي تقدم، حتى ينتهي إلى المائة والثمانين، فإذا انتهيت إليها، فاضربها في عدد أحوال المسألة، وهي ثمانية، فيبلغ ألفاً وأربعمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
ثم نرجع، فنقول: كان لهم أربعة ثلاث مرات، فنضربها في خمسة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتبلغ خمسمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
وكان لهم خمسة ثلاث مرات فنضربها في أربعة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتكون أيضاً خمسمائة وأربعين، وكان لهم من التسعة ستة مضروبة في خمسة، ثم في أربعة مرة واحدة، فتبلغ مائة وعشرين، وكان لهم ثلاثة مرة واحدة، وهي داخلة في التسعة مداخلة الأثلاث، ومباينة الأربعة والخمسة، فنضرب الثلاثة في ثلاثة، ثم في أربعة، ثم في خمسة، فتبلغ مائة وثمانين. ثم نجمع ما حصل لهم في هذه الأحوال كلِّها، فتبلغ ألفاً وثلثمائة وثمانين، فهو ما يصيبهم من أجزاء المال.
وكان للعصبة من التسعة وحدها ثلاثة، فنضربها في أربعة، ثم في خمسة، فيكون له ستون سهماً، ثم إذا قسمت ما أصاب الخناثى، وهو ألف وثلثمائة وثمانون سهماً، أصاب كلَّ واحد منهم أربعمائة وستون.
وهذه الأنصباء كلها متفقة بنصف العشر، فيرد كلُّ واحدٍ منهم إلى نصف عشره، ونقطع الفريضة من نصف عشرها، فترجع الفريضة إلى اثنين وسبعين، فيرجع نصيب كل خنثى إلى ثلاثة وعشرين ويرجع نصيب العصبة إلى ثلاثة.
وعلى هذا فقس مسائل الخنثى، على هذين المذهبين.
6519- وكنا وعدنا ذكرَ شيء على مذهب الشافعي يتعلق بفقه مذهبه؛ وذلك أنا إذا صرفنا المستيقنَ إلى كل واحدٍ، ووقفنا مقداراً، ففي هذا الموقوف نوعان من الكلام:
أحدهما- أن نفرض المسألة فيه إذا اعترف الورثة بالإشكال، وفي ذلك إجراء مسائل الباب.
وما أطلقناه من لفظ التداعي على مذهب القائلين به تقديراً، وليس المعنيُّ به أن يدّعي الخنثى كونَه ذكراً؛ فإنه لو ادّعى ذلك، فسنذكر حكمه. وهو الفصل الثاني. وإنما تيك ألفاظٌ تقديرية على فرض أحوال.
6520- فإذا بان ذلك، فالمال الموقوف كيف السبيل فيه؟ وإلى متى الوقف؟ وفيه قطعُ الموقوف عمّن ينتفع به، وقطع المنتفع به عنه. ويجتمع فيه تعطيل المال وهلاكُه.
وهذا الآن يستدعي ذكرَ مسألة من النكاح ستأتي مشروحة، إن شاء الله عز وجل، وهي أن الكافر إذا أسلم على ثمان نسوة وأسلمن معه، ومات المسلم على مكانته، ولم يختر، فتعلق طرف من أحكام هذه المسألة بالميراث.
وقد قال الشافعي: يوقف بينهن ميراث زوجة، وهو الربع، أو الثمن، على ما تقتضيه الفريضة، فهذا مصيرٌ منه إلى الوقف، حيث لا يتوقع فيه بيان؛ فإن الفرض وقع فيه إذا أسلموا، ومات الزوج على فوره، وتحققنا انتفاء الاختيار منه.
وهذا يتطرق إليه نوعٌ من الاحتمال بسبب اطراد الإشكال ووقوع المسألة على صورة لا يتأتى أن يقال فيها: الوارثات أربعٌ منهن ملتبسات بأربع؛ فإن هذا إنما يجري عند تعين أربع في علم الله تعالى، مع التباسهن علينا، وليس الأمر كذلك.
وكان يليق بالقياس أن يقال: الربع والثمن الموقوف بينهن لا يعدوهن، وهن مستويات في علم الله تعالى، فليستوين في الحكم، وليقتسمن الموقوف بينهن على السوية فليكن ذلك حكماً مبتوتاً. وهذا يناقض الوقف.
وقد صار إلى هذا الذي ذكرناه صاحبُ التقريب، في جوابٍ له، وهو محتمل واقعٌ، والنص على مخالفته.
فإذا تبين هذا، عدنا إلى القول في الخنثى.
6521- إن مات الخنثى، وانقطع توقع البيان، فيجوز أن يلتحق ذلك بما ضربناه مثلاً في نكاح المشركات، وهذا بعينه هو الذي حكى الأستاذ أبو منصور فيه قولاً غريباً عن الشافعي في صدر باب الخناثى، ونسبه إلى نقل أبي ثور.
وإن كان الخنثى بعدُ حيّاً، فلا يأس من البيان، فإنّ العلامات وإن تعارضت، فقد ذكرنا أنا نرجع إلى الخنثى، وإلى إعرابه عن نفسه، فإذا كان البيان ممكناً، فلا يتجه إلا التوقف.
ثم إن الشافعي وأصحابَه قالوا في مواضع التوقف: لو اصطلح الذين وُقف المال بينهم، جاز ذلك؛ فإن الحق لا يعدوهم، وهذا لم يختلف فيه الأصحاب.
وينشأ منه إشكال؛ من جهة أن المصطلحين لا يتواهبون، ولا يتهادَوْن، ولو فرض منهم تواهب، لكان مبناه على جهالة من الملك، وكل ذلك مشكل.
6522- والذي يقتضيه الفقه عندي أنهم إذا اصطلحوا، فلابد وأن يتهادَوْا ويتواهبوا؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، بقي ما في يد كل واحد على حكم الوقف وصورتِه.
فإن قيل: إذا تواهبوا، فصَدَرُ ذلك عن جهالة؟ قلنا: نعم. الأمر كذلك، ولكن الجهالة محتملة عند الضرورة، وإفضاءِ الأمر إلى التعطيل.
وعلى هذا بنى الشرعُ عدمَ اشتراط الاطّلاع على ما يعسر الاطلاع عليه في المبيع، مع أنا نشترط أكمل الإعلام فيه، وكلياتُ الشريعة دالّةٌ على أن الأحكام لا تبقى مشكلة، لا فيصل فيها، فكان الصلح فَصْلاً للإشكال الواقع.
وإذا لم يكن صلحٌ، فالوقف إلى انتظار البيان غيرُ بعيد، وإن لم يكن انتظار بيان، فهذا الذي أشرت إليه في نكاح المشركات، وفيما يناظره في هذا الباب.
6523- ثم يخرج من مجموع ما ذكرناه: أنهم إذا اصطلحوا على استواءٍ وتفاوتٍ، فلا حجر؛ فالمال مالهم، والحق حقهم، وقد ذكرتُ أنه لابد من التواهب، ويخرج منه أن واحداً منهم لو أخرج نفسه من البَيْن، وسمح بحقه على أصحابه، فلا بأس بذلك؛ بناء على ما تمهد، ولابد للمخرج نفسَه من الهبة، كما قدمناه. وليس كالواحد من الغانمين يُعرض عن حقه من المغنم؛ فإن تعلّقه ينقطع بذلك؛ من جهة أنه لا يثبت للغانم ملكٌ محقق؛ فيسقط حقه بالإعراض، والملك ثابت في الموقوف تحقيقاً، والمالك مشكلٌ.
فهذا بقية هذا الفصل.
6524- فأما
الفصل الثاني
فمقصوده أن الخنثى في أثناء الأمر لو قال: تبيّن لي أنني رجل، فقد أوضحنا أن الرجوعَ إلى قوله، عند تعارض العلامات، فيجب القضاء بموجب قوله في المواريث، حتى نقضي له بميراث ذكر، وإن كان يؤدي هذا إلى حرمان العصبات.
فإن قيل: "إنه متهم فيما يذكره"، فلا معول على التهمة إذا كان يخبر عن نفسه، فيما لا يُطّلع عليه إلا من جهته. وإذا كنا نقبل قولَه مع تعارض العلامات، ولا يقدح تعارضها في قبول قوله، فلا نجعل للتهمة موضعاً.
وكيف يبعد هذا، وقد قال الشافعي: إذا استلحق الإنسان نسب منبوذٍ بعد موته وتخليفه المالَ الجمَّ، قُبل استلحاقُه ويورَّث منه.
وقال في الزوج: إذا لاعن، ونفى نسب مولودٍ، وهو إذ ذاك فقير، ثم تجمعت له أموالٌ، ومات: فإذا أكذبَ الزوجُ نفسه، واستلحقه، لحقه، وهو يرثه.
وخالف مالك في هذا، لمكان ظهور التهمة.
وابن العَشر إذا زعم أنه بلغ بالحُلُم، صُدّق، وانقطعت عنه سَلْطنةُ الولي.
والسبب في ذلك كلِّه أنه لا مُطَّلع على هذه الصفات إلا من جهة المعربين عن أنفسهم فيها؛ فيتعين تصديقُهم.
ثم قال الأئمة: إذا ادّعى ابنُ العشر البلوغ، لم يُحَلّف؛ إذ في تحليفه ما يؤدي إلى الدَّوْر الحكمي؛ إذ الغرض من التحليف جلب غلبة الظن في صدق المحلَّف وإحلاله محلَّ التهمة، فيما هو مختلفٌ فيه. فإن كان المحلَّف على البلوغ طفلاً، فلا معنى لتحليفه، وإن كان بالغاً، فلا حاجة إلى تحليفه.
وقد قدمنا ذكرَ هذا في كتاب الحجر عند ذكرنا أسباب البلوغ.
فاذا أعرب الخنثى عن نفسه، وزعم أنه ذكر، فقد ذكرنا أن القول قولُه، ولكنه يحلَّف؛ إذ لا يمنع من تحليفه مانع، ويتعلق بتصديقه قطعُ استحقاقٍ، وإثبات استحقاق، يتعلق بحقوق الآدميين.
فهذا تمام البيان. ومضمون الباب.