فصل: فصل: في الوصية بجذور الأموال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: في الوصية بجذور الأموال:

6814- الجذور عبارةٌ استعملها الحُسَّاب، فقد ذكرنا مرادَهم بها، و هي تنزل في الحساب منزلةَ الألفاظ الاصطلاحية بين كل فريق، فإن أطلقه حاسب، وتحققنا أنه أراد به مذهب الحُسَّاب، أو صرح بأني أردت ذلك، فهذا مما يتعين التأمل فيه، فإذا قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، لاح أنه أراد به المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه، ردّ المال على قياس تضعيف الضرب. وإن كان ماله دراهم أو دنانير، وقد تبين أنه أراد التعرض لزنتها، ولتعدد الدراهم أو الدنانير في الموازين، فلا إشكال مع ظهور الغرض.
6815- ويبقى وراء ذلك النظرُ في كَوْن المبلغ ذا جِذرٍ مُنطق، وهو الذي يسمى المجذور، وفي كونه أصمَّ، وهو الذي ليس له جذر منطق، فإن كان مجذوراً، فالوصية-مع التقييدات التي ذكرناها- محمولةٌ على المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه رَدّ المال.
وإن كان المال أصم كالعشرة، وما في معناها، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر مالي وأراد مذهب الحسّاب، فلا ينبغي أن يصير صائرٌ إلى إبطال الوصية ذهاباً إلى أن المال غيرُ مجذور به لا جذر المال المجلف؛ فإن لكل مبلغ جذراً، وإن كان يعسر النطق به، وجذر الأشكال الصُّمّ يبين بالهندسة وبراهينها، فأصل الجذر لا يُنكر وإنما العسر في النطق بمقداره، فيجب حمل الوصية على الصحة؛ بناء على ما ذكرناه من أن الوصية إذا ترددت بين الصحة والفساد، فهي محمولة على الصحة.
هذا حيث يتقابل وجهُ الصحة ووجه الفساد، كما ذكرناه في الوصية بالطبل.
6816- فأما الجذر فليس من هذا القبيل؛ فإن المبالغ في التحقيق كلها مجذور، وإنما تنقسم في كونها صُمَّاً، أو منطقة، فإذا وجب حملُ وصيةٍ على جذرٍ أصم، أو صرح الموصي بذلك، فالمقدار المستيقن الذي يتأتى النطق به ثابت لا شك فيه، وهذا كالثلاثة والموصى به جذر العشرة؛ فإنها ثابتة لا مراء في ثبوتها، وكذلك يَثبت الكسر المستيقن بعد الثلاثة.
والوجه في ذلك مراجعةُ حسوب؛ حتى يذكر على أقصى الإمكان في التقريب مبلغاً، إذا ضرب في نفسه رد العشرة، إلا مقداراً نزراً، فإذا قل ما بقي من الكسور فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة، حتى إذا بقي من الكسور عُشر درهم، فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة.
هكذا تقع جذور الكسور.
وإذا قربنا جهدنا، لم نُبقِ إلا مقداراً لا ينضبط، ولا ينفصل الأمر فيه إلا بالتراضي والاصطلاح.
والقول فيه كالقول في الوصية بمالٍ في مذهب الفقه؛ فإنه منزل على أقل ما يتموّل، وقد ذكرنا ذلك في الأقارير، وأوضحنا فيما يتمول وما لا يتمول ما فيه مقنع.
هذا كله إذا كان المالُ ذا عددٍ في الوزن أو الكيل يقدّر مجذوراً أو أصم.
6817- فأما إذا أوصى بجذر ماله، وكان ماله مشكَّلاً بتشكل هندسي بأن كان براحاً، من أرضٍ. ولاح أنه قصد بالجذر الجذرَ الهندسي، فاستخراج الجذر بالمساحة ممكن مبرهنٌ، ولا يبقى منه شيءٌ مشكل، ولا معنى للخوض فيه.
و إذا كان ماله عبداً أو جوهرةً، فإذا قال: أوصيت بجذر مالي، فلا ينقدح إلا تنزيل وصيته على جذر قيمة ماله، ثم القيمة ترجع إلى أحد النقدين، وهما مقداران.
وينقسم القول، وراء ذلك إلى المجذور والأصم.
فإن قال قائل: هلا حملتم ذلك على تجزئة المال قدراً؛ إذ لا شيء إلا ويمكن تقدير تجزئته على وجوه مفروضة، فلكل شيء مما يكون مالاً-وهو مقصودنا- ثلثٌ وربعٌ وخمسٌ، وجزء من مائة جزء، وجزء من ألف جزء إلى غير نهاية، وقد يقسم الفَرَضي في البطون المتناسخة جوهرةً على ألف ألف سهم أو أكثر، وإذا أمكن ذلك، فهلا حُملت الوصية المطلقة على هذا القبيل؟.
ثم الأمر في هذا الفن يختلف، فإن نزلنا ما خلّفه على أربعة، فجذرها اثنان، فتقع الوصية بالنصف، وإن جزَّأناها تسعة أجزاء، فجذرها ثلثها، وإن جزأناها ستة عشر جزءاً، فجذرها رُبعها، وإن قدرناها مائة جزءٍاً، فجذرها عشرها، وهكذا إلى غير نهاية في جهة الصعود والترقي؟ قلنا: هذا التقدير بعيدٌ، لسنا نرى حملَ الوصية عليه إذا كانت مطلقةً، إلا أن يصرح الموصي به على الإبهام؛ فإذ ذاك نحمل الوصية عليه، فأما إذا لم يتعرض له، وأطلق المال وجذرَه فتحريره الجوهرة، ولا حاصل لها، وما يذكر من جذر الأجزاء جذرُ عدد مفروض، وليس جذرَ المال المطلق، وليس العددُ المذكور في تجزئة الجوهرة مخصوصاً بها.
فهذا ما أراه؛ فإن قوله جذر مالي يشعر باختصاصه بماله، وتخصيص الأجزاء جارٍ في كل شيء، وإنّ فرض التجزئة يعم القليل والكثير، والأجناس كلَّها. وإذا بعُد التقدير لم يجز التفسير به.
وهذا يضاهي من قواعد الإقرار ما لو قال: عليّ شيء، ثم قال: أردت به أن له علي جوابُ تسليمه، فهذا غير مقبول.
6818- ومما يتعلق بذلك أن فريضة الموصي لو كانت تقسم من عدد، وكان لذلك العدد جذرٌ منطقٌ، أو أصم، فإذا قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، وماله مقسوم على فريضته المعدَّلة، فلست أرى حمل الجذر على هذا العدد الذي منه تعديل الفريضة؛ فإنه أضاف الجذر إلى ماله، لا إلى العدد الذي تصح منه تركته، فالوجه إذاً ما قدمناه لا غير.
6819- فإذا بان حظ الفقيه في ذلك، فإنا نذكر بعد هذا طريقةَ الحُسَّاب على وجهها، وإذا انتهت، أوضحنا أنها قد تخرج على مراسمهم موافقةً للفقه.
قالوا: إذا أوصى بجذر ماله، فإنا نفرض المسألة عدداً مجذوراً إذا أسقط منه جذره، انقسم المال منه على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بجذر ماله.
قالوا: إذا جعلت المال تسعة، فللموصى له جذرُها: ثلاثة، والباقي بين البنين لكل واحد منهم سهمان. وإن جعلت المالَ ستة عشر، فللموصى له جذرها أربعة، والباقي اثنا عشر بين البنين، لكل واحد منهم أربعة.
هذا كلامهم، ولم يقيدوه بشرط.
وهو بعيد عن مأخذ الفقه، ولو لم يكن فيه إلا فرضُ التسعة مرة والستةَ عشر أخرى، وفي فرض التسعة للموصى له الثلث، وفي فرض الستةَ عشرَ للموصى له الربع، لكان في ذلك أصدقُ شاهد على فساد ما قال. ثم الخِيَرةُ لا تقف على عددين، ولا نهاية في جهة الترقي في الأعداد التي إذا أُخذ جذرها، بقي الباقي منقسماً على الورثة، والأقدار تختلف، فكلما كثر العدد المجذور، قلّ الجذر بتجزئة النسبة، ولا وجه لما قالوه قطعاً.
وإن أراد الفقيه استعمال طريقهم، فلابد من تقييد الوصية بقدرٍ يقتضي ما ذكروه.
وبيانه أن يقول الموصي: افرضوا مالي على عدد أجزاء وأعدادٍ مجذورة إذا خرج جذره، انقسم الباقي صحيحاً على ورثتي، وخذوا ذلك من أول عددٍ ممكنٍ، فإذا قال ذلك، أخذناه من تسعة، وإن عين مرتبةً أخرى، تعينت.
وإن تفاوض الحسّاب فيما بينهم، ولم يجعلوا أجوبتهم فتاوى الفقه، فليقولوا من هذا ما شاؤوا، ولتستعمل طرقهم للدُّربة في الحساب حينئذٍ.
6820- وإذا بان هذا، فنأتي بباقي المسائل، فلتقع الوصية مشروطة بما قدمناه؛ حتى يتميز الفقه عما يحيد عنه.
إذا تركت المرأة زوجاً، وأماً، وثلاث أخوات مفترقات، وأوصت لرجل بجذر مالها، فقد علمنا أن الفريضة تصح عائلةً من تسعة، فاجعل المال عدداً مجذوراً إذا أنقصت منه جذرَه، ينقسم الباقي منه على تسعة قسمة صحيحة، وأقل ذلك واحد وثمانون: جذرها تسعة، فهي للموصى له، والباقي بعد الجذر اثنان وسبعون، بين الورثة على تسعة للأم منها ثمانية، وكذلك للأخت من الأب، وكذلك الأخت من الأم، وللزوج منها أربعةٌ وعشرون، وكذلك الأخت لأبٍ ولأمٍّ.
لا يجوز أن يفرض المال مائة وجذرها عشرة، والباقي تسعون بين الورثة، وقد قدمنا أن هذا لا يطابق الفقه.
ولو أوصى بكعب ماله، فاجعل المال عدداً مكعَّباً، إذا أسقط منه كعبه، انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى بكعب ماله.
فإن فرضتَ المال ثمانيةً، فكعبها اثنان للموصى له، والباقي ستة بين الورثة.
وإن فرضت المكعبَ سبعة وعشرين، فكعبها ثلاثة، والباقي بين الورثة، أربعة وعشرون، لكل واحد منهم ثمانية.
وإن أوصى بجذر ماله لرجلٍ، ولآخر بكعب ماله، وخلّف ثلاثةَ بنين، فاجعل المال عدداً يكون له جذرٌ صحيح، وكعب صحيح، ويكون بحيث إذا أُسقط منه جذرُه وكعبُه، انقسم الباقي بين الورثة بلا كسرٍ، وأقل ذلك في هذه المسألة سَبعُمائة وتسعة وعشرين، فللموصى له بكعبها كعبُها، وهو تسعة وللموصى له بجذرها جذرُها، وهو سبعة وعشرون، والوصيتان ستةٌ وثلاثون إذا أسقطتها من المال، بقي سِتمائة وثلاثةٌ وتسعون، بين الورثة: لكل واحد منهم مائتان وأحدٌ وثلاثون.
فإن أجاز السائل أن يكون الكسر واقعاً في أنصباء الورثة بعد أن يكون كعب المال وجذره صحيحين، أمكن خروج المسألة من أربعة وستين، فهي عددٌ مكعّبٌ مجذور: كعبها أربعة للموصى له بالكعب، وجذرها ثمانية للموصى له بالجذر، والوصيتان اثنا عشر، والباقي من المال اثنان وخمسون، بين الورثة وهو ثلاثة، لكل واحد منهم سبعةَ عشرَ وثلث.
وقد تبين أن هذه المسائل كلَّها وضعيّة، ولابد من فرض تقييدٍ، كما نبهنا عليه، لتوافق المسائل الفقهية.

.فصل: في الوصية بجذر الأنصباء:

6821- إذا ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بجذر نصيب أحدهم، قال الحُسّاب: حسابُ المسألة أن نجعل نصيب كلِّ ابن عدداً مجذوراً، ثم نجمع أنصباء البنين، ونزيد عليها جذرَ نصيب أحدهم، فما بلغ، صحّت المسألة منه.
ثم قالوا: إذا جعلتَ كلَّ ابن واحداً فأنصباؤهم ثلاثة، فإذا زدت عليها واحداً، وهو جذر النصيب؛ فإن الواحد جذرُ الواحد، فالمسألة من أربعة للموصَى له سهم، ولكل ابن سهم.
فإن فرضت نصيب كل ابنٍ أربعة وأنصباؤهم اثنا عشر، فزد عليها جذرَ الأربعةَ، وهو اثنان، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فللموصى له اثنان، ولكل ابن أربعة.
6822- وكذلك إذا أوصى بكعب نصيب أحدهم، فاجعل النصيب عدداً مكعباً، ثم اجمع الأنصباء، وزد عليها كعبَ نصيب، فما بلغ، فمنه تصح المسألة، فإذا خلف ثلاثة بنين، وأوصى لرجلٍ بكعب نصيب أحدهم، فإن فرضتَ المكعبَ الذي هو النصيب ثمانية، فأنصباؤهم أربعة وعشرون، فزد عليها كعب الثمانية وهو اثنان، فالمبلغ ستة وعشرون، للموصى له سهمان، ولكل ابن ثمانية.
وإن فرضت النصيب سبعة وعشرين، فإنها مكعب إذا جذرت المال المجذور تسعة، فأنصباؤهم أحدٌ وثمانون، فزد عليها كعبَ النصيب، وهو ثلاثة، فيبلغ أربعةً وثمانين، فللموصى له ثلاثة، وهو كعب سبعةٍ وعشرين، ولكل ابنٍ سبعةٌ وعشرون.
6823- فإن ترك خمسةَ بنين، وأوصى بثلاثة أجذار نصيب أحدهم، فإن فرضت نصيب كل ابن أربعةً، فأنصباؤهم عشرون، فزد عليها ثلاثة أجذار أربعة، وذلك ستة، فالمبلغ ستة وعشرون، فللموصى له ستة، ولكل ابن أربعة.
وهكذا إذا أوصى بعدة كِعاب نصيب، فنجعل نصيب كلِّ واحد من البنين مكعباً، ونضم إلى الأنصباء أعداد الكعاب الموصى بها.
6824- فهذا طريق الباب عند الحُسّاب، ولا يخفى على الفقيه أن ما ذكروه لو فرض في إطلاق الوصايا، لوقع جانباً عن العقد، بعيداً عن مسالكه، ولكن الحُسّاب فرضوا طرق الحساب عند عدم تقييد الوصايا، وما قدمناه قبل مساق الكلام يدل على أنهم فرضوها مُنطبقةً على سؤال السائل، إذا قال: كيف السبيل الحسابي إلى تمهيد عدد في فريضة الميراث والوصية يكون لحصة كل ابن جذر، ويكون لحصة كل ابن كعب؟ فيقولون في جوابه: وجهُ تصوير ما سألت عنه كذا وكذا، ويمهدون عليه وجوهاً من الإمكان، وإلا فلا يستجيز ذو عقلٍ أن يذكر في الوصية المتعلقة مبلغين، أو مبالغ تقلّ الوصايا في بعضها وتكثر في بعضها، فتبين أنهم وضعوا كلامهم أجوبة المسائل عن الإمكان.
وإذا أردنا ردها إلى وقائعِ الفقه، فلابد من تقييد الوصايا، كما وصفناه فيما تقدم.
6825- فإن قيل: فما الجواب الفقهي فيه إذا قال: أوصيت لفلانٍ بجذر نصيب أحد أولادي، وقد خلف بنين، ولم يقيّد وصيته، وإنما اقتصر على ما ذكرناه؟
قلنا: هذه اللفظة مشكلة، وليست كالوصية بجذر المال مطلقاً؛ فإنا ذكرنا أنه لا يتجه في الوصية بجذر المال إذا لم يكن جنسه مقدّراً بكيل، أو وزن، أو عدد، إلا الرجوعُ إلى قيمة المال، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر نصيب أحد البنين، فهذا ظاهرٌ في ردّ الأمر إلى نسبة قسمة التركة؛ فإن من أوصى بنصيب أحد البنين، وكانوا ثلاثة مثلاًً، فالوصية بالنصيب تُنزل الموصى له منزلةَ ابنٍ زائد، كما تمهد في الكتاب.
فيحتمل أن يقال: يُردّ ذلك إلى العدد الذي تنقسم منه الفريضة، فإن كان حصة كل ابن من ذلك العدد الذي تقع القسمة منه مجذورة، زدنا جذرها، على ما فعله الحساب، وإن لم تكن تلك الحصة مجذورة، فالوصية تقع بجذرٍ أصم، وقد وقع شرح جَذْرِ ذلك.
فأما أن نقدّر القسمةَ من عددٍ تقع حصةُ كل ابن مجذورة ليستقيم قول الموصي: أوصيت لفلانٍ بجذر النصيب، فما أرى الفقيه يسمح بذلك، مع ما أوضحناه من بناء الوصية المطلقة على الأقل.
هذا وجهٌ في الاحتمال.
ويجوز أن يقال: إذا أوصى بجذر نصيب أحد البنين، فإنا ننظر إلى ما يخص كلّ واحد من التركة، ونعتبر جذر ذلك الحاصل-منطَّقاً كان أو أصم- ونضمُّه إلى ما منه القسمة، وهذا يوافق أَخْذَ جذرِ العدد الذي يقع حصة لكل ابن.
فأما إذا اعتبرنا القسمة من عددٍ، فالتركة تقسم على ذلك العدد، ثم يكثر الحظ بكثرة التركة، ويقلّ بقلتها، والعدد الذي عدّلت منه الفريضة لا يختلف، ولكن ما يقتضيه تعديل القسمة بين البنين أن نقسم الفريضة على رؤوسهم، فتقع حصةُ كل ابنٍ سهماً واحداً، وجذره سهمٌ، فيكون هذا بمثابة الوصية بنصيب ابنٍ، والحمل على هذا المحمل بعيدٌ؛ فإن ظاهر إضافة الجذر يتضمن كونَ الموصى به جزءاً من النصيب، فإذا فرضنا وراء الواحد عدداً مجذوراً، ونزّلنا على أقل عدد مجذور، كان ذلك تحكُّماً.
فالذي أراه أن الوصية المطلقة بجذر النصيب محمولةٌ على الوصية بجذر حصة كل ابن من المال، ولا ننظر إلى سهام المسألة.
هذا هو الذي لا ينقدح غيرُه في مسلك الفقه.

.فصل: في الوصية بجذر النصيب وجذر المال:

6826- المثال: ترك الرجل ثلاثة بنين، وأوصى لعمِّه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر جميع المال.
فطريق الحُسَّاب أن نجعل وصيته لعمه جذراً، فيكون نصيبُ كلِّ ابن مالاً؛ فإن الجذر عبارةٌ عما إذا ضرب في نفسه رَدَّ مالاً.
وأما وصية الخال، ففيها أمرٌ اصطلاحي وضعيّ للحُسَّاب، ننبه عليه، وذلك أنهم قالوا: إذا أوصى لخاله بجذر المال، وأوصى لعمه بجذر نصيب، فنجعل وصية الخال جذرين، فيكون المال كله على هذا التقدير أربعة أموال، والا حرـ من لفظ المطلق، فإذا قيل لك: أربعة، فنأخذ الجذر من لفظ الأربعة، وجذر الأربعة اثنان، فقل: جذر أربعة أموال جذران، ومعظم عبارات الجذريين تقع كذلك، ولا يتم الغرض الآن في تقدير جذرين في مقابلة وصية الخال، فليأخذ الناظر ما ألقيناه إليه باتفاق و سنبيّن في أثناء الفصل الغرضَ، بياناً يليق بظاهر ألفاظ الحساب، ولا مطمع في ذلك إلا على الجبر؛ فإنها تستند إلى قاعدة مشكلة في الهندسة.
فنقول: إذا كان المال كله أربعة أموال، والوصيتان ثلاثة أجذار، فانقصها من المال، فتبقى أربعة أموال إلا ثلاثة جذور، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال إلا نصيب كل ابن، فنجبر الأموال الأربعة بثلاثة جذور، ونزيد على عديلها مثلها، ثم نُسقط الجنس بالجنس، فيبقى مال في مقابلة ثلاثة جذور.
وإذا قيل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فهذا في قاعدة الجذر والمقابلة بتسعة؛ إذ تقدير الكلام: مالٌ يعدل ثلاثة أجذاره، فالمال تسعة وجذره ثلاثة.
فنعود ونقول: قدرنا أربعة أموال، كل مال تسعة، فمجموعها ستة وثلاثون، فنسقط من المال وصية العم، وهي جذر مال من الأموال التي ذكرناها، فالجذر ثلاثة، ونسقط وصية الخال وهي جذران، وذلك ستة، والستة جذر الستة والثلاثين، يبقى من المال سبعة وعشرون بين البنين، لكل واحد تسعة، وقد أخذ العم جذرَ نصيب واحد، وأخذ الخال مثل جذر المال.
6827- فإن أوصى لعمه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر ما تبقى من مال، فنقول: إذا كان وصية العم جذراً، فنصيب كلِّ ابنٍ مال، فأنصباؤهم ثلاثة أموال، فاحفظ ذلك.
فإذا عرفت ذلك، فاجعل الباقي من المال بعد جذر نصيبٍ أموالاً لها جذور، فإن شئت قلت: تسعة أموال، فتكون جملة التركة تسعة أموال، وجذراً، فنسقط وصية العم، وهي جذر، ووصية الخال وهي ثلاثة أجذار؛ لأن الباقي من المال بعد وصية العم تسعة أموال، فقل جذرها ثلاثة أجذار.
وليقف الناظر متأملاً، وليعلم أن مبنى هذا الباب، وما في معناه، على اتباع اللفظ.
وإذا قيل لك: كم جذر التسعة؟ فإنك تقول: جذرها ثلاثة. وإذا قيل لك: كم جذر تسعة أموال؟ فاتبع لفظ التسعة، كما تفصّل في العدد، وقل: الجذر ثلاثة، ولكن إذا كان العدد أموالاً تسعة، فنقول: نأخذ ثلاثة جذور كما نقول: جذر التسعة من العدد ثلاثة، وعلى هذا القياس تخرج المسألة الأولى؛ فإنا قدرنا فيها أربعة أموال، فقلنا: جذرها على قياس اللفظ الذي ذكرناه اثنان؛ لأن جذر الأربعة من العدد اثنان، فجذر أربعة أموال جذران.
فنعود إلى المسألة الأخيرة ونقول: قدرنا التركة تسعة أموال وجذراً، فأسقطنا الجذر للموصى له بجذر نصيب، وأسقطنا ثلاثة جذور للوصية الثانية، فتبقى تسعة أموال إلا ثلاثة أجذار، تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال، فنجبر ونقابل، ونُسقط المثلَ بالمثل، تبقى ستة أموال، تعدل ثلاثة أجذار، فالمال يعدل نصف جذر، فخذ هذا اللفظ، وقل: الجذر نصف درهم، وإذا كان الجذر نصفاً، فالمال ربعٌ، وقد كانت التركة تسعة أموال وجذر، وكل مال ربع، والجذر نصف، فالجملة درهمان وثلاثة أرباع درهم، فندفع منها إلى العم جذرَ النصيب، وهو نصف درهم، يبقى درهمان وربع، فجذرها وصية الخال، وذلك درهم ونصف، فالوصيتان درهمان، والباقي من المال بعدهما ثلاثة أرباع درهم، بين البنين: لكل واحد منهم ربعُ درهم، وقد زادت الوصيتان.
6828- وهذه المسائل كلها وضعيّة، كما مهدنا ذلك.
وإن أردنا استعمالها في الفقه، فيجب تقييد الوصية بما يقتضيها، وإلا يجب وضع هذه المسائل على التدريب في الحساب والتفاوض في أصله، وإلا فمتى يسمح الفقيه ومأخذُه إذا كانت الوصية بجذر نصيب أن يصرف إلى الوصية نصف درهم وإلى النصيب ربع درهم!!
6829- ثم قال الحسّاب: في هذه المسألة التي نحن فيها: إن شئت جعلتَ وصيةَ العم جذراً، وجعلت الباقي من المال بعد هذه الوصية أربعة أموال، فتكون وصيةُ الخال جذرين على القاعدة التي ذكرناها في اتباع العبارة، فالتركة أربعةُ أموالٍ وجذرٌ، فنسقط جذراً للعم، ثم جذرين للخال، فيبقى أربعة أموال إلا جذرين، تعدل ثلاثة أموال، وهي أنصباء البنين، فنجبر الأموال الأربعة بجذرين، ونزيد على عديلها جذرين، تصير أربعة أموال، في مقابلة ثلاثة أموال وجذرين، ونسقط المثل بالمثل، فيبقى مال يعدل جذرين، فالجذر اثنان، والمال أربعة. وقد كانت التركةُ أربعة أموال وجذراً، فهي ثمانية عشر، وصيةُ العم منها اثنان، ووصية الخال أربعة، وهي جذر ستة عشر الباقية بعد وصية العم، فالوصيتان ستة، وهي ثلث المال، والباقي بعدها اثنا عشر، بين البنين: لكل واحد منهم أربعة، وقد أخذ العم مثل جذر نصيب أحدهم، وأخذ الخال جذر الباقي.