فصل: فصل: في حساب الجزية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: في حساب الجزية:

7276- إذا قيل: ثلاثةٌ من العلوج جزية أحدهم ثمانية دنانير، وجزية الآخر عشرة دنانير، وجزية الثالث أربعةَ عشرَ ديناراً، فزيدت عشرة على جزيتهم، فكم نصيب كل واحد منهم من تلك الزيادة؟ فقياس الباب أن تجمع الثمانية، والعشرة، والأربعة عشر، فتكون اثنين وثلاثين، وهي المقسوم عليها، فاحفظها.
ثم اضرب نصيبَ كل واحد منهم من الاثنين والثلاثين في العشرة المزيدة، ثم اقسم المبلغ على الاثنين والثلاثين المحفوظة، فما خرج من القسمة هو نصيبه من الزيادة، وعلى هذا القياس يخرج نصيب صاحب الثمانية من الزيادة ديناران ونصف، فنزيده على الثمانية التي هي أصل جزيته، فتبلغ عشرة ونصفاً، ونصيب صاحب العشرة من الزيادة ثلاثةٌ وثمن، فتبلغ جزيتُه ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثمن دينار، ونصيب صاحب الأربعةَ عشرَ يجري منه على الترتيب المقدم في الضرب والقسمة، فيخرج نصيبه أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار، فتبلغ جزيته سبعةَ عشرَ ديناراً، وثلاثةَ أثمان دينار.
وهذا الحساب بعينه هو الحساب الذي ذكرناه في زيادة ربحٍ على رؤوس أموال مختلفة الأقدار؛ فإن الجزية زيادةٌ نأخذها.
فإن كانت المسألة بحالها، ونقصت من جزية الجميع عشرةَ دنانير، فانقص من أصل جزية كل علج ما كنت تزيده عليه لو كانت الزيادة بدلاً عن النقصان، فما بقي، فهو جزيته الباقية، وهذه الجملة تجري في الأخرجة على أصل من يراها إذا فرضت زيادة عليها أو نقصان منها.
7277- مسألة: فإن قيل: إذا مرّ حربي بعشّار يأخذ من كل أربعين درهماً درهماً، ومع من مرّ به عشرةُ أثواب، فأخذ العشار على هذا الحساب ثوباً، ورد عليه درهماً، كم ثمن كل ثوب؟
فطريق الباب أن نضرب الدرهمين في أربعين، فترد ثمانين، فاحفظها، ثم اقسم عددَ الأثواب، وهو عشرة على ما أخذه العشار، وهو واحد، فتكون عشرة، فانقصها من الأربعين يبقى منها ثلاثون، فاقسم عليها الثمانين المحفوظة، فيخرج درهمان وثلثان، فذلك قيمة كل ثوب.
وإن أردت تقريباً بطريق النسبة، قلت المسألة مفروضةٌ فيه إذا كانت الأثواب متساويةَ القيم لا محالة، فكل ثوب عُشر الجملة، فإذا اقتضى التعديل ردَّ درهمين، والمستحق ربعُ العشر، وكل ثوب عشر البضاعة، والدرهمان المردودان ثلاثة أرباع الثوب، فإذا تقدّر ثلاثةُ الأرباع بدرهمين، فقيمة الربع ثُلثُ الدرهمين، وهو ثلثا درهم، فكل ثوب قيمته درهمان وثلثان، وقيمة الثياب ستة وعشرون درهماً وثلثان، وعشر هذا المبلغ درهمان وثلثان، وربع الدرهمين والثلثين ثلثا درهم، فقد أخذ الثوبَ، وهو يستحق منه مقدار ثلثي درهم، فيرد لذلك درهمين.
7278- فإن أخذ منه العشّار ثوبين وردَّ عليه عشرين درهماً، كم ثمن كل ثوب؟
فاضرب العشرين في الأربعين، فالمردود في هذه المسألة ثمانمائة، فاحفظها ثم اقسم الأثواب، وهي عشرة على العدد الذي أخذه العشار من الأثواب، وهو اثنان، فيخرج خمسة، فانقصها من الأربعين، يبقى منها خمسةٌ وثلاثون، فاقسم عليها الثمانمائة المحفوظة، فيخرج اثنان وعشرون درهماً وستُّ أسباع درهمٍ، فذلك قيمة الثوبين المأخوذين، ويكون قيمة كل ثوب أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةُ أسباع درهم.
وطريقة النسبة أن كل ثوب عُشر البضاعة، والثوبان خُمُسها.
وإن كان يأخذ من العشرة ربعها، فيأخذ من الخمس ثمناً، فالمستحق من الثوبين ثمنها، والعشرون درهماً في مقابلة سبعة أثمانها، فإذا كانت سبعة أثمان تساوي عشرين، فأردنا قيمة الثمن الآخر، زدنا على العشرين سُبعها، وهي اثنان وستة أسباع، فيخرج قيمةُ الثوبين، كما خرج بالضرب والقسمة.
ثم قيمةُ كل ثوب نصفُ ذلك أحدَ عشرَ وثلاثة أسباع.
فإن أخذ من عشرة أثواب ثوباً، ورد عليه مثل جذر ما أخذ، كم ثمن كل ثوب؟
فقد علمت أن العشار إنما يطلب من عشرة أثوابٍ رُبعَ ثوب، فإذا أخذ ثوباً، لزمه أن يرد ثلاثة أرباع ثوب، فاقسم واحداً على ثلاثة أرباع، فيخرج واحد وثلث، فهذا جذر ما أخذ، فاضربه في مثله يكون واحداً وسبعةَ أتساع، فهذا قيمة كل ثوب.
والحساب يعتدل إذا امتحنت.
وإن شئت فاقسم العشرة على العدد الذي أخذه، وهو واحد، فتكون عشرة، فانقصها من الأربعين، تبقى ثلاثون، واقسم الأربعين على هذه الثلاثين، فيخرج واحد وثلث، وهو جذر ثمن كل ثوب.
فإن أخذ منه ثوبين وردّ عليه جذرَ ما أخذ، فانقص ربعَ ثوبٍ من ثوبين؛ لأن له من عشرة أثواب ربعَ ثوب، يبقى ثوبٌ وثلاثة أرباع، وهو الذي يلزمه رده، فاقسم الثوبين على واحدٍ وثلاثة أرباع، فيخرج واحدٌ وسبع، فهذا جذر ثمن الثوبين.
وإن شئت، فاقسم العشرة الأثواب على الثوبين، فيخرج خمسة، فانقص الخمسة من الأربعين، تبقى خمسةٌ وثلاثون، فاقسم الأربعين على الخمسة والثلاثين، فيخرج واحد وسبع، فهو جذر ثمن الثوبين.
فصل:
7279- مسألة: في حساب الأرزاق والجرايات تمس إليها حاجةُ الأمراء في إدرار الرزق على الجند المعقود.
إن قيل: قائدٌ أعطى جنده أرزاقهم، فأعطى أول رجل منهم درهماً، والثاني درهمين، والثالث ثلاثة، وعلى هذا وقع التفاضل بدرهم درهم، فلم يرضَوْا بذلك، فاسترجع منهم الدراهمَ، وقسمها بينهم بالسوية، فأصاب كلَّ واحد منهم ثلاثون درهماً. كم عدد الرجال وعددُ الدراهم؟
فأضعف نصيبَ الواحد منهم عند التسوية، وهو ثلاثون، فيبلغ ستين، فانقص منه واحداً أبداً، يبقى تسعةٌ وخمسون، وهي عدد الرجال، فاضربها في ثلاثين، فما بلغ فهو عدد الدراهم.
ونظير هذه المسألة من طرائف الحساب أن يقال: جواري دخلن بستاناً فتناولت الأولى رمانة، والثانية اثنتين، والثالثة ثلاثة، وتفاوتن واحدةً واحدةً، ثم اقتسمن بالسويّة، فأصاب كلّ واحدة سبعُ رمانات، فأضعف السبعة، وانقص من الضعف واحداً، تبقى ثلاثةَ عشرَ، وهي عددهن، ثم اضرب ذلك في سبعة، فما بلغ، فهو عدد الرمان.
فإن قيل: جيش خرج ربعه من مدينة أصاب أولُهم درهماً، والثاني درهمين والثالث ثلاثة دراهم، ثم تفاضلوا بدرهم درهمٍ،، فاقتسم الجيشُ كلّه فيما أصاب الربع منهم بينهم بالسوية، فأصاب كل رجل منهم خمسة دراهم، كم الجيش كلّه؟ وكم الدراهم؟
قياس الباب أن نضرب أربعة-لقوله ربع الجند- في اثنين أبداً، وإذا كان التفاضل بدرهم درهم، فيكون ثمانية، ثم اضربها في الخمسة التي هي حصة كل واحد، يكون أربعين، أسقط منها واحداً أبداً تبقى تسعة وثلاثون، فذلك ربع الجند، وجميع الجند أربعة أمثاله، وهو مائة وستة وخمسون، فاضربها في خمسة، فما بلغ، فهو عدد الدراهم.
7280- فإن قيل والمسألة بحالها: أصاب الأولُ درهماً والثاني ثلاثة، والثالث خمسة، ثم تفاضلوا كذلك بدرهمين درهمين، ثم اقتسم كلُّ الجند ما حصَّل ربع الجند فأصاب كل واحد منهم خمسة، فاضرب أربعة لقوله ربع الجند في خمسة، لقوله أصاب كل واحد منهم خمسة، فيكون عشرين، ولا حاجة إلى التضعيف في هذه المسألة؛ فإن التفاضل وقع بدرهمين درهمين، فرُبع الجند عشرون، ولا يخفى العمل بعدّة الضربات.
فلو قال: أصاب كل واحد ثلاثة، فضربت الأربعة في ثلاثة، ولو تفاضلوا بثلاثة ثلاثة، أو بأكثر، لضربت الأربعة فيما تفاضلوا به، وطردت المسائل على العمل المتقدم.
7281- فإن قيل: مائة درهم وقفيز حنطة، وقفيز شعير، وقفيز ذرة تقسم على عشرين مسكيناً بالسويّة، والمرعيُّ الاستواء في الماليّة، فأصاب خمسة منهم الحنطة، وأربعة منهم الشعير، وثلاثة منهم الذرة. كم ثمن كل قفيزٍ؟ وكم حصةُ كلِّ مسكينٍ؟ قياس الباب أن نجمع عِدَّة القوم الذين أخذوا الأصناف وهم اثنا عشر، فنقسم المائة على الثمانية، وتعلم حصة كل واحد من الدراهم، فتعلم أن حصة كلِّ مَن أخذ صنفاً من الأصناف مثلُ ذلك المقدار، ثم نجمع تلك الحصص ونستخرج قيمة كل صنف. فإن أردت مسلك الحسّاب، قلت: نقسم المائة على ثمانية، فيخص كل واحد منهم اثنا عشر ونصفٌ، فإذا أردت معرفة ثمن الحنطة، فاضرب الاثني عشر والنصف في عدد الذين أخذوا الحنطة، وهم خمسة، فيكون اثنين وستين ونصفاً، واضربها أيضاً في عدد الذين أخذوا الشعير، وهم أربعة، فيكون خمسين، المبلغ الأول قيمة الحنطة، وهذا قيمة الشعير، فاضربه في عدد أصحاب الذرة، وهم ثلاثة فيكون سبعة وثلاثين ونصفاً، فذلك ثمن الذرة.

.فصل: في حساب البرد والفيوج، تمس الحاجة إليه في جواسيس الجنود:

7282- إذا قيل: بَرِيدان أرسلتهما إلى موضع وأمرت أحدَهما أن يسير كلّ يوم عشرين فرسخاً، وأمرت الآخر أن يسير اليوم الأول فرسخاً، واليوم الثاني فرسخين، والثالث ثلاثةً، ثم يزيد سيرَه في كل يوم فرسخاً، ففي كم يوم يلحق الأول؟
قياس الباب أن نأخذ نصف الفضل الواقع في سير الثاني، وذلك نصفٌ؛ فإن سيره في كل يوم يفضل سيره في أمسه بواحدٍ، فخذ نصفه، وانقصه من مقدار سيره في اليوم الأول، فيبقى نصفه، فنلقيه من العشرين، التي هي سير صاحب العشرين في كل يوم، يبقى تسعةَ عشرَ ونصف، فاقسمه على نصف التفاضل وهو نصف، فيخرج تسعة وثلاثون؛ فإن القسمة على الكسور معناها بيان حصة الواحد، فإذا كان النصف تسعة عشر ونصف، فالواحد تسعة وثلاثون، فنقول يلحقه في تسعة وثلاثين يوماً.
فإن كان الأول يسير كل يوم عشرين فرسخاً، ويسير الآخر في اليوم الأول فرسخين، وفي الثاني ثمانية، وفي الثالث أربعة عشر فرسخاً، فكان يزيد كل يوم ستة فراسخ، فنصف التفاضل أكثر مقدار مسيره في اليوم الأول. فإذا اتفق ذلك، فانقُص سيرَه في اليوم الأول، وهو اثنان من نصف التفاضل وهو ثلاثة، يبقى واحد، فزده على العشرين، واقسم المبلغ على نصف التفاضل وهو ثلاثة، فيخرج سبعة أيام، ففي مقدارها يلحقه.
7283- فإن قيل: بريد أرسله بشرط أن يسير كل يوم خمسة فراسخ، فسار عشرين يوماً، ثم أرسلت آخر بعد العشرين، وأمرته أن يسير كل يوم ثمانية فراسخ في كم يومٍ يلحق الأول؟
فانقُص الخمسة التي هي سير الأول من الثمانية التي يسيرها الثاني، يبقى ثلاثة، وهي المقسوم عليها. ثم اضرب أيام المسير وهي عشرون في مقدار مسير السابق في كل يوم، وهو خمسة، فيبلغ مائةً، فاقسمها على الثلاثة المحفوظة، فيخرج ثلاثة وثلاثون وثلث، ففي مقدارها من الأيام يلحقه.
7284- فإن قيل: بريدان خرج أحدهما من بغداد إلى الكوفة يسير كلَّ يوم ثلث الطريق، وخرج الآخر في تلك الساعة من الكوفة إلى بغداد يسير كل يوم ربع الطريق، في كم من الزمان يلتقيان؟ خذ مخرج الثلث والربع، وهو اثنا عشر، فاجمع ثلثها وربعها، فتكون سبعة، فهي أجزاء اليوم، فاقسم الاثني عشر على السبعة، فيخرج واحدٌ وخمسةُ أسباع يوم، فيلتقيان في مقدار يوم وخمسة أسباع يوم.
فإن أردت أن تعرف ما قطعه كلُّ واحدٍ منهما، فاضرب السبعةَ في الاثني عشر، فيبلغ أربعةً وثمانين، فهي أجزاء الطريق ثم أنت تعلم أن الذي يسير في كل يوم ثلثَ الطريق يسير في كل يوم وخمسة أسباع يوم ثمانيةً وأربعين جزءاً من أربعةٍ وثمانين. والذي يسير في اليوم ربع الطريق يسير في يوم وخمسه أسباع يوم ستةً وثلاثين جزءاً من أربعةٍ وثمانين جزءاً، فهذا مقدار مسيرهما، ويلتقيان على أربعة أسباع الطريق مما يلي بغداد، وثلاثة أسباعه مما يلي الكوفة.
7285- فإن قيل: بريد وجهتَه من بغداد إلى الرَّي وأمرته أن يسير إليها في خمسة أيام، وأمرت بريداً آخر أن يسير من الري إلى بغداد في سبعة أيام، فخرجا في ساعةٍ واحدة يؤمّان مقصديهما في كم يلتقيان؟
الطريقُ أن نجمع الخمسة والسبعة، فالمجموع اثنا عشر، وهي المقسوم عليها، ثم اضرب الخمسةَ في السبعة، فتبلغ خمسةً وثلاثين، فاقسمها على اثني عشر، فيخرج يومان وأحدَ عشرَ جزءاً من اثني عشر جزءاً من يوم، ففي مقدار ذلك يلتقيان.
7286- فإن قيل: بريدٌ وجهته إلى موضعٍ، وأمرته أن يسير كلّ يوم في قصده ثمانيةَ عشرَ فرسخاً، وفي انصرافه كلَّ يوم اثني عشر فرسخاً، فانطلق وعاد في أربعين يوماً. في كم ذهب؟ وفي كم انصرف؟ فاجمع سيرَ الذهاب في كل يوم، وسيرَ الانصراف في كل يوم، فيبلغ ثلاثين فهي المقسوم عليها، ثم اضرب سير الانصراف، وهو اثنا عشر في الأربعين التي هي المدة، فيبلغ أربعمائة وثمانين، فاقسمها على ثلاثين، فيخرج ستة عشرَ، فذلك زمان انطلاقه، ومن ستةَ عشرَ إلى تمام الأربعين زمان انصرافه.
فإن أردت عدد الفراسخ، فاضرب أيام الانطلاق في ثمانيةَ عشرَ، وزمانَ الانصراف في اثني عشرَ، فما بلغ فهو عدد الفراسخ.
7287- فإن قيل: بريد سار من بلدٍ إلى مقصدٍ، فكان يسير كلّ يوم خُمس الطريق، ويرجع سُبع الطريق، في كم يومٍ يقطع المسافة؟ فهذا يناظر مسألة من طرائف الحساب، وهو قول القائل حيّةٌ يخرج كل يوم خُمسها من جحرها ويدخل سُبعُها، في كم يوم يتم خروجها؟ فاطلب مخرج الخُمس والسبع، وهو خمسة وثلاثون، فخذ التفاضل بين الخمسة والسبعة، وذلك اثنان، فاقسم عليها الخمسة والثلاثين، فيخرج سبعةَ عشرَ ونصف، ففي مقدارها يتم قطعُ المسافة، وخروج الحية. وكذلك إذا قيل: رجل اكتسب كلَّ يوم خُمسَ درهم، وأنفق سبع درهم، في كم يوم اجتمع له درهمٌ؟ فجوابه ما مضى.

.فصل: في بيان حساب العصير المطبوخ:

7288- يحتاج إليه من ينتجون المثلث ويحتاج إليه من يحاول تثليث العصير في إصلاح العصر من غير أن يتخذ منه مسكراً. وينبغي أن يكون القِدرُ الذي يُطبخ فيه قِدراً قاعدتها مسطحة لا تقعُّرَ فيها والجدار المحيط مستديراً في ارتفاعها على الاستقامة والاستواء من غير تخريط وعلى داخل القدر خطوطٌ تقسّمها ثلاثةَ أقسام، ثم يطبخ العصير حتى ينتهي في سكونه إلى العلامة الأخيرة. وهذا صناعةٌ.
وحظُّ الحساب من الفصل في مسائلَ منها، أن يقول القائل: قدرٌ فيها ثلاثون دورقاً من العصير، وذهب منها بالطبخ خمسةُ دواريق، وعُرف ذلك بعلاماتٍ وخطوط، كانت على جدار القِدْر، ثم رفع من الباقي، وهو خمسةٌ وعشرون دورقاً ثلاثةُ دواريق، إلى كم يُردّ الباقي، حتى يكون مثلثاً؟ قياس الباب أن العدد الحلال-على رأي من يُحله-مِن اثنين وعشرين دورقاً كقدر عشرة دواريق- وهي الثلث- من خمسةٍ وعشرين، وهي خمساها، فخذ خمسي الباقي الذي هو اثنان وعشرون وذلك ثمانية دواريق وأربعة أخماس دورق، فإذا رجع الباقي إلى هذا المقدار، حلّ عندهم.
وبيان ذلك أنه لما رجع العصير إلى خمسةٍ وعشرين، كان يحل بأن يذهب منه خمسةَ عشرَ دورقاً، وخمسةَ عشرَ ثلاثةُ أخماس الخمسة والعشرين، فلما رفع من الخمسة والعشرين ثلاثةُ دواريق، فيجب رعاية نسبة الأخماس في الاثنين والعشرين، فليذهب منها ثلاثةُ أخماسها. وإذا أسقطت ثلاثةَ أخماس اثنين وعشرين، بقي ثمانيةُ دواريق وأربعةُ أخماس دورق كما ذكرنا. ولو رفعت من الخمسة والعشرين عشرة أو عشرين، لرددت الباقي إلى خُمسيه ليحل.
هذا وجه رعاية النسبة.
ولو ذهب بالطبخ عشرةُ دواريق، ورفعت من الباقي خمسةَ دواريق، فالطريق أن نقول: لما رجع بالطبخ إلى عشرين دورقاً، فكان يحل لو ذهب من الباقي عشرةٌ أخرى بالطبخ، وهو مثل نصف الباقي، فإذا رفعت خمسةً من العشرين، فلا نبالي بما ارتفع، واعتبرْ نسبةَ النصف من الباقي.
فإذا ذهب من الخمسةَ عشرَ الباقية سبعةٌ ونصف يحلّ الباقي-على رأي من يُحله-.
وقس على هذا ما في معناه.
7289- إن قيل: ثلاثون دورقاً ذهب بالطبخ منها خمسةُ دواريق، ثم رفع منها شيء مجهول، لا ندري مقدارَه، وكان حلال الباقي ثمانية دواريق، كم كان المرفوع منها؟ فالطريق أن نقول: لما رجع بالطبخ إلى خمسةٍ وعشرين، كان يحل الباقي لو رجع إلى عشرة، وذهب منها خمسةَ عشرَ، فالخمسةَ عشرَ ثلاثة أخماس الخمسة والعشرين، ونسبة الأخماس تقتضي أن يذهب من كل خمسة ثلاثة، ويتحصل من كل خمسة دورقان، فإذا كان الحلالُ ثمانيةً، فنعلم أنها من عشرين دورقاً، فالمرفوع إذاً خمسة. ولو بقيت، لتحصّل منها دورقان، وتمت العشرة، فإذا أنقصت العشرة بدورقين، تبين أن المرفوع خمسة.
قال الحُسّاب في هذه المسألة: قدرُ المرفوع من خمسةٍ وعشرين كقدر النقصان الذي في الباقي الحلال من ثلث جميع العصير.
وبيانه أن الثمانية نقصت عن ثلث العصير بخُمس العشرة، فبان أن المرفوع من خمسة وعشرين خمسُها.

.فصل: في مسائل تتعلق بالسؤالات عند التلاقي:

7290- رجلان اجتمعا على ثوبٍ ينادَى عليه، فقال أحدهما للآخر: إن أعطيتني ثلث ما معك فزدتُه على ما معي، تَمَّ لي ثَمَنُ هذا. وقال الآخر للأول: إن أعطيتني رُبع ما معك وزدتُه على ما معي تمَّ لي ثَمنُ الثوبِ. كم الثمن؟ وكم مع كل واحد منهما؟ فنقول: نضرب مخرج الثلث وهو ثلاثة في مخرج الربع وهو أربعة، فيبلغ اثني عشر، فننقص منها واحداً أبداً، يبقى أحدَ عشرَ، فهو ثمنُ الثوب. ثم نرجع إلى الاثني عشر، ثم نعزل منه ثُلثَه، وهو أربعة، يبقى ثمانية، فهي مع الأوّل، ثم نعزل منه ربعَه، يبقى تسعة، فهي مع الثاني، والمسألة صحيحةٌ على الامتحان، ولكنها قليلة الفائدة؛ فإن أقل عدد صحيح يُفرض منه هذا الذي ذكرنا فقد يتصور تضاعف الثمن على هذه النسبة، وكأن الحُسَّاب نبهوا بأقلّ عددٍ صحيح يصح فيه السؤال.
7291- فإن كانوا ثلاثة، فطلب الأول من الثاني ثُلثَ ما معه، وطلب الثاني من الثالث ربعَ ما معه، وطلب الثالث من الأول خُمس ما معه، ليتم لكل واحد منهم ثَمنَ الثوب، فاضرب مخرجَ الثلث، وهو ثلاثة في مخرج الربع، وهو أربعة، ثم ما اجتمع في مخرج الخمس، وهو خمسة. فبلغ ستين، فزد عليه واحداً أبداً، إذا كان عددُ القوم فرداً، وإن كان عدد القوم زوجاً، فانقص من المبلغ واحداً، فالمبلغ في هذه المسألة أحدٌ وستون، فهذا ثمن الثوب، فإن أردت أن تعلم الذي مع الأول، فخذ مخرج الثلث وألقِ منه واحداً، يبقى اثنان، فاضربه في مخرج الربع، فيبلغ ثمانية، فزد عليها واحداً أبداً، فيبلغ تسعةً، فاضربها في مخرج الخُمس، فيصير خمسةً وأربعين، فهي مع الأول.
وإن أردت أن تعلم ما مع الثاني، فاطرح ذلك من أحدٍ وستين، يبقى ستةَ عشرَ، فاضربها في ثلاثة، تكون ثمانيةً وأربعين، فهي ما مع الثاني. ثم اطرح هذا المبلغ من أحدٍ وستين، فيبقى ثلاثةَ عشرَ، فاضربها في أربعةٍ، فتصير اثنين وخمسين، وهي ما مع الثالث. والواحد الذي زدته على الستين إنما هو مضروب الثلث في الربع، ثم في الخمس؛ فإنك إذا ضربتَ الثلث في الربع كان نصف سدس، وهو جزء من اثني عشر جزءاً، فإذا ضربته في الخمس، كان جزءاً من ستين جزءاً.
وهذا غامض لا يحيط به إلا ماهرٌ في الحساب.
فعلى هذا إذا قال الأول للثاني: إن أعطيتني ثلاثةَ أخماس ما معك، صار معي ثَمنُ هذا الثوب، وطلب الثاني من الثالث أربعة أسباع ما معه، وطلب الثالث من الأول خمسةَ أثمان ما معه.
فاضرب المخارجَ بعضها في بعض، فتكون مائتين وثمانين، فنزيد عليها عدد الأخماس مضروباً في عدد الأسباع، ثم ما بلغ في عدد الأثمان، وذلك ستون، فيبلغ ثَلاثمائة وأربعين، فهي ثمن الثوب.
ثم خذ مخرج الخُمس: خمسة، فاعزل منها ثلاثةَ أخماسها، يبقى اثنان، فاضربهما في مخرج السبع، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فزد عليها عددَ الأخماس مضروباً في عدد الأسباع، وذلك اثنا عشر، فيبلغ ستةً وعشرين، فاضربها في مخرج الثمن، فيكون مائتان وثمانية. فهذا رأس مال الأول. فنلقيه من ثمن الثوب، فما بقي، فهو ثلاثة أخماس مال الثاني، فزد عليه ثلثيه، فما بلغ، فهو مال الثاني، فنلقيه من ثمن الثوب كلِّه، فما بقي، فهو أربعة أسباع مال الثالث، فنضرب رُبعه في سَبعةٍ، فما بلغ، فهو ماله.
7292- رجلان قال أحدهما لصاحبه: إن أعطيتني ثلث ما معك صار معي خمسةُ دراهم، وقال الآخر للأول: إن أعطيتني ربع ما معك، صار معي سبعةٌ.
بيانه أن نلقي من ضرب مخرج الثلث في مخرج الربع واحداً، فيبقى أحدَ عشرَ، فهي المقسوم عليها، فاحفظها؛ لأنها مخرج أجزاء الدرهم الواحد في هذه المسألة، ثم نلقي من الخمسة ثُلثَ السبعة، يبقى اثنان وثلثان، فاضربها في مخرج الثلث والربع، فيبلغ اثنين وثلاثين، فاقسمها على الأحد عشر، فيخرج اثنان وعشرةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وهو الذي مع الأول.
ثم ألقِ من السبعة ربعَ الخمسة، يبقى خمسة وثلاثة أرباع، فاضربها في مخرج الثلث والربع وهو اثنا عشر، فيبلغ تسعةً وستين، فاقسمها على الأحدَ عشرَ، فيخرج ستةٌ وثلاثةُ أجزاء من أحد عشر. فهذا الذي مع الثاني.
7293- رجلان وجدا كيساً فيه دراهم، فقال أحدهما: إن أخذته وضممته إلى ما معي، صار معي خمسة أمثال ما معك.
وقال الآخر: إن زدته على ما معي، صار سبعةَ أمثال ما معك. كم في الكيس؟ وكم مع كل واحد منهما؟
فاضرب عدد الأمثال في عدد الأمثال: خمسة في سبعة، وانقص من المبلغ واحداً، يبقى أربعةٌ وثلاثون، فهي التي في الكيس.
ثم زد على الخمسة واحداً، فتبلغ ستة، فهي التي مع الأول. وزد على السبعة واحداً، فما بلغ، فهو الذي مع الثاني.
فإن كانوا ثلاثة ووجدوا الكيس، فقال الأول للثاني: إن أخذتُه أنا، صار معي ثلاثة أمثال ما معك، وقال الثاني للثالث: إن أخذته أنا، صار معي أربعة أمثال ما معك، وقال الثالث للأول: إن أخذته أنا، صار معي خمسة أمثال ما معك، فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع، ثم في مخرج الخمس، فيبلغ ستين. فانقص منه واحداً، يبقى تسعةٌ وخمسون، فهي التي في الكيس.
فإن أردت معرفة ما مع الأول، فخذ مخرج الأمثال التي ذكرناها، وهو ثلاثة، فزد عليها واحداً، واضرب ما بلغ في مثله، فيكون ستة عشر فهي ما مع الأول، فزد ذلك على تسعة وخمسين، فيبلغ خمسةً وسبعين، فخذ ثلثَها: خمسةً وعشرين، فذلك مع الثاني، فزدها على تسعة وخمسين، فيبلغ أربعةً وثمانين، فخذ ربعه: أحداً وعشرين، فهو ما مع الثالث.
7294- رجل معه كيس فيه دراهم، فسأله رجل عن مقدارها، فقال: ليتها لي، ومثلَها ومثلَ نصفها، ومثلَ ربعها، حتى أزيدَها على درهم لي في بيتي فيتمَّ لي مائةُ درهم. كم في الكيس؟
خذ مخرج النصف والربع، لذكر النصف والربع، وهو أربعة، فخذها ومثلَها، لقوله: ليتها لي ومثلها، فيكون ثمانية، فزد عليهما نصفَ الأربعة وربعها، لذكره النصفَ والربعَ، فيكون أحدَ عشرَ، فهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم ألق من المائةِ واحداً، يبقى تسعةٌ وتسعون، فاضربها في مخرج النصف والربع، وهو أربعة، فيبلغ ثَلاثمائة وستةً وتسعين، فاقسمها على الأحد عشر المحفوظة فيخرج ستة وثلاثون، وهي عدد الدراهم التي في الكيس.
7295- فإن قيل: مالٌ عزلت منه ثُلثَه وربعَه، فبقي منه ثلاثةُ دراهم؟ فمأخذ هذا الفن أن نعلم أنَّ مخرج الثلث والربع إذا عزلا، فالباقي ربع وسدس، فإذا كان الربع والسدس ثلاثة، لم يخف إخراج الباقي؛ فإنه إذا بانت قيمةُ جزء؛ بان قيمة جميع الأجزاء، والسبيل المعروف أن نأخذ شيئاً له ثلث وربع، وذلك اثنا عشر، فنلقي منه ثلثه وربعه، تبقى منه خمسة، فهي المقسوم عليها، ثم اضرب الباقي، وهو ثلاثة في مخرج الثلث والربع، وهو اثنا عشر، وقسم المبلغ على الخمسة المحفوظة، فيخرج سبعة وخمس، فهو أصل المال.
ومن هذا القبيل أن يقول القائل: قصبة ثلثها في الطين، وربعها في الماء، والخارج منها ثلاثة أذرع، أو سمكة رأسها ربُعها، وذنبها ثُلثُها، والباقي منها ثلاثة أمناء. كم وزن السمكة؟ أو كيسٌ عزلت منه ثُلثَه وربعَه، فبقي منه ثلاثة أقفزة. كم مقدارُ الكيس؟ وهذا الفن من الجليات، لما ذكرناه في ابتدائه.
7296- فإن قيل: حوض له ثلاثة أنهار، ويملؤه واحد في ثلاثة أيام، والثاني في أربعة أيام، والثالث في خمسة أيام، فُتحت الأنهار إليه وأخذت في الانصباب في ساعةٍ واحدةٍ، في كم يمتلىء؟ فخذ عدداً له ثلثٌ وربعٌ وخمسٌ، لجريان الثلاثة والأربعة والخمسة، وذلك ستون. فخذ ثلثها وربعها وخمسها، وذلك سبعةٌ وأربعون، فهي المقسوم عليها، ثم اقسم المخرج وهو ستون عليها، فيخرج واحد وثلاثةَ عشرَ جزءاً من يوم، ففي هذا المقدار يمتلىء الحوض.
فإن قيل: نهر يملؤه في يوم، والثاني في يومين، والثالث في ثلاثة أيام، أُرسلت كلُّها إليه في ساعة واحدة، ففي كم يمتلىء؟ فخذ عدداً له نصفٌ وثلث، لذكره يومين وثلاثة، وذلك ستةٌ. ثم خذ لليوم الواحد ستة، و لليومين نصف ذلك، وهو ثلاثة، ولثلاثة أيام ثلث ذلك، وهو اثنان، فاجمع ذلك كلَّه، فيكون أحدَ عشرَ، ثم اقسم المبلغ عليها، فيخرج ستة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من يوم، ففي مقدارها يمتلىء الحوض.
7297- فإن قيل: حوض طوله أربعون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وعمقه ثلاثة أذرع، حفرنا إلى جنبه بئراً طولها ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، كم يجب أن يكون عمقها حتى يسع البئرُ ماءَ الحوض؟ فاضرب طول الحوض في عرضه، ثم ما بلغ في عمقه، فيبلغ ألفين وأربعمائة، فاحفظها، ثم اضرب عرض البئر في طولها، يكون ستة، فاقسم عليها الألفين والأربعمائة، فتخرج أربعمائة ذراع، فهي عمق البئر.
7298- إن قيل: ثمانية أرغفة بين رجلين: لأحدهما ثلاثة، وللآخر خمسة، أتاهما ضيف، فجعلوا الأرغفة أثلاثاً متساوية، وأكلوها أكلاً متساويا، ولم يأكل أحد الرجلين صاحبي الأرغفة من أرغفة صاحبه، فأعطاهما الضيف ثمانية دنانير عوضاً عما أكله من رغفانهما، كيف يقتسمان الدنانير؟
فالجواب أن لصاحب الثلاثة الأرغفة ديناراً واحداً، والباقي، وهو سبعة لصاحب الأرغفة الخمسة.
وذلك لأن الأرغفة لما جُعلت أثلاثاً، صارت الخمسةُ منها خمسَ عشرةَ قطعة، وصارت الثلاثةُ تسعَ قطع، فذلك أربعٌ وعشرون قطعة، فقد أكل كل واحد منهما ثمانِ قطع، فصاحب الخمسة له خمسةَ عشرَ أكل منها ثمانية، وأكل الضيف من نصيبه سبعة، وصاحب الثلاثة له تسعُ قطع، أكل منها ثمانية، وأكل الضيفُ من نصيبه قطعةً، فلذلك كان لصاحب الثلاثة دينارٌ، ولصاحب الخمس سبعة دنانير.
7299- إن سئلتَ عن عددٍ إذا قسم على اثنين زاد واحداً، وإن قسم على ثلاثة زاد واحداً، وكذلك إذا قسم على أربعة، وعلى خمسة، وعلى ستة. وإن قسم على سبعة، خرج سواء، فبيانه أن نطلب أقل عدد يكون له هذه الأجزاء ما خلا السبع، فنجده ستين، فنزيد عليه واحداً، يكون أحداً وستين، فهذا إذا قسم على اثنين، أو ثلاثة، أو خمسة، أو ستة، يفضل واحدٌ، وإن قسم على سبعة، يفضل خمسة، وإن قسمت ستين على سبعة يفضل أربعة، فانظر في عدد نضربه في الستين ونزيد على مبلغه واحداً، فنقسم ما بلغ على سبعة، فنجده خمسةً، فاضرب الخمسة في الستين، وزد على المبلغ واحداً، فيكون ثَلاثَمائةٍ وواحداً، فهو المطلوب.
فهذه جملٌ ترشد إلن قواعد الحساب في المعاملات لم نحب تخلية الكتاب عنها.
7300- ونحن نذكر الآن فصلاً في قواعد النِّسب يستغني به الحاسب ويتخذه أصلاً مرجوعاً إليه؛ فإن أمَّ الحساب النسبة، وجملة الطرق ملتقاة منها، والنِّسب شيء لا تمس الحاجة إلى جميعها في المعاملات، كالنسب التأليفية التي يستعملها أصحاب الألحان، والنسب النَّظمية التي يستعملها أهل الهندسة في أضلاع المجسمات، وهي مثل قول القائل: زيادة الستة على الاثنين كزيادة التسعة على الستة، وكزيادة الأربعةَ عشرَ على العشرة.
والنسبة التي تمس حاجتنا إليها، وعليها تدور المعاملات في البيع والإجارة، والأرباح، والخسرانات، وبها يخرج ما غمض من مسائل الدور، والعين والدين، والوصايا، ومساحة الأشكال، فنعتني بذكر هذه النسبة في فصل نعقده.
فصل:
7301- النسبة المطلوبة في هذه الأبواب على ضربين نسبة متوالية، ونسبة غير متوالية، فالمتوالية أن تكون نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثاني إلى الثالث، وكنسبة الثالث إلى الرابع، وكنسبة الرابع إلى الخامس، وكذلك ما زاد عليه من الأعداد المتناسبة على التوالي.
فأما النسبة التي هي غير متوالية، فهي التي يكون نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، ولا تكون نسبة الثاني منها إلى الثالث كنسبة الأول إلى الثاني.
ونقول: متى كان عدد الأعداد المتناسبة فرداً، كانت نسبتها متوالية لا محالة، ومتى كانت عِدّة الأعداد المناسبة زوجاً، فربما كانت نسبتها متوالية، وربما كانت غير متوالية، فمثال المتوالية في أربعة أعداد أن يكون أولها اثنين، والثاني أربعة، والثالث ثمانية، والرابع ستة عشر.
ومثال غير المتوالية في أربعة أعداد أن يكون أولها اثنين، والثاني أربعة، والثالث ثلاثة، والرابع ستة، ومعاملات المتعاملين في الشراء والبيع والإجارات تدور على النسبة التي ليست بمتوالية، والنسبة المتوالية عليها تدور معظم أصول المساحة، ومعظم أبواب المعادلات في الجبر والمقابلة، وكذلك أبواب الربح والخسران، وتعجيل الزكوات.
وكل ثلاثة أعداد متناسبة يقال فيها: نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثاني إلى الثالث، فإن نسبة الأول إلى الثالث كنسبته إلى الثاني،.... بالتكرير، وهذا كالاثنين والأربعة والثمانية، فالأول نصف الثاني، والثاني نصف الثالث، والأول إلى الثالث كالأول إلى الثاني على معنى التكرير؛ فإن الأول إلى الثاني نصفه، والأول إلى الثالث نصف نصفه.
7302- وإذا كانت ثلاثةُ أعداد متناسبة وعلم اثنان منها، أمكن استخراج الثالث، فإن كان الأول مجهولاً، ضرب الثاني في مثله، وقسم المبلغ على الثالث، فما خرج فهو الأول المجهول. وبيانه أبداً.
ويمثّل كنسبة عددٍ إلى الأربعة كنسبة الأربعة إلى الثمانية، ولم يذكر لك العدد الأول، فاضرب الأربعة في نفسها، واقسمها على الثمانية، فالخارج من القسمة هو العدد الأول، كأنه قيل: نسبة الاثنين إلى الأربعة كنسبة الأربعة إلى الثمانية.
فإن كان الثالث مجهولاً ضُرب الثاني في مثله، وقسم المبلغ على الأول، فما خرج فهو الثالث.
وإن كان الثاني مجهولاً، ضرب الأول في الثالث وأُخذ جذرُ ما بلغ، فما كان فهو الثاني، كقول القائل نسبة الاثنين إلى عددٍ كنسبة ذلك العدد إلى الثمانية، فنضرب الاثنين في الثمانية، فيخرج ستةَ عشرَ، فنأخذ جذرها أربعة، فهي العدد الثاني.
والعلةُ في ذلك أن ضرب الأول في الثالث يكون مثلَ ضرب الثاني في مثله أبداً متى كانت متناسبة على التوالي، وكل أربعة أعداد متناسبة متوالية أو غير متوالية، فإن ضرب الأول في الرابع كضرب الثاني في الثالث، ومتى ضرب الأول في الرابع وقسم المبلغ على الثاني، خرج الثالث، وإن قسم المبلغ على الثالث، خرج الثاني. ومتى ضرب الثاني في الثالث، وقسم المبلغ على الأول، خرج الرابع. وإن قسم المبلغ على الرابع، خرج الأول.
وبذلك نستخرج المجهول منها.
ومتى كانت أربعة أعداد متناسبة نسبةً متوالية، وعلم اثنان منها أمكن أن يُعلم المجهولان، فإن كانت الواسطتان مجهولتين، ضربنا العدد الأول في مثله، فما بلغ ضربناه في العدد الرابع، وأخذنا كعب ما بلغ، فما كان فهو العدد الثاني. وإن ضربنا العدد الرابع في مثله، ضربنا مبلغه في العدد الأول، وأخذنا كعب المبلغ؛ فإن ذلك العددُ الثالث.
وإن كان الطرفان مجهولين، ضربنا الواسطةَ الأولى في مثلها، وقسّمنا المبلغ على الواسطة الثانية، فما خرج فهو الأول، وإن ضربنا الواسطة الثانية في مثلها، وقسمنا المبلغ على الواسطة الأولى، كان الخارج من القسمة مثلَ الطرف الرابع.
هذا إذا كانت نسبة الأعداد متوالية.
فإن كانت غيرَ متوالية، لم يكن منها ما ذكرناه الآن.
وكل خمسة أعداد متناسبة، فإنَّ ضرب الأول في الخامس مثلُ ضرب الثاني في الرابع، ومثل ضرب الثالث في مثله.
فإن كان الثالث مجهولاً، ضربنا الأول في الخامس، وأخذنا جذر المبلغ، فهو الثالث.
وكذلك إن ضربنا الثاني في الرابع، وأخذنا جذر ما بلغ، كان ذلك الجذرُ مثلَ الثالث.
فإن كان الأول مجهولاً، ضربنا الثالث في مثله، وقسمنا المبلغ على الخامس، فما خرج فهو الأول، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله، وقسمنا المبلغ على الخامس، فما خرج فهو الأول، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله وقسمنا مبلغه على الأول خرج الخامس، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله وقسمنا المبلغ على الرابع، خرج الثاني.
وإن قسمناه على الثاني خرج الرابع.
وعلى هذا فقس.
7303- واعلم أن أم الطرق المُخرِجة للمجاهيل الجبرُ، وما عداه فقبضةٌ منه، وكل مسألة تطرّق إليها تعادلٌ على الإفراد من غير اقتران، فسلِّط الجبر عليها، وأخرج المقصود منها، ومستنده التناسب الذي ذكرناه. ومن اطلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى الجبر، وإنما يتأتى النفوذ في النسبة بطول المرون والدُّرْبة، والجبرُ من النسبة كعلم العروض مع الذوق، فمن تطيعت له النسبة في مجاريها، أغنته عما عداها، ومن تبلّد فيها، اتخذ مدارج الجبر ذريعة إليها، وإن نزّل المسألة واقتَرنت فيها المعادلات، فلا يُتصور إجراء المسألة إلى المسائل الثلاث المقترنة إلا بالنسبة، وهو أن يعرف تناسب نقصانين أو زيادتين، فيقول: نقصان كذا من كذا كنقصان كذا من كذا، وزيادة كذا على كذا كزيادة كذا على كذا، ثم لابد في معظم المقترنات من الضرب بعد تحصيل النسبة، ويقع التردد بين أربعة متقابلات، فيضرب الجزء من أحد الجانبين في الكل من الجانب الثاني، ويفعل مثلَ ذلك في الطرف الآخر، ثم يأخذ في الجبر والمقابلة، فيقع لا محالة في أحد الطرفين نوعان، وفي الطرف الثاني نوع واحد، ثم يجري على المراسم التي ذكرناها، وقد ينغلق الجواب فلا يتأتى فتحه؛ فإنك قد تحتاج إلى إخراج جذر، فتلقى ما يخرج جذره أصمّ، فلا يتبقَّى طريقٌ في فتح الجواب. وأقصى ما نقدر عليه أن نقول: ننقُص من كذا جذرَ كذا، ولا يتأتى منك البَوحُ به.
فهذا منتهى القول في غوامض حساب الكتاب.
والآن نعود بتوفيق الله تعالى إلى ترتيب المختصر إن شاء الله عز وجل، فقد يشتمل بعضُ فصول (السواد) على ما يخرج إلى طرفٍ من الحساب هينِ المأخذ، سهلِ المُدرك مستندٍ إلى حساب الفرائض وتصحح الكسور والضرب والقسمة. ومن أحكم ما قدمناه، استقلَّ بإخراج ما ينيبه. والله الموفق للصواب.
فصل:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قال: ضعف ما يُصيب أحد ولدي، أعطيته مثلَه مرتين... إلى آخره".
قد تقدم من صدر الكتاب القول في معنى الوصية بنصيب أحد الأولاد، أو أحد الورثة، وأوضحنا الفرقَ بين أن يقول: أوصيت لفلان بنصيب ولدي وبين أن يقول: أوصيت لفلان بمثل نصيب ولدي، وبيّنا أن معظم أئمتنا لم يفصل بين اللفظين، وإنما فصل بينهما مالك، وذكرنا مذهباً شاذاً عن بعض المتأخرين لم نعتدّ به مذهباً، وهذا الفصل يشتمل على بيان الوصية بالضعف.
فإذا كان له ابنان، فقال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب أحدهما، زدنا على فريضة الميراث سهماً، وقسمنا المال بين الموصَى له وبين الابنين أثلاثاً.
فلو قال: أوصيت لفلان بضعف نصيب أحد ابني، قدّرنا للوصية سهمين، ولكل ابن سهماً، إن أجازا ما زاد على الثلث، وكان معنى الضعف المثلين، وكأنه أوصى بمثلي نصيب أحد الابنين، وهذا ظاهر.
ولو أوصى بضعفي نصيب أحد ولديه، قال الشافعي: للموصى له ثلاثة أمثال نصيب الولد، فأثبت الضعف الأول مثلين، ولم يثبت لمكان الضعف الثاني إلا مثلاً.
وقال على هذا القياس: لو أوصى لإنسان بثلاثة أضعاف النصيب، كانت الوصية بأربعة أمثال النصيب، ولو أوصى بأربعة أضعاف النصيب، كانت وصيةً بخمسة أمثال النصيب، فأثبت مثلين، للضعف الأول، وجعل أعداد الأضعاف بعده أمثالاً، وهذا لم أحط به، ولم أعقل معناه، وقد تلقيتُه، وهو رضي الله عنه منفرد بمذهبه فيه.
قال الأستاذ أبو منصور: القياس أن يثبت للضعف الواحد مثلين ويثبت لكل ضعف مثلين؛ فإنه إذا ثبت أن الضعف مثلان، فالضعفان مثلان مرتين، وحكى الأستاذ أن الموصي لو قال: ضعفوا لفلان ضعفَ نصيب أحد ولدي، فالضعفان أربعة أمثال بلا خلاف، وإنما قال الشافعي ما قال: إذا قال الموصي: أوصيت لفلان بضعفي نصيب ولدي أو أضعافِه. فإذا صرح بتضعيف الضعف، كان كلُّ ضعفٍ مثلين.
وهذا الذي قاله سديد، لا يجوز غيرُه.
7304-وإطلاق الشافعي لفظه قد يحوج المبتدىء إلى التأول، والشافعي رضي الله عنه أطلقها للبيان والتمثيل، وذلك أنه قال: إذا أوصى، وقال أوصيت لفلان بضعفي ما يصيب أحد ولدِي، فله ثلاثة أمثال ما لأحد أولاده؛ فإن كان نصيب أحدهم درهماً، فله ثلاثة، وإن كان نصيب الولد الذي عينه مائة أعطيته، ثَلاثَمائة، ولم يُرد رضي الله عنه أن حصة أحد البنين إن كان مائة درهم، زدنا للوصية ثَلاثمائة؛ لأن هذا يوجب أن يكون كل الزحام داخلاً على الورثة دون الوصية، وليس كذلك، بل العول يدخل عليهم كلِّهم، والذي أطلقه الشافعي عبارةٌ عن السهام: أي إن كان نصيبُ أحدهم مائةَ سهم، زدنا للموصى له ثَلاثمَائة سهم، وقسمنا المال على ذلك، فهذا هو المراد.
فصل:
قال: "ولو قال: أوصيت لفلان بنصيب أو حظ أو قليل أو كثير... إلى آخره".
7305- إذا قال: أوصيت لفلانٍ بسهمٍ، أو نصيبٍ، أو شيءٍ، فهذه الألفاظ كلّها مبهمةٌ، والرجوع في تفسيرها إلى الموصي.
فإن مات قبل أن نتبين، فالرجوع بعد موته إلى ورثته. ثم مذهب الشافعي أنه لو فسَّر هذه الألفاظ مَنْ إليه التفسير بأقلِّ القليل، قُبل، وعلةُ المذهب أن هذه الألفاظ تضاف إلى أشياء مختلفة المبالغ، فسهمٌ من العشرة ينتظم إطلاقه، كما ينتظم إطلاقه من ألف، فإذا كان كذلك، ولا منتهى للمضاف إليه، فلا تقدير لهذه الألفاظ.
وأبو حنيفة وافقنا في جميع هذه الألفاظ، خلا السهم؛ فإنه حمل مطلَقَه على السدس، وهذه الألفاظ في الوصايا بمثابتها إذا استعملت في الأقارير غيرَ أن الأقارير أخبارٌ، والإيصاء إنشاءُ عطية يتنجز بالموت، على الشرائط المرتبة في الوصايا.
7306- وأورد الأستاذ أبو منصور ألفاظاً في بعضها غموض وإشكال على ما يأتي الشرح عليها، إن شاء الله عز وجل.
فمما ذكره أن الموصي لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي إلا شيئاً، قال: هو وصية بنصف الثلث وزيادة؛ فان المستحَق لو كان أكثر من هذا، لكان يقول: أوصيت لفلان بشيء أو بأقلَّ من نصف الثلث، فلما ذكر الثلث والشيء، بان أنها تستعمل مستثنىً، إذا كان الباقي أكثرَ من النصف.
وهذا لم أره لأئمة المذهب في كتبهم، ولم أسمعه ممن تلقيتُ منه، والذي يقتضيه المذهب عندي على قطعٍ، أنه لو فسَّر ما يبقى من الثلث بعد الاستثناء بأقل القليل، قُبل منه؛ فإن لفظَ الشيء مبهمٌ صالحٌ للقليل والكثير، واستثناءُ المعظم غيرُ ممتنع؛ فإنه لو قال: أوصيت لفلان بعشرةٍ إلا تسعةً، كان الموصى به درهماً، ولو أقرّ كذلك، صح استثناؤه؛ فاللفظ المطلق في الوصية والإقرار محمولٌ على الأقل.
فإن اتبع متبعٌ العرفَ، لم يستقم له هذا على قياس الشافعي رضي الله عنه، مع مصيره إلى أن الإقرار بالمال العظيم يجوز أن يحمل على الحبة والقيراط، فما دونهما.
7307- وقد رأيت لصاحب التقريب مسألةً حكاها في كتابه من جواب الشافعي مسائلَ، وذلك أنه قال: قيل للشافعي: إذا أوصى رجل لرجل بأقلَّ من مائة دينار، فالموصى به كم؛ فقال الشافعي-فيما حكاه عنه- الموصى به تسعةٌ وتسعون ديناراً.
وهذا مما لا أحيط به، ولست أدري مأخذه من أصل الشافعي، ولا اغترار بأن يقول قائل: ذكر المائةَ فيُلزمها ونطرح لقوله: أقلّ من مائةٍ ديناراً واحداً؛ لأنه ذكر الدنانير، فأقلُّ محطوطٍ مع لزوم الدنانير دينارٌ.
والذي يقتضيه قياس الشافعي القطعُ بأنه موصٍ بأقلّ ما يتموّل؛ فإنه يجوز أن يقال: القيراط أقلُّ من مائة دينار، ولا يعارض هذا إلا قولُ القائل: هذا غيرُ مستعمل في العرف؛ فقد أوضحنا أن العرف لا مبالاة به في هذا المقام. هذا هو الذي يجب القطع به.
ويتطرق إلى وضع الكلام فسادٌ آخر، وهو حمل الموصى به على ما يقل عن مائة وينحط عنها بقيراط؛ إذ هو أقلّ من مائة، والمصير إلى حط الدينار تحكُّمٌ لا أصل له.
7308- وفيما ذكره الأستاذ أنه لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي إلا كَسْراً أو إلا شيئاً كثيراً، وأراد حمل ذلك على ما يزيد على نصف الثلث، جاز؛ لذكره الكثير، ثم لا وقوف بعد مجاوزة النصف في الاستثناء، ولا وجه إلا تجويزُ حمل الموصى به على أقل ما يتمول، وهذا جارٍ على القياس لا نزاع فيه.
وقال: لو قال: أوصيت لفلان بأكثرِ مالي، فالوصية محمولة على ما يزيد على شَطر المال بأقل القليل؛ فإن الأكثر يَقتضي الزيادة على النصف لا محالة، ثم الزائد على الثلث موقوف على الإجازة.
وقال: لو قال: أوصيت لفلان بأكثرِ مالي، وبمثل نصفه، كان ذلك محمولاً على الوصية بثلاثة أرباعٍ وزيادة، وإن قلّ قدرُها. وإذا ثبت حملُ الأكثر على ما يزيد على النصف، فلا شك أن الجمع بينه وبين النصف يقتضي ما ذكره.
ولو قال: أوصيت لفلان بأكثرَ من مالي، فهذه وصية منه بجملة المال، ووصية بما يزيد عليه، ووصيته في الزائد على ماله ملغاة، فيبقى الوصية بالمال.
ولو قال: لفلان علي أكثر من ألف درهم، فيكون مقراً بألف وزيادة على هذا الموجب، وليس لقائلٍ أن يقول: إذا كنا نحمل المالَ العظيم في الإقرار على أقل القليل، ولا نُثبت بسبب الوصف بالعظم مزيداً، فيجب أن يكون الوصف بالكثرة بمثابة الوصف بالعظم؛ فإن الوصف بالكثرة يعرض لتزايد القدر، وذكر العظيم مشعر بعظم المرتبة، كما تقدم تقريره في كتاب الأقارير.
وهذا وإن كان لائحاً فقد يعترض عليه تجويز حمل الكثرة على العِظم في المرتبة، ولكن لا يعوّل على هذا الذي يخطر، فالأصل ما ذكرناه.
فإن قيل: لو قال: لفلان عليَّ مال كثير، فالمقر به كم؟ قلنا: هو كقوله: لفلان عليّ مال عظيم أو كثير؛ إذ لا ضبط للكثير، وليس كما لو أضاف الكثرة إلى مقدار، فيحمل على الزيادة عليه، مثل أن يقول: لفلان علي أكثر من ألف درهم، وهذا يجر اختباطاً في الفكر. ولو قال: لفلان عليّ أعظمُ من ألف، فالوجه القطع بجواز حمل هذا على أقل القليل؛ فإن العظم ليس ناصاً على التعرض للمقدار والتفاوت به.
فهذا ما وجدناه وألفيناه مَعْرِضاً لنظر الفطن، فليتأمله المتأمل مستعيناً بالله جل وعز.
فصل:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربع ماله... إلى آخره".
7309- مضمون هذا الفصل يتعلق بثلاثة أشياء: أحدها: الوصايا بأجزاء بحيث لا تزيد كل وصية على ثلث المال.
والآخر- بيان الوصايا بأجزاء، وبعضها يزيد على الثلث. وهذان النوعان منه إذا لم تزد الوصايا على أجزاء المال.
ومن متضمنات الفصل وهو الثالث: ذكر الوصايا الزائدة على مقدار المال.
فأما إذا لم تزد الوصايا على المال، ولم تزد واحدةٌ منها على الثلث، ولكنها بجملتها زائدة على الثلث، فالوجه أن نذكر في مفتتح الكلام إجازةَ الوصايا بجملتها من جملة الورثة، ثم نذكر ردّ الزائد من جميعها على الثلث من جملة الورثة، ثم نخوض بعد ذلك في رد البعض للبعض مع إجازة البعض، والقول في التبعيض ينقسم أقساماً، سنشرحها إذا انتهينا إليها، إن شاء الله عز وجل.
فإن أجازوا الوصايا كلَّها، فالعمل فيها على ما تقدم في صدر الكتاب.
7310- وهذا الذي ابتدأنا ينقسم إلى ما يستغرق المال، وإلى ما ينقص عن الاستغراق، ويزيد على الثلث، فإن استغرق الوصايا المالَ، وقد أجيزت، فليس على الحاسب إلا أن يطلب مخرج أجزاء الوصايا، ويقيم سهامها.
وإن قصُرت أجزاء الوصايا عن استغراق المال، فالوجه-وقد أجاز الورثة- أن نطلب مخرج أجزاء الوصايا، ونقيم سهامَ فريضة الورثة، ونسلِّم إلى الموصى لهم وصاياهم، ثم ننظر، فإن انقسم ما فضل من فريضة الوصايا على فريضة الميراث، قسمناه، واكتفينا به، وإن انكسر، نُظر، فإن لم يكن بين ما فضل من فريضة الوصايا، وبين فريضة المواريث موافقة، ضربنا مخرج الوصية في سهام الفريضة، أو سهام الفريضة في سهام الوصية، وصحت القسمة من هذا المبلغ لا محالة.
فإن وافقت البقية سهام الميراث بجزء، أخذنا جزء الموافقة من سهام الميراث، وضربناه في مخرج الوصايا، وصحت القسمة.
7311- وإن لم يُجز الورثة ما زاد على الثلث، وردّوا بأجمعهم مقدارَ الزيادة من جميع الوصايا ردّاً شائعاً، فالوجه أن نقسم الثلث بين أهل الوصايا، على نسب أقدار وصاياهم لو أجيزت، وأصل الحساب حينئذ أن نقيم سهام الميراث، ثم نطلب عدداً يخرج منه أجزاء الوصية، ثم نجمع أجزاء الوصية من ذلك العدد ونسميها سهام الوصية، ثم نأخذ ثُلثَه أبداً للاحتياج إلى الثلث والثلثين، ونقسم سهماً من الثلاثة على سهام الوصية، وسهمين منها على سهام الميراث، فتكون سهام الوصية في المعنى كصنف انكسر عليهم سهمٌ، وكذلك تكون سهام الميراث كصنفٍ آخر انكسر عليهم سهمان، فان كان السهمان يوافقان سهام الميراث، بأن تكون سهام الميراث نصفاً-ولا يتصور الوَفْق مع الاثنين إلا بهذا الجزء- ضربنا وفق سهام الميراث في سهام الوصية، فما بلغ فاضرب مبلغه في ثلاثة، وتصح القسمتان من هذا المبلغ.
وإن لم يكن بين السهمين وبين سهام الفريضة موافقة، فإن لم يكن لسهام الميراث نصف، ضربت جميع سهام الفريضة-يعني الميراث- في سهام الوصية، فما بلغ ضربته في ثلاثة، فما بلغ فمنه تصح القسمة.
فإذا أردت-وقد فرغت من الضرب- أن تُبيّن ما يثبت لكل واحد من الموصى لهم، أخذت العدَدَ الذي ضربته في ثلاثة، فقسمته على سهام الوصية، فما خرج نصيباً للواحد فهذا أصل الضرب فيه نصيب كل واحد من سهام الوصية، فما بلغ فهو نصيبه.
فإن أردت أن تبيّن ما لكل واحدٍ من الورثة، أخذت العددَ الذي ضربته في ثلاثة، فضاعفته أبداً لمكان الثلثين، وانحصار الوصايا في الثلث، فما بلغ قسمته على سهام الورثة، فما خرج نصيباً للسهم، فهو أصلٌ نضرب فيه نصيبَ كل واحد من الورثة، فما بلغ، فهو نصيبه.
وهذا الذي ذكرناه في تعيين أقدار أنصباء الورثة هو الذي سميناه في الفرائض طريقَ العطاء، هذا الذي ذكرناه هو الأصل في الحساب.
وقد أجرى الأستاذ طرقاً مقتضبة من هذا الأصل، لو وصفناها وصفاً كلياً، لم تسلم عن إبطالٍ أو إبهام، فرأينا تأخير ذكرها إلى الأمثلة، وعندها يتضح مجموع الكلام.
7312- مثال: ميت خلَّف ثلاثةَ بنين، وأوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربع ماله، فإن أجاز الورثةُ الوصيتين، فسهام الورثة ثلاثة، ومخرج الوصية اثنا عشر، نُسقط منها الوصيتين، فهما سبعة، فالباقي خمسة لا ينقسم على سهام الورثة، ولا يوافقها، فنضرب سهام الورثة في مخرج الوصية، فتبلغ ستةً وثلاثين، منها تصح القسمة: كان للموصى له بالثلث أربعة، وهي الآن مضروبة في ثلاثة يكون له اثنا عشر، وكان للموصى له بالربع ثلاثة، وهي مضروبة في ثلاثة، فالمبلغ تسعة، وقد ذهب بالوصيتين إحدى وعشرون سهماً، يبقى خمسةَ عشرَ سهماً بين ثلاثة بنين، كان لكل واحد منهم سهم، وهو الآن مضروب في خمسة.
فإن لم يجيزوا ما زاد على الثلث، فسهام الوصية ثلاثة، وتخرج الوصية من اثني عشر، نجمع الوصيتين منها فتكون سبعة، فنسميها سهام الوصية، ثم نأخذ ثلاثة، ونقسم منها سهماً واحداً على سهام الوصية، فهي هذه السبعة، فلا تصح ولا توافق، ونقسم منها سهمين على سهام الورثة، وهي ثلاثة، فلا تصح ولا توافق، فنضرب سهام الورثة في سهام الوصية، فتبلغ أحداً وعشرين، فنضربها في الثلاثة التي هي الأصل، فتبلغ ثلاثة وستين، منها تصح القسمة، فإذا أردنا أن نعرف نصيب كل موصىً له، أخذنا العدد الذي ضربناه في ثلاثة، وهو أحدٌ وعشرون، فقسمناه على سهام الوصية، وهي سبعة، يخرج ثلاثة، فضربنا كلّ وصية فيها، وصاحب الثلث سهامه أربعة من الأصل، فنضربها في هذه الثلاثة، فتبلغ اثني عشر، فهو نصيبه، وضربنا نصيب الموصى له بالربع من سهام الوصية، وهو ثلاثة في هذه الثلاثة الخارجة من القسمة، فبلغ تسعة، فهي نصيبه.
وإن أردنا أن نبيّن حصة كل وارث أضعفنا العدد المضروب في ثلاثة، وهو أحدٌ وعشرون، فبلغ اثنين وأربعين، فقسمناها على سهام الورثة، وهي ثلاثة، خرج أربعةَ عشرَ، فهي الأصل الذي نضرب فيه نصيب كل واحد من الورثة، ولكل ابن سهم، وهو مضروب في أربعةَ عشرَ، والمردود أربعةَ عشرَ، فهو حصة كل ابن.
هذا مسلك الكلام على الأصل الذي إليه الرجوع وبه الامتحان.
7313- صورة أخرى: إن ترك ثلاثةَ بنين وأوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بسدسه. فإن أجاز الورثة، فسهام الورثة ثلاثة ومخرج الوصية ستة، يسقط منها ثلثها وسدسها بالوصية، فيبقى ثلاثة منقسمة على سهام الورثة.
وإن لم يجيزوا، أقمنا سهام الفريضة، وهي ثلاثة، ونأخذ سهام الوصيتين من ستة، فنجمع ثلثها وسدسها، فيكون ثلاثة، فهي سهام الوصية، ثم نأخذ ثلاثة، فنقسم سَهْماً منها على سهام الوصية، فلا يصحّ ولا يوافق، ونقسم سهمين منها على الورثة، فلا تصح ولا توافق، ولا نحتاج أن نضرب سهام الورثة في سهام الوصية؛ لأنهما متماثلتان، فاكتفينا بإحداهما وضربناها في الثلاثة التي جعلناها أصلاً للوصية والميراث جميعاً فبلغ تسعة، ومنها تصح القسمة: ثلثها ثلاثة للموصى لهما: لصاحب الثلث سهمان، ولصاحب السدس سهم، والباقي ستة للورثة: لكل واحد منهم سهمان.
7314- فإن ترك ثلاثةَ بنين وأوصى لرجل بربع ماله ولآخر بخُمس ماله؛ فإن أجاز الورثة، فسهام الورثة ثلاثة، ومخرج الوصية عشرون، فنسقط منها الوصية وهي تسعة، والباقي أحدَ عشرَ لا ينقسم على سهام الورثة، ولا يوافقها، فنضرب سهام الورثة في مخرج الوصية، وهو عشرون، فيبلغ ستين، فمنها تصح القسمة، ولا حاجة إلى اعتبار السهام الثلاثة؛ فإن الوصايا زائدة على الثلث وقد أجازها الورثة، فلا حاجة إلى نسبة الثلث والثلثين. ثم كان للموصى له بالربع خمسة أسهم من عشرين، فنضربها في سهام الورثة وهي ثلاثة، فيبلغ نصيبه خمسةَ عشرَ، وكان للموصى له بالربع أربعة مضروبة في ثلاثة يكون اثني عشر. هذا طريق العطاء في الإجازة؛ لأنه يتضعف كل قسط بضرب سهام الورثة في العشرين، وذهب بالوصيتين سبعةٌ وعشرون، وبقي ثلاثةٌ وثلاثون، وقد كان لكل ابن في سهام الفريضة سهم، فاضربه فيما بقي من العشرين، وهو أحدَ عشرَ، فلكل ابن أحد عشر سهماً.
وإن لم يجيزوا، فسهام الوصية كما ذكرنا تسعة، وسهام الورثة ثلاثة، ثم نعمد إلى ثلاثة للاحتياج إلى نسبة الثلث والثلثين، فلا ينقسم سهمٌ على السبعة، ولا سهمان على الثلاثة، والثلاثة داخلة في التسعة، فنضرب التسعة في ثلاثة، فيرد سبعة وعشرين نميز ثلثها تسعة: للموصى له بالربع خمسة من تسعة، وللموصى له بالخمس أربعة، والباقي وهو ثمانيةَ عشرَ بين ثلاثة بنين: لكل واحد منهم ستة.
فإن ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل. بربع ماله، ولآخر بخُمسه، ولآخر بسدسه، فإن أجاز الورثة، فسهام الفريضة ثلاثة، ونطلب عدداً تخرج منه أجزاء الوصية وهو ستون، فنأخذ منها أجزاء الوصية، ومجموعها سبعةٌ وثلاثون، والباقي منها ثلاثة وعشرون، ولا تصح على سهام الفريضة، ولا توافقها، فنضرب سهام الفريضة في مخرج الوصية، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح المسألة، ثم نقول: كان للموصى له بالربع خمسةَ عشرَ، نضربها في سهام الورثة، فيكون له خمسة وأربعون، وكان للموصى له بالخُمس اثنا عشر، نضربها في ثلاثة، فتردّ ستةً وثلاثين، وكان للموصى له بالسدس عشرة، نضربها في ثلاثة، فيكون له ثلاثون. وقد ذهب مائةٌ وأحدَ عشرَ بالوصايا، وبقي من المال تسعة وستون للورثة، وقد كان لكل واحد منهم سهم، وهو مضروب في ثلاثة وعشرين الباقية من مخرج الوصية بعد إسقاط الوصايا، فلكل واحد منهم ثلاثة وعشرون.
فإن لم يجيزوا، فأجزاء الوصية سبعةٌ وثلاثون، كما قد ذكرنا، وأجزاء الميراث ثلاثة، فالوجه ما ذكرناه من قسمة ثلاثة على المبلغين، فنقسم سهماً على سهام الوصايا، فلا ينقسم ولا يوافق، وكذلك القول في السهمين وسهام الورثة، وليس بين الثلاثة: سهام الورثة وسهام الوصية وهي السبعة والثلاثون موافقة، فنضرب ثلاثة في سبعة وثلاثين، فتبلغ مائة وأحدَ عشرَ، ثم نضرب هذا المبلغَ في ثلاثة التي بها تعديل الثلث والثلثين، فيبلغ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين، فمنها تصح القسمة، ولا حاجة إلى الامتحان.
هذا فيه إذا زادت الوصايا على الثلث، فأجازها الورثة أو ردّوها، ولم يكن في آحاد الوصايا ما تزيد على الثلث.
7315- فإن كان في آحاد الوصايا ما يزيد على الثلث، مثل أن يوصى بنصفٍ وثلثٍ، فالنصف زائد على الثلث، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن سبيل تخريج هذا النوع من المسائل كسبيل تخريج ما تقدم، فنفرض الإجازة من الورثة، ونجري قياسَ حساب الإجازة، ثم نفرض الردّ، ونقسم الثلث بين أهل الوصايا على النسبة التي اقتسموا بها ما نالهم من المال عند الإجازة.
وأبو حنيفة يقول: إذا ردّ الورثة، فالموصى له بالنصف لا يضرب إلا بالثلث، وإنما يتفاوت أصحاب الوصايا إذا كانت أجزاء وصاياهم متفاوتة بالثلث فما دونه، ولم نُعد حساب هذا القسم لمّا وجدناه على الطَّرْز الأول من غير تفاوت.
هذا كله إذا أجاز الورثة جميعَ الوصايا، أو ردوا بأجمعهم ما زاد على الثلث.
7316- فأما إن أجاز البعضُ بعض الوصايا، ورد البعض، أو أجاز بعضهم جميعَ الوصايا، أو أجاز بعضهم بعضَ الوصايا، وأجاز غيره غير تلك الوصايا، فالقياس فيه أن نصحح المسألتين إحداهما على تقدير الإجازة من الجميع للوصايا كلها، والثانية على تقدير الرد من الجميع، ثم ننظر إلى المسألتين. فإن كانتا متباينتين، ضربنا إحداهما في الأخرى، وإن كانتا متوافقتين، ضربنا وَفْق إحداهما في جميع الأخرى، فما بلغ فمنه تصح القسمة.
وإن كانتا متداخلتين، صحت القسمة من أكثرهما، ولا يتصور أن يكونا متماثلتين.
ثم كيفية القسمة على تقدير الإجازة والرد تنكشف مقترنة بضرب الأمثلة.
7317- مثال: ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بخُمسي ماله. فإن أجازت الورثة، فسهام الميراث ثلاثة، ومخرج الوصية خمسةَ عشرَ، فنلقي ثلثَها وخمسها، وذلك أحدَ عشرَ، والباقي أربعة، لا يصح على سهام الميراث، ولا يوافق، فنضرب سهامَ الفريضة في مخرج الوصية، فبلغ خمسةً وأربعين، وكان للموصى له بالثلث خمسة مضروبة في ثلاثة، فله خمسة عشر، وكان للموصى له بالخُمسين ستة، فهي له مضروبة في ثلاثة تكون ثمانيةَ عشرَ، وقد ذهب بالوصيتين ثلاثة وثلاثون سهماً، وبقي منه اثنا عشر، وكان لكل ابن من سهام الفريضة سهم، مضروب في الأربعة الباقية من مخرج الوصية، فيأخذ كلُّ واحد منهم أربعة من اثني عشر.
وإن لم يجيزوا، فالشافعي رضي الله عنه يقول: سهام الفريضة ثلاثة، ومخرج الوصية خمسةَ عشرَ، وسهام الوصية منها أحد عشر، فإذا جرينا على العمل الذي رسمناه، فقد: بلغ العدد تسعة وتسعين، فمنها تصح القسمة، وبها يعتدل الثلث والثلثان، هذا في إجازتهم جميعاً للجميع، أو في ردهم جميعاً للزيادة في الجميع.
ونحن نذكر صوراً في رد البعض وإجازة البعض، وإنما ذكرنا ما قدمناه الآن اخر، ومذهب الشافعي رضي الله عنه على مخالفة مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه.
7318- صورةٌ: رجل أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع، وخلّف ابنين، فإن أجازا، فمخرج الوصية من اثني عشر، نلقي ربعها وثلثها، وذلك سبعة والباقي خمسة للابنين، لا ينقسم ولا يوافق، فنضرب اثنين في اثني عشر، فيصير أربعة وعشرين، يصح لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة، ولكل ابن خمسة.
وإن لم يجيزوا، فطريق العمل في الرد أن نقول: سهام الوصية سبعة، وسهام الورثة اثنان، فنقسم الثلاثة على صنفين، ينكسر سهم على سهام الوصية، ولا يوافق، وينقسم السهمان على سهام الورثة، فيعود الكلام إلى كسرٍ واحد، وهو سبعة، فنضربها في الثلاثة التي بها التعديل، فيرد واحداً وعشرين، فمنها تصح القسمة.
وإن أجازا لصاحب الثلث جميع وصيته ولم يجيزا الزائد من وصيّة الربع، فالربع ثلاثة أسباع الثلث، ولصاحب الثلث تمام الثلث.
فطريق الكلام في هذه المسألة، وفي المسائل التي تترتب عليها مشتملة على جهات التبعيضات في الرد والإجازة أن يعدّ الإنسان العددَ الأقصى الذي يخرج منه جملة التبعيضات المفروضة أولاً، ثم نعلم أن المسائل تنقسم، فمنها ما لا يصح إلا من العدد الأقصى، ومنها ما يصح دونه، بعدد قريب، وليس من الوجه تخريج المسألة بعددٍ كثيرٍ، مع صحتها بعددٍ دونه.
والعدد الأقصى في هذه المسألة وأمثالها أن ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث في الرد العام من جميع الورثة في جميع الوصايا، وتلك الفريضة في هذه المسألة أحدٌ وعشرون، وننظر إلى فريضة الإجازة العامة من الجميع في الجميع، وهي أربعة وعشرون في هذه المسألة، فإن كان المبلغان متباينين، ضربنا أحدَهما في الثاني كدأبنا في كَسْرين، فإن كانا متوافقين، ضربنا وَفْق أحدهما في جميع الثاني، فهذا هو العدد الأقصى، والمسائل كيف تصرفت في التبعيضات، تخرج منه على الوجوه التي سنذكرها، إن شاء الله.
ولكن إذا جوزنا أن يخرج بعض المسائل بعددٍ أقل من العدد الأقصى، فالوجه أن نتخذ فريضةَ الرد العام معتبراً ونقول: لو قسم الرد بالفريضة من أحدٍ وعشرين، لكان لكل ابن سبعة وللوصايا سبعة: لصاحب الثلث أربعة منها، ولصاحب الربع ثلاثة.
7319- فإذا أجازا الزائدَ في الوصية بالثلث، ولم يجيزوا الزائد في الوصية بالربع، أقررنا الوصية بالربع على ثلاثة أسباع الثلث، وقد أخذ صاحب الثلث أربعة أسباع الثلث، وله بحكم إجازتها ثلاثة أسباع إلى قيمة الثلث، فنأخذ سُبعاً ونصفاً من كل ابن، فيحصل له ثلثٌ كامل، ولكن يبقى في يد كل ابن خمسةٌ ونصف، فإذا أردنا إزالة الكسر، ضربنا فريضة الرد في مخرج النصف، فردَّ اثنين وأربعين، ثم نعود فنقول: لصاحب الربع ثلاثة أسباع الثلث من هذا المبلغ، فهو ستة، ولصاحب الثلث تمام الثلث لمكان الإجازة، وهو أربعة عشر، فيبقى اثنان وعشرون، لكل ابن أحدَ عشرَ.
7320- وإن أجاز الابنان لصاحب الربع جميع وصيته، ولم يجيزا لصاحب الثلث، ما زاد على حقه من الثلث، فالرجوع إلى فريضة الرد، وهي أحدٌ وعشرون، فلصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث؛ إذ لا إجازة في حقه، ولصاحب الربع ثلاثة أسباع الثلث من غير حاجة إلى إجازة وله بحق إجازة الابنين تمامُ الربع، وربع أحدٍ وعشرين خمسةٌ وربع؛ وقد أخذ منها ثلاثة، فيبقى سهمان وربع، نأخذ نصفها من كل ابن، وهو سهم وثمن، فيبقى في يد كل ابن خمسة أسهم وسبعة أثمان، فإذا أردنا رفع الكسر، ضربنا فريضة الرد في مخرج الثمن وهو ثمانية، فيرد مائةً وثمانيةً وستين، وهذا هو العدد الأقصى، فإنك إذا ضربت سبعة وهي الوَفق لفريضة الرد في تمام لفريضة الإجازة، ردّ هذا المبلغ وهو مائة وثمانية وستون. فنقول: لصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث من هذا المبلغ، وهو اثنان وثلاثون، ولصاحب الربع الربعُ الكامل: اثنان وأربعون، ولكل ابن سبعة وأربعون.
7321- فإن أجاز أحد الابنين الوصيتين جميعاً، ولم يجز الآخر واحدةً منهما، فنرجع إلى فريضة الرد، ونقول: الثلث للوصيتين على سبعة أسهم من غير حاجة إلى فرض إجازة، فإذا أجاز أحدهما، فصاحب الثلث يأخذ من المجيز بعد أربعة الأسباع نصفَ تتمّة الثلث، وهو سهم ونصف، ويأخذ صاحبُ الربع من المجيز نصف تتمّة الربع، وهو سهم وثمن، فيكون الكسر بالنصف والثمن، فنضرب فريضة الرد في مخرج الثمن، فيرد العدد الأقصى مائة وثمانية وستين، ثم نقول: ندفع إلى الذي أجاز سهامه من فريضة الإجازة، فهي خمسة، فنضربه في ثلث فريضة الرد، يكون خمسة وثلاثين، فندفع إلى الذي لم يجز سهامه من فريضة الرد، وهي سبعة مضروبة في ثلث فريضة الإجازة، فيكون له ستة وخمسون، وهي الثلث، والباقي وهو سبعة وسبعون للموصى لهما، لصاحب الثلث أربعة أسباعها أربعةٌ وأربعون، ولصاحب الربع ثلاثة أسباعها.
وإذا عرفت أن الفريضة تصح من المبلغ الأقصى، فالمسلك الأيسر أن نقول: نُثلث هذا المبلغ، ونصرف إلى كل ابن ثلثاً، وهو ستةٌ وخمسون، ونصرف إلى الوصية ثلثاً، ثم نأخذ من المجيز من الابنين ما كان يخصه لو أجاز الابنان جميعاً، وهو نصف تمام الثلث في حق صاحب الثلث، ونصف تمام الربع في حق صاحب الربع، فيبقى في يده خمسةٌ وثلاثون، ولو أجاز صاحبُه، لكان لا يبقى له إلا خمسة وثلاثون.
وإذا بان الغرض واتضح مسلك التصحيح، فلا حرج على من يغير ويقدر.
وإن شئت قلت: هذه المسألة تخرج من فريضة الإجازة: أربعة وعشرين، فنقسمها بين الاثنين ونقدر كأن لا وصية، فلكل ابن اثنا عشر، فخذ من الذي لم يُجز ثلثَ ما في يده أربعةَ أسهم؛ لأن الثلث جائز عليه، و هذا القدر في حقه مصروف إلى الوصيتين، فيبقى معه ثمانية، وخذ من الذي أجاز ثلث ما في يده وربع ما في يده؛ فإنه أجاز الوصيتين، وذلك سبعة، فيبقى في يده خمسةُ أسهم.
فيجتمع للموصى لهما أحدَ عشرَ سهماً، يقسمانها على سبعة أسهم، فلا تصح ولا توافق، فاضرب أصل الفريضة، وهو أربعة وعشرون في سبعة، تكون مائة وثمانية وستين، ثم سبيل تعيين الحصص أن تقول: للذي لم يُجز ثمانيةٌ من أصل الفريضة مضروبة في سبعة، وذلك ستةٌ وخمسون، وللذي أجاز خمسةٌ في سبعة، وذلك خمسةٌ وثلاثون، وكان للموصى لهما أحدَ عشرَ في سبعة، والمردود سبعةٌ وسبعون، أربعةُ أسباعها لصاحب الثلث، وهو أربعة وأربعون، وثلاثة أسباعها لصاحب الربع، وهي ثلاثة وثلاثون.
7322- فإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث، وأجاز الآخر لهما، فإن أحببتَ، رجعت إلى فريضة الرد، وقلت: للوصيتين سبعةٌ من أحدٍ وعشرين، من غير حاجة إلى إجازة، ثم يأخذ صاحب الثلث ممّن أجاز الوصيتين نصفَ تمام الثلث، ويأخذ صاحب الربع منه نصفَ تمام الربع، فيحصل لصاحب الثلث من جهته سهم ونصف، ويحصل لصاحب الربع سهم وثمن، فيبقى في يده أربعة وثلاثة أثمان، ويأخذ صاحب الثلث ممّن أجاز الوصية بالثلث نصفَ تتمّة الثلث، وهو سهم ونصف، ولا يرجع إليه صاحب الربع بمزيد، فيكمل الثلث لاجتماع الإجازتين في حقه.
ويحصل لصاحب الربع أربعٌ وثمن، وإذا كان الكسر بالثمن، ضربنا فريضة الرد في ثمانية، فرد المبلغَ الأقصى، فهو مائة وثمانيةٌ وستون.
وقد يؤدي إلى ذلك أن نأخذ العمل من فريضة الإجازة، وهي أربعةٌ وعشرون، فنقول: لو لم يكن وصية لأخذ كل ابن اثني عشر، فخذ من الذي أجاز لهما ثلث ما في يده، وربع ما في يده، وذلك سبعة يبقى معه خمسة.
وخذ من الذي أجاز لصاحب الثلث ثلث ما في يده: أربعةً، وثلاثة أسباعها: سهمٌ وخمسةُ أسباع، والكسر سبعةٌ، فاضرب سبعةً في أربعة وعشرين، فيردّ المبلغَ الأقصى مائة وثمانية وستين. لمن أجاز لهما من أصل الفريضة خمسة مضروبة في سبعة، وذلك خمسة وثلاثون، وللذي أجاز لصاحب الثلث هذه أربعةٌ وأربعون؛ فإنه كان له بعد إخراج الثلث وثلاثة أسباع الثلث مما في يده ستة وسبعان، فنضربها في السبعة، فيردّ أربعة وأربعين.
7323- وإن أجاز أحدهما لصاحب الربع وحده، وأجاز الآخر لهما، فالفريضة من مائة وثمانية وستين، على الترتيب الذي ذكرناه. وأن ينظر المتصرف لطريق العمل أخذ المبلغ الأقصى، وهو مائة وثمانية وستون، وقَسْمها بين الاثنين، كأنْ لا وصية، فلكل ابن أربعةٌ وثمانون، ثم يأخذ من الذي أجاز لهما ثلثَ ما في يده، وربع ما في يده، وذلك تسعة وأربعون، يبقى معه خمسةٌ وثلاثون.
وخذ من الذي أجاز لصاحب الربع ثلث ما في يده أولاً؛ فإن هذا جائز من غير حاجة إلى الإجازة، وهذا مصروف إلى الوصيتين على نسبة الأسباع، فيبقى في يد هذا الابن ستة وخمسون؛ فإن الثلث المأخوذ ثمانية وعشرون، فيجتمع للموصى لهما سبعة وسبعون، فيقسم هذا المبلغ بينهما أسباعاً: أربعةُ أسباعها وهي أربعة وأربعون، لصاحب الثلث.
وثلاثة أسباعها لصاحب الربع، وهو ثلاثة وثلاثون، وقد بقي لصاحب الربع إلى تمام الربع سبعةُ أسهم، يأخذها من الذي أجاز له وحده، فيبقى مع الذي أجاز له وحده سبعةٌ وأربعون.
7324- فإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث وحده، ولم يجز الآخر لهما ما زاد على الثلث، فإن أحببت اتخذت فريضة الرد مرجوعَك، والثلث بينهما على سبعةٍ من غير حاجةٍ إلى إجازة: لصاحب الربع ثلاثة أسباع الثلث، ولصاحب الثلث أربعة، ولكل ابن سبعة، ثم يأخذ صاحب الثلث من المجيز منهما نصفَ تتمّة الثلث، فهو سهم ونصف، فيتطرق إلى المسألة الكسر بالنصف، فاضرب فريضة الرد، وهي أحدٌ وعشرون في اثنين، فتردّ اثنين وأربعين، فتصح القسمة من هذا المبلغ، فتصح منها المسألة.
وإن أجاز أحدهما لصاحب الربع وحده، ولم يجز الآخر لهما، فنرجع إن أردنا إلى فريضة الرد، فالثلث بينهما على سبعة من غير حاجة إلى إجازة، على النسبة التي ذكرناها، وقد بقي لصاحب الربع إلى تمام الربع درهمان وربع، يأخذ نصفها من الذي أجاز له، وذلك واحدٌ وثمن، فاضرب أحداً وعشرين في ثمانية، فترد العدَدَ الأقصى.
ووجه العمل بيّن.
7325- وإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث وحده، وأجاز الآخر لصاحب الربع وحده، فالثلث بينهما على سبعة، ولكل ابنٍ سبعة، ثم يأخذ صاحب الثلث من المجيز نصفَ تتمّة الثلث، وهو سهم ونصف. ويأخذ صاحب الربع من المجيز نصفَ قيمة الربع، وهو سهم وثمن، فإذا انتهى الكسر إلى الثمن، فالمسألة تصح من العدد الأقصى بعدُ، وصحّ التصرف في عموم الرد وعموم الإجازة وجهات التبعيض.
7326- إذا ماتت امرأة، وخلّفت زوجاً، وأماً، وأختاً من أب، فاوصت لرجل بثلثي مالها، فأجازت الأم الثلثين، وأجاز الزوج النصفَ، وردّ ما جاوز النصف، ولم تُجز الأخت أكثر من الثلث.
ففريضة الميراث من ثمانية أسهم، أصلها ستة، وقد عالت بثلثها: للزوج ثلاثة، وقد أجاز النصف، فخذ نصف ما في يده، فيبقى معه سهم ونصف، وللأم سهمان، وقد أجازت الثُّلثين، فخذ ثلثي ما في يدها، وهو سهم وثلث، بقي معها ثلثا سهم، وللأخت ثلاثة، فخذ ثلثَ ما في يدها، وهو سهم، بقي معها سهمان، واجتمع للموصى له ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فاضرب الفريضة في ستة، فترد ثمانية وأربعين: للموصى له ثلاثة وخمسة أسداس مضروبة في ستة، فيجتمع له ثلاثة وعشرون سهماً، وللزوج سهم ونصف في ستة، وهو تسعة، وللأم ثلثا سهم في ستة يكون لها أربعة أسهم، وللأخت سهمان في ستة، فلها اثنا عشر.
ومن أحاط بما ذكرناه وصورناه، لم يخف عليه طريق القياس، واتسعت عليه المسالك في اعتبار طريق الرد والإجازة.
7327-وقد بقي علينا من التراجم التي ذكرناها نوع واحد، وهو الوصية بجملة التركة مع الوصية بجزءٍ منها. والذي قدمناه في الوصية بأجزاء لا تزيد على الثلث أو تزيد على الثلث ولا تستغرق المال، ثم قسمنا هذا القسم إلى أقسام سبقت.
فلو أوصى بجميع ماله لإنسان، وأوصى بثُلثه لآخر، وأجاز الورثة الوصيتين، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن المال يقسم بين الوصيّتين على حساب العول، فجملة المال مستغرقة بصفة الوصية بالكل، والموصى له بالثلث يزحم بالثلث، فنأخذ مخرج الثلث، وهو ثلاثة ونُعِيلُها بثلثها، ونقسم المال كلَّه بين الموصى له بالجميع وبين الموصى له بالثلث أرباعاً. هذا قياس الشافعي رضي الله عنه في الباب.
ولو أوصى لرجلٍ بجميع ماله، وأوصى لآخر بربع ماله، جعلنا المال أربعة أسهم، وأَعَلْناها بربعها، فيصير المال خمسة أسهم، للموصى له بالجميع أربعة أخماسها، وللموصى له بالربع خمسها؛ ولا يخفى طريق العوْل.
ولو ردَّ الورثة الوصيتين جميعاً، قسمنا الثلث بينهما على نسبة قسمة الإجازة، فإن كان أوصى بكل المال لإنسان وبثلثه لآخر، فردّ الورثةُ الزائد فالثلث مقسوم بينهما أرباعاً: ثلاثة أرباعه للموصى له بالكل، وربعه للموصى له بالثلث. واعتبر أبو حنيفة في هذا النوع القيمة على الدعاوى، فقال: إذا كانت إحدى الوصيتين بالكل والأخرى بالثلث، فصاحب الكل يقول لصاحب الثلث: لا دعوى لك في الثلثين؛ فأستبدُّ بهما، والثلث الشائع بيننا أنت تدّعيه، وأنا أدّعيه، فنقسِّمه نصفين، ويخلص لصاحب الوصية بالكل خمسة أسداس المال، ولصاحب الوصية بالثلث سدسه، وقال: إذا رد الورثة الزائد، فالثلث مقسوم بينهما نصفين، وهذا خارج على أصله المشهور في ردّ ما يزيد على الثلث، فمن ردّ الوصيّةَ الزائدةَ على الثلث في مقدارها إذا فرضت، رد مثل هذه الوصايا.
فإذا تمهد هذا الأصل، بنينا عليه فصلاً مهمّاً متصلاً.
فصل:
7328- إذا أوصى لرجل بعبد قيمته مائة، ولآخر بثلث ذلك العبد، أو بثلث ماله، ولا مال له غيرُ العبد، فإن أجاز الورثةُ، فالعبد بينهما على أربعةٍ: للموصى له بجميعه ثلاثة أرباعه، ولصاحب الثلث رُبعُه.
وإن لم يجز الورثة، فلهما ثلث العبد بينهما على أربعة: لصاحب الكل ثلاثة أرباع الثلث، ولصاحب الثلث ربع الثلث.
وإن أجازوا نصفَ الوصيتين فسلِّم نصفَ العبد إليهما، فيقسمانه على أربعة أسهم: لصاحب الكل ثلاثة أرباع النصف، فهي ثلاثة أثمان العبد، ولصاحب الثلث ربع النصف، وهو ثمن العبد. ولا يكاد يخفى ما لم نذكره قياساً على ما ذكرناه.
7329- ولو ترك مائتي درهم والعبدَ، وقيمته مائة، وكان أوصى بجميع العبد لرجلٍ، وأوصى بثلث ماله لرجل آخر، وأجاز الورثةُ الوصيتين، فللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، ولصاحب الثلث ربعُ العبد و ثلث الدراهم وذلك ستة وستون درهماً وثلثان.
ومما يجب التنبيه له أن الوصية بالعبد وصيةٌ بمقدار الثلث، والوصية الأخرى واقعةٌ بالثلث، فظاهر الأمر يشعر أن الوصيتين وصية بالثلثين، وليس كذلك فإن الموصى له بالثلث يشيع حقه في العبد، فيصير مزاحماً للموصى له، فينقص حق الموصى له بالعبد بسبب زحمته، ولا تزاحم للموصى له بالثلث في الدراهم، فيأخذ ثلث الدراهم كَملاً عند فرض الإجازة، فيأخذ من العبد ثلثاً عائلاً وهو ربع، فيُجمَع للموصى له بالثلث من الدراهم ستة وستون وثلثان، ومن رقبة العبد خمسةٌ وعشرون، فالمجموع عنده أحدٌ وتسعون وثلثان. وينقص من حقه بسبب الزحمة ثمانية وثلث.
والموصى له بالعبد يأخذ ثلاثة أرباع العبد، وقيمتها خمسةٌ وسبعون، فينقص من حقه خمسة وعشرون، وهو مائة درهم قيمته. والسبب فيه أن حقه ينحصر في العبد، وهو مزحوم فيه، ويثبت للموصى له بالثلث ثلثُ الدراهم بلا زحمة، والمزاحمة في العبد.
7330- فإن لم يُجز الورثة ما زاد على الثلث، رددنا الوصيتين إلى الثلث لا محالة، والنظرُ الدقيق في كيفية قسمة الثلث بينهما، وهذا مقصود الفصل، وفيه وجوه من الإشكال: أحدها: أن إحدى الوصيتين لا تعدو غيرَ العبد ولا تعترض للورثة في شتى الأعيان، وإنما حقهم في الفوز بثلثي المال، فكيف يعتبر الثلث؟ وما الوجه؟
قال الفقهاء الحسّاب، ومنهم شيخنا أبو بكر الصيدلاني: نتأمل فريضة الإجازة، فنعلم أنا نحتاج إلى تربيع العبد، والعبد ثلث، فإذا جعلنا ثلثا أربعة، جعلنا كلّ ثلث أربعة، ثم إذا أردنا استكمال الحساب، وجعلنا كل ثلث مربعاً مثلَّثاً، لإمكان تعرّض الرد إلى الثلث، فنضع المسألة من اثني عشر أوّلاً، نضربها في ثلاثة، فترد علينا ستة وثلاثين، العبدُ منها اثنا عشر، فإذا أجاز الورثة الوصيتين، قلنا: للموصى له بالعبد تسعةُ أسهم، وهو ثلاثة أرباع العبد، وللموصى له بالثلث ثلاثةُ أسهم من العبد، وثلثٌ من المائتين، وقد جعلنا كلَّ مائة اثني عشر أيضاً، فتجمَّع لصاحب الثلث أحدَ عشرَ سهماً: ثلاثة من رقبة العبد، وثمانية من المائتين، فإذاً حصل لهما عشرون سهماً: تسعةٌ منها لصاحب العبد، وأحدَ عشرَ سهماً لصاحب الثلث.
7331- فإذا فرضنا ردّ الوصيتين إلى الثلث، فالوجه أن نجعل الثلث عشرين، وإذا جعلنا الثلث عشرين، جعلنا المال كلّه ستين، فالعبد منها عشرون، لصاحب الوصية بالعبد تسعةٌ منه لا غير، وللآخر ثلاثة منه، وبقي للورثة من العبد ثمانيةُ أسهم، وللموصى له بالثلث ثمانية أسهم من أربعين سهماً من المائتين، والباقي وهو اثنان وثلاثون سهماً من المائتين للورثة، فيجتمع للورثة من المائتين والعبد أربعون سهماً، وهي ضعف الوصيتين.
وهذا هو المسلك الحق المستند إلى القانون المعتبر المتفق عليه، وهو قسمة الوصايا حالةَ الرد على نسبة قسمتها حالة الإجازة.
وقد لاح وجهُ حصر صاحب حق العبد في العبد؛ فإنا قدرنا سهامه من الثلث، وهي تسعة من عشرين، فحصرناها في العبد، ثم أثبتنا حق صاحب الثلث، على القياس الواضح.
7332- وذكر الأستاذ أبو منصور هذه المسألة، وجرى في حالة الإجازة على ما قدمنا، فلا خلاف فيها، فلما انتهى إلى الردّ مال مسلكُه عن مسالك فقهائنا، ونحن نذكر ما ذكره على وجهه، ونبيِّن ما تخيله.
قال رضي الله عنه: إذا رُدّت الوصيتان إلى الثلث، فالثلث بين صاحب العبد وبين صاحب الثلث يقتسمانه بالسوية، يضرب صاحب العبد بخمسين درهماً ويأخذها من العبد، ولصاحب الثلث خمسون درهماً يأخذ مقدار ثلثها من العبد، وهو ستةَ عشرَ درهماً وثلثان، هذا ثلث الخمسين، وهو قيمة سدس العبد، ويأخذ ثلثي وصيته، وهو ثلاثة وثلاثون درهماً وثلثٌ من الدراهم، ويبقى للورثة ثلث العبد وثلثا الدراهم، وهي مائة وستة وستون درهماً وثلثا درهم، وجملة ذلك مائتا درهم، وهي ضعف الوصيتين؛ لأن الوصيتين جميعاً مائة درهم.
قال رضي الله عنه: إن شئت نسبتَ الثلث إلى الوصيتين، وخرّجت الجواب على النسبة، ومبلغ الوصيتين مائتا درهم، ومبلغ الثلث مائة، فالثلث نصف الوصايا، فنأخذ هذه النسبة ونقول: لكل واحد منهما نصفُ وصية، فيكون لصاحب العبد نصف العبد؛ فإنه أوصى له بالعبد، ولصاحب الثلث نصف ثلث العبد؛ فإنه أوصى له بثلث العبد، ونصف الثلث سدس، وله أيضاً نصف ثلث الدراهم، وذلك سدس الدراهم، فيجتمع له سدس العبد وسدس الدراهم، وهذه النسبة تجري مطردة، بلا مناقضة.
هذا كلام الأستاذ، ولا يخفى على الناظر. أنه خالف فيه المسلك الذي حكيناه عن الفقهاء؛ فإن الفقهاء نظروا إلى القسمة حالة الإجازة، فوجدوا الوصيتين قاصرتين عن الثلثين عند إجازة الورثة على تفاوتٍ، فإنا قدرناها من عشرين، ورأينا صاحب العبد يأخذ من العشرين تسعة، وصاحب الثلث يأخذ أحدَ عشرَ، فإذا كان اقتسامهما على التفاوت حالة الإجازة، وجب أن يكون اقتسامهما الثلثَ على نسبة اقتسامهما حالة الإجازة. والأستاذ رحمةُ الله عليه لم يرْعَ التفاوتَ حالة الرد، وذهب إلى أن صاحب العبد يضرب مثل ما يضرب به صاحب الثلث، وليس الأستاذ-على علو قدره في دقائق الحساب- ممّن يخفى عليه أن قسمة الرد على نسبة قسمة الإجازة، وقد ذكر هو تفاوتَ حالِ الإجازة، فلابد وأن يكون لما ذكره غورٌ في مقتضى الحساب.
والذي يلوح لنا منه أنه نقَصَ في حالة الإجازة حظَّ صاحب العبد؛ من جهة كونه مزحوماً فيه؛ إذ حقه منحصرٌ في العبد لا يتعداه، وقد صادفه فيه مزاحم، وانبسطت الزحمة على محل حقه بالثلث، واستبد صاحب الثلث بأكثرِ حقه من غير مزاحمة، والمزحوم عن حقه ليس بساقط الحق.
وبيان ذلك بالمثال أن من قتل جماعة ترتيباً، فحق الاقتصاص لأولياء القتيل الأول، وهذا حق تقديم، وإلا فحق القصاص ثابت لأولياء القتيل الثاني، وآية ذلك أن ولي القتيل الأول لو عفا، انتقل لولي القتيل الثاني حق القصاص، ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة، فالعبد إذاً موصى به لصاحب العبد، وآية ذلك أن صاحب الثلث لو ردّ الوصية بجملتها، سُلِّم العبد إلى الموصى له به، ولو رد الموصى له بالعبد الوصية، فالثلث من العبد ملكٌ للموصى له بالثلث، فليست الوصية بالثلث رجوعاً عن الوصية بالعبد، وإنما بينهما ازدحام، فكان التفاوت حالة الإجازة لقيام الازدحام، فإذا ردت الوصيتان إلى الثلث، ففي العبد مضطرب، ويبقى منه للورثة مع توفية حق الوصيتين حسماً من الثلث.
وإذا زالت الزحمة، فالوصية بالعبد وصية بمائة، والوصية بالثلث وصية بمائة، ثم كما رُدّ صاحب العبد إلى نصف العبد، ولم نردّه إلى نصف ثلاثة أرباعه، كذلك رُد الموصى له بالثلث إلى نصف الثلث كاملاً وهو السدس. فهذا المعنى أوجب الفرقان بين حالة الرد والإجازة؛ فإن علة التفاوت حالة الإجازة زالت بالرد، فصار كل واحد منهما ضارباً بما أُوصي له به لا بما يسلم له بالإجازة، والذي قدمته عن الفقهاء، وإن كان جليّاً، فهذا أغوص. ولو قلت: هو الصحيح، لم أكن مبعداً.
7333- ثم ذكر الأستاذ مسائل وأجرى فيها مسلكه هذا، ونحن نأتي بها ونجريها مرسلة حتى ننتهي إلى محل خلاف الفقهاء، فننبه حينئذ على وجه الخلاف.
ولو أوصى لرجل بعبدٍ بعينه، ولآخر بثلثه، ولثالث بسدسه، ولم يترك غيرَ العبد، فإن أجاز الورثة، جعلنا العبد ستة أسهم؛ أخذاً من المخرَج الأقصى، ثم نُعيل الستة بثلثها وسدسها. فإن أردنا، قلنا: نعيلها بنصفها، فنقسم العبد تسعة أسهم: للموصى له بجميعه ستة أسهم، وللموصى له بثُلثه سهمان، وللموصى بالسدس سهم؛ فيرجع حق الموصى له بالعبد إلى ثلثيه، ويرجع حق الموصى له بالثلث إلى تسعي العبد، ويرجع حق الموصى له بالسدس إلى تسع العبد، وترجع الحقوق على نسبةٍ واحدة.
فإذا كان الموصى له بالكل راجعاً إلى ثلثي حقه، والموصى له بالثلث أيضاً راجع إلى ثلثي الثلث؛ فإن التسعين ثلثا الثلث، فنعلم أن التسع الثابت لصاحب السدس ثلثا السدس.
هذا إذا أجاز الورثةُ الوصايا.
فإن لم يجيزوا فالثلث بينهم على تسعة: لصاحب العبد ثلثا ثلثه، ويُجعل العبد سبعة وعشرين؛ ليكون ثلثُه تسعةً، ولصاحب الثلث تُسعا الثلث سهمان من تسعة، أو سهمان من سبعةٍ وعشرين إذا نسبت إلى جميع المال، ولصاحب السدس تُسعُ الثلث، وهو سهم واحد من سبعةٍ وعشرين، ولا خلاف بين الأصحاب في هذا المقام؛ فإن الزحمة في ثلث العبد على نحو الزحمة في كله.
وإن أحببت قلت: مبلغ وصاياهم مرسلة من غير زحمة مائة وخمسون؛ فإن العبد مائة، وقد عالت الوصايا في الإجازة بمثل نصفها، والثلث ثلاثة وثلاثون وثلث، وإذا نسبت الثلث إلى الوصايا، كان مثلَ تُسعي الوصايا كلِّها.
فإذا ردت إلى الثلث، فقل لكل واحد منهم تسعا وصيته، ولا تقل لكل واحد تُسعَا ما عُلم له في الإجازة، فنقول: كان لصاحب العبد العبدُ كلُّه بالوصية المرسلة، وله الآن تسعاه، وإذا ردت الوصايا إلى الثلث، فلصاحب الثلث ثلثا وصيته، ووصيتُه ثلثُ العبد، وثلثاه تسعا ثلث العبد، فانسب كل جزء حالة الرد إلى الوصية المرسلة، فصاحب العبد وصيته العبد، فله تسعا العبد، وصاحب الثلث له ثلث العبد بالوصية، فله تسعا ثلثه عند الرد، وصاحب السدس له بالوصية سدسه الكامل أخذاً من لفظة الوصية لا بما يسلّم عند الإجازة مع الزحمة، فإذا كان له السدس بالوصية، فله تسعا سدس العبد.
7334- فإن ترك مائتي درهم سوى العبد، وأوصى لرجل بالعبد، وقيمتُه مائة، وأوصى لآخر بثلث ماله، وأوصى لآخر بسدس ماله. فإن أجاز الورثةُ الوصايا، فالعبد بين أهل الوصايا على تسعة أسهم: لصاحب العبد ثلثاه ستة، ولصاحب الثلث تسعاه سهمان، وله ثلث الدراهم أيضاً، ولصاحب السدس تُسع العبد وسدس الدراهم.
وهذه القسمة متفق عليها حالة الإجازة.
وإن لم يُجز الورثة، تضاربوا في الثلث بوصاياهم.
وعند ذلك يخالف جوابُ الأستاذ مسلكَ الفقهاء؛ فإن الفقهاء يقسّمون الثلث على التفاوت الذي وقعت عليه قسمة الإجازة، والأستاذ يقول: ذلك التفاوت كان نتيجة الزحمة، وقد زالت؛ فيضرب صاحب العبد في الثلث بكمال قيمته، وهو مائة، ويضرب صاحب الثلث بكمال ثلث المال، وهو مائة، ويضرب صاحب السدس بسدس المال على الكمال وهو خمسون، فيصير الثلث بينهم على خمسة أسهم: لصاحب العبد خمسا الثلث، ومبلغه أربعون درهماً، يأخذها من العبد؛ فإن حقه محصور فيه، وذلك خمسا العبد.
ولصاحب الثلث خمسا الثلث، وهو أربعون درهماً، يأخذ ثلث ذلك من العبد وهو ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث، ويأخذ ثلثي وصيته، وهو ستة وعشرون درهماً وثلثا درهم، من الدراهم.
ولصاحب السدس خُمس الثلث، وهو عشرون درهماً، يأخذ ثلث ذلك، وهو ستةُ دراهم وثلثا درهم من العبد، ويأخذ ثلثي العشرين من الدراهم؛ لأن العبد ثلث مال الميت، فكل من جرت له الوصية بجزءٍ شائع من المال فإنه يأخذ عند الرد ثلثَ ذلك الجزء من كل ثلث، والعبد ثلث.
وإن شئت قلت: مبلغ وصاياهم مائتان وخمسون، والثلث مائة وهي قدر خمسي الوصايا، فلكل واحد منهم خمسا ما أُوصي له به، فلصاحب العبد خمسا العبد، ولصاحب الثلث خمسا ثلث العبد وخمسا ثلث الدراهم، ولصاحب السدس خمسا سدس العبد وخمسا سدس الدراهم.
هذا طريقه المنقاس.
ومن اعتبر من فقهائنا حالة الرد بحالة الإجازة، أو مع القسمة على التقاسم المعلوم حالة الإجازة قال في هذه الصورة: نجعل كل ثلث تسعة، ثم لصاحب العبد ستة من تسعة، ولصاحب الثلث سهمان من تسعة العبد، وستة أسهم من المائتين، فيحصل له ثمانية أسهم، وللموصى له بالسدس سهم من تسعة من العبد، وثلاثة من المائتين، فلصاحب العبد ستة، ولصاحب الثلث ثمانية، ولصاحب السدس أربعة، والمجموع ثمانيةَ عشرَ، والمال سبعة وعشرون، فإذا أردنا القسمة حال الرد، نجعل الثلث ثمانية عشر، فنجعل المالَ أربعةً وخمسين، ونقسّم الثلث على التفاوت الذي ذكرناه في الإجازة.
7335- ولو أوصى بعتق عبدٍ لا مال له غيره، وأوصى لآخر بالثلث، فأجاز الورثة، ففي أئمتنا من يرى تقديم العتق على غيره من الوصايا، على ما سيأتي ذلك-إن شاء الله عز وجل- مشروحاً في موضعه، والأصح أنه لا يقدم؛ فإن المسألة مفروضةٌ في الوصية بالعتق، والوصايا لا يتفاوت ترتبها إذا لم يذكر الموصي تقديم بعضها.
فإذا فرّعنا على هذا، وهو ظاهر المذهب، فالعبد من جهة الوصية بالعتق، ومن الموصى له بثلث العبد على حساب العَوْل ينعتق ثلاثة أرباعه، ويرِق ربعه: لصاحب الثلث.
فإن لم يُجز الورثةُ الزائد على الثلث، أوقفنا ثلثي العبد لهم، وقسّمنا ثُلثه بين جهة العتق وبين الموصى له بالثلث أرباعاً، فيعتِق ثلاثةُ أرباع ثُلثه، وذلك ربع العبد، ويصرف إلى صاحب الثلث ربعُ ثُلثه، وهو نصف السدس.
ولو ترك عبدين قيمةُ كل واحد منهما مائة، وأوصى بعتق أحدهما، وأوصى لآخر بثلث ماله، فأجاز الورثة، والتفريع على أنا لا نقدم الوصية بالعتق، ينعتق ثلاثةُ أرباع العبد المعني بالعتق، ويرق ربعُه للموصى له بالثلث، ويأخذ هو أيضاً ثلثَ العبد الآخر.
وإن رأينا تقديم العتق، أعتقنا العبد المعيّن بكماله وأبطلنا فيه حقَّ الموصى له بالثلث، وللموصى له بالثلث ثلثُ العبد الآخر.
وإن لم يجز الورثة، فمبلغ الوصيتين مائة وستةٌ وستون درهماً وثلثان، وقيمة الثلث ستة وستون وثلثان، فالثلث مثل خمسي الوصيتين، فلكل واحد منهما خمسا ما أوصى له به، فيعتق خمسا العبد، وذلك أربعون، ولصاحب الثلث خمسا ثلث كل عبد، وقيمة ذلك ستة وعشرون وثلثان.
وهذا أجراه الأستاذ على طريقته، وليس يخفى التفريع على مذهب الفقهاء.
7336- ولو ترك ثلاثة أعبد، قيمةُ كل واحد مائة، وأوصى بعتق أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ماله، فأجاز الورثة، فمن لم يقدِّم العتقَ فقد عتق ثلاثة أرباع العبد الذي أوصى بعتقه، ورقَّ ربعُه لصاحب الثلث، وأخذ ذلك الإنسان أيضاً ثلث العبدين الآخرين.
وإن لم يُجيزوا، فمبلغ الوصايا مائتان، والمعنى موجَب الوصايا، لا أنّا نسلِّم ذلك حالة الإجازة، على ما نبهنا عليه فيما تقدم، فمبلغ الوصيتين مائتان: عبدٌ قيمته مائة، وثلث ثلاثة أعبد قيمة كلِّ واحد منهم مائة، فالمجموع مائتان، والثلث مائة، وهي قدر نصف الوصايا؛ فلكل واحد نصفُ وصيته، يعتق نصفُ العبد، ولصاحب الثلث نصف ثلث كل عبد، على طريقة الأستاذ.
ومسلك الفقهاء واضح في تنزيل حالة الرد على التفاوت الذي ثبت حالة الإجازة.
7337- ولو أوصى لرجل بثوبٍ قيمته مائة، وأوصى لآخر بنصف ماله، ولآخر بسدس ماله، وترك الثوبَ وخمسمائة درهم.
فإن أجاز الورثةُ، قسَّمنا الثوب على عشرة أسهم على قياس العبد: بأن نجعلَ الثوبَ ستةً، ونزيد عليها مثلَ نصفها، وسدسها، فيصير عشرةَ أسهم، يضرب منه صاحب الثوب بجميع الثوب، وهو ستة، ويضرب منه صاحب النصف بنصف الثوب وهو ثلاثة، يضرب منه صاحب السدس بالسدس وهو سهم، فيكون الثوب بينهم على عشرة أسهم: لصاحب الثوب من الثوب ستةُ أعشاره، ولصاحب النصف ثلاثة أعشاره، ولصاحب السدس عُشرُه، ثم يأخذ صاحب النصف نصفَ الدراهم، ويأخذ صاحب السدس سدسَ الدراهم.
وإن لم يجيزوا، تضاربوا في الثلث بوصاياهم، لا بأقدار حصصهم حالة الإجازة، على طريقة الأستاذ فيضرب صاحب الثوب بقيمته، وهو مائة، ويضرب فيه صاحب النصف بنصف المال وهو ثَلاثُمائة. ويضرب فيه صاحب السدس بسدس المال وهو مائة؛ فيكون الثلث بينهم على خمسة: لصاحب الثوب خُمس الثلث، وهو أربعون درهماً، يأخذه من الثوب، وهو خمساه، ولصاحب النصف ثلاثة أخماس الثلث، وهو مائةٌ وعشرون؛ فإن الثلث مائتان، فأخذ سدس ذلك من الثوب، وذلك عشرون درهماً، وهو خُمس الثوب، ويأخذ خمسةَ أسداس وصية من الدراهم، وذلك مائةُ درهم، فيكون قد أخذ من كل مائة خمسها، فيجتمع له مائةٌ وعشرون، وهي ثلاثة أخماس الثلث.
ولصاحب السدس خُمس الثلث وهو أربعون درهماً، بفضِّها على المائتين، والمالُ مع الثوب ستمائة، فنأخذ سدس ذلك، وهو ستة دراهم وثلثان من الثوب، وذلك ثلثُ خمس الثوب، ويأخذ خمسةَ أسداس وصيّة من الدراهم؛ لأن الميت جعل وصية صاحب النصف وصاحب السدس مشاعاً في جميع التركة، والثوبُ من التركة سدسها، يأخذ كل واحد منهما سدسَ وصيته من الثوب، وخمسةَ أسداسها من الدراهم؛ لأن الدراهم خمسةُ أسداس التركة، فنجعل الثوب خمسة عشر سهماً للموصى له به خمساه ستة أسهم، ولصاحب النصف خُمس الثوب ثلاثة أسهم ومائة درهم، ولصاحب السدس ثلث خمس الثوب سهم واحد، وثلاث وثمانون درهماً وثلث درهم.
وللورثة خمسة أسهم من الثوب، وهو ثلث الثوب، ولهم أيضاً ثلاثمائة وستة وستون درهماً وثلثا درهم.
7338- وإن شئت قلت على سبيل النسبة: مبلغ الوصايا خمسمائة: الثوب وقيمته مائةٌ، ونصف المال، وهو ثَلاثُمائة، وسدسه، وهو مائة، والثلث مائتان وهي خمسا الوصايا، فإذا رُدت الوصايا، فلكل واحد خمسا وصية: لصاحب الثوب خمسا الثوب، ولصاحب النصف خمسا النصف، وهو مائة وعشرون؛ فله خمس الثوب ثم له من كل مائة خمسها، أو خمسا نصف الثوب، وخمسا نصف الدراهم.
ولصاحب السدس خمسا سدس الثوب، وخمسا سدس الدراهم.
7339- ولو أوصى لرجل بعبدٍ قيمته مائة، ولآخر بدارٍ قيمتها مائتان، ولآخر بعَرْضٍ قيمته ثَلاثُمائة، ولم يترك غير ذلك، ولم يجز الورثة، فلكل واحد منهم ثلث العين التي أوصى له بها، ويدخل على كل واحد منهم من النقص بقدر ثلثي وصيته، وهذا واضح.
ولو ترك معها ستمائة درهم، فبلغ الثلث أربعمائة، وهي ثلثا الوصايا، فيأخذ كل واحد منهم ثلثي العين التي أوصى له بها.
وعلى هذه الطرق استخراج أمثال هذه المسائل، والله الموفق للصواب.
فصل:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإذا أوصى لوارث وأجنبي، فلم يجيزوا... إلى آخره".
7340- نذكر في مقدمة هذا الفصل تفصيلَ القول في الوصية للوارث على الكمال، ونبين طريقه، ونصل به فرعاً لابن الحداد، ثم نعود إلى مضمون هذا الفصل-إن شاء الله تعالى- فنقول أولاً: إذا أوصى الرجل لأجنبي بأكثرَ من ثُلثه، فالزائد على الثلث منوطٌ برأي الورثة، فإن ردّوه، ارتد، وإن أجازوه، نفذ.
ثم إجازتهم تنفيذ الوصية، أم هي منهم ابتداء عطية؟ فيه قولان، ذكرناهما في صدر الوصايا. هذا إذا كانت الوصية للأجنبي وهي زائدة على الثلث.
7341- فأما إذا أوصى لأحد ورثته، فالقول في ذلك ينقسم أقساماً قد يكون له وارث واحد، فيوصي له، أو يكون له ورثة، فيوصي لواحد منهم، أو يكون له ورثة فيوصي لجميعهم.
فإن كان له وارثان، فأوصى لأحدهما بشيء، فلا يخلو الوارث الثاني إما أن يجيز أو يرد، فإن ردّ، فلا شك في بطلان الوصية، سواء كان الثلث يحمل تلك الوصية، أو كان يضيق عليها.
فأما إذا أجاز الوارث الذي لم يوصَ له الوصيةَ، فهذا ينبني على أن الإجازة ابتداء عطية أو تنفيذ وصية، وفيه القولان.
فإن قلنا: الإجازة ابتداء عطية، يصح ذلك، كأنَّ الوارث وهب لصاحبه، فتُراعى شرائطُ الهبات.
وإن قلنا: إن الإجازة للوصية تنفيذ لها، وليس بابتداء عطية، فعلى هذا اختلف أصحابنا في الوصية للوارث: فمنهم من قال: تنفذ الوصية له؛ فإن الوصية للوارث قلّت أو كثرت كالوصية الزائدة على الثلث في حق الأجنبي، فالمرعيُّ حق الورثة. فإذا رضي من له الحق، وجب التنفيذ.
ومن أصحابنا من قال: لا تصح الوصية. للوارث، وإن أجازها الورثة. وهذا القائل يتمسك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وصية لوارث». وهذا القائل يزعم أن الوصية للوارث كالوصية للقاتل، على قولنا بإبطال الوصية للقاتل، وتلك المسألةُ عند إجازة الورثة مختلف فيها أيضاً، ولكن الأصح أنه لا تنفذ بالإجازة؛ فإنها مردودة شرعاً نازلةً منزلة أخذ القاتل الميراث، وسيأتي ذلك مشروحاً، إن شاء الله عز وجل.
وهذا القائل يحتج من طريق المعنى بأن يقول: لو كانت الوصية للوارث تنفذ لجهة الإجازة، لوجب الحكم بثبوتها في مقدار الثلث من غير حاجة إلى الإجازة؛ فإن مقدار الثلث مستحقٌّ للميت، يصرفه بالحق إلى الجهات التي يبغيها من التبرعات.
هذا كله إذا كان له وارثان، أو ورثة، فأوصى لبعضهم.
7342- فأما إذا كان له وارث واحد مستغرِق لجميع ماله، كالابن مثلاً، فأوصى له، فالقول في ذلك ينقسم: فإن أوصى له بملك شيء، فهو لغوٌ، لا معنى له؛ فإنه يستحق للكل إرثاً، فكيف يوصي له به.
وإنما يظهر أثر ذلك في الوقف، فلو وقف وله ابنٌ واحد داراً عليه، وكانت مقدار الثلث، فإن قلنا: لو كان له ابنان وأوصى لأحدهما بشيء، وأجاز الثاني، فالوصية مردود غيرُ نافذة، فعلى هذا يكون الوقف في الدار مردوداً إذا أوصى به، أو أنشأه في مرض موته، ولا معنى لإجازة الابن ذلك؛ فإنه لا يجوز وصيةً، تفريعاً على أن الوصية باطلة، لا تنفذ بالإجازة، وإن جعلنا التنفيذ ابتداء أمرٍ، فالوقف باطل أيضاً؛ فإن الإنسان لا يقف على نفسه، على المذهب المعتبر، كما سبق تقريره في كتاب الوقف.
وإن قلنا: إذا أوصى لأحد الابنين، فأجاز الثاني، تجوز الوصيةُ، وتنفذ وصيتهُ، فعلى هذا إذا وقف على ابنه الدارَ، وهي قدر الثلث، لزمت الوصية في حقه، ولا حاجة إلى تنفيذه، وإجازته، ولو أراد ردّ الوقف، لم يجد إليه سبيلاً، فإن قيل: ألسنا في الوارثين نعتبر الرضا في قدر الثلث أيضاً، فهلاّ اعتبرنا ذلك في حق الوارث الواحد، حتى نقول: ما لم يرض لا ينفذ الوقف؛ إذ في تنفيذ الوقف إزالة ملكه عن رقبة الدار؟ قال الشيخ أبو علي: إنّا اعتبرنا الرضا في الوارثَيْن من الذي لم يوصَ له؛ لأنه يقول: قد فضَّله عليّ بالوصية، فله ردُّ التفضيل وإن كان في قدر الثلث، وليس كذلك إذا كان الوارث واحداً؛ فالوصية غير زائدةٍ على الثلث، وليس فيها معنى التفضيل، فالثلث مستحق للمورِّث، والتفريع على أن الوصية جائزة على الجملة للوارث، فاقتضت هذه الأصول تنفيذَ الوصية على اللزوم في قدر الثلث. هذا ما ذكره الشيخ.
ولم أر في الطرق ما يخالفه، وليس يخلو ما ذكره من احتمال؛ فإنا إذا كنا نجوِّز عند تعدد الورثة ردَّ التصرف في الثلث للتفضيل، فلا يبعد أن نثبت للابن الواحد ردّ الوصية بالوقف لتبقى الدار مملوكةً له، وقد ظهر من قول الأصحاب أن الوصية للوارث بالثلث كالوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، فيظهر في وجه القياس أن يقال: لا ينفُذ الوقف في حق الابن الواحد وصيةً ما لم يرض به، وهذا ذكرناه احتمالاً.
7343- والذي صح عندنا النقل فيه ما رويناه عن الشيخ، فليقع التفريع على ما ذكره، ثم تصوير هذه المسألة فيه إذا نجَّز الوقف في مرض موته، وكان الابن إذ ذاك طفلاً، فقبله له، ثم مات، فحاول الابن الرد أو الإجازة.
وإن كانت الدار زائدةً على قدر الثلث، والابن واحدٌ، فلا شك أن له ردَّ الوصية في الزائد على الثلث، يعني الوقف، فأما قدر الثلث، فالكلام فيه على التفصيل الذي ذكرناه.
فأما إذا كان له وارثان، فأوصى لهما جميعاً، ولم تزد الوصايا على الثلث، فإن لم يفضِّل أحدَهما على الثاني، فلا معنى لهذه الوصية إذا كانت تمليكاً؛ فإنها عبارة عن استحقاقها على نسبةٍ يقتضيها الإرث.
وإن فضّل أحدَهما في الثلث على الثاني، فذلك الفضل هو الوصية في الحقيقة، وهو كما لو أوصى لأحدهما بزيادةٍ دون الثاني، وقد سبق الكلام فيه.
ولو وقف داراً عليهما، والدار قدرُ الثلث، فإن لم يفضّل أحدَهما على الثاني في قدر استحقاق الميراث، فإن قلنا: لا وصية لوارث، وهي مردودة شرعاً، لم يصح الوقف وصيةً، وإن صححنا الوصية، والتفريع على ما ذكره الشيخ، فيصح الوقف، ويلزم؛ فإنه في قدر الثلث ولا تفضيل فيه.
7344- ولو خلّف ابناً وبنتاً، ووقف في مرض الموت عليهما داراً، وهي قدر الثلث، وجعل الدار وقفاً عليهما نصفين، فقد فضّل؛ إذ من حق الابن أن يكون على ضعف البنت في الاستحقاق، فإن فرعنا على ما انتهى إليه كلامُ الشيخ أبي علي آخراً، فالابن لا يخلو إما أن يجيز الوصية على وجهها، فتجوز وينفذ الوقف، وإما ألا يجيزها: ويردّ الوقف، فإن ردّ ذلك، قال أصحابنا: للابن أن يقول: إذا كان النصف وقفاً عليّ، فليكن الربع وقفاً على البنت، فأرد الوقف في ربع الدار، فيصير نصفها وقفاً عليّ، وربعها وقفاً على البنت، والربع الذي عاد ملكاً يقسم بيننا: للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال الشيخ أبو علي: هذا هو الذي رأيته لمشايخ المذهب، والذي عندي في ذلك أن الابن يقول: نصف الدار وقف عليّ على حكم شرط الواقف، والنصف على حكم شرطه وقفٌ على البنت، فأردّ الوقف في السدس، وأضمُّه إلى نصف الدار، فيحصل في يدي الثلثان: وقفاً وملكاً، نصفها وقفط عليَّ، وسدسها ملكٌ لي، ولا ينتظم في تعليل الحساب غيره؛ فإنه لو أبطل الوقفَ في الربع كما ذكره الأصحاب، فالربع مع النصف ثلاثة أرباع الدار، وهذا زائد على حساب التضعيف.
فإن قيل: الربع الذي رد الوقف فيه يقسم بينهما، فيقع مقدار الوقف ثلاثة أرباع، وإن كان كذلك، فاحتكام الابن في نقض الوقف في الربع هو المستنكر؛ فإنه يستبد بالوقف بالنصف، ويحتكم في الربع، فليقتصر استبداده و تحكمه على مقدار الثلثين، وهذا يوجب أن ينقض الوقفَ في سدسٍ، ويضمَّه إلى الوقف في النصف.
وهذا الذي ذكره الشيخ منقدحٌ حسن، ولا يمكنه أن يقول: لا أنقض الوقف، ولكن أردّ السدس إلى نصفي وقفاً، حتى يكون ثلثا الدار وقفاً عليّ، فإنه لو فعل ذلك، كان مخالفاً لشرط الواقف، والوقفُ وإن كان يُنقضُ بحقٍّ، فلا سبيل إلى تبقيته مع مخالفة شرط الواقف، والواقف لم يقف عليه إلا نصف الدار.
ثم قال الشيخ أبو علي: إذا كان السدس المضموم إلى نصفه ملكاً، فربع ما في يده ملكٌ؛ إذاً، فللبنت أن تقول: أنا أجعل ربع ما في يدي ملكاً أيضاً، حتى أساوي الابن، وهذا حسن بالغ؛ فإنا لو منعنا البنت من هذا، لكُنَّا مفضلين الابن عليها؛ فإن الملك أكملُ من الوقف، وقد ذكرنا أن الوصية للوارث إذا اقتضت تفضيلاً، فيجوز لغير الموصَى له من الورثة ردُّها، فإن كانت الوصيةُ في قدر الثلث، فيخرج من ذلك أن للمرأة أن ترد الوقف في نصف سدس، وللابن أن يرد الوقف في سدس، فيعود الأمر إلى رد الوقف في الربع مع قسمة ذلك الربع بينهما: ثلثاً وثلثين، ولكن لا يتم هذا إلا بهما.
والذي ذكره المشايخ مقتضاهُ-على ما نقله الشيخ أبو علي- انفرادُ الابن بنقض الوقف في الربع، وهذا لا وجه له، وغالب ظني أن الأئمة أرادوا بنقض الوقف في الربع نقضَه إذا رضيا به، وإن أرادوا نقضه فيه على معنى أن الابن يستبد به، فهذا خطأ صريح؛ فإن نقض الوقف عليها محال، لا يصير إليه من يُعدّ من الفقهاء.
هذا بيان المقدمة في الوصية للوارث، ووجه الخلاف فيما يصح وينفذ.
7345- ونحن الآن نعود إلى مقصود الفصل مستعينين بالله عز وجل. فنقول: مضمون الفصل يدور على بيان وصية الأجنبي ووارث، مع تقدير الرد والإجازة، وهذا يستدعي مع ما قدمناه تمهيدَ أصلٍ آخر، وهو أن الوصية للأجنبي إذا وقعت على قدر الثلث من غير مزيد، فهي منفذةٌ له، وتصرف وصية الوارث بمقدار، فالوارث لا يزاحم الأجنبي في قدر الثلث، ومقدار الثلث مسلَّم للأجنبي لا يزحمه الوارث فيه. هكذا ذكره الأستاذ أبو منصور حكايةً عن ابن سريج.
فنقول على مساق ذلك: لو أوصى للأجنبي بثلث ماله، وأوصى لواحد من الورثة بجميع ماله، فأجاز الورثة الذين لم يوص لهم الوصية، فالأجنبي يفوز بالثلث الكامل لا يزاحِم الموصى له من الورثة فيه، وللوارث الموصى له الثلثان، وتفريع هذا الفصل على تصحيح الوصية للوارث، كما تفصَّل المذهب فيه.
وإن لم يُجز الورثة ما جاوز الثلث، فللأجنبي الثلث الكامل، ولا شيء للوارث الموصى له، من جهة الوصية، وله حقه في الميراث.
7346- ولو أوصى لأجنبي بنصف ماله، ولوارثٍ بجميع ماله، فأجاز الورثةُ، فللأجنبي الثلث، لا يزاحَم فيه، ويبقى له من وصيته السدس إلى تكملة النصف، فالكلام في الثلثين، والوارث الموصى له يضرب فيهما بالجميع، والأجنبي يضرب فيهما بسدس، فنجمل الثلثين، ونُثبت السدس للأجنبي عائلاً، فنقسم الثلثين على سبعة أسهم، للوارث ستة أسباعه وللأجنبي سبعُه.
وتصح الفريضة من أحدٍ وعشرين سهماً، للأجنبي الثلث أولاً، وهو سبعة وله سبع الباقي وهو سهمان، فيجتمع له تسعة أسهم، وهي ثلاثة أسباع المال، وللوارث الموصى له ستة أسباع الثلثين، وهو أربعة أسباع المال، وذلك اثنا عشر سهماً.
7347- ولو أوصى لأحد ابنيه بنصف ماله، وأوصى لأجنبي بنصف ماله، وأجاز الابنُ الذي لم يوص له الوصيتين، ورضي الابن الموصى له بحكم الحال، وموجَبِ القضية. فهذه مسألة سئل القفال رضي الله عنه عنها ببخارى، فابتدرها مجيباً، وقال: للابن الموصى له النصف، وللأجنبي النصف، فروجع في المسألة، وقيل له: المذهب خلاف ما ذكرته، قال القفال يجيب عن المسألة: فوجدت جواب ابن سريج فيها مخالفاً لما أفتيت به؛ فإن ابن سريج قال: للأجنبي النصف، وللابن الموصى له السدس والربع، وللابن المجيز نصفُ سدس يفوز به إرثاً.
ثم قال القفال: أطلت كلامي في المسألة عن جواب ابن سريج، وعنّ لي أن أخرّج المسألة على وجهين ذكرهما، وبناهما على أصله.
7348- ونحن نمهد ذلك الأصلَ، ونقدمه، ثم نبين تصرّفَ القفال فيه، ونختتم المسألة بما عندنا.
فنقول: إذا كان لرجل ابنان، فأوصى لأحدهما بنصف ماله-وكل هذه المسائل خارجةٌ على تصحيح الوصية للوارث، وعلى أن الإجازة تنفيذ- فإذا طال الكلام ورُمت مأخذه، فالوجه الاكتفاء بأصح الأقوال في الأصول، فإذا وقعت الوصية بالنصف لأحد الابنين، وأجاز الثاني فعند جميع أصحابنا في المنتهى الذي عليه نفرِّع أن النصف يفوز به الموصى له، ويقسمان النصف الثاني شطرين، وكأن النصفَ الموصى به مُخرجٌ من التركة غيرُ معتد به.
ولو أوصى لأحد الابنين بمقدار زائد على النصف، فقال: أوصيت لابني هذا بثلثَيْ مالي، فالذي ذهب إليه المحققون الجريانُ على القياس الذي قدمناه، وهو أنا نقدر الثلثين ونراهما وصيةً للموصى له، ثم إنهما يقسمان الثلثَ الثاني شطرين.
ومن أصحابنا من قال: إذا كان الموصى به أكثرَ من النصف، فليس للموصى له إلا ذلك المقدار، ويستبد الابن الذي لم يوص له بباقي المال، لا يزاحمه فيه الموصى له.
توجيه الوجهين: من قال: يفوز الموصى له بالموصى به ويشاطر أخاه في الباقي، احتج بصيغة اللفظ أولاً؛ فإن الموصي عبر عن الثلثين بالوصية، فليقعا موصىً بهما، فإذا وقعا موصىً بهما، وأجيزت الوصية، كانت الوصية لأحد الابنين بالثلثين كالوصية للأجنبي بالثلثين، فما يفضل من المال بعد الوصية تركةٌ يستويان في استحقاقه إرثاً، وقد اختص الموصى له بالقدر الموصى به، ويستشهد هذا القائل بما إذا أوصى لأحد الابنين بنصف المال، فإنه يفوز بالنصف، ثم يقتسمان النصف الآخر شطرين.
ومن تمسك بالوجه الثاني فرّق أولاً بين الوصية بالنصف وبين الوصية بالزائد عليه، فقال: يبعد أن يُحمل لفظُ الوصية بالنصف على أن ذلك القدر حقُّ الموصى له فحسب؛ فإنه يستحق هذا القدرَ بالإرث، فلو لم يثبت له إلا النصف، لأبطلنا فائدة الوصية بالكلية، فتبين لما ذكرناه حملُ الوصية بالنصف على حقيقة الوصية، ثم يبقى بعدها التساوي إرثاً في الباقي.
فأما إذا أوصى لأحد الابنين بأكثرَ مما يستحقه إرثاً له، لم يكن وصية، فيحتمل أنه قصد بذلك تخصيصَه بمزيد الزيادة، وتفضيلَه بها على أخيه، فتقع الوصية في تلك الزيادة، وإذا كان ذلك ممكناً، فالوصايا المترددة بين كثيرٍ وقليلٍ محمولةٌ على القليل، وليس كالوصية للأجنبي؛ فإنه لا استحقاق له إلا من جهة الوصية، والابن يستحق من جهة الإرث، فاتجه حمل لفظ الوصية على التفضيل بالقدر الزائد.
هذا بيان هذا الوجه.
7349- ومما يجب الإحاطة به أنه إذا أوصى لأحد بنيه بنصف المال و أجاز الثاني فالذي يجب إطلاقه في عقد المذهب أن الابن المجيز الذي لم يوص له أبطل حق إرثه في ربع المال بإجازة الوصية، والابن القابل للوصية أخذ النصف وصيةً، وليس في ذلك النصف ميراث، وكأنه استبرأ عن حقه في ذلك النصف من الميراث بالوصية، فكان في استبرائه مبطلاً حق إرث نفسه في ربعٍ بصرفه إياه إلى جهة الوصية، وهو في هذا الفقه نازل منزلة الابن المجيز في قطع حق الميراث عن نصف التركة، ويرجع الإرث إلى نصف الباقي.
7350- فإذا تبين هذا الأصلُ، بان تصرف القفال بعده، فخرَّج عليه المسألة التي ذكرناها، وهي إذا أوصى لأحد ابنيه بالنصف، وأوصى لأجنبي بالنصف، ورأى فيها جوابين:
أحدهما: ما سبق إليه مبتدراً، إذ سئل عنها، وهو أن النصف للأجنبي، والنصف للابن.
والثاني: ما حكاه عن ابن سريج وهو أن النصف للأجنبي، والسدسُ والربع للابن الموصى له، وللابن المجيز نصف السدس، فقال رحمة الله عليه: هذان الوجهان يخرّجان على الوجهين اللذين حكيناهما عن الأصحاب فيه إذا أوصى لأحد الابنين بأكثر من النصف.
وأول ما نحتاج إلى تقريره بيان تصوير هذه المسألة على الصورة التي فيها خلاف الأصحاب، فنقول: لما أوصى للأجنبي بالنصف، فالثلث يستحق له لا يزاحمه فيه الابنان، ولا حاجة فيه إلى الإجازة؛ فإنه يُستحَق من غير إجازة، فيبقى من المال الثلثان وقد أوصى لأحد الابنين بالنصف، فإذا أقررنا الثلث للأجنبي بحكم الاستحقاق، بقي الثلثان بين الابنين، فإذا فرضنا الوصية للابن بالنصف، كان النصف بالإضافة إلى الثلثين زائداً على القدر الذي يستحقه الموصى له بالإرث، فإن الذي يستحقه بالإرث ثلثٌ، ويستحق أخوه ثلثاً، فإذا وقعت الوصية، فقد صادف محل خلاف الأصحاب. فإن قلنا: الموصى به إذا أجيز أوْ رُدّ، اقتسم الابنان الباقي إرثاً، فعلى هذا النصفُ للابن والنصف للأجنبي؛ وذلك أنا إذا صرفنا إلى الابن النصفَ من الثلثين، وبقي سدس، فهو بين الموصى له وبين الابن الذي لا وصية له نصفين إرثاً، فيحصل للابن الموصى له نصفٌ بالوصية ونصف سدس بالإرث، ويحصل للابن المجيز نصف سدس بالإرث.
فإن أجازا للأجنبي، تكملة النصف، وقد أخذ الأجنبي الثلثَ، فالموصى له يجيز نصف سدس، والابن الذي لا وصية له يجيز نصف سدس، فتمّ ملك النصف للأجنبي، وقد فاز الموصى له بالنصف وصيةً، فاستند الجواب الذي لم يقرره القفال على هذا الأصل تخريجاً على هذا الوجه، وهو أصح الوجهين.
فإن حكمنا بأن الموصى له بأكثر من حصته من الإرث لا حق له في الباقي، فعلى هذا يبقى للابن الذي لا وصية له سدسٌ، لا حظ فيه للابن الموصى له، والأجنبي يحتاج إلى سدس إلى تمام النصف، فإذا أجاز الموصى له هذه الزيادة في حق الأجنبي، وأجازها الابن الذي لا وصية له، فيُخرج كلُّ واحد منهما نصف سدس مما خلص له، فينتقص نصف الموصى له بنصف سدس لإجازته الأجنبي، ويُخرج الابنُ الذي لا وصية له نصفَ سدس، فيتم النصفُ للأجنبي، ويبقى للموصى له سدسٌ وربع، والذي لا وصية له نصف سدس. هذا وجه خروج جواب ابن سريج، فانتظم وجهان مستندان إلى وجهي الأصحاب، وقد انتهى كلامُ القفال، تصرّفُه في هذه المسألة.
7351- ونحن نقول وراء ذلك: ليس ينقدح عندنا في المسألة جواب إلا صرف النصف إلى الابن الموصى له، وصرف النصف إلى الأجنبي. هذا هو المسلك القويم، وما عداه احتيالٌ لا حقيقة له.
والذي يقرّر الحقَّ في ذلك أنّا إن فرعنا على أن الموصى له من الابنين يفوز بالوصية، ويشارك في الباقي، فقد لاح أن للابن الموصى له النصفَ على هذا الوجه، فلا حاجة إلى إجازته.
وإذا فرعنا على الوجه الثاني، فعليه خرّج القفال وجهَ ابن سريج، كما بيّنه الآن، ولا خروج له عندي؛ فإنا على ذلك الوجه نقول: يفوز الابن الموصى له بالمقدار الموصى به، فيبقى السدس حقاً للابن الذي لا وصية له، فلا حاجة إلى إجازة الابن الموصى له، وإنما ترتبط الإجازة في حق الأجنبي بالابن الذي لا وصية له، ولا أثر لرد الموصَى له؛ فإنه لا يستحق من التركة إلا النصفَ الذي أخذه من جهة الوصية، ولا إجازة من الوصية، فإذا قال الابن الذي لا وصية له: أجزت وصية أبي كما قال، فقد أسقط جميعَ حقه من المال، فانصرف السدس إلى تكملة نصف الأجنبي على الخصوص، ولا حاجة إلى إجازة الموصى له.
وإذا نظر الناظر إلى وصيةٍ لشخصٍ مع طيب نفس من لا وصية له، فخروجه من التركة في موافقة أبيه، فكيف نطوّقه نصفَ سدس وهو لا يبغيه؟ والوصيتان مستغرقتان للتركة، فالوجه إذاً القطعُ بما أجاب به القفال أوَّلاً.
ولو أوصى لأحد ابنيه بنصف ماله، وأوصى لأجنبي بنصف ماله، وأوصى لأجنبي آخر بثلث ماله، فأجاز الابنان ورضيا؟
موجبُ القضية في سبيل الجواب أن نقول:
نقدّر للأجنبيين الثلث، ولا نتعرض معه لكيفية قسمته عليهما، حتى يستتم ما يحصل لهما.
ونعود فنقول: قد خرج الثلث من غير حاجة إلى الإجازة، ومجموع وصيتي الأجنبيين خمسةُ أسداس المال، وقد خرج من غير حاجة إلى الإجازة الثلثُ، فيبقى نصف المال موصى به بين الأجنبيين، ولسنا نتعرض لكيفية وقوع ذلك النصف بينهما، حتى نتبين الغرض آخراً، فقد بقي الثلثان من التركة، والأجنبيَّان يضربان فيهما بالنصف، والابن الموصى له بالنصف يضرب في الثلثين بالنصف، فإذا استوى ما يضربان به جُزئيةً وقدراً، اقتضى ذلك جعلَ الثلثين بين الابن الموصى له بالنصف، وبين الأجنبيين نصفين، فيقع الثلث للابن الموصى له، ويصرف الثلث إلى جهة الأجنبيّين، فيحصل لهما ثلثان، الثلث الأول من غير إجازة، والثلث الثاني بالمضارَبة بعد وقوع الإجازة، ثم نقول: يُقسَّمُ الثلثان بين الأجنبيّين أخماساً؛ فإن وصية أحدهما النصف، ووصية الثاني الثلث، فالقسمة على هذه الجزئية توجب نسبة الأخماس، فللموصى له بالنصف ثلاثة أخماس الثلثين، وللموصى له بالثلث خمسا الثلثين.
وللابن الموصى له بالنصف الثلث، وسبب نقصان حقه عن المبلغ الذي أخذه الأجنبي الموصى له بالنصف أنه استبد بأجزاء من الثلث الذي لا يزاحَم الأجنبي فيه، وانحصر حقُّ الابن الموصى له في الثلثين، ثم اقتضى التضارب بينهم النصفَ له: نصفَ الثلثين.
هذا هو الحق، وليس يسوغ الالتفات على ما فرعنا عليه نقلاً عن القفال؛ فإن ذلك الوجهَ، لم ينتظم، ولم نجد له فائدة، فلا ينبغي أن يشغل الفقيه نفسه بالتعرض لمثله، على أن ذلك إنما تخيله الحذاق؛ من جهة أنه يبقى للابن المجيز شيء، فتخيلوا معنى تفضيل الموصَى له، واعتقدوا صرف الوصية إلى قدر التفضيل، والابن المجيز في هذه المسألة لا يسلم له شيء؛ فإن الوصايا عائلة زائدة على أجزاء المال.
هذا إذا أجاز الابنان للأجنبيين.
7352- فأما إذا قال الابن الذي لا وصية له: أجزت ما فعل أبي، وقال الابن الموصى له: رددتُ أنا ما يتعلق بي من الوصية الزائدة على الثلث للأجنبيين، فقد قال الأستاذ: سبيل الجواب أن نقول: أما الثلث، فإنه مصروف إلى الأجنبيين من غير احتياج إلى إجازة، فيبقى الثلثان، ونقسم المسألة من ستة، ونقول فيها: لهما سهمان من ستة، كما سنبين القسمة بينهما، ثم نقدر سهمين في يد الموصى له، وسهمين في يد المجيز، ثم يفوز الموصى له بسهميه، فيبقى السهمان في يد المجيز، فيزدحم فيهما الابن الموصى له والأجنبيان على نسبةٍ واحدة، فيصرف نصفه وهو سهم إلى الابن الموصى له، ونصفه إلى الأجنبيين.
وبيان ذلك أن الأجنبيين كانا يضربان بالنصف، وهو سهم إلى الابن الموصى له والابنُ الموصى له والأجنبيان على نسبة واحدة، فيصرف نصفه، وهو سهم إلى الابن الموصى له، ونصفه إلى الأجنبي.
وبيان ذلك أن الأجنبيين كانا يضربان بالنصف بعد إقرار الثلث، وضربهما بسدس من كل واحد من الثلثين الباقيين، ثم إن الابن الموصى له لما ردّ ما يتعلق به، فقد رجع إلى حق الإرث في ثلث المال، فكأنه قطع عن هذا الثلث ضربَ الأجنبي، وقطع عنه أيضاً حكمَ الوصية في حق نفسه، واكتفى في هذا الثلث بجهة الإرث، فانقطع عن هذا الثلث حق الوصايا كلها، وبقي الأجنبيان على نسبة النصف في الثلث الباقي، وبقي الابن الموصى له على مثل تلك النسبة في ذلك الثلث؛ فإن نصفي الجهتين ثبتا على قضية واحدة، ثم انقطعت الجهتان عن أحد الثلثين على نسبة واحدة، فبقي التضارب في الثلث الباقي على نسبة واحدة.
7353- هذا بيان مسائل الباب، وما مرت من مسائل الكتاب أعوصُ وأغمضُ منها، وسبب ذلك عسر تصوير الوصية للوارث؛ فإنه يستحق بجهة الإرث، فإذا صححنا له الوصية أُحوجنا إلى الوصية لمالكٍ في بعض ما أُوصي له، وحق الإرث قهري، والوصية نحلة، فاعتاصت مسائل الباب؛ لأنها استحدثت قضيةً في الوصايا، لا عهد بها.
7354- ومما نختم الفصلَ به أنَّا حكينا عن الأصحاب أن الوصية للوارث والأجنبي إذا ثبتت، فالأجنبي مقدّمٌ بحقه: مقدارِ الثلث، والورثةُ لا يزاحِمون فيه؛ فإن الثلث محل حق الأجانب، وإنما تُفرض الزحمة من الوارث والأجنبي في الوصية الواقعة وراء الثلث. هذا هو الأصل، وعليه تفريع المسائل، وتعليله واضح.
7355- فلو أوصى بثلث ماله لأجنبي ووارث، ثم ردّ الورثة الوصيةَ للوارث، فالسدس للأجنبي؛ فإن الموصي لم يوصِ له إلا بالسدس، لمّا جعل الثلث بينه وبين الوارث.
ونُقل أن أبا حنيفة صرف الثلث بكماله إلى الأجنبي في هذه الصورة، وهذا مذهب سخيف؛ من جهة أن صيغة الوصية في وضعها لم تقتضِ للأجنبي إلا نصفَ الثلث، فلئن بطلت الوصية في حق الوارث في مقدارٍ من الثلث، فإثبات الزيادة للأجنبي على ما يقتضيه لفظ الموصي بحاله.
7356- ولو أوصى لأجنبي بثلث ماله، وأوصى لأحد الورثة بثلث ماله، ورد الورثةُ الوصيةَ للوارث، فتبقَى الوصيةُ بالثلث في حق الأجنبي.
ولو كانت المسألة بحالها ببيان الورثة بردّ الوصيتين إلى الثلث، ثم يبطل حق الوارث، فيبقى للأجنبي السدس، كان ذلك محالاً منهم؛ لأن الوصية وقعت بالثلث للأجنبي، فلا حطيطة في حقه من الثلث قط. وأيضاً، فإن الورثة إذا أرادوا ردّ وصية الوارث فكيف يقدرونه مزاحماً لا حق له.
ولو قالوا: نرد الوصيتين إلى الثلث، فيكون الثلث بين الوارث وبين الأجنبي، قيل: لا سبيل إلى ذلك؛ فإن الأجنبي لا ينقص من الثلث، فإن الوصية وقعت في حقه بالثلث.
هذا قانون الباب.
7357- وقد حكى الصيدلانيُّ مسألةً وفيها وجهٌ عن القفال أخرت حكايته، لأنه ليس معتداً به، وهو من الهفوات، ولولا الثقة بنقله، وعلو قدر المنقول عنه، لما استجزت نقلَه:
فنذكر تلك المسألة، قال: إذا أوصى لأجنبي بثلث ماله وأوصى لكل واحد من ابنيه بثلث ماله، فأجاز كل واحد من الابنين لصاحبه، ولم يجيزا للأجنبي.
فالمذهب المبتوت أن الأجنبي يستحق ثلثَ المال، ولا معنى لقولهما: "لا نجيز للأجنبي "؛ فإن الثلث مستحق للأجنبي، لا حاجة فيه إلى الإجازة، ولا أثر فيه للرد كما قدمناه.
وحكى عن القفال وجهاً ثانياً أن للأجنبي ثلث أسهل الثلث؛ فإن ثلثه كان شائعاً في أثلاث المال، وإذا ردّ الابنان حقَّه عن ثلثيهما، فقد سقط ثلثا الثلث. وهذا ليس بشيء، وهو خرمٌ للقاعدة التي أجمع الأصحاب عليها. وإذا لم يكن للوارث أن ينقص حق الأجنبي في الثلث، حيث لا وصية للوارث، فكيف ينتظم من الابنين أن ينقصا ثلثه بأن فرضت لهما وصية. ثم لا حاصل للوصية بمقدار الإرث؛ إذْ لكل واحد من الابنين الثلث، فالوصية بالثلث المستحق بالإرث لا حاصل له.
هذا تمام المراد في ذلك.
فرع متعلق بالوصية للوارث:
7358- إذا وقف الرجل داراً لا يملك غيرها على ابنه وابنته لا يرثه غيرُهما، فقد مضى هذا في فرع ابن الحداد، ولكنا رسمنا هذا الفرع لمزيد معنى، فلو ردّا الوقفَ في الزائد على الثلث، ارتد الوقفُ بردهما في الثلثين، وبقي الوقف في مقدار الثلث. ثم الثلثان يقسمانها للذكر مثل حظ الأثثيين، ويبقى الثلث موقوفاً بينهما، والوقف لازمٌ فيه، تفريعاً على الأصل الذي فرعنا عليه مسألةَ ابن الحداد.
فإن قيل: إن كان الوقف في ثلث الدار بينهما نصفين، فهذا خلاف ما يقتضيه وضع القسمة؛ فإن حق الذكر ضعفُ حق الأنثيين، فهذا الساري تفاضلٌ في الحقيقة بالإضافة إلى حق الذكر والأنثى في الميراث، وقد ذكرنا أن الأب لو أراد أن يفضّل بعضَ ورثته على بعض في الثلث الذي هو محل تصرفه، لم يكن له ذلك على المذهب.
فإن قلنا: الوقف في الثلث بينهما على التفاوت، كان ذلك على خلاف شرط الواقف، فإن موجبَ شرطه التسويةُ بينهما، فإن رُدَّ الوقف في مقدار لحق الورثة في الملك، فتغييّر شرط الواقف في المقدار الذي يصح الوقف فيه محال. قلنا: الشرط أولاً أن الوقف على التفاوت، ووجه الجواب عما ذكره القائل من خروج الوقف عن شرط الواقف أنا نقدّ الثلثين مثلاً في جانب الابن، والثلث في جانبها، ثم الابن نقضَ الوقف في ثلثي حصته، ونفرض نقْضَ ثلثي حصتها، فيبقى ثلث حصتها، وهو تسع، ويبقى ثلث حصته وهو تسعان.
وإن أحببت قلت: نقدر الدار في يد كل واحد منهما على حكم الوقف المرسل، ثم الابن يسترد سدسها؛ حتى يكون في يده ضعف ما في يدها. ثم الذي يسترده لا يبقى وقفاً، ثم يزداد في نقض الوقف حتى يرجع إلى ما ذكرناه.
فرع:
7359- إذا خلف رجل ورثةً وأعيانَ أموال، فأوصى لكل واحد منهم بعينٍ من أعيان ماله، وكانت قيمة تلك العين على قدر حصة ذلك الشخص الذي عيّن له تلك العين، فلم يفضِّل في أقدار المالية، وإنما خصص كلاً بعينٍ.
مثل أن يخلف بنين وأعبداً قيمهم متساوية، وأوصى لكل واحد من بنيه بعبد معيّن.
فقد اختلف أئمتنا في ذلك على وجهين. قال قائلون: ينفُذُ ذلك، وليس لبعضهم أن يبطل التعيين على البعض؛ فإن حقوقهم في المقادير لا في الأعيان، بدليل أنه لو باع داراً منه في مرض موته بثمن مثلها، لم يُنقض ذلك عليه، ولم يكن تعيين الدار له بالبيع وصية.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك وصية وللبعض أن يبطل على البعض؛ فإن للناس في الأعيان أغراضاً واضحة، فلا يجوز إبطالها بطريق الشرع، وليس كالبيع؛ فإنه عقدٌ لازم، فإذا خلا عن المحاباة، نفذ البيع لوضعه في أصل الشرع.
فصل:
قال: "ويجوز الوصية لما في البطن وبما في البطن... إلى آخره".
7360- هذا الفصل مشتمل على مقصودين:
أحدهما: الوصية للحمل، والثاني: الوصية بالحمل.
فأما الوصية للحمل، فإنها جائزٌ بشرطين:
أحدهما: أن ينفصل الحمل حيّاً، ويكون بحيث تصح الوصية لمثله حالة الانفصال، ولو انفصل ميتاً، فلا وصية، ولا يُقضَى بأنها صحت وبطلت، بل نتبين أنها لم تصح، ولا فرق بين أن ينفصل ميتاً بإجهاض من غير جناية، وبين أن ينفصل بجناية جانٍ، وإنما ذكرنا هذا على وضوحه؛ لأنا قد نقيم الولد المنفصل بالجناية مقام الولد المنفصل حياً في قاعدة الغرور؛ فإن المغرور لا يغرم قيمة الولد إذا انفصل ميتاً، ويغرَم قيمته إذا انفصل حياً، وإذا انفصل بجناية يقوَّم ويرجع عليه، على تفصيلٍ طويل سيأتي، إن شاء الله عز وجل في كتاب النكاح.
فأحببنا أن نقطع وهم من يظن أنا نفصل بين السقوط بالجناية، وبين السقوط من غير جناية، كصنعنا في الغرور؛ فإن هذا الأصلَ وهو الوصية مداره على استيقان حياة الموصى له. وهذا المعنى يفوت بانفصال الجنين ميتاً، سواء انفصل بجناية أو غيرها.
هذا أحد الشرطين.
7361- والشرط الثاني أن يكون العلوق بالولد الموصى له متحققاً حالة الوصية، فإذا أوصى لحملٍ بشيء، فأتت المرأة به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، فقد استيقنا وجودَ الحمل حالة الوصية.
ولا ينبغي للفقيه أن يصرف فكره إلى اشتراط كون الحمل حياً حالة الوصية؛ فإن هذا لا مطلع عليه والحملُ جنين، فيكفي وجود العلوق حالة الوصية، وتحقق الحياة حالة الانفصال.
ولو أتت المرأة بالولد لأكثر من أربع سنين من وقت الوصية، فلا شك في بطلان الوصية؛ فإنه أوصى للحمل الكائن، وقد تحقق أنه لم يكن حالة الوصية حملٌ.
ولو أتت بالولد لأقلَّ من أربع سنين، وأكثر من ستة أشهر، نُظر: فإن كانت المرأة تحت زوج يُظن أنه يغشاها، فلا تصح الوصية لجواز أنها علقت بعد الوصية بوطء الزوج إياها.
ولو لم تكن ذات زوج، فأتت بولدٍ لأكثرَ من ستة أشهر، فهل تصح الوصية له؟
فعلى وجهين مشهورين:
أحدهما: أن الوصية لا تصح لجواز حدوث العلوق بعد الوصية بوطء شبهة، أو سفاح.
والوجه الثاني- أن الوصية تصح؛ إذ لا سبب يستند إليه تجدد الوطء وتقدير وطء الشبهة والزنا بعيد، ودوام الحمل أكثر من ستة أشهر غالبٌ غيرُ نادر؛ فإن الوضع على الستة والسبعة من النوادر التي تذكر.
هذا تأسيس الكلام.
ولو قال للحامل: أوصيت لحملك من فلانٍ بكذا، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، ولمدة يقتضي الشرع التحاقه بمن نسبه إليه، استحق الوصية إذا انفصل حياً، حتى لو كان طلقها، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأكثر من ستة أشهر من وقت الطلاق، وأقلّ من أربع سنين، فالولد يلحق والوصية تثبت.
فإن قيل: ذكرتم أن الوصية لا تثبت ما لم تستند إلى تعيين، وثبوت النسب.
وثبوتُ النسب في الصورة التي ذكرتموها ليس مستيقناً.
قلنا: أولاً تحقق الوجود، فلا طريق لثبوت النسب إلا ظاهرُ الإمكان، مع تقدم الفراش، فيحمل قوله في النسب على الممكن فيه.
ولو أتت بالولد لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الفراق، لما كان النسب مقطوعاً به حسّاً؛ فإن كون الحمل من رجل معين غيبٌ لا اطلاع عليه، ولكن يكفي ويكون النسب محكوماً به. نعم، لو أتت بالحمل لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأكثرَ من وقت الطلاق حيّاً، ولأقل من أربع سنين من الوصية والطلاق، فالنسب يثبت، والوصية لا تثبت؛ فإن ثبوت النسب يعتمد الإمكان و قد تحقق وثبوت الوصية يستدعي استيقان الوجود حالة العقد، وهذا المعنى لم يتحقق.
هذا أصح الوجهين.
ومن أئمتنا من أثبت الوصية إذا لم تكن ذات زوج، ولم يبنِ الأمرَ على تقدير وطء شبهة أو سفاح، على ما قدمنا ذكره.
ثم ذكر صاحب التقريب مسائل فيه.
مسائل في الوصية للحمل
7362- منها: أنه لو قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة بكذا، فخرج اثنان حيان، فالوصية لهما جميعاً.
ولو خرج أحدهما حيّاً والآخر ميتاً، فجميع الوصية للحي، ويجعل كأن الميت لم يكن، ولا نقول: إن الوصية تتقسط على الولدين، ثم تبطل حصة الميت، وليس كما لو أوصى لحي وميت ابتداء، فإنا قد نسقط قسطاً من الوصية، على ما سيأتي ذلك مشروحاً من بعدُ، إن شاء الله عز وجل.
هذا ما ذكره صاحب التقريب، ووجهه أن الميت غيرُ معتد به في الحمل، وكأنه عَلقَة أو مُضغة، ولا حمل إلا الحي، وليس يخلو ما ذكره عن كلام؛ فإنه لو أوصى لحمل امرأة، فانفصل ميتاً، فقيل: الوصية باطلة كما إذا ابتدأ، فأوصى لميت، والميت حمل، فلا تصح الوصية له، فلا يبعد عن القياس أن نقول: لو نيطت الوصية بالحمل وهو حي وميت، فليبطل قسطٌ منها يقابل الميت.
7363- ومما ذكره صاحب التقريب أنه لو قال: إن كان حملك غلاماً، فقد أوصيت له بألف، فأتت بغلامين، فلا شيء لواحد منهما؛ فإن حملها عبارة عن جميع ما يحتوي عليه رحمها، فقد بان أن حملها لم يكن غلاماً، بل كان غلامين. وكذلك لو أتت بغلام وجارية.
7364-ومثله لو قال: إن كان في بطنك غلام، فقد أوصيت له بألف، فخرج غلام وجارية، صح الألف للغلام؛ فإنه كان في بطنها غلام، ومثله لو خرج غلامان، فالوصية ثابتة، ثم ذكر قولين بعد الحكم بثبوت الوصية:
أحدهما: أن الخيرة في ذلك إلى الوارث يصرف الألف إلى أي الغلامين شاء، ولا سبيل إلى التشريك؛ فإنه ما أوصى لجميع الحمل، بل أوصى لغلام في البطن، والوارث ينزل منزلة الموروث في التعيين.
هذا قولٌ.
والقول الثاني- أنه لا خيار للورثة في ذلك، ثم على هذا القول قولان:
أحدهما: أن الموصى به مقسوم على الغلامين نصفين، إذ ليس أحدهما أولى من الثاني، واسم الغلام يتناول كلَّ واحد منهما. وقد ثبتت الوصية، والقول الثاني- أنه مالٌ مشاعٌ بينهما، يدّعيه كل واحد منهما، فهو موقوف إلى أن يصطلحا.
وهذا يضاهي مسألة ستأتي في نكاح المشركات، وهي أن الكافر لو أسلم عن ثمانٍ، وأسلمن معه، ولم يتفق أن يختار أربعاً منهن، فإذا مات قبل الاختيار، فظاهر المذهب أنه يوقف بينهن ميراث زوجة إلى أن يصطلحن.
وفي المسألة قولٌ آخر حكاه صاحب التقريب: أن الميراث مفضوضٌ عليهن بالسوية؛ إذ ليس إحداهن أولى به من صواحباتها. وليس هذا كالطلاق المبهم، على ما سيأتي مشروحاً، إن شاء الله عز وجل.
7365- ولو قال الرجل: أوصيت لأحد هذين الرجلين بألفٍ، وأشار إلى زيد وعمرو، ثم توفي قبل التعيين.
قال صاحب التقريب: هذه المسألة كمسألة الحمل، وقد قال: إن كان في بطنك غلام، فقد أوصيت له بألف، فانفصل غلامان، ووجه التشبيه بيّن، وقد ينقدح للفقيه فرقٌ بينهما؛ فإن قوله: أوصيت لأحدكما تنصيصٌ منه على تخصيص أحدهما بالاستحقاق، وحرمان الثاني، فيبعد قول الاشتراك في هذه المسألة، ويجرى قولُ تعيين الوارث، وقول الوقف بينهما.
وإذا قال: إذا كان في بطنك غلام، أمكن أن يُتخيّل من لفظه صرف الوصية إلى جنس الغلامين؛ إذ ليس في لفظه نفيٌ وإثبات بين غلامين، ومسألة نكاح المشركات بالوصية لأحد الرجلين أشبه؛ فإن الزوجية لا يفرض شيوعها في ثمانٍ، على ما سنصف ذلك في موضعه، إن شاء الله عز وجل.
7366- ولو أوصى بشيء لحمل امرأة من زيد، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، فظاهر الإمكان يلتحق فيه بزيد، لكن زيداً نفاه باللعان، فقد حكى العراقيون والشيخ أبو علي في ذلك وجهين:
أحدهما: أن الوصية لا تثبت؛ فإن النسب من زيد قد انتفى، وشرط ثبوت الوصية ثبوتُ النسب من زيد.
والوجه الثاني- حكاه العراقيون عن أبي إسحاق المروزي: إن الوصية تثبت، وإن انتفى النسب باللعان؛ فإنه يثبت ظاهراً للإمكان، وهو يعتمد للنسب، فإن نفينا النسب-لضرورةٍ داعية- باللعان، فلا ينقطع الإمكان المعتبر في باب الوصية، حكَوْا ذلك، وزيفوه وعدّوه من غلطاته.
7367- ولم يتناه الشيخ في تزييف ذلك، وبنى عليه مسألة أخرى، تتعلق بأحكام النسب، فقال: لو أتت امرأةُ الرجل بولدين توأمين من بطن واحدٍ، فنفاهما الزوج باللعان، فلا شك أنهما يتوارثان بقرابة الأم، فإنهما يُنسبان إلى الأم، وإن كانت زانيةً، فهما إذاً أخوان من الأم، وهل يثبت بينهما أخوة الأب حتى يقال: إنهما أخوان من أبٍ وأمٍّ؟
ذكر الشيخ وجهين مأخوذين من المأخذ الذي ذكرناه في الوصية:
أحدهما: أن الأخوّة من الأب لا تثبت بينهما؛ لأن الأبوة لم تثبت، بل انتفت. والأخوة من الأب متفرعة على الأبوة.
والوجه الثاني- أنه تثبت بينهما أخوة الأب؛ تعويلاً على الإمكان، وقيام الفراش، وكأن هذا القائل يزعم أن أثر اللعان في النفي يختص بالملاعِن؛ فإن اللعان حجةُ خصوص.
وهذا لا حاصل له، وهو من خيالات الاحتجاج.
فإن قيل: هلا تردد الأصحاب في أن الرجل إذا قذف امرأته بأجنبي، والْتعن فلا يندفع عنه الحد؛ من جهة أن اللعان يختص بالنكاح ولا يتعلق بالأجنبي؟ قلنا: هذا مما يتوجه به أحد الوجهين، ثم الأصحاب عدّوا ذكر الأجنبي من الضرورة، على ما قررناه في مسائل اللعان.
7368- ومما ذكره الشيخ أبو علي رحمة الله عليه في شرح الفروع أنه لو أوصى لحمل امرأة، فأتت بولد لدون ستة أشهر من وقت الوصية، ثم أتت بولدٍ آخر لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأقل من ستة أشهر من الولادة، فالوصية مصروفةٌ إلى الولدين جميعاً؛ فإنا تبيّنا أنهما حملٌ واحد؛ تحققنا الوجود بانفصال الولد الأول دون ستة أشهر، وتحققنا من وجود الثاني لانفصاله بعد الأول لدون ستة أشهر فانتظم من مجموع ذلك أنا استيقنا وجودهما جميعاً حال الوصية.
وهذا ظاهر لا إشكال فيه.
وقد انتهى تفصيل القول في الوصية للحمل.
7369-ونحن الآن نذكر الوصية بالحمل فنقول: الوصية بالحمل جائزة إذا تحقق وجوده حالة الوصية، بان تأتي الأم به لأقلّ من ستة أشهر من وقت الوصية.
فإن كانت الوصية بحمل بهيمة، فالرجوع فيها إلى أهل الخبرة، فإن زعموا أنه لم يحدث علوق بعد الوصية، فالحمل موصىً به إذا انفصل.
وليس عندنا في حمل البهائم ضبط في الأوقات يُرجَع إليه، على حسب ما ذكرناه في بنات آدم؛ فإن العلماء اعتنَوْا بتتبع أوقات الحمل في النسوة، وأحاطوا بالأكثر والأقل، وحكَّموا الوجودَ في ذلك تحكيمهم إياه في أقل الحيض وأكثره، وأوقاتُ الحمل في البهائم تختلف باختلاف أجناسها، فليقع الرجوع إلى أهل الخبرة، فإن قطعوا بطريان الحمل، فلا وصية، وإن قطعوا بوجوده، أثبتنا الوصية.
فإن كان قَرُبَ الزمان، فترددوا، فلم يُبعدوا طريان الحمل بعد الوصية، أبطلناها.
ومما يختص بهذا الطرف أنه لو أوصى لإنسان بحمل جارية منكوحة، فلو انفصل الحمل ميتاً، فلا أثر للوصية، ولو انفصل بجناية جانٍ وألزمناه ما يلزم في الأجنة المملوكة فالوصية ثابتة، وما أُلزمه الجاني مصروف إلى الموصى له، وليس كما إذا كان الحمل موصىً له، ثم انفصل ميتاً بجناية جانٍ؛ فإنا لم نصادف للموصى له حياة، فوقعت الوصية لمن لم نعلم حياته، والحمل لا يمتنع تعلّقُ الحكم به حملاً، وإذا انفصل بجناية جانٍ، قام الغرم على الجاني مقام حياة الجنين لو انفصل حياً؛ فإن المالية دامت بالتزام الجاني بدل الجنين.
وهذا واضح.
7370- ولو أوصى بالحمل كما ذكرنا، فانفصل حياً ومات، فمؤونة تجهيزه على الموصى له، ولو انفصل ميتاً، فالذي أراه أن الموصى له لا يلتزم مؤنة تجهيزه؛ من جهة أن الوصية تعتمد ثبوت المالية، أو ثبوت كون الموصى به منتفعاً به، ولم يتحقق واحد منهما، إذا انفصل الحمل ميتاً، فالوجه أن يتبع الحمل الجارية، فيقوم بتجهيزه من يقوم بمؤونة الجارية.
7371- ومما يتعلق الفصل به أنا إذا جوّزنا الوصية بالحمل، فيجوز استثناء الحمل من الوصية بالجارية، وذلك بأن يوصي لإنسان بجاريةٍ حاملٍ دون ولدها، وهذا على خلاف حُكمنا في البيع؛ فإنه لما لم يجز إفراد الحمل بالبيع، لم يجز استثناء الحمل عن بيع الجارية، على ما فصلتُ المذهبَ فيه في كتاب البيع.
ولا خلاف أنه لو أوصى بجاريةٍ لشخصٍ وبحَمْلها لآخر، صح، ولو أطلق الوصية بالجارية الحامل، ولم يتعرض لحملها بنفي ولا إثبات، ففي اشتمال الوصية على الحمل احتمال ظاهر، مستنده إلى تردد العلماء في أن الحمل هل يحل محل أجزاء الأم في تناوله الاسم المطلق الواقع على الأم؟ ولهذا التفات على قواعد يكفي التنبيه عليها.
ثم إن قلنا: لا يدخل تحت الوصية بالجارية، فإنه يبقى ملكاً للموصي، ثم يخلُفه الورثةُ فيه.
صيان قلنا: تتناوله الوصيةُ، فإذا انفصل قبل موت الموصي، وقد كان موجوداً حالة الوصية، فهو يوصي به.
فإن أوصى بالجارية مطلقاً، وقضينا باشتمال الوصية على الحمل، فلو أوصى بعد ذلك بحملها لآخر، فإن رجع عن الوصية الأولى، ثبت الرجوع، واختص الموصى له الثاني بالحمل، وإن لم يرجع عن الوصية الأولى، ازدحمت وصيتان على الحمل، وكان هذا كما لو أوصى بعبدٍ لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فالعبد بينهما نصفان.
وحساب المسألة يقام على قاعدة العول، فهذه مسألة عالت بكلها ويقتضي ذلك التنصيف.
7372- ومما يتعلق بهذا المقصود أنه لو أوصى بحمل جاريةٍ، ثم تحققنا أنه لم يكن حالة الوصية حملٌ، ولكن الجارية علقت بعد الوصية، فليس الحمل الحادث موصىً به.
وإن تردد الأمر، فهو على القياس المقدّم في الوصية للحمل.
7373- ولو قال الموصي: أوصيت لك بما ستحمل هذه في المستقبل، أو أَوْصى بنتاجٍ اعتاده في المستقبل.
ضبطُ المذهب في ذلك أن الوصية بمنافع الدار وغيرها في المستقبل جائزة وفاقاً-على ما سنعقد في ذلك فصلاً على أثر هذا، إن شاء الله عز وجل- وإن كانت المنافع معدومة في الحال؛ لأن الشرع ألحق توقّعَ الوجود منها حالاً على حال بتحقق الوجود في الأعيان، ولذلك صحت الإجارة، ومقصودُها المنافع التي ستكون.
فأما إذا أوصى بما سيكون من حمل، أو نتاجٍ، ففي صحة الوصية وجهان مشهوران:
أحدهما: أنها تصح قياساً على المنافع.
والثاني: لا تصح؛ فإن ارتقاب وجود المنافع تباعاً ووِلاء في الاعتياد ملتحق بالحاصل الكائن، والنتاج والولد أعيان لا يستند التوقع فيهما إلى ثبت واطراد في الاعتياد.
ولو أوصى لإنسان بالثمار التي ستكون في مستقبل الزمان، فلأئمتنا طريقان: منهم من ألحق هذه الوصية بالوصية بالنتاج المنتظر والحمل المتوقع؛ من جهة أن الثمار إذا وجدت، كانت أعياناً كالنتاج والولد، وليست كالمنافع؛ فإن المنافع في وجودها لا تبقى، فلا تعويل على وجودها؛ إذ لا ننالها بعد الوجود، ولو لم يكن التصرف متقدماً على وجودها، لم يُتصوّر فيها التصرف، والأعيان إذا وجدت، بقيت، فأمكن ارتقاب وجودها حتى يعتمدَ التصرفُ الوجودَ المستمر.
ومن أئمتنا من ألحق الثمار بالمنافع، فقطع بجواز الوصية بها، واستدل هؤلاء بأن قالوا: وجدنا في قبيل الثمار تصرفاً لازماً وارداً على الثمار المتوقعة، وهي المساقاة، فالتحقت الثمار لذلك بالمنافع، وليس في قبيل المعاملات ما يلزم على الحمل والنتاج في الاستقبال.
وإن التفت ملتفتٌ إلى السّلم في الحيوان، فهو منقطع عما نحن فيه؛ فإن معتمد السلم الذَّيْن الواقع في الذمة معلوماً بالوصف مقدوراً عليه عند توجه الطلب، وعلى الفقيه تكلف في الحكم بأن المسلم المتعين بالتسليم هو المسلَم فيه، ولولا أن سبيل تأدية الديون هذا، لقلنا: ليس المقبوض مسلماً فيه. والوصايا إذا أضيفت إلى نتاج أغنام بأعيانها، فهي بعيدةٌ عن وضع السَّلَم؛ فإن التعيين والسلم يتنافيان.
7374- ومما يتصل بتمام القول في ذلك أنا إن منعنا الوصيةَ بما سيكون من حمل، أو أجزناها، ففي الوصية للحمل الذي سيكون تردد ظاهرٌ للأصحاب:
قال العراقيون: المذهب في ذلك المنع؛ فإن حق الوصية أن ترتبط بالموجود وتصح الوصية له حال الإنشاء، والعدمُ يضاد الإثبات. ولا تصح الوصية لكل ثابت فكيف تصح لمن لا ثبوت له.
وحكَوْا عن أبي إسحاق المروزي أنه أجاز الوصية لمن سيكون، وزيفوا مذهبه في ذلك.
وليس ما قاله أبو إسحاق بعيداً عندنا؛ من جهة أن الوقف يصح على من سيكون، إذا وَجَد الوقفُ مورداً في الحال، وهذا سبيل وقف الرجل على أولاده، وأولاد أولاده ما توالدوا، ولو كان الوقف منقطع الأول، وكان وروده على متوقع، ففيه اختلاف قدمته في كتاب الوقف، والوقف من التصرفات الناجزة اللازمة، فإذا تطرق إليها خلافٌ في صورةٍ، فاللائق بالوصية القطعُ بصحتها فيها؛ فإن مبنى الوصية على التوقع، وإذا كان يستأخر القبول فيها عن الإيجاب، فليس الاستئخار بعيداً في وضعها.
وهذا نجاز القول في الوصية للحمل، والوصية بالحمل.
فصل:
قال: "ولو أوصى بخدمة عبده، أو بغَلّة داره، أو بثمرة بستانه، والثلث يحتمله، جاز ذلك... إلى آخره".
7375- اتفق الأئمة على صحة الوصية بمنافع الدور وغيرِها، من العقار، والعبيد، والدواب، وكلُّ منفعة يثبت استحقاقها بطريق الإجارة يصح الوصية بها، ثم أصل القول فيها أنها ليست إعارةً على قاعدتنا، ولذلك تلزم الوصية بها إذا اتصفت بالقبول، والعواري لا تلزم.
وأبو حنيفة رحمه الله زعم أن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة، ولكنها من حيث إنها تقع بعد موت المبيح تلزم؛ فإن الرجوع في العاريّة يثبت للمعير، وتنقطع العاريّة بموته، وابتداء الوصية يقع بعد موت الموصي، فكان لزومها لذلك.
وليس الأمر على هذا الوجه عندنا؛ ولكن الإعارة لم تلزم؛ من جهة أنها نِحْلةٌ وهبة، وركنُ لزوم الهبات القبض، والقبض لا يلزم في المنافع؛ من حيث إنه لا يتحقق وجودها، والوصية منيحة ولكنها لا تستدعي في تمامها الإقباضَ؛ فإنها تلزم بالقبول إذا وسعها الثلث في الأعيان من غير جريان القبض فيها.
وحقيقة المذهب في المنافع الموصى بها أنها تصير ملكَ الموصَى له، كما أن الأعيان تصير ملكاً للموصى له، وآية ذلك أنه ينفذ تصرفه في المنافع بالإجارة، والمستعيرُ لا يصح منه إجارة المستعار، والمنافع لا يستوفيها ملكاً، وإنما يستوفيها على حكم الإباحة، وهي قريبة الشبه من إباحة الطعام للضيفان.
ولهذا المعنى لم تكن العين الموصى بمنفعتها مضمونةً على الموصى له، بخلاف العين المستعارة؛ فإن المستعير لا يثبت له استحقاق في المنافع، والموصى له يستحق لها، على ما قدرنا مسالك الجمع والفرق في مسألة العارية.
فهذا بيان حقيقة الوصية بالمنفعة.
7376- ثم إنا نذكر بعد هذا أصولاً في هذه القاعدة، ونذكر في كل أصل ما يتصل به؛ فإن شذت مسائل رسمناها فروعاً، على دأبنا في أصول المذهب.
7377- فممّا نرى تقديمَه القولُ في بيع العين الموصى بمنفعتها، فإن كانت المنفعة الموصى بها مُقدّرةً مضبوطة بأمدٍ مضروبٍ، فالقول في جواز بيع العين الموصَى بمنفعتها كالقول في بيع الدار المستأجرة؛ فإن الاستحقاق في المنفعة والاستيلاء على العين بسببها ثابتٌ في الموضعين، والاستحقاق مؤقت.
وإن أوصى الموصي بمنفعة عينٍ أبداً، فالوصية صحيحة، لم يختلف في صحتها علماؤنا وإن قال قائل: إنها مجهولة، فالجهل لا ينافي صحة الوصية، وإنما يراعَى الإعلام في الأعواض والمعوّضات في عقود المعاوضة، ثم العين الموصى بمنفعتها أبداً لا يصح بيعها إذا لزمت الوصية، وتمت بالقبول، وفي الثلث.
هذا هو المذهب الظاهر.
وذكر العراقيون من طريق التنبيه وجهاً عن بعض الأصحاب في تخريج بيع العين الموصى بمنفعتها أبداً على القولين، وصرح بنقل هذا الوجه الشيخ أبو علي في الشرح، وهذا بعيد؛ فإن العين مسلوبةُ المنفعة.
ووجهُه على بعده أن الملك في الرقبة لا يَنقُص بها، وامتناع الانتفاع ينزل منزلة امتناعه بزمانة العبد، ولم يختلف علماؤنا في جواز بيع العبد الزَّمِن، الذي لا انتفاع فيه.
وهذا ملتبس؛ من جهة أن المعتمد في منع البيع ثبوتُ يد مستحق المنفعة، وامتناعُ إزالتها، وهذا لا يتحقق في الزَّمِن.
والتعلق بالنكاح في توجيه الوجه البعيد أمثلُ؛ فإن النكاح معقود على التأبيد، ثم لا يمتنع به البيع في الرقبة.
7378- وإذا جرينا على المسلك الأصح، وهو المنصوص عليه للشافعي، وصححنا الوصية بالثمار التي ستكون في المستقبل كتصحيحنا الوصيةَ بالمنافع، فتفصيل القول في بيع الأشجار الموصى بثمارها، كتفصيل القول في بيع العين الموصى بمنفعتها، فالمقدّر من الثمار كالمقدّر من المنافع، والاستحقاق على التأبيد في الثمار يضاهي المنفعة المؤبدة في ترتيب المذهب في بيع الأعيان.
وكان شيخي أبو محمد يقطع القول بأن الوصية بأولاد الأمة في مستقبل الزمان لا تمنع بيعها قولاً واحداً؛ فإن منافعها باقية، وولدُها ليس مما يؤثِّر ويقدح في تمام الملك في الرقبة، وكان يتردّد في بيع المواشي الموصى بنتاجها، وصغْوُه الأظهر إلى صحة بيعها.
ويتجه عندي تصحيح بيع الأشجار الموصى بثمارها؛ فإن الذي يتجه اعتماده في منع بيع العين الموصى بمنفعتها استيلاء المنتفع بها، وإدامة اليد عليها، لا سقوطُ المنفعة؛ فإنا لو اعتمدنا سقوطَ المنفعة، لترددنا في بيع المعضوب الزَّمِن، ولا تكاد تثبت اليدُ على الأشجار للموصى له بثمارها؛ فإنه يبغي ثمارها إذا برزت الثمار، ولا تطّرد يده اطراد يد الموصى له بالمنفعة والمستأجر، وهذا بمثابة النكاح؛ فإن الزوج وإن كان يستحق الاستخلاء بزوجته الأَمة لقضاء الوطر منها، فليست يده يد استيلاء، ويد السيد أغلب وأعلى من يده.
فانتظم مما ذكرناه تردّدُ الأصحاب في المنافع، كما تفصل المذهب فيها، والقطعُ بأن الوصية بولد الجارية لا تمنع بيعها، وفي المواشي الموصى بنتاجها تردّدٌ للأصحاب، ونزَّلوا الأشجار الموصى بثمارها منزلة الأعيان الموصى بمنافعها، وفي ذلك شيء نبهت عليه.
7379- ومما يتعلق بهذا الأصل أن ابن الحداد قال: إذا أوصى رجل لرجل بدرهم من غلّة داره، وكانت أجرة الدار مائة درهم، فإذا كانت الوصية مؤبّدة، امتنع البيع في جميع رقبة الدار؛ جرياً على الأصح في أن التأبيد يمنع البيع، وغرضه بذكر هذه الصورة أن يبيّن أن البيع ينحسم في جميع الدار، وليس للقائل أن يقول: ينبغي ألا يمتنع البيع إلا فيما يُدرّ مقدارَ الدرهم من الدار؛ فإن الدار قد ترجع غلتها إلى مقدار درهم، وهذا من قول ابن الحداد دليل على امتناع بيع الأشجار الموصى بثمارها؛ فإنه فرض مسألته في الوصية بالولد، ولم يفرضها في إثبات حق الانتفاع الذي يستدعي استيلاء يده على رقبة الدار.
هذا تمام الغرض في هذا الركن.
7380- ومن أركان الفصل القولُ في كيفية اعتبار خروج المنفعة الموصى بها من الثلث، فنقول: هذه الوصية معتبرةٌ من الثلث اعتبار غيرها، فالموصي وإن كان خلّف على ورثته تركته، فالمنافع التي ستوجد بعد وفاته ملحقة في اعتبار الوصية بها من الثلث، باعتبار التركة، فلينتبه الناظر عند ذلك.
وقد نقول: منافع أعيان التركة ليست من التركة، حتى لا يتعلق بها قضاء الديون وتنفيذ الوصايا، ولعلنا نذكر تحقيق ذلك في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
وسبب هذا أن الوصية بالمنافع تنقُص قيمةَ الأعيان، وتؤثر فيها أثراً بيّناً.
فهذا وجه عدّ الشرع المنافع من الثلث، وأيضاً، فإن ما أدخله من المنافع في تصرفه صار كالناجز المحصل، فإذا أوصى بها، فكأنها حصلت.
7381- فإذا وضح بالتنبيه الذي ذكرناه الأصلَ المجمعَ عليه، وهو اعتبار الوصية بالمنافع من الثلث- فالكلام بعد هذا في بيان ما يحسب من الثلث، والوجه أن نقسم القول، فنقول:
الوصية لا تخلو إما أن تقع على التأبيد، وإما أن تقع على التأقيت؛ فإن وقعت على التأبيد، والتفريعُ على الأصح، الذي هو الأصل في أن الوصية بالمنفعة على التأبيد إذا لزمت، امتنع منها بيع العين.
فإذا فرعنا على هذا، فقد اختلف أئمتنا فيما يعتبر خروجه من الثلث، فمنهم من قال: المعتبر خروجُ قيمة العين من الثلث؛ فإنها مسلوبة المنفعة في جهة الوصية، والتصرفات ممتنعة على الورثة بحيلولةٍ دائمةٍ، وكأن العين مستهلكة من حقوقهم، وكأن الوصيةَ واقعةٌ بالرقبة.
ومن أصحابنا من قال: تعتبر قيمةُ المنافع وخروجُها من الثلث؛ فإنها الموصى بها، والسبيل في اعتبارها أن نقول: هذا العبد كم يساوي مع وفور المنفعة؟ فيقال: مائة، فنقول: كم قيمته، وهو مستحق المنافع؟ فيقال: عشرة، فنتبين أن قيمة المنفعة تسعون.
فهذا وجهُ الوصول إلى معرفة قيمة المنفعة، ومعنى اعتبارها من الثلث.
التفريع على الوجهين:
7382- إن اعتبرنا خروج الرقبة من الثلث، فلا كلام، ومعنى اعتبار الرقبة اعتبار خروج قيمتها موفورةَ المنافع.
فإن قلنا: الاعتبار بخروج قيمة المنفعة من الثلث، على ما أوضحنا معنى ذلك، فالمقدار الذي يُفرض قيمةَ الرقبة وهي مسلوبة المنفعة هل يحسب على الورثة من التركة أم لا يحسب عليهم؛ فعلى وجهين ذكرهما العراقيون:
أحدهما: أنها محسوبة على الورثة من التركة؛ فإنها حقهم وملكهم استحقوها إرثاً.
والوجه الثاني- أنها لا تحتسب من مقدار الوصية؛ فإن الموصى بها المنفعة، ولا تحسب على الورثة، لوقوع الحيلولة المؤبدة بينهم وبينها.
هذا أصل القول فيما يحتسب من الثلث، إذا كانت المنافع مؤبدة في مقتضى الوصية.
وعلينا في ذلك بقية سنذكرها، إن شاء الله عز وجل إذا تكلمنا في الوصية المؤقتة، فنقول:
7383- قدمنا التفصيل في أن الموصى بمنفعته على التأقيت هل يجوز بيعه؟ فإن قضينا بجواز بيعه، فلا خلاف أن المحتسب من الثلث أجرة المنافع لا غير.
وقد يعترض في هذا المنتهى إشكال؛ فإن المنافع ليست بتركةٍ على الحقيقة-كما نبهنا عليه- فكان يجب أن نجعل الموصي بالمنافع في حكم من لم يتصرف في التركة، وهذا غير سديد؛ فإنه لو كان كذلك، لانتفت الوصية بالمنفعة رأساً؛ فإنها تصرفٌ في حق الورثة، فإذا نفذنا الوصية، دلّ ذلك على أن المنافع ملحقةٌ بالتركة في هذه القضية، وأيضاً، إن الوصية بالمنفعة تؤثر في قيمة العين، وتقلل الرغبة فيها. هذا إذا قلنا: الوصية المؤقتة لا تمنع البيع.
فأما إذا قلنا: الوصية المؤقتة تمنع بيعَ العين ما دامت، فلأئمتنا طريقان: منهم من قطع بأن المحتسَب من الثلث قيمة المنافع، ومنهم من خرّج المسألة على وجهين، كالوجهين المقدّمين في الوصية بالمنفعة على التأبيد.
أحدهما- أنا نعتبر خروج قيمة الرقبة لمكان الحيلولة الواقعة في الحال ولا ننظر إلى توقع انقضاء الحيلولة بانقضاء المدة المضروبة.
والوجه الثاني- أن الذي يعتبر خروجُه المنافعُ، ولا مبالاة بالحيلولة الناجزة في العين إذا كانت عرضة الزوال.
فإن قيل: هلا جعلتم الحيلولة الواقعة في العين بمنزلة الحيلولة الحاصلة في الثمن بالأجل المضروب فيه، حتى تسلكوا بهذا مسلك البيع بالثمن المؤجل؟ قلنا: هذه الحيلولة، مع حصول العين، وتوقع الزوال لا مبالاة بها؛ فإنا لا نعرف خلافاً في أن المريض إذا أجّر داره بأجرة مثلها، والتفريع على أن الدار المستأجرة لا تباع، فلا نقول: إذا مات المكري في أثناء المدة نبيع عقاره بالنقص؛ فإن الإجارة من عقود الغبطة، وكان أوقع حيلولةً بعوض.
ولو باع عَيْنَه بعوض، لنفذ فيه، فلا فرق إذاً بين الإجارة، وبين الوصية بالمنفعة إلا أن الإجارةَ معاوضة، والوصية تبرّع، ثم حق ما كان تبرعاً أن يحتسب من الثلث؛ فإنّ الثلث يستحق للمريض لا يعترض عليه فيما يوقعه فيه.
هذا بيان أصل المذهب في أنَّ المحتسب من الثلث ماذا؟ قيمة المنفعة أو قيمة العين في الوصية المؤقتة والمؤبدة.
7384- ومما نستكمل به بيان هذا الفصل أن الثلث إذا ضاق عن احتمال الوصية بالمنفعة، واقتضت الحالُ، رَدَّ الوصية إلى الثلث، ففي كيفية ردها كلام، نحن نفصّله، فنقول:
إن كانت الوصية بالمنفعة مؤقتةً، كأن أوصى بخدمة عبده عشر سنين، فقد ذكرنا أن الاعتبار بخروج المنافع من الثلث، فعلى هذا إذا كان العبد يساوي مائة، وما كان خلّف سواه شيئاً، فنقول: منافعه عشرَ سنين كم تساوي؟ فإن قيل: إنها تساوي ثُلُث المائة، والعبد الآن دون منافعه في العَشْر يساوي ثلثي المائة، فالوصية منفّذة؛ فإنها خارجة في الثلث والثلث وافٍ بها.
وإن كانت المنافع في عشر سنين تساوي خمسين، والعبد مع استحقاق منافعه في العشر يساوي في الحال خمسين، فلابد من ردّ الوصية إلى الثلث، وقد اختلف أصحابنا في كيفية ردها، فمنهم من قال: ننقص من المدة ونردها إلى قدر الثلث، ويكون جميع العبد مستحَق المنفعة في أقلَّ من المدة التي ضربها، على ما يقتضيه الحساب.
والوجه الثاني- أنا لا ننقص من المدة، ولكن ننقص من الرقبة، فنقول: إذا كان الثلث لا يفي باستحقاق جميع منفعة العبد عشرَ سنين، وكان يفي باستحقاق منفعة ثلثي العبد، أو ما يتفق عشْرَ سنين، فنرد الأجرة إلى بعض الرقبة في تمام المدة، ولا ننقص من المدة شيئاً.
وارتضى الشيخ أبو علي هذا الوجهَ، وذلك أن المدة قد تختلف أجرتها، فلو نقصنا من المدة، وقعنا في جهالة يتعذر ضبطها.
ويمكن أن يقال: هذان الوجهان متعلّقان بأن البيع هل يُمنع في الرقبة لمكان الوصية؟ فإن قلنا: إن البيع لا يمتنع في الرقبة، فينقدح خروج الوجهين لما ذكرناه في الوجه الثاني الذي اختاره الشيخ. وإن قلنا: البيع يمتنع في الرقبة، فالظاهر ردّ الأجرة، وأن ننقص الرقبة حتى ترتفع الحيلولة عن بعضها، وينطلق فيه تصرف الورثة، وكل ذلك على أن المعتبر خروج المنفعة من الثلث، فإذا اعتبرنا خروجَ الرقبة، فلا يخفى أنا نرفع الحيلولة عن ثلثي الرقبة إذا لم يخلِّف غيرَها.
وكل ما ذكرناه فيه إذا كانت الوصية بالمنفعة مؤقتة.
7385- فأما إذا كانت الوصية بالمنفعة مؤبدة، والتفريع على الأصح، وهو امتناع البيع في الرقبة، فلا يتجه في هذا القسم إذا طلبنا ردّ بعض الوصية إلا تبعيضَ الأمر في الرقبة؛ فإنا إن اعتبرنا خروج الرقبة من الثلث، لم يخف ذلك، وإن اعتبرنا خروج المنفعة، فالمنفعةُ مؤبدة، لا نهاية فيها، ولا ضبط لها، ولا يمكن التصرف فيها بالتبعيض، ولا وجه إلا تبعيض الوصية على الرقبة؛ حتى تثبت على التأبيد في بعض الرقبة، على ما يقتضيه الحساب.
هذا تمام البيان في معنى احتساب هذه الوصية من الثلث، ونحن نختتمه بذكر سؤالٍ على وجه ضعيف وجواب عنه فنقول:
7386- إذا فرعنا على الوجه الضعيف في أن الوصية بالمنفعة على التأقيت توجب احتساب الرقبة من الثلث، فإذا كان أوصى بمنفعة عبده سنةً، ولم يكن له مالٌ غيرُ العبد، فالذي يقتضيه التفريع على الوجه الضعيف ردُّ الوصية إلى ثلث العبد ورجعها عن الثلثين.
فإن قيل: إذا انقضت المدة، انطلق الحجر عن جميع الرقبة، واستمكن الورثة من جميع الرقبة، فلا تقع الوصية ثلثاً، وليس كان ينقدح ذلك في الوصية المؤبدة، من حيث إن الوصية المردودة إلى الثلث مردودة إلى ثلث العبد متأبداً، وتنزل منزلةَ وقف جزء من العبد، وتحبيسه، وهذا لا اتجاه له، والوصيةُ مؤقتة.
قلنا: هذا يُضعف هذا الوجهَ، ويبين سقوطه.
ثم الممكن في توجيه هذا الوجه أن الوصية بالمنفعة المؤقتة مقصودُها تمكّن الموصى له من المنفعة مدة معلومة، ثم اقتضى وقوع الحيلولة ردّ الاعتبار إلى الرقبة، فإذا انقضت المدة التي ضربها الموصي، فقد انقضى ثلث مقصوده، وكأن هذا القائل لا ينظر إلى القيمة، وإنما يثلّث المنحة في نفسها بفضِّها على أجزاء العبد، فلئن انطلق الحجر عن العبد، فهذا انطلاق على حسب مقتضى الوصية.
والذي ذكرناه لا ثبات له؛ فإن الوصايا تعتبر من الثلث على قياس القيم وأقدارها، وهذا النوع من التثليث لا ينتظم فيه اعتبار القيمة أصلاً؛ فإنا اعتبرنا قيمة الرقبة وثبتنا التثليث عليها، ثم الثلث المصروف إلى الوصية استرددناه، ورددناه إلى الورثة.
وقد نجز المقصود.
7387- ومما يعد من أركان الفصل القول في نفقة العبد الموصى بمنفعته.
حاصل ما ذكره الأصحاب أوجه: أصحها- أن نفقة العبد تجب على الورثة؛ فإن ملك الرقبة لهم، والنفقة تتبع ملك الرقبة إذا لم تثبت عوضاً في عقد، وهذا احتراز عن نفقة النكاح؛ فإنها بنيت على مضاهاة الأعواض، ولا ينظر إلى خروجها عن الضبط؛ فإنها تعارض معوضاً خارجاً عن الضبط، وهو منفعة البضع.
هذا ظاهر المذهب في نفقة العبد الموصى بمنفعته.
ومن أصحابنا من قال: النفقةُ على الموصى له بالمنفعة، وهذا الوجه حكاه صاحب التقريب، ووجهه تشبيه استحقاقه المنفعة باستحقاق الزوج منفعة البضع.
وهذا رديء، لا اتجاه له، والذي أرى القطعَ به تخصيصُ حكاية هذا الوجه بالوصية المؤبدة، فإنها إذا كانت مؤقتة، كان العبد الموصى بخدمته بمثابة العبد المستأجر، ثم نفقة العبد المستأجر على المالك، ثم بنى صاحب التقريب فِطرة العبد على الخلاف في النفقة؛ فإن الفطرة تتبع النفقة، فإن أوجبنا نفقةَ العبد على الورثة، فعليهم زكاة فطره، وإن أوجبناها على الموصى له، فعليه زكاة فطره.
وذكر العراقيون وجهاً ثالثاً في النفقة، فقالوا: نفقة العبد تتعلق بكسبه وحق الموصى له وراء عمل العبد في تحصيل مؤنته. ثم قالوا: إن عجز العبد عن الكسب، فصاحب هذا الوجه لا يوجب نفقته على الورثة، ولا على الموصى له، بل يوجبها في بيت المال.
وهذا فيه ضعف؛ من جهة أن صرف نفقة المملوك على بيت المال مع استظهار المالك وبقائه بعيدٌ، وكان لا يبعد في قياس هذا الوجه أن يقال: النفقة تتعلق بالكسب، فإن لم يكن، انقلب وجوبُها إلى الوارث، أو إلى الموصى له.
فإن قيل: لم تذكروا متعلق الوجه الذي حكاه صاحب التقريب سوى التحكم بالتشبيه بالنكاح. قلنا: ذاك وجهٌ بعيد لا يتوجه، ثم الذي يظهر التعلّقُ به أنا لو صرفنا المنفعة إلى الموصى له أبدأ، وصرفنا كلّ العبد ومؤونته على الوارث، لثقل وقع ذلك، وانضمّ إلى الحيلولة غُرم النفقة. وليس هذا كنفقة العبد المستأجر؛ فإن المكري اعتاض عوضاً من المنفعة، وعوض المنفعة في موجب العادة يقابل احتمال النفقة، وقد يظهر مع هذا التنبيه طردُ ذلك الوجه الضعيف في الوصية المؤقتة بالمنفعة.
ثم ما ذكرناه في النفقة يطّرد في الكسوة، وفي جملة المؤن الواجبة على المالك في مملوكه.
7388- ومما يُعد من أركان الفصل الكلام في الجناية على هذا العبد، وفي جنايته.
ونحن نبدأ بالجناية عليه، والقول فيه ينقسم إلى الكلام في قتله، وإلى الكلام في الجناية على أطرافه.
فإن قتله قاتل قتلاً يوجب المالَ، التزم قيمتَه، وفيمن تصرف إليه القيمة اضطرابٌ للأصحاب:
فذهب ذاهبون منهم إلى أن القيمة مصروفةٌ إلى الورثة، وقد بطلت الوصية، وانقطعت؛ فإن الموصى له كان يستحق منفعته ما دام حياً، فإذ قتل، فقد انتهت الوصاية به نهايتها، كما ينتهي النكاح بموت الزوجة وقتلها؛ فالقيمة تسلم إلى مالك الرقبة، وهو الوارث.
ومن أصحابنا من قال: نصرف تلك القيمة إلى شراء عبدٍ ونقيمه خادماً للموصى له بالخدمة، حتى نكون مقيمين لحق مالك الرقبة ولحق مالك المنفعة.
وأبعد بعض أصحابنا، فزعم أن القيمة مصروفةٌ إلى الموصى له بالمنفعة، وزعم هذا القائل أن هذا الوجه يخرّج على اعتبار خروج قيمة الرقبة من الثلث، فإذا كنا نعتقد ذلك، فكأنا اعتقدنا كونَ العبد مستوعباً بحق الموصى له؛ فإذا قُتل، صرفنا القيمة إلى من اعتبرنا خروج القيمة من الثلث في حقه، ولا شك أن هذا الوجه إن صح النقلُ فيه إنما يجري إذا كان العبد موصىً بمنفعته أبداً.
والوجه الثاني المذكور قبل هذا، يجري مع تأقت الوصية؛ فإن صاحب ذلك الوجه يرى شراء عبد بتلك القيمة، ثم إذا مرّت المنفعة وانقضت المدة، خلصت الرقبةُ ومنفعتها للوارث.
فإن قيل: أليس العبد المستأجر إذا قتل في أثناء المدة، ارتفعت الإجارة في بقية المدة، فما الفرق بين الإجارة وبين الوصية المؤقتة؟
قلنا: الإجارة عقد معاوضة، وإذا لم يَسْلَم فيه المعقود عليه إن تملكه، فحكم المعاوضة الانفساخ، ثم إنه يرجع بقسط من العوض ولا تبعض في الوصية، فلو قطعناها، لكان ذلك إحباطاً لحق الموصى له.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً رابعاً من أصل المسألة وقال: القيمة تُفضُّ على المنفعة به، وعلى الرقبة، وهي مسلوبة المنفعة، فينصرف ما يخص المنفعة إلى الموصى له، وما يخص الرقبة إلى الوارث، وسبيل تقويم المنفعة إن كانت مستحقة على التأبيد أن يقال: منفعة هذا العبد كم تساوي؟ والعبد مسلوب المنفعة كم يساوي؟ فإن قيل: كيف يتأتى تقويم المنفعة، وهي مجهولةُ المقدار؟ قلنا: سبيل تقويم المنفعة سبيل تقويم الرقبة؛ فإن قيمة الرقبة تتعلق برجاء البقاء، ولو علم طالب الرقبة أنها فائتةٌ على القرب، لم يرغب فيها، ثم القيمة معلومةٌ مع تردد في طرفي البقاء، فكذلك القول في المنفعة.
ويتأتى تقويم المنفعة على وجهٍ آخر، قدمنا ذكره في فصل الخروج من الثلث، فنقدر العبد منتفعاً به، فنضبط قيمته، ثم نقومه مسلوب المنفعة، فالقدر الذي ينحط مع تقدير الانتفاع قيمةُ المنفعة.
وما ذكرناه فيه إذا قُتل العبد قتلاً يوجب المال.
7389- فإن قتل قَتْلَ قصاص، فقد أجمع أئمتنا على أن المالك-وهو الوارث- يثبت له حق طلب القصاص، وإذا اقتص من القاتل، سقطت الوصية، وصار كما لو مات العبد الموصى بمنفعته حتف أنفه.
وأبعد بعض أصحابنا، فأثبت للموصى له حقَّ طلب القصاص، وهذا غلطٌ غيرُ معتد به؛ فإن طلب القصاص والقتيل مملوك من خواص أحكام ملك الرقبة، وإنما غلِط هذا القائل من مصير بعض الأصحاب إلى صرف القيمة بكمالها إلى الموصى له بالمنفعة، وهذا لا متعلَّقَ به؛ فإن القيمة قد تصرف إلى حق من لا يطلب القصاص، كالمرتهن إذا قتل العبد المرهون في يده.
هذا كله إذا كانت الجناية على نفسه.
7390- فأما إذا قطع الجاني يدَ العبد، فقد ظهر اختلاف أصحابنا في مصرف الأرش، فقال قائلون: الأرش مصروف إلى الوارث؛ فإنه بدل الطرف الفائت، والطرف ملكُ مَن الرقبة ملكه.
وحكى صاحب التقريب وجهاً آخر: وهو أنا ننظر إلى ما انتقص من المنفعة، وإلى ما انتقص من قيمة الرقبة، فنفضّ الأرش عليهما، ونصرف ما يجبر نقصانَ الرقبة إلى الوارث، وما يخص نقصان المنفعة إلى الموصى له بالمنفعة. وإذا اعتبرنا نقصان القيمة، نظرنا إلى قيمة عبد مسلوب المنفعة، ونسبنا النقصان إليه، وهذا الوجه هو الذي حكيناه في الجناية على النفس.
وصار صائرون إلى أن ما يقابل المنفعة من القيمة مصروف إلى الموصى له بالمنفعة، وما يقابل الرقبة منها مصروف إلى الوارث.
ولم يصر أحد إلى صرف تمام الأرش إلى الموصى له بالمنفعة، وإن ذُكر في القيمةِ والجنايةُ على النفس.
ولم ير أحدٌ صرف الأرش إلى عبدٍ أو شقصٍ من عبد، حتى يستحقه الموصى له بالمنفعة.
هذا قولنا في الجناية على العبد الموصى بمنفعته.
7391- فأما التفصيل في جناية العبد الموصى بمنفعته، فنقول: إذا كان هو الجاني، وجنى جناية مذهبها المال، فالأرش يتعلق برقبته، وحق الموصى له لا يمنع من ذلك، كما أن ملكَ المالك، وحقَّ المرتهن لا يمنع من تعلق الأرش بالرقبة، ثم إن فداه الوارث، وتخلّصت الرقبة، فحق الموصى له بالمنفعة قائم كما كان، وإن امتنع الوارث من فدائه لم يلزم الفداء، ولكن يباع العبد إن مست الحاجة إلى بيع جميعه.
فإن قيل: هلا قلتم يمتنع بيعُه لأنه مسلوب المنفعة؟ قلنا: حق الأرش مقدّم على حق الموصى له، وهذا كما أن المرهون لا يباع دون إذن المرتهن، وإذا جنى بيع، وأُبطل حق المرتهن.
فإن قال الموصى له عند امتناع الوارث من الفداء: أنا أفديه، فإن قبل المجني عليه الفداء، فلا كلام؛ فإن الأجنبي لو فدى العبد الجاني وقبله المجني عليه، انفلت من الجناية، وإن قال المجني عليه: لست أقبل الفداء، فقد ذكر الأصحاب وجهين في أنه هل يجبر على قبول الفداء؟ أحدهما- لا يجبر كالأجنبي؛ فإنه لا حق له في الرقبة، والأرش يتعلق بالرقبة.
والوجه الثاني- يجب قبول الفداء فيه؛ فإن في فداء العبد فداء حقه، وفي بيعه انقطاع حقه.
وقد أجرى الأصحاب هذين الوجهين في العبد المرهون إذا جنى، وامتنع الراهن من فدائه، وأراد المرتهن أن يفديه، حتى لا ينفك حق استيثاقه؛ ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما في الموصى له، ولعل تصحيح الفداء من المرتهن أوْجَهُ؛ لأن حقه متعلق بالعين، ولهذا تصرف قيمة المرهون إذا أُتلف إليه من غير تردد، وفي قيمة العبد الموصى بمنفعته إذا قُتل ما ذكرناه.
7392- ومما يعدّ من قواعد الفصل التفصيلُ فيما يملكه الموصى له بالمنفعة، وفي تصرفاته بمنافع البدن، فلا شك أنه يملكها، وبنى الأصحاب عليه أنه لو احتطب أو احتش، أو صاد، فهذا الاكتسابُ للموصى له بالمنفعة، ولو كان محترفاً، فأجر أعماله له.
فإن اكتسب كسباً نادراً مثل أن يهب منه إنسان شيئاً فيتّهبه، ففي هذا الفن وجهان مشهوران:
أحدهما: أنه لا يستحقه الموصى له، وإنما يستحقه الوارث بحق ملك الرقبة.
والثاني: أنه يستحقه الموصى له بالمنفعة.
هكذا أطلق الأصحاب الخلاف، وهو يحتاج إلى فضل بيان، فالاتهاب ليس مما يتعلق بعمل العبد، فالوجه في تنزيل الخلاف والوفاق أن نقول: كل كسب يحصّله عملٌ، فهو للموصى له بالمنفعة، وكل كسب لا يحصله ما يعدّ من الأعمال كذلك العبد الذي اتهب، ففيه خلاف: من أصحابنا من قال: هذا لا يعاوضه عمل، ولا يقتضيه نوعٌ من المنفعة، بل التغليب فيه لهبة الواهب، فيجب صرفه إلى مالك الرقبة.
فإن أردنا في ذلك ضبطاً، فكل ما يمتنع على العبد من أعماله، حتى يراجع مولاه، فهو المنفعة التي يتعلق بها الاستحقاق، فأما قوله وحكمه، فمما لا يحتاج العبد في إطلاقها إلى مراجعة مولاه.
هذا قاعدة المذهب.
ثم الذي ذكره العراقيون أن منفعة البضع تدخل تحت مطلق الوصية بالمنفعة؟ وبنَوْا عليه أن الجارية الموصى بمنفعتها لو وطئت بشبهة، فالمهر للموصى له بالمنفعة، هذا هو المعتدّ به ولا شك أن قياس المراوزة يخالف هذا؛ فإن منفعة البضع مما لا يصح الوصية به، فلا يتعلق الاستحقاق بمنفعة البضع بنحلةٍ وهبةٍ إذا بقي الملك في الرقبة للواهب المتبرع، فيجب ألا يدخل تحت الوصية بالمنفعة إلا المنفعةُ التي تستباح بالإعارة، وتستحَق بالإجارة.
ثم ترقى بعض الأصحاب من منفعة البضع إلى الكلام في الولد، فذكروا وجهين في أن الجارية الموصى بمنفعتها لو أتت بولد رقيقٍ، فالملك فيه للوارث، أو للموصى له.
وهذا خرّجوه على أن استفادة الولد فيها كاستفادة الأكساب، واشتمال الرحم على المولود كاشتمال الشبكة على الصيد.
وهذا في نهاية البعد؛ فإن الولد يعد في وضع الشرع جزءاً من الأم لا يملكه إلا من ملك الأمَّ، إلا أن تفرض الوصية ناصّةً على الأولاد، فيخرّج القول حينئذٍ على الاختلاف في الوصية بالأولاد في الاستقبال، والوصية بالثمار.
وذكر بعض أصحابنا الولدَ على وجهٍ آخر، فقالوا: الولد المملوك ملكُ الوارث، ولكن هل يصير الموصى له بالمنفعة مستحِقاً لمنفعة الولد، كما أنه مستحق لمنفعة الأم؟ فعلى وجهين: وهذا أبعد من الخلاف المحكي في صرف ملك الولد إلى الموصى له بالمنفعة؛ فإن ذلك على بعده محمول على التشبيه بالعبد، والخلاف في منفعة الولد مع تسليم الملك فيه للوارث، لا اتجاه له على مذهب الشافعي رضي الله عنه؛ فإنه لا يُتبع الولدَ الأمَّ في هذه الأشياء، ولذلك لم يحكم بتعدِّي الرهن من الأم إلى الولد، وقد سبق استقصاء القول فيما نُتبع الولدَ فيه الأصلَ، وفيما لا نتبع، وفيما يُختلف فيه.
7393- ومما يتعلق بتمام القول في هذا الفصل الكلامُ في وطء الجارية الموصى بمنفعتها، فالذي ذكره الأئمة المعتبرون في نقل المذهب أن وطأها محرم على الوارث؛ من جهة أن الوطء يسبب العلوقَ، والعلوقُ يُفضي إلى الطَّلْق، وهو من أسباب الهلاك، والحملُ ناجزاً يؤثِّر في تنقيص المنفعة.
ولم يختلف علماؤنا في تحريم وطئها على الموصى له، ومَنْ ذهب إلى أن عُقرها إذا وُطئت بشبهة مصروف إلى الموصى له، لم يخالف في تحريم وطئها عليه. وهذا أصدق آيةٍ على فساد صرف استحقاق منفعة البضع إلى الموصى له.
وحكى الصيدلاني في مجموعٍ له في الخلاف وجهين عن الشيخ الإمام سهل في أن الوارث هل يستبيح وطء الجارية الموصى بخدمتها؛ تعويلاً على الملك؟ وهذا بعيد.
فإن صح النقل فيهما، فالوجه تنزيلهما على وطء الراهن الجاريةَ المرهونة إذا كانت صغيرة، لا يتوقع علوقها، وقد قدمنا في الرهن أن الوطء مع إمكان الإعلاق محرم، وإذا كان الإعلاق مأموناً، ففي تحريم الوطء وجهان: فينبغي أن يخرّج وطء الوارث الجارية على هذا القياس.
فإذا فرعنا على الظاهر، وهو أن الوطء محرّم، فلا شك أن الوارث إذا وطىء لم يستوجب الحد، لمكان ملكه في الرقبة، وهل يلتزم المهرَ؟ هذا يخرّج على ما قدمنا من أن مهر مثل الجاربة إذا وطئت بشبهة هل ينصرف إلى الموصى له؟ فإن صرفناه إليه، فعلى الوارث مهرُ المثل، وإن لم نجعل المهر مصروفاً إليه، فهو للوارث.
فعلى هذا إذا وطىء الوارث، لم يستوجب بالوطء مهراً.
وأما الموصى له، فلا خلاف في تحريم وطء الجارية عليه، فإن وطئها، وقلنا: منفعة البضع مصروفةٌ إليه استحقاقاً، وإن امتنع عليه استيفاؤها، فلا حد عليه إذا وطىء، فإن قلنا: منفعة البضع لا تصرف إليه، فيلتزم بالوطء على الشبهة المهرَ للوارث، وإن لم يكن شبهة، فقد قطع العراقيون بانتفاء الحد.
ولا يمتنع عندي أن يجب عليه الحد كما يجب على المرتهن إذا وطىء الجارية المرهونة.
والعراقيون بنَوْا ما قالوه على مصيرهم إلى أن المهر للموصى له، فقد ذكرنا أن القياس الظاهر عندنا أن منفعة البضع لا تُصرف إلى الموصى له، ولست أدري ماذا يقول العراقيون فيه إذا أوصى بمنفعة بُضع جاريةٍ لإنسان دون منفعة بدنها؟ فإن قضَوْا بانصراف الاستحقاق إليه، فهذا سخف خارج عن قاعدة الشريعة، وإن أبطلوا ذلك، كان إقراراً بإثبات الاستحقاق فيه تبعاً. مع أن منفعة البضع لا تفهم مندرجة تحت الوصية بالمنافع.
فهذا تمام القول فيما يندرج تحت الوصية بالمنفعة.
7394-فأمّا تصرّف الموصى له في المنفعة، فإنه يتصرف فيها انتفاعاً، وله إباحة المنافع بالإعارة، وله إيراد عقد الإجارة عليها، ومن حقوقه إثبات اليد على العين الموصى بمنفعتها، فاختلفت الأئمة في أنه هل يملك المسافرة بالعبد الموصى بمنفعته: فذهب بعضهم إلى أنه يملك ذلك؛ لأن ملكه ثبت في جميع جهات الانتفاع المسوَّغة للملاك.
ومن أئمتنا من منع المسافرة لحق الملك في الرقبة، واستدل بأن زوج الحرة يسافر بها حيث شاء، وزوج الأمة لا يسافر بها.
ولكنْ بين النكاح وبين استحقاق المنفعة فرقٌ؛ فإن للمولى أن يسافر بالجارية الزوجة، ولا يمنعه من المسافرة حقُّ الزوج.
والوارث لو أراد المسافرةَ بالعبد الموصى بمنفعته، لم يكن له ذلك قطعاً، والضابط لتصرفاته حكمنا بالملك الحقيقي له في المنفعة، ولأجل هذا قطع من يعوَّل على نقله من الأئمة بأن الموصى له بالمنفعة إذا مات، انتقل الاستحقاق إلى وارثه.
وأبعد بعضُ الأصحاب، فذهب إلى انقطاع الحق الموهوب للموصى له وعَوْدِ الاستحقاق إلى وارث الموصي إذا بقي بعده.
وهذا ساقطٌ غيرُ معتد به.
ولو وطىء الوارث الجارية الموصى بمنفعتها، وأولدها، صارت أم ولدٍ له بمصادفة العلوق الملكَ.
ولا خلاف أن الموصى له إذا وطىء وأعلق، لم يثبت الاستيلاد، وإن درأنا الحدَّ، ولم نُلزمه المهر، وصرفنا إليه القيمة عند القتل، فلا سبيل مع هذه الأصول إلى الحكم بالاستيلاد؛ لأن وطأه لم يصادف ملك الرقبة. نعم، إن حكمنا بأن الولد لو حدث رقيقاً لكان له، فالولد حر؛ فإنه لا يعلق مولوده ملكاً له، ثم إذا كان المُولدُ الوارثَ، فالوصية بالمنفعة تبقى مع ثبوت الاستيلاد.
7395- ومما يتصل بهذا المنتهى أن العبد الموصى بخدمته لا ينكح إلا بإذن المالك، والموصى له بالمنفعة: أما المالك، فلابد من استئذانه؛ فإن التزوج تسلط على الاستمتاع، وذلك يؤثر في الملك، ولابد من استئذان الموصى له بالمنفعة فإن ذلك يؤثر في استيفاء المنفعة.
وذهب بعض الأصحاب إلى أن إذن الموصى له بالمنفعة كافٍ، وهذا القائل يقول: إنما يفتقر نكاح العبد الخالص لمولاه إلى إذنه، لتعلق المهر والنفقة بالكسب، ولا معنى للنظر إلى ما في الوطء من إنهاك القوى؛ فإن ذلك بعيد، غيرُ مدرك بالحس.
والدليل عليه أنه لو صح نكاحه، لم يكن للسيد أن يحجر عليه، ويكلّفه الاقتصادَ، والحكمُ في ذلك مَيْلَ النفس، والنظر في الضارّ منه خوضٌ في التطبيب الذي لا ينتهي إليه نظر الفقيه، وهذا يقرب من المأكل؛ فإن معظم الاعتلال من الإكثار أو الإقلال في المطعم، ولا حجر على العبد فيه، فالعهدة إذاً في افتقار النكاح إلى الإذن أنه إذا صح، تعلقت حقوقه بالكسب، والكسب مستحق للمولى.
فإذا تبين ذلك، فالمنافع والاكساب للموصى له، فليقع الاكتفاء بإذنه في النكاح.
فإن كان الموصى بخدمته جارية، فلابد في تزويجها من إذنهما جميعاً وفاقاً؛ فإن التزويج ينقُص من القيمة، وما ينقص من القيمة يؤثر في الملك لا محالة. ثم قال فقهاؤنا: الولي في التزويج الوارثُ، ولكن لابد من رضا الموصى له، وهذا حسن ظاهر.
7396- ومما ألحقه الأصحاب بالقواعد المقدمة القولُ في بيع الوارث العبدَ الموصَى بخدمته، وقد اختلف أصحابنا في ذلك على ما تقدم الشرح فيه.
فإن ملّكنا الوارثَ البيعَ، فلا شك في نفوذ إعتاقه.
فإن قلنا: لا ينفذ بيعه، فالذي قطع به معظم الأصحاب أن إعتاقه ينفذ، ثم بنَوْا عليه أن العتق إذا نفذ، بقيت المنفعة مستحقةً للموصى له.
وقد ذكر شيخي وطوائف من الأئمة أن العبد المستأجر إذا عَتَق في أثناء مدة الإجارة، هل يملك فسخ الإجارة؟ فعلى وجهين، فالرأي في الإجارة القطعُ بأنه لا يملك الفسخ.
فأما إذا كانت الوصية بالمنفعة، فهذه منيحة، ويتجه في ذلك ترددٌ لمثابة الاستحقاق، والظاهر أنْ لا خيار في أن الاستحقاق يهدم كما إذا أُعتقت الأمة تحت زوجها الحر؛ فإن النكاح مؤبد عليها، وهو رق كما قال المصطفى صلى الله عليه، وإنما ثبت الخيار للمعتَقة تحت العبد للخبر.
ويجوز أن يقال: إذا أُعتق العبد الموصى له بخدمته أبداً، يُخيّر كالأمة تُعتَق تحت العبد؛ فإنها لو عتقت تحت حر، لرجع إليها حظ ظاهر في الاستمتاع، فلا ضرار إلا استمرار حكم النكاح. ولو أثبتنا حق الانتفاع للموصى له بعد الحرية، لكان دوام هذا الاستحقاق كالاسترقاق، وهذا يزيد على ما ينال المعتقة من الضرار تحت العبد.
فإن قيل: إذا أثبتم الخيار، فهل يحتمل أن يقال: تنقطع الوصية من غير حاجة إلى خيار؟ قلنا: لم يصر إلى ذلك أحد من الأصحاب، وإذا كنا نثبت الوصية بالمنفعة على التأبيد والملك في الرقبة بعدُ للموصي؛ فلا يبعد أن تبقى المنفعةُ مستحقةً بعد زوال الملك، ولكن الخيار يعتمد الضرار، كما قدمناه.
فهذا منتهى الكلام في ذلك.
ثم من قالى: نفقة الموصَى بمنفعته على المالك، فإذا أعتقه يتخلص من النفقة، وإن قلنا: النفقة على الموصى له، فالاستحقاق دائم عليه؛ فإن سبب الاستحقاق عليه ثبوت المنفعة له على التأبيد، وهذا المعنى دائم مع حصول الخدمة.
فرع:
7397- الصحيح من المذهب أنه لا يجوز إعتاق الموصى بمنفعته عن الكفارة؛ لعجزه عن الكسب لنفسه، فأشبه ذلك عجزه عن الكسب بالزمانة.
ومن أصحابنا من قال: يصح إعتاقه عن الكفارة لكمال الرق والأطراف، فليقع النظر في ذاته وصفاته، لا في مصرف منافعه.
فرع:
7398- ذهب طوائف من أئمتنا إلى أن مكاتبة العبد الموصى بخدمته غيرُ صحيحة، فإنه ليس قادراً على أكساب نفسه لنفسه، وقال هؤلاء: يجوز كتابة العبد المؤاجَر في مدة الإجارة.
ومن أصحابنا من صحح الكتابة؛ تعويلاً على صرف الصدقات إليه، ويجب أن يكون في مكاتبة العبد الزمن هذا التردد.
ومن منع كتابة العبد الموصى بمنفعته رأى هذين التصرفين متناقضين. فعلى هذا من أوصى بالمنفعة، ثم كاتب، كانت الكتابة من الموصي رجوعاً عن الوصية بالخدمة، والذي قدمناه من منع الكتابة مفروض في الوارث إذا أراد مكاتبة العبد بعد استقرار الوصية بالمنفعة.
فرع:
7399- إذا غصب رجلٌ العبد الموصى بمنفعته أياماً، وعطل منافعه على مستحقها، فإنه يغرَم له أجرة المثل، من جهة أنه أتلف عليه المنافعَ المملوكة له.
ولو غصب غاصب العبد المستأجَر في أثناء المدة، وضيّع منافعه على المستأجر، فقد ذكرنا أن المذهب الصحيح أنه لا يغرَم شيئاً للمستأجِر، وإنما يغرَم أجر المثل للمالك المكري ويحط عن المستأجِر قسطاً من الأجرة المسماة.
والفرق بين الموضعين أن المنافع إذا لم تتلف في يد المستأجِر، فليست مضمونة عليه، بل هي محسوبةٌ على المكري، ثم عهدة العقد توجب ما ذكرناه، وليس في الوصية بالمنفعة عوضٌ يفرض سقوطه في مقابلة تضييع المنفعة على الموصى له، فلا وجه إلا تغريم الغاصب قيمة ما يتلفه من المنفعة لمستحقها ومالكها، ومستحقُّها الموصى له.
فرع:
7399/م- إذا ذكَر للمنفعة وقتاً، لم يخف حكم التأقيت، وقد بان حكم التأبيد أيضاً.
فلو أوصى لإنسانٍ بمنفعة عبد، ولم يتعرض لتأقيتها، ولا لتأبيدها، فالذي ذكره الشيخ أبو علي في الشرح القطعُ بحمل ذلك على التأبيد؛ فإن العقود المطلقة القابلة للتأبيد محمولةٌ على التأبيد.
هذا ما ذكره، ولم أر في الطرق ما يخالف ذلك.
فصل:
قال: "فإن كان أكثرَ من الثلث، فأجازه الورثة في حياته، لم يجز ذلك إلا أن يجيزوه بعد موته... إلى آخره".
7400- الوصية إذا كانت زائدةً على الثلث، فلو أجاز الوارث الزيادة قبل موت الموصي، فإجازته ملغاة لا أصل لها؛ فإنها حدثت عنه قبل أن يثبت له حق الإرث، فكذلك لو استأذن الموصي ورثته، فأوصى وزاد، فتلك الزيادة لا تنفذ.
وهذا بمثابة ما لو أذن الشفيع لشريكه في بيع الشقص وإذا باع نثبت الشفعة ولا أثر للإذن المتقدم.
وكذلك إذا قبل الموصى له الوصية في حياة الموصي، فقبوله مردود؛ فإنه لا يدخل وقتُ القبول ما لم يمت الموصي، فهو على خِيرَته بعد موته. وإن قبل في حياته. فكذلك إن رد الوصية، فلا حكم لرده في الحياة. ولو كان يؤثر قبوله ورده في حياة الموصي لاشتُرط اتصالُ القبول بالإيصاء، وسيكون لنا إلى هذا عودة في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.