فصل: فصل: نخرّج فيه مسائل فرقها الحُسَّاب في أثناء الأبواب، وهي من قواعد الفقه، ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: نخرّج فيه مسائل فرقها الحُسَّاب في أثناء الأبواب، وهي من قواعد الفقه، ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى:

من أهمها- القولُ في بيع الأعيان في مرض الموت بالأعواض المؤجلة، وهذا ينقسم إلى بيع عينٍ بثمن مؤجل وإلى إسلام أعيانٍ في عروض موصوفة مؤجلة، ثم التأجيل في الديون ينقسم إلى تأجيلٍ لا زيادة فيه ولا نقصان في المالية، وإلى تأجيلٍ مع حطٍّ من المالية، فإذا صرفَ الأعيان إلى الديون المؤجلة من غير حطيطة في المالية ونقصانٍ من القيمة مثل أن يبيع المريض عبداً قيمته ألف بألفٍ وخمسِمائة إلى أجل سنة من مليء وفيّ، وقال أهل الخبرة: هذا وإن كان بألفٍ نقداً، فبائعه بالألف والخمسمائة إلى سنةٍ مغبوطٌ وليس بمغبون. وقد يجوز بيع مال الطفل على شرط الغبطة بالرهن على هذا الوجه. فإذا جرى بيعٌ من المريض كذلك، ومات، فللورثة ألا يجيزوا البيع مع ظهور الغبطة؛ فإن شيئاً لم يصل إلى أيديهم و لم يتحصلوا في الحال على عَرْض، فلهم حق الاستدراك، على ما سنفصله.
فهذا فنٌّ أصَّلْنا القولَ فيه، وسنفصله في المسائل.
فأما إذا انضم إلى التأجيل في العوض غَبينة، فهذا يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يبيع المريض عبداً يساوي ألفاً نقداً، بخمسمائة إلى أجلٍ.
والثاني: أن يبيع ما يساوي ألفاً نقداً بألفٍ إلى أجلٍ، فهذا يُعدّ حطيطةً في المالية. ونحن نذكر الصورَ واحدةً واحدة، ونذكر في كل صورة ما يليق بها، إن شاء الله عز وجل.
7072- فلو أسلم المريض عشرة دراهم في مقدارٍ من الحنطة تساوي العشرة، مع
التأجيل، وإنما يتضح هذا بأن لا يوجد ذلك المقدار بعشرة نقداً. فإذا جرى السلم
كما وصفناه، فإن انقضى الأجل، وحلّ قبل موت المريض، فإذا مات أدى المسلَمُ
إليه الكُرَّ.
وإن مات المريض المسلِمُ قبل أن يحِل الأجل، فإن أجاز الورثةُ، فالسلم جائز إلى أجله، ولا يكون للمسلَم إليه خيار؛ فإن الخيار إنما يثبت له من جهة تبعيض الصفقة عليه، على ما سنشرحه، إن شاء الله عز وجل.
فإذا رضي الورثةُ تنفيذَ العقد وانتظارَ حلول الأجل، وقد خلَفُوا الميت وحلّوا محله، ثم إذا أجازوا العقدَ، فقد أُلزموه، فلا يجدون رجوعاً عن الإلزام.
وإن سكتوا، فسكوتهم لا يبطل حقَّهم في الاستدراك إن أرادوه.
وهكذا القولُ في كل وصية تتعلق بإجازة الورثة.
وإن قالوا لا نرضى بالأجل في محل حقنا، وهو الثلثان، وإن لم يكن في العقد حطيطة ونقصان مالية، فلهم ذلك، والسبب فيه أن زوال الملك عن الأيدي منجّز بعقدٍ أنشأه المريض، والعَرْضُ الرابع في الذمة مستأخَر، فلهم أن يرضَوْا بتأخر حقوقهم، إن كان مَن عليه العشرة الدين ملياً وفياً.
ثم إذا لم يرض الورثة، فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم وردَّ رأس المال كَمَلاً، وإن شاء عجَّل المسلم فيه، فإذا عجّله، بطل حقُّ الورثة في فسخ العقد، وليس لهم أن يمتنعوا عن قبول ما يعجله إذا كانوا يبغون فسخاً بسبب الأجل.
وإن لم يريدوا فسخاً، ورغبوا بالتأجيل، فعجل المسلَم إليه ما عليه، ففي إلزام الورثة قبول ما عجله قولان معروفان.
وإن عجل المسلَم إليه ثلثي الطعام المسلَم فيه، كفاه ذلك، وبقي الثلث إلى أجله في ذمته؛ فإنه يقول: نأخذ الثلث على ألا يزيد على هبة الثلث مع حضور الثلثين.
ولو ردَّ المسلَمُ إليه ثلثي رأسِ المال، و فسخ العقد في ثلثي المسلم فيه على أن يبقى الثلث عليه مؤجلاً، كان الأمر على ما أراد. فإذاً المسلَم إليه مخير بين أن يعجل الثلثين من المسلَم فيه، أو ينقض السلم أصلاً إذا كان الورثة ينقضون عليه وأن يرد ثلثي رأس المال.
فهذه جهاتُ تخيره، فإن لم يفعل شيئاً منها، فللورثة أن يفسخوا السلم في ثلثيه لا غير، وليس لهم أن يقولوا هذا التبعيض تسليط على فسخ العقد رأساً؛ فإنه لا حق لهم في غير الثلثين.
هذا منتهى الغرض في ذلك.
7073- وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً بعيداً، لم أره لغيره: أن المسلَمَ إليه إذا عجّلَ ثلثي المسلَم فيه، أو ردَّ ثلثي رأس المال، وفسخ السلم في الثلثين، فله أن يحبس الثلث أمداً زائداً على الأجل المضروب في السلم، حتى لو كان أمدُ السلم شهراً، فإنه يحبس الثلث ثلاثة أشهر، ليكون ذلك بمثابة استمرار الأجل في جميع المسلَم فيه شهراً.
وهذا كلام ركيك لا أصل له، ولا معوّل على مثله.
7074- صورة أخرى: إذا أسلم عشرةً في كُرٍّ يساوي ثلاثين، ومات قبل أن يحِلّ الأجل، فإن رضي الورثة وأجازوا، استمرّ العقد على وضع الإجبار، ولا معترض. فإن أرادوا ألا يرضَوْا بتأجيل العوض بكماله، فلهم ذلك، مع ظهور الغبطة في تقدير العقد، وانتظار انقضاء الأجل، فإن أرادوا تبعيض العقد على المسلم إليه، فللمسلَم إليه فسخُ العقد... من أصله. ولو عجل جميعَ المسلم فيه، فقد تقدم القول فيه، فلا نعيد ما تقدم.
فالذي نجرده في هذه الصورة أن المسلَمَ إليه لو قال: مالُكم الذي نتعلّق به عشرةٌ، وأنا أؤدي لكم من الحنطة التي عليَّ مقدارَ ثلثي العشَرة، وهو ستةٌ وثلثان-ومقدارها في البر المسلم فيه تُسعاه؛ فإن البر يساوي ثلاثين- انقطع حق الورثة؛ فإنه يقول: قدِّروا كأنه وهب العشرة مني ورَددتُم تبرعَه في ثلثي العشرة، وقد أحضرتُ ما رددتموه.
هذا هو الذي قطع به الأئمة رضي الله عنهم.
وإن قال الورثة: "حقنا ثابت في ذمتكم"، فلا حاصل لهذا مع قدرة المسلم إليه على الفسخ مع تعرض الورثة له.
7075- صورة أخرى: لو أسلم المريض ثلاثين درهماً لا يملك غيرَها في كُرٍّ قيمته عشرون، فنقول: لو حل الأجل قبل موت المسلِم، ثم مات وقد حل الأجل، يؤدي المسلَمُ إليه الكرَّ، ولا معترض عليه، فالمحاباة، وإن كانت جاريةً، فهي على قدر الثلث.
فلو باع الرجل المريض عبداً يساوي ثلاثين بعشرين، نفذ... تبرعه، وصح محاباته، لوفاء الثلث.
و إن لم يكن حل الأجل، ومات المريض المسلِمُ، فإن أجاز الورثةُ، فلا كلام، وإن لم يجز الورثة العقد، فلهم ذلك المقدار مع المحاباة.
ولكن التأجيل واستئخار العوض، وبه أثبتنا لهم الخيار مع الغبطة وعدم المحاباة في المال، فإذا أراد الورثة التعوّض، فالمسلم إليه بالخيار، فإن نقض السلمَ ورد العوضَ، فلا كلام، وإن عجّل الكُرَّ، زال الاعتراض عنه، وآل الأمر إلى محاباة يفي الثلث بها.
ولو رد ثلثي الثمن ونقض البيع في ثلثي المبيع، جاز، ورجع إلى الورثة عشرون درهماً، وبقي الثلث مؤجلاً.
وإن كان الثلث مرهوناً بالنقد وا... بهذا. ولو قال المسلَمُ إليه: أعجل ثلثي الكُرّ، لم نقنع منه بهذا؛ فإن ثلثي الكر يساوي ثلاثةَ عشرَ وثُلثاً، فلا يقع هذا الثلثان من الثلثين، فلابد وأن يَسْلَمَ لهم عشرون، فلا طريق في ذلك إلا بتعجيل الكل أو بردّ ثلثي رأس المال، مع فسخ السلم في الثلثين.
7076- صورة أخرى: لو أسلم ثلاثين درهماً في كُرٍّ قيمتُه عشرة، فقد اجتمع في
هذه الصورة التأجل والمحاباة. وقصور الثلث عن احتمال جميع المحاباة.
فإن حل الأجل قبل موت المسلِم، فقد زال أثر الأجل، وهذا مثلُ من اشترى ما يساوي عشرة بثلاثين، لا مال له غيرها.
وإن لم يحل الأجل حتى مات المريض، فللورثة اعتراضان:
أحدهما: من قِبل الأجل، والثاني: من قِبل المحاباة الزائدة على الثلث.
والذي تقتضيه هذه الصورة وبان به أن المسلَمَ إليه لو عجل الكرَّ لم يكفِ، وما انقطعت عنه الطَّلِبة، حتى يرد على الورثة ما يعدِّل به الثلث والثلثان، وذلك بأن يعجل نصفَ الكُرّ، ويردّ نصفَ رأس المال، ويبقى للمسلَم إليه خمسةَ عشرَ، من رأس المال، والمحاباة منها عشرة.
هذا وجهٌ.
والوجه الثاني في التعديل- أن يفسخ العقد في ثلثي الكُر، ويردّ ثلثي رأس المال. هذا بيان التأجيل، وما يجري معه من محاباة أو غبطة ولم يبق مما ذكرناه مقصود يتعلق بهذه القاعدة.
7077- وذكر الأستاذ صورةً متعلقةً بما ذكرناه نذكرها لزيادةٍ فيها: فإذا باع عبداً يساوي ألفاً بثلاثة آلاف إلى أجل سنة، وعدَّ ذلك غبطةً مثلاً، وأوصى بثلث ماله لإنسان، فالمحاباة مقدمةٌ على الوصية؛ فإنها منجّزةٌ في الحياة، وما ينجز من التبرعات مقدم على الوصايا. فلو رضي الورثة حتى حلّ الأجل، فإذْ ذاك نصرف ألفاً إلى الموصى له بالثلث.
ولو تعرض الورثة للفسخ والتبعيض، ففسخ المسلَمُ إليه البيعَ، وارتد العبد إلى الورثة، فللموصى له بالثلث ثلث العبد.
قال الأستاذ أبو منصور: يحتمل أن نقول: ليس للموصى له بالثلث شيء، لأنه أوصى له بثلث ماله بعد بيع العبد، فلم يكن في ملكه حين أوصى بالثلث، وإنما ارتد العبد بالفسخ بعد الموت.
وهذا الذي ذكره عريٌّ عن التحصيل؛ فإن العبد وإن ارتد بعد موته، فهو معدود من ماله وتركته، تُقضى منه ديونه، وتنفذ منه وصاياه في هذه الصورة التي ذكرناها. وقد كان العبد مرتبطاً بعوضه، فإذا فسخ العقد، صار كأنه كان كائناً حالة الموت.
فهذه جمل فقهية أوردناها لا غناء بالفقه عنها.
7078-ومما ذكره الأستاذ في أثناء مسائل المحاباة، أن من باع عبداً بيعَ محاباة، واقتضت الحالةُ تسليطَ الورثة على فسخ العقد في البعض من العبد لضيق الثلث عن التصرف بالمحاباة، فلو اكتسب العبدُ في يد المشتري شيئاً، فنذكر لذلك صورة ونبني عليها غرضنا.
7079- فإذا باع عبداً قيمته مائة وخمسون بمائة، واكتسب في يد المشتري مثلَ قيمته، فإن كان للبائع سوى العبد وثمنه تركةٌ زائدةٌ، وهي خمسون، فالبيع نافذ في جميع العبد، وفاز المشتري بالكسب بالغاً ما بلغ؛ فإنا تبيّنا وقوعَه في ملكه.
ولو لم يكن لبائع العبد في مرضه مالٌ سواه، فقد ذكرنا أن البيع لو لم يكن كسبٌ ينفذ في ثلث العبد على التفاصيل المقدمة.
فقال الأستاذ: إذا اقتصر حساب التعديل فسخ العقد في بعض العبد، والكسبُ بكماله للمشتري؛ فإنه جرى في ملكه، والفسخ طارىءٌ بعد حصوله، ونسبةُ هذا كما لو اشترى الرجل عبداً واكتسب في يده، ثم اطلع على عيب قديم به، فالكسب يبقى له، والعبد يرتد إلى البائع، ويرجع الثمن إلى المشتري.
وهذا الذي ذكره زلل عظيم، والردّ القطعُ بأن الكسب يتبعض تبعُّض العبد على ما يقتضيه الحساب... والعجب أنه ذكر... تبعُّض الكسب في العتق المتبعض، وفرق بين تبعّض البيع، وبين تبعض العتق وهذا أتاه من جهة ظنّه بأن البيع ينفذ ويملك، ثم يرد بعضَه.
وهذا غلطٌ؛ فإنا وإن فرّعنا على أن الورثة يجيزون وصيةً ولا يبتدئون عطيةً، فالملك يقف على إجازتهم في محل الحاجة إلى الإجازة. وإذا ردّوا الوصية الزائدة على الثلث، لم يقل أحد إن الملك حصل في الزائد ثم أُزيل، بل إن ما جرى فيه من الرد والإجازة يضاهي وقف العقود على رأي أبي حنيفة ومَن يوافقه من أصحابنا.
والجملة الكافية في ذلك: أنا لا نفسخ العقد في بعض العبد، بل نتبيّن أن الملك لم يحصل في مقدارٍ، وحصل في مقدار، كدأبنا في العتق المتبعض.
ثم بنى على هذا المهرَ وقاسه، وقال: لو باع جاريةً بيعَ محاباة، فوطئها المشتري، ولم ينقص الملك فيها على مقتضى الحساب، فلا مهر على المشتري؛ فإن وطأه صادف ملكه، وهذا ذهولٌ كاملٌ عن فقه الباب، ظانٌّ أن الرد يتضمن رفعَ ملكٍ ورفعَ عقدٍ مملِّك، وليس الأمر كذلك.
وقد نجز مضمون الفصل.
7080- مسألة: إذا باع المريض من أخيه كُرَّ طعامٍ قيمتُه ألفٌ وخَمسمائة، بكُرٍّ
رديء من جنسه قيمتُه خمسمائة، فمات أخوه: المشتري قبل موته، وخلّف بنتاً
وأخاه البائع، ثم مات البائع، ولم يكن له مال غيره، فإنا بعاقبةٍ.
فحساب المسألة أن نقول: جاز البيع في شيء من الكر الأرفع، وقابله من العوض شيء قيمته ثلثُ شيء، فصار الباقي كُرّاً إلا ثلثي شيء، فالمحاباة ثلثا شيء، وحصل مع المشتري شيء، قد أخذه من البائع، ومعه من كره كُرٌّ إلا شيئاً قيمتُه ثلث شيء، فنزيد الشيء الذي أخذه على ما معه، وكان معه من طريق القيمة كُرٌّ إلا ثلثَ شيء، فيضم إليه، فيحصل معه كُرٌّ وثلثا شيء، غيرَ أن الكرّ الرديء بالإضافة إلى الجيد ثلثُ كُرٍّ، فنرده إلى تلك النسبة حتى يعتدل الكلام، فمعه إذاً ثلثُ كرّ، وثلثا شيء.
يرجع نصفه بالميراث إلى أخيه وهو سدس كر وثلث شيء، فنزيده على الذي كان بقي في يد البائع، وذلك كر إلا ثلثي شيء، فنجبر بالاستثناء، فيصير في يده كرٌّ وسدسٌ إلا ثُلثَ شيء.
وهذا يعدل ضعف المحاباة، وكان المحاباة ثلثي شيء وضعفها شيء وثلث.
فنجبر ونقابل، فيحصل معنا كُرُّ و سدسٌ في معادلة شيء وثلثي شيء، ومعنا الكسر بالثلث ونَلقَى فيهما مخرج السدس، فابسطهما أسداساً، واقلب الاسم فيهما، فيكون الكُرّ عشرة والشيء سبعة، فيصح البيع في سبعة أعشار الكرّ الأرفع بسبعة أعشار الكرّ الرديء.
فإن أردت الامتحان، قلت: جاز البيع في سبعة أعشار الألف والخَمسِ مائة، وهي ألفٌ وخمسون، وأخذنا بالعوض سبعة أعشار خَمسِمائة، وهي ثلاثُمائة وخمسون، فحصلت المحاباة سَبعُمائة، وبقي مع البائع من كره أربعُمائة وخمسون، وأخذ بالثمن ثَلاثمائة وخمسين، فذلك ثَمانمائة، فاجتمع مع المشتري من كره مائةٌ وخمسون، ومن كُر البائع ألفٌ وخمسون. فذلك ألفُ ومائتان، رجع نصفها بالميراث إلى البائع وهو سِتمائة، فيجتمع مع ورثة البائع ألف وأربعمائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ هي سبعمائة.
فإن كان للبائع أو للمشتري تركة أخذَ عليها و أحدهما، أو اجتمع في المسألة دين وتركة، لم يخف طريق العمل قياساً على ما تقدم في المسائل.
7081- مسألة: دائرةٌ في الضمان أوردها صاحب التلخيص، وعظُم في أطرافها الخبطُ، ونحن نأتي بها منقَّحةً مصححةً بعون الله تعالى.
أما قواعد الضمان، فقد أوضحناها في كتابها، فلسنا لإعادتها، وإنما نعتمد التنصيص على المسائل الحسابية اعتماداً على العلم بأصول الضمان.
فإذا كان لرجلٍ على رجلٍ تسعون درهماً ديناً، فجاء مريض وضمن التسعين لمستحق الدين ضماناً يُثبت الرجوعَ على المضمون عنه، ثم مات من عليه الدين، وخلّف خمسة وأربعين، ومات الضامن، وخلّف تسعين درهماً.
هذه الصورةُ الأولى التي أتى بها صاحب التلخيص. والمسألة محتملةٌ متقيِّدةٌ بشرط الرجوع.
فنقدّم على المسألة ما لابد منه، ونقول: المريض إذا ضمن ديناً ومات، وكان يشتَرِط في ضمانه الرجوعَ، والمضمونُ عليه موسرٌ، تحقق الرجوع عليه. والضمانُ على هذا الوجه لا يكون تبرُّعاً أصلاً، ولا يحتسب من الثلث؛ فإنّ ورثته إذا غرِموا، رجعوا على المضمون عنه الموسر، وسبيل الضمان في هذه الصورة كسبيله (مع الشيء بثلث قيمته).
7082- ثم في ذلك دقيقة لابد من مراعاتها، وهي أنهم لو قالوا: لا نغرَم حتى يتحقق الرجوع؛ فإنا لو غرمنا، فربما يضيع حقنا، ولا نجد مرجعاً، فيكلِّفون المضمونَ عنه بذلَ مالِ الضمان وتسليمَه إلى موثوق به. وقد قال بعض علمائنا:
للضامن أن يطالب المضمون عنه بما عليه قبل أن يطالبه المضمون له. والذي يتجه عندنا أنه إذا طولب ورثةُ الضامن في هذه الصورة، فلهم مطالبةُ المضمون عنه قبل أن يغرَموا، فإن أرادوا مطالبة المضمون عنه قبل أن يطالَبوا، ففيه الخلاف المذكور.
والضامن في صحته إذا كان ثبت له الرجوع إذا غرِم، فلو طولب، فهل يُغرِّم المضمونَ عنه قبل أن يغرَم؟ فيه خلاف، والظاهر أنه يغرّمه. وإن أراد الرجوعَ عليه قبل أن يطالَب، ففيه الخلاف.
أمّا ورثة الضامن، فلهم الرجوع قبل أن يطالَبوا. وإذا طولبوا، فإذا قلنا: لا يملكون مطالبة المضمون عنه يجرُّ ذلك ما لا يسوغ؛ فإن الوارث لا دين عليه، ولا يتوجه الطَّلِبةُ عليه على التحقيق، وإنما ترتبط الطَّلِبة بالتركة، والضمان في الصورة التي ذكرناها مفروض من المريض، وضمانه في حكم التبرع المحسوب من الثلث، فلو أخذنا من التركة ما ضمنه، ولم يثبت الرجوع قبل اليوم، لكان ذلك صرفَ قسط من التركة إلى جهة التبرع، قبل أن يَسْلَم للوارث مثلاه، فيلزم من هذا أن نقطع بثبوت حق الرجوع على المضمون عنه قبل الغُرم. فإن قيل: هل يطالَب الوارث بإخراج مقدار الثلث؟ قلنا: نعم، فإن هذا المقدار لو كان متبرعاً به لأُخرج، فنقدّر كأن الضمان تبرعٌ، وغرضنا الآن أن المضمون عنه إذا كان موسراً، أو كان مات وتركته وافية، فالأصحاب لم يعدُّوا الضمان تبرعاً، وهو كما قالوه، على معنى أن الضمان لا يقتصر على مقدار الثلث، ولكن إن عجّل المضمون عنه أو ورثتُه جميعَ المال المضمون، فلا إشكال، وإن لم يتفق التعجيل بعدُ، فالضمان في وضعه ليس تبرعاً، ولكن للأصحاب خبطٌ في أن وارث الضامن هل يطالَب بإخراج المال المضمون من التركة قبل أن يتفق من المضمون عنه أو من ورثته التعجيلُ والغرم؟ فقال قائلون: لا يكلف وارثُ الضامن من أن يُخرج في الحال إلا مقدارَ الثلث؛ فإنا لو كلفنا وأكثر من ذلك، والعوائق غير مأمونة، فربما يؤدي من التركة المالَ، ثم يتفق عسرٌ في الرجوع. أما قدر الثلث، فلا شك في إخراجه، وهؤلاء لا يأبَوْن خلاف ذلك إلى أن يغرَم من عليه الرجوع.
ومن أصحابنا من قال: إذا ميّز من عليه الرجوع المالَ، وسلّمه إلى موثوق به، كفى ذلك. وهو عريُّ عن الفقه؛ فإن ما يسلمه لا يخرج عن ملكه بالتسليم، فليس له.
ومن أصحابنا من قال: ننظر إلى كون من عليه الرجوع مليئاً، مع تمكن الغارم من الرجوع، فإن سدّ هذا المال نَفِد عتيداً، والضمان في وضعه ليس تبرّعاً في هذه الصورة. وهذا عنى بعده... من التميز ووضع المميز على...؛ فإن ذلك لا وقع له في قواعد الفقه.... وقيمته، فهذا فيه احتمال.
وهذا الذي ذكرناه ليس من غرضنا، ولكن اتصل الكلام به، فأوضحنا ما فيه.
ولو ضمن المريض، ولم يشترط الرجوع، فقلنا: لا يرجع لو ضمن بغير إذن المضمون عنه، فهذا تبرع محضٌ محسوب من الثلث من غير عمل ولا حساب، وكذلك لو كان المضمون عنه معسراً، ومات على إعساره، وقد ضمن الضامن في مرضه، فسبيل ما ضمنه كسبيل التبرع وما يوصي به، وهو محسوب من ثلثه... فأما إذا ضمن في مرضه ديناً، وكان الضمان بالإذن، وشرْط الرجوع، ولكن خلّف المضمون عنه أقل من الدين، فإن كان ثلث الضامن وافياً بالدين كله، فلا كلام. وإن كان الدين يزيد على ثلث الضامن، أو كان يستغرق مال الضامن، وما تركه المضمون عنه غيرُ وافٍ بقيام الدين معه، يؤدي إلى الدور.
7083- وإذا ذكرنا سبيله، ثبتت الصورة الدائرة والتي لا تدور.
فنقول: إذا مات الضامن وخلّف تسعين درهماً، ومات المضمون عنه وخلف خمسةً وأربعين، فمستحق الدين بالخيار: إن شاء طلب مقدار ما يجب من تركة المديون عليه، فيأخذ الخمسة والأربعين، فبقي له نصف دينه، فإذا طلبه من تركة الضامن، فلا دور في هذه المسألة؛ فإن ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً، إذ قد استوعب مستحقُّ الدين تركة المضمون عنه، فنجعل الخمسة والأربعين الذي هو بقية الدين في تركة الضامن بمثابة تبرعٍ محض، ومن تبرع بنصف ماله، فتبرعه يُجاز في مقدار ثُلُثه، فلا نطالب ورثة الضامن إلا بمقدار ثلاثين.
هذا إذا بدأ مستحق الدين بتركة المضمون عنه واستوعبها.
7084- فأما إذا طالب ابتداءً ورثة الضامن، فتدور المسألة في هذه الصورة، فإن ما يغرموه يرجع إليهم بعضُه، وتزداد التركة مهما رجع إليهم شيء، ثم إذا تعذر من دين مستحق الدين شيء، ثبت له حق التعلق بتركة المضمون عنه، وتخرج هذه المقادير بطرق الحساب.
طريقة الجبر: سبيلها أن نقول: أخذ من التسعين التي هي تركةُ الضامن شيئاً، ويرجع إلى الورثة نصف شيء؛ فإن تركة المضمون عنه نصف تركة الضامن، فتبقى في أيديهم تسعون ناقصةً نصف شيء، وهي ضعف ما أخرجناه في الضمان الخارج من تركة الضامن من غير مقابلة، وهو نصف شيء وضعفه شيء، فإذاً يعدل تسعون غيرَ نصف شيء شيئاً، فنجبر التسعين بنصف شيء ونزيد على عديله نصفَ شيء، فيكون تسعون في مقابله شيء ونصف، فنعلم أن الشيء الذي أطلقناه ثلثا التسعين.
فنقول: نُخرج من تركة الضامن ثلثي التسعين، وهو ستون، فيرجع ورثتُه بنصفه، وهو ثلاثون، ويأخذ مستحق الدين بقية تركة المضمون، وهو خمسةَ عشرَ. والمسألة مستقيمةٌ على الحساب والفقه؛ فإنه يبقى في يد ورثة الضامن ثلاثون، ويعود إليهم من تركة المضمون عنه ثلاثون، فلا يجدون مرجعاً في ثلاثين، وهو ثلث التسعين، وقد انحصر التبرّع في الثلث.
ثم مستحق الدين يأخذ بقية تركة المضمون عنه، فهي خمسةَ عشرَ...، فيصل إلى خمسة وسبعين من جملة التسعين، ويتعطل من ماله خمسةَ عشرَ.
وإن قيل: هلا رجع ورثة الضامن بالخمسة والأربعين بكمالها؟ قلنا: هذا لا وجه له؛ فإنه ثبت لوارث الضامن من الرجوع بمقدار التبرع، وقد بقي لمستحق الدين بعد الستين ثلاثون درهماً، فيتضاربون في تركة المضمون عنه، فيقتضي تعديل النسبة قسمة تركه المضمون عنه بين وارث الضامن وبين مستحق الدين بالثلث وثُلُثين.
7085- طريقة الدينار والدرهم: نقول: تركة الضامن دينار ودرهم. أخرجنا الدينار في جهة الضمان، ورجع نصف دينار، فالتركة إذاً نصف دينار ودرهم، وذلك ضعف التبرع، وضعف التبرع دينار كامل، فنجعل نصف دينار قصاصاً بنصف دينار، فيبقى من التركة درهم ويبقى من الجانب الثاني نصف دينار، وقد بان أن الدينار درهمان، والذي أخرجناه في جهة الضمان ثلث التركة، كما خرج بالعمل الأول.
هذا بيان هذه المسألة.
7086- ثم ذكر صاحب التلخيص بعد هذه الصورة صورةً أخرى ناشبةً فيها، فقال: إذا ضمن المريض تسعين درهماً كما صورناه، وضمن عن هذا الضامن ضامن آخر، وكان الثاني مريضاً أيضاً، ومات الضامنان، ومات من عليه الدين، وخلّف خمسةً وأربعين، وخلف كلُّ واحد من الضامنين تسعين درهماً، فصاحب الحق بالخيار: إن شاء وجّه الطَّلِبةَ على تركة المديون واستغرقها، ثم طلب بقية حقه من الضامنَيْن أو من أحدهما، على ما يقتضيه الحساب.
وهذه الصورة ليست.... فإن أراد أن يطالب الضامن الأول، كان الجواب في هذه المسألة كما قدمناه في الصورة الأولى. هكذا قال صاحب التلخيص، وقال: لا يختلف الجواب ألبتة، فيُخرج من تركة الضامن الأول ستين، ويرجع ورثتُه بثلاثين على تركة المديون عليه. هذا جوابه في هذا الطرف.
وعلى الناظر في هذه المسألة أن يفهم ما ينتهي إليه أولاً ثم يعلم أن تمام الشفاء في مجاري المسألة.
قال صاحب التلخيص: إذا أراد مستحق الدين مطالبةَ ورثة الضامن الثاني؛ فإنه يأخذ من تركته سبعين درهماً، ومن ورثة المديون عليه خمسةَ عشرَ درهماً، ويرجع ورثة الضامن الثاني على تركة الضامن الأول بأربعين درهماً، ويرجع الضامن الأول في تركة المديون عليه بثلاثين درهماً.
هذا جواب صاحب التلخيص وفتواه.
7087- قال الشيخ أبو علي: سمعت شيوخي يقطعون أجوبتهم بأن ما ذكره صاحب التلخيص خطأ على أصل الشافعي، وقطع الأستاذ أبو منصور في مجموعه في الدور والوصايا بتخطئته أيضاً، وعلى خطئه بيّنة. فنذكرها ونذكر بعد وضوحها كلاماً في وجه الصواب.
أما علّةُ خطئه، فإنه أوجب على ورثة الضامن الثاني إخراج السبعين، ثم لم يُثبت له رجوعاً في ثلاثين منها، بل أثبت له الرجوع إلى الضامن الأول بأربعين و تبقى مع ورثة الضامن الثاني عشرون، وصار إليهم من العوض أربعون، فذلك ستون، فهي ضعف الثلاثين التي رجعت بلا عوض.
هذا ما تخيله صاحب التلخيص وهو حائد عن الصواب؛ لأن الضامن الثاني ضمن تسعين ضمانَ رجوع، وللمرجوع عليه وهو الضامن الأول تسعون. وإنما تدور المسألة إذا قصرت تركةُ المرجوع عليه عن مقدار الدين.
أيضاً فإنه أثبت لورثة الضامن الأول الرجوعَ على تركة من عليه الدين بثلاثين درهماً، فلم يخرج إذاً من تركته إلا عشرة، وفي يد ورثته ثمانون، فالذي ذكره كلامٌ عري عن الصواب، وهذا وجه تخطئته.
7088- فأما وجه الصواب، فالذي حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه أن مستحق الدين إذا أراد الرجوع على الضامن الثاني، فله أن يطالبه بالدَّيْن كَمَلاً وهو تسعون، فيستغرق تركتَه، ثم ورثة الضامن الثاني يرجعون على تركة الضامن الأول بخمسة وسبعين، ثم يرجع ورثة الضامن الأول على المضمون عنه الأصيل بكمال تركته، وهو خمسةٌ وأربعون، وإذا انضم ذلك إلى ما بقي في أيدي ورثة الضامن الأول، كان المجموع ستين. فيستوي ثلث مال الضامن الأول، وثلث المال محل التبرع ولايَتْوَى من مال الضامن الأول إلا خمسة عشر.
وإنما لم يرجع ورثةُ الضامن الثاني وقد غرِموا تسعين بجميع التسعين على تركة الضامن الأول، لأنهم لو رجعوا بالتسعين، ثم رجع ورثةُ الضامن الأول على تركة الأصيل بالخمسة والأربعين، فيكون التالف من تركة الضامن الأول أكثر من ثلث ماله، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإنه متبرعٌ بالضمان، ولا تزول حقيقة تبرعه بأن يضمن عنه ضامن وإن كان ضمان الثاني بإذنه؛ فإن المرعيَّ حقُّ ورثته. فخرج من ذلك أن مستحق الدين يصل إلى كمال حقه، ويتوى من تركة الضامن الأول مقدار ثلثها ومن تركة الضامن الثاني مقدار سدسها.
7089- ولو اختار صاحب الدين أن يرجع أولاً على تركة المضمون عنه، فله ذلك، فيأخذ الخمسة والأربعين، ويبرأ الضامنان جميعاً من نصف الدين لا شك فيه، ويبقى النصف الباقي، ومستحق الدين بالخيار. فإن طالب ورثةَ الضامن الأول، فلا يأخذ منهم إلا ثلاثين؛ لأنها ثلث ماله؛ فإن أخذ أكثر من ذلك، ولا رجوع لهم على أحدٍ، لكان هذا أَخْذَ تبرعٍ زائدٍ على الثلث، من غير رضا الورثة، ويبقى من الدين خمسةَ عشرَ، فيأخذها من الضامن الثاني، فينتظم له تمام حقه في هذا السبيل.
ولو أن مستحقَّ الدين بعد استيفاء الخمسة والأربعين من تركة الأصيل أراد مطالبة الضامن الثاني، فله مطالبته بتمام البقية، وهو خمسةٌ وأربعون، ثم إنهم يرجعون على تركة الضامن الأول بثلاثين من غير مزيدٍ؛ للقاعدة التي أوضحناها، فهذا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه.
وذكر الأستاذ أبو منصور تخطئة صاحب التلخيص، كما ذكرنا. ثم لما أراد ذِكْرَ الوجه الصحيح، جعل لمستحق الدين مطالبة ورثة الضامن الثاني بخمسةٍ وسبعين درهماً من غير مزيدٍ، ثم إنهم يرجعون على ورثة الضامن الأول بما غرِموا، ويرجع ورثة الضامن الأول على تركة من عليه الدين بكمال التركة، وهو خمسةٌ وأربعون، وكان بقي في أيدي ورثة الضامن الأول خمسةَ عشرَ، فيضم ذلك إلى الخمسة والأربعين، ويكون المجموع ثلثي تركة الضامن الأول.
هذا كلام الأستاذ، وفيه تصريحٌ بأن مستحق الدين لو أراد مطالبة ورثة الضامن الثاني بكمال الدين، لم يكن له ذلك. وهذا خلاف بيِّن.
7090- والوجه عندنا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه، وذلك لأن الضامن الثاني ليس متبرعاً، إذا كانت تركة الضامن الأول وافيةً بالدَّين كلِّه، وقد قدمنا تقريرَه، وليس ينقدح لما ذكره الأستاذ وجهٌ إلا أن يقول قائل: الضمان في حق الأول غير ثابت في جميع الدين؛ فإن الضمان في حقه إذا كان تبرعاً، فالتبرع لا يستوعب التركةَ، وإنما ينفذ على وجه يختص في الثلث، وإذا لم يصح الضمان بكماله من الأول، لم يصح ضمانُ الثاني عنه في كمال الدين؛ فإنّ شرطَ صحة ضمان الثاني أن يصح ضمان الأول. فكأنَّ الأستاذ أبا منصور اعتقد أن ضمان الأول لم يصح إلا في مقدارٍ لو رجع معه في تركة المديون عليه، لما زاد ما تلف من تركته على ثلثها.
والأصحاب قالوا: ضمان الأول صحيح في الجميع، وإنما لا يستوعب تركتَه، لحقِّ ورثته، والذي لا يخرجه من تركته، فهو باقٍ في ذمته.
ولو ضمن من لا يملك شيئاً دَيْناً في مرضه، ومات، وضمن ضامنٌ عنه، فضمان الثاني صحيح، فإنا كنا لا نضمّن الضامن الأولَ شيئاً. وهذا القبيل فيه تركيب؛ فإن الضمان في وضع الشرع البراءة، ولكن لما أنشأه في مرض الموت، لم يعترض على حقوق الورثة بالتأدية من جميع التركة، والذمةُ لا حقَّ فيها للورثة، فثبت اللزوم، وإذا ثبت اللزوم، فضمان الضامن الثاني يُفيد ما لزم ذمتَه، لا ما يسهل أداؤه، ومَنْ ضمن ديناً على معسر، لزمه الدين على أصل الشافعي. فهذا وجه قول المشايخ.
ووجه قول الأستاذ أنه لو لزمه الدين بكماله، لقُدّم الدين على حق الورثة.
ومهما قدمنا جواباً عن هذا، فليعلَم المحصِّل أن هذا الذي أنشأه المريض التزمه، وحكم التبرع في هذا الدين على الخصوص أنه لا يتعدى الثلث إذاً، فأما التعلّق بالذمة، فلا امتناع معه، وليس هذا كما لو أتلف في مرضه شيئاً؛ فإنّ قيمة المتلَف تتعلق بالتركة بالغةً ما بلغت؛ فإن القيمة عوضٌ، والضمانُ التزامٌ على الابتداء من غير عوض، فليتأمل الناظر هذا المنتهى. وهو أقصى الإمكان.
7091- ومما يتعلق بتمام البيان في المسألة أن صاحب التلخيص قال في ابتداء المسألة بعد ما فرض ضامناً عن ضامن: لو أراد مستحق الدين أن يوجّه الطلبَ ابتداء على الضامن الأول، فالجواب في هذه المسألة كالجواب في المسألة الأولى، وهي إذا لم يكن إلا ضامن واحد. وهذا الكلام فيه نوعُ استبهام لم يتعرض الأصحاب له لوضوحه عندهم.
ونحن نقول: قوله هذا كالمسألة الأولى أراد به أنه لا يطلب من الضامن الأول إلا ستين درهماً، كما لا يطالَب إلا بهذا المقدار في المسألة الأولى، وله أَخْذُ خمسةَ عشرَ من تركة المديون عليه في المسألة الأولى، وهذه المسألة تختص بمزيدٍ، وهو أنه يطالِب الضامنَ الثاني بخمسةَ عشرَ، وهي تتمة التسعين، ولولا الضامن الثاني، لما وصل إلى كمال حقه؛ فإذاً جواب المشايخ أنه يصل إلى كمال حقه ولا فرق بين أن يطالب المضمون عنه وبين أن يطالب الضامن الأول أو الثاني أو يستغرق في ابتداء الأمر تركةَ المديون عليه، فهو في الجهات كلّها يصل إلى التسعين، والضامن الثاني تلف له خمسةَ عشرَ في كل حساب.
فهذا منتهى المسألة وفيها من دقائق الفقه، ما صحح به الفقه.
7092- مسألة في دور المحاباة مع ثبوت الشفعة: إذا باع مريض في مرض موته شقصاً يساوي ألفي درهم بألف درهم، لا مال له غيره، ولم يُجز الورثةُ الزائد على الثلث من المحاباة، والتفريع على أن بطلان البيع في البعض لا يوجب بطلانَه في الكل.
وإذا صححنا البيع في البعض، ففي كيفية التصحيح القولان المقدمان، ونحن نعيدهما في هذه المسألة حساباً وفقهاً لغرض صحيح، فإن قلنا: يصح البيع فيما يصح البيع فيه بجميع الثمن، فوجه الحساب فيه أن نقول: جاز البيع في شيء من الشقص بألف درهم، وبقي مع ورثة البائع من قيمة الشقص ألفان إلا شيئاً ومن الثمن ألفُ درهم وذلك ثلاثة آلاف إلا شيئاً، وهي تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة شيء إلا ألفاً، وضعفها شيئان إلا ألفين، فمعنا إذاً ثلاثة آلاف إلا شيئاً، تعدل شيئين إلا ألفين.
فنجبرهما من الجانبين، ونقول: نجبر شيئين بألفين؛ فإنهما ألفان مقدران في مدارج الحساب ومراسم الجبر، و نحن نجبر ونقابل. وإذا جبرنا شيئين بألفين، زدنا على عديلهما ألفين، فيصير خمسة آلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء؛ فإنه نجبر جانب الآلاف بشيء، ونزيد على عديله مثله، فينتظم بعد الجبر والمقابلة قولُنا: خمسة اَلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء، فنقسم القدْرَ على الأشياء، فيخرج ألف وستمائة وستة وستون درهماً وثلثان، فهي قيمة الشيء الذي جاز فيه البيع، وعلى الحقيقة خمسة أسداس الشقص.
والامتحانُ أن البيع إذا نفذ في هذا المقدار، وقد أخذ ورثةُ البائع بها ألف درهم، فصارت المحاباة ستمائة وستة وستون وثُلثين، وحصل معهم سدُسُ شقصٍ قيمته ثَلاثمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث ومن الثمن ألف درهم، فالمجموع ألفٌ وثَلاثُمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث. وهي ضعف المحاباة.
7093- وإذا فرّعنا على القول الثاني الذي عليه تفريع الفقهاء، وقلنا: البيع يصح في مقدارٍ بقسطٍ من الثمن، ووجه الحساب أن نقول: إن البيع جاز في شيء من الشقص قيمته نصف شيء، فيبقى مع ورثة البائع ألفان إلا نصف شيء تعدل شيئاً، فنجبر الألفين بنصف شيء، ونزيد مثلَه على عديله، فيكون ألفان يعدلان شيئاً ونصفَ شيء، فالشيء من الشيء ونصف ثلثاه، فنقول: صح البيع في ثلثي الشقص وقيمته ألفٌ وثَلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، بثلثي الثمن وذلك سِتُّمائة وستة وستون وثلثان، فالمحاباة إذاً ستمائة وستٌّ وستون وثلثان، وبقي مع ورثة البائع ثلث شقص قيمته ستُّمائة وستة وستون وثلثان، وثلثا الثمن، وهو أيضاً ستّمائة وستة وستون وثلثان، وذلك ألفٌ وثَلاثُمائة وثلاثة وثلاثون، فهو ضعف المحاباة.
وإذا أخذ المشتري ما ذكرنا في التفريع على هذا القول فالشفيع يخلفه، ويأخذه، وينزل منزله.
وإن فرعنا على القول الأول، وهو أن المشتري يأخذ خمسة أسداس الشقص بالألف، فالشفيع يأخذها بالألف.
7094-و غرضُ هذا الفصل أنا لا نحكم بأن النصفَ مبيعٌ بالألف والثلث هبة، بل الخمسة الأسداس مبيعةٌ بالألف.
فإن قدّر مُقدّرٌ تمييز التبرع عما يقابل الثمن، فهو تقديرٌ حسابي، وليس بتحقيقٍ، والدليل عليه أنه لو ردّ البيعَ، وطلب الهبة في الثلث، لم يُجب، وعلى حالٍ لا هبة في المحاباة أصلاً، بدليل أنا لا نشترط القبض في مقدارٍ منه، ولولا هذا الغرض، لما ذكرنا هذه المسألة؛ فإن سبيل الحساب في أمثالها قد بان.
ويتصل بهذه المسألة أن المشتري لو اختار فسخَ العقد وطلب الشفيعُ الأخذ بالشفعة، ففي المسألة قولان، ذكرناهما في نظائر هذا في كتاب الشفعة، فإن نفذنا فَسْخ المشتري، بطلت الشفعة، وإن لم ننفذها، انقطعت عهدة العقد على المشتري في حق البائع، وخلفه الشفيع، حتى كأنه المشتري.
مسائل دائرة في ألفاظ المقرّ
7095- إذا ادّعى رجل على رجلين مالاً، فقال كل واحد منهما للمدعي: عليّ عشرة إلا نصفَ ما لَه على صاحبي، وجرى منهما اللفظان على هذا النسق، فالمسألة تدور؛ فإنا متى أسقطنا عن المقر الأول شيئاً من العشرة، نقص ما يسقط عن المقر الثاني، وإذا نقص ما يسقط عن الثاني، زاد ما نسقطه عن الأول، وإذا زاد ما نسقطه من الأول، نقص ما نسقطه عن الثاني.
وحساب المسألة بطريق الجبر أن نجعل على كل واحد منهما عشرة إلا شيئاً، ثم نأخذ نصفَ أحد المبلغين؛ فإن كلّ واحد منهما مالٌ إلا نصفَ ما على الثاني، فنصف أحد المبلغين خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء، فذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة، وقد قلنا في وضع المسألة: على كل واحد منهما، عشرة إلا شيئاً، ثم استخرجنا بعد هذا الوضع النصفَ مما على كل واحد منهما، فتحقَّق أن الشيء الذي استثنياه خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء.
فنعود إلى المعادلة ونقول: خمسةٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئاً، فنجبر ونقابل، ونزيد على خمسةٍ إلا نصفَ شيء نصفَ شيء ونزيد على عديله مثله، فيكون خمسة معادلة لشيء ونصف، فالشيء ثلثا الخمسة، وهو ثلاثة وثلث، فنُسقط من العشرة ثلاثة وثلث، تبقى منه ستة وثلثان، فهي مقدار ما على كل واحدٍ منهما، فإذاً على كل واحد عشرة إلا نصفَ ما على صاحبه.
7096- فإن قال كل واحدٍ منهما: عليّ عشرةٌ إلا ثلثَ ما على صاحبي، فسبيل الحساب أن نجعل على كل واحد منهما عشرةً إلا شيئاً، ثم نأخذ ثلثَ ما على كل واحد منهما، وذلك ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلثَ شيء، وهو يعدل الشيء الذي أسقطناه من العشرة، فنجبر الثلاثة والثلث وثلث شيء بثلث شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فتصير ثلاثة دراهم وثلث في معادلة شيءٍ وثلث، فالشيء ثلاثة أرباع ذلك، وهو درهمان ونصف، فنُسقط ذلك المقدار من العشرة في حق كل واحد منهما، فيبقى على كل واحدٍ سبعةُ دراهم ونصف، ولو زدتَ على هذا المقدار ثلثَ المقدار الآخر، لكان عشرة. وعلى هذا فقس.
7097- فإن قال أحدهما: له عليّ عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له عليّ عشرة إلا ثُلثَ ما على الآخر، فاجعل على أحدهما ثلاثة أشياء لذكر الثلث، وقل على الآخر عشرة إلا شيئاً، فخذ نصفَ ذلك، وهو خمسة إلا نصفَ شيء فزدها على الذي على الآخر، وهو ثلاثة أشياء، فيكون خمسة دراهم وشيئين ونصف، فإنه كان ثلاثة أشياء والخمسة المضمومة فيها استثناء ونصف شيء فنزيل الاستثناء، ونُسقط نصفَ شيء، وهذه الجملة تعدل عشرة دراهم، فنسقط الخمسة بالخمسة، فيبقى شيئان ونصف في مقابلة خمسة، فنخرج قيمة الشيء الواحد درهمين، والذي قررناه على أحدهما ثلاثة أشياء، فهي ستة دراهم، وكان على الآخر عشرة إلا شيئاً، فذلك ثمانية، ومتى زيد ثلث الستة على الثمانية، صارت عشرة، ومتى زيد نصف الثمانية على الستة، صارت عشرة.
7098- مسألة: إذا قال كل واحد منهما: له عليّ عشرة ونصف ما على الآخر، فوضْعُ هذه المسألة يخالف ما تقدم؛ فإن الذي قدمناه فيه إذا اعترف كلُّ واحد منهما بعشرة، واستثنى منها جزءاً مما على الآخر، وهذا النوع الذي افتتحناه فيه إذا اعترف كل واحد منهما بعشرةٍ ومقدارِ جزئها على الآخر، فلا شك أن المقَرَّ به في حق كل واحد منهما أكثرُ من العشرة.
وقد ذكر الحُسّاب مسلكاً في هذا الفن مطرداً، ونحن نذكر سبيل خروجه بمثابة.
قالوا إذا ضم كلُّ واحد منهما إلى العدد الذي أقرّ به جزءاً مما أقر به الآخر واستوى المقَرُّ به والجزءان من الجانبين، نظرنا في المَخْرج الذي يخرج منه الجزء المذكور، وجعلنا الجزء مما يلي ذلك المَخْرج؛ نظراً إلى الانتقال إلى العدد في المخارج على وِلائها.
فإن قال كل واحد منهما: لهذا المدعي عليّ عشرة ورُبع ما على صاحبي، وقال صاحبه مثلَ ذلك، فنقول: يتقدم على الربع نصفٌ وثلث، فعلى كل واحد منهما عشرةٌ وثلثُ عشرة، والمجموع ثلاثةَ عشرَ وثلث، ثم الحساب في الإضافة منتظمٌ؛ فإنّ على كل واحدٍ منهما عشرة وربع ما على الآخر؛ لأن على كل واحد ثلاثة عشر وثلث والثلاثة والثلث ربع ما في جانب صاحبه.
7099- وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة وثلث ما على صاحبي، ننتقل
من الثلث إلى ما قبله على الاتصال وهو النصف، ونقول: على كل واحد منهما خمسةَ
عشرَ، وإذا زدنا هذا إلى الإضافة المذكورة، خرج الكلام معتدلاً؛ فإن على كل
واحد منهما عشرة وثلث ما على صاحبه؛ فإن الخمسة من الخمسةَ عشرَ ثلثها.
7100- وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة ونصف ما على صاحبي، فعلى كل
واحد منهما عشرون؛ فإن وراء النصف الكلُّ إذا جَريْتَ على التنزل في العدد، ولم تكسِّر، ثم خروجه على الامتحان بيِّنٌ.
فهذا قياسٌ طردَه الحُسّاب.
وبيان الحساب في هذا الفن أن نقول: إن كل واحد منهما إذا قال: لفلان عليَّ
عشرة وثلثُ ما على الآخر، إن ذلك يحمل على ثُلث العشرة، وقلنا: له على كل
واحد منهما أكثر من العشرة، أي له أن يأخذ الثلث من العشرة والزيادة، فإذا
تنتهي لذلك، فسبيل الحساب أن نقول: إذا قال كل واحد منهما: له عليَّ عشرة وثلث
ما على الآخر، فنقول: لا شيء غير الثلث مجهول؛ فنجعله شيئاً، فنجعل
على كل واحد منهما عشرةً وشيئاً، ثم نأخذ الثلث من أحد الجانبين، على هذا
الوضع، فيقع ثلاثة وثلثاً، وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على العشرة، فنُسقط ثلثَ شيء بثلث شيء، فيبقى ثلاثة دراهم وثلثٌ، في مقابلة ثلثي شيء؛
فالشيء يعدل خمسةَ دراهم.
وعلى هذا البابُ وقياسُه، فاعتبروا.
7101- وإذا قال كل واحد منهما: لفلان علي عشرةٌ ونصفُ ما على صاحبي، فقد قلنا: على كل واحد منهما عشرون وطريق الحساب أن نقول: على كل واحد منهما عشرة وشيء، ثم نأخذ النصف من أحد الجانبين، فيكون خمسةً ونصفَ شيء، وهي تعدل الشيء الزائد على العشرة، فنُسقط نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى خمسةٌ في مقابلة نصف شيء، فالشيء إذاً عشرة، ولما قلنا: على كل واحدٍ منهما عشرةٌ وشيء، فالمراد أن على كل واحدٍ عشرةٌ وعشرة.
7102- مسألة: إن قال أحدهما: له علي عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له على عشرة وثُلث ما على الآخر، فاستثنى أحدُهما لينقص، وزاد الثاني جزءاً ليزيد. وطريق الحساب في المسألة أن الأول لما استثنى من العشرة، علمنا أن عليه عشرة إلا شيئاً، وهذا الشيء هو نصف ما على الثاني، فنقول: على الثاني شيئان، وقد قال ذلك الثاني: علي عشرة وثلث ما على الآخر. وثلث الدين على الآخر ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلث شيء، فزد ذلك على العشرة في جانب الزيادة، فتكون ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث درهم إلا ثلثَ شيء؛ وذلك يعدل شيئين؛ فإنا قدّرنا جانبه شيئين. نأخذ الاستثناء ونقابل، فيكون ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم تعدل شيئين وثلث شيء، فالشيء الواحد يعدل خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم، وكان على أحدهما شيئان، فذلك أحد عشر درهماً وثلث وثلاثة أسباع.
وكان على الآخر عشرةٌ إلا شيئاً، فذلك أربعة وسبعان، فعلى المقر المستثني أربعةُ دراهم وسبعا درهم، وعلى المقر الآخر أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم، وإذا زيد نصفها وهي خمسة وخمسة أسباع على الآخر، وهو أربعة دراهم وسبعان كان عشرة.
وإذا أخذنا ثُلثَ أربعة وسُبْعَيْن، وذلك درهمٌ وثلاثةُ أسباع، ونزيده على العشرة، تبلغ أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم.
فهذا مأخذ مسائل الباب.
7103- مسائل: في دَوْر الكتاب:
إنما أورد الحُسّاب هذه المسائل هاهنا لتعلقها بالعتق وطرفٍ من حكم المعاوضة. وقد تمهد فيما تقدم حكمُ العتق الواقع تبرعاً، وحكمُ المحاباة في البيع، ومسائلُ الكتابة متركّبةٌ منها، فحسن وضعها على أنه كان كالأصلين المتمحّضَيْن.
ومسائلها تتعلق بصنفين:
أحدهما: في وقوع الكتابة تبرعاً، وذلك بأن يكاتِب المريضُ أو يوصي بالكتابة.
والصنف الثاني- يتعلق بإعتاق مكاتَب صارت مكاتبته في صحة مولاه، وطلاق الحجر عنه، ثم يفرض إعتاقه في مرض المولى، أو تفرض الوصية بإعتاقه.
7104- فأما الصنف الأول- فإذا كاتب المريضُ عبداً في مرض موته لا يملك غيرَه، فهذا لا يتفضَّل على ما يؤثره المنتهي إلى هذا المحل إلا بأن نحكي منه النصّ، وما ذكره الأئمةُ على الإطلاق، ثم نُتْبعه التفصيلَ الموصّل إلى الاطلاع على الحقائق.
نقل الأئمة عن نص الشافعي أنه قال: إذا كاتب عبدَه في مرضه، لم تثبت الكتابة إلا في الثلث، وأطلق رضي الله عنه إن الكتابة تثبت في الثلث، فإذا أدى نجوم الثلث عتق ثلث العبد، ولا نظر إلى مقدار النجوم، وكأنه جعل الكتابة كالإعتاق المنجّز الموجّه على العبد في المرض، وأول ما يجب التنبّه له في إتمام نقل هذا القول-إلى أن نفضل خبايا التفريع عليه- أن الشافعي نصّ في مواضع من كتبه على يسار مكاتبة بعض العبد، وسيأتي ترتيبٌ في ذلك في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
والمقدار الذي لا نجد بُدّاً من ذكره أن الشافعي قطع قولَه بأن مالك العبد في الصحة والإطلاق، لو كاتب بعضَ عبده، لم يجز، ولو فرض عبدٌ نصفه حر ونصفُه عبد، فكاتَب مالكُ نصفه النصفَ منه، فالكتابة صحيحة قولاً واحداً.
وإن كان العبد مشتركاً بين شريكين، فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن الشريك، لم يجز في ظاهر المذهب، وإن كاتب نصيبه بإذن الشريك، ففيه قولان. وستأتي هذه الصورة وما فيها من تخريجاتٍ وأقوال في بعض ما أطلقنا فيه قولاً واحداً.
وقد ذكرنا أن المريض إذا كاتب عبده، وقلنا: لا تصح الكتابة في جميع الرقبة، فإن أجرينا هذا مجرى مكاتبة الصحيح المطلَق بعضاً من عبده الخالص، فيجب أن نحكم بفساد الكتابة لورودها على بعض العبد الخالص للسيد.
وإن نزلنا هذا منزلة العبد المشترك، لانحصار حق المريض في مقدار الثلث، فينبغي ألا نقطع القول بصحة الكتابة في الثلث.
وقد قال بعض الأصحاب: إذا أفسدنا الكتابة في بعض العبد من أجزاء شركاء فتفسد الكتابة رأساً من المريض، وهؤلاء نزّلوا ذلك منزلة مكاتبة بعض الشركاء حصةً من العبد المشترك.
والذي ذهب إليه الجمهور من الأئمة أن الكتابة تصح من المريض في بعض العبد، وإن منعنا صحة الكتابة من أحد الشريكين، وهؤلاء يحملون مسألة المريض على قاعدة العبد المشترك أيضاً، ولكنهم يفرقون بين مكاتبة المريض وبين مكاتبة الصحيح قسطاً من عبدٍ مشترك، ويقولون: إذا كاتب أحدُ الشريكين نصيبه، فمِلْك شريكه ثابتٌ في شركته، والمكاتبة تتضمن إضراراً به، لو وفّرنا عليها موجبَها، ولمّا كاتب المريضُ، لم يكن حقُّ الورثة في الثلثين منجّزاً، و لما لم يثبت حقُّهم استقرت الكتابة مع حقهم، ولذا لم نجعل كتابةَ المريض ككتابة صحيحٍ بعضَ عبده؛ فإنه ليس مطلق التصرف في جميع العبد.
هذا ما ذكره هؤلاء واحتمال المسألة لائح، وذلك نقلُ النص مع ما فيه من خلاف الأصحاب.
7105- وذكر الحُسّابُ من فقهاء الأصحاب مسلكاً آخر، فقالوا: الكتابة لا تنحصر على الثلث وهذا تخريجٌ، وإن كان مشهوراً مذكوراً في الطرق مفرّعاً عليه، فالرأي أَنْ نوجه النصَّ والتخريجَ على الجملة أولاً: أما وجهُ النص، فهو أن الكتابة عقد تبرّع، وإن فُرض كسبٌ فذاك ليس مستفاداً بالكتابة؛ فإنه لو بقي رقيقاً واكتسب، لكان كسبه لماللث رقبته، فعوض الكتابة في التحقيق ليس عوضاً مستفاداً في مقابلة الرق، ولأجل هذا قال الفقهاء: المكاتِبُ يقابِل ملكَه بملكه.
فهذا وجه النص على الجملة.
وأما وجه. التخريج، فهو أن العبد لا يكون مطالباً بالكسب في اطراد الرق عليه، ولا حق للمولى عليه، والكتابةُ توجب للمولى عليه حقاً، وهذا الوجوب يستحيل أن يكون مع استمرار الرق، فليست الكتابة كالإعتاق المحض، وفيه على الجملة تحصيل نوع عوض.
هذا بيان التوجيه على الإطلاق.
فمن خرّج على النص، لم يكن عليه في هذا المقام بعدُ تفصيل، والقدر الذي يجب التنبه له ماذكره من صحة الكتابة في بعض العبد، فلا فرق إذاً بين أن يكاتِب المريض على مقدار قيمته وبين أن يكاتبه على أقلَّ من قيمته أو أكثر منها، فالكتابة لا تتعدى ثلث العبد.
ومن زعم أن الكتابة تتعدى ثلثَ العبد فقد اضطربوا فيه، فذكر الصيدلاني في مجموعه في المذهب أن المريض إذا كاتب عبداً قيمته مائة بمائة، ومات، فأدى العبد ثُلثَ النجوم، قال: يعتق الثلث منه على القول المخرّج، ويصير ثلثٌ آخرُ منه مكاتباً بحضور النجوم التي قابلت الثلث الأول في يد الورثة، فيكون في أيديهم الآن ثلثُ النجوم، وهو مثل ثلث القيمة، وثلث عبدٍ وثلثٌ مكاتب، فإذا أدى نجومَ هذا الثلث الثاني عَتق هذا الثلث، وصار الثلث الآخر مكاتباً لأجل حصول ثلثي النجوم في أيدي الورثة، فإذا أدى تمامَ النجوم عَتَق كلُّه.
هذا تمام مسلكه في التفريع على القول المخرّج.
وذهب معظم المفرعين على القول المخرّج إلى أن الكتابة وإن تعدّت الثلثَ لا تستغرق الرقبة، وإنما تثبت في مقدار يقتضيه الحساب، كما سنوضحه في التفريع، ونعملُ القدر الذي يتعلق الفهمُ به إلى كمال البيان.
إنه إذا كاتب عبداً قيمته مائةٌ بمائةٍ، فهؤلاء يقولون في هذه الصورة: تثبت الكتابة في تصوير لا يتعدى العتقُ النصفَ، وتوجيه ذلك يَبِينُ عند الانتهاء إلى التفريع. هذا نقلُ ما قيل على الإطلاق.
7106-ونحن بعد هذا نأتي بفصولٍ: أحدها: في تفصيلٍ لا نبتديه وبه يَبين محلُّ الأقوال.
والآخر- في تصحيح ما يصح وبيان ما يفسد.
والثالث: في التفريع التام المشتمل على الحساب في محل الأقوال والتخريج.
7107- فأما الأول، فليعلم الناظر إلى محل الأقوال أنه إذا كاتب المريض عبدَه في مرض موته، ثم لم يؤدِّ في حياة المكاتِب شيئاً، وإنما ابتدأ الأداءَ بعد الموت، فإنه لو أدى النجوم، وحصَّلها في حياة المولى، فتلك النجوم زيدت في التركة، ولو فرضنا حصولها في استمرار الرق، ثم قدرنا الكتابة بعد حصولها، زادت الكتابة على ثلث الرقبة، بحضور تلك الأكْساب، فإذاً نصُّ الشافعي فيه إذا لم يحصُل أداءُ النجوم في الحياة، وفي كلام الأئمة تصريحٌ بهذا، وهو مما لا يشك الفقيه فيه.
ومما تجب الإحاطة به في تعيين محل الأقوال أن الأئمة أطلقوا ذِكْر الاكْساب، ولم يفصّلوا بين ما يحصل في يد المكاتَب من الصدقات وبين ما يكتسبه من جهات الكسب. وليست كذلك. فإنهم ما أجْرَوْا ما يحصل كسباً مجرى ما يحصل من الصدقات؛ فإن الاكساب إن فرضت ملكاً لمالك الرق، فليست الصدقات كذلك؛ فإنه لا يتصور حصول الصدقات في يد الرقيق.
والذي يجب ضبطه في ذلك أن المكاتب لو اجتمعت في يده أكسابٌ، ثم رقَّ وعجّزَ نفسَه، فتلك الأكساب تكون ملكاً لمولاه، ولو كان قد اجتمع في يده شيء من الصدقات، ثم رقّ، وعجّز نفسه، فتلك الصدقات مردودٌ على أصحابها، فما ذكره الأئمة مخصوصٌ بالأكساب دون الصدقات.
7108- فإذا تمهد هذا، فالقول بعده في التصحيح وبيان ما يصح ويفسد: نقول: إذا كانت الأقوال تجري في تحصيل الكسب بعد الموت، فلا يتجه على قاعدة الفقه إلا نصُّ الشافعي؛ فإن ما يكسبه العبد لا يقع في ملك المولى، حتى يُعدَّ من تركته، فما استثناه الشرع له، وهو الثلث محسوب من حقه، فأما الزائد عليه، فبعيد عن قاعدة الفقه إثباتُ الكتابة فيه. ثم إذا ظهر ما يخالف النصّ، فيبقى بعد هذا النظرُ في طريق الأصحاب في القول المخرج.
وأما من صار إلى استيعاب جملة الرقبة، فقد تباعد عن مأخذ الفقه بالكلّيّة، وكأنه وقع له أن الكتابة معاوضةٌ فيها حيلولة، والدليل عليه أنه حصّل العتق في تمام الرقبة عند أداء النجوم التي هي مقدار القيمة.
وهذا مع ما قدمناه من بيانِ محل الأقوال في نهاية الضعف؛ فإن الاكساب تقع بعد الموت، وإذا مات الموروث ثبتت حقوق الورثة، فالمكاتب إذاً مكتسب بملك الورثة، وهم لم يكاتبوه، ومن سلك المسلك الآخر، لم ينته إلى هذا الإبعاد، وكأنه يجعل عتقَ الرقبة تبرعاً، ويجعل ما يحصل من النجوم تركةً، ويحصّل العتق في الرقبة بمقدارٍ يقع ثلثاً بالإضافة إلى ما يحصل في يد الورثة من النجم، وبعض الرقبة.
ومما يتم به البيان أن المكاتب لو حصّل الكسبَ في حياة السيد ولم يؤدِّه، فالذي أراه أنه بمثابة ما أداه؛ فإنه حاصلٌ في حياته.
هذا تمام ما أردناه في ذلك.
7109- والغرض الثالث: التفريع: فإن فرّعنا على النص، فلا مزيد على ما ذكرناه. فإذا كاتب المريض-وقد بان محل الأقوال- عبداً لا يملك غيرَه، فالمكاتبة ثابتةٌ في ثُلُثه، سواء كانت النجوم مثلَ قيمة الرقبة أو أقلَّ منها أو أكثر، فإنا نجعل الكتابة تبرعاً بمثابة الإعتاق، والكسبَ في الثلثين بحق الورثة، وليس محسوباً عليهم من التركة، غيرَ أن العتق لا يثبت في الثلث إلا على الوجه الذي يوقعه السيد.
وإن فرعنا على التخريج، فقد يقع استيعاب العتق في الرقبة بطريق الكتابة على التدريج الذي حكيناه عن الصيدلاني، فإنه يقول: لو كانت الكتابة واقعةً بثلثي قيمة العبد، يقع العتق في العبد كله فيعتِق ثلثاه بالمعاوضة، وثلثُه يعتِق تبرعاً واقعاً في الثلث.
ومن اقتصر في التفريع على التخريج، وقع في أدراج.
فإن كاتب العبدَ بمثل قيمته، فلا دور، والأمر قريب، وتقريب العبارة فيه أن نُفتي أولاً ونقول: يعتِق نصفُه بطريق الكتابة إذا أدى نصفَ النجوم ويرِق نصفه، فيكون الحاصل في يد الورثة نصفُ النجوم، وهو خمسون، ونصف رقبته وقيمته خمسون، وذلك ضعف العتق، وإنما يحصل العتق إذا أدى نصفَ النجوم.
فإن قيل: كيف يحصل العتق في البعض، وقد حصلت الكتابة في الكل؟ قلنا: قد بينا أن كتابته محمولةٌ على كتابة الشريك نصيبَه، وإذا كاتب الشريك نصيبَه وصححنا الكتابةَ، فالعتق يحصل بأداء النجوم في ذلك المقدار لا محالة.
7110- فإن أردت أن تعبر عن ذلك بمسلك الجبر أمكنك أن تقول: صحت الكتابة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وقد أدى عما جازت الكتابة فيه شيئاً؛ لأن الكتابة مثلُ القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائة درهم؛ لأن العبد مائة، ولما قلنا: نفذت الكتابة في شيء، بقي عبدٌ إلا شيئاً، فلما أدى المكاتب شيئاً، انجبر ذلك الاستثناء، فصار في أيدهم مائةٌ كاملةٌ وهذه المائةُ، تعدل ضعفَ ما صحت الكتابة فيه، وهو شيئان، فالشيء نصف المائة، وهو نصف الرقبة. وهذا فيه إذا عجّل نصفَ النجوم.
فإن لم يعجِّل ما عليه، جازت الكتابة في الحال في ثُلثه، وللورثة ثلثا رقبته، فإذا أدى-بعد ذلك- النصفَ، حكمنا بمائة للورثة وعلى الورثة أن يؤدوا أَخَرةً سدسه في الذي لم نُطلق القولَ في الكتابة فيه؛ فإنا تبيّنا أن ذلك السدس كان مكاتباً عنه.
فإن كاتبه على مائةٍ وخمسين، فالتفريع على النص كما تقدم: فالكتابة تجوز في ثُلثه بخمسين، ويأخذ الورثة ثلثي الرقبة، وثلثَ النجوم، وذلك أكثر من ضعف الوصية، ولكن ذلك الكسب بعد الموت غيرُ محسوب من التركة.
فليفهم الناظر هذا الموضع.
ومن فرعّ على التخريج مع الاقتصار على ما وصفناه فطريق الحساب أن يقول: إذا أدّى ما عليه، جازت الكتابة في شيء يساوي ما عليه، فلما جازت الكتابة في شيء وهو يؤدي عنه شيئاً ونصفَ شيء؛ فإن النجوم على هذه النسبة من القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائةُ درهم ونصف شيء، يخرج من المائة أولاً شيء ويعود من النجوم شيء ونصفُ شيء، وتبقى مائة درهم ونصف شيء، وذلك يعدل شيئين، فنطرح نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى مائةُ درهم تعدل شيئاً ونصفَ شيء، والشيء من شيءٍ ونصف ثلثاه، فتصح الكتابة من ثلثي المائة، وهو ثلثا العبد، وللورثة ثلث الرقبة وثلثا النجوم، ومبلغهما جميعاً مائةٌ وثلاثةٌ وثلاثون وثُلُث، وذلك ضعف ما جازت الكتابة فيه، وهو ثلثا الرقبة.
وإن لم يعجّل ما عليه، جازت الكتابة في ثُلُثه في الحال، فإذا أدى بعد ذلك الثلثين، فالتفصيل على ما ذكرناه، وتبيّن بهذا منتهى ما يؤديه وكذا ما تثبت الكتابة فيه.
فإن أدى ثُلثَ الكتابة، زاد في الكتابة مثلَ نصف ما أدى؛ لأنه إذا أدى خمسين، فقد حصل في يد الورثة من النجوم هذا القدرُ، فإذا قلنا: الكتابة واقعةٌ على الثلث و تعديل الكلام على قياس القول المخرّج، فإنه يحصل في يد الورثة ستةٌ وستون وثلثان من الرقبة، وخمسون من النجوم، والحاصل من التبرع في ثلث العبد، فإذا أثبتنا الكتابة في النصف وقيمتُه خمسون، فقد حصل في يد الورثة خمسون من النجوم وقيمة النصف الباقي خمسون، فهذا المجموع ضعف نصف الرقبة.
7111- ثم الذي يجب القطع به أنه إذا أدى ثلثَ الكتابة، لم يعتِق منه شيء؛ فإن الكتابة بطريق التبيّن محلُّها الثلثان، وإذا كان كذلك، لم يعتق منه شيءٌ ما بقي عليه شيء من الكتابة.
وإذا أدى الثلثين، عتق منه الثلثان حينئذٍ؛ فإنه استوفى محلَّ الكتابة بكماله. وقد أطلقنا في حكاية ما أورده الصيدلاني أنه إذا أدى ثُلثَ الكتابة هل تتعدّى الكتابة إلى ثلثٍ آخر؟ وحاصل ما ذكره ابن سُرَيج وجهان:
أحدهما: أنا لا نتعدى ثلثاً، ورددنا الكتابة في الثلثين، وهذا ظاهر النص، وهو القياس؛ لأن الكتابة وإن كانت في صورة المعاوضة، فهي كالتبرع المحض بلا عوض؛ فإنها مقابلة الملك بالملك.
والوجه الثاني- أنه إذا أدى كتابة الثلث، فإنا نثبت الكتابة في ثلثٍ ثانٍ، وإذا أدى كتابةَ الثلث الثاني، أثبتنا الكتابة في الثلث الثالث، ثم لا نحكم بعتق شيء من الأثلاث، حتى يؤدي آخر ما عليه في الثلث الثالث؛ فإنه يستحيل في الكتابة-وهي واحدةٌ- أن ينفذ العتقُ في جزءٍ مع بقاء شيءٍ من النجوم.
7112- وعلينا بقيةٌ صالحةٌ من فقه هذا الفصل في الكتابة، وإنما ذكرنا هاهنا ما مست الحاجة إليه في الحساب.
ولو كاتب المريض العبدَ وقيمتُه مائةٌ بمائتين، فالنص على ما قدمناه؛ فإنه لا يختلف بالزيادة والنقصان في النجم.
وأما التفريع على التخريج مع الاقتصار على ما وصفناه، فسبيل الحساب فيه أن نقول: ثبتت الكتابةُ في شيء من العبد، وبقي عبد إلا شيئاً، فإذا أدى جميعَ ما عليه، فنقول: نجم الكتابة شيئان، فتحصّل في يد الورثة عبد وشيء، وذلك ضعف ما صحت الكتابة فيه في جميع العبد، وإذا عجل المائتين، حصل العتق، ولا حاجة إلى هذا العمل؛ فإنا نعلم أن دور ذلك أن المائتين ضعفُ الرقبة، ولا يضرّ إجراء مراسم الحساب في الجليّات.
هذا تمام المراد فيه إذا كاتب المريض عبداً.
ولو أوصى بأن يكاتَب العبد، كان كما لو أنشأ الكتابة في مرضه.
7113- مسألة: إذا كاتب عبده و قيمتُه مائة على ثلاث مائة، وأوصى بثلث ماله لرجل، فعلى النص يجوز الكتابة في ثلثه بمائة، ويحصل مع الورثة ثلثا الرقبة وثلث الكتابة، وذلك مائة وستةٌ وستون وثلثان، يدفعون منهما إلى الموصى له قيمة الثلث، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، ويبقى معهم مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهي ضعف ما خرج بالكتابة والوصية، وقدمنا الكتابة؛ فإنها منجّزة في المرض، والمنجز في المرض مقدّم على الوصية.
وعلى التخريج يجوز الكتابة في جميعه، فإن عجلها، عتَق، وكان للموصى له قيمة الثلث وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، يبقى مع الورثة مائتان وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف العتق والوصية.
هذا قياس الباب. وهو كلام في صنفٍ واحد.
7114- فأما الكلام في الصنف الثاني، وهو إذا كاتب عبداً في حالة الصحة والإطلاق، ثم أعتقه في مرض الموت، وما كان أدى شيئاً من الكتابة، ويقع التصوير فيه إذا كان كاتبه على مائة وقيمته مائة، فظاهر المذهب أنه يعتِق ثلثُه، كالعبد القِنّ يُعتقه المريض، ثم إذا عَتَق ثلثُه، بقيت الكتابة في ثلثيه، فإذا أدى ما عليه إلى الورثة، عَتَق كاملاً: الثلث بالإعتاق والثلثان على حكم الكتابة.
فإن قيل: إذا نجزّتم العتق في الثلث، والحيلولة واقعة بين الورثة وبين ثلثي الرقبة لثبوت الكتابة فيهما؛ إذ الكتابة جارية في حالة الصحة، فلا ردّ لها إلا بطريق تعجيز نفسه والنجوم في الذمة ليس مالاً حاصلاً؛ فهذا تنجيز الوصية وتأخير حق الورثة.
قلنا: ذهب بعض الأصحاب أنا لا نحصّل من العتق شيئاً حتى يؤدي المكاتَب مثليه، ومهما أدى شيئاً، حصل العتق في مثل نصفه، وعلى هذه النسبة يعتدل الثلث والثلثان.
ولو عجّز المكاتَب نفسه، عَتَق إذ ذاك ثلثُه؛ فإنا عرفنا ثبوت أيديهم الآن على ثلثي الرقبة من غير حيلولة.
هذا مذهبُ بعض الأصحاب، وعليه فرع الأستاذ أبو منصور، ولم يذكر غيرَه، وهو غيرُ مرضيٍّ عند الفقهاء؛ فإن العبد ضُرب الكتابةُ فيه في حالة الصحة، فلو لم يعتقه المريض، لكان جميعه مكاتباً، ولكانت الحيلولة التي تقتضيها الكتابة قائمة، فإذا أورد العتقَ عليه وَرَدَ على محلٍّ فيه حيلولة، فلينفذ العتق في الثلث، وليبق للورثة الباقي على حسب ما تكون الكتابة لو لم يعتق.
7115- التفريع على هذين المسلكين: إن فرعنا على طريق التوقف، فإذا مات المكاتِب، وقد أعتق المكاتَبَ في مرضه، فإن عجَّز نفسَه، ولم يؤدِّ شيئاً، عَتَقَ ثلثُه وانتهى التوقف؛ فإنه سَلِم ثُلثا الرقبة على حقيقة الرق، وزالت الحيلولة التي كانت عليه بالوقف.
وإن اختار المكاتب المضيَّ في الكتابة، فقد قال الحُسّاب: ما يؤديه من النجوم يُحكَم بعتق مثل نصفِه من الرقبة؛ فإن ما يحصل في أيدي الورثة ينبغي أن ينفذ من التبرع مثلُ نصفه، حتى يكون التبرع مع الحاصل في أيدي الورثة على نسب الثلث والثلثين. فإذا أدى ثلثَ النجوم، والنجوم على قدر القيمة، عَتَق فيه سدسُه، فإذا أدى نصفَ النجوم، عَتق منه بقدرها، كذا، إلى أن يؤدي ثُلثَي النجوم، فنحكم بأنه يعتِق منه ثلُثاه بحكم الإنشاء و الثلث وصية، فقد عتَق ثلثُه بالوصية، وإذا عتَق الثلثُ منه، برىء عن ثلث النجوم لا محالة، فإنه لا يتصور أن ينفذ العتق في جزءٍ من المكاتب حتى يبرأ عن مثل نسبته من النجوم. نعم، يجوز أن يَبرأ عن جزءٍ لا يعتق مُقابله شيء، فإن الإبراء كالأداء، فإذا برىء عن ثلث النجوم، وأدّى ئلثي النجوم، عتِق كلُّه لا محالة؛ لأنه لم يُعجِّز نفسَه، ولم يبق عليه من النجوم شيء، وكلّ مكاتَبٍ سقط النجم عنه من غير تعجيز، فهو جزء النسبة، لا يمكن طردها فيما نحن فيه؛ فإنه إذا أدى النصفَ، لم يعتِق منه إلا الربع. فإذا زاد سُدساً تكملةَ الثلثين عَتَق كلُّه، والسبب فيه أنه بتأدية السدس يَبْرأ عن جميع النجوم، وهو قبله مشغولُ الذمّة ببقيّةٍ من النجم، فلا نحكم بعتق كله، فلا طريق إلا رعاية النسبة التي ذكرناها، وهي أنه يعتِق منه مثلُ نصف ما يؤدي.
وما ذكرناه فيه إذا كانت النجومُ مثلَ قيمة الرقبة.
7116- فإن كانت النجوم ضعف القيمة مثلاً، كأنْ كانت قيمةُ العبد مائة، وكاتبه على مائتين في الصحة، ثم أعتقه، والتفريع على قول التوقف: فإن اختار العبدُ تَعْجيز نفسه، سقطت النجوم، وعتَقَ من الرقبة ثُلثها على جهة اليقين.
وإن اختار المضيَّ في الكتابة، فلو أدى نصفَ الكتابة وهو مائة، عَتَق كلُّه بجهة الوصية والأداء، والسبب فيه أنه يحصل في يد الورثة مائة، فيجب أن يعتِق من العبد خمسون، وإذا عَتِق منه خمسون وهو نصفه، سقط نصف الكتابة، ولا يبقى من النجوم إلا نصفُها، يبرأُ عن مائةٍ، تبعاً لعتق النصف، ويعتق النصفُ الثاني بأداء النصف.
وعند ذلك تنتظم عبارة مراسم الجبر، فنقول: عَتَقَ من العبد شيء، وتبعه من الكتابة مثلاه، فبقي في يد الورثة مائتان إلا شيئين، وهما ضعف التبرع، فنجبر ونقابل فتصير المائتان في مقابلة أربعة أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي يعتِق نصفُ العبد، وأنه يسقط نصف النجوم ولا حاجة إلى هذا.
ولو أدى أقلَّ من مائةٍ، مثل أن يؤدي ستةً وستين وثلثي درهم، فإنا نحكم بعتق ثلث المكاتَب؛ لأنه مثلُ نصف ما حصل في أيديهم.
ولو فرض من العبد تعجيز نفسه، لم يفتهم مقدارُ الثلثين؛ فإنه يحصل لهم ثلثا الرقبة، ويدهم الآن مبسوطة في مثل ثلثي الرقبة من النجوم.
7117- وهذا المنتهى فيه غائلةٌ؛ فإن قائلاً لو قال: ثبّتم الحكمَ فيه إذا أدى المائة، وذكرتم نسبةً جاريةً فيه إذا أدى مثلَ ثلثي الرقبة، أرأيتم لو أدى أكثر من هذا أو من النصف؟ قلنا: هاهنا وقفة لابد من تأملها، وذلك أنا لو قلنا: يعتِق من العبد من نصف ما أداه، وقد أدى تسعين مثلاً، فلا نأمن أن يعجِّز العبدُ نفسَه، فتسقط النجوم، وتخرج عن كونها نجوماً، وتصير كسبَ عبدٍ رقيقٍ، وإذا كان كذلك، لم نُجِز الهَجْمَ على اعتبار النسبة فيه، بل الوجه أن يقال: إن كان حصّل العبدُ المكاتَبُ ما أداه في حياة مكاتِبه، فحكم ما أداه-وإن رَقّ- حكمُ التركة، فنقول: إذا أدى تسعين من كسبٍ حصّله في حياة السيد، فيعتِق من الرقبة خمسةٌ وأربعون لا محالة؛ فإن ما حصَل في أيديهم تركة، ولا تُنزع من أيديهم بتعجيز المكاتَب نفسَه.
ولو اكتسب المكاتَب في استمرار الكتابة بعد موت المولى هذه التسعين وأداها، فلو عجّز المكاتَب نفسَه، فالذي يظهر في القياس... أن ما أداه يخرج عن كونه تركة بتعجيزه نفسَه؛ فإنه استفاده ورقبتُه مملوكة للورثة. ثم لم يستمر على الكتابة حتى تستتبع أكسابَه حالة الاكتساب وكانت رقبته للورثة، فالمؤدَّى إذاً لا يحتسب على الورثة؛ فإنه ليس من التركة، ولا يبقى إلا الرجوع إلى الرقبة نفسِها، حتى يقال: يعتِق ثلثُها ويرِق ثلثاها.
وإن قال قائل: لو عتَق المكاتَب، لكان الولاء للمولى إشارةً إلى ما تقدم، حتى كأنه عتَقَ في حال حياته، فإذا رقَّ بعد وفاته، ينبغي أن ينقلب ما حصله بعد وفاته إلى تركة المولى، حتى تُؤدَّى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه بناء على الرق. وإذا انتظم هذا، انبنى عليه أنه محسوبٌ على الورثة؛ من جهة كونه محسوباً من التركة.
قلنا: هذا وإن كان يُخيل عن بُعد، فالكسب حصل في ملك الورثة، فلا معنى لتقدم الرق، والوجه إخراجه من التركة كما تقدم، فإنا لا ننكر كون المكاتَب مملوكاًَ للوارث، وأما الولاء فمن... المذهب، وسنذكر ترتيب الولاء وما يدّعى فيه، وليس بنا ضرورةٌ إلى الإسناد في الكسب، بل كل كسبه لمن كان المكتسِب له إذا عجّز المكاتب نفسه.
هذا تمام البيان في ذلك. وكل ذلك تفريعٌ على التوقف.
7118- ولا امتناع من الإعتاق في شيء قبل الأداء؛ فإنا إذا قلنا: بتنجيز العتق في مقدارٍ، فلا شك في انتجازه في الثلث، وإذا انتجز العتق في الثلث، سقطت الكتابة لا محالة.
فإن كانت النجوم مثلَ القيمة، فلو أدى الثلثين، عَتَق كلُّه، كما قدمناه في التفريع على القول الأول، فإن أدى نصف النجوم، أما الثلث، فقد نجز العتق فيه، وأما الزائد عليه، فحكمه يُتلقى من الغائلة التي ذكرناها في تعجيز المكاتَب نفسَه وفي تفصيل القول في وقت كسبه، فإن كان الكسب في حياة السيد، فهو تركة، فيجب إتمام العتق في مثل نصفه كما ذكرنا، وإن كان الكسب بعد موت المولى فلا يُعتد بالزائد المؤدى مع حكمنا أنه يخرج عن كونه تركة، ولا يحصل العتق بجهة الأداء، ما دام تبقى من وظيفة الكتابة شيء. هذا موضع التنبيه في المسألة.
7119- ومما يتعلق بتمامها أن النجومَ إذا كانت أقلّ من قيمة العبد، كأن كانت قيمةُ العبد مائةً، وقد كاتَبه على خمسين، فأعتقه في المرض، فحق الورثة أقل الأمرين؛ فإنهم إن تعلقوا بالرقبة، قيل لهم: للمكاتب أن يؤدي الخمسين، وإذا أدى عَتَق، وهذا يعارض ما إذا كانت النجوم أكثر، فلا تعلق لهم بالنجوم؛ فإنّ للمكاتَب أن يعجِّز نفسه، وإذا فعل ذلك، سقطت النجوم، ولم يبق للورثة إلا الثلثان.
فنقول: لو أدّى المكاتبُ على خمسين ثلثي الخمسين، عَتَق كلُّه على المسلكين جميعاً، أما على قول الوقف، فيعتق مثلُ ثلث العبد فيبرأ عن ثلث النجوم، ثم إنه أدَّى ثلثي النجوم، وإذا بَرَأ عن ثلثٍ وأدى ثلثين، عَتَق كلُّه، ولا نظر إلى قيمة العبد لما ذكرناه من أنا لا نحتسب للورثة إلا أقل الأمرين.
وأما عن قيمة العتق، فعَتَق ثُلُثُه في كل حساب، ويبرأ عن ثلث النجوم، فلا يبقى إلا الثلثان، فإذا أداها، عَتَق الكل، ثم كان ما يعتق عن جهة الوصية، فهو مستند إلى حالة الإعتاق، وكل ما يعتق بأداء النجوم، فهو حاصل مع أداء التمام.
وقد نجزت المسألة بما فيها.
ولو أوصى سيد المكاتَب بعتق مكاتَبه، وكانت الكتابة جاريةً في الصحة، فالوصية بالعتق بمثابة إنشاء العتق في مرض الموت في القواعد التي ذكرناها.
القول في المسائل الدائرة في النكاح والصداق والخلع والطلاق
7120- مسائل في صداق الحرة والزوج مريض.
نقول في مقدمة المسائل: للمريض أن ينكح أربعاً وما دونهن، وله أن يتسرّى من شاء من جواريه، وله أن يشتريهنّ بأثمان أمثالهن، ويستولدهن. فإذا نكح امرأةً أو نسوةً، ولم يزد في حق واحدةٍ على مهر مثلها، ثبت الصداق من رأس ماله كالديون جُمع.
وإن نكح المريض امرأةً وزاد على صداق مثلها، فالزيادةُ محاباةٌ، فإن استبلّ من مرضه، نفذت الزيادة، فإن مات من ذلك المرض، ورثته المرأةُ وبطلت الزيادة؛ فإنها وصيةٌ لوارث، ولها ميراثُها ومهرُ مثلها.
ولو استمر المرض بالزوج وماتت المرأة، فقد خرجت عن كونها وارثة، والمحاباة وصية لمن لا ترث، وكذلك لو كانت المنكوحة ممن لا ترث، كالذّمية تحت المسلم، إذا أصدقها في مرض موته أكثر من مهر مثلها، وماتت المرأة قبله.
مثاله: إذا تزوجها في مرضه على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون درهماً، ولم يكن للزوج مال غيرُ المائة، فإن مات الزوج قبلها، فلها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، والباقي وصية، ولا وصية لوارث.
وإن لم ترثه كما قدمنا التصوير، فلها بالوصية ثلث الباقي ستةَ عشرَ درهماً وثلثان، والباقي لورثته.
وإن كانت تركة الزوج سوى الصداق مائة درهم فتخرج المحاباةُ لها بزوجها من الثلث.
وإن لم يكن خلّف شيئاً سوى المائة التي جعلها صداقاً، وكان عليه عشرون ديناً: خمسون لمهر المثل لا دفاع له، ويدفع عشرين من الخمسين الباقية إلى الدين، فيبقى ثلاثون درهماً، للمرأة ثُلثُها بالوصية، وذلك عشرة، والباقي لورثته.
فإن ماتت المرأة قبله، ثم مات بعدها فالزوج وارث لها، ولا مال لهما سوى الصداق ولا دين عليهما، دارت المسألة؛ لأن الزوج يرث منها ويزيد ماله بالميراث، وإذا زاد ماله، زادت وصيتها، فإذا زادت وصيتها، زاد ما يرجع إليه بالميراث منها.
وحساب المسألة أن نقول: لها صداق مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ويحصل مع المرأة خمسون درهماً وشيءٌ، ويرجع نصف ذلك إلى الزوج بالميراث، فيحصل مع ورثة الزوج خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، فنجبر ونقابل، فيكون خمسة وسبعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الخمسة والسبعين وذلك ثلاثون درهماً، وهي مقدار ما جاز من المحاباة، فيكون لها عن مهر المثل وعن المحاباة ثمانون درهماً، ويبقى مع الزوج عشرون، ويرجع إليه بالميراث أربعون درهماً، فيجتمع مع ورثته ستون درهماً، وهي ضعف المحاباة.
فإن خلّفت المرأة ولداً أَوْ ولد ابنٍ، قلنا: لها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها من المحاباة شيء، يقع مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ومع المرأة خمسون درهماً وشيء، يرجع رُبعه إلى الزوج، وذلك اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربع شيء، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء؛ وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون اثنان وستون درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، يصير الدرهم مائتين وخمسين، والأشياء أحد عشر، فنقسم العدد على الأشياء، فتخرج اثنان وعشرون درهماً وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وهذا مقدار المحاباة. فيجتمع لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون درهماً وثمانية أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، ورجع إلى الزوج بالميراث ربع الذي حصل للمرأة، وذلك ثمانية عشر درهماً وجزءان من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثته خمسةٌ وأربعون درهماً وخمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وهي ضعف المحاباة.
7121- مسألة: إذا أصدق امرأته في مرضه مائة درهم ومهر مثلها خمسون درهماً، فماتت المرأة قبله، ثم مات الزوج وخلف مائةً سوى الصداق جازت المحاباة كاملة لأنها تخرج من الثلث.
وإن ترك الزوج خمسين درهماً سوى الصداق، وتم لها أيضاً المحاباة، فتملك مهرها مائة، ويرجع نصفُها إلى الزوج، وهو خمسون بالميراث، فيجتمع مع ورثة الزوج مائة درهم، وهي ضعف الخمسين التي هي المحاباة.
7122- فإن كان لها ولد والتركة الزائدة خمسون كما ذكر، فطريق الحساب أن نقول: لها مهر المثل خمسون درهماً، ولها بالمحاباة شيء، فذلك خمسون وشيء، وبقي مع الزوج من الصداق خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه من ميراث المرأة ربعُ خمسين وربع شيء، وهو اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربعُ شيء، ومع ورثة الزوج خمسون درهماً تركة؛ فحصل مع ورثة الزوج مائة واثنا عشر درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون مائة واثني عشر درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، فيكون الدرهم أربعُ مائة وخمسون درهماً والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم الدراهم على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد أربعون درهماً وعشرة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم. هذا قيمة الشيء، وهو المحاباة، فجميع ما صح لها من مهر المثل والمحاباة تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج من المائة تسعة دراهم وجزءٌ من أحد عشر جزءاً من درهم، ومن التركة خمسون، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنان وعشرون درهماً وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثة الزوج أحدٌ وثمانون درهماً، وتسعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وذلك ضعف المحاباة.
7123- وإن لم يكن للزوج تركة، وكان عليه دين عشرون درهماً، كان للمرأة خمسون درهماً لمهر المثل، ولها بالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث من المرأة-إن لم يكن لها ولد ولا ولد ابن- خمسة وعشرون درهماً ونصف شيء، فاجتمع معه خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، فيقضي منها دينَه، وهو عشرون درهماً، تبقى خمسة وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، وبعد الجبر والمقابلة يكون خمسة وخمسون درهماً في معادلة شيئين ونصف، والشيء خمسا الخمسة والخمسين، وذلك اثنان وعشرون درهماً، وهي المحاباة، فجميع ما صح لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون درهماً، وبقي مع الزوج ثمانية وعشرون، ورجع إليه بالميراث نصف ما حصل للمرأة، وهو ستة وثلاثون درهماً، فاجتمع مع ورثة الزوج أربعة وستون قضينا منها دين الزوج، وهو عشرون درهماً، يبقى لهم أربعة وأربعون درهماً، وهو ضعف محاباة الزوج.
7124- فإن كان للمرأة ولد، فلها مهر المثل خمسون درهماً وبالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف درهم وربعُ شيء، فاجتمع له اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء، نقضي منها الدين، عشرين، فيبقى اثنان وأربعون درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء، تعدل شيئين، فنجبر ونقابل ونبسط، فتكون الدراهم مائة وسبعين والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم العدد على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد خمسةَ عشرَ درهماً وخمسةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فذلك مقدار المحاباة النافذة، وجميع ما صح لها مهراً ومحاباةً خمسةٌ وستون درهماً وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج أربعة وثلاثون درهماً وستة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك ستةَ عشرَ درهماً وأربعةُ أجزاء من أحد عشرَ جزءاً من درهم، يقضي منها دينه، وهو عشرون درهماً، يبقى مع ورثته ثلاثون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف محاباة الزوج.
7125- فإن كان للزوج تركة وعليه دين قوبل أحدُهما بالآخر، فإن استويا فكأنْ لا تركة ولا دين، فإن اختلفا في المقدار، أسقطنا الأقل منهما من الأكثر، فما فضل بالاعتبار على ما تقدمت نظائره في الأبواب السابقة.
7126- مسألة: إذا أصدق في مرضه امرأةً مائةَ درهم، ومهرُ مثلها خمسون درهماً، وماتت المرأة وخلفت مائة درهم سوى الصداق، ثم مات الزوج، ولم يترك سوى ما ذكرناه، ثبتت المحاباة، فنقول ملكت بالصداق مائة ولها مائةٌ سواها، فذلك مائتان، ورجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك مائة، فيحصل لورثة الزوج مائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ المحاباة خمسون.
7127- فإن ترك الزوج سوى الصداق عشرين درهماً، وتركت المرأة سوى الصداق ثلاثين درهماً، فنقول: لها مهر مثلها خمسون، ولها بالمحاباة شيء، ولها من التركة ثلاثون، فذلك ثمانون درهماً وشيء، يرجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك أربعون درهماً ونصفُ شيء، وكان الباقي معه من الصداق خمسون إلا شيئاً ومن التركة عشرون درهماً، فزِد على ذلك ميراثَه من المرأة، فيجتمع مع ورثته مائةٌ وعشرة دراهم إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وعشرة دراهم تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والعشرة، وذلك أربعة وأربعون درهماً، فهي المحاباة الجائزة، تأخذها المرأة مع مهر مثلها تضمها إلى تركتها، فيجتمع لها مائة وأربعة وعشرون درهماً، ويرث الزوج نصفها، وذلك اثنان وستون درهماً، وكان الباقي معه ستة ومن التركة عشرون، فيجتمع للزوج ثمانية وثمانون درهماً، وهي ضعف المحاباة النافذة.
وإن كان على كل واحد منهما عشرون درهماً دَيْناً، ولا مال لهما سوى المائة الدائرة بينهما، فنقول: لها مهر المثل خمسون درهماً من رأس المال، وهو مقدم على الدين؛ لأنه صداق لازم، لا دفاع له، ولها بالمحاباة شيء، فتركتُها خمسون درهماً وشيء، ويخرج منها دينها، وهو عشرون درهماً، فيبقى ثلاثون درهماً وشيء، يرجع نصفها بالميراث إلى الزوج، وذلك خمسةَ عشرَ درهماً ونصفُ شيء، ونزيده على الباقي مع الزوج، وهو خمسون إلا شيئاً، فيبلغ خمسة وستين درهماً إلا نصفَ شيء، يخرج منها دينه وهو عشرون درهماً، يبقى منها خمسةٌ وأربعون درهماً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبرهما بنصف شيء، فيبقى خمسة وأربعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الدراهم، وذلك ثمانيةَ عشرَ درهماً وهي المحاباة النافذة، فتأخذها المرأة مع مهر مثلها، وهو خمسون، فذلك ثمانيةٌ وستون درهماً، يخرج منها دينها، وهو عشرون، يبقى ثمانيةٌ وأربعون درهماً، يرجع إلى الزوج نصفُها بالميراث، وذلك أربعةٌ وعشرون، وكان الباقي معه من المائة اثنان وثلاثون، فاجتمع معه ستة وخمسون، يخرج منها دينه، وذلك عشرون، يبقى لورثته ستةٌ وثلاثون، فهي ضعف المحاباة الخارجة.
7128- مسألة: إذا أعتق رجلٌ جاريةً له في مرض موته، لا مال له غيرُها، وقيمتُها ألف درهم، ثم تزوجها ووطئها، ومهر مثلها خَمسُمائة درهم، قال الشافعي: "هذه المسألة يدخلها الدور"، ولم يزد على هذا، فقال الأصحاب: العتق جائز في مقدار ما يحتمله الثلث، على ما سنشرحه، ونسقط من المهر مقدارَ ما يبطل فيه العتق، والنكاح فاسدٌ في الأصل؛ لأنه مالكٌ لبعضها.
وحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء من الأمة، وبطل في أمة إلا شيئاً، فيسقط منها للمهر نصفُ ما جاز العتق فيه، فإن المهر نصف القيمة، فإذاً هو نصف شيء، يبقى أمةٌ إلا شيئاً ونصف، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتكون أمة تعدل ثلاثة أشياء ونصف، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم، فتكون الأمة سبعة والشيء اثنين، فنقول: صح العتق في اثنين من سبعة، وهو سبعاها.
وسبيل الامتحان بيّن.
وفرض الحُسّابُ أن يكون مهرُها أكثرَ من قيمتها، وهو بعيدٌ في التصوير، ولكن نذكره؛ فإن الغرض التدرّبُ في كل فن.
فإن كان مهرها ألفين وقيمتها ألف، فحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء منها، ولزم شيئان من المهر، فبقي مع الورثة أمةٌ إلا ثلاثةَ أشياء؛ فإنا نحسب ما لزم من المهر منها، فبقي أمة إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فنجبر ونقابل؛ فتصير الأمة في معادلة خمسة أشياء، فنقلب الاسم، فنقول: الأمة خمسة، والشيء واحد، وهو خمسها، فيعتق خمسها، والمسألة سديدة على الامتحان.
7129- مسألة: للرجل أن يخالع امرأته في مرض الموت على أقلّ من مهر مثلها؛ إذْ له أن يطلقها بلا عوض، وهل للمرأة أن تتزوج في مرض موتها بأقلّ من مهر مثلها؟ فيه اختلاف مشهور، والذي نرى التفريعَ عليه الآن أن للمرأة في مرضها ذلك؛ فإن البُضع لا يبقى للورثة بعد الموت، فليس موروثاً، ولكن ليس للمريض أن يزيد المرأةَ على مهر مثلها، وليس للمرأة أن تخالع نفسَها بأكثرَ من مهر المثل، وأيهما زاد على مهر المثل، كانت الزيادة منه محاباة.
7130- فإذا ثبتت هذه المقدمة فلو اختلعت المرأة نفسها في مرض موتها بمائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، ولا مال لهما غيرُه، ولم يُجز الورثة، فللزوج مهرُ مثلها خمسون درهماً من رأس المال، وله ثلث الباقي: ستة عشر درهماً وثلثان، بالمحاباة، ولورثتها ثلاثة وثلاثون وثلث، فإن كان عليها عشرون درهماً ديناً، أخرجنا مهرَ المثل، وأخرجنا الدين يبقى للزوج ثُلثُ ما بقي بالمحاباة، ولا دورَ.
7131- فإن اختلعت نفسها على مائةٍ ومهرُ مثلها أربعون، ثم إن الزوج عاد فتزوجها في مرضه على تلك المائة بعينها، ثم ماتا في مرضيهما، وتركت المرأة عشرةً غيرَ الصداق، ولم يترك الزوج شيئاً، فإن كان الزوج مات أولاً، بطلت محاباته للمرأة؛ لأنها ورثته، والوصية لمن يرث مردودةٌ، ويكون للزوج مهر المثل أربعون درهماً من رأس المال، وله شيء بالمحاباة، فجملة تركته أربعون درهماً
وشيء، و للمرأة من ذلك بالنكاح الثاني أربعون درهماً مهر المثل من رأس المال، ولها ربع الباقي، وهو ربع شيء بالميراث، فيجتمع مع ورثتها مائة وعشرة دراهم إلا ثلاثة أرباع شيء، تعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فمائة وعشرة تعدل شيئين وثلاثة أرباع، فالشيء أربعة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من الدراهم، وذلك أربعون درهماً، وهو ما جازت المحاباة فيه، فيأخذ الزوج مهرَ المثل أربعين درهماً من رأس المال، وأربعين بالمحاباة، فذلك ثمانون درهماً، للمرأة من ذلك أربعون درهماً بمهر المثل في العقد الثاني، ولها ربع الباقي بالميراث، فيجتمع مع ورثتها ثمانون درهماً ضعف محاباتها، ومع ورثة الزوج ثلاثون، ولم يكن من قِبله محاباةٌ صحيحة.
فإن ماتت المرأة قبل الزوج، ولم يترك غير المائة، بطلت محاباتها للزوج، وبطلت محاباة الزوج أيضاً؛ لأنه إنما أصدقها المائة بعينها، ولم يكن يملك منها إلا قدرَ مهر مثلها، فكأنه أصدقها ما يملك وما لا يملك. فقد نقول: في قولٍ يبطل المهر المسمّى ويرجع الحكم إلى مهر المثل، فيجب لكل واحد منهما على صاحبه مهرُ المثل، ويتقاصان ذلك، ثم يرث الزوج نصف المائة عنها، فتكون لورثته.
7132- وإن كان أصدقها في ذمته، فإنه يصح لها المحاباة، وحسابه أن المبلغ يصح في مهر المثل وهو أربعون درهماً، ولا محاباة للزوج، ويرجع إلى المرأة بصداقها أربعون، ولها شيء بالمحاباة في ذمة الزوج، فتكون تركتها مائة درهم وشيء، يرث الزوج نصفها، وهو خمسون درهماً ونصفُ شيء، يخرج من ذلك ما عليه للمرأة بالمحاباة، وذلك شيء، يبقى لورثة الزوج خمسون درهماً إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين. فإذا جبرنا وقابلنا، فالشيء خُمسا الخمسين، وهو عشرون فهي المحاباة الجائزة، فلها بالمحاباة عشرون، ويجب للزوج عليها مهر مثلها، ولها أيضاً عليه مهر مثلها بالنكاح الثاني فيتقاصان، ويفضل لها عليه عشرون درهماً، وهي المحاباة، فتكون تركتها مع العشرين التي على الزوج مائة وعشرين، يرث الزوج نصفها ستين، فيسقط عن الزوج ما عليه للمرأة وهو عشرون احتساباً من حصته على ما تقدم في العين والدين، فيبقى لورثته أربعون درهماً، ضعفُ محاباته.
7133- ولو تزوجها في مرضه على مائة ومهر مثلها خمسون، ودخل بها، ثم اختلعت نفسها في المرض على مائة، ولا مال لها غيره ولا نأمن من مرضيهما، ولم يُجز الورثة.
فحساب المسألة أن نقول: للمرأة خمسون وشيء، للزوج منها خمسون درهماً مهر المثل من رأس المال، وله ثلث الشيء بالمحاباة، ولورثتها ثلثا شيء، ولورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائة تعدل شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، وهو المحاباة الجائزة للمرأة تأخذها مع مهر المثل، ومبلغ الجميع سبعة وثمانون درهماً ونصف، ثم يأخذ الزوج من ذلك مهرَ المثل: خمسين درهماً، ويأخذ ثلثَ الباقي بالمحاباة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف، ويبقى للورثة خمسة وعشرون درهماً، ولورثة الزوج خمسة وسبعون.
والدور في هذه المسألة إنما يقع في فريضة الزوج؛ لأنه خرج منه شيء ورجع إليه بعضُه، فزادت تركتُه، وزاد لأجل ذلك ما استحق عليه، ولا دور في فريضة المرأة؛ لأنه لم يعد إليها شيء مما خرج منها.
فإن تركت المرأة شيئاً غيرَ الصداق، فقد يتجه من طريق التقدير مسلكٌ يُغني عن الجبر، فنقول: يضم ثلث تركتها إلى المائة التي تركها الزوج، ثم نأخذ ثلاثة أثمان ذلك، كما ذكرنا في المسألة، فما كان، فهو مقدار المحاباة.
ولا فرق في هذه المسألة بين أن يموت الزوج قبل المرأة، أو المرأة قبل الزوج، لأنهما لا يتوارثان، وأيهما صحّ من مرضه، صحت محاباته كلها.
7134- مسألة: إذا أصدق الرجل امرأته صداقاً صحيحاً، ثم إنها اختلعت نفسها بالصداق قبل المسيس، فهذه مسألة منعوتة في كتاب الخلع، وتتعلّق بأصولٍ منها أقوال تفريق الصفقة، والحصر والشيوع، والقول في أن ما يفسد من الصداق يرجع إلى بدله أو إلى مهر المثل، ونحن نريد أن نفرّع هذه المسألة في فرضٍ حسابي، فالوجه تفريعها على أصح الأقوال وأظهر الأصول و الأليق بما نحن فيه.
فالأصح قول الشيوع، وأن الرجوع إلى مهر المثل في القدر الفاسد من الصداق، واللائق بالأصل الذي نفرعه أن لا يبطل بالتفريق؛ فإن دوائر المحاباة مفرعة على أن التفريق لا يُبطل التصرف فيما صح إفراده.
هذا القدر كافٍ في فقه هذه المسألة، ومن أرادها مشروحةً في فقهها، فسيراها مشروحة في كتاب الخلع، إن شاء الله عز وجل، فنقول:
7135- إذا أصدق الرجل امرأةً مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، وقد جرى العقد في المرض، ثم إنها اختلعت نفسَها بالصداق قبل المسيس والدخول، فالخلع قبل المسيس يتضمن تشطير الصداق، فنعلم على الجملة أن المحاباة يخرج تمامها من الأصل، بسبب أنا إذا قدرنا ثبوت المائة صداقاً، ثم يرجع نصف المائة بالتشطير، فيقع نصفها عوضاً، فيحصل لورثة الزوج مائة لا محالة، والمحاباة خمسون.
7136- ولو كان مهر مثلها اثنا عشر درهماً، وقد أصدقها الزوج المريض مائة درهم، ثم إنها اختلعت نفسها في المرض بصداقها، وذلك قبل المسيس، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: للمرأة نصفُ مهر مثلها من رأس مال الزوج، وهو ستةُ دراهم، ولها شيء بالمحاباة، وإنما أثبتنا النصفَ لأنه لا فائدة في إثبات تمام المهر أولاً وإسقاطِ نصفه آخراً، فيثبت لها النصف في العمل، وإذا لم نقدم كمال المهر، عبَّرنا عما يسلم لها بالمحاباة بشيء؛ إذ لو قدرنا المهر كاملاً، لقلنا: لها اثنا عشر، والمحاباة شيء، ثم نُسقط نصفَ شيء، وهذا مزيد عملٍ، لا يُحتاج إليه، وشرط العمل بالجبر أن نفتتحه من موضعِ الخاجة. وإن قدرتَ اثني عشر درهماً وشيئاً، ثم
شطّرته، لم تخرج المسألةُ سديدةً.
فخذ نصف المهر، وعبّر عما يسلم لها بالمحاباة بشيء، وصاحب الجبر يعبّر عن المجهول الأول بالشيء، وإن كان نقصاً في حساب من يقدّره، ولهذا قلنا في مسائل الإقرار: إذا أقرّ رجلان وقال كل واحد منهما: لفلان عليّ عشرة وربع ما على صاحبه. فإذا افتتحنا العمل، قلنا: على أحدهما عشرة وشيء، كذلك هاهنا نقول: للمرأة نصف مهر المثل ستة من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فجميع تركتها ستةُ دراهم وشيء، للزوج من ذلك مهرُ المثل اثنا عشر درهماً، نعني مقدارَ مهر المثل؛ فإنا لم نفسد المخالعة، وإنما ذكرنا هذا حتى لا يظن ظانٌّ أنا نفرع على إفساد بدل الخلع، والرجوع إلى مهر المثل؛ فإنا لو فعلنا هذا، لسقطت المحاباة في المخالعة، وليست ساقطةً، كما ذكرنا أنه سيأتي، إن شاء الله تعالى.
لكنا ذكرنا مهرَ المثل لأن هذا المقدار مستحقٌّ لا محاباة فيه، فهو محسوب من رأس تركتها، فإذا أخذنا اثني عشر درهماً من ستةٍ وشيء، فقد أخذنا الستة وستة من الشيء، يبقى معها شيء إلا ستةَ دراهم. ثم نقول: للزوج من ذلك ثُلثُه؛ فإن المحاباة في ثلث ما بقي بعد الدين صحيحة، وذلك إذاً ثُلثُ شيءٍ إلا درهمين؛ فإن جزء الشيء يأخذ حصته من الاستثناء، وإنما أخرجنا حصتها ولم نصحح من الاستثناء؛ فإنه لا دور في جانبها؛ إذْ لا يعود إليها شيء، والدور إنما يأتي إذا كان يعود شيء إلى جنب تخريج ووقع الدور في جانب الرجوع عن المحاباة شيء لأن جا نب الزوج يعود إليه بالخلع ما يخرج بالإصداق، فإذاً لورثة المرأة ثلثا شيء إلا أربعة دراهم، ويحصل لورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة وأربعة دراهم إلا ثلثي شيء. هكذا يخرج الحساب إذا جمعت ووافقت الدراهم والاستثناء، والشيء الحاصل في يد ورثة الزوج يعدل ضعف المحاباة، وهو شيئان، فإذا جبرناهما من الجانبين، صارت مائة وأربعة تعدل شيئين وثلثي شيء؛ فالشيء ثلاثة أثمان مائة وأربعة، وهو تسعة وثلاثون درهماً، وهي الجائزة بالمحاباة لها في الإصداق.
فإذا امتحنت المسألة، صحت على الامتحان، فإنك تقول: المسمى صداقاً قد سلم للمرأة منه ستة دراهم وشيء، وبان أن الشيء تسعةٌ وثلاثون، فالمجموع خمسة وأربعون، ثم لما اختلعت سلّمت إلى الزوج مما معها اثني عشر، فيبقى ثلاثةٌ وثلاثون، فنسلّم إلى الزوج ثُلثَ هذا الباقي وهو أحدَ عشرَ، فمجموع المأخوذ من المرأة ثلاثة وعشرون، فنضمها إلى ما كان بقي للزوج من المائة، وهو خمسة وخمسون، فيصير المجموع ثمانية وسبعين وهذا ضعف المحاباة؛ إذ كانت المحاباة تسعةً وثلاثين.
ونقول في جانب المرأة: أخذنا من الباقي وهو ثلاثة وثلاثون الثلث، فاستمر حساب التثليث والمحاباة.
هذا ما ذكره الأستاذ أبو منصور وهذا طريقه في تقدير النسبة؛ وذلك أنه قال: ننظر إلى مهر المثل، فإذا هو اثنا عشر درهماً، فنأخذ ثلثه، ونضمه إلى المائة، فيكون المجموع مائة وأربعة، فنأخذ ثلاثة أثمان هذا المبلغ، وهي تسعة وثلاثون، فهي المحاباة المنفذة للمرأة في رأس المال، فلها نصف مهر المثل وتسعةٌ وثلاثون درهماً بالمحاباة، وذلك خمسة وأربعون، فما بلغ خرج بالجبر.
هذا منتهى كلام الأستاذ أبي منصور رضي الله عنه.
7137- وفي وضع المسألة زَلَلٌ واضح، وافتتاح القول وبيانه أن حق مسلك الجبر في مثل هذه المسألة أن نبيّن بالمعادلات مبلغَ المحاباة الأولى، ونفرِّعها نصفاً مما تبقى في يد الورثة، ثم يقع التصرفُ بعدُ، وهذا المسلك الذي ذكرته يؤدي إلى هذا؛ فإنه أبان فيما زعم مقدار ما يسلّم للمرأة بعد تقدير التشطّر.
والقول الجامع في هذا تقسيمٌ لا دفع له، وهو أن نقول: إن كان الشيء الذي أبهمه في وضع المسألة جميع المحاباة في عقد الإصداق، فينبغي أن يرجع نصفُه بحق الشطر إلى الزوج، وليس في عملنا ذلك، فإن كان ما سلم لها شطر المحاباة، فينبغي أن يكون ضعفُ هذا القدر كلَّ المحاباة، ثم يجب أن ينتظم على حسب هذا تعديلُ الثلث والثلثين، فإذا كانت المحاباة ثمانيةً وسبعين، لم يتسق في حسابٍ تقرير ضعف ذلك في يد الورثة، فالمسألة محتملة فاسدة الوضع.
7138- والوجه في افتتاح عملنا أن نقول: لما أصدقها المائة، ومهرُ مثلها اثنا عشر، فلها مهر مثلها بعد الإصداق، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى في يد الزوج ثمانية وثمانون إلا شيئاً، ثم يرجع نصفُ الصداق بالخلع أو بالطلاق قبل المسيس إلى الزوج، وذلك ستة دراهم ونصفُ شيء، فيجتمع للزوج أربعةٌ وتسعون إلا نصفَ شيء، فإنه كان معنا استثناء الشيء، فلما ضممنا إليه نصفَ شيء، عاد الاستثناءإلى نصف شيء.
ثم نقول: يأخذ الزوج بحق العوض مما في يدها مهرَ مثلها، وفي يدها ستةٌ ونصف شيء، فيأخذ الستة وستةً أخرى من نصف شيء، فيبقى في يدها نصف شيء إلا ستة دراهم، وللزوج مما في يدها بعد أداء الدين ثُلُثُه، وهو سدس شيء إلا درهمين، فنضم الاثني عشر وثلثَ المحاباة إلى ما كان تجمع في يد الزوج، فتبلغ الدراهم أولاً مائةً وستة، ثم نضم سدس شيء فيه استثناء درهمين، فينقص درهمين من الدراهم ومن نصف شيء سدس، فيضم الآن إلى حساب الشيء، وقد كان معنا استثناء نصف شيء، فيعود الاستثناء إلى ثلث شيء، فالحاصل مائة وأربعةٌ إلا ثلثَ شيء.
وهذا الآن يعدل ضعف المحاباة الأولى، وهي شيء، وضعفها شيئان، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وأربعة في معادلة شيئين وثلثَ شيء، فنبسط الأشياء أثلاثاً، فتصير سبعة، ونكتفي بهذا القدر من البسط، فنعلم أن الشيء ثلاثة أسباع المائة والأربعة وثلاثة أسباعها أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع. هذا قيمة الشيء.
ونعود فنقول: تأخذ المرأة أولاً من المائة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، وتأخذ بالمحاباة أربعةً وأربعين وأربعةَ أسباع، والمجموع ستةٌ وخمسون وأربعةُ أسباع، ثم يسقط نصف ذلك بالتشطير، وهو ثمانية وعشرون وسبعان، فنضمه إلى ما كان بقي مع الزوج، ونقول بعده: يأخذ الزوج مما بقي في يد الزوجة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، فيبقى ستةَ عشرَ وسبعان، ويأخذ أيضاً ثُلثَ ذلك، وهو خمسة وثلاثة أسباع، ومجموع هذا سبعةَ عشرَ وثلاثة أسباع، فنضم هذا أيضاً مع الشطر الذي قدمناه إلى ما كان بقي من المسألة، فيصير المبلغ تسعةً وثمانين وسُبع، وقد صحت المسألة معدّلةً.
والامتحان فيها أن الشيء الذي كان فيها محاباة خرج بالعمل أنه أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع، وهذا مثل نصف التسعة والثمانين والسبع الذي سلم لورثة الزوج بحساب الشطر، والعوض المؤلف من مهر المثل وثلث المحاباة بعده.
ولا يكاد يخفى أن مقدار التبرع من عوض الخلع مثلُ نصف ما تبقى في يدها وذاك لا عوض منه؛ فإنا أخذنا ثلثاً، ولا دور في جانبها، فلاح بمجموع ما ذكرناه الحقُّ الذي لا إشكال فيه، واتضح وجهُ الخطأ فيما ذكره الأستاذ.
وإن أراد الناظر أن يُبيّن تفاوتَ ما أدى إليه المسلكان، قلنا له: الذي سلمه الأستاذ إليها من المحاباة تسعة وثلاثون، والذي سلم لها بما رأيناه اثنان وعشرون وسبعان.
7139- مسألة: إذا تزوج المريض امرأة على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها عشرةُ دراهم، ثم ماتت المرأة قبله، وخلّفت عشرةَ دراهم سوى الصداق، فأوصت بثلث مالها، ثم مات الرجل. فحساب المسألة أن نقول: جاز للمرأة عشرةُ دراهم بمهر مثلها، ولها بالمحاباة في المهر شيء، ومعها من التركة عشرة دراهم، فجميع ما لَها عشرون درهماً وشيء، للموصى له ثُلثُها، وذلك ستة دراهم وثلثان وثلث شيء، وكان الباقي معه تسعون درهماً إلا شيئاً، ثم إنه يرجع إليه بالميراث نصفُ ما بقي معها بعد الوصية، وهو ستة وثلثان وثلث شيء، فالجميع ستة وتسعون درهماً وثلثان إلا ثلثَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ستة وتسعون درهماً وثلثان يعدل شيئين وثلثَ شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيصير العدد مائتين وتسعين والأشياءُ ثمانيةً، نقسم العدد على الأشياء، فتخرج ستةٌ وثلاثون درهماً وربع، فهذا قدر المحاباة، ولها عشرةُ دراهم بمهر المئل، فجميع ما لَها ستة وأربعون درهماً وربع، وبقي مع الزوج ثلاثة وخمسون درهماً وثلاثةُ أرباع درهم، وقد أخذت المرأة ستةً وأربعين درهماً وربعَ درهم، وكان معها عشرةُ دراهم، فجميع مالِها ستةٌ وخمسون وربع، للموصى له ثلثها، وهو ثمانيةَ عشرَ وثلاثة أرباع درهم يبقى معها سبعة وثلاثون درهماً ونصف، للزوج بالميراث نصفها، وهو ثمانيةُ عشرَ وثلاثةُ أرباع، فنزيدها على ما كان قد بقي معه، وذلك ثلاثةٌ وخمسون وثلاثةُ أرباع، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وسبعون درهماً ونصف، وذلك ضعف محاباته التي هي ستة وثلاثون وربع.
القول في مسائل دائرة في الجنايات والعفو وما يتعلق بها
7140- مسألة: إذا جنى عبدٌ قيمته خمسةُ آلافٍ على حرٍّ، ورأينا تقويم الأروش، فبلغت قيمتُها عشرةَ آلاف، وكانت الجناية خطأً، وانتهى المجروح إلى مرض الموت، فعفا المجنيُّ عليه عن العبد، وكان لا يملك شيئاً، فالعفو ينصرف إلى السيد وهو المعنيُّ به، فلا يدخل في الوصية للقاتل. ثم إن للسيد تسليم العبد، فلا دور، فيصح العفو عن الثلث.
فإن قيل: هلاّ قلتم: نزل العفو على ثلث الدية، ثم إذا سلّم العبد، فرقبته تتعلّق بثلثي الدية، فلا يستفيد السيد بالعفو على هذا التقدير شيئاً؟ قلنا: الغرض من هذا ومن تحقيق المسألة يستدعي تقديم أصلٍ، وهو أن العبد إذا جنى جنايةً، فإنه يتعلق أرشها بالرقبة-وكان الأرش مثلَ قيمة الرقبة، حتى لا نقع في اختلاف الأقوال فيما يُفتدَى العبد به- فلو أبرأ المجنيُّ عليه العبدَ عن ثلث حقّه، فظاهر المذهب وما أشعر به كلام الأئمة أنه تنفك ثلث الرقبة عن تعلّق الأرش، وليس ذلك كتعلق الدين بالرهن؛ فإن مستحق الدين لو استوفى معظمَ الدين إذا برأ عنه المدين، فالمرهون يبقى موثقاً ببقية الدين، لا ينفك من ذلك شيء، والفرق أن وثيقةَ الرهن أُثبتت في الشرع لتوثيق كلِّ جزء من الدين بجميع الرهن، وتعلّقُ الأرش بالرقبة ليس في معنى وثيقةٍ على الحقيقة، وإنما حق مالية في رقبة العبد، وآية ذلك أنه ليس في ذمة السيد من الأرش شيء، فكان تعلّق الحق بملكه انبساطَ حق مالية على الرقبة، وهذا يقتضي التقسيطَ، وعلى هذا لو أبرأ السيدَ عن بعض الأرش، لزم منه انفكاكُ قدرٍ من الرقبة عن التعلّق به، صرح الأستاذ-فيما حكاه- بهذا.
وغالب ظنِّي أن من جعل تعلّق الأرش بالرقبة بمثابة تعلق الدين بالرهن. وهذا-إن كان، فخروجه- على قولنا: إن الأرش يتعلق بذمة العبد ولا يتعلق برقبته، فقد يضاهي من هذا الوجه المرهونَ، وتعلّق الدين به.
7141- فإذا تمهد ما ذكرناه، قلنا: إذا سلّم مالك العبد العبدَ وقد ثبت إبراؤه، فالذي رأيناه للأصحاب وأهل الحساب أن إبراء المبرىء ينزل على ثلث الرقبة، ويسقط ارتباطُ حق الجناية به، وكذلك إذا أراد السيد أن يفديَه، وقلنا: إنه يفديه بأقلّ الأمرين، وكانت القيمة أقلَّ أو كانت مثل الأرش، فلا دور، والعفو نازلٌ على تخليص ثلث الرقبة، والسبب فيه أنه لا تعلّق لورثة المجني عليه المتوفَّى إلا هذا العبد، فلو لم يكن عفوٌ، لم نجد متعلَّقاً غيره، فإذا جرى العفو، نزل على ثلث العبد.
يخرج ممّا ذكرناه أنه إذا سلّم العبدَ ليباع، لم تَدُر المسألة، وحُكم بسقوط الحق عن ثلث رقبته.
فإن أراد أن يفديَه، وقلنا: إنه يفديه بالأقل، فهو كما لو سلّمه، فلا تدور المسألة.
وإن فرعنا على أن السيد يفدي عبده بالأرش بالغاً ما بلغ، والأرش عشرة آلاف وقيمة العبد خمسة آلاف، والتفريع على الوجه المشهور، المعتد به، وهو أنا نفك عن الرقبة بقسط الأرش، فالمسألة تدور.
7142- وحسابها أن نقول: صح العفو في شيء من العبد، وبطل في عبدٍ إلا شيئاً، يفديه صاحبه، فضعِّفه؛ لأن الدية ضعف القيمة، فنقول يفديه بعبدين إلا شيئين، فيحصل مع ورثة العافي عبدان إلا شيئين يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيثبت عبدان في معادلة أربعة أشياء، ونقلب الاسم، فنقول: العبد أربعة، والشيء اثنان، والاثنان من الأربعة نصفها، فصحّ العفو في نصف العبد وانفك، ويأخذ ورثة المقتول نصفَ الدية وهو خمسة آلاف، والمنفك من العبد ألفان وخَمسُمائة، فاعتدل الثلث والثلثان. ولو فككْنا العبدَ وغرّمنا السيدَ ثلثي الدية، لكان ما تبقى لورثة العافي أكثرَ مما جرى العفو فيه.
فهذا بيان الدور وسبيله.
7143- ولو كانت قيمة العبد ألف درهم والدية عشرة آلاف وقد جرى العفو كما صورنا، فالوجه أن نقول: صح العفو في شيء وبطل في عبد إلا شيئاً، وفدى السيدُ باقيَه، وهو عبدٌ إلا شيئاً بعشرة أمثاله؛ لأن الدية عشرةُ أمثال القيمة، فيكون عشرة أعبد إلا عشرة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر وقلب الاسم يصير العبد اثني عشر، والشيء عشرة، وهو خمسة أسداس الاثني عشر، فيصح العفو في خمسة أسداس العبد، ويفدي السيد سدسه بسدس الدية، وهو ألف وستُّمائة وستة وستون وثلثان، وهي ضعف الأسداس التي يصحّ فيها العفو.
وإن قلنا: إن الفداء يقع بأقلِّ الأمرين برىء ثلث العبد، وفدى ثلثيه بثلثي قيمته، ولم يكن في المسألة دَورٌ.
7144- ولو كانت قيمة العبد عشرة آلاف والدية ثلاثة آلاف، فإن اختار تسليمَ العبد، سلّم ثلثي العبد ليباع، وصح العفو في ثلثه.
وإن اختار الفداء، فإن قلنا: يلزمه أن يفديه بأقل الأمرين، لزمه أن يفديَ ثلثيه بثلثي قيمته.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية بكمالها، فحساب المسألة أن نقول: صح العفو في شيء من العبد، والسيد يفدي الباقي، وهو عبدٌ إلا شيئاَّ بَثلاثة أمثاله ومثلِ ثُلثه؛ فإن نسبة الدية كذلك تقع. ولكن لابد من الاستثناء ليقع التضعيف، فيفدي عبداً إلا شيئاً بثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء وثلث شيء، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يعدل ثلاثة أعبد وثلثُ عبدٍ خمسةَ أشياء وثلثَ شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم؛ فيكون العبد ستةَ عشرَ، والشيءُ عشرةً، وهو خمسة أثمانها، فيصح العفو في خمسة أثمان العبد، ويفدي ثلاثةَ أثمانه بثلاثة أثمان الدية، فما يبذله في الفداء مثل ثلاثة أثمان قيمة الدية، وهو ضعف خمسة أثمان العبد.
7145- ولو كانت قيمة العبد ستةَ آلاف واختار الفداء وقلنا الفداء يقع بالدية؛ فإن العفو يصح في شيء منه، ويفدي باقيه، وهو عبد إلا شيئاً بمثله ومثل ثلثيه لأن الديةَ مثلُ القيمة، ومثلُ ثلثيها، فيحصل مع ورثة العافي عبدٌ وثلثا عبدٍ إلا شيئاً وثلثي شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبد وثلثا عبد يعدل ثلاثة أشياء وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبدُ أحدَ عشرَ والشيء خمسةً، فيصح العفو في خمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من العبد، ويبطل في ستة أجزاء منه، ويفدي السيد الأجزاء بمثلها، ومثل ثلثيها، وذلك عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما جاز العفو فيه.
وإن كانت قيمة العبد أحد عشر ألفاً والدية عشرة، فلا دَوْرَ، فإن المسألة إنما تدور إذا زاد الأرش على مبلغ القيمة، على قولنا يقع الفداء بالأرش بالغاً ما بلغ، فإن اختار سيدُ العبد الفداء، فدى ثلثيه بثلثي الدية، وصح العفو في ثلث الرقبة. وإن اختار البيع، سَلّمَ ثُلثيه فيباع منه بقدر ثلثي الدية.
7146- مسألة: إذا جرت جنايةُ العبد والعفُو عنه، كما صورنا، وكان للعافي تركة، وكانت القيمة أقلَّ من الدية، فترك السيد ضعفَ القيمة، جاز العفو في جميعه، لأن السيد لو اختار التسليم، لم يكن للورثة غيرُ قيمته.
وإن ترك أقلَّ من ضعف قيمته، ضممنا تركتَه إلى قيمة العبد، وحصل لسيد العبد ثُلث هذه الجملة، فبرأ ذلك المقدار من العبد.
7147- وإن كانت القيمةُ أكثرَ من الدية، فاجمع الدية والتركة وقل: للسيد ثلثُ ذلك من العبد.
المثال: إذا كانت قيمة العبد ثلاثين ألفاً، وتركةُ المقتول خمسة آلاف درهم، وقد عفا عنه، ضممنا تركتَه إلى ديته، والدّية كانت عشرة آلاف، بقدر تقويم الإبل، فنضم التركة وهي خمسةُ آلاف إلى الدية وهي عشرة آلاف، فيكون خمسةَ عشرَ ألفاً، وإنما قدرنا هذا التقديرَ لأنه لا يستحق في رقبة العبد أكثر من الدية، فيحصل لسيد العبدِ ثلث ذلك، وهو خمسة آلاف، وذلك نصف الدية فيبرأ نصف العبد من نصف الدية، ويفدي السيد نصفَه بنصف الدية، أو يسلِّم نصفَه ليباع منه بمقدار نصف الدية، فيجتمع مع ورثة العافي عشرةُ آلاف، وهو ضعف ما جاز العفو فيه.
7148- وإن ترك العافي عشرين ألفاً وقيمة ديته عشرة آلاف، جاز العفو في جميعه؛ لأنه خلّف لورثته ضعف ديته، وليس له في رقبته إلا مقدار الدية، فإذا عفا من الرقبة، فقد خلّف مثلي الدية، وخرج التبرع.
7149- وإن كانت قيمته عشرة آلاف والدية مثلها، وترك العافي ألفَ درهم، فنضم الألف إلى عشرة الآلاف، فيكون المجموع أحدَ عشرَ ألفاً للسيد ثلثُها، وذلك ثلاثة آلاف وثلثا ألف، وهو ثلث العبد وثُلثُ عُشْرِ عبد، فيأخذ ورثة العافي الباقي من العبد، فيضيفونه إلى التركة، فيكون ضعفَ ما جاز العفو فيه.
7150- فإن كانت قيمتُه ألفاً والتركةُ ألفٌ، والديةُ عشرة آلاف، فإن اختار السيدُ التسليم، ضممنا التركة إلى القيمة، فيكون ألفي درهم، لسيد العبد ثلثها، وهو ستمائة وستة وستون وثلثان، فذلك مثل ثلثي العبد، فصح العفو في ثلثيه، ويسلّم ثُلثَه ليباع، فيحصل معهم ألفٌ وثلثُ ألف، وذلك ضعف ما جاز العفو فيه.
وكذلك إن اختار الفداء، وقلنا: الفداء يقع بأقل الأمرين من الدية والقيمة.
وإن قلنا: الفداء يكون بالدية، فإنا نقول: صح العفو في شيء من العبد، ويفدي السيد باقيه بعشرة أمثاله، وذلك عشرة آلاف إلا عشرةَ أشياء، فنضمها إلى التركة، فيكون أحد عشر ألفاً إلا عشرةَ أشياء؛ فإن ألف التركة لا استثناء فيه، ويعدل شيئين، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون الفداء اثني عشر والشيء أحد عشر، فيصح العفو في أحدَ عشرَ جزءاً من اثني عشر جزءاَّ مَنه، ويفدي جزءاً واحداً بعشرة أمثاله، ومع ورثته ألف درهم، وهي بالسهام اثني عشر جزءاً، فيحصل في يد ورثة العافي اثنان وعشرون جزءاً ضعف ما جاز فيه العفو.
7151- وإن كانت قيمته خمسة آلاف والدية عشرةُ آلاف، وترك خمسة آلاف، واختار سيدُ العبد التسليمَ أو الفداء، وقلنا: الفداءُ بالأقل، فلا دور.
وطريق المسألة: أن نضم التركة إلى القيمة يكون عشرة آلاف، لسيد العبد منها ثلثها وذلك ثلاثة آلاف، وثلث ألف، يأخذها من عبده، وهي ثلثا العبد، ويدفع ثلثَ العبد ليباع في الجناية، أو يفديه بثلث القيمة.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية، واختار الفداءَ، وقع الدّور، ويصح العفُو في شيء من العبد، وبطل في عبد إلا شيئاً، ويفدي الباقي بضعفه، فيكون عبدين إلا شيئين، ومعه في التركة عبد، فيكون ثلاثة أعبد إلا شيئين، إذ لا استثناء في التركة، فإذا جبرنا وقابلنا وقلبنا الاسم، كان العبد أربعةً، والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أرباعها؛ فيصح العفو في ثلاثة أرباع العبد، ويفدي ربعَه، وذلك ألفٌ ومائتان وخمسون، يفديها بضعفها، وهو ألفان وخَمسُمائة، ثم نزيد عليها تركة العافي، وهي خمسة آلاف، فيكون مع الفداء سبعة آلاف وخَمسُمائة، وهي ضعف ما جاز العفو فيه؛ لأن العفو جاز في ثلاثة أرباع العبد، قيمتها ثلاثةُ آلاف وسَبعُمائة وخمسون، وقد حصل مع ورثة العافي ضعفها.
فإن كانت قيمة العبد خمسة آلاف وترك العافي عشرةَ آلاف، صح العفو في جميع العبد، لأن قيمة العبد إذا ضمت إلى التركة، صارت ثُلثاً، فهو قدرٌ مقدّر.
وإن اختار التسليم لم يلزمه التسليم مع وفاء التركة، وإذا لم يلزم التسليم، لم يلزم الفداء؛ فإن لزوم الفداء إنما يجري إذا لزم التسليم، واختار الفداء.
7152- فإذا لزم الفداء، فإن فرعنا على أنه حيث يفدي، يفدي بالأكثر، وهذا تدور مسائله إن كانت القيمة أقلَّ من الدية أو أكثر منها، مثاله: فإن كانت قيمته ثلاثين ألفاً، ولم يكن للعافي تركة، ولكن كان عليه دينٌ أربعةُ آلاف درهم، فأسقط الدين من الدية وهي عشرة آلاف، يبقى منها ستة آلاف، يصح العفو في ثلثها، وهو ألفان، وذلك خُمسُ الدية، فَبَرأَ خُمس العبد من الجناية، ويفدي السيد أربعة أخماسه بأربعة أخماس الدية، وهي ثمانية آلاف، فيُقضى منها الدينُ، وهو أربعة آلاف ويبقى مع ورثة العافي أربعةُ آلاف: ضعفُ ما جاز العفو فيه.
وإن اختار السيد التسليم سلّم أربعة أخماسه ليباع منها بمقدار أربعة أخماس الدية، لا دور أصلاً؛ فإنه إنما يتوقع الدور حيث يدور عند اختيار الفداء شرطَ أن يكون الفداء أكثرَ من مقدار قيمة المفدي، والقيمة في هذه المسألة أكثر.
والذي زدناه في هذه المسألة أنا حططنا مقدار الدين عن الدية أولاً، وإنما فعلنا ذلك، لأن العفو لا يجري في المستحق بالدين، وهو مقدم على الوصية، فرددنا الوصيةَ إلى ثلث ما تبقى بعد مقدار الدين.
وإن كانت القيمةُ كما ذكرنا، والدين عشرة آلاف، فصاعداً، بطل العفو أصلاً، وفداه السيد بالدية، أو سلّمه ليباع منه بمقدار الدية، فإن الدية مستغرقةٌ بالدين، فلا يبقى للعفو والوصية محل.
7153- فإن كانت قيمته خمسة آلاف وعليه من الدين ألفان، واختار التسليم أو الفداء-وقلنا: الفداء يقع بأقل الأمرين- فأسقط الدينَ من قيمته، تبقى ثلاثة آلاف، للسيد ثلثها بالوصية، وهو ألف، وذلك خُمس العبد، فيصح العفو في خُمسه، ويسلم أربعةَ أخماسه للبيع أو يفديَه بأربعة أخماس قيمته، وهي أربعة آلاف، يُقضى منها الدين وهو ألفان، يبقى لورثة العافي ألفان، وهي ضعف ما جاز فيه العفو.
وإنما حطَطْنا الدينَ من مقدار القيمة، لأن الدين حقُّ الورثة لا يتعلق إلا بمقدار القيمة.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية، دارت المسألة؛ فإن الأرش أكثرُ من القيمة، فنقول: صح العفو في شيء منه، وبقي عبدٌ إلا شيئاً، فيفدي الباقي منه بضعفه، وهو عبدان إلا شيئين يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبد وثلاثة أخماس عبد يعدل أربعةَ أشياء.
وبيان ذلك أنا إذا انتهينا إلى معادلة عبدين إلا شيئين، نحط مقدار الدين مما في جانب الورثة، فيبقى عبدٌ وثلاثة أخماس عبد إلا شيئين، تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ وثلاثة أخماسِ عبدٍ أربعةَ أشياء، فنبسطهما أخماساً ونقلب الاسم، فيكون العبد عشرين، والشيء ثمانية، فيصح العفو في خمسي العبد، وفدى السيد باقيه وهو ثلاثة أخماسه بضعفها، وهو ستة آلاف، فيُقضى منها الدين، وهو ألفان، يبقى مع الورثة أربعةُ آلاف. ضعفُ العفو.
7154- مسألة: عبدٌ قيمته ألف درهم جرحَ رجلاً خطأً، فعفا عن الجناية وما يحدث منها، وأوصى لرجل بثلث ماله، ولا مال له غيرُ ما استحق من الدية.
فإن كان أرشُ الجناية قدرُ الدية، كقطع اليدين مثلاً، بطلت الوصية بالثلث؛ لأن العفو يستغرق الثلث، وهو منجَّزٌ متقدِّم.
وإن كان أرشها أقلَّ من الدية كالموضحة باليد يُقدّم العفو عن الجاني في مقدار الأرش؛ فإنه منجّز، والعفو عطية في المرض ناجزة، فإن فضل من الثلث شيء، كان لصاحب الثلث.
وأما العفو عما يحدث، ففي إجازته خلاف مشهور، سيأتي مستقصىً في كتاب الجراح، إن شاء الله تعالى.
7155- وإن كان أرشُ الجناية ربعَ الدية، فعفا عنه، وعفا عما يحدث من جنايته، وأوصى لآخر بثلث ماله، فالسيد مقدَّمٌ بربع الدية، وقد بقي نصف سدس إلى قيمة الثلث، فنقول الآن: إذا صححنا العفو عما سيحدث، وفرضنا وصيةً، ففي تقديم العفو عما سيحدث احتمالٌ ظاهر، يجوز أن يقال: العفو عما سيحدث مقدم على الوصية، فإنّا إذا صححناه، فقد نجزناه، حتى لو أراد مُطلِقه أن يستدركه، لم يجد إلى استدراكه سبيلاً، كالهبات المنجزة في الحياة، والرجوع عن الوصية ممكن بعد الوصية، وإذا دبّر عبدَه، فحكم لفظه تنْجيزُ العتق مع الموت، ولكن لما كان ملحقاً بالوصايا يقبل الرجوعَ قبل حدوث ما يحدث، فلما لم يمكن الرجوع عن العفو عما يحدث، دلّ ذلك على التحاقه بالمنجَّز من التبرعات.
ويجوز أن يقال: هو ملتحق بالوصايا، من جهة أن العفو وإن جرى لفظاً، فإنما يقع عند تقدير الموت؛ فإنّ من جوّز الإبراء عما لم يحدث يستحيل أن يقول بمنع الرجوع؛ فإن هذا خلاف الإبراء في معناه وصيغته، فمن هذا الوجه يقع الإبراء مع الموت، وتقع الوصية مع الموت، فيظهر التحاق الإبراء عما سيكون بالوصية.
وفي النفس شيء من الرجوع عن الإبراء المُنشأ في المرض عما سيكون؛ فإن المريض الواهب المقبض لا يرجع؛ لأنه لم يَبْنِ الهبةَ على الموت، والعفو عن الدية مبني على الموت في وضعه كعتق المدبَّر، فلا يبعد أن يثبت الرجوع فيه، فإن ثبت، لم يبق إشكال في التحاقه بالوصية، وإن لم يثبت الرجوع، فالتردد على ما وصفناه.
وإنما تصفو هذه المسألة إذا لم نفرض حدوث شيء قبل الموت؛ فإن ذلك لو فُرض، لكان واقعاً في الحياة، فيقدّم قطعاً على الوصية، فليقع الفرض فيه إذا عفا عما سيحدث، ثم لم ينجّز العفوَ مع أنه لها أرش، ولكنه مات.
وليقع التفريع بعد هذا التنبيه على ما ذكره الأستاذ من التحاق العفو عما سيحدث بالوصايا.
7156- فنقول: أما الربع، وهو أرش الجناية الواقعة، فالسيد مقدّمٌ، والعفو منه صحيح عنه، ثم إذا صححنا العفو عما سيحدث، فقد عفا المجروح بهذه الجملة عن ربع الدية، واستوفى السيد الربعَ، فتبقى له ثلاثة أرباع، والموصى له بالثلث يضرب بالثلث؛ فإذا ردَّ الورثةُ الزيادةَ على الثلث، وقد استوفى السيد الربعَ بحق التقديم، فالباقي من الدية إلى الثلث نصفُ سدس، فيضرب فيه السيد بثلاثة أرباع، ويضرب الموصى له بثلث والأجزاء تعول من اثني عشرَ إلى ثلاثةَ عشرَ، فيأخذ السيد من نصف السدس تسعةً من ثلاثةَ عشرَ، ويأخذ الموصى له بالثلث أربعةً من ثلاثةَ عشرَ.
ولو لم يعفُ المجروح منجَّزاً، ولكن أوصى بأن يُعفى عنه، وأوصى لإنسان بثلث ماله، فالوصيتان عند ردّ الورثة الزائدَ تنحصران في الثلث؛ فالسيد يضرب بكل التركة وصاحب الثلث يضرب بثلثه؛ فإن السيد أُوصي له بكل التركة، وأوصى لآخر بثلث التركة، فيقع الثلث عائلاً، وتكون الأقسام في الثلث على هذه النسبة: للسيد ثلاثة أرباع الثلث، وهو ربع العبد، وربعه للموصى له بالثلث، ويسلّم السيد ثلاثة أرباع العبد ليباع في الجناية، أو يفديَه بثلاثة أرباع قيمته على قولٍ، ولا مال غيره، فيأخذ صاحبُ الثلث من ذلك ربعَ الثلث، ويبقى لورثة العافي ثلثا قيمة العبد.
ومن رأى الفداء بالدية، فقد تقع المسألة في تفاصيل أقدار القيمة والدية في المعادلات المقدّمة.
وسنعيد هذه الصورة وأمثالَها في نوادر أبواب الدور، إن شاء الله عز وجل.
7157- مسألة: إذا قتل عبدان لرجلين رجلاً خطأً، وقيمةُ كل واحد منهما ألف درهم، ودية المقتول عشرةُ آلاف، ولم يكن له مال غيرُ ديته، وعفا المجروح قبل زهوق النفس عن العبدين جميعاً، ورد الورثةُ الزيادة على محلّ الوصية، نُظر:
فإن اختار السيدان تسليم العبدين للبيع، دفع لكل واحد منهما ثلثي عبدِه، وصح العفو في ثلث كل عبدٍ؛ فإنه لا تعلّق إلا بالعبدين، وكأنهما التركة، فإذا سُلّما، انتظم تسلُّم العفو في ثلث كل واحد منهما.
وإن اختارا الفداء، ورأينا التفريع على أن الفداء ببذل الأرش، فالوجه أن نقول: ينفذ العفو في شيء من كل واحد من العبدين، وسيدُه يفديه بخمسة أمثاله، يعني بخمسة أمثال الباقي بعد تنفيذ التبرع، وإنما راعينا هذه النسبة؛ فإن الدية مقسومةٌ في التعلق على العبدين، فيخص كلّ واحد منهما خمسةُ آلاف، وقيمة كل عبد ألفٌ، فنقول: يسقط بالعفو من كل عبد شيء، فيبقى عبدان إلا شيئين، ثم كل واحد من السيدين يفدي عبده بخمسة أعبد تقديراً إلا خمسة أشياء؛ فإن المفدي فيه استثناء، وإذا تضعف الفداء، كان تضعّفه على هذه النسبة أيضاً، فيحصل لورثة العافي من السيدين عشرة أعبد إلا عشرة أشياء، وذلك يعدل ضعفَ ما نفذ العفو فيه منهما، وقد نفذ العفو في شيئين منهما، فضعفهما أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، ونقول: الأعبد العشرة المقدّرة نجبرها بعشرة أشياء، ونؤيد على عديلها مثلها، فتعدل عشرةُ أعبد أربعةَ عشرَ شيئاً، ثم نقلب الاسم، فيكون العبد أربعة عشر والشيء عشرة، وخرج منه أن كل عبد يُفرض أربعةَ عشر، وينفذُ العتقُ في عشرةٍ منه، والعشرة من الأربعة عشر خمسةُ أسباعها، فقد صح العفو في خمسة أسباع كل واحد منهما، ويفدي كلُّ سيّدٍ سُبعَيْ عبدِه بخمسة أمثالها، وهي عشرة أسباع، وذلك ضعفُ الخمسة الأسباع التي صح العفو فيها.
وإن اختار أحدهما البيع، والآخر الفداء، والتفريع كله على الفداء بالأرش، فالمسألة تدور منها.
وإن كانا لو سلّما عبديهما، لم تدُرْ؛ من قِبل أن التصرف في تسليم العبدين يقع في القيمتين، ويتعين تقسيمهما ثلثاً وثلثين.
وإن اختارا الفداء بالأرش، وقد اختلف مقدار المبذول فداءً ومقدار قيمة العبدين إذ زاد الفداء على القيمة، فالمسألة تدور.
7158- وإذا فدى أحدُهما وسلّم الثاني، فمقدار التركة يختلف بفداء أحدهما، فتدور المسألة في حق المسلِّم، كما تدور في حق الفادي، والطريق أن نقول: نفذ العفو في شيء من عبد مَنْ سلّم العبدَ، وفي شيء من عبد من فدى، فنقول: نفذ العفو في شيء من العبد المسلّم، ونفذ في شيء من المفدي، وفدى مولاه باقيه بخمسة أعبد إلا خمسة أشياء، فيجتمع لورثة العافي ستةُ أعبد إلا ستةَ أشياء: خمسةٌ أخذوها فداءً، وأحدٌ هو العبد المسلّم، والأعبدُ الستة مع ما فيها من الاستثناء تعدل ضعفَ العفو، وهو أربعة أشياء، وبعد الجبر والمقابلة وقلب الاسم من الجانبين يكون العبد عشرة والشيء ستة، فبان أن العفو نفذ في ثلاثة أخماسِ كلِّ واحدٍ منهما، ودفع المسلِّم خُمسي عبده للبيع، وفدى الآخر خُمسي عبده بخمسي نصف الدية، وخمسا نصف الدية ألفان، وخمسا العبد المسلّم أربعُمائة، فيجتمع لورثة العافي ألفان وأربعُ مائة، وهي ضعف ما نفذ من العفو في العبدين.
7159- وإن كانت قيمة أحدهما ألفاً، وقيمة الآخر ألفين وباقي المسألة كما تقدم.
فإن اختارا الدفع، دفع كلُّ واحد منهما ثلثي عبده، ونفذ العفو في ثُلثه؛ إذ لا متعلق إلا العبدان، ولا نظر في التسليم إلى القيمة، فينفذ لا محالةَ العفو في ثلث كل واحد منهما.
وإن اختارا الفداء، والتفريع على أن الفداء بالأرش، فنقول: نفذ لسيد العبد الأَدْوَن العفوُ في شيء، وفدى باقيه بخمسة أمثاله، وذلك خمسةُ أعبد إلا خمسةَ أشياء، وجاز لمولى العبد الأرفع العفوُ في شيئين؛ فإن عبده ضعفُ العبد الأدون، وفدى باقيه بخمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، فاجتمع لورثة العافي عشرةُ أعبد إلا عشرة أشياء تعدل ضعف العفو، وهو ستة أشياء؛ فإنا قدَّرنا العفوَ ثلاثةَ أشياء: شيئاً من الأدون وشيئين من الأرفع، فنجبر ونقابل، فتصير عشرةُ أعبد في معادلة ستةَ عشرَ، فنقلب الاسم ونجعل العبد ستَّةَ عشرَ والشيءَ عشرة، فينفذ العفو في عشرة من ستةَ عشرَ من كل عبد، فهو خمسةُ أثمان كل عبد، ويفدي مولى الأدْون ثلاثةَ أثمان عبده بثلاثة أثمان نصف الدية. ويفدي مولى العبد الأرفع ثلاثة أثمان عبده بثلاثة أثمان نصف الدية.
7160- وفي هذه المسألة لطيفة بديعة، تُخيِّل إلى الناظر خبلاً وإشكالاً، ونحن نذكر وجه التخيل، ثم نبيّن تقويمَ المسألة، فنقول: قد ذكرنا في ابتداء وضع المسألة أن العفو ينفذ في شيء من العبد الأدْون، ثم قلنا: إنه ينفذ في شيئين من الأرفع، وعلّلنا ذلك بتضعيف قيمة الأرفع، ثم قلنا: في منزلة الفداء: يفدي مولى الأدْون ما بقي من عبده بخمسة أعبدٍ إلا خمسةَ أشياء، ويفدي صاحبُ العبد الأرفع ما بقي من عبده بخمسة أعبد إلا خمسة أشياء، وكان النظر إلى العبارات الجبرية يقتضي أن نقول: صاحب العبد الأرفع يفدي ما بقي من عبده بخمسة أعبد إلا عشرةَ أشياء؛ فإن كلَّ واحد من المالكين حقه أن يفدي ما بقي من عبده مع رعاية حساب التضعيف، وقد بقي من العبد الأدْون عبدٌ إلا شيئاً وخمسة أثمانه خمسة أعبد إلا خمسة أشياء.
وقياس هذا أن العبدَ الأرفع إذا بقي منه عبدٌ إلا شيئين، فخمسة أثمانه خمسة أعبد إلا عشرةَ أشياء، ولو قدرتَ نقصان عشرة أشياء من هذا العبد الأرفع، لم ينتظم الحساب، ولم تعتدل الأقسام أجزاءً، وسر الفصل أن العفو ينبسط على العبدين على نسبةٍ واحدةٍ في الجزئية، وكل واحدٍ منهما يتعلق به نصف الدية، ومهما نفذ العفو في العبد، نزل على رقبته، فإذا نزل على رقبتي العبدين استويا في الجزئية قطعاً كما لو سُلِّما في البيع؛ فإن العفو ينزل على ثلث رقبة كلٍّ منهما، ثم تتفاوت القيمة؛ فإن ذلك ينقص من التركة. ولو لم نتعرض له، لم يصح حساب التعديل في الأجزاء، ولمّا انتهى إلى الفداء، فالفداء يقع على الأجزاء، وأجزاء الدية على العبدين على وتيرةٍ واحدة، فاضطر في مسلك الجبر إلى التفاوت فيما ينفذ التبرع فيه، ولما آل إلى الفداء والفداء منزل على العبدين وأجزائهما على قدر واحد، فكان الفداء في العبد الأرفع كالفداء في العبد الأَدْون.
هذا ما ذكره الأستاذ. وقد أنهينا نهايته، وذكرنا أقصى الإمكان في تقدير ما تخيّله.
وفيه غلطٌ ظاهر لايليق بمنصبه أن يعتمده، وهو محمول على هفواته.
7161- وبيانه على الجملة أن فرض المسألة أن العبدين مختلفان: قيمةُ أحدهما ألف، وقيمةُ الثاني ألفان، وإذا اختلفت القيمتان، اختلفت النسبة، بحسب اختلافهما، فالذي يصرفه مالك العبد القليل القيمة بعد تقدير العفو في بعضه يناسب ما بقي من قيمة العبد على قدر تنبيه الحساب.
والذي يصرفه مالك العبد الكثير القيمة من الأرش يناسب ما بقي على وجهٍ آخر، كما سنوضحه في ذكر وجه الصواب.
وبالجملة لا ينبغي أن يشك ذو عقل في أن عبداً قيمته ألف لو جنى وفُرض العفو والفداءُ تفريعاً على الأرش، فاقتضى تعديل الحساب فيه نسبةً، فلو فُرض عبدٌ آخر أرفع أو أدون وجنى، فتلك الجناية لا تغيّر حساب الفداء الأول، بل وجه الصواب أن يفرد كلُّ عبدٍ بحسابه، ويُجعلَ كأنه الجاني، ونطرد بطريق الحساب في القدر الذي يلزمه من الدية، ثم كل حسابٍ في عبدٍ إذا عُدِّل، استقام على الثلث والثلثين، وإذا كان كذلك، فالمجموع يعدَّل على هذا. ولكن تختلف نسبة الأجزاء في كل عبد، وهذا لا يقدح في حق الورثة.
فنقول: إذا جنى العبد الذي قيمته ألف، فالأرش المتعلق به خمسةُ أمثاله، فنفتتح الجبر، ونقول: صح العفو في شيء منه، وبطل في عبد إلا شيئاً، فإذا فداه مولاه، قلنا له: الأرش عليه خمسةُ أمثاله، فافد باقيه بخمسة أمثاله، فيفديه بخمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، وهي تعدل شيئين ضعف العبد، فنجبر ونقابل، فيعادل خمسة أعبد سبعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، ونجعل العبد سبعةً، والشيء خمسة، ونقول: جرى العفو صحيحاً في خمسة أسباع هذا العبد، وفدى السيد سبعيه بخمسة أمثالها من الدية؛ إذ النسبة كذلك بين الأرش وبين القيمة، وخمسة أمثال السبعين عشرة أسباع وهي ضعف خمشة أسباع، فاعتدل هذا الحساب.
ثم نعود ونقول العبد الكثير القيمة، وهو الذي قيمته ألفان تعلق برقبته خمسة آلاف، ونسبتها من قيمته أنها مثلا القيمة ومثلُ نصفها، أو ضعفُ القيمة ومثلِ نصفها. ونبتدىء الجبر، ونقول: صح العفو في شيء، وبطل في عبد إلا شيئاً وعلى السيد على قول الفداء بالأرش أن يفدي ما بقي بالنسبة التي وضعناها بين الأرش التام والقيمة الكاملة، والنسبة بينهما ما تقدم ذكره، فنفدي عبداً إلا شيئاً بعبدين ونصف عبدٍ إلا شيئين ونصف شيء، وهذا يعدل ضعف العفو، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيقع عبدان ونصفُ عبد، في مقابلة أربعة أشياء ونصف شيء، ونبسط ما في الجانبين أنصافاً، فتصير الأشياء تسعة والعبد خمسة، ثم نقلب العبارة، فيصير العبد تسعة والشيء خمسة، ونقول: نفذَ العفو على خمسة أتساع العبد، وفدى السيد أربعة أتساعٍ بمثله ومثلِ نصفه. ومثلا الأربعة ومثل نصفها عشرة، والعشرة تقع ضعفَ الخمسة، فقد اعتدل هذا الحساب على نسبة الأتساع.
وهذا التفاوت لابد منه لتفاوت القيمتين، وأبان هذا التفاوت تفاوتاً بين الأرش والقيمة؛ إذ نسبة الأجزاء كنسبة الكل. فإذا كان الأرش على نسبةٍ من القيمة، وكل جزء من الأرش على مثل تلك النسبة من الجزء الذي يماثله من القيمة، فهذا وجه الصواب، لا شك فيه.
7162- مسألة: إذا جنى عبدان على حُرٍّ خطأً قيمةُ كلِّ واحد منهما ألفٌ، والدية قيمتها عشرة آلاف، كما صورناها في المسائل، فعفا المجروح في مرضه عنهما، ثم مات أحد العبدين، وقد بقي العبد الثاني، فقد ذكر الأستاذ جوابين عن الأصحاب في هذه المسألة: فقال في أحدهما:- إنه لا يحتسب بالميت وما جرى فيه من عفو، ولا يحتسب في حساب الورثة، ويقدَّر كأنه لم يكن، وكأن العبدَ القائم انفرد بالتزام أرشها خمسة آلاف، وقيمته ألف، ثم حكى ذلك إذا جرى العفو ولا تركة إلا خمسة الآلاف المتعلقة بالرقبة، وأن السيد إن اختار تسليمَ العبد، فقد صح العفو في ثلثه، وسلّم ثلثيه للبيع. وإن اختار الفداء بالأرش، ففداء ثلثيه بثلثي نصف الدية. هذا مقتضى الحساب إذا انفرد العبد بالتزام هذا القدر من الأرش، ثم جرى العفو عن جميع ما التزمه.
هذا جوابٌ.
والجواب الثاني: أنه يُحتسب بما خص العبدَ الذي مات من العفو، وإذا احتسبنا بذاك، اقتصر حسابُه على تبعيض العفو في حق العبد الحيّ، فإنا نقول: يجوز العفو في شيئين من العبدين، ثم قد فات تحصيل التركة من العبد الذي مات، فيحصّل من العبد الباقي ما يقع ضعفاً لما نفذ من الميت والحي، سواءٌ سُلّم الحي للبيع أو فداه مولاه.
فإن سلّمه مولاه، قلنا: هذا العبد الحيّ إلا شيئاً معادل لأربعة أشياء، ضعفِ العفو في العبدين، ثم بعد الجبر وقلب الاسم يكون الشيء خُمس العبد، ويصحّ العفو في خمس كلِّ واحدٍ منهما، ويدفع صاحب العبد الحيّ أربعة أخماس عبده، وهو ضعف الخُمسين اللَذيْن صح العفو فيهما من العبدين.
هذا معنى هذا الجواب إذا أراد مالك العبد الحي تسليمه للبيع.
وإن اختار مالك العبد الفداء فدى باقيه وهو عبد إلا شيئاً بخمسة أمثاله، وذلك خمسة أعبدٍ إلا خمسةَ أشياء، تعدل أربعة أشياء، فبعد الجبر وقلب الاسم، يكون الشيء خمسة أتساع العبد، فيصح العفو في خمسة أتساع كل واحد منهما، ويفدي مولى العبد الثاني أربعة أتساعه بأربعة أتساع نصف الدية، فيقع ذلك ضعفَ الخمسة أتساع كل واحد من العبدين؛ فإنا نقدر كل ألف من الآلاف الخمسة تسعة، فمجموعها خمسة وأربعون، ثم نأخذ أربعة أتساعها، وهو عشرون، والعشرون من الأتساع إذا أُلِّفت، كانت ألفين وتُسْعَين، وقد صححنا العفو في خمسة أتساعٍ من كل عبد، ومجموعها عشرة أتساع، وهي تساوي أربعة أتساع نصف الدية وما قدمناه: ألفان وتُسعان.
هذا بيان الوجهين. توجيههما: من قال بالوجه الأخير، احتج بأن عفوه قد جرى في العبد، ثم لم يحصل الورثةُ إلا على ما حصل من جهة العبد الحيّ تسليماً أو فداء، فينبغي أن يبقى للورثة ضعف العفو النافذ في العبدين.
ومن لم يدخل العفو عن العبد الذي مات في الحساب، احتج بأن فائدة العفو ترجع إلى السيد، وهو المعفو عنه في الحقيقة، ولذلك قلنا: العفو صحيح وإن كنا نمنع للوصية للقاتل، والعبد قاتل، وإذا مات العبد قبل الفداء، وقبل استقراره بالامتناع عن بيعه، فلا يجب على السيد شيء، ونتبيّن بالأََخرة أن ذلك العفو لم يصح في أصله، فلا معنى للاعتداد وإدخاله في الحساب.
هذا بيان الجوابين وتوجيههما.
7163- مسألة: إذا جنى عبدان خطأً على حُرٍّ، وقيمة أحدهما ألفٌ وقيمة الآخر عشرة آلاف، فلو عفا عن الأدْون دون الأرفع، فصاحب العبد الأرفع إن اختار التسليم، باع نصفَ عبده، وصرف الثمن إلى الأرش، ثم العفو في الأدون، فإنا نُصيِّر قيمةَ الأَدْون عفواً كلَّها، والذي حصل للورثة من العبد الأرفع أكثر من ضعف قيمة الأدون.
فإن عفا عن الأرفع دون الأدْون، فصاحب العبد الأدْون إن اختار تسليمه، سلّمه إلى البيع، فإن العفو لم يتناوله، وصاحب العبد الأرفع يدفع ثلاثة أعشار عبده، إن اختار التسليم؛ فإن ثلاثة أعشار الأرفع ثلاثة آلاف، فإذا ضممنا إليها العبدَ الأدْون الذي لم ينله العفو، صار أربعة آلاف، وقد صح العفو عن ألفين من الأرش المتعلق بالأرفع، فإنه كان تعلق به خمسةُ آلاف، وسقط عنه الآن تعلّق قيمة الأدْون، والحاصل في يد الورثة من ثلاثة أعشار العبد الأرفع، وكل قيمة الأدون ضعفُ ما سقط من الأرش.
فإن اختار صاحب الأرفع الفداء، فداه بثلاثة أخماس نصف الدية، وهو ثلاثة آلاف، وينتظم الحساب كما ذكرناه. والطريق فيه أن نضم قيمةَ الأدون إلى نصف الدية الواجبة على مولى الأرفع، فيكون ستة آلاف، ويسقط عن مولى الأرفع ثلث ذلك، وهو ألفا درهم، ويؤدي ثلاثة آلاف، لتنضم إلى قيمة الأدْون.
7164- مسألة: لو قتل عبدٌ رجلين خطأً، فلكل واحد منهما في رقبته الدية، فإن اختار السيد التسليم والدفعَ، بيع العبد وتوزعت قيمته على الديتين نصفين.
وإن اختار الفداء، وقلنا: الفداء بالقيمة، أُلزم قيمةً واحدة.
وإن فرعنا على الفداء بالأرش أُلزم ديتين كاملتين.
فإن عفا أحدهما عنه في مرضه، فقد حُكي عن ابن سريج أنه قال: يدفع إلى ورثة العافي ثلثا نصفه، وإلى الآخر الذي لم يعفُ نصفَه كاملاً؛ كأنه رأى نصفَ العبد متعلّقاً بأحدهما والنصف متعلقاً بالثاني.
ثم ينبني على ذلك تنفيذُ عفو العافي في ثلث محل حقه وبقاء أثلثي حقِّه لورثته.
قال الأستاذ: هذا غير مستقيم على مذهب الشافعي، ومذهبه أن دية كل واحد من القتيلين تتعلق بجميع العبد مع الآخر، وإذا كان كذلك، فعفو أحدهما استفاد منه السيد ثلثَ الدية، فيبقى للورثة المزاحمة بثلثي الدية، ولورثة الذي لم يعف المزاحمة بتمام الدية، فيقع التضارب على هذه النسبة: يضرب ورثةُ من لم يعف بديةٍ تامة، ويضرب ورثة من عفا بثلثي الدية، فينقسم العبد على خمسة أسهم، لورثة العافي منها الخمسان، ولورثة الآخر ثلاثة أخماس.
مسائل دائرة تتركب من العفو عن الجناية والعتق في العبد وما يتصل بذلك
7165- مسألة: إذا أعتق عبداً لا مال له غيرُه في مرضه، ثم قتله، ومات ذلك العبد المعتَق، ومات بعده مولاه.
ففي هذه المسألة وأمثالها خلاف تبعناه: من أصحابنا منْ قال: لا يعتِق شيء من العبد، فإنا لو حكما بعتقه في المرض، أو بعتق شيء منه، أُلزمنا أن يبقى للورثة ضعفُ ما ينفذ العتق فيه؛ فإذا كان لا يبقى للورثة شيء، فيستحيل أن ينفذ عتق المريض في شيء.
ومن أصحابنا من قال: نحكم بنفوذ العتق في جميعه؛ فإنه إذا كان لا يبقى للورثة في علم الله، فليس تركة، وإنما يثبت حق الورثة في التركة.
ونحن نُجري مسائلَ مفرعةً على أنه لا يعتِق منه شيء إذا مات قبل موت مولاه، وما ذكرناه فيه إذا لم يخلِّف السيدُ المعتِق شيئاً.
فإن كان السيد ترك مالاً إذا قضى منه ديةَ العبد، بقي للورثة ضعفُ قيمته، صار حراً. وإن ترك من المال ما لا يبلغ ذلك فقد يعتق بعضُه ويرق بعضُه، وذلك إذا خلَّف ما إذا أديت الدية منه، بقي ما يقصُر عن ضعف قيمة العبد.
ثم إن كان يعتق كلُّه، فسيده لا يرثه؛ فإنه قاتله، فإن كان للعبد وارث بسببٍ
ورثناه، وإن لم يكن، فميراثه لأقرب عصبة السيد من الذكور.
7166- المثال: إذا أعتق عبداً قيمتُه مائة دينار، وقيمة ديته لو كان حراً خَمسُمائة دينار، فقتله السيد بعد الإعتاق، وخلّف السيد سَبْعَمائة دينار، فالعبد حر، ويخرج من تركة السيد خَمسُمائة دينار، تكون لورثة العبد، ويبقى لورثة السيد مائتا دينار، وهي ضعف قيمة العبد.
7167- فإن كان جميعُ ما خلّف السيد خَمسَمائة دينار، تبعّض العتق والرق، وحسابه من طريق الجبر أن نقول: قد عتَق منه شيء، ووجب به من الدية على السيد خمسةُ أمثاله، وذلك خمسة أشياء؛ لأن الدية خمسةُ أمثال القيمة، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ذلك بالقتل، ولم يبق للورثة، وإنما بقي مع ورثة السيد من التركة خَمسُمائة، وهي خمسةُ أعبد، فيخرج منها ما لزم من الدية وهو خمسة أشياء، فيكون الباقي معهم من التركة مثلَ خمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ ما عتق من العبد، فنجبر ونقابل، فيعدل خمسةُ أعبد سبعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، فيصير العبد سبعة، والشيء خمسة، وهي خمسة أسباع العبد، وقد عتق خمسةُ أسباعه، ورَقَّ سُبعاه، وتلف بالقتل، واستحق ورثةُ العبد خمسةَ أمثال ما عتق، وذلك ثَلاثُمائةٍ وسبعةٌ وخمسون ديناراً وسُبع دينار، وبقي للورثة من التركة سبعاها، وهو مائة واثنان وأربعون ديناراً وستة أسباع، وهي ضعف ما عتق من العبد؛ لأن الذي عتق منه خمسة أسباعه، وقيمتها أحدٌ وسبعون ديناراً وثلاثة أسباع دينار.
وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونُجيز العتق في درهم، ويستحق ورثةُ العبد خمسةَ أمثاله بالدية، وذلك خمسةُ دراهم، وبطل العتق من الرقبة في دينار، وقد تلف ذلك الدينار، وبقي لهم من التركة خمسةُ أمثاله، وهي خمسة دنانير، فمعهم من التركة خمسة دنانير، تعدل ما عتق، وذلك درهمان، فنقلب الاسم، فيكون الدرهم خمسةً والدينار اثنين، ومجموعهما سبعة، والخمسة من السبعة خمسةُ أسباعها.
وحساب المسألة بطريق السهام: أن نأخذ من العبد بالحرية سهماً، ويتبعه بالدية خمسة أسهم، ولورثة السيد سهمان ضعف سهم الحرية، فذلك ثلاثة أسهم، فنُسقط منها سهماً، وهو الذي تلف من العبد، يبقى منها سبعةُ أسهم، وذلك سهام العبد، وعَتَقَ منه مقدار سهام الدية. وفيما قدمناه مَقْنَع.
7168- فإن كانت قيمة العبد مائتي دينار، وقيمة الإبل في دية الحر أربعمائة دينار، وترك السيد سِتَّ مائة دينار، وقلنا: عتَقَ منه شيء واستحق من الدية ضعفه وهو شيئان، وذلك لورثة العبد، ورَقَّ منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد تلف ما رق، وبقي مع ورثة السيد من التركة ثلاثة أعبد إلا شيئين: ضعفُ ما عتق منه، فبعد الجبر وقلب الاسم، يصير العبد أربعةً والشيء ثلاثةً وهي ثلاثة أرباعها، فيعتق ثلاثة أرباعه، وهي مائة وخمسون ديناراً، للورثة ضعفها من الدية وهو ثَلاثمائة. ورق منه ربعه، وقد تلف، وبقي للورثة من التركة ثَلاثُمائة دينار، وهي ضعف ما عتق منه.
7169- مسألة: إذا أعتق عبدَه في مرضه وقيمته مائة دينار، ثم قطع إحدى يديه، فنقص من قيمته أربعون ديناراً، وقيمة ديته لو كان حراً مائتا دينار، وترك السيد مائتي دينار.
فحساب المسألة بالجبر: أن نقول: يعتق منه شيء، ويستحق العبد من أجله شيئاً بالدية؛ لأن ديته ضعفُ قيمته، وفي إحدى اليدين نصفُ ديته، فإن كان الواجب في نفسه شيئين، فالواجب في يده شيٌ وواحد، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وبه نقصٌ من قيمته بالجناية مثل خُمسيْه؛ فإنا قلنا: نقصَ من قيمته أربعون، فصار الباقي منه بعد النقصان ثلاثةُ أخماس عبد إلا ثلاثةَ أخماس شيء، فنزيد عليه التركة، وهي ضعفُ قيمة العبد، ونخرج مما اجتمع من الدية والتركة شيئاً، فيبقى مع الورثة عبدان وثلاثة أخماس عبد إلا شيئاً وثلاثة أخماس شيء، وذلك يعدل شيئين، ضعف ما عتق، فبعد الجبر يكون عبدان، وثلاثة أخماس، تعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أخماس شيء، فنبسطهما أخماساً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء ثلاثةَ عشرَ، فيصح العتق في ثلاثةَ عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاَّ مَن العبد، وقيمتها بالدنانير اثنان وسبعون ديناراً وأربعة أجزاء من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار؛ لأن الذي عتق منه نصفه وتسعاه؛ فإن الثلاثة عشر من الثمانية عشر هكذا تكون: التسعة نصف الثمانيةَ عشرَ، والأربعة التي هي تتمّةُ الثلاثةَ عشرَ تسعان من ثمانية عشرَ.
وبقي من رقبة العبد خمسةُ أجزاء من ثمانيةَ عشرَ جزءاً، هذا هو الرقيق، وقيمتها بالدنانير سبعة وعشرون ديناراً وأربعة عشر جزءاً من ثمانية عشر جزءاً من دينار، فلما نقص خمساه بالجناية، نقص من هذا الباقي أيضاً خمساه، وذلك أحد عشر ديناراً وجزءان من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار، وبقي لورثة السيد من رقبته بعد العتق والنقصان بالجناية ستةَ عشرَ ديناراً واثني عشر جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار. ومعهم من التركة في الأصل مائتا دينار، يُقضى منها ما استحقه العبد من الدية، وهو مثلُ ما عتق منه، وذلك اثنان وسبعون ديناراً وأربعةُ أجزاء من ثمانيةَ عشرَ من دينار، فيبقى للورثة من الدنانير مائةٌ وسبعة وعشرون ديناراً وأربعةَ عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ، ومن الرقبة ستةَ عشرَ ديناراً واثنا عشر جزءاً من ثمانية عشر، وجميع ذلك مائة وأربعةٌ وأربعون ديناراً، وثمانيةَ أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من دينار، وذلك ضعف قيمة ما عتق منه يوم العتق.
ثم مما يجب التنبه له أن النقصان لا يؤثر في العتق؛ لأن العتق وصية مستوفاة تبيُّناً، والنقص معتبر في قيمة العبد؛ لأنه من التركة، والاعتبار في مقدار التركة يوم الموت.
7170- فإن أعتق في مرضه عبداً قيمته ثلاثون، ثم أجافته جائفة نَقصته عشرين ديناراً، وقيمة ديته لو كان حراً تسعون ديناراً، وخلّف السيد ستين ديناراً؛ فإنه يعتق منه ثلاثة أخماسه، ونصف خُمسه.
وحساب ذلك أن نقول: عتق منه شيء، واستحق من الدية مثله؛ لأن الواجب في الجائفة ثلثُ الدية، وثلث ديته لو كان حراً مثلُ قيمته، فحصل مع ورثة السيد من رقبته عبد إلا شيئاً، وقد نقص ثلثاه بالجناية، فالباقي ثلث عبد إلا ثلث شيء، ومعهم من التركة عبدان، فالمجموع عبدان وثلث عبد إلا ثلثَ شيء، يقضى منها الدية، وهي شيء، فيبقى معهم عبدان وثلث عبد إلا شيئاً وثلث شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبدان وثلث عبد يعدل ثلاثة أشياء وثلث شيء، فنبسطهما ونقلب الاسم، فيكون العبد عشرة، والشيء سبعة، فنعتق سبعة أعشار، وهي ثلاثة أخماسه ونصف خمسه، وقيمتها يوم العتق أحدٌ وعشرون ديناراً، وبقي لورثة السيد من رقبته تسعةُ دنانير، وقد نقص بالجناية ثلثاها، وبقي منها ثلاثة دنانير، ومعهم من التركة ستون ديناراً، فذلك ثلاثة وستون ديناراً يقضى منها ما وجب بالجناية، وهو مثل ما عتق منه، وذلك أحدٌ وعشرون ديناراً، يبقى معهم اثنان وأربعون ديناراً، وهو ضعف ما عتق. ولا اعتبار في مقدار العتق بما نقص بعده؛ لأن العبد قد استوفى العتق قبل النقصان.
7171- مسألة: إذا أعتق في مرضه عبداً قيمته عشرون ديناراً، ثم قطع أجنبي إحدى يديه، وقيمة ديته لو كان حراً مائة دينار، وقد نقص من قيمته عشرة، ولا مال للسيد غيرُه.
فحساب المسألة أن نقول: يعتِق منه شيء يجب به للعبد من الدية شيئان ونصف؛ لأنه لو كان حراً، لكانت ديته خمسةَ أمثال قيمته، فالواجب في إحدى اليدين نصف الواجب في النفس، فإذا استحق بالعتق شيئاً، استحق به من الدية شيئين ونصفاً، (وهذا العبد..... تركة السيد، ولا وصية)؛ فإن الأجنبيّ يغرَمه له، وبقي مع السيد من رقبته عبد إلا شيئاً، يستحق به ما نقص من قيمته بالجناية، والناقص منه مثلُ نصف العبد؛ فإن جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته، وقد أقر نقصان السوق على نسبة التنصيف، فاستحق السيد نصفَ عبد، ونقصَ نصف عبد، فيجتمع مما نقص واستحق عبدٌ إلا شيئاً، يعدل شيئين، فنجبر، ونقابل، فيكون عبد يعدل ثلاثة أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثلاثةً، والشيء واحداً، فعلمنا أنه يعتِق منه الثلث، ويبقى للسيد ثلثاه وقد نقص نصفه، فبقي السدس منه، فاستحق على الجاني مثلَ ما نقص، وقد نقص نصفُ قيمته، فيجتمع مع ورثته مما بقي واستحق ثلثان، وذلك ضعف الثلث الذي عتق منه.
7172- وإن أعتق عبداً في مرضه، لا مال له غيرُه، وقيمته عشرون ديناراً، وقتله أجنبي، وقيمة ديته مائةُ دينار، وخفف ابناً.
فحساب المسألة أن نقول: عتَق منه شيء، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، وقد تلف، إلا أن السيد يستحق مثل ما تلف على الجاني، فنجعل ما استحقه عبداً إلا شيئاً، وهذا يعدل ضعفَ ما عتق، وهو شيئان، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون العبد ثلاثة والشيء واحداً، فقد عتَق منه ثلثُه، واستحق ثلثَ الدية على القاتل، تصرف إلى ابنه إن قلنا: من بعضه حر يورث، أو إلى بيت المال في قولٍ آخر، ويرق ثلثا العبد، وللسيد قيمة الثلثين على القاتل، وهو ضعف الثلث الذي عتق.
7173- مسألة: إذا أعتق عبداً قيمته ثلاثون ديناراً وقتله أجنبي، وقيمة ديته إن كان حراً أربعون ديناراً، وذلك بأن يفرضَ كافراً، ونقدّر السيد وارثاً، تفريعاً على أن من بعضه حر موروث، ولا وارث له سوى السيد، ونقدِّره وارثاً بغير جهة الولاء، فإنه لو لم يكن إلا الولاء، وهو مستحقٌ بعض الولاء لا يرث إلا بعض الميراث، فنفرضه أخاً أو ابنَ عم.
هذه صورة المسألة، وحسابها أن نقول: عتق منه شيء، ونوجب به من الدية مثلَه ومثلَ ثلثه؛ فإن الدية مثلُ القيمة ومثلُ ثلثها، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، وقد تلف ذلك، واستحق به السيد مثلَه، فيجتمع ذلك إلى ما ورثه عن العبد بالدية؛ لأنه لا وارث له غيره، وقد حصل له بالقيمة عبد إلا شيئاً، وصرفنا إليه من الميراث شيئاً وثلثَ شيء؛ فإنه إذا عتق شيء، وجب مثله ومثل ثلثه، فنجبر الاستثناء الذي في الرقبة فيبقى معه عبد وثلث شيء، يعدل شيئين ضعفَ ما عتق، فنقابل ثلث شيء بمثله قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلثي شيء، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الاسم
فيكون العبد خمسة، والشيء ثلاثة، فقد عتَق ثلاثة أخماسه، واستحق بذلك ثلاثة أخماس الدية، وهي أربعةٌ وعشرون ديناراً، ورقّ خمساه، وهو اثنا عشر ديناراً، واستحق السيد مثلها، كما هلك، فيجتمع مع ورثته ستة وثلاثون ديناراً، وذلك ضعف ثلاثة أخماسه التي عتَقَت، لأن قيمة ثلاثة أخماسه ثمانيةَ عشرَ ديناراً، وقد حصل مع ورثة السيد ضعفها.
7174- مسألة: إذا أعتق عبده في مرضه، وقيمته خمسون ديناراً، وقيمة دية الحر مائة دينار، فقُتل العبد وترك بنتاً وسيدَه، وكان السيد عصبتَه، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ووجب من الدية شيئان؛ فإن الدية ضعف القيمة، ورق منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد تلف، واستحق به السيدُ مثلَه على القاتل، وذلك عبد إلا شيئاً، وله أيضاً نصف ما وجب من الدية ميراثاً، وذلك شيء، فإن الدية مِثلا العتق، والعتق شيءٌ، ونصف الدية شيء، فنضم ما ورثه إلى العبد الناقص باستثناء شيء، فيكمل العبد، فنقول: عبد كامل يعدل شيئين، فالشيء نصف العبد، وهو ما عتق منه، وقيمته خمسون ديناراً، فنصفه خمسةٌ وعشرون، ووجب من الدية خمسون، ورجع إلى السيد بالميراث نصفها وهو خمسة وعشرون، وله على الجاني قيمة ما رق من العبد، وهو خمسةٌ وعشرون ديناراً، فالحاصل في يد الورثة خمسون ديناراً، وهو ضعف ما عتق من العبد.
7175- فإن كانت قيمة العبد ثلاثون ديناراً، وديته لو كان حراً خمسون ديناراً، وترك العبد امرأةً، وكان السيد عصبة، فنقول: صح العتق في شيء من العبد، ويجب من الدية مثله ومثل ثلثيه؛ لأن هكذا نسبة الخَمْسين من الثلاثين، فنقول: عتق شيء، ووجب شيء وثلثا شيء، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ذلك إلا أن السيد استحق به مثلَه من القيمة، واستحق ثلاثة أرباع المأخوذ من الدية، وهو شيء وربعُ شيء، فنزيده على عبدٍ إلا شيئاً، فيجتمع مع ورثة السيد عبد وربع شيء، يعدل شيئين، فنلقي ربع شيء وربع شيء قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيكون العبد سبعة والشيء أربعة، وهو أربعة أسباعها، فنعتق أربعة أسباع العبد، ويجب أربعة أسباع ديته، وهو ثمانيةٌ وعشرون ديناراً وأربعةُ أسباع دينار، للمرأة منها ربعها، وذلك سبعةُ دنانير وسبع دينار، ويرجع الباقي إلى السيد بالميراث، وهو أحدٌ وعشرون ديناراً وثلاثة أسباع دينار. وله قيمة ما بطل فيه العتق وذلك ثلاثة أسباع العبد، وقيمتها بالدنانير اثنا عشر ديناراً وستة أسباع دينار، فيجتمع مع ورثته أربعةٌ وثلاثون ديناراً وسبعا دينار، وهي ضعف ما عتق من العبد، لأن العتقَ وقع في أربعة أسباعه، وقيمة أربعة أسباعه سبعةَ عشرَ ديناراً وسبعَ دينار.
7176- فإن كانت قيمته عشرون ديناراً وقيمة ديته لو كان حراً عشرة دنانير، وخلّف العبدُ امرأةً وبنتاً.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، واستحق به من الدية مثلُ نصفه، وذلك نصف شيء، وبقي للسيد عبد إلا شيئاً، وقد تلف، ووجب له القيمة، وله بالميراث ثلاثة أثمان نصف شيء، وذلك ثُمن شيء ونصف ثمن شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر يكون عبد يعدل شيئين وستة أثمان شيء ونصف ثمن شيء، فنبسطهما أثماناً، ومخرج نصف الثمن ستةَ عشرَ، ثم نقلب الاسم، فيكون العبد خمسة وأربعين والشيء ستةَ عشرَ، فيعتق منه ستةَ عشرَ جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً، وذلك ثُلثُه وخمس تُسْعه، وله من الدية مثل نصفها، وذلك ثمانية، للسيد منها ثلاثة أثمانها، وهي ثلاثة، وبطل العتق في تسعةٍ وعشرين جزءاً من العبد، والسيد يستحق قيمتها، وقد ورث ثلاثة أجزاء، فاجتمع مع ورثته اثنان وثلاثون جزءاً من خمسةٍ وأربعين جزءاً من العبد، وهي ضعف ما عتق.
7177- مسألة: إذا أعتق عبده في مرضه، فجنى العبد على أجنبي، فقطع يده، وقيمة العبد مائةُ دينار، وقيمة دية المجني عليه مائتا دينار، فلا يعتق من العبد شيء؛ لأن الجناية أرشُها مائة، وقيمة الرقبة مائة، فأرش الجناية محيطٌ بالرقبة، والدَّيْن مقدم على الوصية.
7178- ولو كانت المسألة بحالها غيرَ أن دية المجني عليه مائة دينار، ففي المسألة دَوْر؛ من قِبل أنا لو قدرنا نفوذ العتق في بعضه، لتوزع الأرش على الحرية والرق، وتعلّق بعضه بذمته في حصة الحرية، فينقص لذلك ما يتعلق بالرقبة.
فنقول في المسألة التي فرضناها: عتق منه شيء ووجب على العبد في ذمته نصفُ شيء من الدية؛ فإن الجناية قطع يد، ومن قطع يداً فأرشها نصف الدية، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، ويلزمه أن يدفع نصفَه في الجناية إن أراد التسليم؛ لأن الدية مثل القيمة، وفي اليد الواحدة نصف الدية، فيلزمه أن يسلِّم نصفَ ما بطل العتق فيه، فيبقى معه نصف عبد إلا نصف شيء، يعدل شيئين ضعفَ العتق.
فبعد الجبر والمقابلة، يكون نصف عبد في معادلة شيئين ونصف، فنبسطهما أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسة، والشيء واحد، والواحد من الخمسة خُمسها، فيعتق خمس العبد، وقيمته عشرون ديناراً، ويرق أربعةُ أخماسه، وقيمته ثمانون ديناراً، ووجب من الدية خمسون ديناراً، على العبد منها خُمسها، عشرةُ دنانير في ذمته، والباقي على السيد وهو أربعون ديناراً، فإذا سلّم هذا القدرَ للبيع، بيع خمسان قيمتها أربعون ديناراً، ويبقى خمسان مع ورثته قيمتها أربعون ديناراً، وهي ضعف قيمة ما عتق.
7179- فإن كانت قيمة العبد خمسين ديناراً، وقد أعتقه مولاه في المرض، فقتل بعد العتق عبداً قيمته أربعون ديناراً، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق عبدٌ إلا شيئاً، ويجب على السيد تسليمُ أربعة أخماسه؛ لأن الدية أربعة أخماس القيمة، فيسلِّم للبيع أربعةَ أخماس عبدٍ إلا أربعةَ أخماس شيء، فإنه إنما يسلِّم مما رق، ويعود العتق في شيء يلحق استثناء بما بقي، فيكون الأمر على ما نظمناه.
فإذا سلَّم أربعةَ أخماس العبد إلا أربعةَ أخماس شيء، بقي مع ورثته خُمس عبد إلا خمس شيء، وذلك يعدل شيئين، بعد الجبر يعادل خمس عبد شيئين وخمساً فنبسطهما أخماساً، ثم نقلب العبارة فيكون العبد أحد عشر، والشيء واحداً، وهو جزء من أحد عشر جزءاً، فيعتق جزء من أحدَ عشرَ، ويرق منه عشرةُ أجزاء، فيسلِّم في الجناية أربعة أخماسها، وهي ثمانية أجزاء يبقى مع ورثته جزءان، ضعفُ ما عتق منه.
7180- فإن أعتق في مرضه عبداً قيمته أربعون ديناراً، فقتل العبدُ عبداً قيمته عشرة دنانير، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق باقيه، وهو عبدٌ إلا شيئاً، ويجب على السيد تسليم ربعه نعني ربعَ ما يرق منه، وإنما يسلم ربعه؛ لأن قيمةَ المقتول ربعُ قيمة القاتل، وذلك ربع عبد إلا ربعَ شيء، فيبقى منه ثلاثة أرباع عبدٍ إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة، تعدل ثلاثة أرباع عبدٍ شيئين وثلاثةَ أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أحدَ عشرَ، والشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً، ويرق منه ثمانية أجزاء، ويسلّم منه جزءان، وهما ربع الثمانية، ويبقى معه ستة أجزاء من أحد عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما عتق. فإن اعترض معترضٌ أن الأرش إذا كان ربعاً كاملاً، فلِمَ يُسلّمُ ربعٌ ناقص بربعِ شيء؟ فالجواب عنه أن المقدار الذي يعتِق يتعلق به قسطٌ من الأرش، ويرد على ذمّة الشخص الذي تبعض العتق فيه، فهذا ما ذكرناه.
7181- مسألة: إذا أعتق في مرضه أمةً قيمتها خمسون ديناراً، وهي حبلى، فجنى عليها أجنبي فأسقطت جنيناً ميتاً، ثم مات السيد، ونقص من قيمة الأمة عشرةُ دنانير، وكان الجنين رقيقاً لولا طريان العتق، وله ورثة يحوزون ميراثه دون السيد.
فحساب المسألة بعد الوقوف على تصويرها. أن نقول: عتق منها شيء، وبطل العتق في أمةٍ إلا شيئاً، واستحق السيد على الجاني من دية الجنين مثلَ عشر ما رق، فإن الواجب في الجنين الرقيق عُشرُ قيمة أُمِّه، فإذا تبعّض الحكم في الجنين، كان مقتضاه ما ذكرناه، فيجب على الجاني أن يغرَم للسيد مثلَ عُشر ما رَقَّ، وقد رقت أَمةٌ إلا شيئاً، فعشرها عُشر أمةٍ إلا عشرَ شيء، وقد نقص من قيمتها بعد هذا مثلُ خمس قيمتها، فاردده إلى العشرة، وذلك عُشْران، نقص مما معه عُشْران إلا عُشْري شيء؛ فإن النقصان وقع بعد العتق، فيبقى مع ورثة السيد تسعةُ أعشار أمةٍ إلا تسعةَ أعشار شيء؛ فإنها كانت أمةً إلا شيئاً، فضممنا إليها بسبب الجنين عُشرَ أمة، فكان المجموع أمةً وعُشرَ أمَةٍ إلا شيئاً وعُشرَ شيء، فحططنا لأجل النقصان عُشري أمة إلا عُشري شيء، فيبقى في أيدي ورثة السيد تسعةُ أعشار أمةٍ، تعدل شيئين وتسعة أعشار شيء، فابسطهما أعشاراً واقلب الاسم فيهما، فيكون الأمة تسعةً وعشرين، والشيءَ تسعةً، فيعتِق منها تسعةَ أجزاء من تسعةٍ وعشرين جزءاً، فيرق منها عشرون جزءاً، ويستحق السيد من أجل الجنين مثلَ عُشرها، وذلك جزءان، فالمبلغ اثنان وعشرون جزءاً، وقد نقص من قيمتها الخُمس، فنحسب الخُمسَ من رقِّ الأمة، لا من ضمان الجناية، وقيمة الرقيق منها عشرون، وحصة هذه العشرين من النقصان أربعة أجزاء، وبقي مع الورثة ثمانيةَ عشرَ جزءاً من سبعةٍ وعشرين جزءاً، وهي ضعف ما عتق منها.
وعلى الجاني عُشر ديةِ ما عتق من الأم لأجل الجنين، فإن الحرّ منه مضمون بعشر دية ذلك القدر من الحرية في الأم، كما أن الرقيق منه مضمون بعشر قيمة ما يرق من الأم، ثم ذاك لورثة الجنين، ولا ينقص بذلك مال السيد.
7182- هذا كلام الأستاذ وفيه زلل ظاهر في الفقه، فإنه صوّر نقصان قيمة الجارية بسبب الجناية وإسقاط الجنين ثم بنى المسألة حكماً وحساباً على حطّ ذلك النقصان من الرِّق، ولم يتعرض لإيجاب أرش النقصان على الجاني، ولو أحاط علماً بوجوبه عليه، لما أسقط ذلك النقصانَ؛ فإن الجاني يغرَمه، فإذا عُدم الجَبْر، كان عدم تضمينٍ للجاني ما فرض من نقصٍ.
وإن تكلف متكلفٌ الذبَّ عنه، وقال: لعل النقصان الذي ذكره ليس نقصانَ عين الجارية، ولكن كانت الجارية لمكان الحمل تُشترى بخمسين، وإذا فارقها الحمل تُشترى بأربعين، وهي في ذاتها لم تنقص، وإنما زايلها الحمل، ثم الحمل قد ضُمن بما يضمن به، فلا يُنظر إلى النقصان؛ فإن الجميع بين بدل الجنين وبين أرش النقصان الحاصل فيه تكرار الغُرم. هذا وجهٌ، وسيأتي تفصيله مقوَّماً على أحسن نظم في كتاب الديات، إن شاء الله عز وجل.
7183- وفيما ذكرته غوائل ولكن ليس هذا موضع استقصائها. وما ذكرناه تكلفٌ؛ فإن الأستاذ صرح بنقصان الأمَة، وهي أيضاً محل الجناية، فإذا ظهر ما ذكره من الاشتراك، فالوجه جبر النقصان بالغرم وطرد المسألة على هذا النحو ولا حاجة إلى إعادتها.
7184- مسألة: إذا أعتق في مرضه أمةً حاملاً، فجنى عليها أجنبي، فألقت جنيناً لا وارث له غيرُ السيد، فالواجب في الجنين عُشر قيمة ما رق من الأم، وعشرُ دية ما عتَقَ منها، وكل ذاك للسيد بحق الملك والإرث.
فإن كانت قيمةُ الأمة خمسين ديناراً، وقيمة ديتها-إن كانت حرة- مائةُ دينار ونقص، بالإسقاط عشرةُ دنانير.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منها شيء ورقت الأمةُ إلا شيئاً، ونقص من قيمة هذا الباقي منها خُمسها، وذلك خمُس أمةٍ إلا خمس شيء، فصار الباقي أربعةَ أخماس أمةٍ إلا أربعة أخماس شيء، واستحق السيد بسبب الرق لأجل الجنين عُشرَ أمةٍ إلا عُشرَ شيء، فصار معه تسعةَ أعشار أمةٍ إلا تسعةَ أعشار شيء، واستحق أيضاً من دية الجنين بنسبة ما عتق منها وهو عُشري شيء؛ لأن الدية ضعفُ القيمة، فنزيد عُشري شيء على تسعة أعشار الأمة إلا تسعةَ أعشار شيء، فيكون تسعةَ أعشار أمة إلا سبعةَ أعشار شيء، فإنا لما ضممنا عُشري شيء، نقصنا بهما الاستثناء، وكان معنا استثناء تسعة أعشار شيء، فيعود الاستثناء إلى سبعة أعشار شيء، فإذاً تسعةُ أعشار أَمةٍ إلا سبعةَ أعشار شيء يعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، فتسعة أعشار أمة تعدل شيئين وسبعةَ أعشار شيء، فابسطهما أعشاراً واقلب الاسم فيهما، فيكون الأمة سبعةً وعشرين والشيء تسعةً، وهو ثلثها، فنعتق منها الثلث وقيمته ستةَ عشرَ ديناراً وثلثان، ويرق منها ثلثاها وذلك ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث، ويستحق السيد مثلَ عشر ما رق منها، وذلك ثلاثة دنانير وثلث، ويستحق أيضاً من الدية ضعفَ عشر ما عتق، وهو مثل خمس ما عتق منها، وذلك ثلاثة دنانير وثلث، فجميع ما استحق السيد في الجنين ستةُ دنانير وثلثان، ونقص من قيمة ما رق منها بعد نفوذ العتق الخُمس، فبقي من الجارية ستةٌ وعشرون ديناراً وثلثان، وانضم إلى ذلك بسبب الجبر ستة دنانير وثلثان، فالمجموع ثلاثة وثلاثون، وهي ضعف قيمة الثلث منها يوم العتق؛ لأن ثلثها يوم العتق كان ستةَ عشرَ ديناراً وثلثي دينار.
وهذه المسألة جاريةٌ على نظامها إلا ما أعاده من فصل النقصان، فإنه نظر إلى النقصان، ولم ينته لنقصانه بتغريم الجاني، ولا يخفى طرد وجه الصواب، والطريق ذكر المسألة من غير نقصان.
7185- مسألة: إذا أعتق عبدين في مرضه قيمة أحدهما خمسون ديناراً، وقيمة الآخر مائة دينار، ثم قتل السيدُ العبدَ الذي قيمته مائة دينار، وقيمة ديته لو كان حراً مائتان، فإنا نُقْرع بين العبد الحي وبين العبد المقتول، فإن خرجت قرعةُ الحرية للعبد الحي منهما، عتَق ثلثه ورق ثلثاه، ومات المقتول على المذهب الظاهر رقيقاً، وليس الخوض فيه من غرضنا الآن.
وإن خرج سهم المقتول، فنقول: دارت المسألة.
وحسابها أن نقول: عتق منه شيء، ورق وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ما رق وما عتق، وبقي مع السيد عبدٌ آخر، قيمته نصف عبد، نقضي منه ديةَ ما عتق من المقتول، وهي ضعف ما عتق، فإذا قلنا: عتق شيء، فضعفه شيئان، فيبقى مع ورثته نصفُ عبد إلا شيئين، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون نصفُ عبدٍ يعدل أربعةَ أشياء، فنبسطهما أنصافاً، ونقلب الاسم منهما، فيكون العبد ثمانية، والشيء واحداً، فإذاً عتق منه ثُمنُه، وقيمته اثنا عشر ديناراً ونصف، ويجب نسبتها من الدية ضعفها، وذلك خمسةٌ وعمثمرون ديناراً، فتُقضَى من العبد الآخر الذي هو حيٌّ، فيبقى منه خمسة وعشرون ديناراً، وهي ضعف ما عتق.
والذي وجب عليه من الدية يكون لورثة المقتول إن كان له وارث، أو لبيت المال، ولا يرجع شيء منه إلى السيد، لأنه قاتل.
7186- ولو أعتق ثلاثة أعبد قيمة أحدهم ثلاثون ديناراً، وقتله، وقيمة الثاني ستون ديناراً، وقيمة الثالث تسعون ديناراً، وقد خرجت عليه القرعة، ثم قطع يدَ الذي قيمته تسعون وديته لو كان حراً مائة دينار، ونقص-بسبب الجناية من قيمته- عشرون ديناراً.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد نقص من قيمته تسعاه، وصار الباقي منه سبعة أتساع عبد إلا سبعةَ أتساع شيء، ومعه العبد الذي قيمته ستون، وهو مثل ثلثي عبد، فصار جميع ما حصل عبدٌ وأربعة أتساع عبد إلا سبعةَ أتساع شيء، فيجب أن يقضي منه ديةَ يده، وهي خمسة أتساع شيء، لأن دية يده مثلُ خمسة أتساع قيمته، فيبقى معه عبدٌ وأربعة أتساع عبد إلا شيئاً وثلاثة أتساع شيء، تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبد وأربعة أتساع عبد تعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أتساع شيء، فنبسطهما أتساعاً، فيكون العبد ثلاثين، والشيء ثلاثة عشر وهي ثلثها وعشرها.
وقد فات الذي قيمته ثلاثون، ورق الذي قيمته ستون.
الامتحان: أن نقول: إذا عتق منه ثُلثُه وعُشره، فذلك تسعةٌ وثلاثون في يناراً، وقد بقي منه أحدٌ وخمسون ديناراً، وقد نقص منها مثلُ تسعيها وذلك أحدَ عشرَ ديناراً وثلث، لأن الناقص من قيمة العبد بالجناية تسعاه، فبقي منه تسعةٌ وثلاثون ديناراً وثلثان ومعهم عبد قيمته ستون ديناراً، وذلك تسعةٌ وتسعون ديناراً وثلثان، فقضى منها ديةَ ما عتق منه، وذلك مثل خمسة أتساع ما عتق منه، وهي أحدٌ وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وتبقّى لورثته ثمانيةٌ وسبعون ديناراً، وهي ضعف ما عتق منه.
7187- وإن خرجت قرعة العتق للعبد الذي قيمته ستون ديناراً، عتق ثلثاه، ونصفُ تسعه.
وحساب المسألة أن نقول: عتَقَ منه شيء ورق منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد رجع قيمةُ العبد المقطوعة يده إلى سبعين ديناراً، وهي مثل عبد وسدس، فيبقى معه عبدان وسدس عبد إلا شيئاً، يعدل شيئين، فبعد الجبر يكون عبدان وسدس في معادلة ثلاثة أشياء، فنبسطهما أسداساً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء ثلاثة عشر، وهي ثلثاها ونصف تُسعها، وقلنا: يعتق منه ثلثاه ونصفُ تسعه ورقَّ منه خمسةُ أجزاء من ثمانيةَ عشرَ جزءاً، ومعهم من العبد المقطوع يده مثل عبد وسدس عبد، بعد النقصان، فيكون الجميع عبداً وأربعة أتساع عبد. وذلك ضعف ما عتق منه.
7188- فإن خرجت قرعةُ عِتْق العبد المقتول وقيمته ثلاثون، وقيمة ديته مائة دينار، عتق منه ثلاثة أرباعه ونصفُ ثُمنه.
وحسابه أن نقول: عتق منه شيء ورق باقيه، وهو عبد إلا شيئاً، وقد تلف هذا الباقي منه بالإتلاف، ومع ورثة السيد الذي قيمته ستون، وهو كعبدين بالنسبة إلى المقتول الذي خرجت القرعةُ عليه، والذي نقصت قيمته بالقطع باقي قيمته بالنسبة إلى المقتول مثل عبدين وثلث عبد، فذلك أربعة أعبد وثلثا عبد، نقضي منها ما لزمه من الدية، وهو ثلاثة أمثال ما عتق من المقتول، ومثل ثلثه فإذا كان المعتَق شيئاً وقع التمثيل بالأشياء، فعلى السيد لأجل الدية ثلاثة أشياء وثلثُ شيء، فيبقى مع ورثته أربعة أعبد وثلث عبد إلا ثلاثة أشياء وثلث شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ العتق، فبعد الجبر، يكون أربعة أعبد وثلث عبد يعدل خمسة أشياء وثلث شيء، فنبسطهما ونقلب الاسم فيهما فيكون العبد ستة عشر، والشيء ثلاثة عشر، فنعتق ثلاثة عشر جزءا من ستةَ عشرَ جزءاَّ مَنه، وهو ثلاثة أرباعه ونصف ثمنه، وقيمتها أربعة وعشرون ديناراً وثلاثة أثمان دينار، وجميع تركة السيد مائة وثلاثون ديناراً، فالواجب عليه من الدية ثلاثةُ أمثال ما عتَق ومثلُ ثلثه، وذلك أحدٌ وثمانون ديناراً وربعٌ، فنحط ذلك من التركة، فيبقى من التركة ثمانيةٌ وأربعون ديناراً، وثلاثة أرباع دينار، وهي ضعف الأربعة والعشرين والثلاثة الأثمان.
7189- مسألة: إذا أعتق في مرضه عبدين قيمة أحدهما عشرون ديناراً، وقيمة الآخر أربعون ديناراً، فقطع مَن قيمتُه عشرون يدَ مَنْ قيمتُه أربعون، ونقص بسبب الجناية من قيمته عشرة دنانير، وقيمة ديته لو كان حراً ثمانون ديناراً، ولم يكن للسيد مال غيرُهم، فإنا نقرع بينهما، فإن خرجت قرعة العتق على المقطوع يده عتق ثُلثُه، والحساب أن نقول: عتق منه شيء واستحق من الدية مثل القيمة؛ لأن دية المجني عليه ثمانون، وهي ضعف القيمة، وأرش الجناية مثل القيمة، فإن أرش اليد نصفُ بدل الجملة، فالواجب في الأرش وقع مثلَ العتق لا محالة، وبقي من العبد عبد إلا شيئاً، وقد نقص منه ربعه، فيبقى منه ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شيء، ومعه عبد آخر: قيمةُ نصفه، فذلك عبد وربع إلا ثلاثة أرباع شيء، نقضي منها الدية، وهو شيء، يبقى عبدٌ وربعُ عبد إلا شيئاً وثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبد وربع عبد، يعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسةَ عشرَ، والشيء خمسة: هي ثلثها، فقلنا: إنه عتق منه الثلث، وقيمته يوم العتق ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثلثُ دينار نعني قيمةَ الثلث، وبقي منه ستةٌ وعشرون ديناراً وثلثان، نقص منها بالجناية رُبعها، وذلك ستةُ دنانير وثلثان، فيبقى من الرقبة عشرون ديناراً، ومعه رقبةٌ أخرى قيمتها عشرون ديناراً، فيسلِّم منها في المتبع مقدارَ الواجب في الدية، وذلك ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثلثَ دينار، فيبقى من هذه الرقبة الجانية ستةٌ وثلثان، ومن المجني عليه عشرون ديناراً، والمجموع ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وذلك ضعف ما عتق من المجني عليه.
7190- وإن خرجت قرعةُ العتق على الذي قيمتُه عشرون، عتَق خمسةُ أسداس ذلك العبد.
وحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق منه عبد إلا شيئاً، ومعه العبد المجني عليه، وقيمته بعد النقصان عبدٌ ونصف عبدٍ بالإضافة إلى العبد الذي العتق منه، فالمجموع عبدان ونصف عبد إلا شيئاً، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبدان ونصف عبد في معادلة ثلاثة أشياء، فنبسطهما أنصافاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ستةً والشيء خمسة، فقد عتق منه خمسةُ أسداسه، وقيمته ستةَ عشرَ ديناراً وثلثا دينار، وتبقى سدسه وقيمته ثلاثة دنانير وثلث دينار، ومع الورثة العبد المجني عليه، وقيمته بعد النقصان ثلاثون ديناراً، فالحاصل في أيدي الورثة ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وهي ضعف الستةَ عشرَ وثلثي دينار، التي هي قيمة ماعتق منه.
وهذا الجواب إنما يصح إذا لم يكن في يد هذا المعتَق الجاني ما يغرَم به لسيده أرشَ الجناية، فلو كان، لزادت التركة، واختلف الحساب.
مسائل في الهبة وجناية الموهوب على الواهب
7191- إذا وهب في مرضه عبداً، وأقبضه، لا مال له غيرُه، فقتل العبدُ الموهوبُ الواهبَ خطأً. فإن كانت قيمته مثلَ الدية، صحت الهبة في نصفه، وسُلِّم ذلك النصف في الجناية، وكذلك لو فداه الموهوب له، فالجواب يخرج كذلك، سواء قلنا: الفداء بالأقل أو بالدية، فإن المقدارين متساويان، فيبقى نصف العبد لورثة الواهب، ويعود إليهم مثلُ نصفه بالفداء، أو بالتسليم للبيع، فيكون الحاصل في يد ورثة الواهب ضعفُ ما صحت الهبةُ فيه، وتُهدر الجنايةُ في نصفها؛ فإنها تكون واقعةً من النصف الذي بطلت الهبةُ فيه تبيُّناً، وجناية المملوك على مالكه مهدرة.
7192- وإن كانت قيمة العبد أقلَّ، وفرعنا على الأصح، وهو أن الفداء يقع بالأقل، فيرجع الفداء إلى اعتبار القيمة، وتصح الهبة في النصف، ويبقى النصف، ويعود مثل نصفه بالفداء أو بالتسليم للبيع.
فإن قلنا: الفداء بالأرش، وكان الأرش ضعفَ القيمة أو أكثر، واختار الموهوب له الفداء، صحت الهبة في الجميع. وقد تدور المسألة.
7193- ونحن نذكر صوراً في الدور: منها: إن قيمة العبد لو كانت عشرين ألفاً، وقيمةُ دية الواهب عشرةُ آلاف، فنقول: صحت الهبةُ في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إلى ورثة الواهب بالجناية نصفُ شيء؛ فإن الدية نصف القيمة، يبقى معهم عبد إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، وهو يعدل بعد الجبر والمقابلة شيئين ونصفَ شيء، فالشيء من شيئين ونصفٍ خمساه، فصحت الهبة في خمسي العبد، وقيمته ثمانية آلاف، ويسلّم إلى ورثة الواهب مقدار خُمسي الدية، وذلك مثل خمس الرقبة، فيحصل مع ورثة الواهب من الرقبة ومن الدية مثلُ أربعة أخماس الرقبة، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن كانت قيمته ثلاثين ألفاً، وقيمة الدية عشرة آلاف، فتصح الهبة في ثلاثة أثمانه، وتبطل في خمسة أثمانه، ويرجع إلى ورثة الواهب بالتسليم أو بالفداء مثل ثلث ما صحت الهبة منه، وذلك ثمن واحد، فاجتمع معهم ستةُ أثمان، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
وطريق الحساب كما تقدم.
فإن كان قيمته ألفاً، واختار الموهوب له الفداء، وقلنا: إن الفداء يقع بالدية، تمت الهبة في جميعه، وفداه بالدية الكاملة.
وكذلك إذا كانت قيمته مثلَ نصف الدية أو أقلَّ.
فإن كانت قيمته ستة آلاف والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء منه، وفداه بمثله ومثل ثُلثيه؛ إذ العشرة من الستة على هذه النسبة تقع، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، ورجع بالفداء شيء وثلثا شيء، فاجتمع معهم عبد وثلثا شيء، يعدل شيئين، فنطرح ثلثي شيء بثلثي شيء قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلث شيء، فنبسطه أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد أربعة والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أرباعها، فقد صحت الهبة في ثلاثة أرباع العبد، وبقي مع ورثة العبد من الرقبة ربع عبد، ومن الفداء عبد وربع، فذلك عبد ونصف وهو ضعف ما صحت الهبة منه.
7194- مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً لا مال له غيرُه، وأقبضه، فقتل العبدُ الواهبَ، فعفا عن الجناية الواهبُ، وأوصى بأرشها، فالهبة مقدمة على العفو، لتقدمها عليه بالوجود.
فإن كانت قيمته نصفَ الدية أو أكثر، بطل العفو؛ لأن الهبة تستغرق الثلث، فكأنه لم يعف، وجوابه على ما مضى إذا لم يكن عفو.
فإن كانت القيمة أقلَّ من نصف الدية، نظر: فإن اختار الموهوب له التسليم أو اختار الفداء، وقلنا: إن الفداء يقع بالقيمة، بطل العفو أيضاً، وكان حكمه على ما مضى، وإن اختار الفداء وقلنا: إن الفداء يقع بالدية، صرف الفاضل من الثلث عن الهبة في العفو، فإن كانت القيمة ألف درهم والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في جميعه، وصح العفو في شيءٍ منه، وفدى باقيه وهو عبد إلا شيئاً بعشرة أمثاله، وذلك عشرةُ أعبد إلا عشرةَ أشياء، وذلك يعدل ضعف ما يصح بالهبة والعفو، وقد صح بالهبة عبدٌ، والعفو شيء، فضعفهما عبدان وشيئان، فإذا جبرنا وقابلنا بعشرة أعبد في معادلة عبدين واثني عشر شيئاً، فنسقط عبدين بعبدين، فيعدل ثمانية أعبد اثني عشر شيئاً، فنقلب الاسم فيكون العبد اثني عشر، والشيء ثمانية، وهي ثلثاه، فنقول صح العفو في ثُلثيه.
والامتحان أن الهبة صحت في جميعه وهو ألفُ درهم، وصح العفو في ثلثيه، وذلك ثلثا ألف، والوصيتان ألف وثلثا ألف، وبطل العتق في ثلث العبد، يفديه الموهوب له بثلث الدية، وذلك ثلاثة آلاف، وثلث ألف، وذلك ضعف ما صح بالهبة والعفو.
فإن كانت قيمته ألفين والدية عشرة آلاف، صحت الهبةُ في جميعه، وصح العفو في شيء منه، وفدى باقيه، وهو عبدٌ إلا شيئاً بخمسة أمثاله، وذلك خمسة أعبد إلا خمسة أشياء تعدل عبدين وشيئين، كما تقدم، فبعد الجبر والمقابلة وقلب الاسم، وإلغاء المثل بالمثل، يكون العبد سبعة والشيء ثلاثة، فيصح العفو في ثلاثة أسباع ألف، فالوصيتان ألفٌ وثلاثة أسباع ألف، وبطل العفو في أربعة أسباع العبد وفداها الموهوب له بخمسة أمثالها، وذلك عشرون سبعاً، فبالاختصار والتأليف يكون ألفين وستة أسباع ألف، وذلك ضعف ما صحت الهبة والعفو منه.
7195- مسألة: إذا وهب عبداً في مرضه وسلّمه، ثم إنه قتل الواهب قَتْلَ قصاصٍ، فالتفصيل في أن العفو إذا قُرن بالمال أوْ جاء مطلقاً جائزٌ من غير رضا الجاني، فإن عفا مطلقاً فهل يوجب المال؟ يأتي مستقصىً في كتاب الجراح، ولسنا نطوّل بذكره الآن. ونقتصر على ذكر ما يختص بغرضنا. فنقول: إذا عفا السيد الواهبُ عن القصاص مطلقاً، سقط القصاص، فإن عفا على مالٍ، كان كما لو كان قتله العبد خطأً، واستمرت المسألة في حكمها وحسابها على ما تقدم. وإن عفا على غير مالٍ، فتفصيل القول في عفو المريض عن الدية في الجناية الموجبة للقصاص كتفصيل القول في المفلس، واستقصاء الكلام في عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقصاص وعن أرشها من أصول المذهب في كتاب الجراح. وكذلك القول في العفو مطلقاً من غير تعرض للمال نفياً وإثباتاً.
فإذا قتل العبدُ الموهوبُ الواهبَ خطأً وخلّف ورثةً فأبرءوا عن الدية، فقد قال الأستاذ: الإبراء منهم بمثابة استيفاء الحق. ثم لو فرضنا استيفاء الحق، لم يتغير من مقتضى المسألة على ما يوضحه الحساب شيء، فإنه إنما يستوفي ما يجب له، فإن زاد كانت الزيادة مردودةً، وكذلك الإبراء النازل منزلة الأداء لا يغيّر من حكم المسألة شيئاً، ووضوح ذلك يغني عن بسط القول فيه.
7196- فإذا كانت الجناية موجبةً للقصاص ثم فُرض العفو عن القود على وجهٍ لا يثبت المالُ معه من المطلق، فهذا يفرَّع على أن العفو في العمد هل يقتضي المال مطلقاً؟ فإن قلنا: إنه لا يقتضي المال، فهذا يتفرع على أن موجَب العمد القودُ المحض، والعفوُ المطلق لا يوجب المال.
فعلى هذا إذا جرى العفو مطلقاً، وكان المال لم يثبت في أصله، لم يؤثر العفو في إسقاطه، فإذا لم يثبت المال، تجردت الهبة، وجُعل الجناية كأن لم تكن، ولو تجردت، لكان الحكم فيها إذا جرت من المريض-ولا مال له غيرُ الموهوب- أن تحتسب الهبةُ من الثلث.
وإن قلنا: الجنايةُ توجب المالَ، والعفوُ المطلَقُ لا يسقطه، فإسقاطه القصاصَ يُقرِّر المالَ إذا لم يتعرض له، ويعود التفصيل: إن الجناية الموجبةَ للمال الواقعةُ خطأً، وإن عفا العافي عن القود والمال، فالعفو عن المال بعد ما حكمنا بثبوته بمثابة الإبراء عن دية الخطأ، وقد ذكرنا أن الإبراء عن دية الخطأ كاستيفائها وسبيلهما جميعاً: ألا يغيرَ حسابُ المسألة وفقهُها.
7197- فإن قتل العبدُ الواهبَ قَتْلَ قصاصٍ، وخلّف ابنين، فإن عفا الابنان جميعاً، تفرع على ما ذكرناه، وأن المال هل يجب بالقتل أم كيف السبيل فيه؟ فإن غلّبنا القصاصَ، فإن عفَوَا على مال، التحقت المسألة بما إذا كانت الجناية خطأ؛ فإن المال إذا ثبت، استند إلى القتل عندنا. وإنما يظهر اختلاف القول فيه إذا جرى العفو على غير مال، فلو جرى العفو منهما على وجه لا يُثبت المال، فهو كما تقدم.
وإن قلنا: لا يثبت أصلاً، فهبةٌ مجردةٌ من مريضٍ.
وإن قلنا: يثبت المال، ويسقط بالإسقاط، فالإسقاط كالاستيفاء، والمسألة مشتملةٌ على هبةٍ وجنايةٍ مثبتةٍ للمال.
فإن عفا أحد الورثة على غير مال دون الثاني، فلا شك أن القصاص يسقط، ويثبت المال في حق من لم يعفُ، فالذي عفا يفرَّع أمرُه على ما ذكرنا. فإن قلنا: يثبت المال في حقه، ويسقط بإسقاطه، فهو بمثابة الإبراء عن المال إذا وقع القتل خطأً، وإن قلنا: المال لم يثبت بالقتل أصلاً في حق العافي، فوجه الجواب في المسألة أن نقول: النصف الذي يتعلق حكمه بالعافي حكمه في حقه كحكم هبةٍ مجردةٍ
_________
في الأصل: لا جناية.
في الأصل: واستيفائها.
في الأصل: عن.
في الأصل: النص.
في الأصل: فالعافي.
لا جناية فيها، وحكم النصف في حق من لم يعف كحكم هبةٍ مع جريان الجناية الموجبة للمال.
وليقع الفرض فيه إذا كانت القيمةُ مثلَ الدية، فنقول: أما العافي من الابنين، فالنصف في حقه كعبدٍ تجردت فيه الهبة على الأوصاف المقدمة، فينفذ التبرع في ثلثه ويرتدُّ في ثلثيه، وثلثُ النصف سدس الجميع.
وأما الذي لم يعف، فالمال ثابت في حقه، فحكم نصفه كحكم عبدٍ فرضت فيه الهبة مع الجناية، وكان الأرش كالقيمة مثلاًً؛ حتى لا يتفرعّ الحكم في التقاسيم وحكم مثل نصف ذلك أن ينفذ التبرع في النصف، ليكون نصف الباقي مع المال الذي يحصل بسبب الجناية ضعفاً لما يصح التبرع فيه.
فخرج من ذلك أن الموهوبَ له يرد الثلثَ: ثلثَ العبد إلى العافي بسبب انتقاض الهبة، ويسلِّم إلى الآخر الربعَ بسبب انتقاض الهبة، ويسلِّم الربع الآخر إلى من لم يعف إن اختار التسليمَ في الجناية أو يفدي، فيحصل في يد من لم يعفُ نصفُ العبد أو مقدارُه، ويحصل في يد من عفا ثلثُ العبد، ويَسْلَم للموهوب له سدُسُ العبد بلا مال يبذله في مقابله؛ لمكان العفو.
هذا بيان فقه هذه المسائل.
7198- مسألة: لو وهب في مرضه عبداً وأقبضه، ثم إن العبد قتل أجنبياً خطأ، ثم قتل سيدَه، فإن اختار الموهوب له الدفعَ والتسليمَ وكانت قيمةُ العبد قدرَ الدية أو أقلَّ، بطلت الهبة من أصلها، وكأنها لم تكن. ثم من حُكم ذلك إهدار الجناية على السيد؛ إذ تبيّن أن العبد جنى على مالكه. ونقول للورثة: إن سلمتم العبد بالجناية، فسلموه ليباع في دية الأجنبي، وإن أردتم الفداء، فافعلوا ما بدا لكم، ولا زيادة على ما قدمناه، من أن الهبة باطلةٌ من أصلها، وهذا عبد جانٍ، والورثة في تسليمه وفدائه بالخيار. هذا فتوى المسألة وحكمُها، وعليه ما ذكرناه أن القيمة إذا كانت مثل الدية.
7199- فلو فرضنا نفاذ الهبة في جميعه مثلاَّ، فموجبُه توجُّه الطَّلِبة بحكم الجناية على الموهوب له؛ فإنه مالك الرقبة على تقدير صحة الهبة، فلو سلَّم العبدَ، فإنه يكون بين الأجنبي والواهب نصفين؛ فإنّ تقدّم الجناية لا يثبت للمجني عليه أولاً حقَّ التقدم، وإذا سلّم الموهوبُ له نصفَ العبد إلى الواهب، فليس يسلَّم لورثته إلا النصف على هذا التقدير، ويستحيل أن يصحّ التبرّعُ في جملةٍ، ويسلم الورثةُ مثلَ نصفها، بل موجَبُ الشرع أن يصح التبرع في شيء ويسلم الورثة ضعفَه. فلو قلنا: يرجع النصف إلى الورثة، وتصح الهبة في الربع، بطلت الثلاثة الأرباع.
ثم إذا جنى على الأجنبي وعلى السيد الواهب، فتهدر الجناية على السيد ممَّا لم تصح الهبةُ منه، ويسلّم إلي ورثة الأجنبي المقتول كلُّه، فلا يبقى لورثة الواهب شيء، ولا نقدر الهبة في مقدارٍ إلا وتهدر جنايةُ العبد على مولاه فيما بطلت الهبة فيه، ويسلم جميع ما بطلت الهبة فيه إلى الأجنبي، فلا يتسق تصحيح الهبة في شيء أصلاً؛ فإن جميع قيمته مستوعَبةٌ بدية الأجنبي. والمسألة فيه إذا كان العبد يسلم في الجناية، ولا يتصور أن يسلم شيء من العبد في الجناية على الواهب؛ فإنه إنما يسلم ما تصح الهبة فيه، ولا يبقى وراء ما نقدّر فيه صحةَ الهبة لورثة الواهب. وهذا ظاهر، ولكن على المنتهي أن يعتني بفهمه؛ فإنه فنٌّ من الدور، ولا انقطاع له، وسنبني عليه مسائل، فقد صح ما قدمناه في فتوى المسألة.
وهذا فيه إذا كانت القيمة قدر الدية أو أقلَّ، واختار الموهوبُ له تسليمَ العبد. وإن اختار الموهوبُ له الفداء في قول من رأى الفداء بالقيمة، فالجواب كما مضى؛ لأن الفادي بالقيمة لا يزيد على قيمة واحدةٍ في حق الدّيتين فيقتضي الحساب ما ذكرناه.
فأما من رأى الفداء بالدية، نُظر: فإن كانت قيمتُه مثلَ نصف الدية أو أقل من الدية في الجميع، فإن الفادي بالدية يفدي بديتين؛ إذ شَرْط أن يفدي بأرش الجنايات بالغةً ما بلغت، وإذا فدى كلَّ قتيل بديته، فيقع العبد شطرَ الفداء أو أقلَّ من الشطر.
7200- وإن كانت قيمة العبد أكثرَ من نصف الفداء إلى تمام الدية من غير مزيد، كأن تكون ستة آلاف، والدية عشرة آلاف مثلاً، فالحكم أن نقول: إذا زادت على النصف، ولم تزد على مقدار الدية، والتفريع على أن الفداء بالدية، بطلت الهبة في الجميع، وتعليل ذلك أنا لو صححنا الهبة في الجميع مثلاً، وقلنا: الموهوب له يفدي العبدَ، فيسلِّم على هذا التقدير لورثة الواهب عشرةَ آلاف، وقيمة العبد ستة آلاف، فلا يكون ما سلم لهم ضعفَ الهبة.
ولو قلنا: تصح الهبة في نصف العبد مثلاً، فالموهوب له على هذا التقدير يفديه بنصف الدية، فلا يحصل للورثة ضعفُ التبرع؛ فإن التبرع ثلاثة آلاف، ونصف الدية على ما قدرنا خمسةُ آلاف، فلا يكون الحاصل ضعفَ التبرع.
فإن قيل: قد بطلت الهبة في نصف العبد على هذا التقدير الذي نحن فيه، فينبغي أن نضم هذا النصف إلى نصف الدية، فيزيد المجموع على ضعف ما قدرنا التبرع فيه. قلنا: إذا كان الموهوب له يفدي على نسبة ما ملكه من العبد، وقد قدرنا له الملك في نصف العبد؛ فإنه لا يفدي في حق الأجنبي إلا بنصف الدية أيضاً، فيبقى له من حقه نصف الدية، والنصف الباقي من العبد جنايته هدر على الواهب؛ فإنها جناية على المالك، فيتعين صرفُ ذلك النصف إلى الأجنبي.
وإن نقصنا مقدار الموهوب، لم يتخلص عن هذه النسبة، ولم ينتظم لنا اعتدال الثلث والثلثين، فلا يزال ينقص، ومنتهى ذلك الحكم بإبطال الهبة رأساً، وهذا الملك يجري من زيادة القيمة على نصف الدية إلى أن يزيد على تمام الدية، والتفريع على الفداء بالأرش.
7201- فإن كانت قيمته أكثرَ من الدية مثل أن كانت قيمته عشرين ألفاً والدية عشرة آلاف، فتصح الهبة في شيءٍ لا محالة، وتعليل صحتها على الجملة إلى أن نحسب أنا إذا قدرنا الصحة في جزءٍ على ما يقتضيه الحساب وأبطلنا الهبة في بقية العبد، وقدَّرنا تسليم البقية في الجناية، فلا حاجة إلى تسليم الكل، فيبقى للورثة شيء؛ فإن جرى الفداء بالأرش، فإن القيمة زائدة على الدية، وإن كان تبقى لهم شيء، فلابد من نفوذ التبرع في شيء.
وسبيل الحساب أن نقول: صحت الهبة في شيء ورجع نصف ذلك الشيء إلى الواهب بسبب الجناية؛ فإن الهبة إذا صحت في شيء، وثبت الملك فيه، ثم فرضت الجناية على الواهب، فاختار من حصل له الملك الفداءَ بالدية، والدية نصف القيمة، فلابد وأن يرجع بالجناية نصفُ ما يخرج بالهبة، فقد استقام قولنا: صحت الهبة في شيء ورجع نصف ذلك الشيء إلى ورثة الواهب، ورجع نصفه أيضاً إلى ورثة الأجنبي، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، وورثة الواهب يلزمهم تسليمُ نصفهم إلى ورثة الأجنبي؛ فإنه إذا ثبت ملكٌ فيما بطلت الهبةُ فيه، تعلق ضمان الأجنبي بذلك القدر، فيبقى مع ورثة الواهب نصف عبدٍ إلا نصفَ شيءٍ مضمومٌ إليه ما رجع إليهم بالجناية، وهو نصف شيء، فيبقى لهم نصف عبدٍ لا استثناء منه، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ التبرع، فالشيء ربعُ العبد، وهو الذي نفذت الهبة فيه، وقيمته خمسة آلاف، وبطلت الهبة في ثلاثة أرباع العبد، وورثة السيد يفدونها بثلاثة أرباع الدية، أو يسلمون ذلك القدرَ: ثلاثة أرباع العبد، فيبقى معهم مقدارُ سبعة آلاف وخَمسُ مائة، والموهوب له يدفع الربع الذي صحت الهبة فيه إلى ورثة الواهب، وورثة الأجنبي نصفين، أو يفديه من كل واحد منهما بربع الدية، فيجتمع لورثة الواهب عشرة آلاف، وهي ضعف ما نفذت الهبة فيه، ونهدِر الجناية على ثلاثة أرباع السيد؛ لأنها جناية على المالك.
7202- فإن كان العبد قتل السيدَ أولاً، ثم قتل الأجنبيَّ بعده، وقيمته ألف درهم مثلاًً، فإن لم يُجز الورثةُ الهبةَ فما تصح فيه الهبةُ على ما ذكرنا، جنى أو لم يجن على الأجنبي، والسبب فيه أنه بقتل السيد فاتت التركة، وانتقل الحق إلى الورثة، وإذا فاتت التركة، فات... ما صحت الهبة فيه ولا يتغير هذا بجنايةٍ أخرى من العبد بعد انتقال الحق إلى الورثة، ثم يفدي ورثةُ السيد ما بطل فيه الهبة من الأجنبي، ويفدي الموهوب له ما صح فيه الهبة من ورثة كلِّ واحدٍ منهما؛ لأنه جنى على الأجنبي وهو في ملك الورثةِ، والموهوبِ له.
وحسابه أن الهبة صحت في شيء منه، ثم إن الموهوبَ له دفع نصفَ الشيء إلى ورثة الواهب، ونصفَه إلى ورثة الأجنبي، فحصل لورثة الواهب عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة بالبسط يكون الشيء خمسَي العبد، وهو الجاني بالهبة ويدفع الموهوبُ له الخمسين بالجناية، فيحصل لورثة الواهب أربعةُ أخماس العبد بقاءً وعوداً إليهم، وهي ضعف الهبة، ثم يدفعون ثلاثة الأخماس التي بطلت فيها الهبة إلى ورثة الأجنبي؛ لأنه جنى عليه، وهو في ملكهم.
فإن اختار الموهوبُ له الفداء، فمن رأى الفداء بالقيمة، فجوابه كذلك، ومن فدى بالدية، فإنه يقول: تمت الهبة في العبد؛ فإن الموهوب له يفديه من كل واحد بالدية الثابتة، فيحصل في يد ورثة الواهب أكثرُ من الضعف.
فإن كانت قيمته ستةَ آلاف والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء، وفداه بشيءٍ وثلثي شيء، من كل واحد منهما؛ فإن التفريع على الفداء بالأرش والدية زائدة على القيمة بثلثيها، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ وثلثا شيء يعدل شيئين، فنطرح ثلثي شيء بثلثي شيء قصاصاً، فيبقى عبدٌ في معادلة شيء وثلث شيء، فنبسط ونقلب الاسم، فيكون الشيء ثلاثة أرباع العبد، وهي التي تصح الهبة فيه.
ثم الموهوب له يفدي من كل واحد منهما ما صحت الهبة فيه بثلاثة أرباع الدية، فيحصل لورثة السيد ثلاثة أرباع الدية وربع العبد وذلك تسعة آلاف، وهي ضعف الهبة، يفدي ورثة الواهب ربعَ العبد، أو يسلمونه في حق فدية الأجنبي؛ فإن الجناية على الأجنبي وقعت بعد قتل الواهب في هذه المسائل، وبعد استقرار الملك للورثة.
7203- فإن كانت قيمته والمسألة بحالها عشرين ألفاً والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء من العبد، وفداه الموهوب له من كل واحد منهما بنصف شيء، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والبسط وقلب الاسم يكون الشيء خُمسا العبد، فنقول: تصح الهبة في خمسيه، ويرجع أحد الخمسين إلى ورثة الواهب بالجناية، وهو نصف ما صحت الهبة فيه، فيحصل لهم قدر أربعة أخماسه، وذلك ضعف ما صحت الهبة فيه، وجناية ثلاثة أخماسه على الواهب هدر، ثم يفدي ورثة الواهب ثلاثة أخماسه من الأجنبي بثلاثة أخماس الدية.
7204- مسألة: إذا وهب عبداً في مرضه، وسلّمه، فجنى العبد مع أجنبي، فقتلا الواهبَ خطأ. فإن كانت قيمته نصفَ الدية أو أقل، تمت الهبة، وفداه الموهوب له بنصف الدية، أو سلمه، وأخذ من الأجنبي نصف الدية، فيكون الحاصل في أيدي ورثة الواهب أكثرَ من ضعف الموهوب، وهو العبد.
وإن كانت قيمته مثل الدية، فنقول: صحت الهبة في شيء، وفداه الموهوب له بنصف شيء؛ فإن الأرش يتعلق بالجانبين، فيخص المقدارَ الموهوبَ نصفٌ، فإن القيمة كالأرش، فنقول: إذا صحت الهبة في شيء ورجع من جهة الموهوب له نصفُ شيء، ويأخذ ورثة الواهب من الأجنبي نصف الدية وهو خمسة آلاف، فيجتمع معهم خمسةَ عشرَ ألفاً إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والبسط يكون الشيء خمسي خمسة عشرَ ألفاً وذلك ستةُ الاف، وهو المقدار الذي صحت الهبة فيه من العبد، وذلك ثلاثة أخماس العبد، فيفديه الموهوب له بثلاثة أخماس نصف الدية، وذلك ثلاثة آلاف، ويأخذون من الأجنبي نصف الدية، فيجتمع مع ورثة الواهب اثنا عشر ألفاً، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
7205- مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً، وأقبضه، فقتل العبد الموهوبَ له خطأً، وقيمته مثلُ الدية أو أقلَّ، ثم مات الواهب.
قلنا للورثة: إن أجزتم الهبة، نفذت، وبطلت الجناية؛ لأنها على مالك الجاني، وإن لم تجيزوها بطلت الهبة جملةً؛ فإن الهبة لو صحت في مقدارٍ، فالذي لا تصح الهبة فيه يجب تسليمه إلى الموهوب له بحكم الجناية أو الدية، مثل القيمة، أو أكثر، فلا يبقى للورثة شيء. فإذا لم يبق لهم شيء، لم تنفذ الهبة في شيء، وإذا بطلت الهبة في جميعه، عند رد الورثة قُبل منهم تسليم العبد أو الفداء لورثة الموهوب له بسبب الجناية، فإن كانت قيمته عشرون ألفاً والدية عشرة آلاف، قلنا: جازت الهبة في شيء، وفدى الورثةُ باقي العبد بقدر نصفه؛ فإن الديةَ نصفُ القيمة، فيبقى معهم عبد إلا نصفَ شيء، كان عبداً إلا شيئاً بسبب الهبة، ثم جبره مما بقي نصفه، فبقي نصف عبد إلا نصف شيء، وهذا يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة وقلب الاسم يكون الشيء خمسي نصف العبد، وهو بالإضافة إلى العبد خُمسه.
فنقول: صحت الهبة في خُمسه، والجناية هدَرٌ في هذا الخمس؛ فإنها جناية المِلْك على المالك، ويفدي ورثة الواهب أربعة أخماسه بأربعة أخماس الدية، وهو مثل خمسي الرقبة، فبقي معهم خمساها، وهي ضعف ما صحت الهبة منه.
7206- فإن قتل العبدُ الواهبَ، ثم قتل الموهوبَ له، نظر: فإن اختار ورثةُ الواهب الهبةَ، صارت جنايته على الموهوب له هدراً وفداه ورثة الموهوب له، وفداه ورثة الواهب.
وإن لم يجيزوا الهبة، نُظر: فإن اختار ورثةُ الموهوب له الدفعَ، وقيمتُه قدرُ الدية أو أقل، قلنا: صحت الهبة في شيء منه، وسلم ورثةُ الموهوب له ذلك الشيء إلى ورثة الواهب بالجناية، فيحصل لهم عبد كاملٌ بقاءً وعوداً يعدل شيئين، فالشيء نصفُ العبد، وهو المقدار الذي صحت الهبة فيه، وتبطل الهبة في نصفه، ويهدر نصفُ دم كل واحد منهما، من جهة أن كل واحد منهم كان مالكاً لنصفه في حال جنايته عليه، ويجب على ورثة كل واحد منهما تسليم نصف العبد بجنايته، فيصير ذلك قصاصاً.
وإن اختار ورثةُ الموهوب له الفداء، وقيمته نصفُ الدية أو أقلُّ، تمت الهبة، وصار دم الموهوب له هدَراً، وفدَوْه من ورثة الواهب بالدية.
وإن كانت قيمته عشرين ألفاً والدية عشرة آلاف، جازت الهبة في شيء، ورجع إليه بالجناية نصفُ شيء، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين فبعد الجبر والمقابلة والبسط، يقع الشيء خمسي العبد، وتصح الهبة في خمسيه، والموهوب له يفديه من ورثة الواهب بخمسي الدية، وهو مثلُ خمس الرقبة، فيحصل لهم أربعة أخماس الرقبة، وهو مثل الهبة، ويهدر ثلاثة أخماس دم الواهب.
ويفدي ورثةُ الواهب ما بطلت فيه الهبة، وهو ثلاثة أخماس بثلاثة أخماس الدية من ورثة الموهوب له. فإن تقاصّوْا، بقي لورثة الموهوب على ورثة الواهب خُمسُ الدية.
7207- وإن قتل العبدُ الموهوبَ له، ثم قتل الواهبَ، وقيمته الديةُ أو أقل، بطلت الهبة، وهدر دم الواهب، وسلموه إلى ورثة الموهوب له بالجناية.
وإن كانت قيمته عشرين ألفاً، قلنا: جازت الهبة في شيء، وسلموا نصف الباقي بالجناية، يبقى معهم نصف عبد إلا نصفَ شيء، فيأخذون من ورثة الموهوب له نصف الشيء الذي تجب فيه الهبة بالجناية على الواهب، فيجتمع لهم نصف عبد لا استثناء فيه يعدل شيئين، فنعلم أن الشيء ربعُ العبد، وهو الجائز بالهبة، ونفدي ثلاثة أرباعه بثلاثة أرباع الدية من ورثة الموهوب له، ويفدي ورثةُ الموهوب له الربعَ الذي صحت الهبة فيه من ورثة الواهب بربع الدية، فإن تقاصا بقي لورثة الموهوب له على ورثة الواهب نصفُ الدية، يعطونه من ثلاثة أرباع العبد، فيبقى معهم نصف العبد، وهو ضعف الهبة، ويُهدر ربع دم الموهوب له، وثلاثة أرباع دم الواهب.
7208- مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً وأقبضه، ثم وهبه الثاني في مرضه لثالثٍ وأقبضه، ثم قتل العبدُ الواهبَ الأول وهو في يد الثالث، ثم مات المريض الثاني ولا مال للواهبين غيرُه، نظر: فإن لم يجز ورثة الأول جميع الهبة، ولم يجز ورثة الثاني أيضاً، فإن كانت قيمته قدرَ الدية أو أقلَّ، بطلت هبة الثاني، وصحت هبة الأول في نصف العبد، وسُلّم بالجناية، فيجتمع لورثة المقتول نصف العبد الذي بطلت فيه الهبة، ونصفه بالجناية، ولا يبقى لورثة الثاني شيء ينفذ فيه وصية.
وبيان هذا على وضوحه: أنا إذا قدّرنا قيمة العبد قدْر الدية مثلاً، وصححنا هبة الأول في نصف العبد، فالذي تبطل الهبة فيه نُبقيه لورثة الأول؛ إذ لا مجنيّ عليه غيرُ الأول، ثم يرجع إلى ورثة الأول بالتسليم ما صحت الهبة فيه من العبد.
والذي يقتضيه التعديل منه التنصيف، حتى يثبت لورثة الأول نصف العبد من جهة التنفيذ، ونصفه من جهة القود بالجناية، ويكون العبد ضعفاً للذي نفذ التبرع فيه.
ولا يُتصور مع هذا أن يبقى لورثة الثاني شيء، فلا جرم لم ينفذ تبرعه.
وإذا لاح هذا وقيمةُ العبد مثلُ الدية، فكذلك إذا كانت قيمته أقلَّ من الدية.
وكل ذلك إذا لم يُجز ورثةُ الأول، ولم يجز ورثةُ الثاني. فإن لم يجز ورثةُ الأول وأجاز ورثة الثاني هبةَ الثاني كاملةً، فسبيل الجواب أن نقول: الهبة تنفذ للثالث، ثم يقوم الثالث مقام الثاني. في الفداء والدفع، فما جاز للموهوب له الأول بالهبة، كان ذلك للموهوب له الثاني.
وبيان ذلك أن الهبة من الثاني جرت قبل قَتْل العبدِ الواهبَ الأول، وإنما أبطلنا هبة الثاني عند رد ورثته؛ لأنا لو قدرناها، لم نُبق لورثة الثاني شيئاً على القياس الذي تقدم، وشرطُ تنفيذ التبرع مع رد الورثة ما يزيد على الثلث أن يبقى للورثة ضعفُ ما ينفذ التبرّع فيه، وهذا لم يتأت مع ردّهم، فإذا أجاز الورثة، سقط حقهم، ولم نحتج إلى إبقاء شيء لهم، وقد صحت هبة الثاني في مقدارٍ من العبد، وجرت الجنايةُ بعد الهبة والإقباض، وليس في تنفيذ هبةِ الثاني منعُ حقِّ ورثة الأول؛ فإن ذلك القدر يعود من الثالث إليهم، كما كان يعود من الثاني في الصورة الأولى، فلا منع من تنفيذ الهبة من الأول والثاني.
7209- وإن كانت قيمة العبد عشرين ألفاً، ولم يُجز ورثة الأول، وكذلك ورثة الثاني لم يجيزوا.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وصحت هبة الثاني من ذلك الشيء في وصيته، وإنما غايرنا في العبارة بين محل تبرّعهما؛ لأن تبرع الثاني يقع جزءاً من محل تبرع الأول، وقد يلتبس الكلام إذا قلنا: ينفذ تبرع الثاني في شيء من الشيء الأول؛ فعبّرنا عن تبرع الثاني بالوصية، ثم بعد ذلك يبقى مع ورثة الثاني شيء إلا وصية، وهم يدفعون نصفَه بالفداء إلى ورثة الأول، فبقي معهم نصفُ شيء إلا نصفَ وصية؛ وإنما يدفعون نصفَ ما بقي معهم؛ لأن الدية نصف القيمة، فيقع الفداء على هذه النسبة، فإذا بقي مع ورثة الثاني نصف شيء إلا نصفَ وصية، قلنا: هذا يعدل وصيتين ضعف ما تبرع الثاني، فبعد الجبر والمقابلة يعدل نصفُ شيء وصيتين ونصف، فنبسطهما أنصافاً ونقلب الاسم فيهما، فتكون الوصية خمس الشيء، فإنا قابلنا نصفَ شيء بوصيتين ونصفٍ، فتقع الوصية الواحدة خُمسي نصفِ شيء، وخمسا النصف خُمس الكل، فانتظم قولنا: الوصية خمس الشيء، فإذا صحت هبة الثاني في خمس ما ملكه بالهبة، فنرجع بعد ذلك ونقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، فيبقى مع ورثته عبد إلا شيئاً، وهم يأخذون من الثالث ومن ورثة الثاني نصفَ ما حصل في أيديهم بالجناية، وذلك ضعفُ نصف شيء، هذه النسبة لابد منها، لما قدّرنا من وقوع الدية نصفاً للقيمة، فيجتمع مع ورثة الأول عبدٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والبسط وقلب الاسم يكون الشيء خمسي العبد، فنقول: صحت هبة الأول في خمس العبد، وصحت هبة الثاني في خمس هذين الخمسين، والمسألة مُقامةٌ من خمسةٍ وعشرين سهماً، فنقول: العبد خمسةٌ وعشرون، وصحت هبة الأول في عشرة أسهم، وهي خُمسا هذا المبلغ، وتصح هبة الثاني في خُمس العشرة، وهو سهمان، يبقى مع ورثة الثاني ثمانية أسهم، يدفعون نصفها بالجناية، فتُدفع إلى ورثة الأول، فبقي معهم أربعة أسهم، وهي ضعف هبة الثاني، ثم الثالث يدفع نصفَ ما حصل في يده، وهو سهم واحد بالجناية إلى ورثة الأول، فيجتمع مع ورثة الأول عشرون سهماً من الرقبة؛ فإنه بقيت في أيديهم خمسة عشرَ أولاً، ورجعت إليهم أربعةٌ من الثاني وواحدٌ من الثالث، وكان ذلك عشرين، وهي ضعف ما صحت فيه هبة الأول.
فإن أجاز ورثة الأول هبته، نفذت في جميع العبد لا محالة، فإذا رد ورثةُ الثاني ما يزيد على محل التبرع، صحت هبة الثاني في خُمس العبد، وبطل أربعةُ أخماسه، ودفع ورثةُ الثاني نصف ما في أيديهم بالجناية إلى ورثة الأول، وهو خمسا العبد.
وهذه نسبة التنصيف، فيقع خمسا العبد أربعة أخماس الدية، ويدفع الثالث نصفَ الخمس إلى ورثة الأول، فيبقى مع ورثة الثاني خمساه، وهو ضعف هبته، فيجتمع لورثة الأول خمسا العبد ونصفُ خُمسه، وهو تمام الدية ولا نحتاج إلى تعديل في حق الأول: الثلث والثلثين؛ فإن ورثته قد أجازوا تبرعه، ولكن يحصل لهم موجَبُ الجناية كَمَلاً؛ فإنهم لم ينزلوا عنه.
7210- فإن قتل العبدُ الموهوبَ له الأولَ، وهو الواهب الثاني ولم يقتل الواهبَ الأول، ثم مات الواهب الأول في مرضه.
فإن أجاز ورثةُ الأول الهبةَ، نفذت الهبة في تمام العبد، وقيل للثالث: أَرجعه إلى ورثة الثاني، أو افده منهم، كما ذكرناه قبلُ في العبد الموهوب إذا قتل الواهب.
فإن اختار الدفعَ، كان كلُّ العبد لورثة الثاني. فإن أجرينا هذه المسألةَ على الترتيب الأول، فهي مفروضة فيه إذا كانت قيمةُ العبد مثلَ الدية أو أقلَّ. فإذا اختار الثالث الدفعَ، فالجواب ما ذكرناه.
فنقول: صحت هبة الثاني في نصف العبد، ثم رجع ذلك النصف بالجناية، فكان تمامُ العبد ضعفاً لنصفه الذي صححنا الهبةَ فيه، وخرج الواهب الأول من المسألة؛ فإنّ ورثته قد أجازوا، ولا جنايةَ على الأول؛ فكان الثاني مع الثالث في هذه المسألة كالأول مع الثاني في المسألة الأولى.
وما ذكرناه يجري إذا كانت قيمةُ العبد أقلّ من الدية، كما جرى وقيمتُه مثلُ الدية. وإن اختار الثالث الفداء على قولِ الأرش، وقيمة العبد نصفُ الدية، أو أقلُّ، فإنه يفديه بالدية، وتمت الهبة من الثاني في جميع العبد؛ فإن الدية تقع ضعفاً للعبد إن كانت القيمة نصفاً أو أقلَّ من النصف.
7211- وإن لم يُجز ورثةُ الأول والثاني، والكلامُ في الصورة التي انتهينا إليها، بطلت الهبتان؛ والسبب فيه أنا لو صححنا هبة الأول في جزءٍ من العبد، لاحتجنا إلى تسليم باقيه إلى الموهوب له الأول بالجناية، فلا يُسلَّم لورثة الأول شيء، فإذا كانوا على عدم الإجازة يُشترط أن يبقى لهم ضعفُ ما تقرر التبرع فيه، وإذا بطلت الهبةُ الأولى لما ذكرناه، عاد الكلام إلى أن عبدَ الواهب الأول قتل الثاني في حياة الأول، فيسلّم بالجناية لا بالقيمة. وهذا الذي ذكرناه إذا ردّ ورثة الأول، وقيمة العبد نصفٌ أو أقلُّ من النصف، فجرى على هذا النسق إذا كانت قيمةُ العبد مثلُ الدية أو أقل منه وأكثر من النصف؛ وذلك أن القيمة إذا كانت مثلَ الدية، فلو صححنا الهبة في بعض العبد، سلمنا الباقي بالجناية، وإنما نحتاج في باقي العبد إلى قيمة الدية، فلا يسلّم لورثة الأول شيء، كما سبق تقريره.
7212- فإن كانت قيمته عشرين ألفاً، وقد رد ورثةُ الأول، فتصح هبته في شيء لا محالة؛ فإنا إذا صححنا الهبةَ في شيء، وسلمناه بالجناية، فلا نسلم تمام الباقي؛ فإنه يقع الاكتفاء بل ننقص لزيادة القيمة، فيبقى للورثة شيء من الرقبة، فيجب تنفيذ الهبة بذلك القدر.
وحساب المسألة أن نقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وسلموا نصف ما بطلت الهبة فيه بالجناية، وعليه نسبة التنصيف، ما قررناه مراراً، ونصف الباقي نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، فيبقى في يد الورثة بعد الهبة والتسليم بالجناية، نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ الهبة، فإذا جبرنا وقابلنا، كان الشيء خمسي النصف وخُمسا النصف خُمس الكل، فقد نفذت الهبة في خمس العبد، وبطلت في أربعة أخماسه، ثم ورثة الأول يدفعون خمسين من الرقبة بالجناية، إن فدَوْه بالأرش، فهو أربعة أخماس الدية، ولا يصح هذا الجواب والمقدار إذا كانت أكثر، فيبقى معهم خمسا العبد، وهو ضعف ما نفذت الهبة فيه.
ويجتمع لورثة المقتول ثلاثة أخماس العبد بالهبة والجناية، فتتم هبة الثاني في الشيء الذي صحت فيه هبة الأول، لأنه يخرج من الثلث، ثم يفديه الثالث من ورثة الثاني بنصف الشيء، وذلك نصف خمس العبد. هذا لابد منه لمكان الجناية.
7213- فإن قتل العبدُ الواهبَ الأول، ثم قتل الموهوبَ له الأول، وهو في يد الثالث، وقيمته نصف الدية أو أقلُّ، نظرنا، فإن اختار الثالث الفداء على قول الأرش، تمت الهبتان؛ فإنه يبذل للأول الديةَ الكاملة، ويبذل للثاني أيضاً الدية، فيخرج التبرعان.
وإن اختار الدفعَ، وكانت قيمة العبد قدر الدية أو أقلّ، صحت هبة الثاني في جميع ما وهب له الأول، وصحت هبة الأول في شيء من العبد، وهو صحيح للثالث، ثم يدفع الثالث نصف الشيء إلى ورثة الأول، ونصفَه إلى ورثة الثاني، فيجتمع لورثة الأول عبد إلا نصفَ شيء، إذ كان معهم عبد إلا شيئاً، فانضم إليه نصف شيء، فالجملة عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيصير الشيء خمسي العبد، وهو الذي نفذت هبة الأول فيه، وهبة الثاني تتم أيضاً فيه، ثم يدفع الثالث إلى ورثة كل واحد منهما خمساً واحداً، فيجتمع لورثة الأول أربعة أخماس العبد: ضعف هبته؛ إذ هبتُه خمسان. ثم ورثةُ الأول يدفعون إلى ورثة الثاني ما بطلت فيه هبةُ الأول، وهو ثلاثة أخماس العبد، فيجتمع لورثة الثاني أربعةُ أخماس العبد: ثلاثةٌ من ورثة الأول يسلمونها بالجناية، وخمسٌ من الثالث، وهو ضعف هبة الثاني.
7214- فإن كانت قيمة العبد ستة آلاف، واختار الثالث أن يفدي من ورثة الأول، ويسلّم أو يدفع إلى ورثة الثاني-والتفريع على أن من يفدي يفدي بالأرش- فقد أراد أن يجمع بين حسابين مختلفين:
أحدهما: حساب الفداء، والآخر- حساب التسليم والدفع.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وجازت هبة الثاني في وصية من الشيء، وهذه الوصية هي التي يتعلق بها الفداء والتسليم، فهذا الثالث يفدي الوصية من الأول بمثلها ومثل ثلثيها؛ فإن القيمة ستة آلاف والدية عشرة، ونسبة العشرة من الستة هكذا تكون، ونعبّر عما يبذله في الفداء، فنقول: يفدي من الأول الوصيةَ بوصيةٍ وثلثي وصية، ويدفع ورثةُ الثاني إلى ورثة الأول ما بطل فيه هبةُ الثاني، وقد كانت هبةُ الثاني شيئاً، فخرجت منه وصية، فيبقى في يد ورثة الثاني شيء إلا وصية، فحصل لورثة الأول عبد وثلثا وصية، وذلك أنهم كان لهم عبد إلا شيئاً بعد تنفيذ الهبة الأولى، وسلم الثالث إليهم وصيةً وثلثي وصية، ورد الثاني شيئاً إلا وصية، فقد انضم الشيء المستثنى إلى العبد، ولكن كان في ذلك الشيء الراجع استثناء وصية، وبه غَرِم الثالثُ من الدية مثلَ وصية وثُلثي وصية، فانجبر نقصان الشيء بالوصية الواحدة، فكمل العبد وفضل ثلثا وصية، فحصل لورثة الأول عبدٌ وثلثا وصية، وهذا يعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى، فالشيء الواحد نصفُ عبد وثلثُ وصية، وهو الذي نفذت فيه هبة الأول، وبطلت هبة الأول في نصف عبد إلا ثلثَ وصية.
وبيان ذلك أنا جمعنا ما يتحصّل في أيدي ورثة الأول من العبد والفداء، فوجدناه عبداً وثلثي وصية، ثم بان لنا لما وقف هذا في مقابلة الشيئين أن الشيء الواحدَ نصفُ هذا المبلغ، ونصفه نصف عبد وثلثُ وصية.
والآن بعد ما بانت قيمة الشيء، فنردّ نظرنا إلى عبدٍ بلا زيادة؛ فإنا نريد أن نبين مقدار الهبة من عبد، فنقول: صحت الهبة من العبد الفرد في نصف عبد وثلث وصية، فيبقى من العبد الفردِ نصفُ عبد إلا ثلثَ وصية، فإذا بان أن الشيء نصفُ عبد وثلثُ وصية، فتخرج وصية الثالث من هذا، فيبقى منه نصف عبد إلا ثلثي وصية؛ فإن الشيء كان نصف عبدٍ وثلثَ وصية، فنأخذ ثلث وصية، ثم ثلثي وصية من النصف، فيبقى نصفٌ إلا ثلثي وصية.
ثم ورثة الثاني يدفعون هذا الباقي، وهو نصف عبد إلا ثلثي وصية إلى ورثة الأول بالجناية، ثم هم يأخذون من ورثة الأول ما بطلت فيه هبةُ الأول، وهو نصفٌ إلا ثلثَ وصية، ويأخذون أيضاً من الثالث الوصية كاملةً بالجناية؛ لأنه قد فدى هذه الوصية من الأول بالدية، وإذا وقع التفريع على هذا، فالمطالبة لا محالة بالتسليم.
وإن فدى من الأ ول بالدية وبقي قدر الوصية في يده وا لتفريع على اختياره الجمعَ بين الفداء و التسليم، كما وضعنا المسألة، فيسلِّم جميعَ الوصية إلى ورثة الثاني، فيجتمع لورثة الثاني نصف عبد وثلثا وصية؛ فإنهم أخذوا من الأول نصف عبد إلا ثُلثَ وصية، وأخذوا من الثالث وصية؛ فاجتمع لهم نصف عبد وثلثا وصية، وهذا الحاصل يعدل وصيتين. والوصية الواحدة تعدل ثلاثة أثمان العبد.
7215- وبيان ذلك أنا نقول: نصف عبد وثلثا وصية تعدل وصيتين، فنُقسط ثُلثي وصية من الوصيتين قصاصاً بثلثي وصية، فيبقى وصية وثلث وصية في مقابلة نصف عبد بلا زيادة ولا استثناء. فنبسط الوصية والثلث أثلاثاً، فتصير أربعة، وكل نصفٍ من العبد أربعة أثلاث وصية، فتكون وصية من وصيةٍ وثلث ثلاثةَ أثمان العبد. وهذه هي النافذة بالهبة الثانية.
وكان قد بان أن الشيءَ نصفُ عبدٍ وثلثُ وصية، فزد ثلثَ وصية على نصف عبد، فيصير خمسةَ أثمان عبد.
وبيانه أن الوصية إذا عَدَلت ثلاثةَ أثمان، فثلث وصية يعدل ثمناً، والنصف أربعةُ أثمان، فنصفٌ وثلثُ وصيةٍ خمسةُ أثمان. وهي الخمسةُ التي نفذت الهبة الأولى فيها، وصحت هبةُ الثاني من هذه الأثمان الخمسة في ثلاثة أثمان، يبقى مع ورثة الأول ثلاثة أثمان العبد، وهو ما بطلت فيه الهبة الأولى، ومع ورثة الثاني ثمنان، ومع الثالث ثلاثة أثمان. هكذا انقسم العبد أثماناً عليهم.
ثم فدى الثالث من ورثة الأول بثلاثة أثمان الدية، وهي مثل خمسة أثمان العبد؛ لأن الدية مثل القيمة، ومثلُ ثلثيها. فإذا كان المفدي ثلاثةَ أثمان، فمثلها ومثل ثلثيها خمسةُ أثمان، فقد حصل في يد ورثة الأول من الرقبة ثلاثةُ أثمان، ومن الفداء خمسة أثمان، ويأخذ أيضاً ورثةُ الأول من ورثة الثاني ما بطل فيه هبة الثاني، وهو ثمنان، فيجتمع لورثة الأول مما بقي من الهبة الأولى ومن الفداء، ومما بطلت فيه هبةُ الثاني عشرةُ أثمان: وهي عبدٌ وثمنان، وهو عبد وربع، وقيمة ذلك سبعة آلاف وخَمسُمائة، وهذه الجملة ضعف الهبة الأولى، وهي خمسة أثمان العبد
والعشرة ضعف الخمسة، ثم ورثة الأول يدفعون إلى ورثة الثاني ما بطل فيه الهبة الأولى، وهو ثلاثة أثمان العبد، وقد سلّم إليهم الثالثُ ما كان صح له بالهبة الثانية، وهو ثلاثة أثمان العبد، فيجتمع لهم من هاتين الخمسين ستةُ أثمان، وهي ثلاثة أرباع العبد، وهي ضعف الهبة الثانية؛ فإن الهبة الثانية كانت ثلاثة أثمان.
فهذا إيضاح المسألة وبيان قياسها، وعلى ما ذكرناه فقس ما إذا اختار الثالث الدفعَ إلى ورثة الأول والفداء من ورثة الثاني.
7216- فإن كانت قيمته عشرين ألفاً، فنقول: صحت هبة الأول في شيء، وصحت هبة الثاني في وصيةٍ من الشيء، ويدفع الثاني والثالث، ما في أيديهما إلى ورثة الأول بالجناية؛ فإن القيمة إذا كانت أكبر، استوى الدفع والفداء في مثل هذه الصورة.
فيحصل لورثة الأول عبدٌ إلا نصفَ شيء، وبيانه أنه صحت هبته في شيء ثم رجع نصفُ الشيء مما صحت فيه الهبة الثانية، وهو المسمى الوصية، ومما بقي في يد الواهب الثاني نصفه إلى ورثة الأول. هذا حكم التسليم وموجَب النسبة إذا كانت القيمة ضعفَ الدية، والدية نصف القيمة؛ فانتظم قولنا: حصل في يد ورثة الأول عبدٌ إلا نصفَ شيء، ثم هذا يعدل شيئين، فيخرج من العمل وقد تكرر قياسه مراراً أن الشيء خمسا العبد، وهو الذي نفذت الهبة الأولى فيه، ثم جازت هبة الثاني في وصية، فنقول: يبقى خمسا عبد إلا وصية، فيخرج نصف ذلك بالجناية، فيبقى مع ورثة الثاني خمسٌ إلا نصفَ وصية، وقد أخذوا بالجناية نصف
ما بطلت فيه الهبة الأولى، وذلك خُمسُ عبدٍ ونصفُ خُمسه، وأخذوا أيضاً من الثالث نصفَ الوصية، فاجتمع نصفُ عبدٍ.
وبيانه أنه حصل في أيديهم خمسٌ ونصف خمسٍ من الأوليين بسبب الجناية، وكان قد بقي في أيديهم مما صحت فيه الهبة الأولى ونفذت فيه الوصية الثانية خمس عبد ونصف وصية، فإنهم سلموا نصف ما كان بقي بالجناية الأولى، فيبقى في أيديهم خمسا عبد ونصف خمس عبد إلا نصفَ وصية، فلما ضمُّوا نصفَ وصية، وهو ما أخذوه بالجناية من الثالث، كمل في أيديهم نصفُ عبد، وهذا يعدل وصيتين، فالوصيةُ إذاً ربعُ العبد الذي صحت فيه الهبةُ الثانية، فنجعل قيمةَ العبد عشرين سهماً ليكون للسهام خمسٌ ولخمسها ربعٌ.
ثم نعود فنقول: تصح هبة الأول في خمسيه، وهو ثمانية أسهم، وتبطل هبته في اثني عشر سهماً، وقد بان أن هبة الثاني ربع العبد وهو خمسة أسهم؛ يبقى في يد الثاني ثلاثة أسهم.
فيدفع ورثةُ الثاني إلى ورثة الأول نصفَ ما في أيديهم وهو أربعة أسهم، فيجتمع لورثة الأول ستةَ عشرَ سهماً، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه، ويبقى مع ورثة الثاني سهم ونصف، ويأخذون من ورثة الأول نصفَ ما بطلت فيه الهبة الأولى، وذلك ستة. ويأخذون من الثالث نصفَ ما في يده وهو سهمان ونصف، فيجتمع لهم عشرةُ أسهم، وذلك ضعف هبة الثاني.
فإن فرضنا تقاصّاً بين ورثة الأول وورثة الثاني، بقي لورثة الثاني على ورثة الأول أربعة أسهم ونصف من العبد فيما يتراجعان فيه بحكم الجنايتين.
وبيان ذلك أن حق ورثة الثاني نصف ما في يده، وفي يده ثلاثة أسهم، وهي بقية الثمانية التي صحت الهبة الأولى فيها، فأخرجنا إلى الوصية خمسة، فإذا هما تراجعا بحكم الجناية في هذا القدر، فإذا حَطّ عن الستة أسهم ونصف، بقي لورثة الثاني على ورثة الأول أربعة أسهم ونصف سهم من عشرين سهماً.
وعلى هذا فقس كلما طوّلتَ المسائل.
والذي نوصي الناظرَ به أن يتخيّل بُعْدَ المسألة أولاً، وما فيها من الراجع بحكم الجناية، وأن يعدّل الثلث والثلثين، بعد أن يحصّل أقصى ما يمكن من الجهات، فينتظم له تمام المراد.
وقد نجز هذا القول، والحمد لله وحده.
مقالة تجمع نوادر في المسائل الدائرة من الفنون المختلفة
مسائل في استخراج المجاهيل في الدوائر المشتملة على العتق والكسب
7217- مسألة: إذا سأل سائلٌ، فقال: مريضٌ أعتق عبداً، فاكتسب ذلك العبدُ بعد العتق، وقبل موت السيد كسباً، فكان الذي عتَق منه النصفُ، كم كان كسبه؟
فنقول: كسبه مثل قيمته، وطريق استخراجه بالجبر أن نقول: إذا أعتق نصفَه، تبعه نصفُ كسبه، غيرَ محسوب عليه، ويلزم أن يبقى في يد الورثة ضعفُ العتق، وفي أيديهم نصف الرقبة، فيلزم لا محالة أن يبقى من كسبه مثلُ ما بقي من رقبته، وإذا كان الباقي من الكسب مثلُ نصف الرقبة، فكل الكسب ككل الرقبة.
وإن قيل: اكتسب العبد كما صورناه، واقتضى الحسابُ أن يعتِق ثلثاه، فكم مقدارُ كسبه؟
قلنا: إذا عَتَق ثلثاه، تبعه من كسبه ثلثاه غيرَ محسوب ولا معتدٍّ به، وبقي ثلث الرقبة، فيجب أن يبقى من الكسب مثلُ ثلث الرقبة وضعفُ ثلث الرقبة، وذلك أن يكون باقي الكسب مثلَ الرقبة، لتكون رقبة وثلث ضعفاً للثلثين.
وإذا دقَّقتَ، قلتَ: وقع في مقابلة ثلث الرقبة من الكسب مثلُ الرقبة، فينتظم هذا في مقابلة كل ثلث، ويكون الكسب ثلاثة أمثال الرقبة.
7218- وقد تقع أسئلةٌ مستحيلة لا تكاد تخفى على النظر، منها: أن يقول السائل: مريض أعتق عبداً، فاكتسب العبدُ بعد العتق، وقبل موت السيد كسباً، فكان الذي عتَق منه ربعُه، ولا دَيْنَ.
فالمسألة مستحيلة؛ فإنه لو لم يكتسب شيئاً، لعَتَقَ ثلثه، وبالكسب يزيد العتق ولا ينقص.
وكذلك إن قال-والتصوير على نحو ما سبق-: عَتقَ جميع العبد، كان ذلك محالاً؛ فإنه لو عتق جميعه، لتبعه جميعُ الكسب، وذلك محالٌ، فالعتق إذا زيد على الثلث إذا وقع كسب على ما صورناه، لا يتصور أن يستغرق الرقبة.
7219- مسألة: إذا قيل: مريض أعتق عبداً، فكسب مثلَ قيمته، وانتقص من قيمة الرقبة وعتَقَ منه الخمسان، كم الذي نقص منه؟ قلنا: نقص من قيمته الثلثان.
وحساب المسألة أن نقول: عتق منه خمساه، واستحق خمسي كسبه، ورق للورثة ثلاثة أخماسه، ولهم ثلاثة أخماس كسبه وثلاثة أخماس الكسب باقية لهم بلا نقيصة. فنحصر النقص في الرقبة، وقد علمنا أنه لو جُمع خمس واحد إلى الكسب السالم للورثة، لكفى وكان المجموع ضعفَ الخمسين، وقد بقي من الرقبة ثلاثة أخماسها، فعرفنا أن قيمتَها قيمةُ خمسٍ واحد، ونحكم بهذه النسبة على جميع الأجزاء، فقد رجع كلُّ جزء إلى ثُلثه.
ومما يجب التنبه له أن العتق النافذ في الخمسين بإعتاق القيمة التامة لا يزيد فيه بسبب نقصان القيمة؛ فإن النقصان لا يؤثر فيما نفذ العتق فيه. وهذا قد مهدناه في المسائِل الدائرة في العتق.
7220- فإن قيل: أعتق عبده في مرضه، فاكتسب ضعفَ قيمته، وزادت القيمةُ حتى عتِق ثلثاه، فكم الزيادة؟ قلنا: زاد على القيمة مثلُها. وسبيل استخراج القيمة أن نقول: إذا عتق ثلثاه، تبعه من الكسب ثلثاه، فتبقَّى ثلث الرقبة وثلث الكسب، ويجب أن يكون الحاصل في يد الورثة قدرَ عبدٍ وثلث، والكسب مع ثلث الرقبة قدر عبدٍ، فيجب أن نفرض في القيمة زيادة مثلها، ثم نُجري ذلك على طردٍ في الأجزاء، وقد ذكرنا أن زيادة القيمة تجري مجرى الكسب، وأوضحنا في المسائل أن الكسب إذا كان ثلاثة أمثال الرقبة، فيعتِق من العبد ثلثاه. فإذا كان الكسب مثلَ الرقبة، فيجب أن يزيد مثل القيمة، حتى تصير الزيادة في القيمة مع الكسب ثلاثة أمثال الرقبة.
7221- وإن قيل: مريض أعتق عبداً، فكسب مثلَ قيمته، ونقصت القيمةُ، وكان الذي عتَق منه ربعُ العبد، قلنا: السؤال محال؛ لأنه لو تلف، لكان ثُلثه حراً، وتبعه ثُلث كسبه، وللورثة ثلثا كسبه، وهو ضعف ما عتق منه، فإذا كان حياً، فكيف يقع العتق على رُبعه والكسبُ مماثل للقيمة الباقية.