فصل: فصل: جمع الأستاذ مذاهب رآها غريبة من أجوبة ابن سريج في المسائل التي تتعلق أطرافها بالحساب، فلم نؤثر تركَها؛ فإنها مستفادة في الفقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: جمع الأستاذ مذاهب رآها غريبة من أجوبة ابن سريج في المسائل التي تتعلق أطرافها بالحساب، فلم نؤثر تركَها؛ فإنها مستفادة في الفقه:

وقد ذكرنا من قبلُ أن الجارية إذا أعتقها سيدها في المرض، فحملت بعد العتق من زناً أو زوجٍ، وولدت ولداً أن حكمَ ولدها حكمُ كسبها إن أتت به وولدته بعد العتق وقبل موت السيد.
فإن علقت قبل موت السيد وولدت بعد موته، ولا مال له غيرُها، فالظاهر من قول الشافعي أن ذلك بمثابة كسبها بعد موت المولى. هكذا نقل الأستاذ. فلا يكون ذلك الولد من التركة؛ لأنه حدث في ملك الورثة، والاعتبار في الولد بيوم الانفصال؛ فإنه لا قيمة له ما دام حملاً، بل هو تابعٌ لأُمه. هكذا نقل الأستاذ.
ثم قال: قال ابن سريج: يحتمل أن نجعل قيمة الولد عند خروجه من التركة؛ لأن العلوق بالحمل حصل في حياة المولى، فالوجه إسناد الحمل يوم الانفصال إلى حياة المولى، حتى نقول: كأنه مات عنه، والولد منفصل على ما عهدناه عليه وقت الانفصال.
واحتج ابن سريج لهذا الوجه بأن قال: لو أوصى بحمل جاريةٍ، فالوصية صحيحةٌ على ظاهر المذهب، وإن كان ينفصل بعد الموت، ولو كان حكم ما ينفصل بعد الموت كحكم ما يحدث حقاً بعد الموت على ملك الورثة، لكانت الوصية بالحمل وصيةً بما يحدث ملكاً للورثة.
والمسألة محتملةٌ، وما نسبه ابن سريج إلى نصّ الشافعي متجه بالغ وفيه تفصيل لابد من التنبه له.
فإن كانت الجارية حاملاً على قيمةٍ، فلم تزد قيمتها بالحمل على قيمتها عند الحيال، فما ذكره الشافعي ظاهر، وتفصيل الغرض فيه بسؤال وجواب.
فإن قيل: إذا زادت قيمةُ التركة بالسوق، أو زادت أعيانُها زياداتٍ متصلةً، فالزيادات الحاصلة من هذه الجهات محسوبةٌ من التركة، وتتعلق بها الديون، ولقد كان الحمل في البطن مملوكاً، فإن زادت بالانفصال، وجب أن تكون تلك الزيادة من التركة.
قلنا: حكم الزيادات المتصلة، والتي ترجع إلى غلاء الأسعار في الديون كما ذكره السائل، فأما ما يتعلق بتقدير الثلث والثلثين، فالاعتبار فيه بحالة الموت، حتى إذا فرض مزيدٌ في القيمة بعد الموت، لم يعتبر بذلك المزيدِ تعديلُ الثلث والثلثين، وإنما أورد ابنُ سريج ما أورده فيما يتعلق بالثلث والثلثين والزيادة بالعتق والنقصان منه، فلو مات وقيمة الجارية يوم الموت زائدةٌ لأجل الحمل، فهذه الزيادة لابد من اعتبارها، نظراً إلى حالة الموت في مقدار التركة، وليس هذا موضع النص وتخريجِ ابن سريج.
فهذا منتهى فقه المسألة.
7222- ونحن نقول بعده: إذا ملك جاريةً حاملاً بولد رقيق، فأعتقها في المرض، ثم ولدت بعد موته، قال الأستاذ؛ فيما حكاه من أجوبة ابن سريج: هذا يخرّج على الجوابين: أما على الوجه الأول- فانه عتَق ثلُثها، وعَتَقَ ثلثُ الولد لا محالة، فإنّ عِتْق الأم يستتبع عتق الولد، وللورثة ثلثاها وثلثا ولدها، ولا دور؛ فإن الولادة وقعت بعد الموت، وليس المقدار الرقيق من الولد محسوباً من التركة.
وعلى تخريج ابن سُريج يصير كما لو ولدته قبل موته، فيعتبر الرقيق من الولد في مقدار التركة، وهذا يقتضي مزيدَ العتق، وتدور المسألة، فإذا كان قيمة الولد مثلُ قيمة الأم، والتفريع على التخريج، فيعتق نصفُ الأم، ويتبعها نصف الولد، ويبقى للورثة نصف الأم ونصف الولد، وهما ضعف العتق، وما تبع الحرية من الولد غيرُ محسوب.
وقد تقدم هذا.
7223- ومما حكاه من المذاهب الغريبة أن قال: من أعتق في مرضه جاريةً، ثم وطئها، ومهرُ مثلها مثلُ نصف قيمتها، ولم يكن له مال غيرها، قال: قياس الشافعي أنه يعتق منها سبعاها، فرقَّ خمسة أسباعها، ولها سبعا عُقرِها، وهو مثل سبعها؛ فإن عُقرَها نصفُ قيمتها. قال: ثم يقال للورثة: إن بعتم سُبع رقبتها، وأعطيتموها ثمنه بما استحقت من العُقر، فيبقى معكم أربعة أسباعها، ضعفُ ما عتَقَ، وإن أعطيتموها سُبعي مهرها من سائر أموالكم، ملكتم خمسةَ أسباعها، ثم ذكر أن الأمة إن اختارت أن تأخذ سُبع رقبة نفسها بديتها وما لَها من العُقر، كانت أحقَّ من الأجنبي. وظاهر ما ذكره أنه يجب على الورثة أن يسلموا السُّبعَ إليها، ولا يبيعوه من الأجنبي، ولا خلاف أنهم لو أمسكوا السبع وبذلوا حقها من العقر، كان لهم ذلك، وإنما ذكر ما ذكره فيه إذا أرادوا بيع سُبعٍ من أجنبي.
وهذا ليس على وجهه لو أراد بما قال إيجاباً، فإنه لا حجرَ على الورثة في بيع ملكهم، ولا سبيل إلى تعيين المشتري عليهم، وقد سبق إيضاح هذا. وقدر الغرض الآن أنها تستحق مقداراً من العُقر ولا يكون ما تستحقه من الثلث، بل هو دَيْنٌ محقق محسوبٌ من رأس المال، ولا يحتسب ما يستحقه عليها.
7224- وذكر ابن سريج وجهين آخرين شاذّين سوى ذلك:
أحدهما: أنه قال: يحتمل أن نجعل ما غرِمه السيد من عُقرها من الثلث؛ لأنه وجب بسبب العتق، فينبغي أن يكون بمثابة العتق، حتى يحتسب من الثلث.
والحساب على هذا القول-إذا كان عُقرها مثلَ نصف قيمتها- أن نقول: عتَقَ منها شيء، وله بعُقرها نصفُ شيء محسوبٍ على التبرع، يبقى للورثة أمةٌ إلا شيئاً ونصفَ شيء، وذلك يعدل ضعفَ ما عتَق منها وضعفَ ما أخذت من مهرها، وذلك ثلاثةُ أشياء، ثم نجبر بعد ذلك ونقابل، فيصير أمة تعدل أربعة أشياء ونصفَ شيء، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، ونقول: صارت الأمة تسعةً، والشيء اثنين، وهو تسعاها، فيعتِق تسعاها ويرق سبعةُ أتساعها، ونأخذ تسعي عُقرها، وذلك مثلُ تسع رقبتها، فيبقى للورثة ثلثاها، وهو ضعف ما عتق منها، وضعفُ ما أخذت من المهر، وقد وقع العتق والعقر ثلثاً، وكان العُقر محسوباً عليها.
هذا وجهٌ ذكره ابن سريج.
وذكر مسلكاً آخر يؤدي في هذه المسألة إلى ما أدى إليه الوجه الأول في اعتبار
الثلث والثلثين، وذلك أنه قال: يحتمل أن يسقط مهرها ونُهدره، ولا نوجب منه شيئاً، ويُجعل كأنه وطىء أولاً ثم أعتق، لأنه لو لم يطأها، لعتق ثلثاها، فلا يجوز أن ينقص عتقها عن الثلث بسبب شيء تستحقه على المولى. وعلى هذا الجواب يعتق ثلثها ويرق للورثة ثلثاها، ولا دور.
وهذان الجوابان ضعيفان، لا اعتداد بهما، والمذهب الذي عليه التعويل ما قدمناه في ابتداء المسألة.
ومن عادة ابن سريج أن يذكر وجوهاً من الأجوبة يعدد بها طرقَ الاحتمال، كالذي يستفتح نظراً، ولا يبغي بشيء منها تعيينَ مذهب فيظن الناظر أن ما أبداه من الاحتمالات وجوهٌ، وليست وجوهاً.
7225- فإن كانت قيمتها مائة وعقرها خمسين، وترك السيد مائةَ درهم، وقد
أعتقها في المرض ثم وطئها، فالتفريع على ما هو المذهب المعتد أن نقول: عتَقَ منها شيء بالوصية من يوم العتق، ولها نصف شيء بالعُقر تأخذه من المائة، فيبقى للورثة مائة درهم إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف ما عتق منها، وهو شيئان، فبعد الجبر والمقابلة يعدل مائةُ درهمٍ شيئين ونصف شيء، فالشيء خُمسا المائة، فيعتِق خمساها، ولها خمسا مهرها، وذلك عشرون، ويعتق باقيها بالإحبال والاستيلاد من رأس المال، وقد عتق منها الخمسان، عتقاً محسوباً من التبرع، وأخذت خمسي مهرها، وهو خمس المائة، ويبقى للورثة أربعة أخماس المائة، وهي ضعف ما عتَقَ منها بالإعتاق المتبرع به المعدود من الثلث، وباقي العتق محمول على الاستيلاد، وما يحصل بالاستيلاد محسوب من رأس المال.
ومن جعل عُقرها من الثلث، قال: تأخذ من المائة نصفَ شيء للعُقر كما ذكرناه، فتعدل المائة إلا نصفَ شيء ضعفَ ما عتَقَ منها بالوصية، وضعفَ ما استُحِق بالعُقر، وقد عتق منها شيء والعقر نصفُ شيء، وضعفهما ثلاثة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة تعدل مائةٌ ثلاثة أشياء ونصفَ شيء، فإذا بسطناهما أنصافاً وقلبنا الاسم فيهما، صار الشيء سُبعين، فنقول: يعتق سبعاها يوم العتق قبل الاستيلاد، وتأخذ من المائة سُبعي مهرها، وذلك مثل سبع المائة، ويعتِق باقيها عند الموت بالاستيلاد، ويبقى للورثة ستةُ أسباع المائة، وهي ضعف ما عتق منها بالإعتاق، وضعفُ ما استحقت من عُقرها.
ومن جعل الوطء هدراً، ولم يوجب مهراً، أعتق نصفها بالوصية يوم الإعتاق، ونصفها بالإحبال من رأس المال عند الموت، وللورثة المائةُ كلُّها، وهي ضعف ما عتق منها. والمذهب المسلك الأول الذي ذكرناه.
مسائل في الوطء والإحبال من الشريكين، أو من الواهب، أو من الموهوب له
7226- إذا وهب جارية لا مال له غيرُها من رجلٍ وأقبضه إياها، ثم وطئها الواهب في مرضه وأحبلها، وقيمة ولدها يوم السقوط خمسون درهماً: مثلُ نصف قيمة الأمة، وأسقطته في حياة الواهب.
فنقول: بطلت الهبة أصلاً؛ لأنه لا ينتظم للورثة ثلثان ويتعلق ضعفاً للتبرع الذي تقرر، فإنه إذا نفذت الهبة في مقدارٍ منها، فيصير باقي الأمة مستهلكاً بالاستيلاد، ولا يبقى في أيدي الورثة من الرقبة عند الموت، وما يثبتُ الاستيلاد فيه يثبت فيه عتقُ الولد لا محالة، فإذا لم ينتظم الثلث والثلثان، فالوجه إبطال الهبة رأساً، والحكم بنفوذ الاستيلاد من الواهب في جميع الجارية.
فإن ترك الواهب مائتي درهم سوى الجارية، فنقول: نفذت الهبة في شيء منها، وعليه نصفُ شيء من عُقرها؛ إذا قدرنا عقرَها مثل نصف قيمتها، وعليه من قيمة الولد قدرُ ما جازت الهبة فيه، وهو مثل نصف شيء، ويعتق باقي الأمة بالإحبال من رأس المال، فيبقى للورثة مائتا درهم إلا شيئاً؛ فإنّا أخذنا من المائتين شيئاً من حساب العُقر وقيمة الولد، فما يبقى من المائتين يعدل شيئين ضعف العتق، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائتا درهم في معادلة ثلاثة أشياء، فيقع الشيء ثلث المائتين، وذلك مثل ثلثي الأمة، فتصح الهبة في ثلثيها، وتبطل الهبة في ثلثها، وعليه ثلثا مهرها وثلثا قيمة الولد يوم السقوط، ومجموعهما ستة وستون وثلثان، وهي مأخوذة من المائتين ويعتِق ثلثها من رأس المال، ويبقى للورثة مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهي ضعف ما جازت الهبة فيه. وما أخذناه في حساب المهر، وقيمةُ الولد غيرُ محسوب، لما تقرر في هذه الأصول من وجوب الإتباع والمقابلة والتعديل بين ما يبقى في يد الورثة من المائتين وبين ما تصح الهبة فيه، والاستيلاد ينفذ فيما بطلت الهبة فيه من رأس المال، ولا سريان للاستيلاد؛ فإنه يقع فيمن هو معسر؛ إذ لا مالَ للميت إلا الثلث، وهو مستغرق بتبرعه.
فإن ترك ثلاثمائة والمسألة بحالها، تمت الهبة في جميعها، ولم تصر أمَّ ولد، وعليه عُقرها تاماً وقيمة الولد، ومجموعهما مائة درهم تأخذها من الثلاثمائة، ويبقى للورثة مائتان: ضعفُ ما صحت الهبة فيه، فلست أفرّع على تخريج ابن سريج في احتسابه الغرامة مع الهبة من الثلث، ولا شك أنا لو فعلنا، لم ينفذ تمامُ الهبة؛ فإن الثلث يضيق عن قيمةِ الجارية وعُقرِها وقيمةِ ولدها؛ وتتبعّض الهبة. ولكن إذا نبهنا على مسلكٍ ضعيف في مسألةٍ أومسائل، وجب الاكتفاء به.
مسائل في إعتاق المريض أمةً وتزوجه بها أو إعتاق المرأة عبدها وتزوّجها به
7227- مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الوصايا الذي وضعه بخطه، لم يسمع منه: لو أعتق أمةً في مرضه، ثم نكحها وأصدقها صداقاً ملتزماً في الذمة، وكان لا يملك غيرَها.
قال رضي الله عنه: لم يجز عتقُه في جميعها، وعتَق بعضُها ورقَّ بعضُها، فإذا رق بعضها، بطل النكاح وبطل الصداق المسمى، فإن وطئها وبعضها حر، كان عليه بقدر ما عتق منها من مهر مثلها. وقال: فإن كانت قيمتها مائةً ومهرُ مثلها خمسون، عتق سبعاها ورق خمسةُ أسباعها، وعليه سبعا مهرها، وهو مثل سبع رقبتها. فإذا بيع ذلك منها في مهرها، بقي للورثة أربعةُ أسباعها، وهي ضعف ما عتق منها. هذا كلام الشافعي. وقد ذكرنا هذا الجواب وفصلناه، ولكنا تيمَّنا بنقل جواب الشافعي.
ثم قال الشافعي: هذا إذا ردّ الورثةُ ما يزيد على الثلث، فإن أجاز الورثةُ عتقها، صح النكاح وعتَقت يومَ أعتقها تبيُّناً، وصادف النكاح حرة، وكان مهرها ديناً في ذمة المعتِق، وقد فرع الشافعى المسألة على القول الأصح في أن إجازة الورثة تنفيذُ وصية، وليس ابتداءَ عطية منهم، وإذا كان ذلك تنفيذاً، فالجواب على ما ذكره، فيقع العتق التام متقدماً على النكاح.
فإن جعلنا إجازة الورثة ابتداءً منهم، فلا يستند العتق التام إلى ما تقدم، ولابد من إنشائهم العتقَ في مقدار حقوقهم، ويقع ذلك بعد الموت لا محالة والنكاح فاسد.
7228- فإن خلّف سيدها ضعفَ قيمتها، وقد جرى الإعتاقُ على المذهب الذي ذكرناه، فنقول لها: إن أبرأته من مهرك، تم عتقك، وصح نكاحك وعليك عدة الوفاة، ولا ميراث لك؛ لأنا لو ورثناك، لرجع العتق في المرض وصية، ولا وصية لوارث، فيلزم من التوريث ردُّ العتق، وإذا ارتد العتق، بطل التوريث، والمسألة من الدوائر الفقهية، وسنجمع منها مسائل في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
ثم قال الشافعي رضي الله عنه: إبطال الميراث أولى من إبطال الوصية؛ لأن في إبطال الوصية إبطالَ الميراث أيضاً، وإبطال الميراث لا يؤدي إلى إبطال الوصية، فالمائتان إذاً للورثة، والعفو نافذ، والنكاح صحيح. هذا موجَب النص، والميراث منقطع.
وما ذكرناه إذا أبرأت من المهر، فإن أبت أن تبرئه، فلا يتم العتق، ولا يصح النكاح؛ فإن المائتين لو قدر أخذُ المهر منها، لما وفت التركة بالقيمة.
ثم إن كان وطئها وهي غير مبرئة، فسبيل المسألة أن نقول: عتق منها شيء ولها بالمهر نصفُ شيء، وللورثة من المائتين والرقبة ثَلاثُمائة إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون الشيء سُبعين للثلاثمائة، وذلك ستةُ أسباع الأمة، وهو الذي يعتق منها، ولها ستة أسباع مهرها، فبقي للورثة مائة وأحدٌ وسبعون وثلاثة أسباع، وهي ضعف ما عتق منها.
7229- مسألة: إذا أعتقت امرأةٌ عبداً في مرضها قيمته مائة، ثم تزوجته على مائة، ومهرُ مثلها خمسون، وماتت في مرضها، ولا مال لها غيرُه.
فإن أجاز الورثةُ العتق، صح نكاحها، وعليه المهر المسمى، سواء جرى الوطء، أو لم يجر، ولم يرثها؛ لأن توريثه يؤدي إلى إبطال توريثه.
هذا إذا أجاز الورثةُ، والتفريع على أن إجازتهم تنفيذٌ وإمضاءٌ للوصية وليس ابتداءَ عطية.
وإن لم يُجز الورثة، رق بعضُ العبد لا محالة، وإذا رق بعضُه، بطل النكاح، وسقط المهر المسمّى، فان لم يكن وطئها، فلا شيء عليه، وإن كان وطئها، فعليه من العُقر بقدر ما عتق منه، ولا شيء عليه في مقابلة ما رق؛ لأنها لا تستحق في رقبة رقيقها مالاً، فإن كان معه ما يؤدي به ما يلزمه من عقرها، عتق خمساه، وعليه خمسا عُقرها خمسون درهماً، ويرق ثلاثة أخماسه.
وبيانه أنه إذا عَتَقَ خمساه ورق ثلاثة أخماسه، وغرِم خُمسا العُقر، وخمسا العقر مثلُ خمس الرقبة، فيحصل للورثة من الرقبة والعُقر أربعةُ أخماس، وهي ضعف ما جرى العتق فيه.
هذا إذا كان معه ما يؤدي منه ما يلزمه من المهر.
وإن لم يكن معه ما يؤدي به ما يلزمه من المهر، كان ذلك ديناً عليه، ولا مال غيرُ العبد، ولا دَوْرَ.
والوجه الحكم بعتق ثُلثه، وإرقاق ثلثيه. هذا حكم الحال، فإن ملك ما يؤدي منه ما عليه من المهر، عتق خمساه ولا مزيد.
ثم إذا ترقَّى العتق إلى الخمسين، كان ذلك تبيّناً، ويحصل منه أن ما بين الثلث إلى قيمة الخمسين موقوفٌ.
فإن كان قد اكتسب بعد العتق وقبل موت السيد مثلَ قيمته، وهو مائة، عتق منه شيء، وله من كسبه شيء يؤدي منه المهرَ: نصفَ شيء، يبقى للورثة من الرقبة والكسب مائتان إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فالشيء سبعا المائتين، وذلك أربعة أسباع العبد، فيعتِق أربعةُ أسباعه، وله أربعة أسباع كسبه، فيبقى للورثة ثلاثة أسباع العبد، وثلاثة أسباع الكسب، ثم العبد يؤدي من الكسب الذي حصل له أربعة أسباع العُقر وهي قدر سبعي الرقبة، فيحصل في يد الورثة ثلاثة أسباع الرقبة وخمسة أسباع الكسب، وجملته عبد وسبع، أو ثمانية أسباع، وهي ضعف ما حصل العتق فيه.
مسائل
من نوادر المحاباة في البيع والوصية
7230- مسألة: إذا أوصى الرجل بأن يباع كُرّ حنطة-وهو مالكه- قيمتُه ألفُ درهم من رجلٍ عينه، بكرٍّ قيمته خَمسمائة، وأوصى لآخر بثلثٍ من كُرِّه، فليس في
التبرعين تقديمٌ، وهما على ازدحامٍ، فإذا لم يُجز الورثةُ الزائدَ على الثلث، وجب قسمةُ الثلث بين صاحب المحاباة وبين صاحب الوصية، ولابد من إجراء بيعٍ على صفة المحاباة، إذ لا سبيل إلى تسليم قدر المحاباة إليه من غير بيع، ولو فرض ذلك، لم يكن تنفيذاً للوصية على مقتضاها.
وسبيل الحساب أن نقول: ثلث ماله ثَلاثُمائةٍ وثلاثةٌ وثلاثون وثلث. والمحاباة خَمسُمائة، فهو مثل الثلث، ومثل نصف الثلث، والثلث يقع سهمين، والمحاباة تقع ثلاثة أسهم، فالمجموع خمسة أسهم، فيجب لذلك قسمة الثلث بينهما على خمسة.
ثم وجه العمل أن نقول: جاز البيع في شيء من الكُرّ، ورجع بالفرض شيءٌ قيمته نصفُ شيء، فيبقى من جهة التقدير بالقيمة كُرٌّ إلا نصفَ شيء، والمحاباة نصفُ شيء، وقد علمنا أن لصاحب الهبة بالوصية مثل ثلثي وصية صاحب المحاباة، فإذا كانت المحاباة نصفَ شيء، فنزيد عليه ثلثيه وثلثا النصف ثلثُ شيء، فمجموعهما خمسةُ أسداس شيء، فنُسقط ذلك من الكر الأرفع، فيبقى كرٌّ إلا خمسة أسداس شيء، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة والهبة، وهو شيء وثلثا شيء، هذا ضعف خمسة أسداس شيء، فنجبر ونقابل، فيكون كُرٌّ في معادلة شيئين ونصف شيء، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر خمسةً، والشيء اثنين، فنعلم أن البيع صح في خُمسي الكر الأرفع، وبطل في ثلاثة أخماسه، ورجع بالثمن خمسا كر قيمتُه خمس كر، فالمحاباة إذاً خُمسُ كر، ولصاحب الوصية مثلُ ثلثي المحاباة، وهي ثلثا خمس كر. فنسقط ذلك من الأربعة الأخماس الباقية، فبقي مع ورثة البائع ثلاثة أخماس كر وثلث خمس كر، وذلك ضعف ما جاز فيه المحاباة والوصية.
فهذه المسألة التي أجريناها على السداد، وقعت في كتاب الأستاذ مختلَّةً؛ فإنه قال في تصويرها: إذا باع مريض كُرّاً قيمتُه ألفُ درهم بكُرٍّ قيمتُه خَمسُمائة درهم، ووهب لاخر من كره بمقدار ثلثه، ثم استمر على المنهاج الذي ذكرناه. وهذا مختلٌ؛ فإن المحاباة إن تقدمت على الهبة، قُدِّمت، فإن لم يف الثلث بها، استوعبنا الثلث منها. هذا موجب التقديم.
فإن قدم الهبةَ، فهي مقدمة على المحاباة إذا تمت بالقبض، على ما سيأتي ذلك في فقه الوصايا، إن شاء الله عز وجل، وفرض إنشائهما يتناقض، فالوجه في تصويرهما ردهما إلى الوصية، وما ذكره الأستاذ على التسامح في التصوير والثقة بفهم من يتفطن.
7231- مسألة: إذا باع كُرَّي طعامٍ قيمةُ كل واحد منهما ألفُ درهم من رجلين بكُرين قيمةُ أحدهما خَمسُمائة، وقيمة الآخر ستمائة.
فحق تصوير هذه المسألة أن نفرض إنشاء البيعين من وكيلين دفعةً واحدة، حتى لا تتقدم إحدى الصفقتين على الأخرى، فنعلم أولاً النسبة بين المحاباتين، فمحاباة أحدهما خَمسُمائة، ومحاباة الآخر أربعُمائة، فيجب قسمة الثلث بينهما على تسعة: لصاحب الأربعمائة أربعةُ أتساع الثلث، ولصاحب الخَمسمائة خمسةُ أتساع الثلث.
وسبيل العمل أن نقول: جاز البيع من كل واحدٍ من الكُرين في شيء، ورجع من أحدهما ما يساوي نصفَ الشيء، ومن الآخر ما يساوي ثلاثة أخماس شيء، وجملتهما شيءٌ ونصفُ خُمس شيء، فيبقى في يده كُرّان إلا أربعةَ أخماس شيء ونصف خمس شيء. وذلك أنا أجرينا البيع في شيئين، ثم رجع في عوض الصفقتين شيءٌ ونصفُ خمس شيء. فبقي الاستثناء بالشيئين في أربعة أخماس شيء ونصف خمس شيء، وذلك ضعف ما جرت فيه الوصيتان.
وقد علمنا أن وصية أحدهما نصف شيء، ووصية الآخر خمسا شيء وجملتهما تسعة أعشار شيء، وضعفهما شيء وأربعة أخماس شيء. وإذا جبرنا وقابلنا، صار كران يعدلان شيئين وسبعة أعشار شيء، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر سبعةً وعشرين، والشيء عشرين، فيصح البيع من كل واحد من الكرين في عشرين جزءاً من سبعةٍ وعشرين، المثل بالمثل من الكر الأدْون كيلاً، فتخرج المسألة معدّلة.
والامتحان: أن البيع إذا جاز لصاحب الستمائة في عِشرين، كانت محاباته خُمسي عِشرين، وذلك ثمانية. ومحاباةُ صاحبِ الخَمسمائة عشرة، فالمحاباتان ثمانية عشر، وقد قسمنا الثلث بينهما على تسعة، فيجب أن يكون لورثة البائع ستة وثلاثون، ومعهم من الكرين ما بطل البيع فيه، وهو أربعة عشرَ؛ إذ فضل من كل كرٍّ سبعة أجزاء ورجع بالعوض من أحدهما ما يساوي اثني عشر، ومن الآخر ما يساوي عشرة وجميع ذلك ستة وثلاثون، وهي ضعف المحاباتين، ومبلغ المحاباتين ثمانيةَ عشرَ، فليقسّم بين المشتريين على نسبة الأتساع: خمسةُ أتساع لصاحب الخَمسمائة، وأربعةُ أتساع لصاحب الأربعمائة.
7232- مسألة: إذا سأل سائل عن مريضٍ أعتق عبداً لا مال له غيرُه، واكتسب العبدُ مثلَ قيمته، فكان ما عتق منه مثلُ خمسة أجذار قيمته. كم كانت قيمته؟ وكم كان كسبه؟ وكم عتق منه؟
فحسابه أن نجعل قيمتَه مالاً، ليكون ذا جذرٍ، ويكون كسبه أيضاً مالاً مماثلاً له، وقد علمنا أنه عتَقَ منه خمسة أجذاره: يتبعه من كسبه خمسة أجذاره؛ لأن الكسب مثلُ الرقبة، فيبقى لورثة السيد من الرقبة والكسب مالان إلا عشرةَ أجذار، وذلك يعدل ضعفَ ما عتق منه، وهو عشرةُ أجذار، فنجبر ونقابل، فيكون مالان يعدل عشرين جذراً، والمال الواحد يعدل عشرة أجذار. فإن قيل: مال يعدل عشرة أجذار، فمعناه يعدل عشرة أجذاره، فالجذر عشرة أجزاء من اللفظ، والمال مائة، وهو قيمة العبد، والكسبُ مثله، فيعتق من العبد، نصفه، وهو مقدار خمسة أجذاره.
7233- مسألة: فإن سأل سائل عن مريض وهب لأخيه في مرضه مالاً، فقبضه الموهوب له، ثم مات الموهوب له قبل الواهب، وخلّف بنتاً وأخاه الواهب، ولم يكن لهما مال غير ذلك الموهوب، فحصل في يدي بنت الموهوب له مثلُ جذري المال الذي صحت الهبة فيه. فكم مقدار المال؟
حساب المسألة أن نقول: ما تناوله لفظُ الهبة مال، وقد علمنا أنه حصل في يدي بنت الموهوب له جذران، فقد رجع مثلُ ذلك إلى الواهب بالميراث، ونعلم أن حصة البنت نصف ما صحت الهبةُ فيه، فالهبة إذا صحت في أربعة أجذار المال وبطلت في مالٍ إلا أربعة أجذار، ويرجع إلى الواهب بالميراث جذران، فيجتمع لورثته مالٌ إلا جذرين، وذلك يعدل ضعف ما صحت الهبة فيه، وهو ثمانية أجذار، فإذا جبرنا وقابلنا، كان مالٌ واحد يعدل عشرةَ أجذار، فجذر المال عشرة، والمال كله مائة، وقد صحت الهبة في أربعة أجذاره، وهي أربعون، ورجع إليه نصفها بالميراث، وهو عشرون، فاجتمع مع ورثته ثمانون، وهي ضعف هبته، وصار في يدي بنت الموهوب له عشرون، وهي مثلُ جذري المال. وقس على هذا ما تريد من أمثاله.