فصل: باب:: في قضاء الصلاة والصوم على قول الاحتياط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



. باب:: في قضاء الصلاة والصوم على قول الاحتياط:

545- المتحيرة التي لا تذكر شيئاً إذا لزمها قضاء يوم، أو نذرت صومَ يومٍ، فأرادت الخروج عما عليها، فقد قال الشافعي: "تصوم يومين بينهما خسمةَ عشر يوماًً". وأجمع أئمتنا أنه حَسَبَ صومَ اليوم الأول من الخمسة عشرَ التي ذكرناها، فإنها لو صامت يوماًً وأفطرت خمسة عشرَ يوماً، ثم صامت يوماًً آخر، فيحتمل أن اليوم الأول وقع في آخر حيض، ثم طهرت خمسة عشر، ثم يقع اليوم الثاني في ابتداء حيض جديد، فيكون اليومان واقعين في الحيض، وإذا صامت يوماًً وأفطرت أربعة عشر يوماً، وصامت يوماًً آخر، فإن وقع اليوم الأول في الحيض يقع الثاني في الطهر، وإن وقع الثاني في الحيض، يقع الأول في الطهر.
546- واستدرك أبو زيد وجهاً في الإمكان، وهو أن يبتدىء الحيض في النصف الأخير من اليوم الأول، ويمتد إلى النصف السادس عشر، فيفسد اليومان في هذا التقدير.
والذي نُقل عن الشافعي لا يتجه إلا مع تصوير انطباق الحيض على أول النهار وآخره ابتداء وانقطاعاً، وهذا ليس مما يغلب حتى يقال: الحملُ عليه بناء على الغالب، وتصوير الابتداء والانقطاع في أنصاف النهار في حكم النادر، وقد مضى نظير ذلك في أداء رمضان وقضائه.
فليقع التفريع على مذهب أبي زيد. فقال الأئمة: إذا أرادت الخروج عما عليها بيقين، فلتصم يوماًً وتفطر يوماً، ثم تصوم الثالث، أو يوماًً آخر إلى آخر الخامس عشر، ثم تفطر السادس عشر، وتصوم السابع عشر، فتخرج عما عليها بيقين، إذا صامت ثلاثة أيام على هذا الترتيب.
فإن قُدِّر ابتداءُ الحيض من نصف اليوم الأول، فينقطع في السادس عشر، ويقع السابع عشر في الطهر وإن انقطع الدم في اليوم الأول، فاليوم الثالث يقع في طهر، وإن فرضنا انقطاع الدم في اليوم الثالث فيقع السابع عشر في الطهر، لا محالة.
وهذا بيّنٌ.
ولو صامت يوماًً، وأفطرت يوماًً، وصامت يوماًً، ثم صامت الثامن عشر، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز أن ينقطع الحيض في اليوم الثالث، ثم يبتدىء الحيض في الثامن عشر، فيقع الجميع في الحيض.
ولو صامت يوماًً وأفطرت يومين، وصامت اليوم الرابع، ثم صامت الثامن عشر، فتخرج عما عليها؛ فإنه إذا قدّر انقطاع الدم في اليوم الرابع، فيقع الثامن عشر في الطهر لا محالة.
ولو صامت بدل الرابع يوماًً آخر إلى آخر الخامس عشر، جاز.
547- والضابط في ذلك أنا نقدر شهراً ثلاثين يوماًً، ونتخيله شطرين: خمسةَ عشر، وخمسةَ عشرَ، فلابد من صيام ثلاثة أيام، فإن صامت اليوم الأول من الخمسةَ عشرَ الأولى، ثم صامت اليوم الثالث، فبين اليومين في أول النصف الأول يوم فطر، فليقع اليوم الثالث بعد يوم من النصف الثاني، وهو السابع عشر؛ نظراً إلى الفطر المتخلل بين اليومين في النصف الأول، ولو وقع اليوم الثاني في اليوم الرابع، فبين اليومين يومان، فيجوز أن يقع اليوم الثالث بعد يومين من النصف الثاني، وهو الثامن عشر، وإن وقع اليوم الثاني في الخامس عشر، فبين اليومين ثلاثة عشر، فيجوز أن يقع اليوم الثالث في التاسع والعشرين، وحيث يجوز أن تصوم الثامن عشر، فلا شك في جواز السابع عشر، وكذلك حيث يجوز التاسع والعشرون، يجوز السابع والعشرون، لا محالة. وما ذكرناه حساب لا يخفى على متأمل.
وكل ما ذكرناه مَبني على الأخذ بأكثر الحيض، فإن رأينا الأخذ بأغلب الحيض، فيكفي أن تصوم يوماًً، وتفطر سبعة أيام، وتصوم يوماًً آخر؛ فإن عودَ الحيض لا يقدّر على هذا الحساب؛ إذ الحيض إذا انقطع لا يعود إلا بعد خمسة عشر يوماًً.
ولكن هذا وإن كان ظاهراً منقاساً، فإنحن نتبع الأئمة، ونفرعّ في الاحتياط على تقدير الحيض بالأكثر؛ إذ اقتضى الاحتياط ذلك.
ولا نعود إلى حساب الأغلب، ففيما ذكرناه من التنبيه كفاية. وقد كرّرناه في مواضع، ونحن نبغي الاطلاع عليها، فهذا بيان قضاء يوم واحد.
548- فإن لزمها قضاء يومين، وأرادت إيقاعهما في شهر واحد، فتصوم ستة أيام: تصوم ثلاثة في أول النصف الأول، وثلاثة في أول النصف الثاني، وهي السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر، فتخرج عما عليها؛ فإنه إن انقطع الحيض في آخر اليوم الثالث، فلا يعود في السادس عشر والسابع عشر، وكيفما قُدِّر فيسلم يومان من الحيض.
549- فلو كانت تقضي ثلاثة أيام، فتُضاعِف الثلاثةَ وتزيد يومين، فتصوم أربعة أيام متوالية من أول الثلاثين، وأربعة من أول السادس عشر على الوِلاء، فتخرج عما عليها.
وإن كانت تقضي أربعة، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتصوم عشرة أيام: خمسةً من أول الثلاثين، وخمسةً من السادس عشر.
وإن كانت تقضي خمسة، فنضعّفها ونزيد يومين، فتصوم على هذا الترتيب اثني عشر يوماًً.
وإن أرادت أن تقضي عشرة أيام، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتصوم أحد عشر من أول النصف، وأحد عشر من السادس عشر على الوِلاء.
ولو كانت تقضي أربعة عشر يوماًً، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتحتاج إلى استيعاب الشهر بالصيام، فتخرج بصوم شهر عما عليها من صوم أربعةَ عشرَ يوماً، وإن كان عليها خمسةَ عشرَ يوماًً تؤدي بصوم الشهر منها أربعة عشر يوماًً، ثم تقضي يوماًً في شهرٍ ثانٍ، كما رسمنا قضاء اليوم الواحد.
ولم نبسط القول في تخريج كل صورة لوضوح الأمر.
وإذا كان الكلام يدور على احتمال الانقطاع والعَوْد، فإذا فُرض الانقطاع، فلا يفرض العَوْد إلا بعد خمسةَ عشرَ يوماًً، فلا يكاد يخفى تخريج ما ذكرناه بترديد هذه الاحتمالات والأخذ بالمستيقن.
فهذا منتهى المراد في قضاء الصيام.
قضاء الصلاة
550- فأما إذا فاتتها صلاة، فأرادت قضاءها والخروجَ عنها بيقين، فليقع التفريع على طريقة أبي زيد؛ فإن طريقة الشافعي في ظاهر النص لا تكاد تخفى، ولعلنا نذكر نصاً للشافعي في طواف المتحيرة، وفيه كفاية في محاولة نقل طريقه.
551- فنقول على مذهب أبي زيد: قضاء الصلاة يجري على قياس قضاء الصوم قطعاًً، وإنما يفترق الباب في أن الصوم زمانه ساعات يوم، والصلاة زمانها الساعات التي تسعها، فحق المفرّع أن يُجري في الساعة التي تسع الصلاة ما أجراه في يوم، في حكم الصوم. فإذا أرادت أن تقضي صلاة، فإنها تقضيها، ثم تصبر ساعة تسع مثل الصلاة التي قضتها، ثم تصلي تلك الصلاة على تلك النية مرة أخرى، ثم إذا انقضى خمسة عشر يوماًً من أول الصلاة الأولى، ومضى من أول السادس عشر ما يسع الصلاة على الجهة التي تقدمت، فتقضي تلك الصلاة مرة ثالثة، فتخرج عما عليها، وتكون ساعات الصلوات بمثابة الأيام الثلاثة، وهي تريد قضاء صوم يوم.
ثم يخرج فيه ما ذكرناه في الصوم من التصرف، فلو أنها صلت مرة، ثم أوقعت الصلاة الثانية في أول اليوم الثاني، وخللت بينهما يوماً، فإنها توقع الصلاة الثالثة بعد مضي ساعة من أول السادسَ عشرَ، ولها أن توقعها في مقدار يوم من أول السادس عشر؛ فإنها فرقت بين الصلاتين في الأول بهذا المقدار. ولو صلت مرة، ثم أوقعت الصلاة الثانية في آخر اليوم العاشر، فقد خلّلت بين الصلاتين مقدار عشرة أيام، فإذا أرادت أن تصلي مرّةً ثالثة كما أمرناها، فليمض من أول السادس عشر ما يسع الصلاة، ثم يتسع عليها وقت الصلاة الثالثة إلى آخر الخامس والعشرين، فتكون مهلتها بمقدار تفريقها ما بين الصلاتين أولاً، وقد ذكرنا نظير هذا في الصيام.
وبالجملة لا فرق بين البابين، إلا فيما ذكرناه من أن الصوم يتسوعب اليوم، بخلاف الصلاة، فيحتبر وقت إقامة الصلاة باليوم كلّه في القياس، واعتبار الاحتياط في التقديم والتأخير.
552- ولو كانت تريد أن تقضي صلواتٍ كثيرة فاتتها، فالذي ذكره الأئمة أنها تقضيها أولاً، ثم تصبر حتى تمضي أوقاتٌ مثلُ الأوقات التي وصفتُها، ثم تقضيها جميعاً مرة أخرى إلى آخر الخامس عشر، ثم تصبر حتى يمضي من أول السادس عشر مثل تلك الأوقات، ثم تقضيها مرة أخرى، فتخرج عما عليها، فتكون الصلوات مع اعتبار الوقت الذي يسعها بمثابة صلاة واحدة.
والذي ذكره الأئمة صحيح في أنها تخرج عما عليها قطعاًً، إذا فعلت ما ذكروه.
ولكن يتأتى الخروج عن عهدة ما عليها مع تخفيف في أعداد الصلاة، والسبب الكلِّي في هذا أن الإشكال إنما ينشأ من تبعّض انقطاع الدم وعوده، فقد يُفرض وقوعُ الحيض في آخر عبادة، ثم يعود في جزء من التي تعاد في السادس عشر، فيفسدان، فمست الحاجة إلى ما رسمه الأئمة في الصلاة الواحدة، من إعادة صلاةٍ ثلاثَ مراتٍ مع رعاية التفريق بين الصلاتين الأوليين وتخيّله أول السادس عشر بمقدارٍ، فأما إذا كانت تقضي صلوات وِلاءً، فإن ورد الحيض على طرفٍ في الأول أو الآخر، فإنما تبطل صلاة واحدة؛ فإن التي لابستها عبادات متميزة، فلا ينسحب توقع الفساد على جميعها بفرض ورود الحيض على طرفٍ في الأول أو الآخر.
553- فإذا تقرر هذا، عدنا إلى التفصيل، فنقول: هذه لا تخلو إما إن كانت تقضي صلواتٍ متجانسةً أو مختلفةً، فإن كانت متجانسة مثل إن كانت فاتتها مائة ظهر، فالوجه أن يضعّف عددُ الصلاة، فتصير مائتي صلاة، ويُضمّ إلى المجموع صلاتين، ثم تقسم الجملة نصفين، فتصلي مائة، وصلاة في أول يوم، ونفرض كأن المائة تقع في أربع ساعات من أول طلوع الشمس، وتقع الصلاة الزائدة على المائة في الساعة الخامسة، ثم إذا مضى خمسة عشرَ يوماًً محسوبة من أول طلوع الشمس، تصلي مائة صلاةٍ وصلاةً، على الترتيب المتقدم، فتخرج عما عليها يقيناً.
وقد انحطّ عنها عددٌ من الصلاة، وبيان ذلك أن الذي يفرض طرآنه في هذه الصورة ابتداء الحيض، وانقطاع الحيض، ونحن الآن نفرض التقديرين، فإذا ابتدأ الحيض في نصف الصلاة الأولى، فقد فسد ما أتت به في هذه الخمسةَ عشرَ، ولكن ينقطع في نصف الصلاة الأولى الواقعة في أول السادس عشر، فتفسد هذه أيضاًً، ولكن يصح بعد ذلك مائة صلاة، وكيفما قُدّر طرآن الحيض، فما يفسد من طرف يصح من طرف، وتسلم مائة لا محالة، إذا زدنا صلاتين على الضعف، كما ذكرناه.
ولو قيل يطرأ الحيض في اليوم الأول في الصلاة الموفية مائة، فقد صح ما قبلها تسع وتسعون، والحيض ينقطع في مثل ذلك من السادس عشر، فتصح الصلاة الزائدة على المائة، وتكمل بها المائة.
فهذا تقدير طريان الحيض.
554- وإن قدرنا الانقطاع، فنقول: لعل الحيض انقطع في الصلاة الزائدة على المائة في اليوم الأول، ففسدت الصلوات كلها لوقوعها في الحيض، ولكن الطهر يمتدّ في أول السادس عشر، بحيث يسع مائة صلاة ونصف صلاة، فتكمل المائة.
وإن انقطع في الصلاة الموفية مائة من اليوم الأول، فتصح الصلاة الزائدة، ويصح من السادس عشر تسع وتسعون، فإن عاد الحيض، لم يضر، وقد كملت المائة بما يصح في السادس عشر، وبالصلاة الزائدة على المائة في اليوم الأول، ولا حاجة-مع ما ذكرناه من التصوير- إلى تأخير الصلوات في السادس عشر بمقدارٍ من أول النهار.
هذا كله، إذا كانت الصلوات كلها من جنسٍ واحد.
555- ثم كل صلاة من هذه الصلوات التي ذكرناها تَقدّمَ عليها غُسلٌ، فإن اضطرب فكر الناظر في ذلك، من حيث إن الأغسال تقع في أزمنةٍ، فلا مبالاة بهذا؛ فإنه لا ضبط للأزمنة التي تصلي فيها، والناس يختلفون في الحركات والسكنات إبطاء وإسراعاً، فلتعدَّ أزمنةُ الاغتسال كأنها من أزمنة الصلوات.
ولكن الذي يجب أن يراعى أن تكون الأزمنة في الأول إذا جمعت، كالأزمنة في السادس عشر، فلو لو تكن كذلك، لفسد النظام، ولأمكن أن يقع ما يزيد على مثل مقدار الساعات الأولى في حيضٍ جديد من السادس عشر.
هذا إذا كانت الصلوات من جنس واحد.
556- فأما إن كانت الصلوات التي تقضيها من أجناس مختلفة: مثل أن يلزمها قضاء الصلوات لعشرين يوماًً، فهي مائة صلاة من خمسة أجناس من كل جنس عشرون، فهذه الصورة فيها إشكال؛ من جهة أنه إن قدّر فساد صلاة بانقطاع الحيض، وصلاة بابتداء الحيض، فلا يُدرى أن ذلك التقدير في أي جنس يتفق من الأجناس الخمسة، فما من جنس إلا وقد يُفرض بطلان صلاتين منه، كما سنبسط وجوه التقدير، ثم لا يقع هذا إلا في جنس واحد، ولكنه لا يتعين لنا، وتعيين النية شرطٌ في الصلاة، فيخرج من التقدير إيجابُ عشر صلوات سوى عدد التضعيف، صلاتان من كل جنس.
ثم الذي يجري إليه الفكر في تصوير ذلك ما نذكره. فنقول: تصلي في أول يوم تقدّره مائة صلاة، عشرين عشرين، ولتجر مثل على ترتيب الأجناس، فتبدأ بالصبح عشرين، ثم كذلك إلى العشاء، ثم تصلي في الخمسة عشرَ عشْرَ صلوات، كل صلاتين من جنس، ثم إذا دخل الساس عشر، لم تصل حتى تمضي ساعةٌ تسع صلاة، ثم تعيد مائة صلاة من الأجناس على الترتيب المتقدم، فتخرج عما عليها.
ولا بد من بسط في ترديد الاحتمالات.
فإن طرأ الحيض على الصلاة الأولى في اليوم الأول، فتقع الصلوات المائة والعشرُ الزائدة في الحيض، ولكن ينقطع الحيض في الساعة الأولى من السادس عشر، وتقع المائة التامّة بعدها في الطهر. وإن فرضنا انقطاع الدم في الصلاة الأولى، فتفسد تلك، ويصح ما بعدها، وتستدرك تلك العشرة، أي الفاسدة في الخمسة عشر، وإن فرضنا الانقطاع في الصلاة الثالثة، فيصح ما بعدها، ويفسدُ ثلاثٌ من صلوات الصبح، ثم يبتدىء الحيض بعد مُضى ساعتين ونصف من أول السادس عشر، وقد مضت صلاة في الساعة الثالثة أو في الثانية صحيحة، وفي العشر صبحان صحيحان، فقد حصل استدراك الثلاث التي بطلت من الأول، وإن انقطع الحيض في الصلاة الرابعة مثلاً، فقد بطلت أربع صلوات، ثم سيعود الحيض بعد ثلاث ساعات ونصف من السادس عشر، وقد وقعت صلاة في الساعة الثانية، وأخرى في الثالثة، وانجبرت صلاتان من الأربع الفاسدة، وفي العشر اثنتان.
وعلى هذا التدريج تجري التقديرات كلها.
557- فإن قيل: أي فائدة في تعرية الساعة الأولى من السادس عشر؟ قلنا: لو صلت في الأول من السادس عشر وقد قضت الصلوات العشرَ في الخمسةَ عشرَ، فنفرض في هذه الصورة ابتداء الحيض في نصف الصلاة الأولى من اليوم الأول، ثم يمتدّ إلى نصف الصلاة الأولى من أول السادس عشر، فتقع الصلوات الخمسةَ عشرَ، ومن جملتها الصلوات العشر في الحيض، وتفسد صلاة مما يقع في السادس عشر، فتستفيد بفرض تأخير ساعةٍ إسقاطَ هذا الاحتمال، وهذا فيما نظنه أقرب الطرق.
558- ولست أُبعد أن ينقدح لذي خاطر مسلكٌ أقرب من ذلك، والرأي في أمثال ذلك مشترك، وما ذكرناه ليس استدراكاً فقهياً على من تقدم، ولكنهم مهدوا الأصول، ولم ينعموا النظر فيما يتعلّق بالاحتمالات الحسابية، ووكلوا استيفاءها إلى الناظرين، ولا حرج على الناظر في كتابنا أن يزيد طرقاً سديدة ويُلحقها بالكتاب. والله أعلم.

.باب: في أحكام متفرقة في الاحتياط:

559- قد ذكرنا تفريع الاحتياط في الأصول وفي هذا الباب نجري أحكاماً متفرقة، وتشتمل على ضبط جامع في قواعد الاحتياط.
560- فنقول: الوطء محرَّم منها أبداً على قول الاحتياط، لإمكان الحيض في كل وقت.
وإذا طلقها زوجها، فالذي صار إليه جماهير الأئمة أنا لا نحمل أمرها على حال من يتباعد حيضها، حتى نقول: تصبر إلى سن اليأس في قولٍ صحيح، ثم تعتد بثلاثة أشهر، بل نحكم بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر من وقت الطلاق؛ فإنا لو حملناها على التي يتباعد حيضُها، لعظم المشقة، وطال العناء باحتمالٍ مجردٍ يخالف غالب الظن.
وأما إقامتها وظائفَ الصلاة في الأوقات، فليست من المشقات؛ فإن معظم الخلق لا يتركون الصلاة، وقضاءُ الصوم قاعدةُ الشريعة، فلا يبقى إلا قضاء الصلوات على رأي بعض العلماء، والأمر بأداء الصوم مع القضاء، والغُسل بدلاً عن الوضوء الذي تكرره المستحاضة، وهذا قريب.
فأما تكليفُها أن تبقى أيّماً دهرها باحتمالٍ، فشديدٌ جداًً.
561- وقد ذكر صاحب التقريب وجهاً: أن أمرها محمولٌ على تباعد الحيض في العدّة، وهذا-وإن كان منقاساً- بعيدٌ في المذهب.
562- وهي في دخول المسجد كالحائض أبداً.
563- وأما قراءة القرآن، فقد ذكرنا قولاً بعيداً، أن الحائض تقرأ القرآن، وهو على بعده يتجه في المتحيرة؛ فإنه لا نهاية لعذرها.
والذي ينقدح لي فيها أنها تقرأ في الصلاة ما شاءت؛ فإنها مأمورة بالصلاة، ولا تصح الصلاة من غير قراءة.
ومن منع الحائض من قراءة القرآن، فقد ينقدح على طريقه أنها تقتصر على قراءة الفاتحة في الصلاة؛ فإن الضرورة تتحقق في هذا القدر دون غيره.
والظاهر عندي أنها تتنفل بلا حَظْرٍ ولا حجر، كما يتنفل المتيمم، وإن كان التيمم طهارةَ ضرورةٍ.
ويُحتمل أن تُمنع من النافلة لاحتمال الحيض، كما تمنع من قراءة القرآن في غير الصلاة.
والتيمم وإن كان لا يرفع الحدث، فهو على الجملة يؤثر في رفع منعه. والصلاة تحرم في الحيض، كما تجب في الطهر، فهذه احتمالات متعارضات، لا نَقْلَ عندنا في معظمها، ونصّ أصحابنا في الطرق على أنها تتنفل، كما تتنفل المستحاضات في زمان الاستحاضة.
وما ذكرتُه احتمال ظاهر، وإن لم أنقله، اعتباراً بقراءة القرآن.
وإذا جوزنا للحائض قراءة القرآن لكيلا تنسى، فيظهر أن تُمنع من القراءة، لا لهذا الغرض: مثل أنها كانت تكرر سورة الفاتحة، أو الإخلاص، على ما يعتاد بعضُ الناس ذلك.
وقد يقول قائل: إذا جاز لها قراءة سورة، جاز قراءة كل سورة، والعلم عند الله.
564- ومما يتعلق بما نحن فيه أنا وإن بالغنا في التشديد عليها، فلا نُطرِّق إليها احتمالات التلفيق حتى نقول: هي ممن تحيض يوماًً وتطهر يوماًً.
ونحن نقول: في قولٍ النقاء بين الدمين طهر. فلو فرّع مفرع على هذا القول، وحمل أمرَها على هذا، لم يجز أصلاًً؛ فإنها مع الجهل بابتداء الدور لا تستقرّ مع احتمال التلفيق على رأي واحتياطٍ قط. ولا يتصور منها معه تدارك شيءٍ لأجل الاحتياط. وكل ما لو قدّر، انسدّ به كل باب، فلا معنى لتقديره وبناء الأمر عليه. فكذلك إذا أمرناها بالاغتسال لاحتمال انقطاع الحيض، فمن الممكن أن ينقطع حيضها في خلال الاغتسال، وهذا لو تحقق، لوجب عليها استئناف الغسل، ولكن لا معنى للأمر بهذا الاحتياط؛ فإنها لو استأنفت الغسل، لأمكن ما ذكرناه في الغسل الثاني، وهذا أمرٌ لا ينقطع، ويؤدي إلى التسلسل؛ فليقطع هذا الفن من ابتداء الأمر.
565- ونحن الآن نحرر مراتب في الاحتياط والتخفيف، ونستتم ما مضى، ونشير إلى مواقف الخلاف والوفاق.
فأما احتياطٌ لا مَردّ فيه، ولا انقطاع له، ولا خلاص منه، فليس مرعياً وفاقاًً، كما ذكرناه في التلفيق، وتقدير الانقطاع في الغسل، أو بعد الفراغ منه.
وأما رد المتحيرة إلى المبتدأة بأن يُقدّر ابتداء دورها من الأهلة، ففيه قول بعيد، ولكنه في نهاية الضعف كما سبق.
وأما وجوه الاحتياط التي لا تتسلسل، فقد ذكرناها على القول الصحيح، وظهر لنا أن الشافعي ليس يبني الأمر على غوامض الاحتمال، ولهذا لم يوجب قضاء الصلوات مع أدائها، وظاهر القياس المذهبُ المعزيّ إلى أبي زيد.
ولكن عنّ لنا في تفاصيل التفريع أن نعتبر أدوار المبتدأة، وإن لم نعتبر ابتداء الدور، حتي نراعي أغلب الحيض والطهر في بعض مجاري الكلام، وقد تقرر هذا مفصلاً.
فهذا منتهى القول في وجوه الاحتياط، والتنبيه على مواقع الخلاف والوفاق في النفي والإثبات.
وأما العدة والحملُ على تباعد الحيض على ما سبق، فاتفاق معظم الأصحاب فيه محمول عندي على تقريب أمرها من أدوار المبتدأة، في عدد الحيض والطهر، فليفهم الفاهم ما نلقيه إليه مستعيناً بالله، ونعم المعين.
فرع:
566- ذكر ابن الحداد فرعاً في طواف المتحيرة، وفيه عثراتٌ وسهوٌ كثير، وقد نبهنا على أمثالها في غير هذا الفرع، فلست أرى التطويل بإعادتها.
ولكن أذكر المسلك الحقَّ، وما يُخرجها عن الطواف بيقين على قياس أبي زيد.
فأقول: نتكلم في الطواف، ثم فيما يتعلق بالطهارة لأجله، فالمتحيرة في النُّسك إذا أرادت أن تطوف، فالطواف ينافيه الحيض؛ إذ الطهارة مشروطة فيه، ولابد من الإتيان بطواف لا يقع في الحيض.
فالقول الوجيز فيه أنا نحسب طوافها وركعتي الطواف كصلاة تقضيها، وإذا أرادت قضاء صلاة واحدة، فقد ذكرنا أنها تصليها ثلاث مرات، وبيّنا أوقاتها، فنُجري طوافها مع ركعتي الطواف على ذلك الترتيب، فتطوف وتصلي، ثم تترك الطواف حتى يمضي من الزمان ما يسع مثل ما تقدم من أفعالها. ثم تطوف وتصلي بعد مضي هذا الزمان، فإذا مضت خمسة عشر يوماًً من أول اشتغالها بالطواف الأول، فتصبر حتى يمضي من أول السادسَ عشر مثلُ الزمان الذي وسع فعلها الأول، ثم تطوف وتصلي مرة ثالثة.
ولست أستقصي أطراف القول؛ فإنه بمثابة ما تقدم من قضاء صلاة من غير تباين، ثم تغتسل لكل طوافٍ، في كل كرّة. وأما ركعتا الطواف، فلا تغتسل لهما؛ فإن الطواف إن وقع في حيضٍ، فالركعتان لا يعتد بهما؛ فإن شرط صحتهما صحة الطواف قبلهما، وإن فرضنا وقوع الطواف في بقية الطهر وابتداء الحيض حالة الاشتغال بالركعتين، فإذا اتفق ذلك في كرَّةٍ، فلابد وأن يقع طواف وركعتان في كرةٍ أخرى من الكرات في طهر، فيقع الاكتفاء بذلك، فإذاً لا يجب تجديد الغسل قطعاً للركعتين في كرَّةٍ من الكرات.
ولكن هل تتوضأ للركعتين، وقد اغتسلت للطواف؟ هذا يخرَّج على أن الركعتين سنة، أم فريضة؟ إن حكمنا بأنهما سنة، فلا تتوضأ؛ فإن للمستحاضة أن تؤديَ فريضةً، وما شاءت من النوافل بوضوء واحد، وإن حكمنا بأن الصلاة فريضة، فهذا يخرّج على خلافٍ متقدّم في التيمم، في أن الصلاة كجزء من الطواف، أو نقدرُها كفرض مبتدأ منقطع عن الطواف، وقد فرّعْنا حكم تجديد التيمم على هذين الطريقين، فإن عددنا ركعتي الطواف كشوطٍ من أشواط الطواف، فلا تتوضأ لهما، وتكتفي بالغسل للطواف، كما لا تتوضأ لكل شوط من الطواف وإن رأينا الركعتين فرضاً مبتدأً بعد الطواف، فلا تغتسل لهما، ولكن تتوضأ.
وذكر الشيخ أبو علي مسألة الطواف في شرح الفروع، وذكر النص، وطريقةَ أبي زيد، وهفواتِ الأصحاب وأطال نَفَسَه، فإنه لم يذكر في احتياط المتحيرة غيرها، فاقتضى الشرحُ جمعَ أقوال الأصحاب.
ونحن لما ذكرنا جميعَ الطرق في الأبواب المتقدمة، رأينا الاقتصارَ في هذا على المسلك الحق في درك اليقين، والذي جددنا العهدَ به القولُ في حكم ركعتي الطواف في أمر الطهارة فحسب، وإلا فالترتيب فيه كالترتيب في قضاء صلاةٍ واحدةٍ، حرفاً حرفاً.