فصل: باب: نكاح المريض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: نكاح المريض:

7522- إذا نكح المريض امرأة، صح النكاح وفاقاً، والمنكوحة ترث الزوجَ خلافاً لمالك رحمه الله، وإياه قصد الشافعي رضي الله عنه بالرد، وقد أسرف مالك رضي الله عنه في طرفي نقيض، فقال: المنكوحة في المرض لا ترث، والمبتوتة في المرض ترث وإن انقضت عدتُها قبل موت الزوج، وذكر الأستاذ أبو منصور مذاهب للسلف مختلفة في نكاح المريض، لسنا لها.
فصل:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويلحق الميتَ من فعل غيره وعمله ثلاث... إلى آخره".
7523- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابنُ آدم، انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادةً في أعمالكم». وقال عليه السلام: «تصدَّق وأنت شحيح بخيل، ولا تؤخر حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد صار لفلان».
7524- ومضمون هذا الفصل تفصيل القول فيما يقع عن الموتى، وقد أطلق الأئمة رضي الله عنهم في الطرق أن من تصدق عن ميت بصدقة، وقعت الصدقةُ عن الميت، ولا فرق بين أن يكون المتصدق وارثاً أو غير وارث، وقرنوا الصدقة بالدعاء، وقالوا: بركة الدعاء يُرجى التحاقها بالميت، من غير فصلٍ بين داعٍ وداعٍ، فكذلك صدقة التطوع، واحتجوا عليه بما روي أن سعد بن عبادة قال لرسول الله عليه السلام: «إن أمي أُصمتت، ولو نطقت، لتصدّقت، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم».
هذا ما ذكره الأئمة في الطرق، ووجدت في بعض التصنيفات رمزاً إلى شيء يدور في خَلَد الفقيه، وذلك أن الصدقة نرجو لحوق بركتها الميت، فأما أن تقع عن الميت وصَدَرُها من غير وارث، وهي متطوع بها. فهذا بعيد عن القياس.
وقد ذكر الصيدلاني وغيره أنها تقع عن الميت، ومعنى وقوع التطوع عن الشخص أن يلتحق بأعماله، وكيف يُفرض هذا، ولم يعمله، ولم يأمر به؟ نعم، إن تصدق الرجل وقصد شخصاً، كان ذلك في معنى الدعاء له، فلا يبعد أن يخفف الله على المتصدَّق عنه، وتنزل الصدقة وهي واقعة عن المتصدِّق منزلةَ الدعاء؛ فإن الدعاء يقع عبادة عن الداعي، وينال بركتَه الميت.
وفي حديث سعد تأملٌ للناظر، فإنه وارث، وللخلافة والوراثة أثر سنبيّنه في أثناء الفصل، إن شاء الله تعالى.
وأيضاً، فإنه لم يسأل عن وقوع الصدقة عن أمه، وإنما قال: أينفعها ذلك؟ فقال رسول الله عليه السلام: نعم. وليس يبعد عندي أن الأصحاب الأولين أرادوا هذا.
ولكن صرح المتأخرون بوقوع الصدقة عن الميت، وكان شيخي أبو محمد يبوح بهذا، ويعلله بأن النفوس متشوقة إلى إتباع الموتى الصدقاتِ، ومقتضى الشرع الحث على الصدقات بالجهات، فلا يمتنع أن يقع الحكم بوقوع الصدقة عن الميت، وهذا يعضده الزكاة؛ فإنها ركن الدين وقوامها النية، ثم قد تقع معتداً بها من غير نية.
7525- فإذا تمهدت هذه المقدمة أتبعناها باتفاق الأصحاب بأن من أعتق مملوكاً عن ميت متبرِّعاً، ولم يكن على الميت عتق، فالعتق لا يقع عن الميت، سواء كان المعتِق وارثاً أو غيرَ وارث.
وفرّق من أجاز التصدق عن الميت بين العتق والصدقة، بأن قال: العتق يُعقب ولاءً، وإثبات الولاء يتضمن صدر العتق عن ملك من له الولاء بعد العتق، وتمليك الميت بعيد بخلاف الصدقة.
وهذا كلام لا غَوْصَ له؛ فإن الصدقة عن الغير تقتضي صدرها عن ملكه، بَيْد أن الصدقة تفارق العتق بالولاء، وافتراقها في ذلك لا يوجب فرقاً في افتقار كل واحد منهما إلى الصدور عن الملك.
7526- ولو مات وعليه كفارة، فقد قدمنا في الكفارات والمنذورات-وإن جرى التزامها في الصحة- قولين في أنها ديونٌ من رأس المال، أم سبيلها سبيل الوصايا؟
فإن جعلناها ديوناً، وهو الأصح، وعليه تفريع الفصل، كما سنذكره الآن-إن شاء الله عز وجل- وإن جعلناها بمثابة الوصايا، فهي بمنزلتها في الاحتساب من الثلث، وهل تسقط بالموت إذا لم يَجْر إيصاءٌ بها أم لا حاجة إلى الإيصاء؟ فيه تردد مقتضبٌ من كلام الأصحاب: يجوز أن يقال: إنها تسقط على هذا القول؛ فإنها إذا حلّت محل الوصايا، فلابد من تقدير ذكرها والإيصاء بها.
والظاهر عندي أنه لا حاجة إلى ذكرها، وجريانُ أسبابها كافٍ، ولكنها قصرت عن الديون، من حيث أدخلها المرء على نفسه، وليست واجبة شرعاً ابتداء.
ونحن نعود بعد ذلك إلى التفريع على الأصح، وهو أنها ديون، ولا حاجة إلى فرض الإيصاء بها، فنقول: إن كان التكفير الواجب بإخراج طعامٍ أو كسوة، فلا خلاف أن الوارث لو أخرجه، وقع الموقع، ولا فرق بين أن يخرجه من تركته، وبين أن يخرجه من مال نفسه إذا لم يخلّف الميت تركة. هذا متفق عليه.
ولو أخرج أجنبيٌ عنه ما وصفناه، فالذي ذهب إليه معظمُ الأصحاب أنه يقع الموقع كما لو أخرجه الوارث، ووجهه أن وجوب الكفارة متحقق بعد الوفاة، وقد فاتت النية ممن عليه الكفارة، وفات تقدير الإنابة؛ فصار ما يخرج في حكم دَيْن محض، لا يفتقر إلى النية، ويصح من الأجنبي أن يؤدي ديْنَ الغير؛ من جهة أنه لا يفتقر إلى النية، ويمتنع في حالة الحياة من الأجنبي تأدية الكفارة والزكاة عن الغير؛ من جهة أن نية من عليه ممكنة، واستنابته متوقعة، والآن إن مات، فقد فاتت النية وتوقعها، وانحسم مسلك الاستنابة.
ومن أصحابنا من قال: ليس للأجنبي أن يطعم عنه أو يكسو، وإنما ذلك للوارث؛ فإن للوراثة خلافة لا تنكر، فلا يبعد أن نقيم الوارث مقام الموروث، وتخصيص ذلك بمن يخلف في الوراثة.
ثم إذا كان للميت ورثة واشترطنا صدور الإطعام عن الوارث، فلا خلاف أن بعضهم لو استبدّ بالإطعام، جاز، وإن لم يخلّف الميت شيئاً، وهذا يؤكد تصحيح الإطعام من الأجنبي، فإن ما يُشترط فيه خلافةُ الوراثةِ يُشترط فيه صَدَره من جميع الورثة، كالإقرار بالنسب.
7527- ولو لزمته كفارة فيها إعتاق، لم يخل العتق من أن يكون متعيّناً في ثبوته، أو يكون مع غيره على قضية التخير، كالعتق في كفارة اليمين.
فإن كان العتق متعيناً في وضعه كالعتق في كفارة القتل والظهار والوقاع في نهار رمضان، فإذا أخرج الوارث رقبةً وأعتقها عن المتوفَّى، فلا شك أنه إن أخرجه من تركته أو من مال نفسه وخلَّص التركة لنفسه، فذلك حق يخرجه، ودين يؤدّيه، والتفريع على أن الكفارات الواجبة في الصحة ديون بعد الموت.
وإن لم يخّلف الميت شيئاً، وأعتق عنه وارثه من خاص ماله عبداً، صرفه إلى كفارته، وقع العتق عن المتوفى، ومن آثار وقوعه عنه أن الولاء له.
ولو أعتق أجنبي عنه عبداً والعتق متعيَّن، ففي المسألة وجهان مرتبان على الوجهين في الإطعام، والعتقُ أولى بألا يصح؛ لاستعقابه الولاءَ، وهذا في رأي العلماء يقتضي تعلقاً بملك أو خلافة، ولذلك لم يصحح التطوعَ بالإعتاق من الأجنبي عن الميت من يصحح منه التصدقَ عن الميت تطوعاً، فقال: إذا أعتق الأجنبي عن الميت تبرعاً، وقع العتق عن المعتِق، وانصرف إليه الولاء، ولغا قصدُه الميتَ.
هذا إذا كان العتق متعيَّناً في الكفارة.
7528- فإذا ثبت على قضية التخير كالعتق في كفارة اليمين، فإذا لم نجد من الميت إيصاء، فإن أطعم الوارث، أو كسا، وقع الموقع، وإن أعتق عنه عبداً، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أن العتق لا يقع الموقع؛ فإنه غير معيّن، وهو من هذا الوجه مُضاهٍ للعتق المتطوع به، وقد ذكرنا أن الوارث لو أعتق عن الموروث متبرعاً، لم يقع عنه.
والوجه الثاني- أن العتق يقع عن الميت؛ فإن العتق مع الإطعام والكسوة على قضيةٍ واحدة، والتخيّر يتعلق بجميعها، وما اتفق إخراجه منها يقع واجباً، ويلتحق في وقوعه بما يتعين، وقد ذكرنا أن العتق المتعيّن إذا صدر عن الوارث، وقع عن الميت موقع الإجزاء.
هذا إذا أطعم الوارث أو أعتق.
فأما إذا أطعم الأجنبي، فظاهر المذهب أنه يجزىء عن الميت إذا نواه وقصده، وفيه وجهٌ آخر ذكرناه.
فإن أعتق الأجنبي عن الميت في كفارة اليمين، ففي المسألة وجهان، إن أحببنا رتبناهما على الوجهين في الوارث، وهو أولى بألا يقع الموقع من الأجنبي، والفرق انتفاء الخلافة وثبوتها، وإن أحببنا، رتبنا الوجهين على الخلاف المذكور في إطعام الأجنبي.
هذا كله إذا لم يوص من عليه الكفارة.
7529- فأما إذا لزمته كفارة يمين، فأوصى بأن يعتق عنه، فإن وفى ثلثه، فذاك، وإن قصر الثلث-والتفريع على أن الكفارة ديْنٌ- فقد كان شيخي يقول: يجب الإعتاق عنه من رأس ماله.
وهذا ما أراه كذلك؛ بل ما دل عليه فحوى كلام الأئمة أن تعيين العتق في حكم الوصية.
وإن فرعنا على أن الكفارة دين؛ فإنه غير متعين، وفي إخراجه مغرم بيّن، وشيخنا كان يقول: ما حكيته بناء على أن العتق في الكفارة أحد الواجبات الثلاثة، فإذا عينه تعين.
وهذا عري عن مساق الفقه، وتعيين العتق وفي غيره كفايةٌ عنه مندوحةٌ بمثابة تعيين عبد شريف للإعتاق وفي عبد قليل القيمة مَقنعٌ، واستجماعٌ لشرائط الإجزاء.
وسيكون لنا إلى هذا الفصل عودة في كتاب الأيمان، إن شاء الله عز وجل.
فصل:
قال: "ولو أوصى له ولمن لا يحصى، فالقياس أنه كأحدهم... إلى آخره".
7530- إذا أوصى لزيدٍ وللفقراء بثلث ماله، فقد ذكر الشيخ أبو علي ثلاثة أقوال في المسألة، ولم يذكر شيخنا والصيدلاني إلا قولين منها:
أحدهما: أن لزيد نصفَ الموصى به؛ فإنه معنى في شخصه، والفقر معنى في نفسه، فكان إضافة الثلث إليه وإلى الفقراء بمثابة إضافة الثلث إلى شخصين، ولو قال: يصرف ثلثي إلى زيد وعمرو، فهو بينهما نصفان.
والقول الثاني- أن زيداً كواحد من الفقراء.
ثم لو أوصى للفقراء، فأراد الوصيّ صرفَ الموصى به إلى ثلاثة منهم، فله أن يصرف إلى واحد أقلَّ القليل، وكذلك الثاني، ثم يخصص الثالث بتتمة الموصى به، فزيد إذا ضم إلى الفقراء بمثابة واحد منهم، إذا أوصى لهم دون غيرهم.
وحكى الشيخ أبو علي قولاً ثالثاً، هو أن زيداً المضموم إلى الفقراء يستحق ربع الموصى به، فإنه لابد من رعاية الجمع في الفقراء، وأقل الجمع ثلاثة، فيكون زيد رابعَهم، ثم هو مقصود في نفسه، فتصير الوصية في حقه بمثابة وصية أضيفت إلى أربعة، فلا ينحط حقه عن الربع، وليس كالواحد من الفقراء، فإنه لا حصر لهم.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة أخرى، فقال: من أصحابنا من قال: إنْ تعرض الموصي لفقر زيد، فقال: أوصيت لزيد الفقير وللفقراء، وكان زيد فقيراً، فتخرج المسألة على ثلاثة أقاويل: أحدها: أن له نصيبَ فقيبر، فأما إذا لم يصف زيداً بالفقر الذي هو وصف المضمومين إليه في الوصية، ولكنه قال: أوصيت لزيد وللفقراء، قالوا: فلا يخرج في هذه الصورة إلا قولان:
أحدهما: له النصف.
والثاني: له الربع، فأما القول الثالث، فلا يخرج.
وهذه الطريقة ضعيفة.
ثم قال الشيخ: إذا قلنا لزيد مثل نصيب فقير، فقد اختلف أصحابنا في معنى ذلك: منهم من قال: معناه أنه لو أُعطي أقل ما يتمول أجزأ ذلك، وهذا هو السديد، ومنهم من قال: ينظر إلى عدد الفقراء الذين يتفق التسليم إليهم، فإن أعطى ثلاثة من الفقراء وأراد الاقتصار، فلزيد ربعُ الوصية لا ننقص من الربع، وإن كان ينقص آحادَ الفقراء ويزيد لبعضهم.
وإن أعطى خمسةً من الفقراء، فيعطيه السدسَ، وإن أعطى عشرة، فيعطيه من الوصية جزءاً من أحدَ عشرَ جزءاً من الوصية.
وهذا ضعيف جداً. هذا كله إذا ذكر في الوصية زيداً وأقواماً موصوفين غيرَ منحصرين بصفةٍ لا تلزم.
7531- فأما إذا قال: أوصيت لزيد وللبكريّة والعلويّة، فقد اختلف قول الشافعي في أن الوصية للعلوية والبكرية ومن في معناهم، وهم أقوام لا ينحصرون، وليسوا على صفة يتوقّع تحولهم عنها، فأحد القولين- الوصيةُ لهم باطلة.
والثاني: أنها صحيحة، وقد أشرنا إلى توجيه القولين فيما تقدم.
فإن صححنا الوصية، فهو كما لو أوصى لزيد وللفقراء، وقد تبين التفصيل فيه. وإن لم نصحح الوصيةَ للعلوية، فالمذهب أن الوصية تصح لزيد ثم في قدر ما يستحقه الأقوالُ والتفصيلُ الذي قدمناه.
ومن أصحابنا من قال: إذا أبطلنا الوصية للعلوية، فتبطل الوصية لزيد المسمى، وهذا يخرّج على القول الذي يقول: إنه يستحق ما يستحقه أحد الفقراء، على معنى أنهم إن اتفقوا ثلاثة، فله الربع وإن اتفقوا أربعة، فله الخمس، فإذا بطلت الوصية للعلوية فلم يُعطَ واحدٌ منهم شيئاً لنعتبر نصيبَ زيد به، فالوصية لزيد لا تثبت.
وهذا وإن كان فيه تخييل، فالأصل الذي عليه التفريع فاسد.
7532- ولو أوصى لزيد والملائكة بثلث ماله، فالوصية للملائكة باطلة، والتفريع بعد هذا كالتفريع على ما لو أوصى لزيد والعلوية وحكمنا ببطلان الوصية للعلوية.
وفي هذا المنتهى أمرٌ لابد من التنبيه إليه وهو أنه إذا أوصى لزيدٍ وللفقراء، وقلنا: يستحق زيدٌ الأقلّ مثلاً، وهو أن تقليل نصيبه وتكثيره إلى الوصي، ولا اختيار للوارث فيه بحق الإرث.
فأما إذا أوصى لزيد والملائكة، وقلنا: لزيد الأقل في أوضاع هذه المسائل، فقد ذكر صاحب التلخيص في ذلك قولين:
أحدهما: أن اختيار الأقل فيه إلى الوصي الذي ننصبه فيصرف إليه ما شاء من المسمى، ويرتدّ الباقي ميراثاً، حتى لو استوعب معظمَ ما وقع الوصية به جاز.
والقول الثاني- أن الخيار في هذه الصورة إلى الوارث، فلو قالوا: لا تدفع إليه إلا درهماً أو أقل مثلاً، وقال الوصي: ندفع إليه ألفَ درهم فنتبع الورثة.
قال الشيخ: لعل هذا هو الأصح؛ لأنه إذا أوصى لزيد والفقراء بثلثه فكل، الثلث يُستحق بالوصية، فتعيين القدر إلى من يُنصبُ وصياً في ذلك.
وفي هذه المسألة بطل بعض الوصية، وآل التنازع إلى القدر المستحق في الوصية، فالقول قول الورثة والعبرة بمرضاتهم.
وإذا أوصى لزيد، والبكرية، وأبطلناها في حق البكرية، فهو كما لو أوصى لزيد والملائكة.
7533- قال: ولو أوصى لزيد ولجبرائيل عليه السلام، فالوصية لجبريل باطلة، وتصح في حق زيد المضموم معه، ولا يخرج في هذه المسألة قولُ الفساد في حق زيد إذا ذكر مع الملائكة، ووجهه بيّن؛ فإن الفساد أتى من الجهل بعدد الملائكة، وجبريلُ واحدٌ في نفسه.
ولو أوصى لزيد وللرياح بثلث ماله، فقد اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: كل الوصية مصروف إلى زيد؛ فإن الرياح ليست من الأشخاص التي يتوهم إضافة العقود إليها، وليست كجبريل عليه السلام؛ فإنه من الأشخاص التي يتوهم ذلك فيه.
والوجه الثاني- وهو الصحيح أنه يستحق نصف المسمى كالمسألة الأولى، ولا نعتقد الرياحَ أعداداً.
ولو أوصى لزيد والجدار، أو غيره من الجمادات، فهو كما لو أوصى لزيد والرياح.
ولو أوصى لزيد ودابّةٍ لعمرو، فلزيد النصف، وفي الوصية لدابة عمرو تفصيل سنذكره مفصلاً بهذا إن شاء الله.

.فصل: مشتمل على ذكر من تصح الوصية له و من لا تصح له:

7534- فنعرض لما يكاد يغمض أو يتطرق إليه خلاف.
أما الوصية للوارث، فقد سبق القول فيه، وذكر صاحب التلخيص بعدها الوصيةَ للقاتل، وفيها قولان مشهوران: أحد القولين- أنها تصح، وهو القياس.
والقول الثاني- أنها لا تصح، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وصية لقاتل». وهذا الحديث ليس على الرتبة العالية في الصحة، والصحيح لا وصية لوارث.
ثم سلك بعض الفقهاء مسلك التوجيه بطريق التشبيه بالإرث؛ فإن استحقاق الوصية يتعلق بالموت كالميراث، ثم زجر الوارث عن القتل حتى لا يستعجل الميراث به، فحُرم ما يستعجله، وهذا يتحقق في الوصية تحققه في الميراث.
ثم اختلف أصحابنا في محل القولين على طرق:
فمنهم من قال: القولان فيه إذا تقدمت الوصية، ثم قتل الموصى له الموصي، فإنه في هذه الصورة ينسب إلى الاستعجال، فأما إذا جرح رجلاً ثم إن المجروح أوصى للجارح، فالوصية صحيحة إذا مات المجروح بالجرح السابق على الوصية قولاً واحداً.
ومن أئمتنا من قال: إن وقع القتل بعد الوصية، بطلت الوصية، كما سنصف بطلانها في التفريع، وإن تقدم الجرح، وتأخرت الوصية ووقع الموت بالجرح المتقدم، ففي المسألة قولان.
ووجه هذه الطريقة بناء الأمر على العمل بالخبر، ثم هو نصٌّ فيمن تأخر قتله عن الوصية له.
وفي التعلق بالخبر نظرٌ إذا تقدم الجرح وتأخرت الوصية؛ من جهة أنا نفهم من حرمان القاتل حكم معاقبته بمنع مقصوده، وإن كان اللفظ ظاهراً.
وهذا يناظر تردّدَ الأصحاب في حرمان من يقتُل بحق لخروجه عن محل المعاقبة؛ إذ المعاقبة على ترك التحفظ عند وقوع الخطأ، مع عموم قول رسول الله عليه السلام: «ليس للقاتل من الميراث شيء».
ثم حيث نقضي بصحة الوصية، فلا خِيرةَ للورثة، وحيث لا نقضي بنفوذها، اختلف أصحابنا، فمنهم من قال: إذا أجازها الورثة، جازت، ومنهم من قال: لا تنفذ بإجازتهم، وهذا الاختلاف مفرّعٌّ على قولنا: إن إجازة الورثة تنفيذ وصية، فأما إن جعلنا إجازته عند وجوب مراجعته ابتداء عطية، فابتداء وصية الوارث لقاتل الموروث نافذ لا شك فيه.
ثم قال صاحب التلخيص: وإن منعنا الوصيةَ للقاتل، فلو قتلت أمُّ الولد سيدها، عتَقَت؛ فإن عتقها محسوب من رأس المال، لا يسلك به مسلك الوصايا.
فأما المدبّر إذا قتل سيدَه، والتفريع على أن الوصية للقاتل مردودة، فقد اختلف أصحابنا: فمنهم من قال: القول فيه يخرّج على أن التدبير وصية أم تعليق عتق بصفةٍ؟ فإن جعلناه تعليقاً، نفذ العتق، ولم يؤثر القتل.
وإن جعلناه وصيةً، لم يعتِق على منع الوصية للقاتل.
ومن أصحابنا من قال: سواء قلنا: إن التدبير تعليق أو وصية، فتخرّج المسألة على أن العتق لا ينفذ إذا منعنا الوصية للقاتل، وذلك أن العتق على القولين محسوب من الثلث وفاقاً، وكل تبرع يكون محسوباً من الثلث، فهو في الحكم الذي نتكلم فيه وصية.
وأثر القولين في أن التدبير تعليق أو وصية يرجع إلى جواز الرجوع عن التدبير، فإن جعلناه تعليقاً، لم يجز الرجوع صريحاً.
7535- وذكر صاحب التلخيص فيمن لا تصح له الوصية: الحربي، وكلامه يقتضي أن الوصية له باطلة، واعتلّ في ذلك بانقطاع الموالاة بيننا وبينهم، قال الشيخ: هذا لم يقله أحدٌ من الأصحاب، بل قطعوا بأن الوصية للحربي جائزة إذا لم يكن الموصى به سلاحاً، فإن أوصى له بسلاح، فهو كما لو باع منه سلاحاً، وقد مضى تفصيل ذلك في كتاب البيع. وما ذكر صاحب التلخيص من التعرض للموالاة فإنه كلام عريٌّ عن التحصيل؛ فإن الوصية لا تقتضي الموالاة، ولا تعتمدها، ولست أدري ماذا كان يقول في الهبة من الحربي، وظاهر قياسه أنها كالوصية.
7536- والوصية للذمي منفذة؛ فإنهم في عوننا ونصرتنا، ويتعين علينا الذب عنهم فالوصية حمل على إعانتهم بطائفة من المال؛ فإن المال أهون من تعريض النفوس للهلاك بسبب الذب عنهم.
7537- ومما تعرض له صاحب التلخيص والشارحون القولُ في الوصية للعبد والوصية للدابة، فلتقع البداية بالوصية للعبد: أجمع الأصحاب على أن الوصية للعبد صحيحة، ثم بان لنا من حقيقة ترتّبهم أن الوصية تقع للعبد في نفسه، ولكن إن كان من أهل الملك حالة القبول، وقعت الوصية له، وإن لم يكن من أهل الملكِ حالة القبول، وقعت الوصية لمالكه.
وبيان ذلك أنه إذا أوصى لعبدِ إنسانٍ بمالٍ، ثم عتق ذلك العبد في حياة الموصي، ثم مات الموصي، فإذا قبل هذا المعتَقُ الوصيةَ، صح قبوله، ووقع الملك في الموصى به له، ولو بقي مملوكاً حتى قَبِل الوصية بعد موت الموصي، فالملك في الموصى به يقع لمالكه.
ولو مات الموصي والعبد بعدُ مملوك لوارث الموصي، فأعتق الوارث العبدَ قبل قبول الوصية، قال الشيخ: هذه المسألة تخرّج على القولين في أن الملك في الموصى به متى يحصل للموصى له؟ فإن فرعنا على قول الوقف، وقلنا: إذا جرى القبول استند الملك تبيّناً إلى موت الموصي، فعلى هذا لا تصح الوصية؛ فإنها لو صحت، لاستند الملك إلى حالة الموت، وهو إذْ ذاك رقيقٌ للوارث، فلو قدّرنا فيه ملكاً، لكان للسيد.
وإن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فيقع الملك للعتيق دون الوارث.
هكذا قال رضي الله عنه.
7538- وقال في هذه المسألة: لو باع الوارث العبدَ قبل قبول الوصية، ثم إنه قبلها في ملك المشتري. فإن فرّعنا على قول الوقف والإسناد، فلا يصح القبول؛ إذ لو صح، لا نصرف الملك إلى الوارث، لأنه كان مالك رقِّه حالة موت الموصي.
وإن قلنا يحصل الملك بالقبول، فيصح القبول ويقع الملك للسيد الثاني.
7539- فانتظم ممّا ذكره الأصحاب أن الوصية للعبد تتعلق بالعبد على ترقّب ما يكون، فإن عتَقَ قبل الموت، وقَبِل الوصيةَ بعد موت الموصي، انصرفت الوصية إليه.
ثم الأصحاب مع قطعهم بهذا أطلقوا القول بأن من لا تصح الوصية له لا تصح الوصية لعبده، فأرادوا إذا بقي رقيقاً إلى القبول، وهذا قد يتطرّق إليه من طريق المعنى احتمال، لأن الموصى له هو العبد، وليس وارثاً، ولكن لم يصر إلى هذا أحدٌ من الأصحاب أعرفه.
ثم على قول القبول يحصل الملك لمن يكون مالك رقّ القابل وقت القبول، وهذا يدل على أن المالك ليس معنيّاً بالملك، وإنما متعلق الوصية العبدُ، ثم إن اتفق كونه حراً على التفصيل المقدم، فالملك له، وإن تبدّل الرق والملك، فالملك لمالكه، ولسنا نذكر هذا التخريج وجهاً؛ فإن المذهب ما نقلناه وما ذكرناه نبنيه على طريق المعنى.
ومما يخطر للفقيه في ذلك التعرضُ لاشتراط إذن المالك، وقد فرعناه فيما تقدم، ووصلنا به القول في أن السيد لو قبل وردّ العبدُ، فكيف يكون أمره؟-وإن كنا ذكرناه لم يضر أن نرمز إلى إعادته- فإن لم نشترط إذنَ السيد في القبول، فلا أثر لردّه وقبوله، وإن شرطنا إذن السيد في القبول، ففي صحة قبول السيد في أوان القبول مع إعراض العبد أو مع ردّه وجهان.
ومن تأمل هذه الأصول، لم يخف عليه من طرق الاحتمال شيء مع التزام المنقولات عن الأئمة.
7540- ومما يتعلق بهذا الفصل أنه إذا أوصى لدابة زيد بشيء، فأول ما فيه أنا نستفصل الموصي في حياته، فنقول: ما الذي أردتَ بذلك؟ فإن قال: أردت بذلك تمليكَ الدابة، فتبطل وفاقاً؛ فإنه قصد بما أطلقه محالاً.
وإن قال: قصدت بذلك صرفَ الموصى به إلى حاجة الدابة في علفها وسقيها، قال الأصحاب: صحت الوصية على تفصيلٍ نذكره.
وإن قال: لم أنوِ شيئاً أصلاً، قال الشيخ: تبطل الوصية؛ فإن ظاهرها تمليك الدابة، فلم تصح.
فإذا نوى الصرفَ إلى العلف، كما قلناه أو صرح به، ومات الموصي، قال صاحب التلخيص: إن قبل مالك الدابة الوصيةَ، ثبتت وإن ردّها، بطلت، ورُدَّت؛ فإن هذه الوصية تتعلق به؛ من حيث إنها تتعلق بمصلحة ملكه، ويستحيل أن نلزمه هذه الوصية حتى نتصرف في دابته بالعلف والسقي.
قال الشيخ: رأيت للشيخ أبي زيد أنه قال: تثبت الوصية، وإن لم يقبلها مالك الدابة؛ فإن الموصي قصد بذلك علفَ الدابة. وذلك حسبةٌ، "وفي كل ذات كبدٍ حرّى أجر".
قال الشيخ: وهذا ضعيفٌ جداً، ويلزم من مساقه تجويز الوقف والتحبيس على عبيد الإنسان ودوابّه.
7541-ثم قال صاحب التلخيص: فإذا قبل صاحب الدابة الوصية، فإن كان للموصي وصيٌّ، فلا يسلِّم الوصيُّ ذلك الموصى به إلى صاحب الدابة، ولكن يخرجه بنفسه إلى علف الدابة، على حسب الحاجة.
قال الشيخ القفال: عندي أنه إذا قبل الوصية، قبض الموصى به، ولم يتركه في يد الوصي، ثم قال: عندي أنه لا يتعين عليه صرف ما قبضه بعينه إلى الدابة، ولكنه لو أراد صَرْف غيره إلى علفها وتملّكَ ما قبضه، فله ذلك، وحقيقة هذا الاختلاف ترجع إلى أنه هل يملك صاحب الدابة عينَ ما أوصى به أَوْ لا؟ فالقائل الأول لا يثبت فيه ملكاً حقيقياً، ولكنه يصرفه إلى الدابة، والقفال يثبت الموصى به ملكاً لمالك الدابة، ومن هذا المنتهى ينعكس كلام على الوصية للعبد، فإن الملك الحاصل في الموصى به للعبد تَسْميةً وإطلاقاً لسيده.
ثم لم يختلف أئمتنا في أنه لا يجب على السيد صرفُ الموصى به إلى مصلحة العبد، كما لم يختلفوا في أن الملك فيه يحصل للمولى.
وفي تعليل ذلك، والفرق بين تعيين العبد في الوصية وتعيين الدابة سرٌّ لطيف، وهو أنّا من وجه نقدّر العبد موصى له، حتى كان الموصى به واقعٌ له، ثم لا حرج على الموصى له في الموصى به، غير أنه ليس من أهل الملك، فيثبت الملك لسيده، ثم لا حرج على السيد؛ فإنه بمثابة العبد، حتى كأنه نابَ عنه في الملك، وخرج العبد من الوسط. و لا يتصور فرض هذا من الدابة، ولابد من تعليق الوصية بالدابة إذا علقت بها، فإذا لم تتعلق بها لتقبل أو لتردّ انصراف الوصية إليها عند حالة تطرأ، ولابد من ربطٍ وفاءً بالوصية، فرأى الأصحاب صرْفَ الموصى به إلى مصلحتها، ثم لما كانت مملوكة، لم يتأت التصرف فيها دون المالك، فَشُرِط قبول المالك على شرط الوفاء بتخصيص الموصى به بالدابة.
والقفال رضي الله عنه جعل الوصية للدابة وصيةً لربّها، وهذا وإن كان يخلِّص مما ذكرناه، فإنه يورّط في غائلة عائصة؛ لأن اتباع الوصية لابد منها، فإن أضيفت إضافة صحيحة، وجب الوفاء بها، وإلا وجب إفسادها.
ثم ذكر القفال في تحقيق مذهبه مسألةً مستشهداً بها، وهي أنه لو مات رجل، فدفع إنسان إلى وارثه ثوباً ليكفنه به، فإن له أن يستأثر به، ويكفنه في ثوب من عنده، وهذا خرجه على المذهب الصحيح في وضع الكفن، فإنه ملك الوارث، ولكنه مستغرَقٌ بحاجة الميت. هذا أصح الوجوه، فكأنه رضي الله عنه رأى بذل الثوب من الباذل إحلالاً منه الثوبَ محل الكفن.
قال الشيخ: وهذا الذي ذكره في الثوب أبعد منه في الدابة. وهو كما قال؛ فإن باذل الثوب لم يملّكه أحداً، وإنما بذله ليدرج فيه الميت، فإما أن يرتسم رسمه وإما أن يرد عليه.
ثم قال الشيخ: إن حكمنا بما ذكره القفال، فربُّ الدابة يملك الموصى به ويقبض، ولا يعترض.
وإن قلنا: إنه لا يملكها، فإن كان ثمَّ وصيٌّ، فهو ينفقه على الدابة، وإن لم يكن، فقد تردد فيه كلام الأصحاب. فالظاهر من كلامهم أنه إذا لم يكن وصي، صرف المال إلى مالك الدابة، ثم ليس له إبدالُه، بل ينفقه على حسب الإمكان.
وقال قائلون: ينصب القاضي في ذلك قيّماً حتى يقوم بتنفيذ الوصية.
7542- ومن فقه هذه المسألة أن الموصي إذا وصى للدابة، ومات قبل البيان، نرجع إلى الورثة، فإن قالوا: نوى الصرفَ إلى العلف، صحت، وإن قالوا: نوى تمليك الدابة، بطلت، ولمالك الدابة تحليفهم، وإن قالوا: لا نعلم، فيحلفون على نفي العلم، وتبطل الوصية، وتصير كما لو قال الموصي: لم يكن لي نيّة.
7543- ثم ألحق الشيخ أبو علي بآخرِ هذا الكلام مسألةً، وهي أن رجلاً لو وقف شيئاً على مسجد واقتصر عليه، وقال: ينبغي أن نفصل القول في ذلك على الواقف، فإن قال: نويت تمليك المسجد منافع الوقف، فالوقف باطل، وكذلك إن قال: لم تكن لي نية بل أطلقت الوقف، ولو قال: قصدت صرف رَيْع الوقف إلى مصالح المساجد، فالوقف يصح حينئذ، وأجرى إضافةَ الوقف إلى المسجد مجرى إضافة الوصية إلى الدابة.
وهذا الذي ذكره فيه نظر؛ فإنه شبه الوقف على المسجد بالوصية للدابة وبينهما فرق واضح؛ فإن الوصية للدابة نادرةٌ شاذة إذا ذُكرت لأهل العرف، استنكروها، فتعينت مراجعة صاحب اللفظ، وأما الوقف على المسجد، فقد عم استعماله في إرادة مصالح المسجد عموماً ظاهراً، فينبغي أن يحمل مطلقُه على ما يقصد منه في عموم الاستعمال. والله أعلم.
هذا منتهى القول في الوصية للعبد والدابة.
7544- ومما ذكره صاحب التلخيص في أطراف الكلام في ذكر من تصح الوصية له ومن لا تصح الوصية له، قال: إذا جوزنا الوصية للقاتل، ومنعنا الوصية للوارث، فلو أوصى لوارثه بشيء، ثم إن الوارث قتل موروثه، فحكم التفريع على منع الوصية للوارث وتصحيحها للقاتل أن تصح الوصية، وهذا ظاهرٌ؛ من قِبَل أن القاتل خرج عن كونه وارثاً بالقتل.
وإنما أوردت هذه المسألة على ظهورها؛ لاقتضاء الكلام إلى حالةٍ يصير القتل فيها سبباً لتصحيح الوصية.
ثم ممّا أجراه أن عبداً لو جرح رجلاً، فأوصى له المجروح، فالوصية تصح، وإن منعنا الوصيةَ للقاتل؛ فإن هذه الوصية ترجع فائدتها إلى السيد، فليتأمل الناظر التفات هذا الفصل، ومصير الوصية للعبد تارةً إلى أن العبد هو الموصى له، وتارةً إلى أن الموصى له مولاه. والقتل الحاصل منه أن ما يتعلق بنسبة الموصى له إلى الاستعجال، فالعبد فيه لا يكون موصىً له، فإنه لا يتحصل على طائل، فينسب إلى استعجاله.
وإذا كان العبد لوارث الموصي، فنقدّر كأن الوصية للوارث؛ فإن الموصي ممنوع عن تفضيل الورثة، فلو صححنا الوصية لعبد الوارث، كان هذا مسلكاً اختياريّاً في تفضيل الورثة. وما يرجع إلى القبول وحكمه، فالنظر فيه إلى العبد وإنما يمتحن حذق المهرة في الفقه إذا اشتملت المسألة على معانٍ متعارضة، تكاد أن تتناقض، حيث صححنا الوصية للعبد القاتل، ولم نصححها لعبد القاتل، وأفسدناها لعبد الوارث؛ نظراً منا في ذلك كله إلى من إليه تصير الفائدة، فذلك فيه إذا بقي رقيقاً لذلك الشخص، فلو عتَق في حياة الموصي، فقد تبين رجوع الفائدة إليه، وهو القابل أيضاً نقدره موصى له قطعاً، وانظر هل فيه ما يمنع صحة الوصية من قتل أو غيره واجْرِ فيه على القياس، مستعيناً بالله عز وجل.
7545- و مما أجراه الشارحون الوصية للمرتد، قالوا: هي بمثابة الوصية للحربي؛ فإنه لا عاصم للمرتد من سيف الإسلام كما لا عاصم للحربي، وقد ذكرنا أن الوصية للحربي جائزة في ظاهر القياس، وقد حكى صاحب التلخيص منع الوصية للحربي من نص الشافعي، ووافقه في النقل من يوثق بنقله.
والذي صار إليه فقهاء الأصحاب تصحيحُ الوصية للحربي بكل ما يجوز بيعه منه، فأما الوصية للمرتد فأولى بالصحة؛ لأنه في عصام الإسلام، وقتلنا إياه ليس حدّاً مقاماً عليه، وإنما نجدّد له الإسلام بالبرهان الظاهر، فإن عاند، فبالسيف الباتر، ومذهب الشافعي أنه يحكم له وعليه بما يحكم به على المسلمين، ويجوز أن يقال: إذا حكمنا بأن الردّة تزيل ملكه، فالوصية ضعيفة حريِّة بالفساد.
وأحكام المرتدين ستأتي مستقصاة في آخر كتاب قتال أهل البغي، إن شاء الله عز وجل.